تراثنا ـ العددان [ 30 و 31 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 30 و 31 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٩

كتب إمام الجمعة الكرماني كتبت سنة ١٠٧٣ ذكرت في فهرسها ص ٣٧.

٢٦ ـ مكتبة المدرسة الرضوية في قم. في المجموعة رقم ٩٨ كتبت في القرن ١٣ أو ١٤.

٢٧ ـ مكتبة كلية الآداب في جامعة طهران في المجموعة ٢٦٢ / ٢ من مكتبة إمام الجمعة الكرماني من مخطوطات القرن ١١ كما في فهرسها ص ٤١.

٢٨ ـ جامعة طهران في المجموعة رقم ٧٦٩٣ / ٦ يبدو أنها قديمة ذكرت في فهرسها ج ١٦ / ٦٧٣.

٢٩ ـ المكتب الهندي في لندن ، رقم ٩٥٩ دلهي ، ذكرت في فهرسها ، ج ٢ ص ٤٠٩.

٣٠ ـ مكتبة الوزيري العامّة ، في يزد ، في المجموعة رقم ٢٢٩٠ / ٣٠ ، من ٧٥ ـ ٨٢ كتبت سنة ٩٨٥ ذكرت في فهرسها الفارسي ج ٤ ص ١٢٣٤.

طبعاته :

١ ـ طبعه العلاّمة السيد هبة الدين الشهرستاني في بغداد سنة ١٣٤٠ مع ابدال «إن قيل» .. «فالجواب» بحرفي «س» و «ج» ، رمزاً عن السؤال والجواب.

٢ ـ أعاد طبعه في بغداد سنة ١٣٤٣.

٣ ـ طبعه الاُْستاذ محمد تقي دانش پزوه في طهران سنة ١٣٦٤ مع ترجمتها إلى الفارسية.

٤ ـ وطبعته المكتبة المرتضوية في قم.

٥ ـ وطبعه المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد في قم سنة ١٤١٣ بتحقيق الفاضل الشيخ رضا المختاري وصدر بأوّل المجلد العاشر من سلسلة «مصنفات الشيخ المفيد».

١٤١

(٣٨)

النكت في مقدِّمات الاْصول

ذكره النجاشي في فهرسه ص ٣٩٩ وابن شهرآشوب في معالم العلماء ص ١١٤ وذكره شيخنا رحمه الله في الذريعة ٢٤ / ٣٠٢ وقال : «هكذا سماه النجاشي» ثم ذكر مواصفات كتاب النكت الاعتقادية وهو غير هذا الكتاب.

وذكره في ج ١٨ ص ٦٤ باسم «الكشف في مقدمات الاُْصول» وهو وهم ، وصوابه النكت كما ذكره النجاشي وابن شهرآشوب ، وكما هو مثبت على مخطوطاته القديمة كما يأتي.

وهو متن موجز رصين في الاُْصول الاعتقادية من التوحيد والعدل والنبوّة والإِمامة والوعد والوعيد بيان المصطلحات الكلامية وشرحها وتوضيحها.

أوّله : «وبالله التوفيق والعصمة والعون ، أما بعد فان أكثر الموحدين افتتحوا كلامهم في إرشاد المبتدئين ...».

مخطوطاته :

١ ـ نسخة في بادليان بجامعة أُكسفورد في المجموعة رقم ٦٤ ف عربي ، كتبها أحمد بن الحسين ابن العودي الحلي في الرابع والعشرين من شعبان سنة ٧٤٠.

٢ ـ مكتبة آية الله الحكيم العامّة في النجف بأوّل المجموعة رقم ٣٦٤ بهذا الاسم نفسه وفي المجمووعة ايضاً : النكت الاعتقادية باسم : النكت في العقائد الإِمامية.

وعنها مصورة في جامعة طهران رقم الفيلم ٣٣٤٣ ذكرت في فهرس مصوراتها ج ٢ ص ١٢٧.

١٤٢

٣ ـ مكتبة العلاّمة المحقق السيد محمد علي الروضاتي في أصفهان كتبت سنة ١٢٨١.

طبعاته :

طبع لأوّل مرة في هذا العدد من مجلة «تراثنا» وهو العدد الخاص بالذكرى الألفية للشيخ المفيد ، بتحقيق العلاّمة المحقّق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، دام موفقاً.

ومن ثم طبع من قبل المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد في قم سنة ١٤١٣ في المجلد العاشر ، من سلسلة «مصنفات الشيخ المفيد».

١٤٣

الكلام عند الإماميّة

نشأته ، تطوّره ، وموقع الشيخ المفيد منه

الشيخ محمّد رضا الجعفري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين لا سيّما أوّلهم مولانا أمير المؤمنين وخاتمهم مولانا الإمام الثاني عشر الحجّة المنتظر ، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين من الأوّلين والاخرين ، ولا حَوْلَ ولاقُوَّةَ إلا بالله العليّ العظيم.

هذه فصول كتبت قبل عدّة سنوات لمناسبتين وان اختلفتا ولكنهما ترتبطان بموضوع واحد ، وهو الكلام الإمامي. فالفصول الأولى انما هي جزء من المدخل الذي وضعته للترجمة الانجليزي لكتاب التوحيد من «اصول الكافي» والذي تناولت فيه تاريخ الكلام الإمامي منذ نشأته الاولى إلى عصر شيخ الطائفة الطوسي ، كتراجم متكلمين لا تأريخاً لأعمال كلامية ، وتجاوز عددهم المائة وستين متكلماً وهذا المدخل وان كانت فيه فصول ترجع الى تعريف الكلام وبعض الجوانب التأريخية لنشأة الكلام الإمامي ، الا انه في أساسه قائم على ما

١٤٤

ذكرت.

وقد اختصرت ذلك من بحوث أوسع لم اوفق إلى الآن إلى ملء بعض فجواتها ، خاصةً ما يرجع منها إلى شيخ المتكلمين هشام بن الحكم ، رضي الله عنه ، اسأل الله سبحانه التوفيق إلى ذلك ، انّه نعم الموفق والمعين.

* * *

اعتاد مؤرخو الجانب العقائدي من تاريخ المسلمين أنْ يُقسَّموا هم ـ او على الاصح : ان يقسّموا مناهجهم في كيفية اثبات العقيدة ومسائلها ـ إلى فئتين :

مدرسة أصحاب الحديث ، ومدرسة المتكلمين. وذكروا لكل منهما خصائص معتبرات ، ثم قاسوا الإمامية بغيرهم ، وفي الفصول الآتية : ما يرجع إلى هذا الجانب من البحث. وتعارف مؤرخو الإمامية من الذين يختلفون معهم في العقيدة : أن يتهموهم او يتّهموا سلفهم بالتشبيه والتجسيم ، بل والجبر ايضاً. والى هذا يرجع بقية بحوث الفسم الأول. ولم اتناول هنا من البحوث التي ترجع إلى «النشوء» سوى ما ذكرت ، وقلت هذا كي لا يراني القارىء الكريم قد اخلفت بوعدي حينما جعلت القسم الأول نشوء الكلام الإمامي.

وفي القسم الثاني تناولت تطور الكلام الإمامي بصورة مقتضبة جداً ـ وذكرت هناك عذري في ذلك ـ كي انتهي به الى القسم الثالث وهو الخاص بشيخنا المفيد رضي الله عنه وارضاه.

* * *

١٤٥

١ ـ المدخل :

الكلام الإمامي نشأ أولاً وقبل كل شيء حول «الإِمامة» ودار عليها منذ نشأته الاولى وإلى عصرنا الحاضر ، والسرّ واضح ، فإنّ الإمامية انما افترقوا عن غيرهم لقولهم بالإِمامة من فرق المسلمين انما اختلف معهم أوّل ما اختلف ، لأنّه لم يَدِنْ بالإمامة الإِلهية كما دانوا. فمن الطبيعي أن هذا الاختلاف يستلزم المخاصمة ، والمخاصمة تستدعي المناظرة ، وإذا سلّمنا بأنّ أوّل اختلاف حدث بين المسلمين انما حدث حول الإِمامة ، وإذا اخذنا بنظر الاعتبار أنّ الذين انكروا الإِمامة الإِلهية كانوا الفئة الغالبة الحاكمة والذين دانوا بها كانوا الفئة المعارضة ، وأنّ المعارضة كانت كلامية وبالجدل والحجاج لا بالسيف والسلاح ـ وأنا هنا لا ابحث عن هذه النقاط وإنّما اذكرها كنتائج لبحوث انتهت اليها ، وقد فصلّتها في مناسبات اخرى ـ فعلى هذا كله يحقّ لنا أنْ نقول ان الكلام نشأ واستقرت طرقه ومناهجه عند الإمامية قبل غيرهم.

ولكن نقاط الخلاف قد تجاوزت الإمامية إلى غيرها وكلما امتد الزمن بالمسلمين كثرت نقاط الخلاف فيما بينهم ـ وتفرّقوا فرق وشيعاً ـ وهنا أذكر كنتيجة لبحوث كثيرة ـ : أنّ المسلمين ، لو كانوا قد دانوا كلّهم بالإمامة الإلهية ، وكان فيهم إمام يؤمنون بعصمته ويوجبون طاعته ، لما تفرّقوا ، كما كان الحال زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولكان الخلاف بينهم خلافاً عملياً ، لا خلاف عقيدة واختلافاً في المذهب ، ولكن حدث ما حدث ، ولا نملك إلا أن نسأل الله سبحانه أن يعصم المسلمين من فرقة جديدة ، وأنْ يجنّبهم آثام الخلافات القائمة فيما بينهم واوزارها.

وهكذا واكب الكلام الإمامي ـ الذي كان يدور اولاً حول الإمامة ـ المسائل المختلف فيها والمتناقش عليها ، فشمل الجبر ، والتشبيه والتجسم ، بلوشمل الخلاف الفقهي ، كالخلاف في بعض أحكام الوضوء والصلاة ،

١٤٦

والخلاف في المتعة ، والطلاق ثلاثاً ، وسائر الخلافات الفقهية بين الإمامية وغيرهم ، والكلام إنما هو في اساسه اسلوب خاص للنظر والحجاج ، وفيما بعد استقرّ في دائرة المسائل الاعتقادية وحدها. وهذا ايضاً اترك البحث فيه الى مال آخر.

وتوسّع الكلام اكثر فاكثر عندما اتصل المسلمون بغيرهم من معتنقي الاديان كالمسيحية واليهودية أو منتحلي الفرق الفلسفية وغير الفلسفية. وأشير هنا إلى أننا نجد في ثبت مؤلفات المتكلم الإمامي الشهير هشام بن الحكم ـ كتباً له تتّصل بالفلسفة اليونانية وأعلامها.

وستأتي الاشارة الى هذا عند ذكره ، وبهذا يصحّ لنا أن نحكم بأنّ الإمامية كانوا اسبق من غيرهم في هذا المجال ايضاً ، لأنَّي لم أجد لغيره ممن كان يعاصره أنْ تناول ما تناوله هشام.

٢ ـ المدرستان غير الاماميتين : الحديثية والكلامية تختلفا إلى حد كبير :

لابُدّ لنا من البحث ولو بصورة مقتضية جدّاً عمّا يسمّى بمدرسة المحدِّثين غير الإماميّة ، إذ أنّ السِّمات العامّة التي يذكرونها لعقائد أهل الحديث والأَثر ، وعلى أساسها يقيسون آراءهم وعقائدهم بآراء غيرهم ، إنّما قد أُخذت من المدرسة غير الإماميّة ، والأَدلة والشواهد التي تذكر في هذا المجال إنّما تتوافر بصورة كاملة في مجموعة الأَحاديث التي يرويها المحدِّثون غير الإماميّة ، وعليها وحدها تُبتنى الآراء التي تَبَنَّوْها أو نُسبت إليهم.

ويضاف إلى هذا : أنّ التضادّ الفكري والعقائدي بين المدرستين الحديثية والكلامية ، وهؤلاء يومذاك كانوا المعتزلة ، والجهمية ، والمرجئة ، والّذين كانوا يسيرون في ركابهم ، إنّما انتزع هذا التضادّ والتقابل من الحديث غير الإمامي ، ومن آراء المحدِّثين غير الإماميّة ، ومواقفهم من آراء المتكلّمين ورَفْضهم لها وطَعْنهم في القائلين بها ، بل وفي طعنهم بالاتّجاه الكلامي بصورة

١٤٧

عامة في العقائد الدينية.

فليس من الصحيح أن تجعل تلك السمات العامة وأن يجعل هذا التضادّ والتقابل خصيصة عامة للاتّجاه الحديثي الذي يعتمد على الكتاب والسُّنَّة ، قبل كلّ شيء ، في استنباط العقائد الدينية وصياغتها ، سواء أكان المحدِّث إماميّاً أم غير إمامي.

وما يسمّى بالمدرسة الحديثية ـ والتعبير الأوفق لهم ، بل والمختار عندهم : أهل الحديث والأَثَر ـ ليست بمدرسة فكرية لها حدودها ومعالمها الواضحة من جميع الجهات ، أو من أغلبها ، كما هو الحال عند المعتزلة ، والجهمية ، مثلاً ، والذي بإمكان الباحث أن يعيّن ما اتّفقوا عليه ، وبه امتازوا عن غيرهم. بل وهذه التسمية أيضاً لحقتهم لا من جهة أنفسهم ، بل انتزعت من مواقفهم وآرائهم. وكلّ ما كان عندهم : أنّ الّذين كانوا يُعْنَون بالحديث لم يكونوا يتعدّون في بيان آرائهم وتصوير عقائدهم عمّا جاءهم من الأَحاديث التي آمنوا بصحّتها ، بل إنّهم كانوا يكتفون براوية ألفاظ الحديث غالباً للتعبير عن آرائهم ، ولم يكونوا يحوّلون ألفاظه إلى ما يؤدّي معناه.

والمحدِّثون ، لما ذكرناه ، لا يرجعون بالطبع إلى مستوى واحد ، بل إنّهم في مستويات مختلفة ، إذ أنّ أيّ واحد من المحدِّثين إنّما يقاس مدى الخلاف بينه وبين من يسمّونهم بالمتكلّمين بقدر ما يرويه هذا المحدِّث كمّيّةً وبقدر ما يلتزم بصحّته فيما يرويه. ومن الواضح أنّ المحدِّثين لا يتساوون في كمّيّة الأَحاديث التي يروونها ، وكمّيّة ما يؤمنون بصحّته ، بل يتفاوتون بين مقلّ ومكثر ، وبين متساهل في الحكم بالصحّة ، ومتشدِّد لا يصحّح إلاّ إذا توفّرت شروط كثيرة ، وعلى هذا الأَساس تختلف الأَحاديث بحسب ما اتّفقوا على روايته وما لم يَرْوِه إلاّ بعضهم ، وتختلف أيضاً بحسب ما اتّفقوا على صحّته وما اختلفوا فيه.

ويجب التنبّه إلى أنّ (المدرسة الأَشعرية) وإنْ قامت على أساس رفض الفكر الاعتزالي والرجوع إلى السُّنَّة ، إلاّ أنّ الدراسة الواعية والمستوعبة لها

١٤٨

لتنتهي إلى أنّ أبا الحسن الأَشعري ، عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر ، البصري (٢٦٠ / ٨٧٤ ، أو ٢٧٠ / ٨٨٣ ـ ٣٢٤ / ٩٣٦) إمام الأَشاعرة إنّما اختلف مع أساتذته المعتزلة ، في أنّهم ـ حسب رأيه ـ كانوا يرفضون ما خالف آراءهم وإن دلّ عليه الكتاب أو السُّنَّة الصحيحة في رأيه ، ومحاولة الأَشعري إنّما ترتكز على إيجاد الملاءمة لا الرَّفْض. وليس هنا مجال للتبسّط في هذا البحث وإعطاء الأَدلّة عليه.

٣ ـ نماذج من آراء المحدّثين :

ولا أتكلّم هنا عن الأَحاديث التي وصلتنا من طرق إخواننا غير الإمامية ، وبإمكان الباحث أنْ يجدها مجموعة مستوفاة في المصادر التالية :

١ ـ محمد بن إسماعيل ، أبو عبد الله البخاري (١٩٤ / ٨١٠ ـ ٢٥٦ / ٨٧٠) : «خلق أفعال العباد».

٢ ـ أحمد بن محمد بن حنبل ، أبو عبد الله الشيباني (١٦٤ / ٧٨٠ ـ ٢٤١ / ٨٥٥) إمام الحنابلة : «الردّ على الجهمية والزنادقة».

٣ ـ أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن أحمد بن حنبل (٢١٣ / ٨٢٨ ـ ٢٨٨ / ٩٠١) : «السُّنَّة».

٤ ـ أحمد بن محمد بن هارون ، أبو بكر الخلاّل البغدادي ، الحنبلي (٢٣٤ / ٨٤٨ ـ ٣١١ / ٩٢٣) شيخ الحنابلة في عصره : «السُّنَّة».

٥ ـ عثمان بن سعيد ، أبو سعيد الدارمي (ح ١٩٩ / ٨١٥ ـ ٢٨٠ / ٨٩٤) : «الردّ على الجهميّة» و «الردّ على بِشْر المَرِّيسيّ».

٦ ـ أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَميّ ، النيسابوري (٢٢٣ / ٨٣٨ ـ ٣١١ / ٩٢٤) : «التوحيد وإثبات صفات الربّ».

٧ ـ أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِيّ الشافعي ، البغدادي (ج ٢٨٠ / ٨٩٣ ـ ٣٦٠ / ٩٧٠) : «الشريعة».

١٤٩

وللرجوع إلى تأويل الأَشاعرة يراجع :

١ ـ أبو بكر ، محمد بن الحسن بن فُورَك الأَصفهاني ، الأَشعري ، الشافعي (ـ ٤٠٦ / ١٠١٥) : «مشكل الحديث».

٢ ـ أحمد (حَمَد) بن محمد بن إبراهيم ، أبو سليمان الخَطْابي ، البسْتي ، الأشعري ، الشافعي (٣١٩ / ٩٣١ ـ ٣٨٨ / ٩٩٨) وقد حكى الكثير منهاالبيهقي الآتي.

٣ ـ أحمد بن الحسين بن عليّ ، أبو بكر البيهقي ، الأَشعري ، الشافعي (٣٨٤ / ٩٩٤ ـ ٤٥٨ / ١٠٦٦) : «الأَسماء والصفات» و «الاعتقاد».

٤ ـ عليّ بن الحسن بن هبة الله ، أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، الأَشعري ، الشافعي (٤٩٩ / ١١٠٥ ـ ٥٧١ / ١١٧٦) : «تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى أبي الحسن الأَشعري».

وكلّ هذه المصادر مطبوعة ، وآراء الخطّابي قد حكاها البيهقي. وإنما أعرضُ نماذج من آراء أصحاب الحديث ، وأتناسى من كان منهم إمام مذهب كإمام الحنابلة أحمد بن حنبل والذي تكون آراؤه وعقائدُهُ الحجَرَ الأَساس لعقائد ابن تيميّة ، تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم الحرّاني الحنبلي (٦٦١ / ١٢٦٣ ـ ٧٢٨ / ١٣٢٨) ومحمد بن عبد الوهّاب النجدي الحنبلي (١١١٥ / ١٧٠٣ ـ ١٢٠٦ / ١٧٩٢) إمامي السلفية وداعِيَتَيْها ، كما يسمّون بها أنفسهم ، أو (الوهّابيّة) كما يسمّيهم غيرهم ، كما وتجنبتُ غيره من أئمّة المذاهب ، وعذري في هذا : تجنّبي أنْ ينسبني ناسب إلى خُلُق لا أريد لنفسي أنْ يُنسبَ إليّ. ويكفي الباحث في درسة آراء الحنابلة وغيرهم الرجوع إلى المصادر المتقدّم ذكرها ، وبالنسبة إلى الدفاع عن أحمد بن حنبل الرجوع إلى المصدرين التاليين :

١ ـ عبد الرحمن بن عليّ بن محمد ، أبو الفرج ابن الجَوْزي البغدادي ، الحنبلي (٥٠٨ / ١١١٤ ـ ٥٩٧ / ١٢٠١) : «دَفْع شُبه التشبيه بأكفّ التنزيه».

١٥٠

٢ ـ أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن ، تقيّ الدين الحصْني ، الدمشْقي ، الأَشعري ، الشافعي (٧٥٢ / ١٣٥١ ـ ٨٢٩ / ١٤٢٦) : «دَفْع شُبه من شَبَّه وتمرَّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد».

* * *

قال أبو الفرج ابن الجوزي :

«وأعلم أنّ عموم المحدِّثين حملوا ظاهر ما تعلّق من صفات الباري سُبْحانه على مقتضى الحسّ فشَّبهوا ، لأنّهم لم يخالِطُوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم ...» (١).

وقال أيضاً :

«وأعلم أنَّ الناس في أخبار الصِّفات على ثلاث مراتب : (إحداها) إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل ، إلاّ أنْ تقع ضرورة كقوله تعالى : (وَجَاءَ رَبُّكَ) (٢) أي : جاء أمره ، وهذا مَذْهَبُ السلف. (والمرتبة الثانية) التأويل ، وهو مقام خطر. (والمرتبة الثالثة) القول فيها بمقتضى الحسّ ، وقد عمّ جهلة الناقلين (٣) ، إذ ليس لهم حظّ من علوم المعقولات التي يُعْرَف بها ما يجوز على الله تعالى وما يستحيل ، فإنَّ علم المعقولات يَصْرِفُ ظواهرَ المنقولات عن التشبيه ، فإذا عدموها تصرَّفُوا في النقل بمقتضى الحسّ» (٤).

وقال تقي الدين ، ابن تيميّة ، رادّاً على مَنّ قال : إنّ أكثر الحنابلة مُجَسِّمة ومشبَّهة :

__________________

([١]) تلبيس ابليس: ط ادارة الطباعة المنيريّة، القاهرة: ١٣٦٨ / ١١٦.

(٢) الفجر ٨٩: ٢٢.

(٣) ويقصد بهم المحدّثين.

(٤) دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: ١٩٧٦ / ٧٣ ـ ٧٤.

١٥١

«المُشبِّهة والمُجسِّمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم ، فهؤلاء أصناف الأَكراد ، كلّهم شافعيّة ، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر ، وأهلُ جيلان فيهم شافعيّة وحنبليّة ، وأمَّا الحنبلية المَحْضَة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم ، والكَرَّاميّة كلُّهم حنفية» (٥).

ولسْتُ أقرُّ ابن تيميّة على ا دفاعه عن أهلِ مذهبه ولكنّي أسكت عنه.

ومعذرةٌ إلى إخواننا الأَكراد الّذين قال فيهم ابن تيميّة ما قال ، فإنّ هم يعرفونه كما أعرفه ، وأمّا أهلُ جيلان فقد زالت عنهم الشافعيّة والحنبليّة منذ قرون ، وهم اليوم كلّهم شيعة إماميّة.

٤ ـ نماذج مختارة :

وكنموذج لِما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدِّثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء ، وأُقدّم لكلّ منهم بعض الترجمة كي لا يتّهمني منّهم بأنّي عثرت على مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدِّثين :

١ ـ إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد بن إبراهيم ، أبو يعقوب الحنظلي المروزي ، ابن راهويه النيسابوري (١٦١ / ٧٧٨ ـ ٢٣٨ / ٨٥٣).

* قال الخطيب : كان أحد أئمّة المسلمين ، وعلماً من أعلام الدين ، اجتمع له الحديث والفقه ، والحفظ والصدق ، والورع والزهد ، ورحل إلى العراق ، والحجاز ، واليمن ، والشام ، ... وورد بغداد وجالس حفّاظ أهلها ، وذاكرهم ، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أنْ توفّي بها ، وانتشر علمه عند الخراسانّيين.

وهكذا قال المزي والسبكي.

__________________

(٥) المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط ٢: ١٣٩٢ / ١٩٧٢، ١ / ٤١٨.

١٥٢

* وهو شيخ البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، وبقيّة بن الوليد ، ويحيى بن آدم ـ وهما من شيوخه ـ وأحمد بن حنبل ، وإسحاق الكوسج ، ومحمد بن رافع ، ويحيى بن مَعين ـ وهؤلاء من أقرانه ـ وجماعة.

* قال نعبم بن حمّاد : إذا رأيتَ العِراقيَّ يتكلّم في أحمد بن حنبل فاتّهمه في دينه ، وإذا رأيتَ الخراسانيَّ يتكلّم في إسحاق بن راهويه فاتّهمه في دينه ، وقال النسائي : أحد الأَئمّة ، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل : إذا حدَّثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمَسَّكْ به. وقال أبو حاتم : إمام من أئمّة المسلمين. وقال ابن حبّان : وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً ، وعلماً ، وحفظاً ، ونظراً ، ممّن صنّف الكتب ، وفرّع السنن ، وذبّ عنها ، وقَمَعَ من خالفها ، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبد الله الحاكم : إمام عصره في الحفظ والفتوى. وقال أبو نعيم الأَصبهاني : كان إسحاق قرين أحمد [بن حنبل] وكان للآثار مثيراً ، ولاَِهلِ الزيغ مبيراً.

* وقال الذهبي : الإِمام الكبير ، شيخ المشرق ، سيّد الحفّاظ ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير ، رأساً في الفقه ، من أئمّة الاجتهاد (٦).

* أبو عيسى الترمذي ـ بعد أن أخرج الروايات التي تقول : إنّ الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ... الحديث ـ قال : وقد قال غير واحد من أهل العلم

__________________

(٦) التاريخ الكبير ١ ـ ١/٣٧٩ ـ ٣٨٠ = ١٢٠٩، التاريخ الصغير ٢ ـ /٣٦٨، الجرح والتعديل ١ ـ ١ (٢)/٢٠٩ ـ ٢١٠ = ٧١٤، ابن حبان، الثقات ٨/١١٥ ـ ١١٦، طبقات الحنابلة ١/١٠٩ = ١٢٢، المنهج الأحمد ١/١٠٨ ـ ١٠٩ = ٤٣، تاريخ بغداد ٦/٣٤٥ ـ ٣٣٥ = ٣٣٨١، حلية الأولياء ٩/٢٣٤ ـ ٢٣٨ ابن خلكان ١/١٩٩ ـ ٢٠١، الأنساب ٦/٥٦ ـ ٥٧، السبكي، طبقات الشافعية ٢/٨٣ ـ ٩٣، ميزان الاعتدال ١/١٨٢ ـ ١٨٣ = ٧٣٣، سير أعلام النبلاء ١١/٣٥٨ ـ ٣٨٢، تذكرة الحفاظ ٢/٤٣٣ ـ ٤٣٥، العبر ١/٤٢٦، الوافي بالوفيات ٨/٣٨٦ ـ ٣٨٨ = ٣٨٢٥، طبقات الحفاظ /١٨٨ ـ ١٨٩ = ٤١٩، ابن كثير ١٠/٣١٧، تهذيب التهذيب ١/٢١٦ ـ ٢١٩ = ٤٠٨، تهذيب الكمال ٢/٣٧٣ ـ ٣٨٨ = ٣٣٢، طبقات المفسرين ١/١٠٢ ـ ١٠٣، شذرات الذهب ٢/٨٩.

١٥٣

في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ، ونزول الربّ تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا ، قالوا : قد تَثْبُتُ الروايات في هذا ويؤّمَن بها ولا يُتَوَهّم ، ولا يقال : كيف؟

هكذا روي عن مالك ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك أنّهم قالوا في هذه الاَْحاديث : أَمِرُّوها بلا تكليف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السُّنَّة والجماعة. وأمّا الجهمية فأنكرَتْ هذه الروايات ، وقالوا : هذا تشبيه.

وقد ذكر الله عزّ وجلّ في غير موضع من كتابه ، اليد ، والسمع ، والبصر ، فتأوَّلت الجهمية هذه الآيات ففسَّروها على غير ما فسَّر أهلُ العلم ، وقالوا : إنّ الله لم يخلق آدم بيده ، وقالوا : إنّ معنى اليد ها هنا القوَّة.

وقال إسحاق بن إبراهيم (٧) : إنّما يكون التشبيه إذا قال : يدٌ كَيَد ، أو مثل يد ، أو سمع كسمع ، أو مثل سمع ، فإذا قال : سمع كسمع أو مثل سمع ، فهذا التشبيه. وأمّا إذا قال ـ كما قال الله تعالى ـ : يد ، وسمع ، وبصر ، ولا يقول : كيف ، ولا يقول مثل سَمْع ، ولا كسمع ، فهذا لا يكون تشبيهاً ، وهو كما قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٨).

٢ ـ أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَمي النَيْسابوري (٢٢٣ / ٨٣٨ ـ ٣١١ / ٩٢٤) قالوا عنه : إنّه كان إمام نيسابور في عصره ، فقيهاً ، مجتهداً ، بَحْراً من بحور العلم ، اتّفق أهل عصره على تقدّمه في العلم ، ولقّبه الصفدي ، واليافعي ، والذهبي ، والسبكي ، وابن الجَزَري ، والسيوطي ، وابن عبدالحىّ بإمام الأئمّة. وقال الدارقطني : كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير : هو من المجتهدين في دين الإِسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني : وجماعة [من المحدّثين] يُنْسَبُّون إليه ، يقال لكلّ واحد منهم

__________________

(٧) هو اسحاق بن راهويْه ـ عارضة الاحوذي: ٣/٣٣٢.

(٨) الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) ٣/٥٠ ـ ٥١ اي ٦٦٢.

١٥٤

خُزَيْميّ [فهو إمام مدرسة حديثية]. وهذا بعض ما قيل فيه (٩) :

أثبت ابنُ خزيمة الوجهَ لله سُبْحانه ، وقال : «ليس معناه أنّ يُشْبِه وَجْهُه وجهَ الآدميّين ، وإلاّ لكان كلّ قائل لبني آدم وَجْهاً ، وللخنازير ، والقردة ، والكلاب ... ـ إلى آخر ما عدّد من الحيوانات ـ وجوهاً ، قد شبّه وجوه بني آدم بوجوده الخنازير والقردة والكلاب ...» (١٠).

وذكر مثل هذا في العين ، واليد ، والكفّ ، واليمين ، وقال : «إنّ عيني الله لا تشبهان أيّ عين لغيره» وأضاف : «نحن نقول : لربّنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السُّفلى وما في السماوات العُلى وما بينهما (...) ونزيد شرحاً وبياناً ونقول : عين الله عزّ وجلّ قديمة لم تزل باقية ، ولا يزال محكومٌ لها بالبقاء منفيٌّ عنها الهلاك والفناء ، وعيون بني آدم مُحْدَثة ، كانَتْ عدماً غير مُكَوَّنة فكوَّنها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته ...» (١١).

وقال : إنّ لله يَدَيْن : «ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين ، وأيدي المخلوقين مُحْدَثة (...) فأيّ تشبيه! ...» (١٢) ونفى التأويل عن كلّ هذا ، خاصّة تأويل اليد بالنعمة أو القوّة (١٣).

__________________

(٩) الذهبي سير اعلام النبلاء: ١٤/٣٦٥ ـ ٣٨٢، تذكرة الحفاظ: ٢/٧٢٠ ـ ٧٣١، العبر: ٢/١٤٩، المسعاني، الانساب: ٥/١٢٤، ابن الاثير، اللباب: ١/٤٤٢، ابن الجوزي، المنتظم: ٦/١٨٤ ـ ١٨٦، ابن كثير، البداية والنهاية، ١١/١٤٩، السُبْكي، طبقات الشافعية: ٣/١٠٩ ـ ١١٩، الصَّفَدي، الوافي بالوفيات: ٢/١٩٦، اليافعي، مرآة الجنان: ٢/٢٦٤، ابن عبدالحي، شذرات الذهب: ٢/٢٦٢ ـ ٢٦٣، السيوطي، طبقات الحفاظ: ٣١٠ ـ ٣١١، ابن الجزري، طبقات القرّاء: ٢/٩٧ ـ ٩٨.

(١٠) التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلّق عليه محمد خليل هراس، المدرّس بكليّة أصول الدين «بالازهر»، مكتبة الكليّات الأزهريّة، القاهرة: ١٣٨٧/١٩٦٨، /٢٣.

(١١) المصدر / ٥٠ ـ ٥٢.

(١٢) المصدر / ٨٢ ـ ٨٥.

(١٣) المصدر / ٨٥ ـ ٨٧.

١٥٥

وذكر «انّ كلام ربّنا عزّ وجلّ لا يُشْبه كلام المخلوقين ، لأنّ كلام الله كلام متواصل لا سَكْتَ بينه ولا سَمْتَ ، لا ككلام الآدميّين الذي يكون بين كلامه سَكْتٌ وسَمْتٌ لانقطاع النَّفَس ، أو التذاكر ، أو العيّ ...» (١٤).

٣ ـ عثمان بن سعيد ، أبوسعيد الدارمي ، التميمي ، السجستاني (ح ١٩٩ / ٨١٥ ـ ٢٨٠ / ٨٩٤) الإِمام العلاّمة الحافظ ، الناقد الحجّة ، وكان جذعاً وقذىً في أعين المبتدعة ، قائماً بالسُنَّة ، ثقة ، حجّة ، ثبتاً. وقيل فيه : كان إماماً يُقْتَدى به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم ، وعدّه الحنابلة من أصحاب ابن حنبل (١٥).

قال الدارمي بأنّ لله مكاناً ، حدَّه ، وهو العرش (١٦) و «هو بائن من خَلْقه فوق عرشه بُفرْجة بينه في هواءِ الآخرة ، حيث لا خَلْقَ معه هناك غيره ، ولا فوقه سماء» (١٧) وقال : «قد أَيَّنّا له مكاناً واحداً ، أعلى مكان ، وأطهرَ مكان ، وأشرفَ مكان : عَرْشُه العظيم (...) فوق السماء السابعة العليا ، حيث ليس معه هناك إنسٌ ولا جانّ ، ولا بجنبه حُشٌّ ، ولا مِرْحاض ، ولا شيطان. وزعَمْتَ أنت (١٨) والمضلُّون من زعمائك أنّه في كلّ مكان ، وكلّ حشٍّ ومرحاض ، وبجنب كلّ إنسان وجانّ! أفأنتم تشبهّونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!» (١٩).

__________________

(١٤) المصدر / ١٤٥.

(١٥) سير أعلام النبلاء: ١٣/٣١٩ ـ ٣٢٦، تذكرة الحفاظ: ٢/٦٢١، العبر: ٢/٦٤، مرآة الجنان: ٢/١٩٣، ابن كثير: ١١/٦٩، طبقات الشافعية: ٢/٣٠٢ ـ ٣٠٦، طبقات الحفاظ: ٢٧٤، طبقات الحنابلة: ١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/١٧٦.

(١٦) الرَدّ على بِشْر المرِّيسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمّار جمعي الطالبي، منشأة المعارف، الاسكندرية، مصر: ١٩٧١/٣٨٢.

(١٧) المصدر / ٤٣٩.

(١٨) يخاطب به بشر المَرِّيسي، الذي يردّ عليه الدّارمي، وهو بِشر بن غياث المَرِّيسي، البغدادي، الحنفي (ح ١٣٨/٧٥٥ ـ ٢١٨/٨٣٣) من أعلام الحنفيّة، وممَّنْ نادى بخلق القرآن ودافع.

(١٩) المصدر / ٤٥٤.

١٥٦

وقال : «ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسّه مسيساًص كما ادّعيت ، لم يجز أنْ يقال [لله] : بيدك الخير ...» (٢٠) وأحالَ في ذلك كلّ معنى أو تأويل من نعمة ، أو قوّة ، إلاّ اليدين (٢١) [بما لهما من المعنى ، وهو العضو الخاصّ المحسوس] ، «وأنّ لله إصبَعَيْن ، من غير تأويل بمعنى آخر» (٢٢) «والقدمان قدمان من غير تأويل» (٢٣) «غير أنَّا نقول ، كما قال الله : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) (٢٤) : إنّه عنى به الوَجْهَ الذي هو الوَجْه عند المؤمنين ، لا الأعمال الصالحة ، ولا القِبْلَة ...» (٢٥) وإنّ نفي التشبيه إنّما هو بأن يكون لله كلُّ هذا ، ولكن لا يُشْبِه شيء منه شيئاً ممّا في المخلوقين» (٢٦)

* * *

وقد سُقْت ما تقدّم كنماذج مختارة ممّا جاء عن أعلام المدرسة الحديثيّة غير الإِمامية ، ولا أُعلّق على شيء ممّا جاء فيها ، غير أنّي أرى من الضروري أنْ أُنبّه ـ ولو بصورة مختصرة جدّاً ـ أنّ المقصود بالتجسيم والتشبيه التي نفاهما النّفاة عن الله سُبْحانه ، والتي دلّت الأدلّة القطعيّة على نفيهما : أنّ القول بالجسمية أو ما يستلزم الجسمية ، من الاَْعضاء والجوارح ، والمكان ، والزمان بمعانيها الحقيقيّة يلزم منه تشبيه الله سبحانه بالمخلوقين ، وهذا التشبيه إنّما يكون في أصل الجسميّة ولوازمها ، لا في نوعيّتها وكيفيّتها ، فالقول بأنّ ـ لله

__________________

(٢٠) المصدر /٣٨٧.

(٢١) «بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس» المصدر /٣٩٨.

(٢٢) المصدر /٤٢٠.

(٢٣) المصدر / ٤٢٣ ـ ٤٢٤، ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٢٤) الرحمن ٥٥/٢٧.

(٢٥) المصدر /٥١٦.

(٢٦) المصدر /٤٣٢ ـ ٤٣٣، ٥٠٨.

١٥٧

سبحانه ـ رأساً ، أو بَطْناً ، مثلاً ـ تعالى الله عن ذلك ـ يلازم الجسمية وينتهي إلى أن يكون الله ـ عزّ وجلّ ـ شبيهاً بالمخلوقين ، سواء أكان رأسه أو بطنه يُشْبه رؤوس من لهم رؤوس ، أو بطون من لهم بطون ، أو لا يشبه أيّاً من تلك الرؤوس والبطون ، بل يمتاز عن جميعهم برأس لا يُشْبه رؤوسهم ، وبطن لا يشبه بطونهم ، وهكذا ، غير الرأس والبطن ...

بالإضافة إلى أنّ الحديث الذي يروونه وقد التزموا بصحّته ـ وسيأتي ذكره بمصادره ـ : «إنّ الله خلق آدم على صورته» عند مَنْ يفسّره بصورة الله ، سبحانه ، والحديث الآخر : إنّ آدم خلق على صورة الرحمن ، لا يرجعان إلى القول بأنّ لله صورةً ووَجْهاً فحسبُ ، بل إنّ صورته ووجهه تشبهان وجه آدم وصورته ، فتشبهان وجوه بني آدم وصورهم.

٥ ـ ونموذج إمامي.

وشيخنا الصدوق علم بارز من علماء الحديث والرواية الإِماميّين ، وقد ذكرت بعض جوانب شخصيّته في المقدّمة الّتي وضعتها للترجمة الإِنجليزية لكتابه (اعتقادات الإِماميّة) وكان من اُسرة اشتهرت بعلم الحديث وتحمله. وقد أخذ عن شيوخ المحدّثين وأعلامهم ، وقد سار هو على هديهم واستنّ بسنّتهم ، وكلّ ما يقوله إنّما يمثّل ما اتّفق عليه علماء الحديث الإِمامية ـ وخاصة مدرسة القميّين منهم ـ ، أو أخذ به معظمهم ـ على أقلّ التقادير ـ إلاّ في موارد قليلة ، كقوله بسهو النبيّ ، صلّى الله عليهِ وآلهِ وسلّم في الصلاة ، الّذي تبع فيه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، والّذي لم يقرّه عليه معظم العلماء ، محدّثين وغير محدّثين.

والدراسة المقارنة بين (اعتقادات الإِمامية) ، وما علّق عليه شيخنا المفيد في (تصحيح الاعتقاد) لتكشف عن الاتفاق في اُصول العقيدة وتفاصيلها بين ما يسمى بالمدرسة الحديثية والمدرسة الكلامية الإِماميَّتَيْن ، إلاّ في موارد اختلفا

١٥٨

فيه ، وهي قليلة جدّاً ، ان قيست بالنسبة إلى موارد الاتفاقق. نعم : الفارق إنّما يكون في نوعيّة الاستدلال ، وكيفية سوق الدليل والبرهنة على الرأي الاعتقادي.

وتكشف أيضاً : ان هذا نقد المتكلّمين الإِماميّة للأحاديث الّتي يعتمد عليه المحدّثون لا يكون نابعاً أوّلاً وبالذات من موقفهم العقائدي ، ومخالفتها لأحكامهم الكلاميّة ، وإنّما يرتكز على موازين نقد الحديث الّذي يأخذ به كلّ محدّث ، من الطعن في سند الحديث بتجريح رواته وأنّ فيهم من لا يصحّ الاعتماد عليه ، أو التشكيك في دلالته ، أو طرحه لمعارضة دليل أقوى له من آية كريمة أو حديث أقوى منه سنداً أو أصرح منه دلالة.

على العكس ممّا تتّهم به المدرسة الحديثيّة غير الإِمامية جمهور أصحاب الكلام من جهميّة ، ومعتزلة ، ومرجئة ، وغيرهم : بأنّهم يردّون آي الذكر الحكيم والسُّنّة النّبويّة الثابتة جملة وتفصيلاً ، إن خالفت ما ذهبوا إليه من الآراء الكلامية.

ولعلّ السرّ في هذا الفارق بين سلوك المدرستين الحديثيّتين ، الإِمامية وغير الإِمامية يعود أوّلاً : إلى الفرق بين طبيعة الحديث الإِمامي ، وبين الحديث غير الإِمامي ، كما سنشير إليه ، وثانياً : إلى أنّ المتكلِّمين الإماميّين يمتازون عن غير الإِماميّين ، بإنّه قلّ ما يوجد متكلّم إلاّ وكان أيضاً من حملة الحديث وعلومه ، فكان يجمع الميزتين ، مشاركاً فيهما ، لا أنّه إن كان يختص بالحديث ، فكان يجهل الكلام بل يقف منه موقف الخصومة والعداء ، وإن كان متجهّاً إلى الكلام ومسائله فإنّه كان يجد نفسه في غنىً من الحديث وتحمّله وروايته ، كما قالوا عن غيرهم.

وإن دراسة الكتاب الآخر لشيخنا المفيد رحمه الله : (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات) لتكشف عن نقاط الخلاف بين علماء الإِماميّة إلى عصر المفيد ، سواء كانوا علماء حديث وفقه فحسب ، أم علماء كلام فحسب ـ ولم

١٥٩

أجد فيه مثالاً لهؤلاء إلاّ بعض بني نَوْبَخْت ـ ، أم الّذين جمعوا بين الأمرين ، ونقاط الخلاف هذه قليلة جدّاً إن قيست بما اتّفقوا عليه. وتكشف أيضاً عن نقاط الخلاف بينهم وبين غيرهم من فرق المسلمين البارزين إلى عصر المفيد.

ومهما يكن ، فقد كنت أعددت العُدَّة لبحث مفصّل أقارن فيه بين كتابي الصدوق والمفيد ، ولكنّي هنا ـ ولا يسع المجال لذلك ـ أكتفي بالنتائج التي انتهى إليها باحث غربيّ ، وهو الاستاذ (مارتن مكدرموت) في كتابه : (نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد) واقتطع منه مقاطع صغيرة ، قال :

«كان ابن بابويه (الصدوق) محدّثاً ، وإذا أراد أن يحلّ مشكلة أو يجب عن مسألة ، فإنّه بدل أن يأتي من نفسه بدليل (بفكرة) ، فإنّه كان يحبّ أنْ يروي حديثاً ، وحتى أنّ رسالته الإعتقادية (رسالة الإِعتقادات) (*) أكثر ما جاء فيها إنّما هي أحاديث اتّصل بعضها ببعض. ومع كلّ هذا فإنّه كان يعتقد بالأحكام والأراء الّتي كان يعتقد بها المتكلّمون ، وإذا واجه حديثاً يكون ظاهره مخالفاً للآراء الكلاميّ ، مثلاً فيما يرجع إلى التوحيد ، أو العدل الإِلهي ، فإنّه كان يصوغ بنفسه تفسيراً أو تعبيراً يلائم به الحديث المبحوث عنه مع الحكم الكلامي.

وهذه الجهة هو الفارق بين ابن بابويه وتلميذه المفيد الذي كان متكلّماً ومحدّثاً. فإنّ المفيد إذا واجه أمراً يمكن إثباته عن كلا طريقي الوحي ، والاستدلال العقلي ، فإنّه كان يفضّل البرهان العقلي ، ويجعل الحديث أو النّصّ القرآني برهاناً مكمّلاً له.

لأنّ أكثر الآراء الكلامية الّتي أخذ بها ابن بابويه تتفقّ مع ما ارتاه تلميذه المفيد (...) ـ ثم يستعرض نقاط الخلاف بينهما ، الأمر الذي يلمسه القارىء للكتابين بنفسه ، فيقول : انّ ابن بابويه محدّث يُشْبه في بعض آرائه مع المعتزلة في آرائها وأحكامها ، والشيخ المفيد متكلّم وفي الحال نفسها محدِّث ، وأنظاره

__________________

(*) أي: اعتقادات الإمامية.

١٦٠