الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

بالكلية وهو مما يقطع بفساده ، وحينئذ فإذا جاز الاذن في صورة التعذر بمرض ونحوه جاز في صورة عدم إمكان المباشرة بكون الميت امرأة ، وبالجملة فالرواية لا اختصاص لها بمن يمكن وقوع الغسل منه حتى انه يصير هذا الفرد خارجا عنها كما زعمه ، بل المراد من قوله : «يغسل الميت اولى الناس به» يعني تكون ولاية الغسل لاولى الناس به لا التغسيل بالفعل ، وإلا لجري ذلك في اخبار الصلاة على الميت لقولهم (عليهم‌السلام) (١) : «يصلي على الميت اولى الناس به». مع انه لا خلاف في جواز اذنه لغيره ولا سيما إذا لم يكن أهلا للإمامة ، هذا مع قطع النظر عن الخبرين الآخرين وإلا فدلالتهما على ما ذكرنا أظهر من ان ينكر. هذا كله مع ثبوت ما ذكروه من انه متى اجتمع الرجال والنساء في مرتبة الولاية فالرجال أولى إلا اني لم أقف على ما يدل عليه في هذه المسألة. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان الزوج اولى بزوجته في جميع الأحكام ، ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها». قال في المعتبر بعد ذكر هذا الخبر : «ومضمون الرواية متفق عليه» قال في المدارك : «قلت ان كانت المسألة إجماعية فلا بحث وإلا أمكن المناقشة فيها لضعف السند ، ولانه معارض بما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلي عليها؟ فقال : أخوها أحق بالصلاة عليها». وأجاب الشيخ عن هذه الرواية بالحمل على التقية (٤) وهو انما يتم

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة.

(٤) في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٤٨٣ «إذا اجتمع زوج المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن احمد وقول سعيد بن المسيب والزهري وبكير بن الأشج ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي الا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على

٣٨١

مع التكافؤ في السند كما لا يخفى». انتهى. أقول : ومما يعضد صحيحة حفص المذكورة أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال : الأخ». ومما يعضد الرواية الأولى اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها كما ذكره في المعتبر ومثله العلامة في المنتهى ، وما رواه الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال زوجها. قلت الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال : نعم ويغسلها». وروى في الكافي عن ابي بصير مثله (٣) بدون قوله : «ويغسلها» وعموم الأخبار الدالة على ان الاولى بالميت هو الاولى بميراثه ، ولا ريب ان الزوج اولى من الأخ بأي معنى اعتبرت الأولوية من أصل الإرث أو كثرته ، وحينئذ فالظاهر هو القول المشهور ويتعين حمل الخبرين المذكورين على ما ذكره الشيخ من التقية ، وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف في الحكم المذكور.

انما الخلاف في جواز تغسيل كل من الزوجين الآخر في حال الاختيار فعن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في شرح الرسالة والشيخ في الخلاف وابن الجنيد والجعفي انه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر مجردا مع وجود المحارم وعدمهم ، وقال الشيخ في النهاية بالجواز أيضا إلا انه اعتبر فيه كونه من وراء الثياب. ونقل ذلك عن ابن زهرة واختاره جملة من المتأخرين ، وقال في كتابي الاخبار ان ذلك مختص بحال الاضطرار دون الاختيار وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب ، واستظهر في المدارك

__________________

ابنها منه ، وروى عن احمد تقديم الزوج على العصبات لابن أبا بكرة صلى على زوجته ولم يستأذن إخوتها ، وروى ذلك عن ابن عباس والشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحاق».

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب صلاة الجنازة.

٣٨٢

جواز تغسيل كل منهما الآخر مجردا وان كان الأفضل كونه من وراء القميص كما في مطلق التغسيل.

وتحقيق الكلام في المقام يحتاج الى بسط الأخبار الواردة في المسألة ثم الكلام فيها بما يخطر بالبال العليل ومنه سبحانه الهداية إلى سواء السبيل : فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل أيصلح له ان ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسلها ان لم يكن عنده من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر الى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال لا بأس بذلك انما يفعل ذلك أهل المرأة كراهة ان ينظر زوجها إلى شي‌ء يكرهونه». وعن منصور في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال نعم وامه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة». وفي الحسن عن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال نعم انما يمنعها أهلها تعصبا». وبهذه الروايات استدل في المدارك على جواز تغسيل كل منهما الآخر مجردا وموردها ـ كما ترى ـ انما هو تغسيل الرجل زوجته خاصة دون العكس ، ثم قال : ويدل على ان الأفضل كونه من وراء الثياب روايات كثيرة : منها ـ صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) «انه سئل عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء؟ قال تغسله امرأته أو ذو قرابته ان كانت له وتصب النساء عليه الماء صبا. وفي المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها». وصحيحة محمد بن مسلم (٥) قال : «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال نعم من وراء الثياب». وصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) «في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء؟ قال يدفن ولا يغسل ، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل الا ان

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب غسل الميت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب غسل الميت.

٣٨٣

يكون زوجها معها ، فان كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع.». ثم قال في المدارك بعد إيراد هذه الاخبار : «والجمع بين الاخبار وان أمكن بتقييد الأخبار المطلقة بهذه الأحاديث إلا ان حمل هذه الأحاديث على الاستحباب اولى لظهور تلك الاخبار في الجواز مطلقا وثبوت استحباب ذلك في مطلق التغسيل على ما سنبينه» انتهى.

أقول : ومن اخبار المسألة صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «سئل عن الرجل يغسل امرأته؟ قال نعم من وراء الثوب لا ينظر الى شعرها ولا إلى شي‌ء منها ، والمرأة تغسل زوجها لأنه إذا مات كانت في عدة منه وإذا ماتت هي فقد انقضت عدتها». وصحيحة زرارة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يموت وليس معه إلا نساء؟ قال تغسله امرأته لأنها منه في عدة وإذا ماتت لم يغسلها لانه ليس منها في عدة». وظاهر هاتين الصحيحتين تحريم تغسيل الرجل امرأته مجردة للعلة المذكورة وظاهر صحيحة زرارة وان كان عدم جواز تغسيله لها مطلقا لكن يجب حملها على ما إذا كانت مجردة جمعا بينها وبين غيرها مما دل على الجواز من وراء الثياب ، وبما قلنا صرح الشيخ في التهذيب فقال بعد ذكر صحيحة زرارة : «أي لا يغسلها مجردة وانما يغسلها من وراء الثوب ، قال : وعلى هذا دل أكثر الروايات ويكون الفرق بين المرأة والرجل في ذلك ان المرأة يجوز لها ان تغسل الرجل مجردا وان كان الأفضل والاولى ان تستره ثم تغسله وليس كذلك الرجل لانه لا يجوز ان يغسلها إلا من وراء الثياب ، قال : والمطلق من الاخبار يحمل على المقيد» انتهى. ومنها ـ موثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء هل تغسله النساء؟ فقال تغسله امرأته أو ذات محرمه وتصب عليه النساء الماء صبا من فوق الثياب». وموثقة سماعة (٤) قال : «سألته عن المرأة إذا ماتت؟ فقال

__________________

(١ و ٢ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب غسل الميت.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب غسل الميت.

٣٨٤

يدخل زوجها يده تحت قميصها الى المرافق فيغسلها». وبمضمونها رواية الحلبي (١) ورواية داود بن سرحان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يموت في السفر أو في أرض ليس معه فيها إلا النساء؟ قال يدفن ولا يغسل ، وقال في المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة إلا ان يكون معها زوجها ، فان كان معها زوجها فليغسلها من فوق الدرع ويسكب عليها الماء سكبا ولتغسله امرأته إذا مات ، والمرأة ليست مثل الرجل المرأة أسوأ منظرا حين تموت».

أقول : والكلام في هذه الاخبار يقع في مقامين (الأول) ـ في تغسيل الرجل زوجته ، ولا يخفى ان بعضا من اخبار المسألة مطلق مثل صحيحة عبد الله بن سنان (٣) وحسنة محمد بن مسلم (٤) وجملة منها ما بين صريح وظاهر في التقييد بكونه من وراء الثياب ، والجمع بينهما بتقييد إطلاق الأولى بالثانية. واما الجمع بحمل روايات التقييد على الاستحباب والعمل بإطلاق تلك الاخبار وحملها على الجواز فهو وان أمكن بالنظر الى دلالة صحيحة منصور (٥) على جواز تغسيلها عارية وانما يلقى على عورتها خرقة ، إلا انه يشكل بدلالة ظاهر صحيحتي زرارة والحلبي (٦) على عدم الجواز كما عرفت ، وبه صرح الشيخ كما سمعت من كلامه ، ويعضده ـ مع كونه أوفق بالاحتياط ـ الأخبار الدالة على التقييد بكونه من وراء الثياب ، ولا يعارضها إطلاق الروايتين المشار إليهما ويجب تقييده كما عرفت ، وأظهر من ذلك تأييدا لما ذكرنا الأخبار الواردة بتغسيل علي (عليه‌السلام) لفاطمة (عليها‌السلام) والتعليل فيها بكونها صديقة لا يغسلها الا صديق ، فإن قضية التعليل تخصيص جواز ذلك بها وإلا لو كان ذلك جائزا مطلقا كما هو المشهور لم يكن لهذا التعليل مزيد فائدة ومنها ـ ما رواه الصدوق في العلل عن مفضل بن عمر (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) من غسل فاطمة؟ قال ذاك أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فكأنما

__________________

(١ و ٢ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب غسل الميت.

(٣ و ٤ و ٥) ص ٣٨٣.

(٦) ص ٣٨٤.

٣٨٥

استفظعت ذلك فقال كأنك ضقت مما أخبرتك؟ قلت قد كان ذلك جعلت فداك. فقال لا تضيقن فإنها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق. الحديث». ورواه الكليني والشيخ ايضا ، ويشير الى ما ذكرنا ما نقله في البحار قال : «وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من خط الشهيد قال : لما غسل علي (عليه‌السلام) فاطمة قال له ابن عباس : أغسلت فاطمة؟ قال أما سمعت قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : هي زوجتك في الدنيا والآخرة؟ قال الشهيد : هذا التعليل يدل على انقطاع العصمة بالموت فلا يجوز للزوج التغسيل». انتهى. ويمكن ان يقال ـ ولعله الأقرب في هذا المجال ـ بان صحيحتي الحلبي وزرارة (١) إنما خرجتا مخرج التقية فإن القول بالمنع من تغسيل الزوج زوجته مذهب أبي حنيفة والثوري والأوزاعي كما نقله في المنتهى ، ونقل الجواز عن الشافعي ومالك وإسحاق وداود ، وعن احمد روايتين (٢) ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في وقته كان هو المشهور والمعتمد بين خلفاء الجور ، وغيره من المذاهب الأربعة إنما اشتهر وحصل الاجتماع عليه في الأعصار المتأخرة مما يقرب من سنة ستمائة ، وحينئذ فلا يبعد حمل الروايتين المذكورتين على التقية ونقل في المنتهى الاحتجاج عن القائلين بالتحريم بان هذه الفرقة تبيح نكاح الأخت فوجب ان يحرم النظر إليها كما لو طلقها قبل الدخول. واما ما نقله في البحار من حديث ابن عباس فهو وان أشعر بما ذكره إلا انه لا يبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الاخبار الدالة على الجواز مع انه غير مروي من طرقنا ولعله من طرق أخبار العامة ، ومع تسليم صحته وثبوته ودلالته فلا بد في حمله على التقية أيضا ، مع ان المفهوم من بعض الاخبار الذي لا يحضرني الآن موضعها ان كل امرأة لم تتزوج إلا رجلا واحدا فإنها

__________________

(١) ص ٣٨٤.

(٢) في المغني لابن قدامة ج ٢ ص ٥٢٣ «المشهور عن احمد ان للزوج ان يغسل زوجته وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وابى سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وعن أحمد رواية ثانية ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري».

٣٨٦

يوم القيامة تكون زوجته ، ومن أخذت أزواجا عديدة فإنها تخير يوم القيامة وتختار أحسنهم خلقا معها في الدنيا. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها على كل حال. والله العالم.

(الثاني) ـ في تغسيل المرأة لزوجها ، والاخبار هنا ما بين مطلق ومقيد بكونه من وراء الثياب ، والجمع بينها اما بحمل مطلقها على مقيدها أو بحمل مطلقها على الجواز ومقيدها على الاستحباب ، والظاهر الثاني لقضية التعليل في صحيحتي الحلبي وزرارة المتقدمين (١) والاحتياط لا يخفى ، وبذلك يظهر لك ان حكم تغسيل المرأة زوجها غير حكم العكس وان كان الأصحاب قد أطلقوا القول فيهما وجعلوا الحكم واحدا ، لظهور مخالفة حكم الزوج للزوجة من الاخبار كما شرحناه وأوضحناه. واما ما ذهب اليه الشيخ في كتابي الاخبار ـ من ان جواز تغسيل كل من الزوجين الآخر مخصوص بحال الاضطرار دون الاختيار ـ فلا اعرف له مستندا ظاهرا والاخبار المتقدمة ـ كما عرفت ـ صريحة في رده ويظهر منه انه استند في ذلك الى روايات وقع التقييد بذلك فيها في كلام السائل مثل صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة صدر الروايات المتقدمة (٢) وصحيحة الحلبي الاولى (٣) ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة أيضا (٤) ورواية الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «في المرأة إذا ماتت وليس معها امرأة تغسلها؟ قال يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها الى المرافق». الى غير ذلك مما ورد كذلك ، واعتضد في ذلك برواية أبي حمزة عن الباقر (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا يغسل الرجل المرأة إلا ان لا توجد امرأة». وحمل في الاستبصار ما روى عن أمير المؤمنين من تغسيل فاطمة على اختصاص ذلك بهم (عليهم‌السلام) وفي الكل نظر ظاهر ، اما الروايات الأولى فإن التقييد فيها

__________________

(١ و ٤) ص ٣٨٤.

(٢ و ٣) ص ٣٨٣.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب غسل الميت.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب غسل الميت.

٣٨٧

انما وقع في كلام السائل وهو لا يوجب تقييدا في تلك الأخبار الكثيرة مما ذكرناه وما لم نذكره ، فإن السؤال إذا وقع عن بعض الافراد لا يجب تخصيص الحكم بذلك في غيره كما هو ظاهر. واما رواية أبي حمزة فأجاب عنها في المختلف ، قال بعد نقل الاستدلال عنه «والجواب المنع من صحة السند ثم لو سلم لكان محمولا على الاستحباب أو على الرجل الأجنبي ويكون الاستثناء إشارة الى ما روي انه يغسل من الأجنبية وجهها وكفيها» واما حديث تغسيل فاطمة فقد تقدم الكلام فيه. ولكن العمدة في الاستدلال انما هو ما قدمناه من الأخبار الصريحة الدالة. والله العالم.

تنبيهات

(الأول) ـ قال في المدارك : «قال بعض المحققين ولا يقدح انقضاء عدة الزوجة في جواز التغسيل بل يجوز وان تزوجت. وفيه نظر لصيرورتها والحال هذه أجنبية. قال في الذكرى : ولا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا بل لو نكحت جاز لها تغسيله وان كان الفرض بعيدا. وهو كذلك أخذا بالإطلاق» انتهى. أقول : لا يخفى ان ما ذكره في الذكرى هو عين ما نقله عن بعض المحققين فلا معنى لتنظره في الأول واختياره ما في الذكرى ، إلا ان يحمل ما نقله عن بعض المحققين على عدة الطلاق وكلام الذكرى على عدة الوفاة حيث ان ظاهر كلامهم الفرق بين العدتين. ثم ان ما ذكره في الذكرى من الحكم المذكور قد صرح به الشهيد الثاني في الروض ايضا ، وظاهر كلامهم ـ حيث صرحوا في المطلقة بائنا بأنها ليست زوجة فلا يجوز لها تغسيله وصرحوا هنا بجواز تغسيلها له بعد انقضاء عدة الوفاة ـ الفرق بين العدتين وانها في هذه الصورة بعد العدة بل بعد التزويج يصدق عليها انها زوجة فيجوز لها تغسيله ، كما يشير اليه قوله في المدارك : «أخذا بالإطلاق» بخلاف المطلقة بائنا فإنها قد بانت منه حال الحياة. وعندي فيه نظر (أما أولا) فلمنع صدق الزوجة عليها في الحال المفروضة بل هي أجنبية ،

٣٨٨

ولا سيما بالنظر الى التعليل المذكور في صحيحتي الحلبي وزرارة (١) الدال على انها انما تغسله بعد الموت لأنها منه في عدة ، ومفهومه انه بعد انقضاء العدة لا تغسله و (اما ثانيا) فلما أشرنا إليه مرارا وذكره غير واحد من المحققين من ان الأحكام المودعة في الاخبار انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، وكأنهم بنوا في ذلك على ان الزوجية الثابتة في حال الحياة لكل منهما لا تنقطع بالموت وإلا لامتنع جواز تغسيل كل منهما للآخر بعد الموت والأخبار بخلافه ولم يعرض هنا شي‌ء يقتضي رفع هذا الحكم وان طال الزمان ، وهو وان كان كذلك لكن المتبادر من الأخبار المتقدمة انما هو ما ذكرناه من كون التغسيل بعد الموت ، ودخول هذا الفرض المذكور فيها بمجرد صدق الزوجة ممنوع ولا سيما بعد التزويج فإنها تكون أجنبية وصدق الزوجة في هذه الحال في غاية البعد. وكيف كان فالاحتياط أوضح سبيل سيما مع غموض الدليل وهو فيما ذكرناه كما لا يخفى. والله العالم.

(الثاني) ـ قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد ـ بعد ان اختار القول بجواز تغسيل كل من الزوجين الآخر من وراء الثياب كما صرح به جمع من الأصحاب ـ ما صورته : «ولم أقف في كلام على تعيين ما يعتبر في التغسيل من الثياب والظاهر ان المراد ما يشمل جميع البدن ، وحمل الثياب على المعهود يقتضي استثناء الوجه والكفين والقدمين فيجوز ان تكون مكشوفة» انتهى. أقول : لا يخفى ان اخبار المسألة ما بين مقيد بالقميص وما بين مطلق بالثياب وقضية الجمع حمل مطلقها على مقيدها ، ففي صحيحة الحلبي الاولى من الأخبار المتقدمة (٢) : «وفي المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها». وفي روايته المذكورة أخيرا (٣) قال : «يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها الى المرافق». وفي صحيحة أبي الصباح المتقدمة (٤) «وان كان زوجها معها غسلها من فوق

__________________

(١) ص ٣٨٤.

(٢ و ٤) ٣٨٣.

(٣) ص ٣٨٧.

٣٨٩

الدرع». وفي موثقة عمار (١) «... غير انه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع.». ومثل ذلك في رواية داود بن سرحان المتقدمة (٢) والدرع : القميص. وفي موثقة سماعة المتقدمة (٣) «يدخل زوجها يده تحت قميصها الى المرافق فيغسلها». وفي رواية زيد الشحام (٤) «... وان كان له فيهن امرأة فيغسل في قميص من غير ان تنظر الى عورته». بل قد ورد في جملة من الاخبار الصحيحة اعتبار التغسيل في القميص مطلقا كما في صحيحة يعقوب بن يقطين (٥) «ولا يغسل إلا في قميص». ومثلها صحيحة ابن مسكان (٦) وحسنة سليمان بن خالد (٧) واما ما ورد بلفظ الثوب فمنه ـ صحيحة محمد بن مسلم (٨) قال : «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال : نعم من وراء الثوب». ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة (٩) وصحيحة الحلبي الثانية (١٠) من صحيحتيه المتقدمتين. والواجب في مقام الجمع حمل ما تضمن الثوب على القميص حمل المطلق على المقيد ، وبذلك يظهر انه لا وجه لما استظهره من ان المراد ما يشمل جميع البدن ، وعلى هذا فينبغي استثناء الوجه والكفين والقدمين فيجوز ان تكون مكشوفة ، والأخبار المذكورة وان كانت عارية عن ذكر الرأس وربما أوهم ذلك جواز كونه مكشوفا أيضا إلا ان الظاهر الحاقه بالبدن وان ذكر القميص فيها انما خرج مخرج الأغلب باعتبار معظم البدن لا على جهة التخصيص ، ويدل على ذلك قوله في صحيحة الحلبي الثانية (١١) قال : «نعم من وراء الثوب لا ينظر الى شعرها.».

(الثالث) ـ هل يطهر الثوب بصب الماء من غير عصر قال في الروض : «مقتضى المذهب عدمه» وهو منقول عن المحقق في المعتبر صرح به في تغسيل الميت في قميصه

__________________

(١ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب غسل الميت.

(٢ و ٣) ص ٣٨٥ و ٣٨٤.

(٥ و ٦ و ٧) المروية في الوسائل في الباب ٢ من أبواب غسل الميت.

(٨) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب غسل الميت.

(٩ و ١٠ و ١١) ص ٣٨٤.

٣٩٠

من مماثله ، ومنع الشهيد في الذكرى من عدم طهارته بالصب لإطلاق الرواية قال : «وجاز ان يجري مجرى ما لا يمكن عصره» أقول : والظاهر هو ما اختاره في الذكرى (أما أولا) ـ فلان ظواهر الأخبار هو انه بعد التغسيل في قميصه ينقل إلى الأكفان ولو توقف طهارة القميص على العصر كما يدعونه للزم نجاسة الميت بها بعد تمام الغسل وقبل نزعها ووجب تطهيره زيادة على الغسل الموظف وظواهر النصوص المذكورة ترده وما ذاك إلا من حيث طهرها بمجرد الصب في الغسلة الثالثة. و (اما ثانيا) ـ فلان ما ادعوه من وجوب العصر في الثوب وانه لا يطهر بعد اجراء الماء إلا بعد العصر وان اشتهر بينهم كما يشير اليه قوله في الروض «مقتضى المذهب» إلا انه محل بحث كما سيأتي ان شاء الله تعالى التنبيه عليه في بحث النجاسات وان أدلتهم في المسألة قاصرة عن إفادة المدعى.

(الرابع) ـ الظاهر ـ كما ذكره جملة من الأصحاب ـ انه لا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ولا بين الدائم والمنقطع ، والمطلقة رجعية في العدة زوجة بخلاف البائن ، كل ذلك لإطلاق النصوص ، والمشهور انه يجوز للسيد تغسيل أمته الغير المزوجة والمعتدة ومدبرته وأم ولده ، والظاهر ان المستند فيه استصحاب الحكم فيه من حال الحياة وعدم ما يوجب زواله وانهن في حكم الزوجة ، ولم أقف فيه على نص ، وفي جواز تغسيلها له أقوال : (أحدها) ـ الجواز مطلقا لاستصحاب حكم الملك ولأنها في معنى الزوجة في إباحة اللمس والنظر فتباح وهو اختيار العلامة. و (ثانيها) ـ المنع لانتقالها إلى الورثة و (ثالثها) ـ تخصيص الجواز بأم الولد وهو اختيار جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر ، واستدل عليه بخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) اوصى ان تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته». قال في المعتبر : ولا يمنع العتق من ذلك لان جواز الاطلاع في زمن الحياة قد يستصحب بعد الوفاة كما في الزوجة تغسل وان انقطعت العصمة. أقول : لا يخفى ان الرواية

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب غسل الميت.

٣٩١

المذكورة لا تخلو من الاشكال لما تحقق عندنا من ان الامام لا يغسله إلا إمام مثله فلا بد من تأويل الخبر المذكور اما بحمله على ان الوصية بذلك للتقية ودفع الضرر عن الامام الباقر (عليه‌السلام) كما ذكره بعض مشايخنا أو بحملها على المعاونة كما يدل عليه ما في الفقه الرضوي حيث قال (١) : «ونروى ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) لما مات قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لقد كنت أكره ان انظر الى عورتك في حياتك فما انا بالذي انظر إليها بعد موتك ، فادخل يده وغسل جسده ثم دعا أم ولد له فأدخلت يدها فغسلت مرافقه وكذلك فعلت أنا بابي». واما قوله : «ولا يمنع العتق من ذلك. إلخ» فضعفه أظهر من ان يذكر لضعف الاستصحاب عندنا والإلحاق بالزوجة قياس لا يوافق أصول مذهبنا ، وصاحب المدارك هنا انما رد القول بضعف سند الرواية وغفل عما في متنها من الاشكال. وربما علل جواز تغسيل أم الولد لسيدها ايضا ببقاء علاقة الملك من وجوب الكفن والمؤنة والعدة. وفيه نظر فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات لا يخلو من مجازفة ، ومثل ذلك ما علل به الجواز مطلقا كما هو المنقول عن العلامة. وبالجملة فإن أم الولد قد انعتقت بعد الموت وصارت حرة أجنبية وغيرها قد انتقلت الى الوارث وصارت أيضا أجنبية فالقول بجواز تغسيلهن له يحتاج الى نص واضح. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط المماثلة في الذكورة والأنوثة بين الغاسل والمغسول مع الاختيار لتحريم النظر ، وقد استثني من ذلك ما تقدم من مسألة الزوجين وما يتبعها من الإماء ، ومما استثنى ايضا من القاعدة المذكورة وجود المحرمية ، والمراد بها ـ على ما ذكره جملة من الأصحاب هنا وفي كتاب النكاح ـ من يحرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، واحترزوا بقيد التأبيد عن أخت الزوجة وبنت غير المدخول بها فإنهما ليستا من المحارم لعدم التحريم المؤبد بل هما بحكم الأجانب ،

__________________

(١) ص ٢١.

٣٩٢

وتوقف حل نكاحهما على مفارقة الأخت والام لا يقتضي حل النظر ودخولهما في اسم المحارم وإلا لزم كون نساء العالم محارم للمتزوج أربعا لتوقف نكاح واحدة منهن على فراق واحدة. كذا افاده شيخنا الشهيد الثاني في الروض. واستدرك عليه في الحبل المتين في قوله : «ان توقف حل نكاحهما على مفارقة الأخت والام لو اقتضى دخولهما في المحارم للزم كون نساء العالم محارم للمتزوج أربعا» بأن فيه مناقشة لطيفة لعدم تحريم النكاح المنقطع على ذي الأربع ، ولو قال للزم ان تكون ذوات الأزواج محارم للأجانب لكان اولى. انتهى. أقول : يمكن ان يقال ان المسألة في تحريم ما زاد على الأربع مطلقا خلافية فلعل شيخنا المشار اليه ممن يذهب الى التحريم مطلقا دائما كان أو منقطعا بل نقل عنه بعض الأصحاب انه صرح بذلك في بعض المواضع ، فلعل كلامه هنا مبني عليه فلا ترد عليه هذه المناقشة. واما ما ذكره من العبارة ففيه ان الكلام في ان توقف حل النكاح على المفارقة لو اقتضى المحرمية للزم كون نساء العالم محارم إذ حل النكاح فيهن موقوف على مفارقة إحدى زوجاته الأربع ، وظاهر ان ذوات الأزواج الأجانب ليس ممن يحل نكاحهن بعد المفارقة.

وكيف كان فالظاهر انه لا خلاف في أصل الحكم المذكور اعني جواز التغسيل مع المحرمية ، والمعروف من كلامهم انه من وراء الثياب بل ذكر شيخنا البهائي بأنهم قطعوا بكونه من وراء الثياب إلا انه سيأتي عن صاحب المدارك ما يؤذن بخلافه في ذلك وانما اختلفوا في انه هل يشترط في ذلك فقد المماثل أو يجوز وان وجد؟ قولان ، والمشهور الأول والى الثاني ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة روايات : منها ـ موثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري وقد تقدمت في سابق هذه المسألة (١) وهي متضمنة لكون الغسل من فوق الثياب ، وظاهره في الذكرى ذلك مع عدم وجود المماثل ، وصحيحة (٢)

__________________

(١) ص ٣٨٤.

(٢) ص ٣٨٣.

٣٩٣

الحلبي المتقدمة وهي الاولى من صحيحتيه ، وهي مطلقة بالنسبة إلى الثياب وظاهرة في عدم وجود المماثل ، ومنها ـ موثقة عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى ومعه عمته وخالته مسلمتان كيف يصنع في غسله؟ قال تغسله عمته وخالته في قميصه ولا يقربه النصارى. وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ومعها نساء نصارى وعمها وخالها مسلمان؟ قال يغسلانها ولا تقربها النصرانية كما كانت المسلمة تغسلها غير انه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع.». وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في عدم وجود المماثل وكون ذلك من فوق الثياب. ومنها ـ موثقة سماعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل مات وليس عنده إلا نساء؟ قال : تغسله امرأة ذات محرم منه وتصب النساء عليه الماء ولا تخلع ثوبه ، وان كانت امرأة ماتت مع رجال وليس معها امرأة ولا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها ، وان كان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثيابها». وهي ـ كما ترى ـ كسابقتها ظاهرة في عدم المماثل وكون ذلك من فوق الثياب. ومنها ـ حسنة عبد الله بن سنان (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته فان لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به وتلف على يديها خرقة». وهذه الرواية ظاهرة في عدم وجود المماثل ومطلقة بالنسبة إلى الثياب. ومنها ـ رواية زيد الشحام (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها؟ قال ان لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها ، وان كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير ان ينظر الى عورتها. قال وسألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل؟ فقال ان لم يكن له فيهن امرأة فليدفن بثيابه ولا يغسل ، وان كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير ان تنظر الى عورته». وهي ظاهرة في عدم وجود المماثل وصدرها مطلق بالنسبة إلى الثياب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب غسل الميت.

٣٩٤

وعجزها ظاهر في اشتراط الثياب. ومنها ـ رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (١) في حديث قال : «إذا مات الرجل في السفر ، الى ان قال : وإذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصبن عليه الماء صبا ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه». ومنها ـ صحيحة منصور المتقدمة (٢) وهي دالة على جواز تغسيل المرأة مجردة ومطلقة في عدم المماثل.

وأنت خبير بان هذه الروايات المذكورة ما عدا صحيحة منصور المشار إليها ورواية عمرو بن خالد ما بين مطلق في وجود المماثل وعدمه وبين مقيد بعدم وجود المماثل ومطلق بالنسبة إلى الثياب وعدمها أو مقيد بكونه من وراء الثياب ، وقضية الجمع المتكررة في كلامهم حمل مطلقها في كل من الأمرين على مقيدها. وبه يظهر قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور نعم يبقى الكلام في صحيحة منصور ولم أجد بها قائلا سوى ما يظهر من صاحب المدارك حيث قال بعد نقل القولين المتقدمين : «والأظهر الجواز مطلقا تمسكا بمقتضى الأصل وصحيحة منصور» ثم ساق الرواية المذكورة. وأنت خبير بان هذه الرواية وان صح سندها ولأجله عمل بها في المدارك حيث انه يدور مدار الأسانيد المتصلة في العمل بهذا الاصطلاح إلا انها ـ كما عرفت في المسألة السابقة ـ معارضة بأخبار تغسيل الرجل امرأته ، فإن جملة منها قد اشتملت على كون ذلك من وراء الثياب وبه قيد مطلقها وجملة أخبار هذه المسألة على تعددها ومنها الصحيح والحسن والموثق وهي مجتمعة ـ بناء على حمل مطلقها على مقيدها ـ على كون ذلك من وراء الثياب بشرط عدم وجود المماثل والقول بمضمون هذه الرواية مناف لجملة روايات المسألتين ، وترجيحها على جملة هذه الروايات بعيد غاية البعد ، فالأظهر هو القول المشهور سيما مع أوفقيته بالاحتياط في الدين ورد هذه الرواية إلى قائلها.

(المسألة الرابعة) ـ مما استثني من القاعدة المتقدمة أيضا عند جمهور الأصحاب

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب غسل الميت.

(٢) ص ٣٨٣.

٣٩٥

تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة والمرأة ابن ثلاث سنين مجردا إلا ان الشيخ في النهاية قيد ذلك بعدم وجود المماثل ، وقال في المبسوط : «الصبي إذا مات وله ثلاث سنين فصاعدا فحكمه حكم الرجال سواء وان كان دونه جاز للاجنبيات غسله مجردا من ثيابه وان كانت صبية لها ثلاث سنين فصاعدا فحكمها حكم النساء البالغات وان كانت دون ثلاث جاز للرجال تغسيلها عند عدم النساء» وقال المفيد : «إذا كان الصبي ابن خمس سنين غسله بعض النساء الأجنبيات مجردا من ثيابه وان كان ابن أكثر من خمس سنين غسلنه من فوق ثيابه وصببن عليه الماء صبا ولم يكشفن له عورة ودفنه بثيابه بعد تحنيطه ، وان ماتت صبية بين رجال ليس لها فيهم محرم وكانت بنت أقل من ثلاث سنين جردوها من ثيابها وغسلوها وان كانت أكثر من ثلاث سنين غسلوها في ثيابها وصبوا عليها الماء صبا وحنطوها بعد الغسل ودفنوها في ثيابها» وبه قال سلار ، وجوز الصدوق تغسيل بنت أقل من خمس سنين مجردة ، ومنع المحقق في المعتبر من تغسيل الرجل الصبية مطلقا وجوز للمرأة تغسيل ابن الثلاث اختيارا واضطرارا نظرا الى ان الشارع اذن في اطلاع النساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية بخلاف الصبية والأصل حرمة النظر.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة منه ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عن ابي النمير مولى الحارث بن المغيرة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ قال الى ثلاث سنين». وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن الصبي تغسله امرأة؟ فقال انما تغسل الصبيان النساء ، وعن الصبية ولا تصاب امرأة تغسلها؟ قال يغسلها رجل اولى الناس بها». وما رواه في التهذيب عن محمد بن احمد مرسلا (٣) قال : «روى في الجارية تموت مع الرجل فقال إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل». وحكم المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى بان هذا الحديث مضطرب الاسناد والمتن. أقول : نقل

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب غسل الميت.

٣٩٦

عن ابن طاوس انه قال «لفظ أقل هنا وهم» وهو جيد ، ويؤيده ما ذكره في الذكرى قال : «وفي جامع محمد بن الحسن إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست سنين دفنت ولم تغسل وان كانت ابنة أقل من خمس سنين غسلت ، قال وأسند الصدوق في كتاب المدينة ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام)» ونقل الصدوق في الفقيه عن الجامع كما في الذكرى قال وذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق (عليه‌السلام).

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر انه لا إشكال في تغسيل النساء ابن ثلاث سنين لاتفاق خبري أبي النمير وعمار عليه بحمل إطلاق خبر عمار على مقيد خبر ابي النمير مضافا الى اتفاق الأصحاب كما عرفت من نقل الأقوال المتقدمة ، واما تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين أو أزيد فالمعتمد فيه على الرواية المشار إليها في الجامع وان كانت مرسلة وكذا في كتاب مدينة العلم كما صرح به في الذكرى ، ويعضدها ايضا ان الظاهر ان جواز الغسل تابع لحل النظر واللمس ولا ريب في جوازهما الى الصغير والصغيرة في حال الحياة فيكون كذلك في حال الموت بعين ما تقدم من كلامهم في الزوجين ، وبذلك يظهر ما في دعوى صاحب المعتبر من استناده في تحريم تغسيل الرجل الصبية مطلقا الى ان الأصل حرمة النظر فان هذا الأصل ممنوع لعدم الخلاف نصا وفتوى في جواز النظر في حال الحياة وتحريمه هنا يحتاج الى دليل وإلا فالأصل بقاء الجواز ، وبالجملة فالظاهر هو القول بما دلت عليه الأخبار المذكورة بعد تقييد مطلقها بمقيدها.

واعلم ان المتبادر من تحديد السن هنا وفي الصلاة انما هو بالنسبة إلى الموت بان يموت على نهاية الثلاث مثلا فلا اعتبار بما بعده وان طال ، فيمكن على هذا حصول الموت على نهاية الثالثة ووقوع الغسل بعد ذلك ، فلا يشترط في صحة الحكم وقوع الغسل قبل تمام الثالثة ، وبه يندفع ما ذكره المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) من ان ثلاث سنين إذا كان نهاية الجواز فلا بد من كون الغسل واقعا قبل تمامها فإطلاق ابن ثلاث سنين يحتاج

٣٩٧

الى التنقيح ، ثم قال : الا ان يصدق على من شرع في الثالثة انه ابن ثلاث سنين انتهى فإنه مبني على ان نهاية تحديد السن بذلك الغسل وليس كذلك بل الموت كما ذكرنا.

(المسألة الخامسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل ادعى عليه في المعتبر ـ الإجماع انه لا يغسل الرجل من ليس له بمحرم ولا المرأة من ليس لها بمحرم عدا ما تقدم في مسألة الصبي والصبية ، وعن الشيخ انه صرح في النهاية والمبسوط والخلاف بسقوط التيمم والحال هذه ، وبه قطع في المعتبر ، قال : «لان المانع من الغسل مانع من التيمم وان كان الاطلاع مع التيمم أقل لكن النظر محرم قليله وكثيره» وعن المفيد (عطر الله مرقده) وجوب التغسيل من وراء الثياب وكذا عن ابن زهرة وابي الصلاح إلا أنهما أوجبا تغميض العينين.

والاخبار في هذه المسألة في غاية الاختلاف إلا ان أكثرها وأصحها يدل على القول المشهور :

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء قال : تدفن كما هي بثيابها. وعن الرجل يموت وليس معه إلا النساء ليس معهن رجال؟ قال : يدفن كما هو بثيابه».

وعن عبد الله بن ابي يعفور في الصحيح (٢) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهن رجل كيف يصنعن به؟ قال يلففنه لفا في ثيابه ويدفنه ولا يغسلنه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (٣) قال : «سألته عن امرأة ماتت مع رجال؟ قال تلف وتدفن ولا تغسل».

ومنها ـ صحيحة أبي الصباح الكناني ورواية داود بن سرحان وقد تقدمتا

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب غسل الميت.

٣٩٨

في المسألة الثانية (١) ، ومنها ـ موثقة سماعة ورواية زيد الشحام وقد تقدمتا في المسألة الثالثة (٢).

وهذه الروايات كلها ظاهرة المقالة متعاضدة الدلالة في عدم الغسل والأمر بالدفن بثيابه.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) «في رجل مات ومعه نسوة وليس معهن رجل؟ قال : يصببن الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الستر ويصلين عليه صفا ويدخلنه قبره. والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة؟ قال : يصبون الماء من خلف الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلون ويدفنون». وعن ابي بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم؟ فقال : يغسل منها موضع الوضوء ويصلى عليها وتدفن».

وعن جابر عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم؟ قال يغسل كفيها».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٦) قال : «اتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نفر فقالوا ان امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم؟ فقال كيف صنعتم بها؟ فقالوا صببنا الماء عليها صبا. فقال اما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا لا فقال أفلا يممتموها؟».

وعن المفضل بن عمر (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله تعالى عليه التيمم ولا تمس ولا

__________________

(١) ص ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٢) ص ٣٩٤.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب غسل الميت.

٣٩٩

يكشف شي‌ء من محاسنها التي أمر الله تعالى بسترها. فقلت فكيف يصنع بها؟ قال يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها».

وعن داود بن فرقد (١) قال : «مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها؟ فقال اذن يدخل ذلك عليهم ولكن يغسلون كفيها».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم من نسائه؟ قال يؤزرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صبا ولا ينظرن الى عورته ولا يلمسنه بأيديهن. الحديث». وقد تقدم تمامه في سابق هذه المسألة (٣).

وعن أبي حمزة عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يغسل الرجل المرأة إلا ان لا توجد امرأة».

وعن عبد الله بن سنان (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب ويستحب ان يلف على يديه خرقة».

وعن ابي سعيد (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا ماتت المرأة مع قوم ليس لها فيهم ذو محرم يصبون عليها الماء صبا ، ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة يصببن الماء عليه صبا فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : بل يحل لهن ان يمسسن منه ما كان يحل لهن ان ينظرن منه اليه وهو حي فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر اليه ولا مسه وهو حي صببن الماء عليه صبا».

أقول : هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، والشيخ وجملة ممن تبعه قد حملوا

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب غسل الميت.

(٣) ص ٣٩٥.

٤٠٠