الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

حكم من قتل في معصية من انه يغسل ويضم رأسه الى عنقه. الى آخره قد ورد ايضا فيما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن العلاء بن سيابة (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله تعالى أيغسل أم يفعل به ما يفعل بالشهيد؟ فقال إذا قتل في معصية الله يغسل أولا منه الدم ثم يصب عليه الماء صبا ولا يدلك جسده ويبدأ باليدين والدبر ، وتربط جراحاته بالقطن والخيوط ، فإذا وضع عليه القطن عصب وكذلك موضع الرأس يعني الرقبة ويجعل له من القطن شي‌ء كثير ويذر عليه الحنوط ثم يوضع القطن فوق الرقبة وان استطعت ان تعصبه فافعل قلت فان كان الرأس قد بان من الجسد وهو معه كيف يغسل؟ فقال يغسل الرأس إذا غسل اليدين والسفلة بدأ بالرأس ثم بالجسد ثم يوضع القطن فوق الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل في الكفن ، وكذلك إذا صرت الى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته للقبلة».

فروع : (الأول) ـ من قتله البغاة من أهل العدل لا يغسل ولا يكفن لما تقدم من عدم تغسيل علي (عليه‌السلام) عمار بن ياسر وعتبة ، ومن قتله أهل العدل من البغاة فإنه لا يغسل ايضا ولا يكفن لانه عندنا كافر ، صرح بذلك الشيخ في المبسوط والخلاف ، وعن الشيخ في السير من الخلاف فإنه يغسل ويصلى عليه ، وهو ضعيف.

(الثاني) ـ قطاع الطريق يغسلون ويصلى عليهم لان الفسق لا يمنع هذه الأحكام ، صرح بذلك في المعتبر.

(الثالث) ـ لو اشتبه موتى المسلمين بالكفار في غير الشهداء قال في الذكرى : الوجه وجوب تغسيل الجميع لتوقف الواجب عليه ، قال : ولو تميز بأمارة قوية عمل عليها وحينئذ لو مس أحدهم بعد غسله وجب الغسل بمسه لجواز كونه كافرا ، ويمكن عدمه للشك في الحدث فلا يرفع يقين الطهارة ، اما لو مس الجميع فلا إشكال في الوجوب.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب غسل الميت.

٤٢١

(الرابع) ـ قال في المعتبر : «لوجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر فان كان في دار الإسلام غسل وكفن وصلى عليه وان كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر لان الظاهر انه من أهلها ولو كان فيه علامات المسلمين لانه لا علامة إلا ويشارك فيها بعض أهل الكفر».

(المسألة الثالثة) ـ المشهور بين الأصحاب ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ انه لو وجد بعض الميت فان كان فيه الصدر أو كان الصدر وحده وجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، وان لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة ودفن. وأطلق العلامة (رحمه‌الله) في جملة من كتبه ان صدر الميت كالميت في جميع أحكامه ، وقال في المنتهى : ولو وجد بعض الميت فان كان فيه عظم وجب تغسيله بغير خلاف بين علمائنا ويكفن وان كان صدره صلى عليه ، ثم استدل بصحيحة علي بن جعفر الآتية ، الى ان قال : أما لو لم يكن فيها عظم فإنه لا يجب غسلها وكان حكمها حكم السقط قبل أربعة أشهر وكذا البحث لو أبينت القطعة من حي. انتهى ملخصا. وقال في المعتبر : إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر فهو كما لو وجد كله وهو مذهب المفيد في المقنعة ، ثم ساق البحث الى ان قال : والذي يظهر لي انه لا تجب الصلاة إلا ان يوجد ما فيه القلب أو الصدر واليدان أو عظام الميت ثم استدل بصحيحة علي بن جعفر الآتية ثم ذكر رواية البزنطي ورواية الفضل بن عثمان الأعور. وقال الشهيد في الذكرى : وما فيه الصدر يغسل لمرفوعة رواها البزنطي ، ثم ساق متن الرواية وقال : وهو يستلزم أولوية الغسل ، ثم نقل رواية الفضل بن عثمان. وقال بعدها : ولشرف القلب لمحلية العلم والاعتقاد الموجب للنجاة ، ثم قال : وكذا عظام الميت تغسل لخبر علي بن جعفر عن أخيه ، ثم قال : وكذا تغسل قطعة فيها عظم ، ذكره الشيخان واحتج عليه في الخلاف بإجماعنا وبتغسيل أهل مكة واليمامة يد عبد الرحمن بن عتات ألقاها طائر من وقعة الجمل عرفت بنقش خاتمه وكان قاطعها الأشتر ثم قتله فحمل يده عقاب أو نسر. وقال في المختلف : «إذا وجد بعض الميت

٤٢٢

فان كان الصدر فحكمه حكم الميت يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه ويدفن ، وان كان غيره فان كان فيه عظم غسل وكفن من غير صلاة وان لم يكن فيه عظم لف في خرقة ودفن من غير غسل ولا صلاة هذا هو المشهور بين علمائنا. وقال ابن الجنيد : ولا يصلى على عضو الميت والقتيل إلا ان يكون عضوا تاما بعظامه أو يكون عظما مفردا ويغسل ما كان من ذلك لغير الشهيد كما يغسل بدنه ولم يفصل بين الصدر وغيره. وقال علي ابن بابويه : فان كان الميت أكيل السبع فاغسل ما بقي منه وان لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها».

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة : منها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن». وزاد في الكافي والتهذيب «وإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب».

وما رواه في الفقيه عن الفضل بن عثمان الأعور عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة؟ قال ديته على من وجد في قبيله صدره ويداه والصلاة عليه».

وروى المحقق في المعتبر عن البزنطي في جامعه عن احمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابنا (٣) يرفعه قال : «المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على العضو الذي فيه القلب».

والروايات باعتبار الصلاة في هذه المسألة كثيرة لكنها على غاية من الاختلاف والاضطراب كما سيأتي البحث فيها ان شاء الله تعالى في كتاب الصلاة ، والأصحاب أوردوا منها ههنا هذه الروايات الثلاث ، وتقريب الاستدلال عندهم فيما عدا صدر

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة.

٤٢٣

صحيحة علي بن جعفر من هذه الاخبار انها دلت على وجوب الصلاة على الصدر والعضو الذي فيه القلب ، ووجوب الصلاة مستلزم لوجوب الغسل بطريق اولى كما يفهم من عبارة الذكرى المتقدمة. ولا يخلو من الاشكال سيما بناء على ما يفهم من ظاهر صحيحة علي بن جعفر على رواية الشيخين المشار إليهما آنفا ، من دلالة صدرها على وجوب الغسل والتكفين والصلاة والدفن بالنسبة إلى عظام الميت الخالية من اللحم من حيث انها مجموع بدن الميت كما تفيده اضافة الجمع ، ودلالة عجزها بالنسبة إلى النصف الذي فيه القلب على الصلاة خاصة ولم يتعرض لذكر الغسل ولا التكفين ، والدفن وان لم يذكر إلا انه يفهم من أدلة أخر ، والى ما ذكرناه أشار في المدارك ايضا فقال بعد نقل رواية الفضل بن عثمان ومرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى : «وهاتان الروايتان مع ضعف سندهما إنما تدلان على وجوب الصلاة على الصدر واليدين والعضو الذي فيه القلب خاصة واستلزام ذلك وجوب الغسل والتكفين ممنوع» انتهى. نعم وجوب الصلاة خاصة من غير غسل ولا تكفين لا يخلو من استبعاد بالنسبة إلى القواعد الشرعية. وبالجملة فإني لم أقف في الاخبار على ما يتضمن الأمر بالغسل في هذه المسألة إلا على صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ونحوها في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «وان كان الميت اكله السبع فاغسل ما بقي منه وان لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها». وما تقدم نقله عن علي بن بابويه عين عبارة كتاب الفقه وهو مصداق ما ذكرناه في غير موضع من اعتماد الصدوقين على هذا الكتاب وأخذ عبائره والإفتاء بها ، وظاهر صدر هذه العبارة هو غسل ما يبقى منه بعد أكل السبع كائنا ما كان وظاهر عجزها الصلاة على عظامه كما في صحيحة علي بن جعفر ، ويحمل على العظام كملا كما يستفاد من تلك الصحيحة بحمل قوله : «وان لم يبق منه الا عظام» على إرادة أكل اللحم خاصة وبقاء العظام ، فيكون متفقا مع تلك الصحيحة على وجوب تلك

__________________

(١) ص ١٨.

٤٢٤

الأحكام في عظام الميت كملا ، وهذا أقصى ما يمكن الحكم به من الأحكام المذكورة مضافا الى اتفاق الأصحاب في هذه الصورة وما ذكر من حكم الصدر أو القلب ، فلا ريب ان كلام الأصحاب هو الأوفق بالاحتياط وان كان في استنباطه من الاخبار المذكورة نوع غموض وخفاء سيما مع اختلافها فيما يصلى عليه من الميت. ولو جعل الغسل تابعا للصلاة وحاصلا من الأمر بها بطريق الأولوية كما ذكره شيخنا الشهيد لا شكل عليهم ذلك في العظم المجرد كما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه وان وجد عظم بلا لحم صلى عليه». فان ظاهرها الصلاة على العظم المجرد ويلزم منه وجوب غسله مع انه لا قائل بشي‌ء منهما فيه ، إلا انه يمكن تأويل هذه الرواية بإرجاعها الى ما دلت عليه صحيحة علي بن جعفر من العظام كملا بان يكون المعنى انه ان كان الموجود من هذا القتيل بعد قتله جميع لحمه إلا انه لا عظم فيه فإنه لا يصلى عليه وان وجدت عظامه خالية من اللحم صلي عليها ، ولا بعد فيه إلا من حيث إطلاق العظم وارادة المجموع ومثله في باب المجاز أوسع من ان ينكر ، وسيجي‌ء تحقيق الكلام في هذه الروايات ان شاء الله تعالى في محله من كتاب الصلاة ، قال في الذكرى : «ويلوح ما ذكره الشيخان من خبر علي ابن جعفر لصدق العظام على التامة والناقصة» ورد بان ظاهر الرواية ان الباقي جميع عظام الميت لأن إضافة الجمع يفيد العموم ، على انه لو سلم تناولها للناقصة لم يتم الاستدلال بها على ما ذكره الشيخان لتضمنها وجوب الصلاة مع تصريحهما بنفيها.

بقي ان ما ذكره العلامة (قدس‌سره) من ان الصدر كالميت في جميع أحكامه مع الإغماض عن المناقشة التي قدمنا ذكرها ، فإنه يشكل في وجوب الحنوط : (أولا) من حيث عدم الدلالة على هذه الكلية والتصريح بذلك انما وقع في كلامهم لا في النصوص كما عرفت وهي انما اشتملت هنا على الأمر بالصلاة ولكنهم ألحقوا بها

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب صلاة الجنازة.

٤٢٥

الغسل لزوما بطريق الأولوية وكذلك التكفين. و (ثانيا) ـ بعدم وجود محله ، ومن ثم قال الشهيد (رحمه‌الله) في بعض تحقيقاته على ما نقل عنه على الإشكال في التحنيط : «ان كانت محال الحنوط موجودة فلا إشكال في الوجوب وان لم تكن موجودة فلا إشكال في العدم» وهو جيد.

هذا كله بالنسبة الى ما عدا القطعة ذات العظم من حي أو ميت واما بالنسبة إليها كما ذكروه من إيجاب الغسل فيها فإنه قد رده جملة من متأخري المتأخرين بعدم الدليل عليه من الأخبار ، قال في المدارك بعد نقل القول بذلك عن الشيخين وأتباعهما : «واحتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة واعترف جمع من الأصحاب بعدم الوقوف في ذلك على نص لكن قال جدي ان نقل الإجماع من الشيخ كاف في ثبوت الحكم بل ربما كان أقوى من النص ، وهو مناف لما صرح به في عدة مواضع من التشنيع على مثل هذا الإجماع والمبالغة ، وقد تقدم منا البحث في ذلك مرارا. انتهى» أقول : فيه ايضا ان ما اعترض به على جده وارد عليه حيث انه في غير موضع وافق الأصحاب على هذا الإجماع وان نازعهم في مواضع أخر. وبالجملة فالظاهر انه لا دليل لهم على ذلك إلا الإجماع. وربما استدل على ذلك بكونها بعضا من جملة يجب تغسيلها حين الاتصال فيجب بعده عملا بالاستصحاب. وفيه ـ مع كونه لا يجري في القطعة المبانة من الحي والمدعى أعم منه ـ انه لو تم ذلك للزم منه وجوب تغسيل غير ذات العظم بل العظم المجرد ولا قائل به ، وقد تقدم في فصل غسل (١) المس ما يتعلق بهذه المسألة من حيث إيجاب الغسل بمس القطعة المبانة من حي أو ميت.

وقد خطر هنا الآن شي‌ء بالبال مما يمكن الاحتجاج به والاستدلال في المسألتين المذكورتين ، وذلك بان يقال انه قد روى المشايخ الثلاثة عن أيوب بن نوح في الصحيح عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا قطع من الرجل قطعة

__________________

(١) ص ٣٤١.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل مس الميت.

٤٢٦

فهي ميتة فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه». والتقريب فيه ان يقال ان المراد بالميتة هنا ميتة الإنسان لا مطلق الميتة ليتم تفريع قوله : «فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم. الى آخر الخبر» وإذا ثبت إطلاق اسم ميتة الإنسان على القطعة المذكورة شرعا ثبت لها الأحكام المتعلقة بميت الإنسان من التغسيل والتحنيط والتكفين والدفن وغير ذلك إلا ما أخرجه الدليل والاقتصار هنا على تفريع وجوب غسل المس لا يوجب نفى ما سواه من الأحكام ، ولعل تخصيصه بالذكر لأنه أخفى في الحكم وفرع في الوجوب على وجوب غسل الميت لانه ورد في الأخبار معلقا على من مس أو غسل ميتا من الناس بالشرطين المشهورين ، فهو مشروط بتحقق الميت من الناس وعند تحققه يجب تغسيله فيجب الغسل على مغسله ، ومرجع ذلك الى دعوى لزوم وجوب غسل المس لوجوب غسل الميت وكونه فرعا في الوجود عليه كما هو ظاهر الاخبار وكلام الأصحاب فكلما وجب الغسل بالموت وجب الغسل بالمس ، فإيجاب غسل المس في الرواية للقطعة ذات العظم كاشف عن كونها مما يجب تغسيلها تحقيقا للملازمة ، ومنه يظهر وجوب التغسيل في الصدر ونحوه. وبالجملة فالاحتياط في أمثال هذه المقامات جيد وسبيله واضح.

وظاهر الأكثر انه لا فرق في القطعة المبانة ذات العظم بين كونها من حي أو ميت ، وقطع في المعتبر بدفن المبانة من حي من غير غسل مستندا إلى انها من جملة لا تغسل ولا يصلى عليها. وأجاب عن ذلك في الذكرى بأن الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة. أقول : أنت خبير بأن رواية أيوب بن نوح المذكورة مطلقة في القطعة المذكورة التي يجب بمسها الغسل المترتب ذلك على وجوب غسلها كما عرفت ، ومنه يظهر قوة القول المشهور.

ولو خلت القطعة من العظم فلا غسل ولا كفن ولا صلاة اتفاقا ، وأوجب سلار لفها في خرقة ودفنها ولم يذكره الشيخان ، وصرح في المعتبر بعدم وجوب اللف للأصل.

٤٢٧

(المسألة الرابعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال والتحنيط والتكفين ثم يقام عليه الحد ولا يغسل بعد ذلك ، قال في الذكرى : «ولا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب».

أقول : ويدل عليه ما رواه في الكافي عن مسمع كردين عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «المرجوم والمرجومة يغتسلان ويتحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما ، والمقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلى عليه». ورواه الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) مرسلا.

وقال (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (٢) : «وان كان الميت مرجوما بدئ بغسله ونحنيطه وتكفينه ثم يرجم بعد ذلك وكذلك القاتل إذا أريد قتله قودا». أقول : قد قدمنا في فصل غسل المس (٣) ما في هذه المسألة من الاشكال ولو لا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور لأمكن المناقشة فيه لخروجه عن مقتضى القواعد الشرعية والأصول المرعية كما تقدم التنبيه عليه.

تنبيهات : (الأول) ـ هل يختص الحكم المذكور بزنا أو قود كما هو مورد الخبرين أو يشمل كل من وجب قتله؟ ظاهر الأصحاب الثاني وبه صرح في الذكرى للمشاركة في السبب. والأظهر الأول قصرا للحكم المخالف للأصول ـ كما عرفت ـ على مورده.

(الثاني) ـ قد عبر الأصحاب في هذه المسألة بأنه يؤمر من وجب عليه الحد بالاغتسال والتحنيط والتكفين ، قالوا : والآمر هو الإمام أو نائبه. وأنت خبير بان الخبر الذي هو مستند الحكم عندهم خال من ذلك وكذا الخبر الذي نقلناه وانما ظاهرهما وجوب ذلك على المرجوم والمقتص منه ، نعم يمكن تخصيص الأمر بما إذا كان جاهلا بذلك فيؤمر به وإلا فانا لا نعلم لهم مستندا لهذا الإطلاق.

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب غسل الميت.

(٢) ص ١٩.

(٣) ص ٣٣٢.

٤٢٨

(الثالث) ـ قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض «وفي تحتمه عليه أو التخيير بينه وبين غسله بعد الموت لقيامه مقامه نظر ، هذا بالنسبة إلى الآمر اما المأمور فيجب عليه امتثال الأمر ان وجد» أقول : قد عرفت ان النص خال من الأمر وان وجد ذلك في كلامهم. بقي الكلام في دلالة الخبر على تقديمه الغسل هل هو عزيمة أو رخصة؟ وجهان أقربهما الثاني ولعله أحوطهما أيضا لما عرفت آنفا.

(الرابع) ـ الظاهر من الخبرين المتقدمين هو كون هذا الغسل الذي يقدمه مشتملا على الغسلات الثلاث وانه غسل الأموات قد أمر بتقديمه وان كان حيا بدليل التحنيط والتكفين بعده ، واحتمل في الروض الاكتفاء بغسل واحد. لكونه حيا وذلك الغسل مخصوص بالأموات ولأن الأمر لا يقتضي التكرار وانما لم يغسل بعد ذلك للامتثال. والظاهر بعده.

(الخامس) ـ هل يدخل تحت هذا الغسل مع تقديمه شي‌ء من الأغسال ويحصل به التداخل كما في سائر الأغسال الواجبة أم لا؟ جزم في الروض بالثاني قال : «اما عدم دخولها تحته فلعدم نية الرفع أو الاستباحة فيه واما عدم دخوله تحتها فللمغايرة كيفية وحكما» وتردد الشهيد في الذكرى لظاهر الأخبار الدالة على الاجتزاء بغسل واحد كخبر زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) : «في الميت جنبا يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت ولأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة.». وقيل عليه ان الظاهر ان الخبر ليس من هذا في شي‌ء ويمنع اجتماع الحرمتين لأصالة عدم تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب ، وتداخلها في بعض المواضع لنص خاص. أقول : والمسألة محل توقف لاشتباه الحكم فيها.

(السادس) ـ لو سبق موته قتله أو قتل بسبب آخر لم يسقط الغسل قطعا سواء بقي السبب الأول كالقصاص مع ثبوت الرجم أم لا كما لو عفى عن القود لانه سبب

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من غسل الميت والتعليل من الخبر كما في الذكرى وكتب الحديث.

٤٢٩

جديد ، وقوفا على ظاهر النص لان الحكم ـ كما عرفت ـ خارج عن مقتضى الأصول فيقتصر فيه على مورد النص.

(السابع) ـ قالوا : ولا يجب الغسل بعد موته لقيام الغسل المتقدم مقام الغسل المتأخر عن الموت لاعتبار ما يعتبر فيه ، ولا يرد لزوم سبق التطهير على النجاسة لأن المعتبر أمر الشارع بالغسل وحكمه بالطهر بعده وقد وجد الأمران ، وليست نجاسة الميت بسبب الموت عينية محضة وإلا لم يطهر ، فعلم من ذلك ان تقديم الغسل يمنع من الحكم بنجاسته بعد الموت لسقوط غسله بعده وما ذاك إلا لعدم النجاسة. أقول : لا ريب في صحة هذا الكلام بعد ثبوت النص والقول بما دل عليه ، إلا انه مشكل لما قدمنا سابقا في بحث غسل المس من ان هذه الرواية معارضة بجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة في مواضع عديدة فلا تبلغ قوة في تخصيصها ولكن إجماعهم على الحكم المذكور قديما وحديثا سد النزاع فيه ، إلا انه روى في الكافي (١) عن البرقي رفعه الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «أتاه رجل بالكوفة فقال يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني.» ثم ساق الخبر في حكاية رجمه وانه رجمه أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم‌السلام) فمات الرجل قال : «فأخرجه أمير المؤمنين وأمر فحفر له وصلى عليه فدفنه فقيل يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة ولقد صبر على أمر عظيم». فإنه ظاهر في عدم وجوب الغسل بعد الرجم ، إلا ان الخبر غير خال من الاشكال حيث ان ظاهره ان الرجل لم يغتسل قبل الرجم ومع هذا دفنه (عليه‌السلام) بغير غسل ، قال شيخنا المجلسي في تعليقاته على الكافي على هذا الخبر : «المشهور بين الأصحاب وجوب تغسيل المرجوم ان لم يغتسل قبل الرجم ولعله (عليه‌السلام) امره بالغسل قبل الرجم وان كان ظاهر التعليل عدمه ، والله يعلم» وبالجملة فالخبر المذكور خارج عن مقتضى الأصول مضافا الى ضعف سنده فلا اعتماد عليه ، والمرجع انما هو

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٨٩.

٤٣٠

ما أشرنا إليه من اتفاقهم على الحكم قديما وحديثا ويخرج الخبران المتقدمان شاهدين على ذلك. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ المشهور بين الأصحاب ان المحرم إذا مات كالمحل إلا انه لا يقرب بالكافور ، صرح به الشيخان وأتباعهما ، وعن ابن ابي عقيل والمرتضى في شرح الرسالة انه لا يغطى رأسه ولا يقرب بالكافور.

ويدل على المشهور روايات : منها ـ ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ قال ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين (عليه‌السلام) وهو محرم ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا قال وذلك كان في كتاب علي (عليه‌السلام)».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (٢) قال : «سألته عن المحرم يموت؟ فقال يغسل ويكفن بالثياب كلها ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غير انه لا يمس الطيب» ورواه الكليني مثله إلا انه أسقط «ويغطى وجهه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الله بن سنان في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم ومع الحسين عبد الله ابن العباس وعبد الله بن جعفر فصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا ، قال وذلك في كتاب علي (عليه‌السلام)».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير انه لا يقربه طيبا». وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) مثله (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب غسل الميت.

٤٣١

وما رواه في الكافي عن ابي مريم في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «توفي عبد الرحمن بن الحسن بن علي بالأبواء وهو محرم ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعبد الله وعبيد الله ابنا العباس فكفنوه وخمروا وجهه ورأسه ولم يحنطوه ، وقال هكذا في كتاب علي (عليه‌السلام)».

وعن ابن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) «في المحرم يموت؟ قال يغسل ويكفن ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس شيئا من الطيب».

وهذه الأخبار كلها ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة على القول المشهور ، ونقل المحقق في المعتبر عن المرتضى انه احتج بما روى عن ابن عباس (٣) «ان محرما وقصت به ناقته فذكر ذلك للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا». وفي المختلف عن ابن ابي عقيل انه احتج بأن تغطية الرأس والوجه مع تحريم الطيب مما لا يجتمعان والثاني ثابت فالأول منتف ، ثم أطال في بيان هذه المقدمة. ولا يخفى ما في هذين التعليلين العليلين من الضعف سيما في مقابلة النصوص المذكورة ، وليت شعري كأنهما لم يقفا على هذه النصوص ولم يراجعاها وإلا فالخروج عنها الى هذه الحجج الواهية لا يلتزمه محصل.

وفي المقام فوائد : (الاولى) ـ لا فرق في هذا الحكم بين إحرام الحج والعمرة مفردة كانت أو متمتعا بها الى الحج ، كل ذلك للعموم ولا بين كون موته قبل الحلق والتقصير أو بعده قبل طواف الزيارة لأن تحريم الطيب انما يزول به. اما لو وقع الموت بعد الطواف ففي تحريمه عليه اشكال من صدق إطلاق المحرم عليه ومن حل الطيب له حيا فهنا اولى ، وبالثاني صرح العلامة في النهاية. والمسألة محل توقف وان كان

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب غسل الميت.

(٣) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب الكفن في ثوبين وباب الحنوط وباب كيف يكفن المحرم؟ ورواه مسلم في صحيحة ج ١ ص ٤٥٧. وفي الجميع الأمر بالتكفين في ثوبين.

٤٣٢

ما اختاره في النهاية لا يخلو من قرب.

(الثانية) ـ لا يلحق بالمحرم في هذا الحكم المعتدة عدة الوفاة ولا المعتكف من حيث تحريم الطيب عليهما حيين ، لعدم الدليل على ذلك وبطلان القياس عندنا.

(الثالثة) ـ الظاهر ان حكم الأعضاء التي يجب تغسيلها من الصدر والقلب ونحوهما حكم جميع البدن فيما ذكر. وعن الشيخ في النهاية والمبسوط انه قطع بتحنيط ما فيه عظم ، قال وان كان موضع الصدر صلى عليه ايضا.

(المقام الثالث) ـ في الغسل وفيه فضل عظيم ، فعن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه : «اللهم ان هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك» إلا غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر». وعنه (عليه‌السلام) (٢) قال : «من غسل ميتا مؤمنا فأدى فيه الامانة غفر الله له. قيل وكيف يؤدي فيه الامانة؟ قال لا يخبر بما يرى ، وحده الى ان يدفن الميت» هكذا رواه في الفقيه. واحتمل بعض المحدثين ان قوله : «وحده الى ان يدفن الميت» من كلام الصدوق والمراد منه إخفاء ما يراه الى ان يدفن. وعن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ما من مؤمن يغسل مؤمنا ويقول وهو يغسله : «رب عفوك عفوك» إلا عفا الله تعالى عنه». وعن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان فيما ناجى الله تعالى به موسى قال يا رب ما لمن غسل الموتى؟ فقال اغسله من ذنوبه كما ولدته امه». وعن الصادق (عليه‌السلام) (٥) : «من غسل ميتا فستر وكتم خرج من الذنوب كيوم ولدته امه». وعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في خطبة طويلة (٦) «من غسل ميتا فادى فيه الامانة كان له بكل شعرة منه عتق رقبة ورفع له مائة درجة. قيل يا رسول الله وكيف يؤدي فيه الامانة؟ قال يستر عورته ويستر شينه وان لم يستر عورته ويستر شينه حبط اجره وكشفت

__________________

(١ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب غسل الميت.

(٢ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أبواب غسل الميت.

٤٣٣

عورته في الدنيا والآخرة».

والبحث في هذا المقام يقع في موضعين (الأول) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجب امام الغسل إزالة النجاسة عن بدنه ، قال في المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء. قال في المعتبر في الاستدلال على ذلك : لان المراد تطهيره وإذا وجب إزالة الحكمية عنه فوجوب ازالة العينية أولى ، ولئلا ينجس ماء الغسل بملاقاتها ، ولما رواه يونس عنهم (عليهم‌السلام) (١) : «امسح بطنه مسحا رفيقا فان خرج منه شي‌ء فأنقه».

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف : «ويجب إزالة النجاسة أولا» وبعد ان نقل عن العلامة انه لا خلاف فيه بين العلماء ـ ما لفظه : «ويدل عليه روايات : منها ـ قوله (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي (٢) : «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات». وفي رواية يونس (٣) : «واغسل فرجه وانقه ثم اغسل رأسه بالرغوة». وقد يناقش في هذا الحكم بان اللازم منه طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة وهو غير معقول. ويجاب بعدم الالتفات الى هذا الاستبعاد بعد ثبوت الحكم بالنص والإجماع ، أو يقال ان النجاسة العارضة إنما تطهر بما يطهر غيرها من النجاسات بخلاف نجاسة الموت فإنها تزول بالغسل وان لم يكن مطهرا لغيرها من النجاسات فاعتبر إزالتها أولا ليطهر الميت بالغسل. وفي بعض نسخ الكتاب : ان هذه الأسباب من قبيل المعرفات ولا بعد في رفع نجاسة الموت بالغسل وتوقف غيرها على ما يطهر به سائر النجاسات فيجب إزالتها أولا ليطهر الميت بالغسل».

أقول : فيه (أولا) ـ انه لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في كيفية غسل الميت ونظر فيها بعين التأمل انه لا اثر لهذا الذي ذكره الأصحاب فيها من انه يجب إزالة النجاسة أولا وان اشتهر ذلك في كلامهم ، واستدلال السيد السند (قدس‌سره)

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٣٤

على ذلك هنا بهاتين الروايتين عجيب منه (اما أولا) ـ فإن الماء المذكور فيهما مضاف وهو لا يزيل النجاسة الخبثية ولا يطهرها بلا ريب ولا إشكال لأن هذا الماء في الخبرين ماء الغسلة الاولى من الغسلات الثلاث. فان قيل : انهم اشترطوا في الخليطين ان لا يخرج بهما الماء عن الإطلاق. قلنا : نعم ذلك هو المشهور ولكن الذي اختاره السيد المذكور في المسألة ـ وهو الظاهر من الأخبار ـ عدم الاشتراط المذكور. و (اما ثانيا) ـ فان سياق الخبرين المذكورين ـ وبه صرح جملة من الأصحاب ـ هو انه يستحب غسل الفرج في كل غسلة من الغسلات الثلاث بذلك الماء الذي يغسل به بدنه ، حيث قال (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي المذكورة (١) : «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول الى رأسه فابدأ بشقه الأيمن ، الى ان قال بعد تمام الغسل بالسدر والحرض : ثم رده الى قفاه وابدأ بفرجه بماء الكافور واصنع كما صنعت أول مرة ، ثم ساق الكلام الى ان قال في الغسل بالماء القراح : ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا : تبدأ بالفرج ثم تحول إلى الرأس. الحديث». واما رواية يونس (٢) فقال (عليه‌السلام) فيها : «واعمد الى السدر فصيره في طست وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء وصب الآخر في الإجانة التي فيها الماء ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغتسل الإنسان من الجنابة الى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة ، وساق الكلام في ذلك الى ان قال في الغسلة الثانية بالكافور : ثم صب الماء في الآنية وألق فيها حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدأ بيديه ثم بفرجه ، ثم ساق الكلام الى ان قال في الغسلة الثالثة : واغسله بماء قراح كما غسلته في المرتين الأولتين. الحديث». ومن الأخبار في ذلك ايضا وان كان مجملا صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) وفيها «تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن فإذا أردت أن تغسل

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٣٥

فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها على يدك اليسرى ثم ادخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير ان ترى عورته فإذا فرغت من غسله بالسدر. الحديث». وفي رواية عبد الله بن عبيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الميت قال تطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه ويوضأ وضوء الصلاة. الحديث». ورواية حريز (٢) قال : «أخبرني أبو عبد الله (عليه‌السلام) قال : الميت يبدأ بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة وذكر الحديث». وبالجملة فالمفهوم من هذه الأخبار ونحوها ان غسل الفرج فيها انما هو من حيث انه من مستحبات الغسل لا من حيث النجاسة. و (ثانيا) ـ ان ما ذكره في جواب المناقشة المذكورة ـ من عدم الالتفات الى هذا الاستبعاد بعد ثبوت الحكم بالنص والإجماع ـ فإن فيه ان النص لا وجود له كما عرفت واما الإجماع ففيه ما قدمه قريبا في شرح قول المصنف : «وان لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة» حيث نقل ثمة اعتراف جمع من الأصحاب بعدم النص على ذلك ونقل عن جده ان الشيخ قد نقل الإجماع على ذلك وهو كاف في ثبوت الحكم ، ثم اعترضه بأنه مناف لما صرح به في عدة مواضع من التشنيع على مثل هذا الإجماع والمبالغة في إنكاره ، ثم قال (قدس‌سره) : «وقد تقدم منا البحث في ذلك مرارا» فكيف يتم له الاستناد إليه في هذا الحكم أو غيره؟ نعم الجواب الحق عن ذلك ما أجاب به ثانيا من قوله : «أو يقال ان النجاسة العارضة إنما تطهر بما يطهر غيرها.» وتوضيحه انه لا شك ان الأحكام الشرعية من طهارة ونجاسة وحل وحرمة ونحوها موقوفة على التوقيف من الشارع ، والمعلوم من الأخبار ان أفراد المطهرات متعددة بتعدد النجاسات فربما اشتركت جملة من النجاسات في مطهر واحد كالبول والغائط والدم ونحوها فإنما يطهرها الماء وفي الاستنجاء من الغائط ربما طهره الأحجار وربما اختص بعضها بمطهر مخصوص كالشمس والأرض والنار ونحوها ، والمعلوم من الأخبار ان المطهر لنجاسة الميت الحكمية

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب غسل الميت.

٤٣٦

والعينية انما هو الغسل بالمياه الثلاثة خاصة ، فعلى هذا إذا أصاب بدنه غائط أو دم أو بول أو نحوها فإنه يجب إزالته أولا بمطهره الذي هو الماء خاصة وان كانت نجاسة الموت بعينها باقية حتى يحصل مطهرها المذكور ، إذ لو لم تزل هذه النجاسة أولا لتنجس بها ماء الغسل ، ولا ضرورة هنا الى دعوى إجماع ولا إلى شي‌ء من الأخبار كما لا يخفى على من نظر بعين التدبر والاعتبار.

واما ما ذكره في المعتبر ـ من قوله (عليه‌السلام) في رواية يونس (١) : «فان خرج منه شي‌ء فأنقه». ـ فليس فيه دلالة على ما ادعوه من وجوب الإزالة قبل الغسل لان هذا الكلام انما هو في الغسلة الثانية بماء الكافور ، نعم فيه دلالة علي وجوب إزالة النجاسة عنه مطلقا وهو مما لا اشكال فيه كما يدل عليه ايضا ما ورد من وجوب الإزالة بعد الغسل. وبالجملة فالإشكال المذكور ضعيف لا وجه له بعد ما عرفت.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : «والاولى الاستناد الى النص وجعله تعبدا ان حكمنا بنجاسة بدن الميت كما هو المشهور وإلا لزم طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة ، واما على قول المرتضى فلا إشكال لأنه ذهب الى كون بدن الميت ليس بنجس بل الموت عنده من قبيل الأحداث كالجنابة ، فحينئذ يجب إزالة النجاسة الملاقية لبدن الميت كما إذا لاقت بدن الجنب» انتهى. وفيه ما عرفت من انه لا اثر لهذا النص المدعى بل ليس إلا الإجماع ان تم ، وطهارة المحل الواحد من نجاسة دون اخرى متى اختلفت النجاستان واختلف المطهران مما لا اشكال فيه ، فان نجاسة الموت العينية أمر سار في جميع البدن لا يرتفع إلا بغسلة بالمياه الثلاثة ، ونجاسة البول والغائط ونحوهما الواقع في بدن الميت مخصوصة بمحل الملاقاة ومطهرها هو الماء المطلق خاصة ، ولا بعد في طهارة البدن من هذه النجاسة العارضية مع بقاء تلك النجاسة السارية في جميع اجزاء البدن حتى يحصل مطهرها. واما ما ذكره ـ من انه على قول المرتضى لا إشكال

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٣٧

لانه ذهب الى كون بدن الميت ليس بنجس. إلخ ـ فقد اعترضه فيه سبطه في المدارك بان المنقول عن المرتضى عدم وجوب غسل المس لا عدم نجاسة الميت ، قال : بل حكى المصنف عنه في المعتبر في شرح الرسالة التصريح بنجاسته ، وعن الشيخ في الخلاف انه نقل إجماع الفرقة على ذلك.

(الموضع الثاني) ـ في كيفية الغسل ، وهي مشتملة على الواجب والمندوب والمكروه ، ولننقل جملة من اخبار المسألة ثم نذيلها ان شاء الله تعالى ببيان ما اشتملت عليه من الأحكام وما ينكشف به عن الأقسام الثلاثة المشار إليها نقاب الإبهام.

فمنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته اما قميص واما غيره ثم تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن ، فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها على يدك اليسرى ثم ادخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير ان ترى عورته ، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء وكافور وبشي‌ء من حنوطه ثم اغسله بماء بحت غسلة اخرى حتى إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب ثم جففته».

وعن الكاهلي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ثم تلين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقا ، ثم تحول الى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم تثنى بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله برفق وإياك والعنف واغسله غسلا ناعما ثم أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه الى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه بثلاث غسلات ، ثم رده على جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٣٨

بماء من قرنه الى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه بثلاث غسلات ، ثم رده على قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أول مرة : اغسله بثلاث غسلات بماء الكافور والحرض وامسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ، ثم تحول الى رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ، وأدخل يدك تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبيه ظاهرة كلما غسلت منه شيئا أدخلت يدك تحت منكبيه وفي باطن ذراعيه ، ثم رده على ظهره ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا : تبدأ بالفرج ثم تحول إلى الرأس واللحية والوجه حتى تصنع كما صنعت أولا بماء قراح. ثم أذفره بالخرقة ويكون تحتها القطن تذفره به إذفارا قطنا كثيرا ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شدا شديدا حتى لا يخاف ان يظهر شي‌ء ، وإياك ان تقعده أو تغمز بطنه وإياك ان تحشو في مسامعه شيئا ، فإن خفت ان يظهر من المنخر شي‌ء فلا عليك ان تصير ثم قطنا فان لم تخف فلا تجعل فيه شيئا ، ولا تخلل أظفاره. وكذلك غسل المرأة».

وعن يونس عنهم (عليهم‌السلام) (١) قال : «إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة ، فإن كان عليه قميص فاخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه من رجليه الى فوق الركبة وان لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة ، واعمد الى السدر فصيره في طست وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء وصب الآخر في الإجانة التي فيها الماء ، ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغتسل الإنسان من الجنابة الى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد ان لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ، ثم أضجعه على جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه الى قدمه ثلاث مرات وادلك بدنه دلكا رفيقا وكذلك ظهره وبطنه ، ثم أضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ، ثم صب

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٣٩

ذلك الماء من الإجانة واغسل الإجانة بماء قراح واغسل يديك الى المرفقين ، ثم صب الماء في الآنية وألق فيها حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى : ابدأ بيديه ثم بفرجه وامسح بطنه مسحا رفيقا فان خرج شي‌ء فأنقه ثم اغسل رأسه ثم أضجعه على جنبه الأيسر واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه ثم أضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة ثم اغسل يديك الى المرفقين والآنية وصب فيها الماء القراح واغسله بالماء القراح كما غسلت في المرتين الأولتين ، ثم نشفه بثوب طاهر واعمد الى قطن فذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجه قبلا ودبرا واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي‌ء ، وحذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن وأغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه الى ركبتيه لفا شديدا».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) : «انه سئل عن غسل الميت؟ قال تبدأ فتطرح على سوأته خرقة ثم تنضح على صدره وركبتيه من الماء ثم تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتى تنقيه ثم تبدأ بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر وان غسلت رأسه ولحيته بالخطمي فلا بأس ، وتمر يدك على ظهره وبطنه بجرة من ماء حتى تفرغ منهما ثم بجرة من كافور تجعل في الجرة من الكافور نصف حبة ثم تغسل رأسه ولحيته ثم شقه الأيمن ثم شقه الأيسر وتمر يدك على جسده كله وتنضب رأسه ولحيته شيئا ثم تمر يدك على بطنه فتعصره شيئا حتى يخرج من مخرجه ما خرج ويكون على يديك خرقة تنقى بها دبره ، ثم ميل برأسه شيئا فتنفضه حتى يخرج من منخره ما خرج ، ثم تغسله بجرة من ماء قراح فذلك ثلاث جرار فان زدت فلا بأس وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل ثم تجففه بثوب نظيف. وقال : الجرة الأولى التي يغسل بها الميت بماء السدر والجرة الثانية بماء الكافور تفت فيها فتا قدر نصف حبة والجرة الثالثة بماء قراح».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

٤٤٠