تراثنا ـ العددان [ 30 و 31 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 30 و 31 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٩

١ ـ تخصّص اصحاب الإمام الصادق عليه السلام كل واحد في حقل من حقول العلم.

٢ ـ تقييم الإمام عليه السلام لمناظرة اصحابه وبيان خطأها عن صوابها.

٣ ـ ارجاع الإمام مسألة التوحيد الى هشام بن سالم لا لهشام بن الحكم ربّما يومي الى انّ رأي هشام بن الحكم في تلك المسألة لم يكن مرضياً لديه عليه السلام (٤٥).

٤ ـ تقدير الإمام لهشام بن الحكم اكثر من سائر اصحابه ، حيث ان الامام عليه السلام كنّى هشام بن الحكم ومنحه ارفع درجات التقييم ، والظاهر انّه المأمور بتعليم الشاميّ ، وهذا ممّا يكشف عن مدى اهمية مسألة الإمامة لدى الأئمة عليهم السلام.

هذا وقد روى هذه المناظرة يونس بن يعقوب عن هشام بن سالم ، وقد روى يونس بن يعقوب مباشرة نظير هذه المناظرة على ما في الكافي ، فيحتمل وحدة الروايتين في الاصل ، ولكنّ الاظهر ـ بملاحظة كثرة فروق الخبرين ـ تعدد القضية ، فيحسن بنا ان ننقل هذه الرواية ايضاً :

عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فورد عليه رجل من اهل الشام ، فقال : إنّي رجلٌ صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة اصحابك (٤٦).

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «كلامك من كلام رسول الله او من عندك»؟

__________________

(٤٥) لاحظ رجال الكشي رقم ٥٠٠ وما بعده.

(٤٦) في النقل السابق جاء الرجل لمناظرة الإمام نفسه ولم يكن الإمام يتكلّم معه في اوّل الخبر ، وهذان مع غيرهما من الفروق يدّل على ما استظهرناه من تعدد القضية.

٣٦١

قال : من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ومن عندي.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «فانت اذاً شريك رسول الله»؟!

قال : لا.

قال : «فسمعت الوحي عن الله عزّ وجلّ يخبرك»؟

قال : لا.

قال : «فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم»؟

قال : لا.

فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إليّ فقال : يا يونس بن يعقوب ; هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم ، ثم قال : يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلّمته».

قال يونس : فيالها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك إنّي سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ...

وهنا كلام للإمام عليه السلام سنتحدث عنه لاحقاً.

ثم قال لي : «اخرج الى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله».

قال : فادخلت حمران بن اعين ـ وكان يحسن الكلام ـ وادخلت الأحول (٤٧) ـ وكان يحسن الكلام ـ وادخلت هشام بن سالم ـ وكان يحسن الكلام ـ وادخلت قيس بن الماصر ـ وكان عندي احسنهم كلاماً ، وكان قد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين عليهما السلام ـ.

فلمّا استقّر بنا المجلس ـ وكان أبو عبد الله عليه السلام قبل الحج يستقر ايّاماً في جبل في طرف الحرم في فازة (٤٨) له مضروبة ـ قال : فاخرج أبو عبد الله عليه السلام رأسه من فازته فاذا هو ببعير يخبّ (٤٩).

__________________

(٤٧) هو أبو جعفر الأحول محمد بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق والطاقي.

(٤٨) الفازة : الخيمة الصغيرة.

(٤٩) الخَبَب : ضرب من العدو.

٣٦٢

فقال : «هشام (٥٠) وربّ الكعبة».

قال : فظننّا أنّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل ـ كان شديد المحبة له ـ قال : فورد هشام بن الحكم وهو اوّل ما اختطت لحيته ، وليس فينا الاّ من هو اكبر سنّاً منه.

قال : فوسّع له أبو عبد الله عليه السلام وقال : «ناصرنا بقلبه ولسانه ويده».

ثم قال : «يا حمران ، كلّم الرجل» فكلّمه فظهر عليه حمران.

ثم قال : «يا طاقي ، كلّمه» ، فكلّمه فظهر عليه الاحول.

ثم قال : «يا هشام بن سالم كلّمه» ، فتعارفا (٥١).

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام لقيس الماصر : «كلّمه» فكلّمه.

فأقبل أبو عبد الله عليه السلام يضحك من كلامهما ممّا قد اصاب الشامي ، فقال للشامي : «كلّم هذا الغلام».

يعني هشام بن الحكم.

فقال : نعم ، فقال لهشام : سلني في امامة هذا.

فغضب هشام (٥٢) حتى ارتعد ثم قال للشامي : يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لانفسهم؟

__________________

(٥٠) يعني هذا الراكب هشام ، فظننا انّ هشام رجلّ اي ظناّ أنّه يريد بقوله : هشام ، ذاك الرجل «الوافي».

(٥١) فتعارفا : في اكثر النسخ بالعين والراء المهملتين والفاء اي تكلّما بما عرف كل منهما صاحبه وكلامه بلا غلبة لاحدهما على الاخر ، وفي بعضها بالواو والقاف «تعاوقا» اي وقعا في العرق كناية عن طول المناظرة «مرآة العقول».

(٥٢) كأنّه أساء الأدب في إشارته إلى الإمام عليه السلام ، أو استهزأ بهشام ولهذا غضب.

أقول : لعلّ استهزاؤه بهشام من جهة خطابه بالغلام ، فإنّ تعبير الإمام عن هشام بالغلام غير خطاب الرجل الشامي بذلك.

ومن جهة أُخرى : جعل الشامي هشاماً سائلاً يدلّ على عدم اعتنائه به ، فإنّ موضع السائل في المناظرة أشدّ استحكاماً من موضع المجيب ، فكأنّ الشامي يقول : إنّي أغلبك وإنْ كنت في الموضع المستحكم.

٣٦٣

فقال الشامي : بل ربّي أنظر لخلقه.

قال : ففعل بنظره لهم ماذا؟

قال : اقام لهم حجّةً ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا ، بتألّفهم ويقيم أودهم (٥٣) ويخبرهم بفرض ربّهم.

قال : فمن هو؟

قال : رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

قال هشام : فبعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

قال : الكتاب والسنة.

قال هشام : فهل نفعنا الكتاب والسنّة في رفع الاختلاف عنّا؟

قال الشامي : نعم.

قال : فلم اختلفنا انا وانت وصرت الينا من الشام في مخالفتنا ايّاك.

قال : فسكت الشامي.

فقال أبو عبدالله عليه السلام للشامي : «ما لك لا تتكلّم؟!».

قال الشامي : ان قلت : لم تختلف كذبت ، وان قلت : إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف ابطلت ، لانّهما يحتملان الوجوه ، وان قلت : قد اختلفنا وكلّ واحد منّا يدعي الحق فلم ينفعنا اذن الكتاب والسنّة إلاّ انّ لي عليه هذه الحجّة.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «سله تجده مَليّاً».

فقال الشامي : يا هذا! من انظر للخلق أربّهم أو انفسهم؟

فقال هشام : ربّهم انظر لهم منهم لانفسهم.

فقال الشامي : فهل اقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم اودهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم؟

__________________

(٥٣) أودهم : أي اعوجاجهم.

٣٦٤

قال هشام : في وقت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم او الساعة؟

قال الشامي : في وقت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والساعة من؟

فقال هشام : هذا القاعد الذي يشدّ اليه الرجال (٥٤) ويخبرنا باخبار السماء والارض ، وراثة عن أب عن جدٍّ.

قال الشامي : فكيف لي ان اعلم ذلك؟

قال هشام : سله عمّا بدا لك.

قال الشامي : قطعت عذري فعليَّ السؤال.

فقال أبو عبدالله عليه السلام : «يا شامي; اخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا».

فأقبل الشامي يقول : صدقت ، اسلمت لله الساعة.

فقال أبو عبدالله عليه السلام : «بل آمنت بالله الساعة ، إنّ الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والايمان عليه يثابون».

فقال الشامي : صدقت ، فانا الساعة أشهد ان لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنّك وصيّ الأَوصياء.

وقبل ان نكمل قراءة الحديث نقف عند بابه رويداً ونقتبس منه اموراً :

١ ـ إنّ الإمام يحترم هشام بن الحكم ـ ذاك الشاب ـ احتراماً كبيراً ، وهذا يدلّ على انّ عند العترة الطاهرة قيمة العلم اكبر من قيمة السنّ ، والعالم الشاب افضل من الشيخ غير العالم ، ونقل الراوي خصوص مناظرة هشام بن الحكم يدلّ على الجوّ الحاكم على تلك القضية حيث كانت الانظار متوجهة نحو هشام ابن الحكم فحسب.

٢ ـ إنّ الرواية تتضمن مناظرة كاملة مشتملة على السؤال والجواب ،

__________________

(٥٤) كناية عن اتيان الناس اليه من كل فج واقبالهم عليه في مواسم الحج. والرحل ما يستصحبه المسافر من الاثاث.

٣٦٥

والغرض منها هو الوصول الى الحق ، والخصم ايضاً انّما يبحث عن ذاك الغرض ، ولذلك تراجع عن رأيه عند ما ظهر له بطلانه.

٣ ـ إنّ طلب الشامي من هشام ـ عند مناظرته له ـ ان يكون سائلاً استخفافاً به ، بيد انه تراجع بعد ذلك عندما تبين قوة خصمه وكفاءته.

٤ ـ تشتمل هذه المناظرة على شكلين من اشكال المناظرة ، وترسمهما بدقة فائقة ، وقد ظفر هشام في كلا المنهجين ، وهذا ممّا يدلّ بوضوح على مقدرة هشام على المناظرة ومعرفته بقواعدها.

٥ ـ إنّ الإمام عليه السلام اصرّ على ايقاف الشامي على عجزه حينما بيّن له جهله في التمييز بين الاسلام والايمان.

أقول : نعود الى متابعة الحديث :

ثم التفت أبو عبدالله عليه السلام الى حمران فقال : «تجري الكلام على الاثر فتصيب» (٥٥).

والتفت الى هشام بن سالم فقال : «تريد الاثر ولا تعرفه» (٥٦).

وثم التفت الى الاحول ، فقال : قيّاس ، روّاغ (٥٧) تكسر باطلاً بباطل ، إلاّ

__________________

(٥٥) قال العلاّمة المجلسي في «مرآة العقول» : أي على الأخبار المأثورة عن النبيّ وأئمّة الهدى صلوات الله عليهم فنصيب الحقّ; ثم احتمل احتمالين آخرين :

٢ ـ وقيل على حيث ما يقتضي كلامك السابق فلا يختلف كلامك بل يتعاضد.

٣ ـ ويحتمل أن يكون المراد على أثر كلام الخصم ، أي جوابك مطابق للسؤال. والأول أظهر.

أقول : ويؤيّده كلام الإمام عليه السلام لهشام بن سالم وقيس الماصر كما يأتي قريباً ، وفي الاحتمالات الثلاثة إشارة إلى منهج خاصّ في المناظرة.

(٥٦) اي تريد ان تبني كلامك على الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولا تعرفه لعدم التتبع في الاخبار او عدم القدرة على الاستنباط «المرآة».

(٥٧) قيّاس على صيغة المبالغة ، اي انت كثير القياس ، وكذلك روّاغ «باهمال اوله واعجمام آخره» اي كثير الروغان ، وهو ما يفعله الثعلب من المكر والحيل ، ويقال للمصارعة ايضاً «الوافي».

٣٦٦

انّ باطلك اظهر».

ثم التفت الى قيس الماصر فقال : «تتكلّم واقرب ماتكون من الخبر عن رسول الله أبعد ما تكون منه ، تمزج الحقّ مع الباطل وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، انت والأحول قفّازان (٥٨) حاذقان».

قال يونس : فظننت والله انّه يقول لهشام قريباً ممّا قال لهما.

ثم قال : يا هشام! «لا تكاد تقع ، تلوي رجليك اذا هممت بالارض طرت (٥٩) ، مثلك فليكلّم الناس ، فاتّق الزلة والشفاعة من ورائها ان شاء الله» (٦٠).

هذه المناظرة تصور لنا تصويراً بديعاً عن مناهج المناظرات في زمن الإمام الصادق عليه السلام ، فكل من اصحابه عليه السلام يأخذ بمنهج.

حمران بالمنهج الحديثي ، ويصوبّه الإمام عليه السلام.

هشام بن سالم ايضاً يريد نفس المنهج ، ولكن ا ينجح فيه.

الاحول وقيس الماصر يناظران بالمنهج القياسي ، والإمام لا يرضى به لبطان القياس وهشام بن الحكم هو الذي يصيب في منهج المناظرة ، فيتكلّ على البراهين العقلية ويعتمد على مقام الإمامة ، والإمام يرضاه له ويأمره بالمناظرة دون الباقين.

فتحصل شرطان أساسيان للمناظرة :

الاول : المنهج الصحيح ، سواء كان المنهج الحديثي او كان المنهج العقلي الحديثي.

__________________

(٥٨) بالقاف والفاء المشدّدة والزاء من القفز ، وهو الوثوب ، وفي بعض النسخ : «قفاران» «بالراء المهملة» من القفر ، وهو المتابعة والاقفاء ، وفي بعضها بتقديم الفاء على القاف «فقاران» من فقرت البئر اي حفرته «المرآة».

(٥٩) اي انّك كلّما قربت من الارض وخفت الوقوع عليها لويت رجليك كما هو شأن الطير عند ارادة الطيران ثم طرت ولم تقع «المرآة».

(٦٠) الكافي ١ : ١٧١ ـ ١٧٤.

٣٦٧

الثاني : توفّر الاوصاف العلمية اللازمة للمناظرة.

وبعد هذا يسهل علينا تفسير الروايات المنانعة عن المناظرة وتبيين مفادها.

فنقول : وردت روايات كثيرة في ذم المناظرة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام ، فحصل تصوّر لدى البعض انّ المناظرة كانت على خلاف اصول الإمامية ـ لا للمعتزلة والحشوية فحسب ـ كما اشار الى ذلك الشيخ الطبرسي في مقدمة الاحتجاج.

والتدقيق في هذه الروايات يدلّ على انّ النهي فيها لم يكن مطلقاً بل لجهات خاصة ، وقد استفدنا من الروايات عدة جهات للنهي هي :

١ ـ الجدال لغير الصالح الذي يتوفر له الشروط العلمية والموضوعية للمناظرة :

إن للمناظرة شروطاً خاصة ، وصفات مخصوصة ، لا تفيد المناظرة الاّ معها ، وبدونها لا تكون نافعة بل ضارةً ، ففي رواية عن جابر الجعفي قال سمعته يقول : «إنّ اناساً دخلوا على أبي رحمة الله عليه فذكروا له خصومتهم مع الناس ، فقال لهم : هل تعرفون كتاب الله ما كان فيه ناسخ او منسوخ؟

قالوا : لا.

فقال لهم : وما حملكم على الخصومة ، لعلكم تحلّون حراماً او تحرمون حلالاً ولا تدرون ، انّما يتكلّم في كتاب الله من يعرف حلال الله وحرامه. الخبر (٦١).

وقد ذمّ أبو عبد الله عليه السلام ـ في رواية ـ المماري في ما لا علم له به (٦٢).

__________________

(٦١) بحار الانوار للعلامة المجلسي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، ١٣٦٢ هـ ش ، ٢ / ١٣٩ ح ٥٩ ، والمعارف.

(٦٢) الخصال ، الشيخ الصدوق ، تصحيح علي اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، ١٤٠٣ ، ص ٤٠٩ ح ٩ ، البحار ٢ / ١٢٩ ح ١٢.

٣٦٨

وفي رواية عن الطيّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : بلغني أنّك كرهت مناظرة الناس.

فقال : «امّا كلام مثلك فلا يكره ، من اذا طار يحسن ان يقع ، وان وقع يحسن أن يطير ، فمن كان هكذا لا نكرهه».

ونظيرها رواية اخرى عن عبد الاعلى (٦٣)

وفي حديث اخر عن أبي خالد الكابلي قال : رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة قد قطع اهل المدينة ازراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إن ابا عبد الله عليه السلام ينهانا عن الكلام.

فقال : امرك ان تقول لي؟

فقلت : لا والله ، ولكن امرني ان لا اكلّم احداً.

قال : فاذهب فاطعه في ما امرك.

فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فاخبرته بقصّة صاحب الطاق وما قلت له وقوله لي : اذهب فاطعه في ما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : «يا أبا خالد إنّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقضّ ، وأنت إن قصّوك لن تطير» (٦٤).

وما ذكرناه هو الوجه في الرويات التي تقول مثلاً : اياكم والجدال فانّه يورث الشكّ في دين الله (٦٥).

هذا وقد اشار الشيخ المفيد الى هذا الوجه في تصحيح الاعتقاد فقال : إنّ نهي الصادقين عن الكلام انّما كان لطائفة بعينا لا تحسنه ولا تهتدي إلى طرقه وكان الكلام يفسدها ، والامر لطائفة اخرى لانّها تحسنه وتعرف طرقه

__________________

(٦٣) رجال الكشي برقم ٥٧٨ و ٦٥٠ ، البحار ٢ / ١٣٦ ح ٣٨ و ٣٩.

(٦٤) رجال الكشي برقم ٣٢٧.

(٦٥) البحار ٢ / ١٣٨ ح ٤٩ ، بيروت ، ١٤٠٠ ، ص ٣٤٠ المجلس ٦٥ ، ح ٢ ، كنز الفوائد للكراجكي ص ١٢٧.

٣٦٩

وسبله.

واستدل قدس سرّه على ذلك بما روي عن أبي عبد الله عليه السلام : أنّه نهي رجلاً عن الكلام وامر آخر به ، فقال له بعض اصحابه : جعلت فداك ، نهيت فلاناً عن الكلام وامرت هذا به!؟

فقال : هذا ابصر بالحجج وارفق منه (٦٦).

٢ ـ الجدال مع غير الصالح :

إنّ المناظرة يجب ان تكون غايتها الوصول الى معرفة الحق ، فلذلك لا بد ان يرى المناظر في خصمه امكانية معرفة الحق وتقبله ، فيلزم الاجتناب عن مناظرة الاحمق والجاهل ، ففي رواية عن النبي الاعظم صلوات الله وسلامه عليه وآله : «اربع يمتن القلوب ... ومماراة الاحمق تقول ويقول ولا يرجع الى خير» (٦٧).

٣ ـ الجدال بغير المنهج الصحيح :

قد عرفنا في ما سبق عند قراءة رواية هشام بن الحكم أنّ الصادق عليه السلام كان لا يرضى باستعمال القياس في المناظرة ، وقد مرّ تفسير الجدال بغير التي هي احسن في الرواية المذكورة في التفسير المنسوب الى الإمام العسكري : بان تجحد حقاً لا يمكنك ان تفرّق بينه وبين باطل من تجادله ، وانما تدفعه عن باطله بان تجحد الحقَّ (٦٨). وفي ذلك اشارة واضحة الى النهي عن هذا النوع من الجدال والمناظرة ، فراجع.

__________________

(٦٦) تصحيح الاعتقاد : ٢٧.

(٦٧) الخصال : ٢٢٨ ، البحار ٢ / ١٢٨ ح ١٠ ، وايضاً امالي الطوسي ، ومكتبة الداوري ، قم ، «من طبعة المكتبة الحيدرية ، النجف» ج ١ / ٧ ، البحار ٢ / ١٢٩ ح ١٤.

(٦٨) التفسير المنسوب الى الإمام العكسري عليه السلام : ٤٢٩.

٣٧٠

٤ ـ الجدال في زمن التقية :

إنّ الجدال في زمن التقية ربما يشكل خطراً بالغاً يتهدد حياة المناظرين أو حتى حياة الأئمة عليهم السلام آنذاك ، فالمحافظة على كيان التشيع في تلك الأزمنة يحكم بلزوم الستر ورعاية منهج التقية ، والاجتناب عن المناظرة في تلك الاجواء الخطيرة ، وقد اشار الشيخ المفيد الى انّه قد يصح النهي عن المناظرة للتقية (٦٩).

وقد روى الكشي باسناده ، عن يونس قال : قلت لهشام : انّهم يزعمون أنّ أبا الحسن (٧٠) بعث اليك عبد الرحمن بن الحجّاج يأمرك ان تسكت ولا تتكلّم ، فأبيت ان تقبل رسالته ، فاخبرني كيف هذا ، وهل ارسل اليك ينهاك عن الكلام أو لا ، وهل تكلّمت بعد نهيه ايّاك؟

فقال هشام : إنّه لمّا كان ايّام المهدي شدّد على اصحاب الاهواء ، وكتب له ابن المفضّل صنوف الفرق صنفاً صنفاً ، ثم قرأ الكتاب على الناس.

فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ، ومرة اخرى بمدينة الوضّاح (٧١).

فقال : إنّ ابن المفضّل صنّف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة ، حتّى قال في كتابه : وفرقة يقال لهم الزرارية ، وفرقة يقال لهم العمّارية ـ أصحاب عمّار الساباطي ـ وفرقة يقال هم اليعفورية ، [كأنّ المراد بهم اصحاب عبد الله بن أبي يعفور] ، ومنهم فرقة اصحاب سليمان الاقطع ، وفرقة يقال لهم الجواليقية

__________________

(٦٩) تصحيح الاعتقاد : ٢٨.

(٧٠) يعني الإمام الكاظم عليه السلام.

(٧١) الظاهر انّ المدينة اشارة الى المعهود اي بغداد ، ومدينة وضّاح يراد بها قصر وضّاح في بغداد ، وقد سكنها هشام بن الحكم في اخريات حياته ، وفي نقل اخر للخبر : وقرأ ذلك الكتاب في الشرقية.

٣٧١

[اصحاب هشام بن سالم الجواليقي] (٧٢).

قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ولا اصحابه ، فزعم هشام ليونس انً أبا الحسن عليه السلام ، بعث اليه فقال له : «كفّ هذه الايّام عن الكلام فانّ الامر شديد».

قال هشام : فكففت عن الكلام حتّى مات المهدي وسكن الامر ، فهذا الامر الذي كان من امره وانتهائي إلى قوله (٧٣).

وفي جملة من الروايات ورد النهي عن المجادلة استدلالاً : بان الله اذا اراد بعبد خيراً نكت في قلبه (٧٤).

والنكت هو ان تضرب في الارض بخشب فيؤثر فيها ، والنقش في الارض ، والمراد القاء الحق فيه واثباته بحيث تنتقش به وتقبله.

قال العلاّمة المجلسي ـ بعد تفسير النكت ـ : والظاهر أنّ الغرض من تلك الاخبار ترك مجادلة من لا يُؤثّر الحقّ فيه وتجب التقيّة منه ، ولمّا كانوا في غاية الحرص على دخول الناس في الايمان كانوا يتعرضون للمهالك (٧٥).

٥ ـ الجدال الذي لا ينفع :

المجادلة كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون مطلوباً مع احتمال التأثير ، وامّا مع عدمه لا يكون مطلوباً ، والجدال مع غير الصالح من مصاديق الجدال غير النافع ، والجدال مع من لا يقبل الحق من مصاديقه ايضاً ، ولهذه

__________________

(٧٢) اختلاق الفرق كان من دسائس الحكومة العباسيّة لبث الفرقة بين المسلمين واثارة الشبهات حول الشيعة وصولاً الى التضييق عليهم وقمعهم ، لان ليس لهذا الفرق وجود اصلاً ، بل ان لأصحاب الأئمة آراء خاصة بهم لا تجعل منهم فرقاً ابداً.

(٧٣) رجال الكشي برقم ٤٧٩ وأيضاً ٤٨٥.

(٧٤) المحاسن للبرقي ، تصحيح المحدّث الارموي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، ١٣٧٠ ، ج ١ / ٢٠٠ ح ٣٦ ، ٢٠١ ح ٣٨ و ٣٩ و ٤٠ ، ٢٠٢ ح ٤٥.

(٧٥) البحار ٢ / ١٣٣ ذيل ح ٢٧.

٣٧٢

الجهة ورد النهي في حديث العترة الطاهرة عليهم السلام عن كلام المسلم في ما لا يعنيه (٧٦).

٦ ـ الجدال لإظهار الكمال والفخر :

حثَ الأئمّة عليهم السلام على ترك الرجل المراء وان كان محقاً (٧٧) في روايات كثيرة مثل ما روي عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : «اورع الناس من ترك المراء وان كان محقاً».

وقد ذكر المحقق المجلسي في تفسيره : ويظهر من الاخبار انّ المذموم فيه ما كان الغرض فيه الغلبة واظهار الكمال والفخر ، او التعصّب وترويج الباطل ، وامّا ما كان لاظهار الحقّ ورفع الباطل ، ودفع الشبه عن الدين وارشاد المضّلين ، فهو من اعظم اركان الدين (٧٨) ... الى آخر كلامه الشريف.

والحث على ترك الرجل للمراء وان كان محقاً يحتمل ان يكون ناظراً الى المناظرة غير النافعة ، لكنّ ما ذكره العلاّمة المجلسي هو الظاهر من بعض الروايات حيث جعل من التواضع ان يترك الرجل المراء وان كان محقاً (٧٩) ، فالمناسبة تقضي بكون المراد ما كان الاظهار الفضل ، ولعلّه لهذه الجهة نهي عن المراء في حال الصيام (٨٠).

__________________

(٧٦) امالي المفيد ٣٤ ح ٩ ، الخصال ٢٩٠ ح ٥٠ ، ٤١٩ ، ح ٩ ، امالي الشيخ الطوسي ١ / ٢٢٨ ، الكافي ٢ / ٢٤٠ ح ٣٤.

(٧٧) الكافي ٢ / ١٢٢ ح ٦; ١٤٤ ح ٢ ; ٤ / ٤٤ ح ١٠ ، الخصال ١٤٤ ح ١٧٠ ; ٢٢٣ ح ٥٢ ، معاني الاخبار تصحيح علي اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، ١٣٦١ هـ ش ، ص ١٩٥ ، ح ١.

(٧٨) البحار ٢ / ١٢٧ ذيل ح ٣.

(٧٩) معاني الاخبار : ٣٨١ ح ٩.

(٨٠) الكافي ٤ / ٨٧ ح ٣.

٣٧٣

٧ ـ الجدال مع الخصومة والحقد :

قد نهي في جملة من الروايات عن المراء معطوفاً عليه الخصومة ، فيظهر انّ المراد من المراء المنهي عنه ما كان مقترناً بالخصومة ، وقد أفرد الكليني في الكافي باباً باسم : المراء والخصومة وملاحاة الرجال ، واورد روايات عديدة فيه ، منها ما رواه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : ايّاكم والمراء والخصومة ، فانّهما يمرضان القلوب على الاخوان وينبت عليهما النفاق» (٨١).

٨ ـ الجدال اتكاءاً على نتائج العقول واستغناء عن الرجوع الى آل الرسول عليهم السلام :

قد ذمّت روايات كثيرة الاعتماد الكامل على العقل وعدم الارتكاز على النصوص الواردة عن اهل البيت عليهم السلام ، والظاهر أنّ بعض روايات المناظرة تصب في هذا المنحى ففي رواية عن الصادق عليه السلام : «يهلك اصحاب الكلام وينجوا المسلّمون ، إنّ المسلّمين هم النجباء يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد» (٨٢) الخبر.

قال العلامة المجلسي في بيانه : «يقولون» اي يقول المتكلّمون لما اسسّوه بعقولهم الناقصة ، «هذا ينقاد» اي يستقيم على اصولنا ، «وهذا لا ينقاد» على الاصول الكلامية ، ويحتمل ان يكون اشارة الى ما يقوله اهل المناظرة في مجادلاتهم : سلّمنا هذا ولكن لا نسلّم ذلك ، والاول اظهر (٨٣).

__________________

(٨١) الكافي ٢ / ٣٠٠ ح ١.

(٨٢) بصائر الدرجات للصفّار ، مكتبة آية الله المرعشي ، قم ، ١٤٠٤ «من طبعة تبريز» ص ٥٢٠ ح ٤ و ٥.

(٨٣) البحار ٢ / ١٣٢ ذيل ح ٢٣.

٣٧٤

وقد اشارت الى ذلك رواية يونس بن يعقوب ـ المتضمنة لمناظرة هشام ابن الحكم مع الشامي ، وقد مرّت ـ حيث قال له أبو عبد الله عليه السلام : «وددت أنّك يا يونس تحسن الكلام».

فقال له يونس : جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأهل الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «إنّما قلت لهم إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه» (٨٤).

والمفيد أورد الخبر في تصحيح الاعتقاد لبيان الوجه في النهي عن المناظرة.

٩ ـ آفات المناظرة :

نظراً إلى أنّ في المباحثة ميلاً وهوى إلى الغلبة والاستعلاء ، ولو كان الانسان نفسه يناظر طلباً للوصول إلى الحق وهداية الناس ، فالخصم قد يباحث لغرض فاسد ، ولهذا وذاك فإنّ المناظرة تشتمل على آفات يلزم الاتّقاء من الوقوع فيها.

وإلى هذه المهالك تشير جملة من الروايات الناهية عن المناظرة دفعاً للمناظر عن التورط فيها. ومن آفات المناظرة : زوال التواضع وخشوع القلب وسلامة النفس ، وايجاد الحقد والعداوة.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنّ المخاصمة ممرضة للقلب» (٨٥).

وعن عليه السلام : قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إياكم والمراء

__________________

(٨٤) الكافي ١ / ١٧١ ح ٤ ، تصحيح الاعتقاد ٢٧.

(٨٥) المحاسن ٢ / ٢٠١ ح ٣٨.

٣٧٥

والخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الاخوان وينبت عليهما النفاق» (٨٦).

وعنه عليه السلام : «إياكم والخصومة في الدين فإنّها تشغل القلب عن ذكر الله عزّ وجلّ ، وتورث النفاق ، وتكسب الضغائن ، وتستجير الكذب» (٨٧).

قال العلاّمة المجلسي في البحار : الضغائن : جمع الضغينة ، وهي الحقد والعداوة والبغضاء ، قوله (تستجير) في بعض النسخ بالزاء المعجمة ، أي يضطّر في المجادلة إلى الكذب وقول الباطل فيظنّه جائزاً للضرورة بزعمه ، وفي بعضها بالمهملة ، أي يطلب الإجارة والأمان من الكذب ويلجأ إليه للتخلّص من غلبة الخصم (٨٨).

فالمناظر يجب أن يكون على حذر من هذه المهالك الاخلاقية والروحية ، ويستعيذ بالله من شرور النفس والشيطان.

١٠ ـ الجدال في ما كان هناك واجب أهمّ :

روي عن أبي عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «إيّاكم وأصحاب الخصومات ، فإنّهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلّفوا ما لم يؤمروا بعلمه ، حتى تكلّفوا علم السماء». الحديث (٨٩).

وقد قال السيد ابن طاووس بعد ذكره رواية في ذمّ المتكلّمين : ويحتمل أن يكون المراد بهذا الحديث المتكلّمين الّذين يطلبون بكلامهم وعلمهم ما لا يرضاه الله عزّ جلاله ، أو يكونون ممّن يشغلهم الاشتغال بعلم الكلام عمّا هو واجب عليهم من فرائض الله جلّ جلاله (٩٠).

__________________

(٨٦) الكافي ٢ / ٣٠٠ ح ١.

(٨٧) امالى الصدوق ٣٤٠ ، مجلس ٦٥ ح ٢ و ٤.

(٨٨) بحار الانوار ٢ / ١٢٨ ذيل ح ٦.

(٨٩) البحار ٢ / ١٣٩ ح ٥٨.

(٩٠) بحار الأنوار ٢ / ١٣٨ ذيل ح ٤٨.

٣٧٦

فتحصّل من سرد الروايات والبحث في معناها : أنّ المناظرة إذا كانت للوصول إلى الحق بالاسلوب الصحيح مع رعاية الشرائط اللازمة والاجتناب عن ما يلازمها من الآفات ، كانت مأموراً بها ، وإنّ النهي عن المناظرة تكون لجهات خاصّة ولا تكون مطلقة.

والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته

* * *

٣٧٧

من الأحاديث الموضوعة

(١٠)

تزويج أُمّ كلثوم بنت عليّ

من عمر بن الخطّاب

السـيّد عليّ الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والأخرين.

وبعد ،

فقد كثر البحث والسؤال والجواب عن خبر تزويج أمير المؤمنين عليّ ابنته من عمر بن الخطّاب ... منذ القرون الأُولى ... وكتب حولها رسائل شتّى ... منها ما كتبه الشيخ المفيد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ جواباً عن المسألة العاشرة من المسائل التي أودعها في كتابه «أجوبة المسائل السروية» وكذا جواباً عن المسألة الخامسة عشرة من كتابه «أجوبة المسائل الحاجبية».

وهذه رسالة وضعتها على نسق أخواتها ، حيث أوردت نصوص الخبر عن أشهر كتب أهل السُنّة ونظرت في أسانيدها ودلالاتها ، فجاءت حاويةً من القضيّة لُبابها ، كاشفةً عنها نقابها ، شارحةً لواقع الحال ، قاطعةً للقيل والقال ، والله الموفّق وهو المستعان.

٣٧٨

(١)

رواة الخبر ونصوصه

إنّ خبر تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته أُمّ كلثوم من عمر بن الخطّاب مشهور بين أهل السُنّة ، مذكور في كتبهم ...

١ ـ ابن سعد في الطبقات :

فأقدم رواة هذا الخبر ومخرّجيه ـ فيما نعلم ـ هو : محمد بن سعد بن منيع الزهري ـ المتوفّى سنة ٢٣٠ هـ ـ صاحب كتاب «الطبقات الكبرى».

فقد جاء في كتاب الطبقات :

«أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قُصيّ. وأُمّها فاطمة بنت رسول الله ، وأُمّها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قُصيّ.

تزوّجها عمر بن الخطّاب ، وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أنْ قتل.

وولدت له : زيد بن عمر ، ورقيّة بنت عمر.

ثم خلف على أُمّ كلثوم ـ بعد عمر ـ عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب ، فتوفّي عنها.

ثمّ خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب فتوفّي عنها.

فخلف عليها أخوه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بعد أُختها زينب بنت عليّ بن أبي طالب.

٣٧٩

فقالت أُمّ كلثوم : إنّي لأستحيي من أسماء بنت عميس ، إنّ ابنيها ماتا عندي ، وإنّي لأتخوّف على هذا الثالث.

فهلكت عنده.

ولم تلد لأحد منهم شيئاً.

أخبرنا أنس بن عياض الليثي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أنّ عمر ابن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أُمّ كلثوم. فقال عليّ : إنّما حبست بناتي على أولاد جعفر. فقال عمر : أنكحنيها يا عليّ ، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد. فقال عليّ : قد فعلت.

فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ـ وكانوا يجلسون ثَمَّ عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان الشيء يأتي من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه ـ فجاء عمر فقال : رفّئوني ، فرفّؤوه وقالوا : بمَن يا أمير المؤمنين؟ قال : بابنة عليّ بن أبي طالب. ثم أنشأ يخبرهم فقال : إنّ النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي. وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضاً.

أخبرنا وكيع بن الجرّاح ، عن هشام بن سعد ، عن عطاء الخراساني : أنّ عمر أمهر أُمّ كلثوم بنت عليّ أربعين ألفاً.

قال محمد بن عمر (١) وغيره : لَمّا خطب عمر بن الخطّاب إلى عليٍّ ابنته أُمّ كلثوم قال :

يا أمير المؤمنين : إنّها صبيّة.

فقال : إنّك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك.

__________________

(١) هو الواقدي.

٣٨٠