الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وان أخرته الى الفجر بطل الصوم هنا وان لم نبطله لو لم يكن غيره» انتهى. وظاهره التفصيل بالاشتراط إن أخرت غسل الفجر الى طلوع الفجر وعدمه ان قدمته على طلوع الفجر فإنه يجزئ عنه لوقوعه ليلا ، ولو لم يكن عليها إلا غسل الفجر خاصة دون غسل العشاءين فإنه لا يبطل صومها وان أخرته إلى طلوع الفجر. وفي استفادة هذه التفاصيل من النص اشكال ، والمستفاد من النصوص المتقدمة هو ان هذه الأغسال انما هي للصلاة ليلا كانت أو نهارا ومقتضى ذلك وجوبها في أوقات تلك الصلوات ، غاية الأمر ان صحيحة ابن مهزيار دلت على انه بالإخلال بها كملا يجب عليها قضاء الصوم ، وحينئذ فكما ان المعتبر منها للصلاة ما كان بعد الوقت فليكن للصوم ايضا كذلك ، ومنه يظهر ان الأظهر عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم ، واحتمل في الروض وجوب تقديمه هنا ، قال : «لانه حدث مانع من الصوم فيجب تقديم غسله عليه كالجنابة والحيض المنقطع ، ولان جعل الصوم غاية لوجوب غسل الاستحاضة مع الغمس يدل عليه» وفي كل من الأمرين المذكورين منع ظاهر ، إذ لم يقم دليل على كونه حدثا مانعا من الصوم كما ادعاه بل هو أول المسألة ، ولم يرد ما يدل على ان الصوم غاية لوجوب غسل الاستحاضة مع الغمس كما ادعاه وان وقع في كلامهم ، إذ ليس في وجوب توقف الصوم على الأغسال المذكورة غير صحيحة ابن مهزيار المتقدمة (١) وهي خالية من ذلك. ثم نقل في الروض عن الشهيد هنا وجوب التقديم وعن العلامة في النهاية التوقف في المسألة ، وهما ضعيفان بما ذكرنا.

وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل (الأولى) ـ نقل جملة من الأصحاب عن الشيخ في المبسوط انه حكم بان انقطاع دم الاستحاضة موجب للوضوء ، وظاهره انه أعم من ان يكون انقطاعه للبرء أو لا ، ونقل عن بعض الأصحاب انه قيده بالانقطاع للبرء ، وبذلك صرح العلامة في التحرير ، وقال في الذكرى : «والأصل فيه ان انقطاع الدم يظهر معه حكم الحدث أو ان الصلاة أبيحت مع الدم للضرورة وقد زالت ،

__________________

(١) ص ٢٩٥.

٣٠١

وعلى التقديرين تنتقض الطهارة الاولى» ويرد عليه ان دم الاستحاضة يوجب الغسل تارة والوضوء أخرى فإيجاب الوضوء خاصة تحكم ، والأظهر على هذا ان يقال ان الانقطاع للبرء يوجب ما أوجبه الدم قبل الانقطاع من الوضوء أو الغسل لا الوضوء خاصة كما قالوه وتوضيحه ان الموجب في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع لا نفس الانقطاع لانه ليس بحدث ودم الاستحاضة في حد ذاته حدث يوجب الغسل أو الوضوء ، فمع الانقطاع للبرء بعد الطهارة سابقا يظهر حكم الحدث إذ الموجب هو خروج الدم وقد حصل بعد الطهارة فيترتب عليه حكمه ، والطهارة السابقة أباحت الصلاة بالنسبة الى ما سبق قبلها من الدم ، ولا يلزم من صحة الصلاة مع الدم بعد الطهارة الاولى عدم تأثيره في الحدث ، وظاهر المدارك الميل الى ما ذكرنا حيث انه بعد نقل قول الشيخ قال : «وقيده بعض الأصحاب بكونه انقطع للبرء اي الشفاء ، وهو حسن لكن لا يخفى ان الموجب له في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع لا نفس الانقطاع ، وان دم الاستحاضة يوجب الوضوء تارة والغسل أخرى ، فإسناد الإيجاب إلى الانقطاع والاقتصار على الوضوء خاصة لا يستقيم» انتهى. وظاهر المعتبر الميل الى عدم بطلان الطهارة الأولى بالانقطاع فان الانقطاع ليس بحدث. ولو قيل : النصوص مختصة بصورة الاستمرار قلنا فحينئذ إثبات كون الدم المنقطع يوجب الوضوء يحتاج الى دليل يدل على كونه حدثا وليس هنا ما يصلح لذلك. وجوابه يعرف بما قدمناه فان ظاهر النصوص يدل على كونه حدثا ، واغتفار حدثيته بعد الطهارة وقبل الصلاة من حيث الضرورة لا يستلزم الانسحاب فيما لا ضرورة تلجئ اليه وهو حال الانقطاع للبرء. وبالجملة فالمسألة لخلوها من النصوص لا تخلو من شوب الاشكال ، قال في الذكرى : «وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قبل أهل البيت (عليهم‌السلام) ولكن ما افتى به الشيخ هو قول العامة بناء منهم على ان حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير فإذا انقطع بقي على ما كان عليه ، ولما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرا» انتهى. ومرجعه الى ان دم الاستحاضة حدث كغيره من الأحداث فيجب ان يترتب عليه

٣٠٢

مسببه غسلا كان أو وضوء ، والخلاف المتقدم في اعتبار الكثرة بأوقات الصلاة أو مطلقا جار هنا أيضا.

(الثانية) ـ قال في المبسوط : «إذا توضأت المستحاضة وقامت إلى الصلاة فانقطع الدم قبل الدخول وجب عليها الوضوء ثانيا ، لان دم الاستحاضة حدث فإذا انقطع وجب منه الوضوء ، فإذا انقطع بعد تكبيرة الإحرام ودخولها في الصلاة مضت في صلاتها ولم يجب عليها استئناف الصلاة لأنه لا دليل عليه» واعترضه ابن إدريس بأنه ان كان انقطاع دمها حدثا وجب عليها قطع الصلاة واستئناف الوضوء ، قال : «وانما هذا كلام الشافعي أورده الشيخ لأن الشافعي يستصحب الحال ، وعندنا ان استصحاب الحال غير صحيح ، وما استصحب فيه الحال فبدليل وهو الإجماع على المتيمم إذا دخل في الصلاة ووجد الماء فانا لا نوجب عليه الاستئناف بالإجماع لا بالاستصحاب» انتهى. ومال في المختلف الى مذهب الشيخ قال : «والحق ما قاله الشيخ ، اما وجوب الاستئناف قبل الدخول فلان طهارتها غير رافعة للحدث على ما قلناه وانما تفيد استباحة الدخول مع وجود الحدث ، فإذا انقطع الدم وجب عليها نية رفع الحدث لأن الطهارة الأولى كانت ناقصة فلذا أوجبنا عليها اعادة الوضوء. واما عدمه مع الدخول فلأنها دخلت في صلاة مشروعة فيجب عليها إكمالها ، لقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم (١)» انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما علل به الشيخ وجوب الوضوء ثانيا في الصورة الأولى غير ما علل به العلامة ذلك ، وكلام ابن إدريس متجه بناء على تعليل الشيخ فان مرجع كلام الشيخ الى ان انقطاع الدم موجب للوضوء ، وحينئذ فيرد عليه ان الفرق بين الدخول في الصلاة وعدمه غير جيد إذ الوجه المقتضى لوجوب الاستئناف في الصورة الأولى موجود في الصورة الثانية ، والحدث كما يمنع من ابتداء الدخول في الصلاة يمنع من استدامتها ، والتمسك بالاستصحاب ضعيف كما تقدم بيانه في مقدمات الكتاب ، واما على تقدير كلام العلامة فإن مرجعه

__________________

(١) سورة محمد الآية ٣٤.

٣٠٣

إلى الفرق بين الرفع والاستباحة وعدمه والمشهور الأول ، فإنهم قد فرقوا بينهما بأن نية الاستباحة عبارة عن رفع المنع ونية رفع الحدث عبارة عن رفع المانع ، وحينئذ فدائم الحدث كالمستحاضة والسلس والمبطون والمتيمم يقتصر على نية الاستباحة لأن حدثه دائم غير ان الشارع قد أباح له الدخول في الصلاة بالطهارة ولا ينوي رفع الحدث لاستمراره منه ، وعليه يتجه كلامه في الصورة الأولى ، الا ان التحقيق العدم لان الحدث عندنا عبارة عن الحالة المانعة من الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة ، وحينئذ فمتى سوغ الشارع للمكلف الدخول فيها بأحد أنواع الطهارة فقد علم زوال تلك الحالة وهو معنى الرفع ، غاية الأمر ان زوالها قد يكون إلى غاية كما في المتيمم ودائم الحدث وقد يكون مطلقا كما في غيرهما ، ولهذا لا يوجب تخصيص كل قسم باسم بحيث لا ينصرف الى غيره ، وبذلك يظهر ضعف ما بنى عليه في المختلف في كل من الصورتين وان الأظهر عدم الفرق بين الصورتين المذكورتين ، ويرجع الكلام هنا الى ما تقدم في المسألة الأولى فكل من قال بالبطلان ثم قال به هنا ومن قال بالصحة قال بها هنا. واما ما ذهب اليه الشيخ من الفرق والتفصيل فقد عرفت ضعفه.

ويظهر من المعتبر هنا الميل الى عدم وجوب الاستئناف مطلقا لان خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه فلم يكن مؤثرا في نقضها والانقطاع ليس بحدث ، قال في المدارك بعد نقل كلامه : «وهو متجه» والشهيد في الذكرى بعد ان نقل كلام المحقق قال : «قلت لا أظن ان أحدا قال بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد الطهارة مع تعقب الانقطاع ، انما العفو عنه مع قيد الاستمرار فلا يتم الاعتراض» واعترضه في المدارك بأنه مدفوع بعموم الاذن لها في الصلاة بعد الوضوء المقتضى للعفو عما يخرج منها من الدم بعد ذلك مطلقا. أقول : لا يخفى ان اختياره هنا لما ذهب اليه المحقق مناف لما قدمنا نقله عنه في المسألة الاولى من استحسانه لما نقله عن ذلك البعض الذي قيد الانقطاع بالبرء كما لا يخفى على من راجعه ، على ان

٣٠٤

ما ادعاه هنا من عموم الاذن لها في الصلاة لا يخلو من المناقشة بل ربما كان الظاهر من سياق الاخبار المشار إليها عدمه.

(الثالثة) ـ الظاهر من كلام غير واحد من الأصحاب ـ ومنهم الشهيد في الذكرى ـ انه لو كان انقطاع الدم بعد الطهارة انقطاع فترة لا برء ـ اما لاعتيادها ذلك أو لاخبار خبير عارف فإنه لا يؤثر في نقض الطهارة لأنه بعوده كالمستمر الموجود دائما ، وإطلاق كلام الشيخ المتقدم كما أشرنا إليه آنفا يقتضي حصول النقض به مطلقا وعن العلامة انه اعتبر قصور زمان الفترة عن الطهارة والصلاة فلو طالت بقدرهما وجبت الإعادة لتمكنها من طهارة كاملة ، فلو لم تعدها وصلت فاتفق عوده قبل الفراغ على خلاف العادة وجب عليها إعادة الصلاة لدخولها فيها مع الشك في الطهارة. قال في الروض : «ومثله ما لو شكت في الانقطاع هل هو للبرء أم لا أو هل يطول زمانه بمقدار الطهارة والصلاة أم لا؟ فيجب إعادة الطهارة لأصالة عدم العود ، لكن لو عاد قبل إمكان فعل طهارة والصلاة فالوضوء بحاله لعدم وجود الانقطاع المانع من الصلاة مع الحدث».

(الرابعة) ـ صرح الأصحاب بأنه يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم من التعدي بقدر الإمكان ، وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (١) : «... وتحتشي وتستثفر وتحشى (٢) وتضم فخذيها في

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٢) قال في الوافي بعد ذكر الرواية : «بيان : تحشى مضبوط في بعض النسخ المعتمد عليها بالحاء المهملة والشين المعجمة المشددة وفسر بربط خرقة محشوة بالقطن ـ يقال لها المحشي ـ على عجيزتها للتحفظ من تعدى الدم حال القعود ، وفي الصحاح المحشي العظامة تعظم بها المرأة عجيزتها. وفي بعض النسخ تحتبى بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة من الاحتباء وهو جمع الساقين والفخذين الى الظهر بعمامة ونحوها ليكون ذلك موجبا لزيادة تحفظها من تعدى الدم. وفي بعض النسخ ولا تحني بزيادة «لا» وبالنون وحذف حرف المضارعة أي لا تختضب بالحناء. ونقل عن العلامة الحلي أنها بالياءين التحتانيتين أولاهما مشددة ـ

٣٠٥

المسجد وسائر جسدها خارج.». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (١) : «... ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستذفر بثوب ثم تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب.». وفي موثقة زرارة (٢) : «... ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء. الحديث». وفي حديث يونس (٣) المشتمل على السنن الثلاث «وأمرها ان تغتسل وتستثفر بثوب وتصلي». وفي موضع آخر منه «وتلجمي». الى غير ذلك من الاخبار. والاستثفار بالسين المهملة ثم التاء المثناة من فوق ثم الثاء المثلثة وفي آخره راء مصدر قولك : استثفر الرجل بثوبه إذا رد طرفيه بين رجليه الى حجزته بضم الحاء والجيم الساكنة ، أو من استثفر الكلب بذنبه : جعله بين فخذيه ، أو من ثفر الدابة بالثاء المثلثة الذي يجعل تحت ذنبها ، ومنه الحديث «الاستثفار ان تجعل مثل ثفر الدابة (٤) وفي المغرب «استثفر المصارع إزاره وبإزاره إذا اتزر به ثم رد طرفيه بين رجليه فغرزهما في حجزته» وقد ذكر في الروض ان المراد به هنا التلجم بان تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة أخرى وتعقد أحد طرفيها بالأولى من قدام وتدخلها بين فخذيها وتعقد الطرف

__________________

أي لا تصلى تحية المسجد. والأول أقرب الى الصواب والواو في قوله (عليه‌السلام) : «وسائر جسدها خارج» وأو الحال يعنى انها لا تدخل المسجد ولكنها تجلس قريبا من المسجد بحيث يكون سجودها فيه ضامة فخذيها حين تدخل رأسها للسجود ، الى ان قال : وكأن المراد بالمسجد محل صلاتها الذي كانت تصلى فيه وانما لا تدخله احتراما له» أقول : وفي بعض التعاليق على الكافي احتمال ان يكون «ولا تحني» أي لا تحني ظهرها كثيرا مخافة ان يسيل الدم.

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٣) ص ١٨٢.

(٤) هذه الجملة وردت في ذيل صحيحة الحلبي المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة وقبلها تفسير الاستذفار. وقال المحدث الكاشاني : «وكأن تفسير اللفظتين من كلام صاحب الكافي» الا ان في مجمع البحرين بعد بيان معنى الاستثفار قال : «ومنه الحديث والاستثفار.».

٣٠٦

الآخر من خلفها بالأولى ، كل ذلك بعد غسل الفرج وحشوه قطنا قبل الوضوء ، وبنحو منه فسر ابن الأثير الاستثفار الواقع في حديث المستحاضة.

وكذا يجب الاستظهار على السلس والمبطون لرواية حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وادخل ذكره فيه ثم صلى : يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر بأذان وإقامتين. الحديث». وعلل ايضا باشتراك الجميع في النجاسة فيجب الاحتراز منها بقدر الإمكان ، قال في الروض : «فلو خرج الدم أو البول بعد الاستظهار والطهارة أعيدت بعد الاستظهار ان كان لتقصير منه وإلا فلا للحرج ، ويمتد الاستظهار الى فراغ الصلاة ، قال : ولو كانت صائمة فالظاهر وجوبه جميع النهار ، لأن تأثير الخارج في الغسل وتوقف الصوم عليه يشعر بوجوب التحفظ كذلك وبه قطع المصنف» أقول : اما ما ذكره من الحكم الأول فجيد ، واما الثاني فمحل اشكال وان كان هو الأحوط. أما الجرح السائل فلا يجب شده بل تجوز الصلاة وان كان سائلا كما دلت عليه الاخبار الكثيرة (٢) مضافا الى اتفاق الأصحاب ، قالوا : ويفرق السلس والمبطون والمستحاضة بعدم وجوب تغيير الشداد في الأولين ووجوبه في الثالث لاختصاص الاستحاضة بالنقل والتعدي قياس. وقد تقدم ما فيه ، ولعله وصل إليهم من الاخبار ما يدل على التغيير لكل صلاة وإلا فالأخبار الواصلة إلينا خالية من ذلك ، مضافا الى ما دل على العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه (٣) كما تقدم بيانه. والله العالم.

الفصل الرابع

في غسل النفاس وفيه مسائل (الأولى) ـ النفاس بكسر النون يقال : نفست

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب النجاسات.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٣١ من أبواب النجاسات.

٣٠٧

المرأة كفرح ونفست بالبناء للمجهول وفي الحيض بفتح النون لا غير ، والولد منفوس ، ومنه الحديث : «لا يرث المنفوس حتى يستهل صائحا» (١). والمرأة نفساء بضم النون وفتح الفاء والجمع نفاس مثل عشراء وعشار ، قال الجوهري : «ليس في كلام العرب فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء» ويجمع ايضا على نفساوات كعشراوات. وهو اما مأخوذ من النفس بمعنى الدم كما يقال ذو نفس سائلة إذا كان يخرج دمه بعد الذبح بقوة ، وانما سمي الدم بذلك لان النفس التي هي اسم لجملة الحيوان قوامها بالدم ، أو من خروج النفس يعني الولد ، أو من تنفس الرحم بالدم ، والأشهر في كلام اللغويين المعنى الأول. وكيف كان فقد نقله الفقهاء عن معناه اللغوي إلى آخر وهو الدم الخارج في الولادة في الجملة. وقد اتفق الأصحاب على ان الخارج قبل الولادة ليس بنفاس والخارج بعد الولادة نفاس ، واما المصاحب لخروج الولد فظاهر كلامهم الخلاف فيه ، وقد نص الشيخ في المبسوط والخلاف ومثله سلار على انه الخارج عقيب الولادة أو معها ، وقال المرتضى في المصباح : «النفاس هو الدم الذي تراه المرأة عقيب الولادة» ونحوه كلام الشيخ في الجمل وابي الصلاح ، ومقتضاه ان الخارج مع الولد ليس بنفاس ، قال في المعتبر بعد إيراد القولين : «والتحقيق ان ما تراه مع الطلق ليس بنفاس وكذا ما تراه عند الولادة قبل خروج الولد ، اما ما يخرج بعد ظهور شي‌ء من الولد فهو نفاس» وكأنه أراد بذلك الجمع بين القولين المذكورين بحمل قول المرتضى عقيب الولادة على ما هو أعم من خروج الولد أو شي‌ء منه ، وقال في المختلف بعد نقل القولين ايضا : «والظاهر انه لا منافاة بينهما فان كلام الشيخ في الجمل محمول على الغالب لا ان النفاس يجب ان يكون عقيب الولادة» وعلل كونه نفاسا بحصول المعنى المشتق منه وخروجه بسبب الولادة فيشمله عموم الأدلة. وفيهما ما لا يخفى.

ويمكن الاستدلال لما ذهب اليه المرتضى ومن تبعه بما رواه ثقة الإسلام في الكافي

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٧ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه.

٣٠٨

في الموثق عن عمار بن موسى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما؟ قال : تصلي ما لم تلد فان غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر ان تصليها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر». وما رواه الصدوق بإسناده عن عمار بن موسى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن امرأة أصابها الطلق اليوم واليومين وأكثر من ذلك ترى صفرة أو دما كيف تصنع بالصلاة؟ قال : تصلي ما لم تلد فان غلبها الوجع صلت إذا برأت». والتقريب فيهما انه (عليه‌السلام) أوجب عليها الصلاة حتى تلد ، والمتبادر من الولادة خروج الولد كملا وحينئذ فإيجاب الصلاة عليها قبل خروج الولد كملا يوجب الحكم بكون دمها قبل خروجه دم استحاضة لا دم نفاس. نعم روى الشيخ في المجالس بسنده عن زريق بن الزبير الخرقاني (٣) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة حامل رأت الدم؟ فقال : تدع الصلاة. قال فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي تمخض؟ قال : تصلي حتى يخرج رأس الصبي فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة ، وكل ما تركته من الصلاة في تلك الحال لوجع أو لما هي فيه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها. قال قلت جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ قال : ان الحامل قذفت بدم الحيض وهذه قذفت بدم المخاض الى ان يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس فيجب ان تدع في النفاس والحيض ، فاما ما لم يكن حيضا أو نفاسا فإنما ذلك من فتق في الرحم». وهي صريحة في القول الأول ، وحينئذ فيجب حمل الخبرين المتقدمين على ما يرجعان به الى هذا الخبر جمعا ، من حمل قوله «ما لم تلد» على خروج بعض من الولد. وقريب من هذه الرواية ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما كان الله تعالى ليجعل

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب النفاس.

(٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب الحيض.

٣٠٩

حيضا مع حبل يعني إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا ان ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة». والظاهر ان قوله : «يعني» من كلامه (عليه‌السلام) بعد نقله الحديث النبوي.

ثم انه لا يخفى ان رواية المجالس لا تخلو من اشكال ، وذلك فإنها قد تضمنت ان الحامل إذا رأت الدم تدع الصلاة وهو ظاهر في اجتماع الحمل مع الحيض كما هو أصح القولين وأشهرهما ، وتضمنت انها إذا رأت الدم وقد أصابها الطلق وهي تمخض تصلي حتى يخرج رأس الصبي ، وهو ظاهر في كون هذا الدم دم استحاضة ، والقائلون باجتماع الحمل مع الحيض لا يفرقون بين الدمين المذكورين بل الجميع حيض عندهم مع استكمال شرائط الحيض ، وهو ايضا ظاهر الأخبار الدالة على الاجتماع. نعم اختلف القائلون بالاجتماع في انه هل يعتبر تخلل أقل الطهر بينه وبين النفاس اما بنقاء أو بما يحكم بكونه استحاضة كالخارج بعد العادة متجاوزا لأكثره على المشهور أو أعم على ما اخترناه سابقا أم لا؟ قولان ، للأول انهم حكموا بان النفاس كالحيض بل هو حيض محتبس واليه يشير بعض الأخبار ، وللثاني عدم كونه حيضا حقيقيا والمشابهة لا تستلزم اتحاد الحقيقة وعموم الأحكام بل يكفي فيها الاتحاد في بعض المواد. واستقرب العلامة في النهاية الأول وهو ظاهر الذكرى ، وفي المنتهى والتذكرة الثاني ، واختاره جملة ممن تأخر عنه ومنهم السيد في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة ، ويدل على الأول روايتا عمار المتقدمتان (١) وظاهر الروض الميل إليه أيضا ، وحينئذ فلو رأت الدم ثلاثة أيام مثلا ثم ولدت قبل مضى أقل الطهر فهو استحاضة على القول الأول لفقد شرط ما بين الحيضتين وفصل الولادة لم يثبت انه كاف عن الطهر ، وحيض على الثاني لعدم اشتراط فصل أقل الطهر في هذا الموضع ، وقد عرفت قوة الأول بدلالة الخبرين المذكورين.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه يشترط عندهم في صدق الولادة الموجبة للحكم بكون

__________________

(١) ص ٣٠٩.

٣١٠

الدم المصاحب لها والمتأخر عنها نفاسا خروج جزء مما يسمى آدميا أو مبدأ نشو آدمي ولو كان مضغة ، وقيدها بعضهم مع اليقين بكونها مبدأ نشو ادمي ، اما العلقة وهي القطعة من الدم الغليظ فلا لعدم اليقين. قال في المعتبر : «ولو وضعت مضغة كان كما لو وضعت جنينا لانه دم جاء عقيب حمل ، اما العلقة والنطفة فلا يتيقن معهما الحمل فيكون حكمه حكم الدم السائل» ونحوه في المنتهى. والحق العلامة في النهاية العلقة بالمضغة مع شهادة القوابل ، وقال في الذكرى انه لو فرض العلم بكونها مبدأ نشو انسان بقول اربع من القوابل كان نفاسا. وتوقف فيه بعض المحققين لانتفاء التسمية ، واعترضه في الروض بأنه لا وجه للتوقف بعد فرض العلم ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : «وفيه ان منشأ التوقف عدم صدق الولادة عرفا وان علم انه علقة فالتوقف في محله» أقول : لا يخفى ان ما اعترضه على جده هنا مندفع بما ذكره عقيب هذه العبارة حيث قال بعد نقل كلام الذكرى «وتوقف فيه بعض المحققين لانتفاء التسمية ولا وجه له بعد فرض العلم ، ولأنا ان اعتبرنا مبدأ النشو فلا فرق بينها وبين المضغة مع العلم. نعم قد يناقش في إمكان العلم بذلك وهو خارج عن الفرض» انتهى. ومرجعه إلى انه متى اعتبر مبدأ النشو وقد حصل ذلك في العلقة بشهادة القوابل فإنه تصدق الولادة بعين ما اتفقوا عليه في المضغة. وهو جيد لا يرد عليه شي‌ء مما ذكره سبطه.

بقي الكلام في ترتب صدق الولادة والحكم بالنفاس على ما ذكروه من مبدأ النشو مضغة كانت أو علقة ، فإن غاية ما يفهم من الأخبار ترتب النفاس على الولادة والمتبادر من هذا اللفظ باعتبار ما هو الشائع المتكرر المتكثر هو خروج الولد الآدمي ، لما عرفت في غير مقام من تصريحهم بأن الإطلاقات في الأخبار انما تحمل على الأفراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، ويؤيده التصريح بلفظ الولد في جملة من الأخبار ، والحكم بترك العبادة المفروضة المعلومة بالأدلة القطعية يحتاج الى دليل واضح ، وليس في الأخبار ما يدل هنا على ما ذكروه من صدق الولادة وحصول النفاس بخروج ما كان

٣١١

مبدأ نشو آدمي ، والظاهر ان أول من ذكر ذلك المحقق في المعتبر والعلامة وتبعهما من تأخر عنهما ، وكلام المتقدمين خال من ذلك كما لا يخفى على من راجعه ، وبالجملة فالحكم بذلك عندي موضع توقف لما عرفت. ثم انه قد ذكر في الروض انه تصدق المعية بخروج الجزء وان كان منفصلا ولو لحقه الثاني كان كولادة التوأمين فابتداء النفاس من الأول وغايته من الأخير. انتهى. وللتأمل فيه مجال. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لأحد لقليل النفاس فيجوز ان يكون لحظة بل يجوز ان لا ترى دما مطلقا ، كل ذلك لأصالة العدم وتوقف التكاليف الشرعية على الأدلة القطعية ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن ليث المرادي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن النفساء كم حد نفاسها حتى يجب عليها الصلاة وكيف تصنع؟ قال : ليس لها حد». والشيخ حمله على انه ليس له حد شرعي لا يزيد ولا ينقص بل ترجع الى عادتها ، والأظهر ان المراد السؤال عن حده في جانب القلة ، حيث ان الاخبار قد تضمنت حده في جانب الكثرة فسأل عن حده في جانب القلة كما في الحيض من وجود الحد بذلك فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لا حد له. وعن علي بن يقطين في الصحيح عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن النفساء فقال : تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط.». ونقل المحقق في المعتبر قال : «وقد حكى ان امرأة وأدت على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم تر دما فسميت الجفوف» (٣) انما الخلاف في حد أكثره فقيل بأنه عشرة ونقله في المختلف عن علي بن بابويه والشيخ قال : وبه افتى أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس. أقول ونسبه في المبسوط الى أكثر

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب النفاس.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

(٣) في المغني لابن قدامة ج ١ ص ٣٤٧ والمهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٤٥ «روى ان امرأة ولدت على عهد رسول الله «ص» فلم تر دما فسميت ذات الجفوف».

٣١٢

الأصحاب وهو مؤذن بشهرته بين المتقدمين ، وهو اختيار المحقق في كتبه الثلاثة. وقيل انه ثمانية عشر ، ونقله في المختلف عن المرتضى والمفيد وابن بابويه وابن الجنيد وسلار إلا ان المفيد قال : «وقد جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة الحيض عشرة أيام وعليه اعمل لوضوحه» (١) وقيل بالتفصيل بأنها ان كانت مبتدأة أو ذات عادة غير مستقرة فعشرة أيام وان كانت ذات عادة فعادتها. والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين. وقيل بأنها ان كانت ذات عادة فعادتها وان كانت مبتدأة فثمانية عشر يوما ، وهو اختياره في المختلف حيث قال فيه بعد نقل القولين الأولين : «والذي اخترناه نحن في أكثر كتبنا ان المرأة ان كانت مبتدأة في الحيض تنفست بعشرة أيام فإن تجاوز الدم فعلت ما تفعله المستحاضة بعد العشرة ، وان لم تكن مبتدأة وكانت ذات عادة مستقرة تنفست بأيام الحيض ، وان كانت عادتها غير مستقرة فكالمبتدأة ، والذي نختاره هنا انها ترجع الى عادتها في الحيض ان كانت ذات عادة ، وان كانت مبتدأة صبرت ثمانية عشر يوما» انتهى.

والسبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار واختلاف الأفكار في الجمع بينها ، وها انا انقل أولا أخبار المسألة كملا واذيلها ـ ان شاء الله تعالى ـ بما يتضح به الحال مما ظهر لي منها بتوفيق ذي الجلال :

فمنها ـ ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار وزرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

(٣) ج ١ ص ٢٨ وفي الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

٣١٣

تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة». ورواه الشيخ بإسناد آخر في القوى (١)

وعن زرارة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له النفساء متى تصلي؟ قال : تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت. الحديث».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : النفساء تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلي».

وعن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين».

وعن يونس في الموثق (٥) ـ والظاهر انه ابن يعقوب ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى؟ قال : فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة.». والمراد بقوله : «عشرة أيام» يعني إلى عشرة كما ذكره الشيخ.

وعن مالك بن أعين في القوى (٦) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم؟ قال نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد ان يغشاها زوجها ، يأمرها فتغتسل ثم يغشاها ان أحب».

وعن عبد الرحمن بن أعين (٧) قال : «قلت له ان امرأة عبد الملك ولدت فعد لها أيام حيضها ثم أمرها فاغتسلت واحتشت وأمرها ان تلبس ثوبين نظيفين وأمرها بالصلاة فقالت له لا تطيب نفسي ان ادخل المسجد فدعني أقوم خارجا عنه واسجد فيه. فقال قد أمر به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ،

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

٣١٤

وأمر علي (عليه‌السلام) بهذا قبلكم فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، فما فعلت صاحبتكم؟ قلت : ما ادري».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثي أيامها ثم تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وان كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع المستحاضة تحتشي وتغتسل». وحمل بعض الأصحاب الاستظهار بمثل ثلثي ذلك على ما إذا كانت العادة ستة فما نقص لئلا يزيد أيام العادة والاستظهار عن العشرة.

وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ تدل على التنفس بأيام العادة في الحيض.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن النفساء كم تقعد؟ قال : ان أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس ان تستظهر بيوم أو بيومين».

وعن زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) «ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر فأمرها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حين أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج ، فلما قدموا ونسكوا المناسك فاتت لها ثمانية عشرة ليلة فأمرها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك».

وفي الموثق عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) «ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر فأمرها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهل بالحج ، فلما

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

٣١٥

قدموا ونسكوا المناسك سألت النبي عن الطواف بالبيت والصلاة فقال لها منذ كم ولدت؟ فقالت منذ ثمانية عشر يوما ، فأمرها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تغتسل وتطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك».

وما رواه في الكافي عن علي عن أبيه رفعه (١) قال : «سألت امرأة أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقالت اني كنت اقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ولم أفتوك بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن ابي بكر. فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان أسماء سألت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد اتى لها ثمانية عشر يوما ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعل المستحاضة».

وما رواه في المنتقى عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عياش الجوهري عن احمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن حمران بن أعين (٢) قال : «قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا اقرأ أبا جعفر السلام وقل له انى كنت اقعد في نفاسي أربعين يوما وان أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما؟ فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) من أفتاها بثمانية عشر يوما؟ قال فقلت : للرواية التي رووها في أسماء بنت عميس انها نفست بمحمد بن ابي بكر بذي الحليفة فقالت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف اصنع؟ فقال لها : اغتسلي واحتشي وأهلي بالحج فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضى الحج ، فرجعت الى مكة فاتت رسول الله فقالت يا رسول الله أحرمت ولم أطف ولم اسع؟ فقال لها رسول الله وكم لك اليوم؟ فقالت ثمانية عشر يوما. فقال اما الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي. فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت. فقال

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

٣١٦

أبو جعفر (عليه‌السلام) : انها لو سألت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها به. قلت فما حد النفساء؟ قال تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها فإن هي طهرت وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت فان كان انقطع الدم فقد طهرت وان لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي».

وروى الصدوق في العلل عن حنان بن سدير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما ولم تعط أقل منها ولا أكثر؟ قال : لان الحيض أقله ثلاثة أيام وأوسطه خمسة وأكثره عشرة فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره».

وروى في العيون عن الرضا (عليه‌السلام) فيما كتبه للمأمون (٢) قال : «والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما فان طهرت قبل ذلك صلت وان لم تطهر قبل العشرين حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلت. الحديث».

وفي الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه‌السلام) (٣) في حديث شرائع الدين قال : «والنفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما إلا ان تطهر قبل ذلك فان لم تطهر قبل العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : تقعد النفساء سبع عشرة ليلة فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال ثماني عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلي».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوما الى الخمسين».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

٣١٧

وعن علي بن يقطين في الصحيح (١) قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه‌السلام) عن النفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط الى ثلاثين يوما فإذا رق وكانت صفرة اغتسلت وصلت ان شاء الله تعالى».

وعن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «النفساء تقعد أربعين يوما فان طهرت وإلا اغتسلت وصلت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلي».

وعن محمد بن يحيى الخثعمي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النفساء؟ فقال كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جربت. قلت فلم تلد فيما مضى؟ قال : بين الأربعين إلى الخمسين».

وروى في كتاب نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «أكثر الحيض عشرة أيام وأكثر النفاس أربعون يوما».

وفي الفقه الرضوي (٤) قال (عليه‌السلام): «والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها وهي عشرة أيام وتستظهر بثلاثة أيام ثم تغتسل فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة ، وقد روى ثمانية عشر يوما ، وروى ثلاثة وعشرون يوما ، وبأي هذه الاخبار من باب التسليم أخذ جاز».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، ولا يخفى ما هي عليه من التصادم والاختلاف إلا ان ظاهر الأصحاب الاعراض عن الروايات الأخيرة المتضمنة لما زاد على الثمانية عشرة ، قال الصدوق في الفقيه ـ بعد ان افتى بأنها تقعد عن الصلاة ثمانية عشر يوما مستدلا بحديث أسماء ـ ما صورته : «والأخبار التي رويت في قعودها أربعين يوما وما زاد الى ان تطهر معلولة كلها وردت للتقية لا يفتي بها إلا أهل الخلاف».

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

(٤) ص ٢١.

٣١٨

بقي الكلام في ان جملة من الأصحاب ـ كما عرفت ـ ذهبوا الى ان أكثره عشرة والشيخ في التهذيب انما استدل على هذا القول باخبار العادة المتقدمة التي تضمنت انها تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها. ولا يخفى ما فيه فان أيام الأقراء تختلف باختلاف عادات النساء فإطلاق القول بأن العشرة أكثر النفاس إذا رأت عشرة ليس بصحيح ، نعم قال المفيد في المقنعة (١) : «وقد جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة الحيض عشرة أيام وعليه اعمل لوضوحه» أقول : ولم يصل إلينا من هذه الاخبار إلا ما قدمناه في كتاب الفقه ونقل الشيخ محمد بن إدريس في أوائل السرائر قال : «وذكر الشيخ محمد بن محمد بن النعمان في جواب سائل سأله فقال كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة وكم تبلغ أيام ذلك؟ فقد رأيت في كتابك أحكام النساء أحد عشر يوما وفي الرسالة المقنعة ثمانية عشر يوما وفي كتاب الإعلام أحد وعشرين يوما فعلى ايها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال الواجب على النفساء ان تقعد عشرة أيام وانما ذكرت في كتبي ما روى من قعودها ثمانية عشر يوما وما روى في النوادر استظهارا بأحد وعشرين يوما ، وعملي في ذلك على عشرة أيام لقول الصادق (عليه‌السلام) لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض» انتهى.

إذا عرفت ذلك فالذي يظهر عندي من التأمل في اخبار المسألة هو ان ذات العادة في الحيض ترجع الى عادتها للأخبار المتقدمة الصحيحة الصريحة في ذلك ، وانما يبقى الإشكال في غيرها فهل تعمل على روايات الثمانية عشر كما ذهب إليه العلامة في المختلف وجعله وجه جمع بين أخبار المسألة ، أو على روايات العشرة كما هو المشهور بين المتأخرين؟ إشكال ينشأ من ان روايات الثمانية عشر لا تخلو من الاضطراب ، فان صريح مرفوعة على بن إبراهيم ورواية الجوهري المنقولة من كتاب المنتقى هو ان امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأسماء بعد الثمانية عشر بالغسل والطواف انما هو لتأخر سؤالها

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب النفاس.

٣١٩

وإلا فلو سألته قبل ذلك لأمرها بذلك ، وعلى هذا المعنى حمل الشيخ أخبار المسألة مستندا إلى مرفوعة علي بن إبراهيم المشار إليها. والحمل على هذا المعنى قريب في بعضها كموثقة محمد بن مسلم وفضيل وزرارة ، ومحتمل على بعد في صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة المذكورة بعدها ، وممتنع في باقي روايات الثمانية عشر الغير المتعلقة بقصة أسماء مثل رواية حنان بن سدير المنقولة من العلل وما بعدها من الاخبار ، وحينئذ فأخبار الثمانية عشر في حد ذاتها تحتاج الى وجه تجتمع عليه حتى يمكن الاستدلال بها. هذا وجه الإشكال في روايات الثمانية عشر. واما روايات العشر فقد عرفت انه لم يرد شي‌ء منها مسندا في كتب الاخبار الا ما عرفت من عبارة كتاب الفقه الرضوي ونقل المفيد وصول الاخبار بذلك اليه ، ويمكن ترجيحه (أولا) ـ بأن نقله (رحمه‌الله) لا يقصر عن مراسيل ابن ابي عمير ونحوه من أجلاء الأصحاب التي قد تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول. و (ثانيا) ـ بدلالة كلامه (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي على ذلك ، وقد عرفت ان الكتاب معتمد لاعتماد الصدوقين عليه وافتائهما بعبائره كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى في المباحث الآتية من هذا الكتاب وكتاب الصلاة وكتاب الزكاة والصوم والحج. و (ثالثا) ـ بإمكان التأويل في اخبار الثمانية عشر على وجه لا تصلح به للاستدلال في هذا المجال بان يحمل المطلق من اخبار أسماء على ما دلت عليه مرفوعة علي بن إبراهيم ورواية الجوهري حمل المطلق على المقيد وما لم يقبل ذلك فيحمل على التقية وان تضمن العلة في ذلك ، والى ذلك أشار الشيخ ورجحه المحقق الشيخ حسن في المنتقى الا انه حمل أخبار أسماء وغيرها من اخبار الثمانية عشر على التقية ، قال بعد ان اختار حمل أخبار أسماء على التقية : «انه يمكن ان يكون القدر الذي يستبعد فيه ذلك منسوخا لانه متقدم والحكم بالرجوع إلى العادة متأخر ، وإذا تعذر الجمع تعين النسخ ويكون تقرير الحكم بعد نسخه محمولا على التقية لما قلناه من ان في ذلك تقليلا للمخالفة ، ومع تأدي التقية بالأدنى لا يتخطأ إلى الأعلى» انتهى. وظني ان ما ذكرناه

٣٢٠