شرح كتاب سيبويه - ج ١

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان

شرح كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي سعيد السّيرافي الحسن بن عبدالله بن المرزبان


المحقق: أحمد حسن مهدلي و علي سيّد علي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-5251-0
ISBN الدورة:
978-2-7451-5251-0

الصفحات: ٥٠٤

و" الأب" مرتفع بفعله فكأنك قلت : " ليس زيد بقائم أبوه" ، فجاز ؛ لأنه من سبب" زيد". فتأول سيبويه في البيت تأويلا أخرجه إلى مثل هذا فأجاز : " ولا قاصر عنك مأمورها". وذلك أنه جعل منهي الأمور بمنزلة الأمور ؛ إذ كان البعض قد يجوز أن يجرى مجرى ما أضيف إليه ، فجعل منهي الأمور إذ كان بعضها بمنزلة الأمور. فكأنه قال : " ليس بآتيك الأمور ، ولا قاصر عنك مأمورها" ، و" مأمورها" من سبب الأمور. وقد جعل المنهي كأنه هو الأمور ، فقد صار المأمور من سبب المنهي.

ثم استشهد لجعله منهي الأمور بمنزلة الأمور بقول جرير :

إذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (١)

وقد مر البيت.

قال : ومثل ذلك قول النابغة الجعدي :

فليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا (٢)

الرفع والنصب في" مستنكر" مثلهما في" ولا قاصر عنك ...".

وأما الخفض على مذهب سيبويه فعلى تأويل أن يجعل الثاني من سبب الأول : وذلك أن قوله : " فليس بمعروف لنا أن نردها" يريد : ردها. أي : رد الخيل. وقبله.

وننكر يوم الرّوع ألوان خيلنا

من الطّعن حتى نحسب الجون أشقرا (٣)

فإذا قال : " فليس بمعروف لنا رد الخيل" ، جاز أن تجعل رد الخيل بمنزلة الخيل. كما قال :

(طوال الليالي أسرعت في نقضي) (٤)

والمعنى : الليالي أسرعت

__________________

(١) البيت لجرير الديوان : ٥٠٧ ، الخزانة ٢ / ١٦٧ ، سر الصناعة ١ / ١٤.

(٢) البيت للنابغة الجعدي الديوان : ٣٥ ـ ٥٩ ، الخزانة ١ / ٥١٣ ـ ٥١٤.

(٣) البيت للنابغة الجعدي : (المصدر السابق).

(٤) هذا صدر بيت وتمامه كما في الخزانة :

طوال الليالي أسرعت في نقضي

أخذن بعضي وتركن بعضي

وهو منسوب للعجاج في سيبويه ١ / ٢٦ ، منسوب للأغلب العجلي في الخزانة ٢ / ٦٨.

٣٤١

و... تسفهت

أعاليها مرّ الرياح ... (١)

(كأنه قال : تسفهتها الرياح).

فقد صار رد الخيل بمنزلة الخيل ، فكأنه قال ليس بمعروفة لنا الخيل ، ولا مستنكر عقرها ، والعقر يعود إلى الخيل ، غير أنه قد جعل الرد بمنزلة الخيل ، فجعل عقرها من سبب الرد.

ثم قال سيبويه : (كأنه قال : " ليس بآتيك منهيها ، وليس بمعروفة ردها" حين كان من الخيل ، والخيل مؤنثة ، فأنث).

يعني : أنا لما جعلنا منهيّها بمنزلة الأمور ، وردها بمنزلة الخيل ، فكأنهما قد صارا مؤنثين ، فعاد إليهما ضمير المؤنث في مأمورها وفي تعقّرا.

قال : (وهذا مثل قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (٢).

وحدّ الأول على اللفظ ، وجمع ما بعده على المعنى ، فكذلك ذكر" بآتيك منهيها" ، و" بمعروف لنا ردها" ، على اللفظ ، وأنث مأمورها وتعقرا على المعنى.

قال الأخفش : هذا كله يجوز فيه النصب وإن كان الأخير ليس من سبب الأول ؛ لأن" ليس" إن قدمت فيها الخبر ، أو أخرته فهو سواء.

قال أبو سعيد : وقد ذكرنا هذا.

قال الأخفش : وليس هذان البيتان على ما زعم سيبويه في الجر ؛ لأنه لا يجوز عنده العطف على عاملين وإن لم يكن الثاني من سبب الأول.

وقال أبو سعيد : كان الأخفش يجيز" ولا قاصر عنك مأمورها" ، " ولا مستنكر أن تعقّرا" ، وإن لم يكن" مأمورها" من سبب منهيها ، ولا" عقرها" من سبب ردّها ؛ لأنه يجيز" ليس زيد بقائم ولا قاعد عمرو" ، عطفا على عاملين.

وزعم الأخفش أن سيبويه غلط في إنكار العطف على عاملين ، وأنه جائز مثل قول

__________________

(١) هذا جزء من بيت لذي الرمة وتمامه :

مشين كما اهتزّت رماح تسفّفهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم

ديوانه ص ٦١٦ ، الخصائص ٢ / ٤١٩ ، شرح الأشموني : ٣٨٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١١٢.

٣٤٢

الله تعالى في قراءة بعض الناس : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ)(١) ، فجر" الآيات" وهي في موضع نصب ، ومثل ذلك قول الله تعالى : (... لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) ، عطفا على خبر إن. وعلى اللام.

وغلط الأخفش في الآيتين اللتين ذكرهما من غير وجه.

أما قوله تعالى : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) فالشاهد في الآية التي بعدها لا فيها ، لأن حرف الجر قد ذكر في قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) وموضع الاحتجاج في الآية التي بعدها وقد ذكرنا الجواب عنه.

وأما قوله تعالى : (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). فإن الأخفش يقدر : " إنا أو إياكم لعلى هدى وإنا أو إياكم لفي ضلال مبين". فحذف إن واللام من قوله : " أو في ضلال مبين". وهذا لا حجة له فيه ؛ لأن قوله : " أو في ضلال مبين" ليس فيه معمول إن منفي ، فيكون عطفا على" إن". و" اللام" في قوله عزوجل : (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) غير عاملة. فاحتجاجه بهذا بعيد.

قال أبو العباس : غلط أبو الحسن في الآيتين جميعا في أنهما عطف على عاملين ، ولكن ذلك في قراءة من قرأ (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ،) إذا قال : " آيات" فجره فقد عطف على عاملين ، وهي قراءة.

قال أبو سعيد : وقد غلط أبو العباس في تفريقه بينهما : وذلك أن أبا العباس كان يرى أن من قرأ (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) عاطف على عاملين وأن من قرأ" آيات" غير عاطف على عاملين ؛ لأن الذي يقرأ : " آيات" ينصبها" بأن" ، والذي يقرأ" آيات" يرفعها بالابتداء ، فيقال : أخبرنا عن الذي يقرأ : " آيات" إذا رفعها بالابتداء هل يعطفها على موضع" إن" ، أو يقطعها من الكلام الأول؟ ، فإن كان يعطفها على موضع" إن" ، فقد عطف على عاملين أحدهما موضع" إن" ، والآخر" في" ، وإن كان مقطوعا من الكلام الأول ، وجب أن يذكر حرف الجر في" اختلاف الليل والنهار" ، ألا ترى أنه لا يجوز لك

__________________

(١) سورة الجاثية : الآية : ٤.

(٢) سورة سبأ الآية : ٢٤.

٣٤٣

أن تقول : " اختلاف الليل والنهار آيات" وأنت تريد في ؛ لأنه مستأنف ليس قبله ما يعطف عليه.

قال سيبويه : (وتقول : ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة وإن شئت نصبت).

يعني : إن شئت قلت : شحمة.

(و" بيضاء" في موضع جر ؛ كأنك أظهرت" كلّ" كأنك قلت : ولا كلّ بيضاء شحمة).

فاحتج بعض الناس بأن هذا عطف على عاملين ، وذلك أن" بيضاء" جر عطفا على" سوداء" والعامل فيها كل ، و" شحمة" منصوبة عطفا على خبر" ما".

فقال سيبويه : (ليس ذلك عطفا على عاملين ، وتأوّله تأويلا أخرجه عما قاله القائل. فقال : " بيضاء" مجرور" بكل" أخرى محذوفة مقدرة بعد" لا" ، وليست معطوفة على سوداء ، فلم يحصل العطف على عاملين.

وقال أبو دؤاد :

أكلّ امرئ تحسبين أمرأ

ونار توقد بالليل نارا (١)

أراد : كل نار توقد بالليل نارا. بتقدير" كلّ" معادة ، ولم يعطف" نار" على" امرئ واستغنى عن تثنية" كلّ" بذكره إيّاها في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب).

قال سيبويه : (وجاز ذلك كما جاز في قولك : " ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه". وإن شئت قلت : " ولا مثل أخيه فهذا يحتمل أن يكون" مثل" مقدرا بعد" لا" ، ويجوز ألا يكون مقدرا ، ويكون" الأخ" معطوفا على" عبد الله" والعامل فيهما" مثل" الأول ، ثم يقول : " ما مثل عبد الله يقول ذاك ، ولا أخيه يكره ذاك" ومثل ذلك وما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك").

فهنا لا محالة تقدر" مثل" بعد" لا" ، وذلك أنه لو كان" وأبيك" معطوفا على" أخيك" ، والعامل" مثل" ما جاز أن يثنّي" يقولان" فلما ثني ، علمنا أن تقديره : " وما مثل أخيك ولا مثل أبيك يقولان ذاك". و" مثل" الأول غير الثاني فلما جاز حذف الثاني اكتفاء بالأول في هذه المسألة ، جاز في التي قبلها ، وجاز أيضا فيما كان خبره معرّفا ، كقولك :

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٣١٤ ، الكامل للمبرد ١ / ١٩٦ ، المغني ١ / ٢٩٠.

٣٤٤

" ما مثل عبد الله يقول ذاك ، ولا أخيه يكره ذاك" ، فخبر" عبد الله" يقول ذاك ، وخبر" أخيه" يكره ذاك.

وقد حذف منه" مثل" اكتفاء بالأول ، كأنه قال : ولا مثل أخيه يكره ذاك.

وهو العامل دون الأول ، وقوله :

" أكل امرئ تحسبين أمرا" (١)

مشبه لهذا ؛ لأن خبر" كل امرئ" هو" امرأ" ، وخبر" كل نار"" نارا" الثانية.

هذا باب ما يجرى على الموضع لا

على الاسم الذي قبله

قال سيبويه : (وذلك قولك : " ليس زيد بجبان ولا بخيلا" ، و" ما زيد بأخيك ولا صاحبك" ، والوجه فيه الجر. لأنك تريد أن تشرك بين الخبرين ، وليس ينقض إجراؤه عليه المعنى ، وأن يكون آخره على أوله أولى ؛ ليكون حالهما في الباء سواء ، كحالهما في غير الباء مع قربه منه).

قال أبو سعيد : معنى ذلك أنك إذا قلت : " ليس زيد بجبان ولا بخيلا" ، جاز النصب في" بخيل" ، والجر أيضا ، غير أن الجر أجود لأن معناهما واحد ولفظ الخبر مطابق للفظ الأول ، وإذا تطابق اللفظان مع تساوي المعنيين ، كان أفصح من تخالف اللفظين ، والعرب تختار مطابقة الألفاظ ، وتحرص عليها ، وتختار حمل الشيء على ما يجاوره ، حتى قالوا : " جحر ضبّ خرب" فجروا" خربا" ، وهو نعت" للجحر" لمجاورة" الضّب" ، فكذلك إذا قلت : " ليس زيد بجبان ولا بخيل" ، فأقرب الأسماء من" بخيل" هو اسم مجرور ، والحمل عليه أولى من النصب على المعنى ؛ إذ كان معنى النصب والجر واحدا وقال الشاعر في بيت أنشده سيبويه في جواز النصب على قوله عقيبة الأسدي :

معاوي إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٢)

فحمله على موضع الباء لو لم تكن ، كأنه قال : فلسنا الجبال ولا الحديدا.

والباء زائدة. وهذا البيت أيضا يروى مع أبيات سواه على الجر. منها :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الخزانة ١ / ٣٤٣ ، ٢ / ١٤٣ ، أمالي القالي ١ / ٣٦ ، الدرر اللوامع ١ / ١٣١.

٣٤٥

أكلتم أرضنا فجزرتموها

فهل من قائم أو من حصيد

ومن روى البيت بالنصب أنشد الأبيات منصوبة ، ولم يرو هذا البيت المجرور.

قال سيبويه بعد إنشاده البيت : (لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى ، ولم يحتج إليه لو كان نصبا ، ألا تراهم يقولون : " حسبك هذا وبحسبك هذا" فلم تغير الباء معنى ، وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء ؛ لأن" بحسبك" في موضع ابتداء).

وهذا بيّن ؛ لأن الباء إذا كانت زائدة ، فكأنها ليست في الكلام ، فجاز حمل الثاني على الأول ، وكأن الباء ليست فيه.

قال : (ومثل ذلك قول لبيد :

فإن لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ فلتزعك العواذل) (١)

وكان الوجه أن يقول : " ودون معدّ" ، عطفا على" من دون عدنان" ، ولكنه نصبه على الموضع ، كأنه قال : فإن لم تجد دون عدنان.

فإن قلت : " ما زيد على قومنا ولا عندنا" ، كان النصب في" عندنا" لا غير ، ولا يجوز" ولا عندنا" حملا على" قومنا" ؛ لأن" عند" لا يجوز أن تدخل عليها" على". لا تقول : " زيد على عندنا" ، ولا تستعمل" عند" إلا ظرفا ولا يدخل عليها من حروف الجر إلا" من".

قال : (وتقول : " أخذتنا بالجود وفوقه" ؛ لأنه ليس في كلامهم وبفوقه).

ومعنى هذا الكلام : أخذتنا السماء بالجود من المطر ، وبمطر فوق الجود ، ولم يجز جر" فوق" عطفا على" الجود" ؛ لأن العرب لا تكاد تدخل الباء على" فوق" ؛ لا يقولون : " أخذتنا بفوق الجود" إنما يقولون : " أخذتنا بمطر فوق الجود" ، ولو جررت لجاز ، وليس الاختيار. ثم أنشد بيتين في مثل معنى البيت المتقدم وهو قول كعب بن جعيل :

إلا حيّ ندماني عمير بن عامر

إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا (٢)

فنصب" غدا" ، ولم يعطفه على اليوم ، كأنه قال : " إذا ما" تلاقينا اليوم أو غدا. وقال

__________________

(١) الديوان ١٣١ ق ٣٨ / ٧ ، الخزانة ١ / ٣٣٩ ، سر الصناعة ١ / ١٤٧.

(٢) الأعلم ١ / ٣٥ ـ المقتضب ٤ / ١١٢ ، ٢٥٤.

٣٤٦

العجاج :

كشحا طوى من بلد مختارا

من يأسة اليائس أو حذارا (١)

وكان الأجود أن يقول : أو حذار ، ولكنه حمله على موضع" من" كأنه قال : يأسة اليائس ، وهذا مفعول له كقولك : " انصرفت عن زيد يأسا" أي من" يأس" أو" ليأس".

قال : (وتقول : " ما زيد كعمرو ولا شبيها به" و" ما عمرو كخالد ولا مفلحا" : النصب في هذا جيد ؛ لأنك إنما أردت : ما هو مثل فلان ، ولا مفلحا. هذا معنى الكلام. فإن أردت أن تقول : ولا بمنزلة من يشبهه جررت ، وذلك نحو قولك : " ما أنت كزيد ولا شبيه به" فإنما أردت ولا كشبيه به).

قال أبو سعيد : إذا قلت : " ما زيد كعمرو ولا شبيها به" ، فمعناه : ما زيد كعمرو ، وما زيد شبيها بعمرو. وإذا قلت : " ما عمرو كخالد ولا مفلحا" ، فمعناه : ولا عمرو مفلحا." فشبيها" ، و" مفلحا" عطف على موضع" الكاف" ، وموضعها منصوب بخبر" ما". وإذا قلت : " ما زيد كعمرو ولا شبيه به" فمعناه : ما زيد كعمرو ولا كشبيه بعمرو ، فقد أثبت لعمرو شبيها ، ثم نفيت عن" زيد" شبه عمرو ، وشبه شبيهه.

قال سيبويه : (فإذا قال قائل : " ما أنت بزيد ولا قريبا منه" فإنه ليس ها هنا معنى للباء ، لم يكن قبل أن تجيء بها ، وأنت إذا ذكرت الكاف تمثل).

يريد أنك إذا قلت : " ما أنت بزيد ولا قريبا منه أو ولا قريب منه" فالمعنى واحد ، ويجوز الجر والنصب ، وإن كان الجر أجود لما ذكرنا أن الباء زائدة في قولك : " بزيد" ، وإذا قلت : " ما زيد كعمرو" فالكاف دخلت للتشبيه. فإذا قلت : " ولا شبيه به" ، فخفضت ، فكأنك قلت : " ولا كشبيه بعمرو" فأثبت له شبيها. وإذا نصبت" شبيها" فمعناه : ولا زيد شبيها به.

قال سيبويه : (وإن شئت قلت : " ما أنت بزيد ولا قريبا منه" ، فجعلت" قريبا" ظرفا).

وإذا جعلته ظرفا لم يكن فيه إلا النصب كأنك قلت : " ما أنت بزيد ولا خلف زيد".

__________________

(١) ديوان أراجيز العجاج : ٢١ ، الأعلم ١ / ٣٥.

٣٤٧

وقال الأخفش : والفصل بين الجر والنصب في قولك : " ما أنت كزيد ، ولا شبيها به" أنك إذا جررت" الشبيه" ، فقد أثبت شبيها ، وإذا نصبت لم تثبت هاهنا شبيها بزيد وقد بينا هذا.

هذا باب الإضمار

في" ليس" و" كان" كالإضمار في" إنّ"

(إذا قلت : " إنه من يأتنا نأته" ، و" إنه أمة الله ذاهبة" فمن ذلك قول العرب : " ليس خلق الله مثله" ، فلو لا أن فيه إضمارا ، لم يجز أن تذكر الفعل ، ولم تعمله في اسم ، ولكن فيه من الإضمار مثل ما في" إنه" وسوف نبين حال هذا الإضمار ، وكيف هو إن شاء الله تعالى).

قال أبو سعيد : اعلم أن كل جملة فهي حديث أمر وشأن ، والعرب قد تقدم قبل الجمل ضمير الأمر والشأن ، ثم تأتي بالجملة ، فتكون الجملة هي خبر الأمر والشأن ؛ لأن الجملة هي الأمر والشأن وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول. فمن ذلك قولهم : " إنه أمة الله ذاهبة" و" إنه زيد ذاهب"." فالهاء" ضمير الأمر و" زيد ذاهب" مبتدأ ، وخبره في موضع خبر الأمر والشأن ، و" إنه من يأتنا نأته" ، و" إنه قام عبد الله". فالهاء في هذه المواضع هي الاسم ، وما بعدها من الجملة خبر ، ولا يجوز حذفها إلا في الشعر ، لا يجوز أن تقول : " إن زيد ذاهب" على معنى : إنه زيد ذاهب في الكلام. وقد جاء في الشعر. قال الشاعر :

إنّ من لام في بني بنت حسّا

ن ألمه وأعضه في الخطوب (١)

أراد : " إنه".

وربما جعلوا مكان ضمير الأمر والشأن ضمير القصة. فيقولون : " إنها جاريتك منطلقة" ، قال الله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٢) تقديرها : فإن القصة : وأكثر ما يجيء إضمار القصة مع المؤنث ، وإضمارها مع المذكر جائز في القياس ، ومن ذلك : " كان زيد ذاهب" ، و" كان قام زيد" تريد : كان الأمر والشأن زيد ذاهب. ففي" كان" ضمير

__________________

(١) البيت منسوب إلى الأعشى في ديوانه ق ٦٨ / ١٢ ، الإنصاف ١ / ١٨٠ ، الخزانة ٢ / ٤٦٣ ؛ ٣ / ٦٥٤.

(٢) سورة الحج ، الآية ٤٦.

٣٤٨

الأمر ، والجملة التي بعدها في موضع خبر" كان".

وأخوات" كان" بمنزلتها ، كما أن أخوات" إنّ" بمنزلتها ، ولم يظهر ذلك الضمير في" كان" وأخواتها ؛ لأنه اسم" كان" ، و" كان" فعل ، فإذا أضمرناه استكنّ في الفعل.

ومن ذلك : " ظننته زيد قائم" ، و" ظننته قام أبوك" ، فالهاء ضمير الأمر والشأن ، وهي في موضع المفعول الأول ، والجملة التي بعدها في موضع المفعول الثاني.

ومن ذلك" ما هو زيد قائم" ، و" ما هو قام زيد" ، " فهو" ضمير الأمر والشأن ، والجملة بعدها خبر" ما". وتقول في المبتدأ : " هو زيد قائم" وإن لم يكن جرى ذكر شيء ، فهو مبتدأ ضمير الأمر والشأن ، والجملة التي بعدها خبر.

وقد قال جماعة من البصريين ـ والكسائي معهم ـ في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(١) أن" هو" ضمير على غير مذكور ، جرى كالضمير في" إنه زيد قائم".

وقال الفراء : " هو" ضمير اسم الله تعالى ، وجاز ذلك وإن لم يكن قبله ذكر ، لما في النفوس من ذكره تبارك اسمه. وكان الفراء يجيز" كان قائما زيد" و" كان قائما الزيدان ، والزيديون" ، فيجعل" قائما" خبر ذلك الضمير ، ويجعل ما بعده مرفوعا به. وكذلك" ليس بقائم أخواك" و" ما هو بذاهب الزيدان".

وأهل البصرة لا يجيزون أن يكون خبر ذلك الضمير اسما مفردا ؛ لأن ذلك الضمير هو ضمير الجملة ، فينبغي أن تأتي بالجملة كما هي ، فتجعلها في موضع خبر الضمير ، كما تقول : " كان زيد أخاك" فتجعل" الأخ" خبرا له ؛ إذ كان" هو" هو ، غير أن الاسم المفرد يتأثر فيه الإعراب : إذا كان خبرا. ولا يجيز البصريون" كان ذاهبا زيد" ، إلا على ألا يكون في" كان" ضمير الأمر والشأن ، ويكون" زيد" الاسم و" ذاهبا" الخبر.

وأما" ما هو بذاهب أخواك" فلا يجيزون إلا على أن يقال : " ما هو بذاهبين أخواك" فيثنون ، ويجعلون" أخواك" مرتفعين بالابتداء ، لا بالذهاب ويجعلون الباء خبرا مقدما ، وتقديره : " ما هو أخواك بذاهبين" ، كما تقول : " ليس بذاهبين أخواك" ، على معنى : ليس أخواك بذاهبين.

__________________

(١) سورة الإخلاص ، الآية : ١.

٣٤٩

ولقائل أن يقول : ـ وفيه نظر ـ وليس تقديم الباء في" ما" بالحسن.

قال أبو سعيد : ويجوز عندي" ليس بذاهب أخواك" ، و" ما هو بذاهب أخواك" على أن تجعل" ذاهبا" في معنى الفعل ، وترفع ما بعده به ، وتجعل الجملة في موضع خبر المجهول ، ولا تجعل" ذاهبا" خبرا له ، ولكن تجعل" ذاهبا" في موضع ابتداء وإن كان فيه الباء ، و" الأخوين" مرتفعين بفعلهما ، وقد سدا مسد الخبر كما تقول : " ما ذاهب أخواك" ، فترفع" ذاهبا" بالابتداء ، وترفع" الأخوين" بفعلهما ، وقد سدا مسد الخبر ، وإنما دخلت الباء على المبتدأ في هذا الموضع لنفي الذي وجب بالحرف الذي قبله ، ألا ترى أنك تقول : " ليس زيد بقائم" ، فإذا استثنيت لم يجز أن تقول : " ليس زيد إلا بذاهب" لبطلان معنى النفي.

فإن قال قائل : فأجز على هذا : " ليس زيد بأبيه قائم" ، على معنى" ليس زيد أبوه قائم" ، كما أجزت" ليس زيد بذاهب أبواه" ، على معنى" ليس زيد ذاهبا أبواه".

قيل له : قولنا : " ليس زيد أبوه قائم" ، " قائم" مع الأب خبر" ليس" ، والعامل فيه الابتداء ، فلا يجوز أن يبطل الابتداء بالباء وتعمله ، وإذا قلنا : " ليس زيد بذاهب أخواه" ، فإنما ترفع" الأخوين" بفعلهما.

فإن قال قائل : فأنت تقول : " بحسبك زيد" ، فترفع" زيدا" بخبر المبتدأ ، وقد دخلت الباء على" حسبك".

قيل له : دخول الباء في" حسبك" ، مع جعله مبتدأ ، شاذ لا يقاس عليه ، ألا ترى أنك لا تقول : " بأخيك زيد" ، على معنى" أخوك زيد" ، ودخول الباء على خبر كل منفي مطرد.

ومن أصحابنا من لا يجيز البتة : " ما هو بذاهب زيد" ، و" ليس بذاهب أخوك" ، إذا جعلت في" ليس" ضمير الأمر والشأن ؛ لأن الأمر إنما تفسيره جملة ، ولا يكون في ابتداء الجمل" الباء" ، فاحتج عليه بقوله تعالى : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ)(١).

فقال مجيبا عن ذلك : يجوز أن يكون" هو" ضمير التعمير ؛ لأنه قد جرى ذكره في قوله : (لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) وقوله : " أن يعمّر" بدل من" هو" ، وقد صار" هو" ضميرا للتعمير الذي قد تقدم الفعل الدال عليه ، كما قال : " من كذب كان شرا له". والمعنى : كان

__________________

(١) سورة البقرة ، آية : ٩٦.

٣٥٠

الكذب شرا له. فاكتفى بدلالة" كذب" على إظهار الكذب.

قال سيبويه : (فلو لم يكن في" ليس" ضمير الأمر ، لما جاز" ليس خلق الله مثله" ؛ لأن" ليس" و" خلق" فعلان ، والفعل لا يعمل في الفعل ، فلا بد من اسم يرتفع به. وقال حميد الأرقط :

فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم

وليس كلّ النّوى تلقي المساكين) (١)

فقوله" كل" ينتصب ب" يلقي" ، و" المساكين" يرتفع ب" يلقي" ، وفي" ليس" ضمير الأمر ، ولو لم يكن في" ليس" ضمير الأمر لارتفع" كلّ"" بليس" ، وصار" يلقي المساكين" خبر" كل" ، واحتيج إلى إضمار" كل" في" يلقي" ، فيصير التقدير : " وليس كل النوى يلقيه المساكين" ، وهو قبيح ؛ لأن حذف الهاء من الإخبار قبيح ؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول : " زيد ضربت" في معنى" زيد ضربته".

قال : (ولا يحسن أن تحمل" المساكين" على" ليس" وقد قدمت. فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأول ، وهذا لا يحسن ولا يجوز).

يعني لا يجوز أن ترفع" المساكين" ، " بليس" ، وقد جعلت الذي يلي ، ليس" كل" ، وهو منصوب ب" يلقي" ؛ لأن" كان" و" ليس" وأخواتهما لا يليهن منصوب يغيرهن ، ولا يجوز أن تقول : " كانت زيدا الحمّى تأخذ" ، أو" كانت زيدا تأخذ الحمى" ، وذلك أن" كان" وبابها أن تعمل الرفع والنصب ، فلا يجوز أن يليه إلا شيء يعمل فيه أو في موضعه ، فإذا قلت : " كانت زيدا الحمى تأخذ" ، فإنما تنصب" زيدا" ب" تأخذ" لا ب" كان".

وقد احتج بعض من يجيز هذا بقول الفرزدق :

قنافذ هدّاجون حول خبائهم

بما كان إيّاهم عطية عوّدا (٢)

وهذا البيت لا حجة فيه ؛ لأنه يجوز أن يكون جعل في" كان" ضمير الأمر والشأن ، وتنصب" إياهم" ب" عوّدا" وتجعل الجملة في موضع خبر للضمير الذي في" كان" ، ويجوز أن تكون زائدة ويكون تقديره : " بما إياهم عطية عودا" ، كما يقال : " الذي إياهم عطية

__________________

(١) البيت لحميد الأرقط الأعلم ١ / ٣٥ ، ابن عقيل ١ / ١٦٢ ، وبدون نسبة في الأشموني ١ / ١١٧ ، الخزانة ٤ / ٥٨.

(٢) الخزانة ٤ / ٥٧ ، العيني ٢ / ٢٤ ، الدرر اللوامع ١ / ٨٧.

٣٥١

عوّد" ، على معنى" عوّده". ولا يجوز أن يقال : " كان عمرا زيد ضاربا" بنصب" عمرو" ، وقد جعلت" ضاربا" منصوبا ب" كان". ولكنك لو قلت : " كان عمرا زيد ضارب" ، جاز.

والفرق بينهما أن المسألة الأولى ليس في" كان" ضمير الأمر والشأن ، وفي هذه ضمير الأمر والشأن فإذا نصبت" عمرا" ، فالذي يلي" كان" الأمر والشأن. فلم يلها منصوب يغيرها. ولو قلت : " عمرا كان زيد ضاربا" جاز ؛ لأن هذا الذي قبله كان كالملغى ، ولم يصر حاجزا بينهما وبين ما حكمها أن تعمل فيه :

قال سيبويه : (ومثل ذلك من الإضمار :

إذا متّ كان النّاس صنفان شامت

وآخر مثن بالذي كنت أصنع (١)

أضمر في" كان" الأمر والشأن. وقال بعضهم : " كان أنت خير منهم" على معنى كان الأمر ، ومثله قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(٢)).

يعني : أن في" كاد" ضميرا من الأمر والشأن ؛ لأن" كاد" فعل ، و" يزيغ" فعل ، ولا يعمل الفعل في الفعل.

(وقال هشام أخو ذي الرمة :

هيّ الشّفاء لدائي لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الدّاء مبذول) (٣)

معناه : ليس الأمر.

وقال : (وليس يجوز هذا في" ما" في لغة أهل الحجاز).

يعني أنه لا يجوز أن تقول : " ما زيد قائم" ، وتجعل في" ما" ضمير القصة والشأن مستكنا ، لأنها ليست بفعل ليستكن فيها الضمائر.

قال سيبويه : (ولا يجوز أيضا في لغتهم أن تقول : " ما زيدا عبد الله ضاربا" و" ما زيدا أنا قاتلا" ؛ لأنه لا يستقيم في" ما" كما لم يستقم أن تقدم في" كان وليس" ولا يجوز أن تقدم في" كان" و" ليس" ما يعمل فيه الآخر).

يعني : لا يجوز أن يلي" ما" منصوب بغيرها. على لغة أهل الحجاز ، لأنهم يجعلونها

__________________

(١) البيت للعجيز السلولي في الأعلم ١ / ٣٦ ، الدرر اللوامع ١ / ٨٠ ، العيني ٢ / ٨٥.

(٢) سورة التوبة ، آية : ١١٧.

(٣) الأعلم ١ / ٣٦ ، المقتضب ٤ / ١٠١ ، شرح القصائد السبع : ٤٧٤.

٣٥٢

بمنزلة" ليس" ، وقد قدمنا في" ليس" أنه لا يجوز أن يليها منصوب بغيرها. وأما على لغة بني تميم فجائز أن تقول : " ما زيدا أنا ضارب" ؛ لأنهم لا يعملونها فتصير بمنزلة قولك : " أما زيدا فأنا ضارب" ، وكقولك في المبتدأ : " زيدا أنا ضارب".

وقال مزاحم العقيلي :

وقالوا تعرّفها المنازل من منّي

وما كلّ من وافى منّي أنا عارف (١)

وقال بعضهم :

وما كلّ من وافى مني أنا عارف

لزم اللغة الحجازية ، فرفع كأنه قال : " ليس عبد الله أنا عارف".

قال : (فأضمر الهاء في" عارف" ، وكان الوجه : أنا عارفه ، حيث لم يعمل" عارف" في" كل" ، وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير ؛ لأنهم يدعون هذه الهاء في كلامهم وفي الشعر كثيرا ، وليس ذلك في شيء من كلامهم ، ولا يكاد يكون ذلك في شعر ، وسترى ذلك إن شاء الله تعالى).

واعلم بأن البيت يروى بنصب" كل" ، وبرفعه.

فأما من نصب" كلا" ، فقد جعل" ما" تميمية ، وأبطل عملها ، ونصب" كلا"" بعارف". ومن رفع" كلا" ، جعل" كلا" اسم" ما" ، على لغة أهل الحجاز ، ورفع" كلا" ب" ما" ، وجعل" أنا عارف" في موضع الخبر ، وأضمر الهاء في" عارف" ، حتى يكون في الجملة ما يعود على الاسم ، فيصح أن يكون خبرا ، كأنه قال : " أنا عارف" ، وفي لغة بني تميم إذا رفع" كل" ، رفع بالابتداء ، و" أنا عارف خبر وفيه الهاء.

وقوله : (وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير).

يعني : أن رفع" كل" ب" ما" على لغة أهل الحجاز ، وإضمار الهاء في خبرها أحسن من أن ينصب" كلا" ب" عارف" في لغتهم فيولي" ما" منصوبا بغير" هاء" ؛ لأن حذف إضمار الهاء من الخبر كثير ، وليس إيلاء" الناصب" منصوبا بغيره في شيء من الكلام. وسترى حذف الهاء من الخبر ـ فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ديوان مزاحم بن الحارث ٢٨ ق ٦. المغني ٢ / ٦٩٤ ، شذور الذهب ١٧٣.

٣٥٣

هذا باب ما عمل عمل الفعل فلم يجر مجراه ولم يتمكّن تمكنه

قال سيبويه : (وذلك قولك : " ما أحسن عبد الله". زعم الخليل أنه بمنزلة قولك : " شيء أحسن عبد الله" ، ودخله معنى التعجب وهذا تمثيل فلم يتكلم به).

قال أبو سعيد : أعلم أن التعجب من الشيء أن يكون زائدا في معنى ما تعجب منه على غيره نادرا في بابه ؛ لأن فيه تفضيلا. ولا يجوز أن يقال" لزيد" ، إذا كان في أول مراتب الحسن" ما أحسن زيدا" ؛ لأنه لا تفضيل فيه. فإذا قالوا : " ما أحسن زيدا" ، " فما" عند سيبويه اسم مبتدأ غير موصولة ، و" أحسن" خبر" ما" ، وفي" أحسن" ضمير من" ما" وهو فاعل" أحسن" ؛ لأن" أحسن" فعل ، و" زيدا" مفعول" أحسن" ، وهو بمنزلة قولك في الإعراب : " زيد أكرم عبد الله".

وقد مثّل الخليل" ما" بشيء ، كأنك قلت : " شيء أحسن" عبد الله ، ومعنى : أحسن أي حسنه ، وأصاره إلى هذا الحسن. ولو قلت : " شيء أحسن عبد الله" لم يكن فيه تعجب ؛ لأن" شيء" اسم غير مبهم ، و" ما" مبهمة ، وإنما وضعت للتعجب من قبل إبهامها ؛ لأن المتعجب منظم للأمر ، وكأنه إذا قال : " ما أحسن عبد الله" ، فقد جعل الأشياء التي يقع بها الحسن متكاملة في عبد الله ، فلا يصلح ذلك إلا بلفظ مبهم. ولو قال : " شيء أحسن عبد الله" ، كان قد قصر حسنه على جهة دون سائر جهان الحسن.

وقد أنكر بعض الناس على الخليل قوله أن : " ما أحسن عبد الله" بمنزلة" شيء أحسن عبد الله" فقال : يلزمه في هذا أن يكون قولنا : " ما أعظم الله" بمنزلة" شيء أعظم الله".

وليس هذا الاعتراض بشيء ؛ لأنه يتوجه الجواب عنه من ثلاثة أوجه :

منها : أن يقال : قولنا : " ما أعظم الله" بمنزلة شيء أعظم الله ، وذلك الشيء يعني به من يعظمه من عباده ؛ لأن عباده يعظمونه.

والوجه الثاني : أن يعني بذلك الشيء ، ما دل خلقه المعتبرين على أنه عظيم ، من عجائب خلق السموات والأرض وما بينهما من الأفلاك والكواكب والجبال والبحار والحيوان والنبات.

والوجه الثالث : أن يقال : شيء أعظم الله تعالى ، ويرجع بذلك الشيء إليه فيكون بنفسه عظيما ، لا بشيء جعله عظيما ، فرقا بينه وبين خلقه ؛ لأن العظيم من خلقه قد

٣٥٤

عظّمه غيره ، فصار بما عظموه عظيما ، وهو تبارك وتعالى عظيم ، لا بأحد أصاره إلى العظمة.

وفيه وجه رابع : وهو أن الألفاظ الجارية منا على معان ، لا تجوز على الله تعالى ، فإذا رأينا تلك الألفاظ مجراة عليه حملناها على ما يجوز في صفاته ويليق به. ألا ترى أن الامتحان منا والاختبار إنما هو بمنزلة التجربة ، وإنما يمتحن ويختبر منا من يريد أن يقف على ما يكون ، وهو غير عالم به ، والله تعالى يمتحن ، ويختبر ويبلو بمعنى الأمر ، لا بمعنى التجربة ، وهو عالم بما يكون.

ومن ذلك أن" لعل" يستعمله المستعمل منا عند الشك ، وإذا جرى في كلام الله ، فإنما هو بمعنى" كي" و" كي" يقع بعدها الفعل الذي هو غرض ما قبله كقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١) معناه : كي تفلحوا. فالفلاح هو الغرض الذي من أجله أمرهم بالتوبة. ومثل هذا كثير.

فيكون قولنا في الله : " ما أعلمه ، وما أعظمه" بمنزلة الإخبار منا بأنه عظيم ، ولا يقدر فيه شيء أعظمه ، وإن كان تقديره في غيره على ما ذكرنا من الجواب الرابع.

وقال الفراء ومن تابعه من الكوفيين : إن قولنا : " ما أحسن عبد الله" ، أصله" ما أحسن عبد الله" ، وأن" أحسن" اسم كان مضافا إلى" عبد الله" ، وكان المعنى فيه الاستفهام. ثم إنهم عدلوا عن الاستفهام إلى الخبر ، فغيروا" أحسن" ففتحوه ، ونصبوا" عبد الله" ، فرقا بين الخبر والاستفهام.

وهذا قول لا دليل عليه ، وهو أيضا يفسد ؛ لأنه يقال : بأي شيء نصبت أحسن ، و" ما" هي مبتدأه ، و" أحسن" خبرها ، وهو اسم ، وحكم الاسم المبتدأ إذا كان خبره اسما مفردا أن يكون مرفوعا مثله ، والتفريق بين المعاني لا يوجب إزالة الإعراب عن وجهه ، ومن ذلك أنا نقول : " ما أحسن بالرجل أن يصدق" ، ولو كان أصله الإضافة لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه" بالياء" ، ألا ترى أنا نقول : " ما أحسن بالرجل الصدق".

واحتج القائل بأن" أحسن" اسم بقول العرب : " ما أحيسن زيدا" كما قال الشاعر :

__________________

(١) سورة النور ، آية : ٣١.

٣٥٥

يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّئكنّ الضّال والسّمر (١)

فصغر أملح ، والفعل لا يصغر.

واحتج أيضا بقولهم : " ما أقوم زيدا" ولو كان فعلا لم تصح الواو : ألا ترى أنك تقول : " أقام يقيم" ولا تقول : " أقوم يقوم".

والجواب عن هذا : أن" أحسن" في التعجب ، وإن كان فعلا ، فقد أشبه الاسم ؛ للزومه لفظ الماضي ، وقلة تصرفه ، ولأن معنى : " ما أحسن زيدا" ومذهب التعجب فيه ـ كمعنى : زيد أحسن من غيره ، وزيد أقوم من غيره. وقولنا : " أحسن من غيره" ، هو اسم فيه معنى التعجب والتفضيل فلما كان" ما أحسن زيدا" زائلا عن تصرف الفعل ، مشبها للاسم في لزومه لفظا واحدا ، حمل على الاسم الذي هو نظيره في جواز التصغير ، وترك الإعلال.

وكان الأخفش يجعل" ما" بمنزلة" الذي" ، ويجعل" أحسن" صلة لها ، وفي" أحسن" ضمير" ما" ، و" عبد الله" مفعول" أحسن" ، والجميع في صلة" ما" والخبر محذوف ، كأنه قال : " الذي أحسن عبد الله فيه".

وأنكر سيبويه هذا ، وذكر أن" ما" غير موصولة.

فقال الأخفش : إنما تكون" ما" غير موصولة في الاستفهام والمجازاة. فالاستفهام قولك : " ما عندك؟ " والمجازاة قولك : " ما تفعل أفعل" ، وإذا كانت في الخبر فهي بمعنى" الذي" موصولة كقولك : " ركبت ما عندك" و" شربت ما أصلحته" أي ركبت الذي عندك ، وشربت الذي أصلحته ، قال : والتعجب خبر ، فينبغي أن يكون" ما" فيه موصولة.

فقال سيبويه : العلة التي من أجلها كانت" ما" في الاستفهام والمجازاة غير موصولة ، هي بعينها موجودة في التعجب ؛ وذلك أن المستفهم إنما يستفهم عما لا يعرف ، فلو وصل" ما" لأوضح ، واستغنى عن الاستفهام. والمجازى إنما يريد أن يعمّ ولو وصل لحصل على شيء بعينه ، فاستغنى عن الصلة ، والمتعجب مبهم فلا يصح أن يصل" ما" فيخرج عن الإبهام ؛ لأن الصلة إيضاح وتبيين.

وقد جاءت" ما" غير موصولة في الخبر كقولك : " غسلته غسلا نعمّا" يريد : نعم

__________________

(١) البيت للعرجي : الخزانة ١ / ٤٥ ، ٤ / ٩٥ ـ ابن يعيش ٥ / ١٣٥ ، ٧ / ١٤٣.

٣٥٦

الغسل ، فجعل" ما" بمنزلة الغسل ولم يصلها ، لأن" نعم" إنما يليها المبهم ، فجعل" ما" بعدها غير موصولة. ومن ذلك قول العرب : " إني مما أن أصنع" أي من الأمر أن أصنع ، فجعل" ما" وحدها في موضع الأمر ولم يصلها بشيء ، وتقدير الكلام إني من الأمر صنعى. كذا ... وكذا ... ؛ فالياء اسم" إن" و" صنعي" مبتدأ ، و" من الأمر" خبر صنعي والجملة ، في موضع خبر" إن".

قال سيبويه : (ولا يجوز أن تقدم" عبد الله" وتؤخر" ما" ولا تزيل شيئا عن موضعه ، فلا تقول فيه : " ما يحسن" ، ولا شيئا مما يكون في الأفعال سوى هذا).

قال أبو سعيد : يعني لا تقول : " عبد الله ما أحسن" ، ولا" ما عبد الله أحسن" كما تقول : " عمرا زيد أكرم" ، و" زيد عمرا أكرم" ؛ لضعف فعل التعجب ، إذا فصلت بين فعل التعجب وبين المتعجب منه. وكثير من أصحابنا يجيز ذلك منهم : الجرمي ، وكثير منهم يأباه ؛ منهم : الأخفش ، وأبو العباس المبرد ، وذلك قولك : " ما أحسن في الدار زيدا".

فاحتج الذين لم يجيزوه بأن قالوا : التعجب كالمثل ، والألفاظ فيه مقصورة على منهاج واحد ، وإن كان يجوز في غيره من العربية تغيير مثله ، وتقديمه ، وتأخيره ، فلما جاء كالمثل ـ والأمثال لا تغير ـ لم يغير.

واحتج الذين أجازوا الفصل بأن قالوا : رأينا" إن" حرفا مشبها بالفعل ، ورأينا فعل التعجب فعلا ناقص العمل والتصرف ، وليس يبلغ من نقصان تصرفه أن يصير أضعف من" إن" التي ليست بفعل ، وقد رأينا الفصل في" إن" جائزا بينها وبين الاسم بالظروف في قولك : " إن فيها زيدا" فكذلك قولك : " ما أحسن فيها زيدا" ، ويدل على جواز ذلك أيضا قولهم : " ما أحسن بالرجل أن يصدق" ، وتقديره : ما أحسن بالرجل الصدق ، وقد فصل بين" أحسن" ، وبين" الرجل" بالباء.

وقول سيبويه : (ولا تزيل شيئا عن موضعه).

إنما أراد أنك تقدم" ما" وتوليها الفعل ، ويكون الاسم المتعجب منه بعد الفعل ، ولم يعرض الفصل بين الفعل والمتعجب منه.

ولا يجوز التعجب بلفظ المستقبل ، لأنه مدح ، وإنما يمدح الإنسان بما عرف به ، وثبت فيه.

قال سيبويه : (وبناؤه أبدا من فعل ، وفعل ، وفعل ، وأفعل).

٣٥٧

قال أبو سعيد يعني : أن فعل التعجب لا يكون إلا فعلا ، أصله قبل التعجب فعل ، كقولك : " ما أضرب زيدا ، و" أشتم عمرا للناس" ، وأصله ، ضرب وشتم ، و" ما أعلم زيدا ، وأسمعه" ، وأصله : علم وسمع. و" ما أظرف زيدا" ، وأصله : ظرف ، و" ما أعطى زيدا" ، وأصله : أعطى.

وإنما كان الفعل التعجب مما أصله هذه الأفعال لأنها تحتمل زيادة الهمزة نحو : خرج وأخرجه غيره ، وسمع وأسمعه غيره ، فلا تصح زيادة هذه الهمزة إلا في أول الأفعال الثلاثية.

وأما قولك : " ما أعطى زيدا" ، وأصله أعطى ، فإن الهمزة التي في" أعطى" قبل التعجب زائدة ؛ لأنه من" عطا يعطو" إذا تناول ، فحذفوا هذه الهمزة الزائدة فصار" عطا" ، ثم زادوا الهمزة التي للتعجب.

وأما سائر الأفعال فلا تحتمل صيغتها زيادة الهمزة في أولها نحو : انطلق ، واستغفر ، واحمر ، وقاتل ، وما أشبه ذلك.

قال سيبويه : (هذا ؛ لأنهم لم يريدوا أن يتصرف ، فجعلوا له مثالا واحدا يجري عليه).

يعني : لما لم يتصرف فعل التعجب ، جعلوا له مثالا واحدا يجري عليه ، وإن كان قد يستعمل في باب النقل غيره ، ألا ترى أنك تقول :

" عرف زيد عمرا وعرفته" ، و" علم كذا" ، " وأعلمته إياه". فالنقل قد يكون بتشديد العين. كما يكون بزيادة الهمزة في أوله ، فاختاروا زيادة الهمزة في باب التعجب ؛ لأنها أكثر في النقل.

قال سيبويه : (فشبه هذا بما ليس من الفعل ، نحو" لات" و" ما" ، وإن كان من" حسن" و" كرم" و" أعطى").

قال أبو سعيد : يعني أن فعل التعجب وإن كان مشتقا من أفعال متصرفة ، فهو غير متصرف بمنزلة" لات" و" ما" في قلة تصرفها ، وقد بينا ذلك. ونظير ذلك قول العرب للصقر" هذا أجدل" مصروف بمنزلة قولهم" هذا أفكل" والأجدل مأخوذ من الجدل وهو الشدة والفتل ، فصرفوه ولم يجعلوه بمنزلة" أحمر" ؛ لأنه وإن كان مشتقا من الجدل ، فقد صار اسما للصقر ولا يقال لغيره إذا كان شديدا أجدل.

٣٥٨

قال سيبويه : (ونظير جعلهم" ما" وحدها اسما قول العرب : " إني مما أن أصنع" أي : من الأمر أن أصنع ، فجعل" ما" وحدها اسما. ومثل ذلك" غسلت غسلا نعمّا" أي نعم الغسل).

وقد بينا هذا.

قال سيبويه : (وتقول : " ما كان أحسن زيدا" ، فتذكر كان لتدل على أنه كان فيما مضى).

إذا قلت : " ما كان أحسن زيدا" ففي" كان" وجهان :

أحدهما : أن تكون زائدة ، كأنك قلت : " ما أحسن زيدا" ، ثم أدخلت" كان" لتدل على الماضي ، وفي" كان" ضمير الكون على ما قدمنا في معنى" كان" إذا كانت زائدة ، والوجه الثاني أن تجعل" ما" مبتدأة ، وتجعل في" كان" ضميرا من" ما" وهو اسم" كان" ، وتجعل" أحسن" خبر" كان" ، كقولك : " زيد كان ضرب عمرا".

قال أبو الحسن : وإن شئت جعلت" أحسن" صلة" لما" ، وأضمرت الخبر ، فهذا أكثر وأقيس ، وقد ذكرنا هذا.

وقالوا : " ما أصبح أبردها" و" ما أمسى أدفأها" وليس هذا من كلام سيبويه ، وهو غير جائز ، وذلك أن الذين قالوا من النحويين : " ما أصبح أبرد الغداة" جعلوا" أصبح" بمنزلة" كان" ، و" أصبح" لا تشبه" كان" في هذا الموضع من وجهين :

أحدهما : أن" أصبح" لا تكون زائدة مثل" كان".

الوجه الثاني : أنك إذا قلت" كان" فقد دللت على ماض ولم توجب له في الحال شيئا ، وإذا قلت : " أصبح" ، فقد أوجبت دخوله فيه ، وبقاءه عليه. ألا ترى أنك تقول : " كان زيد غنيا" ، فلا توجب له الغنى في حال إخبارك. وتقول : " أصبح زيد غنيا" ، فتوجب له الدخول في الغنى والخروج عن الفقر فاعرفه ـ إن شاء الله تعالى ـ.

هذا باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما

يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به

وما كان نحو ذلك

قال أبو سعيد : اعلم أن من العرب إذا عطفت فعلا على فعل ـ وكان كل واحد من الفعلين متعلقا باسمين أو باسم واحد ـ فإنهم يستجيزون في ذلك ما لا يستجيزونه في

٣٥٩

غيره من كلامهم. فمن ذلك أنك تقول : " قام وقعد أخوك" فأنت بالخيار إن شئت رفعت الأخ بالفعل الأول ، وإن شئت رفعته بالفعل الثاني.

فإن رفعته بالفعل الأول فتقديره : قام أخوك وقعد ، ويكون في" قعد" ضمير من الأخ ، وإذا ثنيته ، أو جمعت على هذا الوجه قلت : " قام وقعدا أخواك" ، و" قام وقعدوا إخوتك" ، و" قامت وقعدن الهندات" ، ويكون قد جعلت الاسم الذي تعلق بالفعل الأول بعد الفعل الثاني ، فقد فصلت بين الفعل الأول وفاعله بجملة. فهذا لا يجوز في كل مكان ، وإن أعملت الفعل الثاني في" الأخ" ، جعلت في الفعل الأول ضمير الأخ ؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل مظهر أو مضمر. وإذا ثنيت أو جمعت على هذا الوجه قلت : " قاما وقعدا أخواك" ، و" قاموا وقعدوا إخوتك" ، " وقمن وقعدت الهندات" ، فتضمر في الأول ضمير الفاعل قبل الذكر ، وليس ذلك بمستحسن في جميع المواضع وهو هاهنا الاختيار.

وإذا كان الفعل متعديا إلى مفعول جرى هذا المجرى ، فقلت : " ضربني وضربت زيدا" إن أعملت الفعل الآخر ، وتجعل في" ضربني" ضمير الفاعل ولا بد من ذلك ، لأن الفعل لا يخلو من فاعل. فإذا ثنيت أو جمعت ـ على هذا الوجه ـ قلت : " ضرباني وضربت الزيدين" و" ضربوني وضربت الزيدين" و" ضربني وضربت الهندات".

وإن أعملت الفعل الأول في هذه الوجوه ، كان الاختيار أن تقول : " ضربني وضربته زيد" ، لأن التقدير : ضربني زيد وضربته وضربني وضربتهما الزيدان ، و" ضربني وضربتهم الزيدون" ، و" ضربتني وضربتهن الهندات".

ويجوز حذف ضمير المفعول من الفعل الثاني ؛ لأن المفعول يجوز حذفه ؛ لأنه كالفضلة المستغنى عنها. وقد علم أن الفعل قد وقع به ، وقال الله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) على معنى والذاكراته (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ)(١) ، ولم يأت للفعل الثاني بمفعول اكتفاء بالأول.

وإذا قلت : " ضربت وضربني زيد" فأعملت الفعل الثاني ، رفعت" زيدا" به ، ولم تأت للأول بمفعول ، وقد علم أنه واقع" بزيد" ؛ لذكرنا في الفعل الثاني ، فلم تضمره كما أضمرته حيث كان فاعلا ؛ لأنهم احتملوا إضماره قبل الذكر حيث كان فاعلا ؛ لأن الفعل

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية : ٣٥.

٣٦٠