الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ونحن نلقن موتانا محمد رسول الله».

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. قال : وقال أبو جعفر (عليه‌السلام): لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته ، فقيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) بما ذا كان ينفعه؟ قال يلقنه ما أنتم عليه».

وعن ابي بصير عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «كنا عنده وعنده حمران إذ دخل عليه مولى له فقال له : جعلت فداك هذا عكرمة في الموت ، وكان يرى رأي الخوارج وكان منقطعا الى ابي جعفر (عليه‌السلام) فقال لنا أبو جعفر انظروني حتى أرجع إليكم فقلنا نعم ، فما لبث ان رجع فقال اما إني لو أدركت عكرمة قبل ان تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ولكني أدركته وقد وقعت النفس موقعها. قلت : جعلت فداك وما ذاك الكلام؟ قال : هو والله ما أنتم عليه فلقنوا موتاكم عند الموت : شهادة ان لا إله إلا الله والولاية».

وعن ابي خديجة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله حتى يموتوا».

قال في الكافي وفي رواية أخرى (٤) قال : «فلقنه كلمات الفرج والشهادتين

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار.

(٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٧ من أبواب الاحتضار.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب الاحتضار.

٣٦١

وتسمى له الإقرار بالأئمة (عليهم‌السلام) واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام».

وعن ابي بكر الحضرمي (١) قال : «مرض رجل من أهل بيتي فأتيته عائدا له فقلت له يا ابن أخي ان لك عندي نصيحة أتقبلها؟ فقال نعم. فقلت له قل اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فشهد بذلك ، فقلت له قل وان محمدا رسول الله ، فشهد بذلك ، فقلت ان هذا لا تنتفع به إلا ان يكون منك على يقين ، فذكر انه منه على يقين فقلت له قل اشهد ان عليا وصيه وهو الخليفة من بعده والامام المفترض الطاعة من بعده فشهد بذلك ، فقلت له انك لا تنتفع به حتى يكون منك على يقين ، فذكر انه منه على يقين ، ثم سميت له الأئمة (عليهم‌السلام) واحدا بعد واحد فأقر بذلك وذكر انه على يقين ، فلم يلبث الرجل ان توفي فجزع عليه اهله جزعا شديدا. قال فغبت عنهم ثم أتيتهم بعد ذلك فرأيت عزاء حسنا فقلت كيف تجدونكم كيف عزاؤك أيتها المرأة؟ قالت والله لقد أصبنا بمصيبة عظيمة بوفاة فلان (رحمه‌الله) وكان مما سخا بنفسي لرؤيا رأيتها الليلة فقلت وما تلك الرؤيا؟ قالت : رأيت فلانا ـ تعني الميت ـ حيا سليما فقلت فلان قال : نعم فقلت أما كنت ميتا؟ فقال بلى ولكن نجوت بكلمات لقننيها أبو بكر ولو لا ذلك لكدت أهلك». وعن ابي بكر الحضرمي (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لو ان عابد وثن وصف ما يصفونه عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا أبدا».

وعن القداح عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال له : قل لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. فإذا قالها المريض قال اذهب فليس عليك بأس».

__________________

(١) رواه في التهذيب ج ١ ص ٨١ والكافي ج ١ ص ٣٤.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٧ من أبواب الاحتضار.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار.

٣٦٢

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي فقال له : رسول الله قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. فقالها فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحمد لله الذي استنقذه من النار».

ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال له : قل لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. فقالها. الى أخر ما تقدم في رواية الكافي». ثم قال الصدوق : «وهذه هي كلمات الفرج».

وعن أبي سلمة عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «حضر رجلا الموت فقيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان فلانا قد حضره الموت فنهض رسول الله ومعه أناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه قال فقال يا ملك الموت كف عن الرجل حتى اسأله ، فأفاق الرجل فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما رأيت؟ قال رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا. قال فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال السواد. فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قل : اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل مني اليسير من طاعتك ، فقاله ثم أغمي عليه ، فقال يا ملك الموت خفف عنه حتى اسأله ، فأفاق الرجل فقال ما رأيت؟ قال رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا. قال : فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال البياض ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) غفر الله لصاحبكم. قال فقال أبو عبد الله : إذا

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب الاحتضار.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب الاحتضار.

٣٦٣

حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام ليقوله».

أقول : ويستفاد من مجموع هذه الاخبار فوائد (الاولى) ـ ان من جملة ما يستحب عند الاحتضار زيادة على ما قدمناه تلقين هذا الدعاء المذكور في الخبر الأخير والظاهر ان المراد بالبياض والسواد في الخبر المشار إليه هي الأعمال الصالحة والأعمال السيئة ، وان قرب السواد اليه كناية عن إرادة مؤاخذته بتلك الأعمال السيئة وحيلولتها بينه وبين ذلك البياض الذي هو كناية عن الأعمال الصالحة ومن يقول ذلك الدعاء غفر له وقرب منه البياض الذي هو اعماله الصالحة وتباعد عنه ذلك السواد. وفي خبر آخر رواه في الكافي (١) أيضا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) زيادة على هذا الدعاء ونقصان منه ، وصورته : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال له : قل لا إله إلا الله فقال لا إله إلا الله. فقال قل : يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير انك أنت العفو الغفور فقالها فقال له : ما ذا ترى؟ فقال : أرى أسودين قد دخلا علي فقال أعدها فأعادها فقال ما ترى؟ قال قد تباعدا عني ودخل أبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ودنا الأبيضان مني الآن يأخذان بنفسي فمات من ساعته». والتقريب فيه قريب مما تقدم ، فان جميع ما يراه في تلك النشأة من حسن وقبيح فإنه من ثمرة أعماله الحسنة والقبيحة وربما كان متجسما من كل منهما.

(الثانية) ـ اختلفت الأخبار في كلمات الفرج زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا ومنها هنا صحيحة زرارة المتقدمة (٢) ورواية القداح ومرسلة الفقيه (٣) ولا يخفى ما بينها من الاختلاف ، ومنها أيضا رواية أبي بصير الواردة في قنوت يوم الجمعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة تقول في القنوت : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب الاحتضار عن الفقيه.

(٢) ص ٣٦١.

(٣) ص ٣٦٢ و ٣٦٣.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٧ من أبواب القنوت.

٣٦٤

ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. الحديث». قال في المدارك : «وذكر المفيد وجمع من الأصحاب انه يقول قبل التحميد : «وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لانه بلفظ القرآن ، ولا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه عنها ليس بجيد» انتهى. أقول : فيه ان ما رواه في الفقيه مرسلا (١) عن الصادق (عليه‌السلام) مع قوله بعد ذكر الرواية : «وهذه هي كلمات الفرج». ظاهر في دخول «وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» كما هو المنقول عن المفيد ومن تبعه ، ومثله ايضا ما ذكره في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) في هذا المقام (٢) : «ويستحب تلقين كلمات الفرج وهي لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين». واما جواب المحقق كما نقله فهو ايضا ناشى‌ء عن عدم الوقوف على الرواية. لكن العجب هنا من صاحبي الوافي والوسائل انهما في نقلهما حديث الفقيه لم يذكرا فيه هذه الزيادة ، ولعل ما عندهما من نسخ الكتاب كان عاريا عن ذلك إلا انها موجودة فيما عندنا من نسخ الكتاب ، وعلى ذلك ايضا نبه الشيخ محمد ابن الشيخ حسن في شرحه على الكتاب. وهو يدل على وجودها في كتابه حتى انه رجح ثبوتها بعد ان نقل صحيحة زرارة خالية منها فقال : «ولعل الصدوق أثبت في النقل وأبعد من السهو» والى ذلك ايضا يشير كلام المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الكتاب. وكيف كان فلا يخفى ان الأخبار المذكورة مختلفة في تأدية هذه الكلمات التي هي كلمات الفرج ولا وجه للجمع بينها الا العمل بكل منها ويرجع الى التخيير في ذلك.

(الثالثة) ـ ان ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم وحفص بن البختري (٣) من قولهما (عليهما‌السلام): «انكم تلقنون موتاكم. إلخ». لا يخلو من اشكال وتعدد وجوه الاحتمال

__________________

(١) ص ٣٦٣.

(٢) ص ١٧.

(٣) ص ٣٦٠.

٣٦٥

قيل : ولعل خطابهما (عليهما‌السلام) مع أهل مكة ونحوهم الذين يكتفون بتلقين كلمة التوحيد ، وفي الوافي بعد نقل الخبر المذكور : «وذلك لأنهم مستغنون عن تلقين التوحيد لانه خمر بطينتهم لا ينفكون عنه» انتهى أقول : فيه ان ظاهر كلامه تخصيص ذلك بالأئمة بمعنى ان المراد بموتانا يعني من الأئمة وهو بعيد غاية البعد فإنهم (عليهم‌السلام) حال موتهم لا يحتاجون الى تلقين كلمة التوحيد ولا غيرها ، ولهذا لم يرد في شي‌ء من اخبار موت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) تعرض لتلقينهم ، وخطاب الأمر بالتلقين انما توجه لغيرهم بان يلقن بأسمائهم مضافا الى كلمتي الشهادة ، وأيضا فإن الأمر بالتلقين انما هو لدفع وساوس الشياطين الذين يعرضون لابن آدم عند الموت كما تقدم في الاخبار والشياطين لا تسلط لهم عليهم ، وايضا كما ان طينتهم معجونة بالتوحيد فهي بالرسالة أشد لأنهم من مواليد عنصرها وأغصان شجرها. وان أراد ما عداهم من بني هاشم ففيه ان ظاهر خبري القداح والحلبي (١) الدالين على تلقين رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) لمن حضراه من بني هاشم كلمات الفرج يرد ما ذكره. وبالجملة فإن كلامه عندي غير موجه وان تبعه فيه غيره ايضا. والأظهر عندي في معنى الخبر المذكور ان معنى قوله : «تلقنون موتاكم كلمة التوحيد» يعني خاصة من غير إردافها بكلمة الرسالة ، وكأنه إشارة الى ما يقوله العامة يومئذ من الاقتصار على تلك الكلمة ، ومراده ان ذلك هو المعمول في بلادكم واما نحن يعني معشر الأئمة (عليهم‌السلام) فإنا نأمر شيعتنا وموالينا ونفعل بمن حضرناه منهم تلقين الرسالة زيادة على كلمة التوحيد لا ان المراد تلقين الرسالة خاصة ، ويحتمل ان يكون خطابهما (عليهما‌السلام) انما هو لبعض المخالفين لا الراويين المتقدمين وان نقلا ذلك مجملا ، وأمثال ذلك غير عزيز في الاخبار.

(الرابعة) ـ ظاهر الاخبار المذكورة متابعة المريض للملقن فيما يقول وهو

__________________

(١) ص ٣٦٢ و ٣٦٣.

٣٦٦

الغرض المترتب على التلقين. ولو كان المريض قد اعتقل لسانه عن النطق فالظاهر بقاء الاستحباب لانه وان لم يتيسر له النطق الا انه يفهم الكلام فيجريه على باله وينتفع به في دفع ما يصوره له الشيطان في تلك الحال من الموعودات الكاذبة والإضلال عن دين الإسلام.

(الخامسة) ـ يستفاد من بعض الاخبار المتقدمة استحباب تكرار ذلك عليه حتى يموت ، وهو الأحوط والاولى وان كان يكفي الإتيان بذلك مرة واحدة كما يدل عليه بعضها ايضا.

و (منها) ـ ان تغمض عيناه ويطبق فوه وتمد يداه الى جنبيه ، ذكر ذلك الأصحاب ، اما الأول والثاني فعلل بان لا يقبح منظره ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (١) قال : «ثقل ابن لجعفر وأبو جعفر جالس في ناحية فكان إذا دنا منه انسان قال لا تمسه فإنه إنما يزداد ضعفا وأضعف ما يكون في هذه الحال ومن مسه في هذه الحال أعان عليه ، فلما قضى الغلام أمر به فغمض وشد لحياه. الحديث». وعن ابي كهمس (٢) قال : «حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة». واما الثالث فعلل بأنه أطوع للغسل وأسهل للادراج في أكفانه ، قال في المعتبر : «ولا اعرف فيه نقلا عن أئمتنا (عليهم‌السلام)» ثم علله بما تقدم. ويستفاد من خبر ابي كهمس استحباب تغطيته بعد الموت بثوب ، وبه صرح بعض الأصحاب أيضا.

و (منها) ـ متى اشتد به النزع النقل الى مصلاه الذي كان يصلي عليه أو فيه لما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب الى مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه».

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٤ من أبواب الاحتضار.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار. وليس في الكافي والتهذيب (أو عليه).

٣٦٧

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (١) قال : «إذا اشتد النزع عليه فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه». وعن ذريح (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول قال علي بن الحسين (عليهما‌السلام) ان أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان مستقيما فنزع ثلاثة أيام فغسله اهله ثم حمل الى مصلاه فمات فيه». وعن ليث المرادي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان أبا سعيد الخدري قد رزقه الله تعالى هذا الرأي وانه اشتد نزعه فقال احملوني إلى مصلاي فحملوه فلم يلبث ان هلك». أقول : المراد بقوله «مستقيما» في سابق هذا الخبر هو ما أشير إليه في هذا الخبر من ان الله تعالى رزقه هذا الرأي وهو القول بإمامة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وانه لم يكن مع الصحابة الذين ارتدوا على أدبارهم ، ولعل المراد بتغسيله في الخبر المذكور هو تنظيفه وتطهيره من النجاسات. وفي الفقه الرضوي (٤) «وإذا اشتد عليه نزع روحه فحوله الى المصلى الذي كان يصلي فيه أو عليه وإياك ان تمسه ، وان وجدته يحرك يديه أو رجليه أو رأسه فلا تمنعه من ذلك كما يفعله جهال الناس». وروى الحسين بن بسطام واخوه عبد الله في كتاب طب الأئمة بسند معتبر عن حريز (٥) قال : «كنا عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال له رجل ان أخي منذ ثلاثة أيام في النزع وقد اشتد عليه الأمر فادع له. فقال : اللهم سهل عليه سكرات الموت ثم امره وقال حولوا فراشه الى مصلاه الذي كان يصلي فيه فإنه يخفف عليه ان كان في أجله تأخير ، وان كانت منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه ان شاء الله تعالى». وظاهر الخبرين الأولين (٦) مع عبارة الفقه التخيير بين المكان الذي يصلي فيه والمصلى الذي كان يصلي عليه ، وظاهر الأكثر التعبير بالمكان الذي يصلي فيه خاصة ، وعن ابن حمزة انه جمع بينهما ، وظاهر الأكثر أيضا استحباب ذلك مطلقا ، والاخبار مقيدة بما إذا اشتد عليه النزع.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب الاحتضار.

(٤) ص ١٧.

(٦) راجع التعليقة ٣ ص ٣٦٧.

٣٦٨

و (منها) ـ قراءة «الصافات» ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سليمان الجعفري (١) قال : «رأيت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) يقول لابنه القاسم قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك «وَالصَّافّاتِ صَفًّا» حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا» (٢) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا اقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» فصرت تأمرنا ب «الصافات» فقال يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله تعالى راحته». وذكر في الوسائل استحباب قراءة «يس والصافات» وأورد هذا الخبر ، وفي دلالته على ما ادعاه نظر فإن غاية ما يدل عليه اخبار الرجل بأنهم كانوا يقرأون سورة «يس» والامام (عليه‌السلام) لم يقرره على ذلك ، وانما ذكر التعليل المذكور لسورة «الصافات» وليس فيه انه (عليه‌السلام) كان يأمر بسورة «يس» حتى يكون حجة فيما ادعاه. وفي الفقه الرضوي (٣) «إذا حضر أحدكم الوفاة فاحضروا عنده القرآن وذكر الله تعالى والصلاة على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». وظاهره استحباب قراءة القرآن عنده قبل خروج الروح وبعده ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب ، قال في الذكرى : «ويستحب قراءة القرآن بعد خروج روحه كما يستحب قبله استدفاعا عنه».

و (منها) ـ كراهة مسه ، وقد تقدم في موثقة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) وفي عبارة الفقه الرضوي (٤) ما يدل على ذلك ايضا.

و (منها) ـ انه يستحب للميت ان يحسن ظنه بالله سبحانه ولا يقنط من رحمته ، روى الصدوق في العيون عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) قال : «سأل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن بعض أهل مجلسه فقيل عليل فقصده عائدا وجلس عند رأسه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤١ من أبواب الاحتضار.

(٢) سورة الصافات. الآية ١١.

(٣) ص ٢٠.

(٤) ص ٣٦٧ و ٣٦٨.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب الاحتضار.

٣٦٩

فوجده دنفا فقال له أحسن ظنك بالله. فقال اما ظني بالله فحسن. الحديث». وروى الشيخ في المجالس بسنده عن انس (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل فان حسن الظن بالله ثمن الجنة». وقال في كتاب عدة الداعي (٢) «روى عنهم : (عليهم‌السلام) انه ينبغي في حالة المرض خصوصا مرض الموت ان يزيد الرجاء على الخوف». قال شيخنا الشهيد في الذكرى : «ويستحب حسن الظن بالله في كل وقت وآكده عند الموت ، ويستحب لمن حضره امره بحسن الظن وطمعه في رحمة الله تعالى».

و (منها) ـ انه يكره حضور الجنب والحائض عنده ، لما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة (٣) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) المرأة تقعد عند رأس المريض في حد الموت وهي حائض؟ فقال لا بأس ان تمرضه فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه فإن الملائكة تتأذى بذلك». وعن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا تحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ولا بأس ان يليا غسله». والظاهر ان المراد بالتلقين حال الاحتضار فهو كناية عن الاحتضار ، ويحتمل العموم وروى في الخصال (٥) بسنده عن جابر الجعفي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «لا يجوز للمرأة الحائض والجنب الحضور عند تلقين الميت لأن الملائكة تتأذى بهما ولا يجوز لهما إدخال الميت قبره». أقول : ما دل عليه هذا الخبر من كراهية إدخال الجنب والحائض الميت قبره مما لم أقف عليه في كلام الأصحاب بل ظاهر كلامهم الجواز من غير كراهة ، ومثله أيضا في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٦) : «ولا تحضر الحائض ولا الجنب عند التلقين فإن الملائكة تتأذى بهذا ولا بأس بأن يليا غسله

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب الاحتضار.

(٢) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الاحتضار.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٣ من أبواب الاحتضار.

(٥) ج ٢ ص ١٤٣.

(٦) ص ١٧.

٣٧٠

ويصليا عليه ولا ينزلا قبره فان حضرا ولم يجدا من ذلك بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه». والحكم بكراهة حضورهما وقت الاحتضار مما لا خلاف فيه بين الأصحاب كما يفهم من كلام المعتبر ، والظاهر اختصاص الكراهة بحال الاحتضار الى ان يتحقق الموت ، وهل تزول الكراهة بانقطاع الدم قبل الغسل أو بالتيمم بدل الغسل؟ اشكال

و (منها) ـ ان لا يترك وحده ، لما رواه في الكافي عن ابي خديجة عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس من ميت يموت ويترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه». وروى الصدوق مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام): ولا تدعن ميتك وحده فان الشيطان يعبث في جوفه». وقال في كتاب العلل : «قال ابي في رسالته الي لا يترك الميت وحده فان الشيطان يعبث في جوفه» أقول : وهذه العبارة في الفقه الرضوي أيضا (٣) قال في البحار : «لا يبعد ان يكون المراد به حال الاحتضار فالمراد بعبث الشيطان وسوسته وإضلاله والأصحاب حملوه على ظاهره» أقول : لا بعد في حمله على ظاهره كما نقل عن بعض الأموات انه ترك وحده ليلا الى الصباح فوجدوه قد خسف بعض أعضائه.

و (منها) ـ ما ذكره الشيخان وجملة من الأصحاب من استحباب الإسراج عنده ان مات ليلا ، واستدل عليه الشيخ بما رواه الكليني عن عثمان بن عيسى عن عدة من أصحابنا (٤) قال : «لما قبض أبو جعفر (عليه‌السلام) أمر أبو عبد الله (عليه‌السلام) بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله ثم أمر أبو الحسن (عليه‌السلام) بمثل ذلك في بيت ابي عبد الله حتى اخرج به الى العراق ثم لا ادري ما كان». ورواه الصدوق مرسلا مثله (٥).

واعترضه المحقق الشيخ علي بان ما دل عليه الحديث غير المدعى ، ثم قال : «الا ان اشتهار الحكم بينهم كاف في ثبوته للتسامح في أدلة السنن» قال في المدارك بعد

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من أبواب الاحتضار.

(٣) ص ١٧.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٥ من أبواب الاحتضار.

٣٧١

نقله : «وقد يقال ان ما تضمنه الحديث يندرج فيه المدعى أو يقال ان استحباب ذلك يقتضي استحباب الإسراج عند الميت بطريق أولى فالدلالة واضحة ، لكن السند ضعيف جدا» انتهى.

أقول : أنت خبير بان كلا من الكلامين لا يخلو من نظر ، اما كلام المحقق المذكور وما ذكره بعد الطعن في دلالة الخبر من ان اشتهار الحكم كاف في ثبوته للتسامح في أدلة السنن فهو لا يخلو من المجازفة والخروج عن نهج السنن ، وذلك فان الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الواضح الشرعي وإلا كان قولا على الله سبحانه بغير علم كما دلت عليه الآيات القرآنية وعضدتها السنة النبوية ، وبلوغ التسامح الى هذا المقدار أمر خارج عن النهج الواضح المنار. واما كلام السيد المذكور ففيه ان ظاهر الخبر ان الإسراج الذي أمر به الصادق (عليه‌السلام) انما هو في البيت الذي كان يسكنه الباقر (عليه‌السلام) وليس فيه دلالة على انه الذي مات فيه فلعله مات في خارجه ، وبالجملة فإنه أعم من موضع الموت والعام لا دلالة له على الخاص ، والظاهر ان هذا هو الذي أراده المحقق المشار اليه ، وحينئذ فما ذكره في المدارك ـ من قوله : «ان ما تضمنه الحديث يندرج فيه المدعى» بناء على ان مراد المحقق المذكور انما هو دلالة النص على دوام الإسراج والمدعى الإسراج عند الميت بعد الموت ليلا ـ ليس محله فإنه لو كان الأمر كما توهمه لصح ما اعترض به عليه واتجه ما فرعه على ذلك من الأولوية وان الدلالة واضحة ولكن الأمر ليس كما توهمه كما عرفت ، وبذلك يظهر سقوط ما ذكره وصحة ما ذكره المحقق المشار اليه. ويمكن ان يكون ذكر من تقدم للإسراج عنده انما هو من حيث استحباب قراءة القرآن عنده بعد الموت كما يشير اليه بعض الأخبار. وبالجملة فالحكم المذكور لا اعرف له مستندا واضحا. والله العالم.

و (منها) ـ ما نقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) من انه يكره ان يجعل على بطنه حديد ، قال الشيخ في التهذيب : «سمعناه مذاكرة من الشيوخ» وفي الخلاف

٣٧٢

احتج عليه بالإجماع الفرقة. وذكر العلامة وجمع ممن تأخر عنه أيضا كراهية وضع شي‌ء على بطنه غير الحديد. وعن ابن الجنيد خلافه وهو ان يوضع على بطنه شي‌ء. ورده في الروض بأن الإجماع على خلافه.

(الموضع الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في استحباب تعجيل تجهيزه إلا مع الاشتباه.

فاما ما يدل على الحكم الأول مضافا الى الاتفاق فجملة من الأخبار : منها ـ ما رواه في الكافي عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يا معشر الناس لا ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم الى مضاجعهم يرحمكم الله تعالى. قال الناس وأنت يا رسول الله يرحمك الله». رواه الصدوق مرسلا (٢) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). مثله. وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلا في قبره». وما رواه الشيخ عن جابر (٤) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما ابدأ؟ فقال عجل بالميت الى قبره إلا ان تخاف فوت وقت الفريضة. ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها». وعن عيص عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) انه قال : «إذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله. الحديث». وروى الصدوق مرسلا (٦) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كرامة الميت تعجيله».

واما الحكم الثاني فإنه ينتظر به حتى يتحقق موته فان في دفنه قبل ذلك اعانة على قتله ، كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة (٧) قال : «أصاب بمكة سنة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الاحتضار.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار.

٣٧٣

من السنين صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير فدخلت على ابي إبراهيم (عليه‌السلام) فقال مبتدئا من غير ان أسأله : ينبغي للغريق والمصعوق ان يتربص به ثلاثة أيام لا يدفن إلا ان يجي‌ء منه ريح تدل على موته. قلت جعلت فداك كأنك تخبرني انه قد دفن ناس كثير احياء؟ فقال نعم يا علي قد دفن ناس كثير احياء ما ماتوا إلا في قبورهم». وقال العلامة في النهاية : «شاهدت واحدا في لسانه وقفة فسألته عن سببها فقال مرضت مرضا شديدا واشتبه الموت فغسلت ودفنت في أزج ، ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد ثلاثة أيام أو ليلتين اما زوجته أو امه أو أخته أو ابنته فتنوح عنده ساعة ثم تطبق عليه هكذا يومين أو ثلاثة ، ففتح علي فعطست فجاءت أمي بأصحابي وأخذوني من الأزج وذلك منذ سبعة عشرة سنة».

ومما يدل على وجوب التأخير حتى يتحقق الموت ما رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) «في المصعوق والغريق؟ قال ينتظر به ثلاثة أيام إلا ان يتغير قبل ذلك». وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الغريق أيغسل؟ قال نعم ويستبرأ. قلت وكيف يستبرأ؟ قال يترك ثلاثة أيام من قبل ان يدفن إلا ان يتغير قبل فيغسل ويدفن ، وكذلك ايضا صاحب الصاعقة فإنه ربما ظنوا انه مات ولم يمت». وعن عمار الساباطي في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «الغريق يحبس حتى يتغير ويعلم انه قد مات ثم يغسل ويكفن قال : وسئل عن المصعوق فقال إذا صعق حبس يومين ثم يغسل ويكفن». وعن إسماعيل ابن عبد الخالق ابن أخي شهاب بن عبد ربه قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) (٤) خمسة ينتظر بهم إلا ان يتغيروا : الغريق والصعيق والمبطون والمهدوم والمدخن» ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا وزاد «ثلاثة أيام» بعد قوله : «ينتظر بهم».

وظاهر هذه الاخبار جعل غاية التأخير ثلاثة أيام أو يومين إلا ان يتغير قبل

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٨ من أبواب الاحتضار.

٣٧٤

ذلك ، والأصحاب قد جعلوا نهاية التأخير حصول العلم بالموت بالأمارات التي ذكروها من انخساف صدغيه وميل انفه وامتداد جلدة وجهه وانخلاع كفه من ذراعه واسترخاء قدميه وتقلص أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة ، قيل : ومنه زوال النور عن بياض العين وسوادها وذهاب النفس وزوال النبض. ومن الظاهر حصول المنافاة بين ما ذكروه وما دلت عليه الأخبار المذكورة لأنه متى علم الموت بهذه الأمور المذكورة فلا معنى للتأخير ثلاثة أيام إلا ان يتغير قبل ذلك ، اللهم إلا ان يكون ما ذكره الأصحاب ليس كليا فيجوز تخلفه في بعض الأموات فلا بد من التأخير المدة المذكورة أو حصول التغير قبلها أو يراد بالتغير في الاخبار التغير عن حالة الحياة بحصول هذه الأسباب كلا أو بعضا لا التغير باعتبار حدوث الرائحة ولعله الأقرب في الجمع بين كلامهم وبين الأخبار المذكورة. ولم اطلع على من تعرض لوجه الاشكال فيما ذكرناه فضلا عن الجواب عنه. ونقل في الذكرى عن جالينوس ان أسباب الاشتباه الإغماء أو وجع القلب أو إفراط الرعب أو الغم أو الفرح أو الأدوية المخدرة فيستبرأ بنبض عروق بين الأنثيين أو عرق يلي الجالب والذكر بعد الغمز الشديد أو عرق في باطن الألية أو تحت اللسان أو في بطن المنخر ومنع الدفن قبل يوم وليلة إلى ثلاث أقول : وظاهر كلام هذا الحكيم ايضا لا يخلو من منافاة لما ذكره الأصحاب من العلامات لو كانت كلية وإلا لذكرها أو شيئا منها وانما ذكر لاستعلام الموت حال الاشتباه أشياء أخر كما عرفت. والله العالم.

نكت

قال الصدوق في المقنع (١) : «إذا قضى فقل (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) اللهم اكتبه عندك في المحسنين وارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين ونحتسبه عندك يا رب العالمين». وقال في الفقيه (٢) : «وإذا قضى نحبه يجب ان يقول إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ

__________________

(١ و ٢) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب الاحتضار.

٣٧٥

راجِعُونَ». وقال ابن الجنيد : «يقرأ عنده من غير ان يرفع صوته بالقراءة ، وقال عقيب تلقينه : ولا يكثر عليه عند أحوال الغشي لئلا يشتغل بذلك عن حال يحتاج الى معاينتها» وضم أبو حمزة إلى نقله الى مصلاه بسط ما كان يصلي عليه تحته ، وقد تقدمت الإشارة اليه. وقال صاحب الفاخر : ضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه ، وقال : لا يحضر عنده مضمخ بورس أو زعفران وأمر بجعل الحديد على بطنه وقراءة آية الكرسي والسخرة عند احتضاره وقول اللهم أخرجها منه الى رضى منك ورضوان. وفي كتاب دعوات الراوندي (١) كان زين العابدين (عليه‌السلام) يقول عند الموت : اللهم ارحمني فإنك كريم اللهم ارحمني فإنك رحيم فلم يزل يرددها حتى توفي (عليه‌السلام) ،. وكان عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قدح فيه ماء وهو في الموت ويدخل يده في القدح ويمسح وجهه بالماء ويقول : اللهم اعني على سكرات الموت ،. وروى انه يقرأ عند المريض والميت آية الكرسي ويقول اللهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان اللهم اغفر له ذنبه جل ثناء وجهك ثم يقرأ آية السخرة (٢) : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) إلى آخرها ثم يقرأ ثلاث آيات من آخر البقرة : (لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... ثم يقرأ سورة الأحزاب.

(المقصد الثاني) ـ في الغسل والبحث فيه يقع في الغاسل والمغسول والغسل ، فههنا مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في الغاسل وفيه مسائل (الأولى) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل واجب كفائي وان اولى الناس به أولاهم بميراثه ، اما الأول فقد تقدم الكلام فيه في المقصد الأول ، إلا ان بعض الأصحاب ربما صرحوا بأن أولى الناس به في جميع أحكامه أولاهم بميراثه ، قال في الذكرى : الأول في الغاسل واولى الناس به أولاهم بإرثه وكذا باقي الأحكام لعموم «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (٣) ولقول علي

__________________

(١) رواه في مستدرك الوسائل في الباب ٢٩ و ٣٩ من أبواب الاحتضار.

(٢) سورة الأعراف. الآية ٥٤.

(٣) سورة الأنفال الآية ٧٦.

٣٧٦

(عليه‌السلام) (١) : «يغسل الميت اولى الناس به». وقول الصادق (عليه‌السلام) في خبر إسحاق بن عمار (٢) : «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها». انتهى. وربما أشعر هذا الكلام بعدم الوجوب على الكافة كما هو المشهور وانما الوجوب على الولي خاصة كما قدمنا ذكره في المقصد الأول وبينا انه هو المفهوم من الاخبار الواردة في أحكام الميت ، ويؤيده قوله على اثر هذا الكلام «فرع : ولو لم يكن ولي فالإمام وليه مع حضوره ومع غيبته فالحاكم ومع عدمه فالمسلمون ، ولو امتنع الولي ففي إجباره نظر من الشك في ان الولاية هل هي نظر له أو للميت؟» انتهى. وهذا الكلام ـ كما ترى ـ كالصريح في تعلق الوجوب به خاصة دون المسلمين المعبر عنه بالوجوب الكفائي.

بقي الكلام فيما قدمنا نقله أولا من القول بالوجوب على المسلمين كفاية وان اولى الناس به أولاهم بميراثه فإنه لا يخلو من تدافع ، إلا ان تحمل الأولوية على الاستحباب والأفضلية بمعنى ان الوجوب عام لجميع المسلمين من الولي وغيره إلا ان الأفضل هو تقديم الولي في ذلك ، وقد تقدم ما فيه آنفا. وبالجملة فالظاهر من الاخبار هو تعلق الخطاب في ذلك بالولي خاصة في جميع الأحكام وان ما ادعوه من الوجوب الكفائي لا اعرف له دليلا واضحا.

واما الثاني وهو ان اولى الناس به أولاهم بميراثه فهو مما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، فروى الشيخ في الصحيح الى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٣) انه قال : «يغسل الميت اولى الناس به». وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يغسل الميت اولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك». وفي الفقه الرضوي (٥) «ويغسله اولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك».

والمراد بأولى الناس به في هذه الاخبار هو الاولى بميراثه كما ذكره الأصحاب ،

__________________

(١ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب الغسل الميت.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب غسل الميت.

(٥) ص ١٧.

٣٧٧

ويدل على ذلك صحيحة حفص بن البختري عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه اولى الناس بميراثه. قلت ان كان اولى الناس به امرأة؟ قال لا إلا الرجال». ولا ريب ان الولي الذي جعل إليه أحكام الميت هو الذي أوجب عليه الشارع قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة ، وتؤيده مرسلة ابن ابي عمير عن رجاله عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضيه اولى الناس به».

واما ما توهمه صاحب المدارك في هذا المقام ـ وان تبعه عليه جملة من الاعلام حيث قال بعد ذكر رواية غياث المذكورة : «وهي مع ضعف سندها غير دالة على ان المراد بالأولوية الأولوية في الميراث ، ولا يبعد ان المراد بالأولى بالميت هنا أشد الناس به علاقة لأنه المتبادر ، والمسألة محل توقف» انتهى ـ ففيه ان كلامه هذا مبني على ان المراد بقولهم في تلك الأخبار : «أولى الناس به» معنى التفضيل فتوهم ان المتبادر من الأولوية على هذا التقدير الأولوية بالقرب وشدة العلاقة ، وليس كذلك بل المراد بهذا اللفظ انما هو الكناية عن الولي المالك للتصرف ، والتعبير عنه بذلك قد وقع في جملة من اخبار الغدير من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ألست اولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال من كنت مولاه فعلي مولاه». اي ألست المالك للتصرف فيكم دون أنفسكم. ويزيد ذلك بيانا ما نقله الفاضل الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الدر المنظوم والمنثور عن العلامة الفيلسوف الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني (عطر الله مرقده) في كتاب النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة من ان لفظ «الأولى» انما يطلق لغة على من يملك التدبير في الأمر والتصرف فيه ، قال : «وأهل اللغة لا يطلقون لفظ «الأولى» إلا في من ملك تدبير الأمر والتصرف فيه» وبذلك يظهر ان «الأولى» في

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب قضاء الصلاة.

٣٧٨

جملة أخبار الميت من اخبار الغسل واخبار الصلاة وغيرهما انما هو بمعنى المالك للتصرف وتدبير الأمر وهو معنى الولي كما في ولي الطفل وولى البكر ونحو ذلك ، ففي حسنة ابن ابي عمير بإبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب». ونحوها مرسلة أحمد بن محمد بن ابي نصر (٢) ولا ريب ان المراد بأولى الناس في هذه الاخبار انما هو الولي الذي دلت الأخبار المتقدمة على ان عليه قضاء ما فات الميت من صلاة وصيام ، وقد عرفت في صحيحة حفص انه هو الاولى بميراثه ، وبذلك يظهر ما في كلام السيد المشار اليه ـ وان تبعه فيه من تبعه ـ من الغفلة وعدم إعطاء التأمل حقه في اخبار المسألة ، فإنه مبني على ملاحظة معني التفضيل من الصيغة المذكورة وان المراد بقوله : «اولى الناس به» بمعنى اولى الناس بميراثه ، وليس كذلك إذ الأولوية بالميراث انما وقعت في كلام الأصحاب تعريفا للولي ومحمولة عليه لا انها تفسير له وان معناهما واحد ويصير من قبيل الحذف والإيصال ، ألا ترى ان عبارة الشرائع في هذا المقام حيث قال : «واولى الناس به أولاهم بميراثه» ظاهرة في ان المراد انما هو ان الولي للميت القائم بأحكامه هو كل من كان أحق بميراثه.

وينبغي التنبيه على أمور (الأول) ـ لا يخفى ان المراد بتقديم الأول في الميراث هو انه حيث كانت مراتب الإرث متعددة مترتبة فلا ترث أصحاب المرتبة الثانية إلا مع فقد أهل المرتبة الاولى وهكذا ، فالولي للميت هو من يرث من هذه المراتب دون من لا يرث ، واما تفصيل الكلام في أصحاب مرتبة الإرث لو تعددوا ومن الاولى منهم فسيأتي الكلام فيه في بحث الصلاة على الميت من كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى.

(الثاني) ـ قال في الذكرى : «إذا كان التقديم تابعا للإرث انتفى مع عدمه وان كان أقرب كالقاتل ظلما والرق والكافر ، ولو سلم الاولى الى غيره جاز إلا في تسليم الرجال الى النساء في الرجل وبالعكس في المرأة» انتهى. أقول : لقائل أن يقول

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة.

٣٧٩

ان المراد من الخبر الدال على ان الولي هو الاولى بالميراث انما هو الكناية عن القرب الى الميت المستلزم للإرث لو لم يمنع منه مانع لا ان المراد الإرث بالفعل ، فالتقديم انما هو تابع للقرب الى الميت لان مراتب الإرث مترتبة بترتب القرب فكل مرتبة أقرب تقدم على ما بعدها ، وعلى هذا فالقرب الى الميت موجب للإرث وموجب للولاية عليه بعد موته ومنع القتل ظلما ـ مثلا ـ من الإرث لا يوجب المنع من الأولوية. وبالجملة فإن ما ذكرناه من الاحتمال أقرب قريب في المقام.

(الثالث) ـ لو كان الأولياء رجالا ونساء فظاهر الأصحاب ان الرجال اولى لكن هل يفرق في ذلك بين ما إذا كان الميت ذكرا أو أنثى فتخص أولوية الرجال بالأول دون الثاني فتكون النساء اولى بغسل بعضهن بعضا ، أم لا فرق فلو كان الميت امرأة ولا يمكن الولي مباشرة غسلها اذن للنساء فلا يصح الغسل بدون اذنه؟ قولان : وبالأول صرح المحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، وبالثاني جزم أكثر المتأخرين ومنهم ـ الشهيد الثاني في الروض ، قال بعد نقل القول الثاني عن المصنف وغيره : «وربما قيل ان ذلك مخصوص بالرجال اما النساء فالنساء اولى بغسلهن ولم يثبت ، وامتناع المباشرة لا يستلزم انتفاء الولاية» واعترضه سبطه في المدارك بأنه قد يقال ان الرواية المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم انما تتناول من يمكن وقوع الغسل منه ومتى انتفت دلالتها على العموم وجب الرجوع في غير ما تضمنته الى الأصل والعمومات. انتهى. وأشار بالرواية إلى رواية غياث بن إبراهيم المتقدمة (١). أقول : ما ذكره وان احتمل في الرواية المذكورة حيث انها تشعر بمباشرة الولي للغسل إلا انه لا يتم في الروايتين اللتين بعدها مما قدمناه (٢) لتضمنهما الولي أو من يأمره وهو أعم من مباشرة الولي ان أمكن المباشرة أو الأمر لغيره ان تعذرت المباشرة ، على ان الرواية التي تعلق بها لا بد من تقدير هذا المعنى فيها ايضا وإلا لزم انه لو تعذرت المباشرة على الولي لمرض ونحوه انتفى الغسل

__________________

(١ و ٢) ص ٣٧٧.

٣٨٠