الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

في اخبار أسماء أقرب. و (رابعا) ـ ان الحكم بالرجوع إلى العادة في الاخبار المتقدمة يدل على ارتباط النفاس بالحيض واختلاف عادات النساء لا يقتضي أكثر من احتمال كون مدة حيض المبتدأة أقصى العادات وهي لا تزيد على العشرة ، فالقدر المذكور في اخبار الثمانية عشر من التفاوت بين المبتدأة وذات العادة لا يساعد عليه الاعتبار الذي هو للجمع ميزان ومعيار. و (خامسا) ـ ان الظاهر من إنكار الإمامين (عليهما‌السلام) في مرفوعة إبراهيم بن هاشم وخبر الجوهري لخبر الثمانية عشران أخبار الثمانية عشر كملا انما خرجت بالنسبة إلى ذات العادة وغيرها مطلقا كما قال به من قدمنا نقله عنه ، ولهذا انه لما رجع له السائل في الخبر الثاني بعد إنكاره (عليه‌السلام) خبر الثمانية عشر فسأله ما حد النفساء؟ اجابه بالرجوع إلى العادة ، ولو كان الثمانية عشر انما يعمل عليها في بعض الافراد كما ذهب إليه في المختلف لم ينكرها (عليه‌السلام) مطلقا بل يخبره بأنها مخصوصة بالفرد الفلاني دون غيره. و (سادسا) ـ ما ذكره جملة من متأخري المتأخرين من ان أسماء تزوجت بابي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب (رضي‌الله‌عنه) وكانت قد ولدت منه عدة أولاد ، ويبعد جدا ان لا يكون لها في تلك المدة كلها عادة في الحيض ، واخبار العشرة وان كانت مطلقة إلا انه يجب حملها على ما ذكرناه من التفصيل جمعا بينها وبين أخبار العادة.

وبالجملة فالأظهر عندي والأقرب هو ان المعتادة ترجع الى عادتها بلا اشكال كما عرفت من الاخبار المتقدمة ، واما غيرها فالأمر فيها دائر بين الثمانية عشر والعشرة واخبار الثمانية عشر قد عرفت ما فيها من التعارض وانه لا يمكن الجمع بينها إلا بوجه تخرج به عن صحة الاستدلال بها مع تأيد القول بالعشرة بما ذكرناه من الوجوه فعليه العمل وبه الفتوى.

هذا ، ولا يخفى انه على تقدير القول بالثمانية عشر مطلقا يلزم طرح اخبار العادة المتقدمة مع ما هي عليه من الكثرة والصحة والصراحة وكذا على تقدير القول بالعشرة

٣٢١

مطلقا ، قال في الذكرى : «تنبيه : الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها الى عادتها في الحيض والأصحاب يفتون بالعشرة وبينهما تناف ظاهر ، ولعلهم ظفروا باخبار غيرها وفي التهذيب قال : جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس عشرة وعليها اعمل لوضوحها عندي. ثم ذكر الأخبار الاولى ونحوها حتى ان في بعضها عن الصادق (عليه‌السلام) : «فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام» قال الشيخ : يعني إلى عشرة أيام إقامة لبعض الحروف مقام بعض. وهذا تصريح بأن أيامها أيام عادتها لا العشرة ، وحينئذ فالرجوع الى عادتها كقول الجعفي في الفاخر وابن طاوس والفاضل اولى وكذا الاستظهار كما مر هناك ، نعم قال الشيخ : لا خلاف بين المسلمين في ان عشرة أيام إذا رأت المرأة الدم من النفاس ، والذمة مرتهنة بالعبادة قبل نفاسها فلا يخرج عنها إلا بدلالة والزائد على العشرة مختلف فيه ، فان صح الإجماع فهو الحجة ولكن فيه طرح للأخبار الصحيحة أو تأويلها بالبعيد» انتهى. والتحقيق في المسألة ما قدمناه. والله العالم بحقائق أحكامه.

(المسألة الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان ذات التوأمين فصاعدا يتعدد نفاسها عملا بالعلة لانفصال كل من الولادتين عن الأخرى فلكل نفاس حكم نفسه ، فان وضعت الثاني لدون عشرة أيام أمكن اتصال النفاسين ، ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض استحاضة بين النفاسين حكم به ، بل يمكن فرض حيض ايضا وان بعد ، وربما ظهر من بعض العبارات كونه نفاسا واحدا حيث صرحوا بأنه لو تراخت ولادة التوأمين فعدد أيامها من التوأم الثاني وابتداؤه من الأول ، وحمل على الغالب من تعاقب ولادتهما فيتحد النفاس بحسب الصورة وإلا ففي التحقيق لكل واحد نفاس مستقل لما عرفت آنفا ، ويتفرع على كونهما نفاسين ما لو ولدت الثاني لدون عشرة من ولادة الأول ولم تر بعد ولادة الأول إلا يوما واحدا مثلا وانقطع في باقي الأيام المتخللة بينهما فإنه يحكم بكونه طهرا وان رأت بعد ولادة الثاني في العشرة وانقطع عليها بخلاف

٣٢٢

ما لو حكم بكونها نفاسا واحدا كما يقتضيه ظاهر العبارة المتقدمة فإنه يلزم كون الدمين والنقاء المتخلل بينهما نفاسا. وتردد المحقق في المعتبر في كون الدم الحاصل قبل ولادة الثاني نفاسا بناء على مذهبه من عدم اجتماع الحيض والحبل ، ثم اختار كونه نفاسا لحصول مسمى النفاس فيه وهو تنفس الرحم به بعد الولادة فيكون لها نفاسان.

بقي الكلام في الولد الواحد لو تقطع وتعدد خروجه فهل يحكم بتعدد النفاس على ذلك التقدير أم لا؟ اشكال ، قال في الذكرى : «لو سقط عضو من الولد وتخلف الباقي فالدم نفاس على الأقرب ، ولو وضعت الباقي بعد العشرة أمكن جعله نفاسا آخر كالتوأمين ، وعلى هذا لو تقطع بفترات تعدد النفاس ، ولم أقف فيه على كلام سابق» انتهى أقول : ولم أقف في الاخبار على ما يتعلق بهذه المسألة الا ان ما ذكروه من تعدد النفاس بتعدد الولادة ربما يمكن الاستناد فيه الى العمومات المتقدمة. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ صرح جملة من المتأخرين بأنه لو لم تر دما ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاسا ، وهو بناء على القول بأن أكثر النفاس عشرة مطلقا ظاهر ، واما على القول بتخصيص المعتادة بأيام عادتها وجعل العشرة لغيرها فيجب تقييد الحكم المذكور في شموله للمعتادة بما إذا كانت عادتها عشرة أو دونها وانقطع على العاشر كما صرحوا به والحكم هنا في المعتادة ـ لو كانت عادتها أقل من عشرة ورأت الدم في العادة ثم انقطع على العشرة فإنه يحكم بكون الجميع نفاسا ـ مبني على ما تقدم نقله عنهم في الحيض من انه إذا تجاوز العادة وانقطع على العاشر حكم بكون الجميع حيضا. وقد عرفت ما فيه ثمة.

ولو رأت في العاشر وتجاوز فعلى مذهب من يرى العشرة مطلقا فإنه يحكم باليوم العاشر خاصة. وعلى القول بالتفصيل بين ذات العادة فعادتها وغيرها فالعشرة فكذلك أيضا في غير ذات العادة وفي ذات العادة إذا كانت عادتها عشرة ، اما لو كانت عادتها دون العشرة فإنه لا نفاس لها إلا ما رأته في شي‌ء من أيام العادة ، وبالجملة فالحكم عندهم هنا تابع للحيض فكما انه مع تجاوز العشرة عندهم يرجع الى العادة خاصة كذلك هنا

٣٢٣

يرجع الى العشرة التي هي بمنزلة العادة ثمة.

وظاهر المدارك الاستشكال في الحكم الأول أعني الحكم بالنفاس على الدم الذي تراه اليوم العاشر خاصة ، قال بعد ذكر المسألة : «واعلم ان هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وهو محل اشكال لعدم العلم باستناد هذا الدم إلى الولادة وعدم ثبوت الإضافة إليها عرفا».

أقول : هذا الاشكال لو تم لا خصوصية له بهذه المادة بل يجري فيما تراه في العادة ، فإنها لو كانت ذات عادة وحكمنا بتنفسها بأيام عادتها وولدت ثم لم تر دما إلا في اليوم الثالث أو الرابع مثلا فإنه لا يعلم ايضا استناده إلى الولادة لانفصاله عنها وعدم ثبوت الإضافة إليها عرفا ، فعلى هذا يختص النفاس بما يصاحب خروج الولد أو يكون بعده بلا فصل وهو بعيد غاية البعد عن ظواهر الأخبار المتقدمة ، فإن ظاهر الحكم بالتنفس أيام العادة أعم من ان يكون أول الدم من الولادة أم بعد ذلك من أيام العادة ، وقضية إلحاق النفاس بالحيض ـ وانه حيض في المعنى يترتب أحكام الحيض عليه ـ هو الحكم بالنفاس على الدم الحاصل بعد الولادة في أي وقت من أيام العادة ان كانت ذات عادة أو العشرة بناء على ما حققناه آنفا لغير ذات العادة من العمل على العشرة ، ويؤيده قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) : «ان الحائض مثل النفساء سواء». وحينئذ فكل دم رأته في ضمن هذه المدة أولا أو آخرا أو وسطا فإنه يحكم عليه بكونه نفاسا ، وقد تقدم منه ما يشير الى ذلك ايضا عند قول المصنف : «ولو ولدت ولم تر دما. إلخ» حيث قال : «المراد انها لم تر دما في الأيام المحكوم بكون الدم الموجود فيها نفاسا» وبالجملة فإنه يحكم على هذا الدم بالنفاس في الصورة المذكورة على قياس الحيض كما لو رأت في أيام العادة ، غاية الأمر أنه لا بد في الحكم بكونه حيضا من بلوغ الثلاثة التي هي أول الحيض ليحكم بكونه حيضا واما النفاس فلا حد لأقله كما عرفت ، وبذلك يظهر ان ما ذكره

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

٣٢٤

الأصحاب وقطعوا به هو الموافق لمقتضى القاعدة المقررة إلا ان المسألة حيث كانت عارية عن النصوص بالخصوص فلا ينبغي إهمال الاحتياط فيها.

وقد صرحوا أيضا بأنه لو رأت الأول والعاشر خاصة كان الدمان وما بينهما من النقاء نفاسا ، وهو مبني على ما صرحوا به في الحيض من انها لو رأت ثلاثة فانقطع ثم رأت العاشر فانقطع فإن العشرة حيض ، قال في الذخيرة بعد نقل الحكم المذكور : «وان لم يثبت إجماع على الكلية المذكورة كان للتأمل في الحكم المذكور مجال لفقد النص الدال عليه» أقول : وفيه زيادة على ما ذكره ما تقدم تحقيقه في هذه المسألة في باب الحيض من ان الحكم على النقاء المتخلل بين الدمين بكونه حيضا محل بحث ، وبه يظهر ما في التفريع عليه وإلحاق النفاس به في ذلك.

ولو فرض تجاوزه العشرة في الصورة المذكورة فالحكم فيه عندهم كما تقدم من انها ان كانت مبتدأة أو مضطربة أو عادتها عشرة فالعشرة نفاس والا فنفاسها الدم الأول خاصة إلا ان يصادف الثاني جزء من العادة فيكون جميع العادة نفاسا لوجود الدم في طرفيها وما بينهما أقل من عشرة فيكون الجميع نفاسا على قياس الحيض. وفيه ما عرفت. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ صرحوا بان حكم النفساء كالحائض في كل الأحكام الواجبة والمندوبة والمحرمة والمكروهة لأنه في الحقيقة حيض احتبس ، ونفى في المنتهى الخلاف فيه بين أهل العلم مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وفي المعتبر انه مذهب أهل العلم لا اعلم فيه خلافا.

وقد استثنوا من ذلك أشياء : (الأول) ـ الأقل للإجماع على ان أقل الحيض ثلاثة ولأحد في جانب القلة للنفاس كما تقدم. وهو كذلك.

(الثاني) ـ الأكثر للخلاف في أكثر النفاس كما تقدم بخلاف الحيض فإن أكثره عشرة اتفاقا نصا وفتوى.

٣٢٥

(الثالث) ـ ان الحيض دليل على سبق البلوغ بخلاف النفاس ، فإن الدلالة حصلت بالحمل لأنه أسبق من النفاس فدل على سبق البلوغ على الوضع لستة أشهر فما زاد ، قال في الروض : «وهذا الوجه ذكره المصنف في النهاية وتبعه عليه في الذكرى ، وفيه نظر لأن دلالة الحمل عليه لا تمنع من دلالة النفاس أيضا لإمكان اجتماع دلالات كثيرة. لأن هذه الأمور معرفات شرعية لا علل عقلية فلا يمتنع اجتماعها ، كما ان الحيض غالبا لا يوجد إلا بعد سبق البلوغ بغيره» أقول : الظاهر ان كلام شيخنا المشار اليه هنا لا يخلو من نظر ، فان الظاهر من كلام الأصحاب ان المراد بالدلالة على البلوغ انما هو باعتبار ترتب الأحكام من العبادات والحدود ونحو ذلك على العلم بالبلوغ ، فبأي شي‌ء يعرف ما يترتب عليه هذه الأحكام؟ لا ان المراد الدلالة في الجملة ، ولا ريب انه متى حصل الحمل للمرأة فقد علم به البلوغ وترتب الأحكام المذكورة عليه فلا ثمرة في دلالة النفاس حينئذ ولا اثر لهذه الدلالة لمعلومية البلوغ قبله. واما ما ذكره ـ من ان الحيض غالبا لا يوجد إلا مع سبق البلوغ بغيره ـ ففيه انا لا نقول بكون الحيض مطلقا دليلا على البلوغ أو على سبق البلوغ وانما نقول بذلك فيمن جهل سنها ، واما من علم بلوغها التسع فان الحيض بعده لا اثر له في الدلالة كما أشرنا إليه فيما تقدم في المسألة الخامسة من المقصد الأول من الفصل الثاني في غسل الحيض (١) وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

(الرابع) ـ ان العدة تنقضي بالحيض دون النفاس ، وذلك لان انقضاء العدة انما يحصل بوضع الولد وان لم تر دما بالكلية فلو وضعت من غير نفاس خرجت من العدة فلا دخل للنفاس في انقضائها بخلاف الحيض ، نعم هذا الحكم جار على الغالب ووجه التقييد بالغالب انه ربما اتفق انقضاء العدة بالنفاس نادرا كما في الحامل من الزنا إذا طلقها زوجها ، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناء على مجامعة الحيض للحمل ثم رأت بعد الوضع نفاسا عد في الأقراء وانقضت به العدة ولو لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء.

__________________

(١) ص ١٧٠.

٣٢٦

(الخامس) ـ ان الحائض ترجع الى عادتها في الحيض عند تجاوز العشرة بخلاف النفساء فإنها لا ترجع إلى عادة النفاس وانما ترجع إلى عادة الحيض. أقول : لا يخفى ان النفاس ليس له أثر عادة يبنى عليها في مادة من المواد لما عرفت آنفا من ان ذات العادة تبني على عادتها وغيرها على العشرة وهكذا بالنسبة إلى سائر الأقوال المتقدمة ، ومن ذلك يعلم انه ليس في النفاس عادة.

(السادس) ـ ان الحائض ترجع إلى عادة نسائها على بعض الوجوه بخلاف النفساء فإنها لا ترجع الى ذلك عند الأصحاب ، وقد تقدم في موثقة أبي بصير (١) الدلالة على الرجوع في النفاس إلى نسائها ، ونسبها في الروض وقبله العلامة في المنتهى الى الشذوذ. قال في المنتهى : «وهل ترجع إلى عادة أمها وأختها في النفاس؟ لا نعرف فتوى لأحد ممن تقدمنا في ذلك» ثم نقل موثقة أبي بصير وردها بالشذوذ وضعف السند ، ثم قال : «والأقوى الرجوع الى أيام الحيض» أقول : وهو جيد لما تقدم من ان ذات العادة تتنفس بعادتها في الحيض وغيرها بالعشرة أو الثمانية عشر على الخلاف.

الفصل الخامس

في غسل المس وفيه مسائل (الأولى) ـ المشهور رواية وفتوى وجوب الغسل على من مس ميتا بعد برده وقبل تطهيره بالغسل ، وعن المرتضى في شرح الرسالة والمصباح القول بالاستحباب ، وظاهر كلام الشيخ في الخلاف وجود قائل بذلك قبل المرتضى حيث قال : «وعند بعضهم انه يستحب وهو اختيار المرتضى» ونسبه سلار إلى إحدى الروايتين مع انا لم نقف على رواية ظاهرة في الاستحباب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

والأظهر الأول ، لنا الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن

__________________

(١) ص ٣١٥.

٣٢٧

محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «قلت الرجل يغمض عين الميت أعليه غسل؟ فقال : إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل. قلت فالذي يغسله يغتسل؟ قال : نعم. الحديث».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من غسل ميتا فليغتسل. قلت فان مسه ما دام حارا؟ قال فلا غسل عليه وإذا برد ثم مسه فليغتسل. قلت فمن ادخله القبر؟ قال لا غسل عليه انما يمس الثياب».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يغتسل الذي غسل الميت ، وان قبل الميت انسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ولكن إذا مسه وقبله وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس ان يمسه بعد الغسل ويقبله».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له أيغتسل من غسل الميت؟ قال نعم. قلت : من ادخله القبر؟ قال : لا انما يمس الثياب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عاصم بن حميد (٥) قال : «سألته عن الميت إذا مسه انسان أفيه غسل؟ قال فقال إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل».

وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (٦) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله وهو ميت ، فقلت جعلت فداك أليس لا ينبغي ان يمس الميت بعد ما يموت ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال اما بحرارته فلا بأس انما ذلك إذا برد».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الذي يغسل الميت عليه غسل؟ قال : نعم. قلت فإذا مسه وهو سخن؟ قال : لا غسل

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب غسل المس.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب غسل المس.

٣٢٨

عليه فإذا برد فعليه الغسل قلت : والبهائم والطير إذا مسها عليه غسل؟ قال : لا ليس هذا كالإنسان».

وعن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من غسل ميتا وكفنه اغتسل غسل الجنابة».

وعن محمد بن الحسن الصفار في الصحيح (٢) قال : «كتبت اليه : رجل أصابت يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه غسل يده أو بدنه؟ فوقع (عليه‌السلام) : إذا أصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «عن الرجل يمس الميتة أينبغي أن يغتسل منها؟ قال : لا انما ذلك من الإنسان».

واما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) ـ قال : «يغتسل الذي غسل الميت وكل من مس ميتا فعليه الغسل وان كان الميت قد غسل». ـ فحمله في التهذيبين على الاستحباب وفيه بعد ، والاولى طرح الخبر المذكور والرد إلى قائله ولا سيما مع كونه مخالفا لإجماع المسلمين ومن روايات عمار المتفرد بنقل الغرائب.

واما ما رواه عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه‌السلام) (٥) ـ قال : «الغسل من سبعة : من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميت وان تطهرت أجزأك ، وذكر غير ذلك». وظاهره ان الوضوء يجزئ عن غسل مس الميت وان كان الغسل أفضل ـ فقد حمله الشيخ على التقية ، قال : «لأنا بينا وجوب الغسل على من غسل ميتا وهذا موافق للعامة لا يعمل به» انتهى. وهو جيد ، ويعضده ان رواة

__________________

(١ و ٢ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب غسل المس.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أبواب غسل المس.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب غسل المس.

٣٢٩

الخبر من العامة والزيدية. واما ما ذكره في الوافي ـ بعد نقل ذلك عن الشيخ حيث قال : «ولا يخفى ان الوجوب بالمعنى الذي اراده غير ثابت» ـ فلا اعرف له معنى مع تصريحه هو وغيره بوجوب غسل المس.

وروى الطبرسي أبو منصور احمد بن ابي طالب في الاحتجاج (١) قال : مما خرج عن صاحب الزمان (عليه‌السلام) الى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه : «روي لنا عن العالم انه سئل عن امام صلى بقوم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال : يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟

التوقيع : ليس على من مسه إلا غسل اليد وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمم الصلاة مع القوم. قال : وكتب اليه وروى عن العالم ان من مس ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع : ان مسه في هذه الحال لم يكن عليه الا غسل يده».

واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقل جملة من اخبار المسألة : «ولا يخفى ان الأمر وما في معناه في أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب فالاستناد الى هذه الاخبار في إثبات الوجوب لا يخلو من اشكال» ـ فهو من جملة تشكيكاته الواهية وفيه خروج من الدين من حيث لا يشعر قائله (أما أولا) ـ فلما حققناه في مقدمات الكتاب من دلالة الأمر على الوجوب بالآيات القرآنية والأخبار النبوية.

و (اما ثانيا) ـ فلانه متى كان الأوامر الواردة في الأخبار في جميع الأحكام لا تدل على الوجوب والنواهي الواردة كذلك لا تدل على التحريم كما كرره في غير موضع من كتابه هذا فلم يبق إلا الإباحة ، وبذلك يلزم تحليل المحرمات وترك الواجبات إذ لا تكليف الا بعد البيان ولا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان ، والفرض بناء على ما ذكره

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب غسل المس.

٣٣٠

انه لا دليل على وجوب ولا تحريم ، واللازم حينئذ سقوط التكليف وان إرسال الرسل وإنزال الشرائع عبث وهو كفر محض كما لا يخفى.

ولم نقف للمرتضى هنا على دليل في حمل الاخبار على الاستحباب إلا التمسك بأصالة البراءة وما رواه الشيخ عن سعد بن ابي خلف (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : «الغسل في أربعة عشر موطنا ، واحد فريضة والباقي سنة». وما رواه عن القاسم الصيقل (٢) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند موته؟ فأجاب (عليه‌السلام) ان النبي طاهر مطهر ولكن أمير المؤمنين فعل وجرت به السنة». ولا يخفى أن الأصالة المذكورة يجب الخروج عنها بالدليل وقد تقدم. واما الروايتان المذكورتان فقاصرتان سندا ودلالة ، واللازم من العمل بمضمون الاولى من حمل السنة فيها على المستحب عدم وجوب غسل الحيض وأخويه من الاستحاضة والنفاس وعدم وجوب غسل الميت ، وهو باطل قطعا ، ويحتمل في الثانية جعل مفعول «فعل» غسل الميت لا غسل المس وحينئذ فالضمير في قوله : «وجرت به السنة» عائد إليه لا الى غسل المس ، على ان استعمال السنة في الأخبار فيما وجب بالسنة أو الأعم شائع كثير.

ثم انه صرح جملة من الأصحاب بأنه لا فرق في وجوب الغسل بالمس بين كون الميت مسلما أو كافرا عملا بإطلاق الاخبار في وجوب الغسل بمس الميت بعد برده الشامل للمسلم والكافر. واحتمل في المنتهى عدم الوجوب بناء على ان إيجاب الغسل بالمس قبل التطهير بالغسل انما يتحقق في من يقبل التطهير اما ما لا يقبل كالبهيمة ونحوها فلا ، والكافر لا يقبل التطهير فيكون جاريا مجراها. ورد بما تقدم من شمول الأخبار بإطلاقها للمسلم والكافر. وفيه ان ظاهر الاخبار المشار إليها ـ باعتبار ما دل عليه بعضها من انه قبل

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب الجنابة.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب غسل المس.

٣٣١

الغسل يجب الغسل بمسه وبعد الغسل لا يجب وحمل مطلقها في ذلك على مقيدها ومجملها على مفصلها ـ هو اختصاص موردها بالمسلم ، لانه لا خلاف ولا إشكال في ان غسل الكافر لا يفيده طهارة وحينئذ فلا يكون داخلا تحت الاخبار المشار إليها ، وبذلك يظهر قرب الاحتمال الذي ذكره في المنتهى وان كان الاحتياط في وجوب الغسل بمسه غسل أو لم يغسل.

واما الميمم ولو عن بعض الغسلات فالظاهر وجوب الغسل بمسه ، لعدم دخوله تحت الأخبار المذكورة ، لأن التيمم غير الغسل وبدليته عنه لا تقتضي المساواة من جميع الوجوه.

(الثانية) ـ لو تقدم غسله على موته كالمرجوم أو غسل مع فقد الخليطين فهل يجب الغسل بمسه أم لا؟ اشكال ، قال في المدارك بعد الكلام في المسألة ونقل بعض اخبارها : «ويندرج في من غسل من تقدم غسله على موته ومن غسل غسلا صحيحا ولو مع فقد الخليطين».

أقول : لا يخفى تطرق المناقشة الى كل من الصورتين المذكورتين ، اما من تقدم غسله كالمرجوم ففيه (أولا) ـ ان هذا الحكم وان دلت عليه رواية مسمع كردين عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما ، والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه». الا انها مع ضعف سندها معارضة بالأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى الدالة على نجاسة الميت بالموت ولا سيما الأخبار الكثيرة الدالة على ان العلة في وجوب غسل الميت انما هو خروج النطفة التي خلق منها بالموت وان الميت لذلك كالجنب يغسل غسل الجنابة كما قدمنا جملة منها في باب غسل الجنابة (٢) وتخصيص تلك الاخبار بما هي عليه من الكثرة والصراحة بهذا الخبر الضعيف مشكل ، على انه لا يعقل

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب غسل الميت.

(٢) ص ٧٤.

٣٣٢

سبق التطهير على وقوع النجاسة وحصولها كما لا يخفى ، ولو لا اتفاق الطائفة على هذا الحكم سلفا وخلفا لكان الأظهر الوقوف على تلك الأخبار ، وكيف كان فالأجود عندي إعادة غسله. و (اما ثانيا) ـ فلانه مع تسليم العمل بالرواية المذكورة والحكم بصحة هذا الغسل والاكتفاء به عن تغسيله ثانيا فانسحاب أحكام الغسل الصحيح المتعارف الى هذا الغسل ممنوع ، وذلك فإن إطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الغسل بمس الميت بعد برده وقبل غسله وجواز المس بعد الغسل انما ينصرف الى الغسل المتكرر المتعارف الشائع الوقوع وهو الغسل بعد الموت ، لما صرح به غير واحد من محققي الأصحاب من ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتعارفة فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق وتتبادر الى الذهن دون الفروض الشاذة النادرة ، وبالجملة فإن غاية ما دلت عليه رواية مسمع بعد تسليمها مع مخالفتها لمقتضى القواعد هو سقوط الغسل بعد الموت واما ما عداه فلا ، ودعوى كون هذه الأمور مترتبة على الغسل مطلقا ممنوعة لما عرفت ، وقد وافقنا في هذا المقام صاحب الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال : «وفي وجوب الغسل بمسه بعد الموت تردد» وتنظر العلامة في المنتهى في المسألة أيضا ، وعن ابن إدريس انه أوجب الغسل بمسه.

واما من غسل مع فقد الخليطين فلعدم الدليل على صحة هذا الغسل لعدم النص كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله وانما عللوا ذلك بأمور اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

(الثالثة) ـ قال في المنتهى : «الأقرب في الشهيد انه لا يجب الغسل بمسه لأن الرواية تدل بمفهومها على ان الغسل انما يجب في الصورة التي يجب فيها تغسيل الميت قبل غسله» وظاهره في المعتبر القطع بالحكم المذكور ، وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : «وهو كذلك لان ظاهر الروايات ان الغسل انما يجب بمس الميت الذي يجب تغسيله

٣٣٣

قبل ان يغسل ، ويعضده أصالة البراءة وانتفاء العموم في الأخبار الموجبة بحيث يتناول كل ميت».

أقول : لا يخفى ان أكثر الروايات المتقدمة مطلقة في وجوب الغسل على من مس ميتا ، مثل صحيحة حريز أو حسنته ورواية عبد الله بن سنان الاولى وصحيحة عاصم بن حميد وصحيحة إسماعيل بن جابر وصحيحة معاوية بن عمار (١) وصحيحة الحلبي (٢) وصحيحة محمد بن مسلم (٣) فإنها كلها مطلقة في وجوب الغسل بالمس بعد البرد شاملة بإطلاقها للشهيد وغيره. واما ما دلت عليه صحيحة الصفار (٤) من قوله (عليه‌السلام): «إذا أصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل». وهي التي تشعر بما ذكروه ـ فيمكن الجواب عنها بان هذا القيد خرج بناء على ما هو الغالب المتكرر فلا يدل على تقييد إطلاق تلك الأخبار الكثيرة ، وبذلك يظهر لك ما في دعوى صاحب المدارك (أولا) ـ ان ظاهر الروايات ان الغسل انما يجب بمس الميت الذي يجب تغسيله قبل ان يغسل ، فإن أكثر الروايات ـ كما عرفت ـ مطلق لا اشعار فيه بما ذكره وانما ذلك في صحيحة الصفار خاصة. و (ثانيا) ـ دعواه انتفاء العموم في الاخبار الموجبة بحيث يتناول كل ميت ، فإنه ليس في محله لما عرفت من شمول الأخبار المذكورة بإطلاقها للشهيد وغيره من الأموات. ووقوع السؤال في بعضها عمن غسل ميتا لا اشعار فيه بما ادعوه ، لان هذا أحد أفراد المس الذي يترتب عليه الغسل ، واي ظهور في العموم أظهر من صحيحة عاصم بن حميد (٥) وقوله : «سألته عن الميت إذا مسه الإنسان فيه غسل؟ فقال : إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل»؟. ونحوها صحيحة إسماعيل بن جابر (٦) وبالجملة فظواهر الأخبار المذكورة العموم. نعم يمكن ان يقال ان الظاهر من الروايات الدالة على نجاسة الميت بالموت وطهره بالغسل والروايات الدالة على ان الشهيد لا يغسل هو طهارة الشهيد وعدم نجاسته بالموت ، وحينئذ فيكون حكمه حكم غيره

__________________

(١ و ٥ و ٦) ص ٣٢٨.

(٢ , ٤) ص ٣٢٩.

(٣) ص ٣٢٧.

٣٣٤

من الأموات بعد الغسل.

(الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لو مسه قبل البرد فلا غسل ، وقد تقدم في الأخبار المتقدمة ما يدل عليه وانما الخلاف في ثبوت النجاسة بذلك ووجوب غسل ما باشره. فقيل بذلك وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في الروض ونقله عن العلامة أيضا ، وقيل بطهارته وعدم وجوب غسل ما باشره وهو اختيار الذكرى والدروس والمنتهى ، واليه مال في المدارك وقبله المولى الأردبيلي في شرح الإرشاد.

واحتج الأولون بصدق الموت الموجب للحكم بالنجاسة. وأجاب عنه في الذكرى بأنا إنما نقطع بالموت بعد البرد. واعترضه في الروض بمنع عدم القطع قبله وإلا لما جاز دفنه قبل البرد ، ولم يقل به أحد خصوصا صاحب الطاعون ، قال : «وقد أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت وهي لا تتوقف على البرد ، مع ان الموت لو توقف القطع به على البرد لما كان لقيد البرد فائدة بعد ذكر الموت».

واحتج الآخرون بأصالة البراءة فيجب التمسك بها الى ان يقوم دليل على خلافها وعدم القطع بنجاسته قبل البرد ، وزاد في الذكرى بان نجاسته ووجوب الغسل متلازمان إذ الغسل بمس النجس.

واعترضه في الروض ـ زيادة على ما تقدم ـ بمنع الملازمة هنا ايضا ، قال : لأن النجاسة علقها الشارع على الموت والغسل على البرد ، وكل حديث دل على التفصيل بالبرد وعدمه دل على صدق الموت قبل البرد ، كخبر معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «إذا مسه وهو سخن فلا غسل عليه فإذا برد فعليه الغسل». فان ضمير «مسه» يعود الى الميت ، وعن عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (٢) «يغتسل الذي غسل الميت.». ثم ساق الرواية وهي الاولى من روايتيه المتقدمتين الا انه قال فيها : «وان غسل الميت انسان بعد موته. الى آخر الخبر» ثم قال بعد هذا : «وهذا الحديث

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب غسل المس.

٣٣٥

كما يدل على صدق الموت قبل البرد كذلك يدل على جواز تغسيله قبله أيضا» أقول : الموجود فيما حضرني من كتب الأخبار ـ وهو الذي نقله في الوافي وكذلك في الوسائل ـ انما هو «قبل الميت إنسان. الى آخره» لا «غسل» كما نقله. واستدل به ايضا على النجاسة بالموت الشامل بإطلاقه لما قبل البرد ، وبعده بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ قال يغسل ما أصاب الثوب». ورواية إبراهيم بن ميمون (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت؟ قال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وان كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه». وهما دالان على نجاسة الميت بالموت مطلقا ومدعى التقييد بالبرد عليه الدليل.

وبالجملة فهذا القول لما عرفت لا يخلو من قوة ، إلا ان ظاهر نفي البأس عن مسه بحرارته وتقبيله في تلك الحال ـ كما في جملة من الاخبار المتقدمة ـ هو الطهارة ولا سيما فعل الصادق (عليه‌السلام) بابنه إسماعيل كما تضمنته صحيحة إسماعيل بن جابر (٣) وحينئذ فيمكن تقييد إطلاق الميت في الاخبار المتقدمة بالبرد جمعا بين الاخبار. وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني وقوله : «ان النجاسة علقها الشارع على الموت والغسل على البرد» من ان الموت بمجرده لا يستلزم النجاسة بل لا بد من تقييده بالبرد ليتم نفي البأس عن تقبيله ومسه بحرارته كما تضمنته الاخبار المشار إليها. واما اعتراضه على كلام الشهيد (رحمه‌الله) حيث ادعى انه انما يقطع بموته بعد البرد بالمنع من ذلك مستندا إلى انه لم يصرح أحد بعدم جواز دفنه قبل البرد ففيه انه لم يصرح أحد أيضا بجواز ذلك قبل البرد. واما إطلاقهم القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت وهي ـ لا تتوقف على البرد ـ ففيه ان برد بدن الميت بعد الموت لا يتوقف على زمان يحصل به المنافاة لاستحباب التعجيل. واما قوله ـ : انه لو توقف القطع بالموت على البرد لما كان لقيد البرد فائدة ـ ففيه انا لا نمنع الموت حال

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب النجاسات.

(٣) ص ٣٢٨.

٣٣٦

الحرارة وانما نمنع انفصال الروح بكليتها في تلك الحال ، وذلك فان الروح بعد خروجها من الدن يبقى لها اتصال به كاتصال شعاع الشمس بعد غروبها بما أشرقت عليه ، وآثار ذلك الاتصال باقية ما دامت الحرارة موجودة ، وبعد البرد ينقطع ذلك ويقطع بخروجها بجميع متعلقاتها وآثارها فلا منافاة حينئذ. نعم يبقى الكلام فيما تضمنه التوقيع الخارج من الناحية المقدسة (١) فإنه ظاهر بل صريح في النجاسة قبل البرد وانه يجب غسل ما مسه به ، وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.

(الخامسة) لو مس عضوا كمل غسله فهل يجب الغسل بمسه أم لا؟ اشكال ، فقيل بالأول لإطلاق الأمر بالغسل بمس الميت بعد برده ، خرج منه من غسل بالنص والإجماع وبقي ما عداه ، ولصدق الميت الذي لم يغسل عليه في هذه الصورة ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في بعض كتبه والسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة. وقيل بالثاني واليه ذهب العلامة أيضا والشهيد في الذكرى والدروس لان الظاهر ان وجوب الغسل تابع لمسه نجسا للدوران وقد حكم بطهارة العضو المفروض.

والحق في المقام ان يقال : ان الكلام في هذه المسألة يتوقف على الكلام في نجاسة الميت ، فان قلنا بأنها عينية محضة ـ كما هو اختيار المحقق في المعتبر محتجا عليه بان الملاقي لبدن الميت ينجس بملاقاته وليس ذلك إلا لكونه نجسا ـ فلا إشكال في عدم الوجوب وذلك لان النجاسة العينية لا يشترط في طهارة بعض اجزاء محلها طهارة الباقي ، إذ طهارة المحل تحصل بمجرد غسله وانفصال لغسالة عنه من غير توقف على أمر آخر ، وان قلنا بأنها حكمية محضة ـ كما ذهب اليه المرتضى وجعله كالجنب وفرع عليه عدم وجوب غسل المس ، أو قلنا بأنها حكمية من وجه وعينية من آخر كما هو ظاهر الأكثر وهو الأقرب

__________________

(١) ص ٢٣٠.

٣٣٧

الأظهر ، اما جهة كونها حكمية فللأخبار الكثيرة الدالة على تعليل وجوب غسل الميت بخروج النطفة منه ، وقد تقدمت في باب غسل الجنابة في مسألة وجوب الترتيب (١) واما جهة كونها عينية فللأخبار الدالة على وجوب غسل الملاقي لجسد الميت بعد برده وقبل تطهيره بالغسل ، وهي صحيحة الحلبي ورواية إبراهيم بن ميمون المتقدمتان (٢) ـ فإشكال ينشأ من ان الأصل كون هذا الغسل كغيره من الأغسال الرافعة للحدث في كونه بتمامه سببا تاما في رفع النجاسة الحكمية ولهذا وجبت فيه النية كغيره من الأغسال وحينئذ فوجوب الغسل بالمس ثابت الى ان يحصل كمال الغسل لعدم صدق اسمه عليه قبل إكماله ، ومن صدق كمال الغسل بالنسبة الى ذلك العضو ، ولانه لو كان منفصلا لما وجب الغسل بمسه قطعا فكذا مع الاتصال ، لعدم تعقل الفرق ولأصالة البراءة من وجوب الغسل. والظاهر ضعفه. فالأقرب حينئذ هو الوجوب. نعم ينقدح هنا اشكال آخر وهو ان مقتضى القواعد الفقهية أن طهارة المحل من الخبث تحصل بانفصال الغسالة عن المغسول ولا يتوقف بعدها على تطهير جزء آخر كما عرفت ، فعلى هذا إذا أكمل غسل عضو وجب الحكم بطهارته من الخبث بحيث لا يجب غسل اللامس له ، ولو توقف طهارة ذلك العضو من الخبث على طهارة المجموع لزم مخالفة القاعدة المشار إليها ، وحينئذ يبعد الحكم بوجوب الغسل بمسه دون غسل العضو اللامس ، إذ لم يعهد انفكاك الغسل عن الغسل الا على ما يأتي ان شاء الله تعالى من مذهب الشهيد في إيجابه الغسل بمس العظم المجرد مع انه قد يكون طاهرا من الخبث لانه مما لا تحله الحياة ، وسيأتي بيان ضعفه ان شاء الله تعالى والتحقيق في المقام هو الوقوف على ظواهر الأخبار المتقدمة ، وقد دلت على ان مس الميت بعد برده وقبل غسله موجب للغسل والمتبادر منه كمال الغسل ، وحينئذ فما لم يكمل غسله لا يحصل مصداق الأخبار المذكورة ، واستبعاد انفكاك الغسل عن الغسل غير مسموع في مقابلة الأخبار المذكورة ، وحينئذ فالأظهر هو وجوب الغسل بمس العضو

__________________

(١) ص ٧٤.

(٢) ص ٣٣٦.

٣٣٨

المذكور وان لم يوجب غسل ما لاقاه.

(السادسة) ـ الظاهر من كلام جملة من الأصحاب ان مس الميت على الوجه المتقدم من جملة الأحداث الموجبة لنقض الطهارة المتوقف ارتفاعها على الغسل اما خاصة كما اخترناه سابقا أو مع الوضوء على المشهور ، وبذلك صرح الشهيد في الألفية حيث عده من النواقض والشيخ في النهاية حيث قال : «ومن جملة ما ينقض الوضوء ما يوجب الغسل وهو خمسة أشياء : الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الأموات» وهو ايضا ظاهره في الذكرى والدروس ، والظاهر انه لا خلاف فيه بينهم ، وظاهر المدارك التوقف في ذلك حيث قال : «واما غسل المس فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في شي‌ء من العبادات. ولا مانع من ان يكون واجبا لنفسه كغسل الجمعة والإحرام عند من أوجبهما نعم ان ثبت كون المس ناقضا للوضوء اتجه وجوبه للأمور الثلاثة المتقدمة إلا انه غير واضح» ثم نقل الاستدلال عليه بعموم قوله (عليه‌السلام) (١) : «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة». ورده بأنه مع عدم صحة سنده غير صريح في الوجوب كما اعترف به جماعة من الأصحاب.

أقول : لم أقف في شي‌ء من الاخبار بعد التتبع التام على ما يقتضي كون المس ناقضا مشروطا رفعه بالغسل الا على ما في الفقه الرضوي ، حيث قال في باب غسل الميت وتكفينه بعد ذكر غسل المس (٢) : «وان نسيت الغسل فذكرت بعد ما صليت فاغتسل وأعد صلاتك». قال بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين : «ومثل هذه الرواية لا تفيد حكما لعدم ثبوت هذا الكتاب عنه (عليه‌السلام) والقرائن تدل على عدمه ، ومع ذلك فالإعادة غير نص في المدعى لاحتمال الاستحباب» انتهى. أقول : لا يخفى على من اعطى التأمل حقه فيما نقلناه في هذا الكتاب وما سننقله ان شاء الله تعالى في المباحث الآتية ـ من اعتماد الصدوقين على هذا الكتاب والإفتاء بعبائره وترجيحها على النصوص

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ٣٥ من أبواب الجنابة.

(٢) ص ١٨.

٣٣٩

الصحيحة المستفيضة في مواضع عديدة ، حتى ان الأصحاب نسبوا كثيرا من فتاوى علي ابن الحسين بن بابويه الى الشذوذ لمخالفتها صحاح الاخبار وهي مأخوذة من هذا الكتاب كما ستنبه عليه ان شاء الله تعالى في المقامات الآتية مضافا الى ما تقدم ـ ان الكتاب المذكور من الأصول المعتمدة التي لا تقصر عن نسبة غيره من الأصول إلى مصنفيها ، ويؤيده ما ذكره شيخنا المجلسي (طاب ثراه) في مقدمات كتاب البحار حيث قال : «كتاب فقه الرضا أخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين (طاب ثراه) بعد ما ورد أصفهان ، قال : قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام ان أتاني جماعة من أهل قم حاجين وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخه عصر الرضا (عليه‌السلام) وسمعت الوالد انه قال : سمعت السيد يقول كان عليه خطه (عليه‌السلام) وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء ، وقال السيد حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الامام فأخذت الكتاب وكتبته وصححته. فأخذ والدي هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصححه ، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر ابن بابويه في الفقيه من غير سند وما يذكره والده في رسالته اليه ، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه كما ستعرف في أبواب العبادات» انتهى كلامه. ونحوه وجدت بخط والده المذكور ايضا ، وبذلك يظهر لك ما في كلام البعض المشار إليه فإنه ناشى‌ء عن قصور التتبع وعدم اشتهار الكتاب المذكور. وان الأظهر هو العمل بما دل عليه كلامه (عليه‌السلام) كما عليه من عرفت من أصحابنا ، مضافا الى أوفقيته للاحتياط المطلوب في الدين.

وقال في الذكرى : «وهذا الغسل يجامعه الوضوء وجوبا ، لما سلف ، ولو أحدث بعد الوضوء المقدم اعاده ، وبعد الغسل المقدم الوضوء لا غير ، وفي أثناء الغسل الأقرب حكمه حكم المحدث في أثناء غسل الجنابة ، وقطع في التذكرة بأنه لو أحدث في أثناء غسله أتم وتوضأ تقدم أو تأخر ، ولعله يرى ان الحدث الأكبر يرفعه الغسل والأصغر يرفعه

٣٤٠