الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

قصب الطيب وهو قصب يجاء به من الهند كأنه النشاب ، وقال في المبسوط والنهاية يعرف بالقمحة بضم القاف وبفتح الميم المشددة والحاء المهملة أو بفتح القاف وإسكان الميم ، وقال ابن إدريس هي نبات طيب غير الطيب المعهود تسمى القمحان بالضم والتشديد ، وقال المحقق في المعتبر انها الطيب المسحوق.

ومنها ان يكثر الماء إذا بلغ حقويه حال الغسل ، ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في عبارة كتاب الفقه الثانية (١) : «فإذا بلغت وركه فأكثر من صب الماء». وبه صرح في المنتهى كما تقدم في عبارته ، وهذا الحكم مما انفرد به هذا الكتاب ايضا فيما اعلم.

ومنها ـ تليين أصابعه ومفاصله فان امتنعت عليه تركها كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي (٢) : «ثم تلين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها». وفي عبارة كتاب الفقه الثانية «ثم لين مفاصله ، الى ان قال وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق وان كان يصعب عليك فدعها». قال في المعتبر : ثم تلين أصابعه برفق فان تعسر ذلك تركها وهو مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) وفي بعض أحاديثهم «تلين مفاصله» وقال في الذكرى : «يستحب تليين أصابعه برفق فان تعسر تركها وبعد الغسل لا تليين لعدم فائدته» ثم نقل عن ابن ابي عقيل انه نفاه مطلقا لخبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «ولا يغمز له مفصل». وحمله الشيخ على ما بعد الغسل ، قال في المدارك بعد نقل حمل الشيخ المذكور : «وهو حسن» أقول : قد روى الشيخ في الحسن عن حمران بن أعين (٤) قال قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): «إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به ولا تعصروه ولا تغمزوا له مفصلا. الحديث». وهو ظاهر في كون ذلك

__________________

(١) ص ٤٤٢.

(٢) ص ٤٣٨.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ١١ من أبواب غسل الميت.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٩ و ١١ من أبواب غسل الميت.

٤٦١

وقت الغسل لا بعده فلا يقبل تأويل الشيخ المذكور. ويمكن الجمع بين هذين الخبرين وما تقدمهما بحمل هذين الخبرين على ما ينافي الرفق المأمور به في صدر الخبر مع ما دل عليه الخبران الأولان من الأمر بالتليين برفق فان امتنعت فدعها.

ومنها ـ الرفق به حال الغسل كما تدل عليه حسنة حمران المذكورة ، وما رواه الشيخ في الصحيح الى عثمان النوا (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اغسل الموتى. قال أوتحسن؟ قلت اني اغسل. قال إذا غسلت ميتا فارفق به ولا تعصره ولا تقربن شيئا من مسامعه بكافور». وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الرفق لم يوضع على شي‌ء إلا زانه ولا نزع من شي‌ء إلا شانه».

ومنها ـ وضع الخرقة على يده حال الغسل كما تضمنته صحيحة عبد الله بن مسكان ونحوها عبارة كتاب الفقه الثانية (٣) وان كان في بعضها التخصيص بغسل العورة كما في صحيحة الحلبي أو حسنته وموثقة عمار (٤) قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : ولا خلاف في رجحان وضع الغاسل خرقة على يده عند غسل فرج الميت ، قال في الذكرى : وهل يجب؟ يحتمل ذلك لان المس كالنظر بل أقوى ومن ثم ينشر حرمة المصاهرة دون النظر ، اما باقي بدنه فلا يجب فيه الخرقة قطعا وهل يستحب؟ كلام الصادق (عليه‌السلام) يشعر به. انتهى. أقول : الظاهر انه لا وجه لنسبة الوجوب هنا الى الاحتمال كما ذكره مع ما علم من تحريم مس العورة نصا وفتوى في حال الحياة والحكم في الموت كذلك مؤيدا بما ذكره وبالجملة فالظاهر ان وضع الخرقة لغسل العورة واجب ولسائر البدن مستحب ومنها ـ كون الغسل تحت سقف لا في الفضاء وعليه تدل صحيحة علي بن جعفر

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب غسل الميت.

(٣) ص ٤٤١ و ٤٤٢.

(٤) ص ٤٣٨ و ٤٤٠.

٤٦٢

المتقدمة (١) ومثلها رواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان أباه (عليه‌السلام) كان يستحب ان يجعل بين الميت وبين السماء ستر يعني إذا غسل». وقوله : «يعني إذا غسل» الظاهر انه من كلام الراوي أو من كلام الصادق (عليه‌السلام) ، ونقل في الذكرى ان عليه اتفاق علمائنا. قال في المعتبر : «ولعل الحكمة كراهة ان يقابل السماء بعورته».

ومنها ـ كثرة الماء ففي رواية الكاهلي (٣) «وأكثر من الماء». وفي موثقة عمار (٤) «لكل من المياه الثلاثة جرة جرة». وفي صحيحة حفص بن البختري عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) يا علي إذا أنا متّ فاغسلني بسبع قرب من بئر غرس» وفي آخر «ست قرب». أقول : وغرس بالغين المعجمة وسكون الراء بئر بالمدينة ، ويؤيده أخبار التثليث المتقدمة ، قال في الذكرى : «ولا حد في ماء الغسل غير التطهير كما مر ، وظاهر المفيد صاع لغسل الرأس واللحية بالسدر ثم صاع لغسل البدن بالسدر ، وفي المعتبر عن بعض الأصحاب ان لكل غسلة صاعا وهو مختار الفاضل في النهاية» وربما ظهر من هذه الأقوال عدم اجزاء ما دون ذلك ، قال في المعتبر : قيل يغسل الميت بتسعة أرطال في كل غسلة كالجنبلما روى عنهم (عليهم‌السلام) (٦) «ان غسل الميت كغسل الجنابة». والوجه انقاؤه بكل غسلة من غير تقدير ، ثم استدل بما رواه محمد بن الحسن الصفار (٧) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) كم حد الماء الذي يغسل به الميت كما رووا ان

__________________

(١) ص ٤٤٢.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب غسل الميت.

(٣) ص ٤٣٨.

(٤) ص ٤٤٠.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب غسل الميت.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب غسل الميت.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب غسل الميت.

٤٦٣

الحائض تغتسل بتسعة أرطال فهل للميت حد؟ فوقع : حده يغسل حتى يطهر ان شاء الله تعالى». أقول : قال الصدوق في الفقيه بعد نقل الخبر المذكور : «هذا التوقيع في جملة توقيعاته الى محمد بن الحسن الصفار عندي بخطه (عليه‌السلام) في صحيفته»

ومنها ـ الدعاء في حال الغسل ، ففي رواية سعد الإسكاف عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه : «اللهم ان هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك» إلا غفر الله تعالى له ذنوب سنة إلا الكبائر». وفي صحيحة إبراهيم بن عمرو عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «ما من مؤمن يغسل مؤمنا ويقول وهو يغسله : «يا رب عفوك عفوك» إلا عفا الله تعالى عنه».

ومنها ـ ان يوضع على ساجة وهو خشب مخصوص ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) قالوا والمراد هنا مطلق الخشب ، قال في المبسوط : يجعل على ساجة أو سرير وقال في المدارك : «وينبغي كونه على مرتفع وان يكون مكان الرجلين اخفض حذرا من اجتماع الماء تحته» وعلل بما فيه من صيانة الميت عن التلطخ. ولم أقف في شي‌ء من الاخبار على ما فيه تعرض لذلك سوى رواية يونس (٣) وقوله : «فضعه على المغتسل مستقبل القبلة». وكتاب الفقه وقوله (عليه‌السلام) فيه (٤) : «ثم ضعه على مغتسله». وقوله : «وتجعل باطن رجليه إلى القبلة وهو على المغتسل». والظاهر ان الإجمال فيه لاستمرار السلف عليه ومعلوميته من غير ان يعتبر فيه نوع مخصوص ولا شي‌ء معين ، قال ابن الجنيد «يقدم اللوح الذي يغسل عليه الى الميت ولا يحمل الميت الى اللوح». ومنها ـ ان يحفر للماء حفيرة أو يكون في بالوعة ولا يجعل في كنيف ، ويدل عليه صحيحة محمد بن الحسن الصفار (٥) «انه كتب الى ابي محمد (عليه‌السلام) هل

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٧ من أبواب غسل الميت.

(٣) ص ٤٣٩.

(٤) ص ٤٤٢.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب غسل الميت.

٤٦٤

يجوز ان يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع (عليه‌السلام) يكون ذلك في بلاليع». ويدل على الحفيرة قوله (عليه‌السلام) في حسنة سليمان بن خالد (١) «وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة». وفي كتاب الفقه (٢) «ولا يجوز ان يدخل ما ينصب عن الميت من غسله في كنيف ولكن يجوز ان يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة». وظاهره التحريم كما ترى.

ومنها ـ ان يجعل في دبره شي‌ء من القطن قال في الخلاف : يستحب ان يدخل في سفل الميت شي‌ء من القطن لئلا يخرج منه شي‌ء. ونحوه قال ابن الجنيد وزاد القبل من المرأة وأضاف إلى القطن الذريرة وان يحشى كل منهما بمقدار ما يؤمن معه نزول شي‌ء من الجوف. وقال سلار ويضع القطن على دبره. وقال ابن إدريس يحشو القطن على حلقة الدبر ، وبعض أصحابنا يقول في كتاب له ويحشو القطن في دبره. والأول أظهر. أقول : مما دل على هذا الحكم قوله (عليه‌السلام) في رواية يونس (٣) «واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي‌ء». وقوله (عليه‌السلام) في رواية عمار (٤) «وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل». وهما دالان على ما ذكره الشيخ من استدخال ذلك في الدبر لا وضعه عليه من خارج كما ذكره ابن إدريس. وفي كتاب الفقه (٥) «وقبل ان تلبسه قميصه تأخذ شيئا من القطن وتجعل عليه حنوطا وتحشو به دبره». ونقل في المختلف الاحتجاج لسلار وابن إدريس بأن للميت حرمة تمنع من حشو القطن في دبره كالحي ، وبما رواه عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) : «وتجعل على مقعدته شيئا من القطن». ثم أجاب عن الأول بأن حرمة الميت تقتضي ما ذكرناه. وعن الثاني بأنه لا يمنع من المدعى.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣٥ من أبواب الاحتضار.

(٢) ص ١٧.

(٣) ص ٤٣٩.

(٤) ص ٤٤٠.

(٥) ص ١٧.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٦٥

أقول : ولم أقف على هذه الرواية التي ذكرها إلا في رواية عمار التي اشتملت على ما ذكرناه فإنه ذكر فيها في كيفية الغسل ما قدمناه وذكر في كيفية التكفين كما سيأتي نقله من الرواية المذكورة ما نقله العلامة هنا ، ولا يخلو من تدافع ، والقول باستحباب الأمرين كما يعطيه ظاهر هذه الرواية لم أقف عليه في كلام أحد من الأصحاب ، ولا يبعد ان يكون هذا من الهفوات التي تكون في رواية عمار غالبا.

ومنها ـ استحباب وقوف الغاسل عن يمينه ذكره جملة من الأصحاب ، لقول الصادق (عليه‌السلام) في رواية عمار (١) عنه (عليه‌السلام): «لا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه». كذا استدل به العلامة في النهاية. وهو أعم من المدعى.

ومنها ـ مسح بطنه في الغسلتين الأوليين وعليه تدل رواية الكاهلي (٢) ويونس (٣) وأصرح منهما عبارة كتاب الفقه الثانية لقوله بعد ذكر المسح في الغسلتين الأوليين : «ولا تمسح بطنه في الثالثة» قال في المعتبر : «ويمسح بطنه امام الغسلتين الأوليين إلا الحامل ، والمقصود من المسح خروج ما لعله بقي مع الميت فان مع مسح بطنه يخرج ذلك لاسترخاء أعضائه وخلوها من القوة الماسكة ، وانما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل ما يؤذي الكفن ولا يمسح في الثالثة وهو إجماع فقهائنا» انتهى. أقول : دعوى المحقق الإجماع هنا اما غفلة عن خلاف ابن إدريس أو لعدم الاعتداد بخلافه فإن المنقول عنه كما ذكره في الذكرى انه بعد ان جوزه في أول الباب أنكره لما ثبت من مساواة الميت للحي في الحرمة ، وما ذكرناه مبني على رجوع دعوى الإجماع إلى أصل المسألة اما لو خص بعدم المسح في الثالثة فلا.

بقي الكلام فيما إذا خرجت منه نجاسة بعد المسح في الأثناء أو بعد تمام الغسل ، فالمشهور بين الأصحاب هو صحة الغسل وعدم انتقاضه وانما يجب إزالة النجاسة

__________________

(١) رواها المحقق في المعتبر ص ٧٤.

(٢) ص ٤٣٨.

(٣) ص ٤٣٩.

٤٦٦

خاصة ، للامتثال ، ولما تقدم في خبر يونس (١) من قوله (عليه‌السلام): «فان خرج منه شي‌ء فأنقه». وما رواه الشيخ في الموثق عن روح بن عبد الرحيم عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان بدا من الميت شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تعد الغسل». وعن عبد الله الكاهلي والحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قالا : «سألناه عن الميت يخرج منه الشي‌ء بعد ما يفرغ من غسله؟ قال يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل». ونحوهما ما رواه في الكافي عن سهل عن بعض أصحابه رفعه (٤) وعن ابن ابي عقيل وجوب اعادة الغسل فإنه قال : «إذا انتقض منه شي‌ء استقبل به الغسل استقبالا».

ومنها ـ ان ينشف بثوب بعد الغسل لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي أو حسنته (٥) : «إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثم جففته». ونحوها رواية يونس وموثقة عمار وعبارة كتاب الفقه الثانية (٦).

(العاشرة) ـ من المكروهات في هذا الغسل إقعاد الميت على المشهور بين الأصحاب ذكره الشيخ وكثير ممن تأخر عنه وادعى في الخلاف إجماع الفرقة ، قال : «وخالف جميع الفقهاء في ذلك» وأنكره المحقق في المعتبر فقال بعد ذكر رواية أبي العباس الآتية : «قال الشيخ في الاستبصار هذا موافق للعامة ولسنا نعمل به. وانا أقول ليس العمل بهذه الاخبار بعيدا ولا معنى لحملها على التقية لكن لا بأس ان يعمل بما ذكره الشيخ من تجنب ذلك والاقتصار على ما اتفق على جوازه» ويدل على النهي عن الإقعاد قوله (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي (٧) : «وإياك ان تقعده أو تغمز بطنه». وجملة من أصحابنا إنما استندوا في ذلك الى حسنة حمران ورواية عثمان النوا المتقدمتين في الرفق بالميت (٨) حيث ان الإقعاد له خلاف الرفق به. واما ما يدل على الإقعاد فهو ما رواه

__________________

(١) ص ٤٣٩.

(٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب غسل الميت.

(٥ و ٧) ص ٤٣٨.

(٦) ص ٤٣٩ و ٤٤٠ و ٤٤٢.

(٨) ص ٤٦١ و ٤٦٢.

٤٦٧

الشيخ في الصحيح عن ابي العباس وهو الفضل بن عبد الملك البقباق عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الميت فقال أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا ثم طهره من غمز البطن. الحديث». ولم أقف في كتب الأخبار المشهورة بينهم على أزيد من هذه الرواية ولم ينقل ناقل في المسألة سواها ، فما ذكره في المدارك ـ من انه قد ورد في الأمر بالإقعاد عدة روايات ـ لا اعرف له وجها ، نعم وقع ذلك في عبارة كتاب الفقه الثانية. وكيف كان فما ذكره الشيخ من حمل هذه الرواية ونحوها على التقية جيد حيث ان العامة متفقون على استحباب إقعاده حال الغسل (٢) وكلام صاحب المعتبر عليه لا وجه له لما علم من اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) من الحث الشديد والتأكيد الأكيد على مجانبتهم خذ لهم الله تعالى وعرض الاخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه وان لم يكن في مقام التعارض وانهم ليسوا من الحنيفية على شي‌ء وانه ليس في يدهم إلا استقبال القبلة وانهم ليسوا إلا مثل الجدر المنصوبة ونحو ذلك مما بسطنا الكلام عليه في محل أليق ، فكيف وقد دلت رواية الكاهلي على النهي المذكور.

ومنها ـ حلق رأسه وعانته وتسريح لحيته وقلم أظفاره على المشهور ، وحكم ابن حمزة بالتحريم ، ونقل الشيخ الإجماع على انه لا يجوز قص الأظفار ولا تنظيفها من الوسخ بالخلال ولا تسريح اللحية ، وهو مقتضى ظاهر النهي في الأخبار الواردة بذلك ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

(٢) في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٤٥٧ «يبدأ الغاسل فيحنى الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لأن في الجلوس أذية له» وفي المهذب للشيرازي ج ١ ص ١٢٨ «المستحب ان يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا» وفي المنهاج للنووي ص ٢٣ «ويجلسه الغاسل على المغتسل مائلا إلى ورائه ثم يمسح بطنه» وفي الفروع للشيبانى الحنبلي ج ١ ص ٦٢٩ «يرفع رأسه الى قريب من جلوسه فيعصر بطنه برفق» وفي البحر الرائق ج ٢ ص ١٧٢ والمبسوط للسرخسى ج ٢ ص ٥٩ «ويقعده فيمسح بطنه مسحا رفيقا».

٤٦٨

عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يمس من الميت شعر ولا ظفر وان سقط منه شي‌ء فاجعله في كفنه». وعن غياث عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «كره أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان يحلق عانة الميت إذا غسل أو يقلم له ظفر أو يجز له شعر». وعن عبد الرحمن ابن ابي عبد الله (٣) قال «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم ظفره؟ قال لا يمس منه شي‌ء اغسله وادفنه». وعن طلحة ابن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «كره ان يقص من الميت ظفر أو يقص له شعر أو يحلق له عانة أو يغمز له مفصل». وما رواه الصدوق عن ابي الجارود (٥) «انه سأل الباقر (عليه‌السلام) عن الرجل يتوفى أتقلم أظافيره وينتف إبطه وتحلق عانته ان طالت به من المرض؟ فقال لا». ولفظ الكراهة في هذين الخبرين لا ينافي التحريم فإنه قد شاع استعماله في التحريم في الاخبار ، وبالجملة فالتحريم قريب لعدم المعارض لهذه الأخبار الدالة بظاهرها على ذلك ولا سيما مع استحباب هذه الأشياء عند العامة واتفاقهم على ذلك (٦) ونقل في الذكرى عن العلامة انه يخرج الوسخ من أظفاره بعود عليه قطن مبالغة في التنظيف ، ثم رده بأنه مدفوع بنقل الإجماع مع النهي عنه في خبر الكاهلي السابق (٧) واما ما ذكروه من انه لو قص شيئا من هذه الأشياء وجب جعله

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب غسل الميت.

(٦) في الفروع فقه الحنابلة ج ١ ص ٦٣١ «يجز شاربه ويقلم أظفاره ويؤخذ شعر إبطه وعانته» وفي المنهاج للنووي ص ٢٣ «في الجديد لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه. وفي الوجيز للغزالي ص ٤٥ غير المحرم هل يقلم ظفره ويحلق شعره الذي يستحب في الحياة حلقه؟ فيه قولان» وفي البداية لابن رشد المالكي ج ١ ص ٢١٢ «اختلفوا في تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره فقيل تقلم أظفاره ويؤخذ من شعره وقيل لا وليس فيه اثر» وفي المهذب للشيرازي ج ١ ص ١٢٩ «في تقليم أظفاره وحف شاربه وحلق عانته قولان أحدهما يفعل به ذلك لانه تنظيف كإزالة الوسخ والثاني يكره وهو قول المزني لأنه قطع جزء منه» وفي المبسوط للسرخسى ج ٢ ص ٥٩ المنع من ذلك كله.

(٧) ص ٤٣٨.

٤٦٩

مع الميت في كفنه فيدل عليه مرسلة ابن ابي عمير المذكورة.

ومنها ـ غسله بالماء المسخن بالنار ، وحكى في المنتهى الإجماع على كراهته ، وقال الشيخ لو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة ، وقيده المفيد (رحمه‌الله) بالقلة فقال يسخن قليلا ، وتبعهما في الاستثناء جمع من الأصحاب ، والصدوقان ايضا استثنيا حال شدة البرد ، والظاهر من كلامهما ان ذلك لرعاية حال الميت لا حال الغاسل.

والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لا يسخن الماء للميت». وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (٢) : «قالا لا يقرب الميت ماء حميما». وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا يسخن للميت الماء لا تعجل له النار ولا يحنط بمسك». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٤) قال قال الباقر (عليه‌السلام): «لا يسخن الماء للميت». وروى في حديث آخر : «إلا ان يكون شتاء باردا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك». أقول : الظاهر ان الصدوق أشار بهذه الرواية الى ما تقدم في كتاب الفقه الرضوي (٥) حيث قال : «ولا تسخن له ماء إلا ان يكون باردا جدا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا». انتهى. ومن هذه العبارة أخذ الصدوقان ، والظاهر ان المراد بقوله : «فتوقي الميت مما توقي منه نفسك» ما ذكره بعض مشايخنا يعني توقي نفسك وتوقي الميت بتبعية توقي نفسك لان الميت يتضرر بذلك وتوقيه منه.

ومنها ـ جعل الميت حال الغسل بين رجليه لما تقدم من رواية عمار (٦) وقوله (عليه‌السلام): «لا يجعل الميت بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه». واما ما رواه الشيخ

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب غسل الميت.

(٥) ص ١٧.

(٦) رواها المحقق في المعتبر ص ٧٤.

٤٧٠

عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه‌السلام) (١) ـ قال : «لا بأس ان تجعل الميت بين رجليك وان تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا تضبطه برجليك لكيلا يسقط لوجهه». ـ فقد حمله في التهذيبين على الجواز وان كان الأفضل ان لا يركب الغاسل الميت ، والأظهر تخصيصه بحال الضرورة وعدم التمكن من الغسل إلا بذلك كما هو ظاهر سياق الخبر المذكور فلا تنافي.

ومنها ـ الدخنة على المشهور ، قال في المعتبر : ولا يعرف أصحابنا استحباب الدخنة بالعود ولا بغيره عند الغسل واستحبه الفقهاء ، لنا ـ ان الاستحباب يتوقف ثبوته على دلالة الشرع والتقدير عدمها (لا يقال) ذلك لدفع الرائحة الكريهة (لأنا نقول) ليست الرائحة دائمة مع كل ميت ولان ذلك قد يندفع بغيره وكما سقط اعتبار غير العود من الأطياب فكذا التجمير ، ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم». انتهى. أقول : لم أقف في الأخبار على ما يدل على حكم الدخنة حال الغسل لا نفيا ولا إثباتا لكن لا يبعد من حيث اتفاق العامة على استحباب ذلك واشتهاره بينهم (٣) ان يقال بالكراهة للأخبار الدالة على الأخذ بخلافهم مطلقا.

(الحادية عشرة) ـ ما تضمنته رواية عمرو بن خالد المتقدمة (٤) ـ من الأمر بتيمم المجدور وكذا مثله ممن يخاف من تغسيله تناثر جلده كالمحترق ـ مما لا خلاف فيه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٣ من أبواب غسل الميت.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب التكفين.

(٣) في شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في فقه مالك ج ٢ ص ١٠٦ «يستحب تجمير الدار بالبخور عند خروج روحه وغسله» وفي البحر الرائق ج ٢ ص ١٧٧ «يجمر الميت في ثلاثة مواضع : عند خروج روحه وعند غسله وعند تكفينه» وفي مجمع الانهر ج ١ ص ١٧٩ «يوضع حول سريره الذي يغسل عليه مجمر».

(٤) ص ٤٤٢.

٤٧١

بين الأصحاب بل قال في التهذيب ان به قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي ، والمستند في الحكم المذكور هو الرواية المذكورة ، وقال الصدوق في الفقيه : «والمجدور إذا مات يصب عليه الماء صبا إذا خيف ان يسقط من جلده شي‌ء عند المس وكذلك الكسير والمحترق والذي به القروح» وظاهر هذا الكلام ان الحكم في المجدور ونحوه انما هو الصب دون التيمم كما هو المشهور. ويدل عليه رواية عمرو بن خالد الأخرى المتقدمة أيضا (١) ورواية ضريس عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) أو الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «المجدور والكسير والذي به القروح يصب عليه الماء صبا». وما في الفقه الرضوي (٣) حيث قال (عليه‌السلام): «وان كان الميت مجدورا أو محترقا فخشيت ان مسسته سقط من جلوده شي‌ء فلا تمسه ولكن صب عليه الماء صبا فان سقط منه شي‌ء فاجعله في أكفانه». انتهى وظاهر ما بين الكلامين من التدافع ، إلا ان يقال ان الواجب في المجدور ونحوه هو الصب أولا دون المس باليد فان خيف بالصب تناثر لحمه فالحكم التيمم وهو ظاهر المحقق في المعتبر وقد جعله وجه جمع بين رواية ضريس ورواية عمرو بن خالد الدالة على التيمم ، فقال : «يستحب إمرار اليد على جسد الميت فان خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا اقتصر الغاسل على صب الماء من غير إمرار ، ولو خيف من الصب لم يغسل ويمم ، ذكر ذلك الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة وابن الجنيد. أما الاولى فلان الإمرار مستحب وتقطيع جلد الميت محظور فيتعين العدول الى ما يؤمن معه تناثر الجسد ، ويؤيد هذا الاعتبار ما رواه ، ثم ساق رواية ضريس ثم قال : واما الثانية فلان التيمم طهارة لمن تعذر عليه استعمال الماء ، قال الشيخ في الخلاف : وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي. وعلى قول الشيخ تكون المسألة إجماعية لأن خلاف الأوزاعي منقرض ، ويؤيد ذلك ما رواه عمرو بن خالد» ثم ساق روايته المتضمنة للتيمم وحاصل كلامه انه

__________________

(١) ص ٤٤٢.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب غسل الميت.

(٣) ص ١٨.

٤٧٢

متى علم تناثر جسده بالمس اكتفى بالصب إذا لم يتناثر جسده بالصب ومتى علم تناثر جسده بالصب اكتفي بالتيمم. وهو جمع حسن بين الروايتين المذكورتين ، الا ان في قبول عبارة الصدوق وعبارة كتاب الفقه التي منها أخذت عبارة الصدوق وان كان بالمعنى اشكالا ، حيث ان ظاهر الاولى وصريح الثانية انه مع خوف التناثر بالمس ينتقل الى الصب وان حصل به التناثر ، ولهذا أمر (عليه‌السلام) بجعل ما يسقط منه مع الصب في أكفانه ولم يأمر بالتيمم ، والمراد بالصب هنا هو ما يعبر عنه بالنضح تارة والرش اخرى وهو مقابل للغسل الذي يحصل به الجريان. وكيف كان فالظاهر ان الأحوط بل الأقوى ما هو المشهور من التفصيل الذي ذكره في المعتبر.

بقي هنا شي‌ء وهو ان السيد السند قال في المدارك بعد الطعن في رواية عمرو ابن خالد التي هي مستند الحكم بالتيمم في المسألة بضعف السند باشتماله على جماعة من الزيدية : فإن كانت المسألة إجماعية على وجه لا يجوز مخالفته فلا بحث وإلا أمكن التوقف في ذلك ، لان إيجاب التيمم زيادة تكليف والأصل عدمه خصوصا ان قلنا ان الغسل إزالة النجاسة كما يقوله المرتضى ، وربما ظهر من بعض الروايات عدم الوجوب أيضا كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) في الجنب والمحدث والميت إذا حضرت الصلاة ولم يكن معهم من الماء إلا بقدر ما يكفي أحدهم ، قال : «يغتسل الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي هو على غير وضوء لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز». انتهى. أقول : لا يخفى ان الراوي لهذه الرواية في كتب الأخبار انما هو عبد الرحمن بن ابي نجران لا عبد الرحمن بن الحجاج كما ذكره هنا ، وهو ايضا قد ذكر هذه الرواية في بحث التيمم في مسألة اجتماع الجنب والميت والمحدث ونقلها عن عبد الرحمن بن ابي نجران. واما ما وصفها به من صحة السند فان كان نقله لها من التهذيب فهي ليست بصحيحة لأن في طريقها في الكتاب المذكور محمد بن عيسى

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب التيمم.

٤٧٣

وهو مشترك وفيه عبد الرحمن عمن حدثه ، وان كان من الفقيه فهي صحيحة لأنه رواها فيه عن عبد الرحمن بن ابي نجران وطريقه اليه صحيح في المشيخة ، إلا ان متنها فيه ليس كما ذكره بل الذي فيه «ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي هو على غير وضوء. الى آخره» وهي صريحة في تيمم الميت خلافا لما يدعيه ، وبالجملة فإن كان نقله لها من التهذيب فمتنها فيه على ما ذكره إلا ان السند غير صحيح وان كان من الفقيه فالسند صحيح كما وصفه إلا ان متنها ليس كما ذكره. إلا ان صاحب الوافي والوسائل قد نقلا ايضا هذه الرواية من التهذيب بهذا المتن الذي ذكره ثم نقلاها عن الفقيه وأحالا المتن على ما نقلاه عن التهذيب ولم ينبها على الزيادة التي ذكرناها. وهو محتمل لاتحاد هذا المتن في الكتابين كما ذكره السيد ومحتمل لوقوع السهو منهما عن التنبيه على ذلك فإنه قد جرى لهما مثل ذلك في مواضع عديدة ، وبالجملة فإني قد تتبعت نسخا عديدة مضبوطة من الفقيه فوجدت الرواية فيها كما ذكرته من الزيادة المذكورة. والله العالم.

(الثانية عشرة) ـ إذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء كفى غسل الميت على المعروف من مذهب الأصحاب ولا يجب غسلان بل ولا يستحب ، قال في المعتبر : وهو مذهب أكثر أهل العلم. أقول ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما يجزئه من الماء؟ قال يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله. وعن عمار في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال مثل غسل الطاهر وكذلك الحائض وكذلك الجنب انما يغسل غسلا واحدا فقط». ورواه الصدوق بإسناده عن عمار مثله. وعن علي بن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الميت يموت وهو جنب؟ قال غسل واحد».

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب غسل الميت.

٤٧٤

وعن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الجنب إذا مات؟ قال ليس عليه إلا غسلة واحدة».

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل مات وهو جنب؟ قال يغسل غسلة واحدة بماء ثم يغسل بعد ذلك». وعن عيص عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله وإذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم يغسل بعد ذلك». وعن عيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم اغتسل بعد ذلك». فقد أجاب الشيخ (قدس‌سره) بحملها على الاستحباب بعد ان طعن فيها بأن الأصل فيها كلها عيص وهو واحد لا يعارض به جماعة كثيرة ثم وجهها بتوجيه الغسل الأخير إلى الغاسل كما هو ظاهر الخبر الأخير ويكون ذلك غلطا من الراوي أو الناسخ في البواقي يعني في جعل «يغسل» مكان «يغتسل» أقول : قد تقدم البحث في تداخل الأغسال في نية الوضوء (٥) وبسطنا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه وبينا صحة القول بالتداخل ، وهذه الاخبار الثلاثة لا تقوم بمعارضة جملة أخبار المسألة فيتعين حملها على ما ذكره الشيخ وان بعد وإلا فطرحها وإرجاعها إلى قائلها ، وحملها على التقية غير بعيد وان كان القائل بها من العامة غير معلوم فإنه متى كان علماء الطائفة سلفا وخلفا على القول بالاكتفاء بغسل واحد كما دلت عليه الأخبار الكثيرة فمن الظاهر حمل ما خالف ذلك على التقية (٦) وان لم يكن به قائل كما

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب غسل الميت.

(٣) روى صدره في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار وذيله في الباب ٣١ من أبواب غسل الميت.

(٥) ج ٢ ص ١٩٦.

(٦) في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٤٦٣ «الحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل ، قال ابن المنذر هذا قول من نحفظ عنه من علماء الأمصار ، وقيل عن الحسن يغسل الجنب للجنابة والحائض ثم يغسلون للموت».

٤٧٥

عرفت في مقدمات الكتاب ، وايضا فقد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة (١) «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر». ولا ريب ان الرواية بالتداخل أشهر لتعدد نقلتها وكثرتهم وشذوذ هذه الروايات لانحصار رواتها في رجل واحد. والله العالم.

تتمة

تشتمل على فائدتين (الأولى) ـ قد صرح الأصحاب بأن الحامل إذا ماتت والولد حي في بطنها فإنه يشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج الولد ويخاط الموضع ثم تغسل وتكفن بعد ذلك. ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن علي ابن يقطين (٢) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن المرأة تموت وولدها في بطنها؟ قال يشق بطنها ويخرج ولدها». وعن علي بن أبي حمزة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويستخرج ولدها؟ قال : نعم». ورواها في الكافي أيضا في الحسن أو الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) مثله وزاد «ويخاط بطنها». وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (٥) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك؟ قال يشق عن الولد». قال في المدارك : «وإطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق في الجانب بين الأيمن والأيسر ، وقيده الشيخان في المقنعة والنهاية وابن بابويه بالأيسر ولا اعرف وجهه» أقول : وجهه قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٦) حيث قال : «وإذا ماتت المرأة وهي حاملة وولدها يتحرك في بطنها شق بطنها من الجانب الأيسر واخرج الولد». وبهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٩ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٦ من أبواب الاحتضار.

(٦) ص ١٩.

٤٧٦

جريا على ما عرفت في غير موضع ، وكذا ما بعد العبارة المذكورة ، والظاهر ان من تأخر عن الصدوق قد تبعه في ذلك أو أخذه من الكتاب المذكور. والمفيد ايضا كثير الرواية منه وقال في المدارك ايضا : «واما خياطة المحل بعد القطع فقد نص عليه المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط وأتباعهما وهو رواية ابن ابي عمير عن ابن أذينة (١) وردها المصنف في المعتبر بالقطع وبأنه لا ضرورة الى ذلك فان المصير الى البلا. وهو حسن لكن الخياطة أولى لما فيها من ستر الميت وحفظه عن التبدد وهو اولى من وضع القطن على الدبر» انتهى أقول : ما ذكره في المعتبر من رد الرواية غير معتبر وما استحسنه السيد من ذلك غير حسن ، فان الدليل غير منحصر فيما ذكره من مقطوعة ابن أذينة وهي ما رواه الشيخ عن ابن ابى عمير بطريقه اليه عن عمر بن أذينة (٢) قال : «يخرج الولد ويخاط بطنها». بل قد روى ذلك في الكافي أيضا ـ كما عرفت ـ عن الصادق (عليه‌السلام) والحديث صحيح أو حسن ليس فيه ما ربما يطعن عليه ، ولكن الظاهر انهما لم يقفا على رواية ابن ابي عمير المذكورة والا لما خصوا الاستدلال بالمقطوعة المشار إليها وطعنوا فيها بذلك

واما لو مات الولد في بطنها وهي حية أدخلت القابلة أو غيرها ممن يحسن ذلك يدها في فرج المرأة وقطعت الولد وأخرجته قطعة قطعة ، قال في الخلاف بعد ذكر الحكم المذكور : «ولم اعرف فيه للفقهاء نصا» واستدل بإجماع الفرقة وكأنه قد غاب عن خاطره الرواية الآتية. وقال في المعتبر : «ويتولى ذلك النساء فالرجال المحارم فان تعذر جاز ان يتولاه غيرهم» ويدل عليه ما رواه في الكافي عن وهب بن وهب عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك يشق بطنها ويخرج الولد ، وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها؟ قال لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه» ورواه في موضع آخر وزاد في آخرها «إذا لم ترفق به النساء». وقال في الفقه الرضوي (٤) في

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٦ من أبواب الاحتضار.

(٤) ص ١٩.

٤٧٧

تتمة العبارة المتقدمة : «وان مات الولد في جوفها ولم يخرج ادخل انسان يده في فرجها وقطع الولد بيده وأخرجه ، وروى انها تدفن مع ولدها إذا مات في بطنها». أقول : الظاهر تعلق هذه الرواية بصدر كلامه (عليه‌السلام) فيما إذا ماتت الأم بأن يقال الحكم في الولد ان كان حيا الشق كما تقدم وان كان ميتا دفن معها.

فروع

(الأول) ـ قال في المنتهى : «لو ماتت ومات الولد بعد خروج بعضه أخرج الباقي وغسل وكفن ودفن ، وان لم يمكن إخراجه إلا بالشق ترك على تلك الحال وغسل مع امه لان الشق هتك حرمة الميت من غير ضرورة» أقول : ما ذكره وان لم يرد بخصوصه نص إلا انه مطابق لمقتضى الأصول والنصوص العامة ، وعلل الحكم الثاني وهو التغسيل مع أمه بأن الخارج له حكم من مات بعد خروجه في وجوب التغسيل وما بطن له حكم من مات في بطن امه.

(الثاني) ـ قال أيضا في الكتاب المذكور : «لو بلع الميت مالا فان كان له لم يشق بطنه لأنه أتلفه في حياته ولا يستعقب الغرم على نفسه ، ويحتمل ان يقال ان كان كثيرا ساغ الشق وإخراجه لأن فيه حفظا للمال عن الضياع وعونا للورثة ، وان كان لغيره فان كان باذنه فهو كماله وان كان بغير اذنه كان كالغاصب ، فيمكن ان يقال لا يشق بطنه ويؤخذ من تركته احتراما للميت وتركا للمثلة به ، ويمكن ان يقال بالشق لان فيه حفظا للمال ونفعا لصاحبه».

(الثالث) ـ قال (قدس‌سره) ايضا : «لو كان في إصبع الميت أو اذنه أو يده شي‌ء من الحلي وجب أخذه فان لم يمكن ذلك برد وأخذ من غير تمثيل بالميت».

(الفائدة الثانية) ـ قال الصدوق في الفقيه : «ومن كان جنبا وأراد ان يغسل الميت فليتوضأ وضوء الصلاة ثم يغسله ، ومن أراد الجماع بعد غسله للميت فليتوضأ ثم

٤٧٨

ليجامع» انتهى. وهذا الحكم مما ذكره جملة من الأصحاب في هذا المقام. والمستند فيه حسنة شهاب بن عبد ربه (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنب أيغسل الميت أو من غسل ميتا إله أن يأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال : هما سواء لا بأس بذلك ، إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت وهو جنب ، وان غسل ميتا توضأ ثم اتى اهله ويجزئه غسل واحد لهما». وكذلك يدل عليه ما في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٢) : «وإذا أردت أن تغسل ميتا وأنت جنب فتوضأ وضوء الصلاة ثم اغسله وإذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل ان تغتسل من غسله فتوضأ ثم جامع». انتهى. وعبارة الصدوق مأخوذة من هذه العبارة بتغيير ما ، وظاهر الخبرين المذكورين استحباب الوضوء لمريد تغسيل الميت إذا كان جنبا ولمريد الجماع إذا غسل ميتا ولما يغتسل غسل المس وان لم يكن جنبا ، وبه يظهر ما في كلام السيد السند في المدارك حيث قال في ضمن تعداد افراد الوضوء المستحب : «وجماع غاسل الميت ولما يغتسل إذا كان الغاسل جنبا» فقيد استحباب الوضوء لغاسل الميت إذا أراد الجماع بما إذا كان جنبا في حالة غسله للميت ، وتبعه على هذا جمع ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ، والروايتان المذكورتان تناديان بخلافه ، والله العالم. تم الجزء الثالث من كتاب الحدائق الناضرة في الأغسال ويتلوه الجزء الرابع من تكفين الميت. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب غسل الميت.

(٢) ص ١٨.

٤٧٩

فهرس الجزء الثالث

من كتاب الحدائق الناضرة

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

وجوب الغسل على الرجل والمرأة بالجماع في القبل

٢

حكم واجدي المني في الثوب المشترك من حيث انعقاد الجمعة بهما وأئتمام احدهما بالاخر

٢٦

حكم الوطئ في دبر المرأة

٤

حكم البلل الخارج بعد الغسل

٢٨

حكم الوطئ في دبر الغلام

١١

حكم الصلاة الواقعة بين الغسل وخروج البلل المشتبه

٣٨

حكم الايلاج في فرج البهيمة

١٢

هل الكفار مكلفون بالفروع؟

٣٩

حكم ايلاج الخنثى والايلاج فيه

١٣

شرطية غسل الجنابة في الصلاة

٤٤

حكم مقطوع الحشفة

١٣

حرمة الطواف على الجنب

٤٦

وجوب الغسل بالانزال في الرجل

١٤

حرمة مس كتابة القرآن على الجنب

٤٦

حكم انزال المرأة

١٥

حرمة مس اسم الله على الجنب

٤٧

خروج منى الرجل من المرأة

١٧

حرمة دخول المسجدين على الجنب ولو اجتيازا "

٤٩

الانزال من غير الموضع المعتاد

١٨

حرمة اللبث فيما عدا المسجدين على الجنب

٥٠

عدم الرجوع إلى الصفات عند اليقين بكون الخارج منيا "

١٩

الحاق المشاهد المشرفة بالمساجد

٥٣

الصفات التى يرجع اليها عند اشتباه الخارج

٢٠

حرمة وضع شئ في المساجد على الجنب

٥٤

حكم من وجد بعد الانتباه منيا "

٢٢

حرمة قراءة احدى العزائم الاربع على الجنب

٥٥

حكم كل من واجدي المني في الثوب المشترك في نفسه

٢٣

مقدار ما يعيده واجد المني المحكوم بالغسل من الصلوات

٢٤

٤٨٠