الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

الثالث ، ويمكن ترجيح الخبرين الأولين برواية الشيخين المشار إليهما لما ذكراه مسندا وإرسال هذه الرواية. ولو جهل الحيض أو نسيه أو جهل الحكم أو نسيه فالظاهر انه لا شي‌ء عليه لعدم توجه الخطاب في هذه الحالات اليه ، وبذلك صرح جملة منهم (رضوان الله عليهم).

(الثاني) ـ قال في المدارك : «ولو اشتبه الحال فان كان لتحيرها فسيأتي حكمه وان كان لغيره كما في الزائد على العادة فالأصل الإباحة ، وأوجب عليه في المنتهى الامتناع ، قال لان الاجتناب حالة الحيض واجب والوطء حالة الطهر مباح فيحتاط بتغليب الحرام لان الباب باب الفروج. وهو حسن إلا انه لا يبلغ حد الوجوب» انتهى أقول : لا يخفى ان هذا الكلام انما يتمشى على ما هو المشهور في كلامهم من ان ما زاد على العادة يراعى بالانقطاع قبل العشرة أو تجاوزها ، فان انقطع حكم بكون الجميع حيضا وان تجاوز علم ان ما زاد على العادة استحاضة ، فعلى هذا يكون الدم بعد العادة وقبل وصول العشرة محتملا للحيض والطهر ، وبه يتجه ما قاله هنا من ان الأصل الإباحة وكذا ما نقله عن العلامة ، واما على ما هو المفهوم من الاخبار ـ كما نبهنا عليه فيما تقدم من انه بعد تجاوز الدم عن أيام العادة فإنها تستظهر بيومين أو ثلاثة ثم بعد ذلك تعمل عمل المستحاضة انقطع الدم على العشرة أو تجاوز ـ فلا وجه لهذا الكلام بل التحقيق فيه ان الدم في أيام الاستظهار ـ حيث الحقه الشارع بالحيض ـ في حكم الحيض بالنسبة إلى ترك العبادة وجماع الزوج ونحو ذلك من أحكام الحائض ، وما بعد أيام الاستظهار فالواجب عليها العمل بما تعمله المستحاضة وتكون بذلك طاهرة يجوز لزوجها إتيانها ، وحينئذ فلا يكون ما بعد أيام العادة محل احتمال ولا شك لا في أيام الاستظهار ولا فيما بعدها. والعجب منه انه ناقش الأصحاب فيما تقدم في هذا الحكم الذي ذكرناه وصرحوا بان الروايات لا تساعده ومع هذا تبعهم في هذا المقام وحذا حذوهم بهذا الكلام.

(الثالث) ـ الظاهر انه لا اشكال ولا خلاف في قبول قولها لو أخبرت بالحيض ما لم تكن متهمة بتضييع حق الزوج ، لظاهر قوله تعالى : «... وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ

٢٦١

يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ...» (١) ولولا وجوب القبول لما حرم الكتمان ، ويدل عليه من الاخبار ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «العدة والحيض الى النساء». وما رواه الكليني في الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «العدة والحيض الى النساء إذا ادعت صدقت». واما ما يشير الى عدم القبول مع التهمة فهو ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضى على ما ادعت فان شهدن صدقت وإلا فهي كاذبة». ورواه الصدوق مرسلا (٥) وحمل الشيخ هذا الخبر على صورة تكون المرأة متهمة ، قال بعض الأصحاب : «ومفاد الخبر على تقدير العمل به أخص مما ذكره الشيخ ، إذ الدعوى فيه مخالفة للعادة الجارية قليلة الوقوع» وهو جيد إلا انه غير خال من الاشعار بذلك. ولو ظن الزوج كذبها قيل : لا يجب القبول واليه مال الشهيد الثاني ، وقيل يجب وهو اختيار العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى ، وهو الأقوى عملا بظاهر الخبرين المتقدمين.

(الرابع) ـ المشهور بين الأصحاب تخصيص التحريم بالجماع في القبل وانه يجوز له الاستمتاع بما عدا ذلك ، وعن المرتضى في شرح الرسالة انه قال : «لا يحل الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر ومنه الوطي في الدبر».

احتج المجوزون بقوله عزوجل : «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» (٦) وهو ظاهر في عدم اللوم على الاستمتاع كيف كان ، خرج منه موضع الدم بالنص وبقي الباقي على أصل الجواز ، وبالأخبار الكثيرة

__________________

(١) سورة البقرة. الآية ٢٢٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الحيض.

(٦) سورة المؤمنون. الآية ٥ و ٦.

٢٦٢

ومنها ـ موثقة عبد الله بن بكير عن بعض بأصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم». ورواية عبد الملك بن عمرو (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال كل شي‌ء ما عدا القبل بعينه». وصحيحة عمر بن يزيد (٣) قال «قلت : لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما للرجل من الحائض؟ قال ما بين أليتيها ولا يوقب». ورواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال : ما دون الفرج». ورواية عبد الله بن سنان (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما دون الفرج». وموثقة هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض؟ قال : لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع». ونحوها روايات أخر أعرضنا عن التطويل بذكرها.

احتج المرتضى بقوله عزوجل : «... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ...» (٧) وقوله تعالى : «... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ...» (٨) أي في وقت الحيض ، وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٩) «في الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال : تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار.». أقول : ويدل عليه أيضا موثقة أبي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١٠) قال : «سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال : تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار». ويؤيد ذلك أيضا رواية حجاج الخشاب (١١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها؟ قال : تلبس درعا ثم تضطجع معه».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب الحيض.

(٧ و ٨) سورة البقرة. الآية ٢٢١.

(٩ و ١٠ و ١١) المروية في الوسائل في الباب ٢٦ من أبواب الحيض.

٢٦٣

والظاهر هو القول المشهور المؤيد بالأدلة المذكورة ، واما ما يدل على مذهب المرتضى (رضي‌الله‌عنه) فقد أجاب في المختلف عن الآية الأولى بأن حقيقة القرب ليست مرادة بالإجماع فيحمل على المجاز المتعارف وهو الجماع في القبل لان غيره نادر ، وعن الثانية بأنه يحتمل ارادة موضع الحيض بل هو المراد قطعا فان اعتزال النساء مطلقا ليس مرادا بل اعتزال الوطء في القبل. أقول : اما ما أجاب به عن الاولى فهو جيد ، لما عرفت في غير موضع من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكررة وبعد تعذر الحمل على الحقيقة فالفرد المتكرر انما هو الجماع في القبل ، ويؤيده ما ذكره المفسرون في سبب النزول من ان اليهود كانوا يعتزلون النساء فلا يواكلوهن ولا يباشروهن مدة الحيض فسئل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن ذلك فنزلت هذه الآية فقال النبي : «اصنعوا كل شي‌ء إلا النكاح» (١) واما ما أجاب به عن الثانية فتوضيحه ان الظاهر ان المحيض هنا اسم مكان بمعنى موضع الحيض كالمبيت والمقيل واحتمال كونه مصدرا أو اسم زمان يوجب الإضمار والتخصيص للإجماع على عدم وجوب اعتزالهن بالكلية. وأيده بعضهم بان الحكم بالاعتزال على تقدير ان يكون اسم زمان أو مصدرا لا يشمل ما بعد زمان الحيض بوجه فكان منتهاه معلوما فتقل الفائدة في قوله تعالى : «حَتّى يَطْهُرْنَ».

واما الأخبار فالجواب عنها من وجوه : (أحدها) ـ انها معارضة بما هو أكثر عددا وأصرح دلالة فيجب الجمع بينهما بحمل هذه الروايات على كراهة ما تحت الإزار و (ثانيها) ـ ان قصارى ما دلت عليه هذه الاخبار ان له الاستمتاع بما فوق المئزر ونحن نقول به ، ودلالتها على تحريم ما عداه انما هو بمفهوم اللقب وهو ضعيف كما قرروه في الأصول. و (ثالثها) ـ ان المراد بما يحل هو المعنى المتعارف عند الفقهاء والأصوليين وهو ما يتساوى طرفاه المرادف للمباح ، ولا ريب ان نفيه لا يستلزم الحرمة لجواز إرادة الكراهة ، ونحن لا نخالف فيها جمعا بين الأدلة لان من حام حول الحمى

__________________

(١) رواه البغوي في مصابيح السنة ج ١ ص ٣٨ وغيره.

٢٦٤

أو شك ان يقع فيه و (رابعها) ـ وهو المعتمد ـ حمل هذه الاخبار على التقية ، لموافقتها لمذهب العامة كما ذكره الشيخ ، لأن العامة ما بين محرم ومكره ، فنقل في المنتهى التحريم عن أبي حنيفة والشافعي ومالك وابي يوسف (١) والكراهة عن عكرمة وعطاء والشعبي والثوري وإسحاق والأوزاعي وابي ثور وداود ومحمد بن الحسن والنخعي وابي إسحاق المروزي وابن المنذر (٢) وبذلك يظهر ان ما دلت عليه هذه الاخبار ـ من عدم حل ما تحت الإزار تحريما أو كراهة ـ فهو محمول على التقية ، وبه يظهر ضعف حمل الأخبار المذكورة على الكراهة كما هو المشهور. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الكفارة بالوطء في الحيض واستحبابها ، والمشهور بين المتقدمين الأول وبه قال الشيخ في الجمل والمبسوط والمفيد والمرتضى وابنا بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، والمشهور بين المتأخرين الثاني وبه قال الشيخ في النهاية ، واما الاخبار الواردة في المسألة فأكثرها ـ وان ضعف سند جملة منها بالاصطلاح المحدث ـ يدل على الوجوب :

(منها) ـ ما رواه الشيخ عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في كفارة الطمث انه يتصدق إذا كان في أوله بدينار وفي أوسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار. قلت : فان لم يكن عنده ما يكفر؟ قال : فليتصدق على مسكين واحد وإلا استغفر الله تعالى ولا يعود ، فان الاستغفار توبة وكفارة لمن لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفارة».

__________________

(١) كما في المحلى لابن حزم ج ١ ص ١٧٦ والبحر الرائق لابن نجيم ج ١ ص ١٩٧ ونيل الأوطار للشوكانى ج ١ ص ٢٤١.

(٢) كما في نيل الأوطار للشوكانى ج ١ ص ٢٤١ والمهذب للشيرازي ج ١ ص ٣٧ والبحر الرائق ج ١ ص ١٩٧.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب الحيض.

٢٦٥

وعن عبد الملك بن عمرو (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اتى جاريته وهي طامث؟ قال : يستغفر الله ربه. قال عبد الملك : فان الناس يقولون عليه نصف دينار أو دينار؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : فليتصدق على عشرة مساكين».

وعن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألته عن من اتى امرأته وهي طامث؟ فقال يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالى».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من اتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به».

وعن عبيد الله بن علي الحلبي في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في الرجل يقع على امرأته وهي حائض ما عليه؟ قال يتصدق على مسكين بقدر شبعه».

وقد حمل الأصحاب إطلاق ما بعد الرواية الأولى على ما تضمنته من التفصيل في افراد الكفارة ، وهو جيد ، وقال في المقنع (٥) : «روى ان من جامعها في أول الحيض فعليه ان يتصدق بدينار وان كان في نصفه فنصف دينار وان كان في آخره فربع دينار». أقول : وقد تقدم في الموضع الأول (٦) رواية محمد بن مسلم الدالة على انه يجب عليه في استقبال الدم دينار وفي استدباره نصف دينار ، ونحوها رواية تفسير علي بن إبراهيم.

واما ما يدل على القول الثاني فما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم (٧) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع امرأته وهي طامث؟ قال : لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله تعالى ان يقربها. قلت فان فعل أعليه كفارة؟ قال : لا اعلم فيه شيئا يستغفر الله تعالى».

وعن زرارة في الموثق عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٨) قال : «سألته عن الحائض

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب الحيض.

(٦) ص ٢٦٠.

(٧ و ٨) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب الحيض.

٢٦٦

يأتيها زوجها؟ قال : ليس عليه شي‌ء يستغفر الله تعالى ولا يعود».

وعن ليث المرادي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء وقد عصى ربه».

وحمل المتأخرون الأخبار الأولة لضعف أسانيدها على الاستحباب وأيدوا ذلك باختلافها في تقدير الكفارة. وفيه ما عرفت فيما تقدم في غير مقام.

وفي المدارك عن المحقق في المعتبر انه قال بعد طعنه في الاخبار بضعف الأسانيد : «ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها على الاستحباب لاتفاق الأصحاب على اختصاصها بالمصلحة الراجحة اما وجوبا أو استحبابا ، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية» ثم قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : بل هو عن الحسن بمعزل (أما أولا) ـ فلمنافاة هذا الكلام لما قدمه في صدر كتابه مما هو كالقاعدة في أمثال المقام من قوله : «أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد. إلخ» وقد تقدم نقله في الموضع الثاني من المقام الثاني من المطلب الأول في المبتدأة من المقصد الثاني (٢) وملخصه عدم الطعن في الاخبار بضعف السند وانما المرجع الى قبول الأصحاب للخبر أو دلالة القرائن على صحته ، والأمران المذكوران حاصلان في جانب هذه الاخبار ، اما قبول الأصحاب لها فظاهر لما عرفت من ان القول بها هو المشهور بين المتقدمين ، ولهذا ان الشهيد في الذكرى استند الى جبرها بالشهرة ، واما دلالة القرائن فلتدوينها في الأصول المعتمدة التي عليها المدار.

و (اما ثانيا) ـ فلان مرجع هذا الإجماع الذي استند اليه في الاستحباب انما هو الاخبار المذكورة ، حيث انهم أجمعوا على العمل بها وجوبا عند بعض واستحبابا عند آخرين ، وكيف كان فحملها على الاستحباب مع دلالتها بظاهرها على الوجوب لا يخرج عن طرحها ، إذ مقتضى الوجوب هو تحتم الفعل مع ثبوت العقوبة على تركه ، ومقتضى

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب الحيض.

(٢) ص ١٩٩.

٢٦٧

الاستحباب جواز الترك وعدم العقوبة ، والقول بالاستحباب ظاهر في طرحها وعدم العمل بما دلت عليه من الوجوب الذي إنما خرجوا عنه لضعف السند وإلا فلو صحت أسانيدها لحكموا بالوجوب.

و (اما ثالثا) ـ فان ظاهر كلامهم انهم انما حملوا هذه الاخبار على الاستحباب من حيث ضعف أسانيدها تفاديا من طرحها والا فلو صحت أسانيدها لقالوا بالوجوب كما هو ظاهرها ، وأنت خبير بان الحمل على الاستحباب حينئذ مجاز لا يصار اليه الا مع القرينة الظاهرة ، وضعف الأسانيد ليس من جملة قرائن المجاز ، ولا وجود المخالف من الاخبار في ذلك الحكم ، ويرجح القول بالوجوب أنه الأوفق بالاحتياط وهو أحد المرجحات الشرعية ، وبالجملة فإن حمل الأخبار المشار إليها على الاستحباب بعيد عن جادة الصواب. وحمل الشيخ (رحمه‌الله) الأخبار الأخيرة على الجاهل بالحيض. ولا يخفى بعده في الخبر الأول.

والأقرب عندي حمل الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في اختلاف الاخبار والأحكام الشرعية أصل كل بلية ، فإن ذلك مذهب جمهور المخالفين ، قال في المنتهى بعد نقل القول بالوجوب : «وهو احدى الروايتين عن احمد وأحد قولي الشافعي» وقال بعد نقل القول بالاستحباب : «وهو قول مالك وابى حنيفة وأكثر أهل العلم» واما ما طعنوا به من اختلاف المقادير في الكفارة فقد عرفت انه محمول على ما صرحت به الرواية الاولى من المراتب في الصدقة ومع تعذرها فالاستغفار. وبالجملة فإنك قد عرفت في غير مقام ما في الجمع بين الأخبار بالاستحباب ، فإن القاعدة المروية عنهم (عليهم‌السلام) هو العرض على مذهب العامة في مقام اختلاف الأخبار والأخذ بما يخالفه وهو هنا في روايات القول بالوجوب ، وبه يظهر ان القول بالوجوب هو الأقوى. قال في الذكرى : «واما التفصيل بالمضطر وغيره والشاب وغيره ـ كما قاله الراوندي ـ فلا عبرة به» والله العالم

وههنا فوائد (الأولى) ـ المشهور انه على تقدير القول بالكفارة وجوبا

٢٦٨

أو استحبابا فهي دينار في اوله ونصف دينار في وسطه وربع دينار في آخره كما دلت عليه رواية داود المتقدمة ، والمراد بأوله الثلث الأول منه وبوسطه الثلث الثاني وبآخره الثلث الثالث ، فالأول لذات الثلاثة اليوم الأول ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ولذات الستة اليومان الأولان وعلى هذا القياس ، ومثله في الوسط والأخير ، وعن سلار ان الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة ، واعتبر الراوندي العشرة دون العادة ، ويلزم على قوليهما خلو بعض العادات عن الوسط والأخير ، والظاهر ان مرجع قولي سلار والراوندي إلى جعل محل هذا التقدير هو العشرة خاصة دون العادة ، لكن سلار يعتبر الوسط منها ما بين الخمسة إلى السبعة فما تحت الخمسة وهو الأربعة يجعله أولا وما فوق السبعة وهي الثلاثة يجعله أخيرا فالوسط على هذا ثلاثة ، والراوندي يثلث العشرة كما يقوله الأصحاب في ذات العشرة ، فخلافه للأصحاب في تخصيص ذلك بالعشرة دون العادة ، وخلاف سلار في ذلك في عدم التثليث في العشرة ، وعلى هذا فإذا كانت العادة سبعة ـ مثلا ـ فلا آخر لها عندهما ولو كانت ثلاثة ـ مثلا ـ فلا آخر ولا وسط لها عندهما ايضا. ويدفعهما ـ زيادة على ندورهما ـ رجوع الضمير في قوله (عليه‌السلام) (١) : «يتصدق إذا كان في أوله بدينار». الى الحيض من غير تفصيل وعن الصدوق في المقنع انه قال : «يتصدق على كل مسكين بقدر شبعه» ونسب دليل القول المشهور إلى الرواية مع انه في الفقيه وافق الأصحاب ، والظاهر انه استند الى حسنة الحلبي المتقدمة (٢) وهي محمولة على ما عرفت من عدم إمكان ما زاد على ذلك.

(الثانية) ـ قد ذكر الأصحاب ان المراد بالدينار هو المثقال من الذهب المضروب الخالص وكانت قيمته في زمانه (عليه‌السلام) عشرة دراهم ، فلا تجزئ القيمة كباقي الكفارات ولا التبر لعدم تناول النص لهما ، وقد قطع العلامة في جملة من كتبه بعدم اجزاء القيمة ، وهو كذلك كما عرفت. قال في الذكرى : «قدر الشيخان

__________________

(١) في رواية داود بن فرقد المتقدمة ص ٢٦٥.

(٢) ص ٢٦٦.

٢٦٩

الدينار بعشرة دراهم والخبر خال منه ، فان لم نقل به ففي جواز إخراج القيمة نظر التفاتا الى عدم اجزاء القيم في الكفارات ، وعلى قولهما لا يجزئ دينار قيمته أقل من عشرة ، والظاهر ان المراد به المضروب فلا يجزئ التبر لانه المفهوم من الدينار» انتهى. وقال في المنتهى : «لا افرق في الإخراج بين المضروب والتبر لتناول الاسم لهما. ويشترط ان يكون صافيا من الغش ، وفي إخراج القيمة نظر أقربه عدم الاجزاء لأنه كفارة فاختص ببعض أنواع المال كسائر الكفارات» ونحوه في التحرير ، وظاهره اجزاء التبر وهو غير المضروب ، وفي تناول الاسم له ـ كما ادعاه ـ إشكال ، إذ المتبادر منه انما هو المضروب بسكة المعاملة كما عرفت من كلام الذكرى.

(الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بان مصرف هذه الكفارة الفقراء والمساكين من أهل الايمان ، ويكفي الواحد ولا يجب التعدد عملا بإطلاق الخبر ، وهو كذلك.

وظاهرهم ايضا انه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة الحرة والأمة للإطلاق ، وهو كذلك ايضا.

قيل : وهل يلحق بها الأجنبية المشتبهة أو المزني بها؟ وجهان منشأهما استلزام ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى ، ومن حيث عدم النص سيما مع احتمال كون الكفارة مسقطة للذنب ، فلا يتعدى الى الأقوى لأنه بتفاحشه قد لا يقبل التكفير وانما يناسبه الانتقام كما في كفارة الصيد ثانيا.

أقول : والأظهر هو الأول ، لا لما ذكروه بل لما تقدم (١) في رواية أبي بصير من قوله (عليه‌السلام): «من اتى حائضا.». فإنه شامل بإطلاقه للزوجة والأجنبية ، ونقل القول بذلك عن العلامة والشهيد استنادا إلى الرواية المذكورة. أقول : ونحوها ايضا قوله في رواية محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي

__________________

(١) ص ٢٦٦.

(٢) ص ٢٦٠.

٢٧٠

المرأة وهي حائض؟ قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار. الحديث». وقد تقدم.

ولو كانت الحائض الموطوءة امة قال الشيخ في النهاية والصدوق انه يتصدق بثلاثة أمداد من طعام ، وبه قال العلامة أيضا في المنتهى الا انه حمل التصدق على الاستحباب ، قال في المقنع : «وان جامعت أمتك وهي حائض تصدقت بثلاثة أمداد من طعام» ونقل الأصحاب في كتب الاستدلال ان بذلك رواية وان ردوها بضعف السند ، ولم أقف عليها ، مع انه قد تقدم في رواية عبد الملك بن عمرو (١) ما يدل على التصدق على عشرة مساكين على من اتى جاريته ، قال في الروض : «ولا فرق حينئذ بين أول الحيض وأوسطه وآخره لإطلاق الرواية والفتوى ، ولا بين الأمة القنة والمدبرة وأم الولد والمزوجة وان حرم الوطء».

(الرابعة) ـ اختلف الأصحاب فيما لو تكرر الوطء فهل تتكرر الكفارة مطلقا أولا مطلقا أو تتكرر مع اختلاف الزمان كما إذا كان بعضه في أول الحيض وبعضه في وسطه مثلا أو سبق التكفير وعدمه بدونهما؟ أقوال : اختار أولها الشهيد الثاني في الروض والأول في البيان وثانيها ابن إدريس على ما نقله في المختلف ، قال : «وقال ابن إدريس إذا كرر الوطء فالأظهر ان عليه تكرار الكفارة ، لأن عموم الأخبار يقتضي ان عليه بكل دفعة كفارة ، ثم قال : والأقوى عندي والأصح ان لا تكرار في الكفارة ، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دلالة شرعية ، واما العموم فلا يصح التعلق به في أمثال هذه المواضع لأن هذه أسماء الأجناس والمصادر ، ألا ترى ان من أكل في نهار رمضان متعمدا وكرر الأكل لا يجب عليه تكرار الكفارة بلا خلاف» وهذا القول ظاهر الشيخ ايضا حيث قال في المبسوط : «انه لا نص لأصحابنا في ذلك وعموم الأخبار يقتضي ان يكون عليه بكل دفعة كفارة ، ثم قال : وان قلنا انه لا يتكرر لانه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة كان قويا» وثالثها لجملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المختلف

__________________

(١) ص ٢٦٦.

٢٧١

والمنتهى والشهيد في الذكرى وغيرهما من الأصحاب واختاره في المدارك.

حجة القول الأول ـ كما قرره في الروض ـ ان كل وطء سبب في الوجوب والأصل عدم التداخل بل اختلاف الأسباب يوجب اختلاف المسببات ، قال : «وعلى هذا يصدق تكرر الوطء بالإدخال بعد النزع في وقت واحد ويتحقق الإدخال بغيبوبة الحشفة لأنه مناط الوطء شرعا» حجة القول الثاني ما سمعت من كلام ابن إدريس. حجة القول الثالث كما ذكره في المختلف فقال : «لنا على التكرر مع تغاير الوقت انهما فعلان مختلفان في الحكم فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات المختلفة على الأفعال المختلفة ، وعلى التكرر مع تخلل التكفيران الكفارة انما تجب أو تستحب بعد موجب العقوبة فلا تؤثر المتقدمة في إسقاط ما يتعلق بالفعل المتأخر ، وعلى عدم التكرر مع عدم أحد الأمرين ان الكفارة معلقة على الوطء من حيث هو هو وكما يصدق في الواحد يصدق في المتعدد فيكون الجزاء واحدا فيهما».

أقول : ويرد على الحجة الاولى ان ما ادعوه ـ من ان اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ـ مما لم يقم عليه دليل ، بل الدليل على خلافه واضح السبيل لما قدمنا في أبحاث النية في الوضوء (١) من دلالة الأخبار على تداخل الأغسال بما لا يداخله شك ولا اشكال ، وغاية ما يلزم من وجوب السبب الذي هو الوطء هنا ـ وان تكرر ـ وجوب الكفارة واما كونها كفارة مغايرة لما يلزم بسبب آخر فلا ، وهذا غاية ما يفهم من إطلاق الأدلة ، فمن ادعى تخصيص كل سبب بفرد من الكفارة غير الآخر فعليه البيان ، وبه يظهر ضعف قولهم بأن الأصل عدم التداخل. ويرد على الحجة الثانية ما قرروه في الحجة الثالثة. وعلى الحجة الثالثة ان ما ذكروه في الاستدلال على عدم التكرر مع عدم الأمرين من ان الكفارة معلقة على الوطء من حيث هو هو لو تم للزم مثله مع تغاير الوقت ، لان حاصله ان وجوب الكفارة معلق على الوطء من حيث هو هو بحيث لا مدخل

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٠٠.

٢٧٢

للافراد فلا يؤثر في ذلك تغاير الوقت على وجه يقتضي التعدد.

وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص لا تخلو من الاشكال ، والركون الى هذه التعليلات مع سلامتها من الإيرادات لا يخلو من المجازفة في الأحكام الشرعية التي أوجب فيها الشارع الرجوع الى الأدلة القطعية من آية قرآنية أو سنة نبوية.

(المسألة السابعة) ـ المشهور بين الأصحاب انه يستحب للحائض أن تتوضأ في وقت كل صلاة وتجلس في مصلاها فتذكر الله تعالى بمقدار صلاتها ، وفي المختلف عن علي بن بابويه القول بالوجوب ، ونقل ذلك جملة من الأصحاب عن ابنه ايضا ، وقال في الفقيه : «وقال ابي في رسالته الي : اعلم ان أقل الحيض ثلاثة أيام ، الى ان قال : ويجب عليها عند حضور كل صلاة ان تتوضأ وضوء الصلاة وتجلس مستقبلة القبلة وتذكر الله بمقدار صلاتها كل يوم» والأصحاب قد استدلوا على الاستحباب بحسنة زيد الشحام (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة فتذكر الله تعالى مقدار ما كانت تصلي». قال في المدارك : «ولفظ ينبغي ظاهر في الاستحباب» ثم نقل عن ابن بابويه القول بالوجوب لحسنة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة وعليها ان تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عزوجل وتسبحه وتهلله وتحمده بمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها». قال : «وهو مع صراحته في الوجوب محمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة» أقول : اما الاستناد في الاستحباب الى لفظ «ينبغي» في الرواية الأولى ففيه ما عرفت في غير موضع من ان لفظ «ينبغي ولا ينبغي» وان اشتهر في العرف انه بمعنى الاولى وعدم الأولى إلا أنه في الاخبار ربما استعمل في الاستحباب والكراهة وربما استعمل في الوجوب والتحريم بل هو الغالب في الاخبار كما لا يخفى على من له بها مزيد انس ، وحينئذ فينبغي ان يكون

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٤٠ من أبواب الحيض.

٢٧٣

التأويل في جانب هذه الرواية لصراحة الأخيرة ـ كما اعترف به ـ في الوجوب وإجمال هذه فينبغي ان يحمل لفظ «ينبغي» هنا على الوجوب جمعا. واما ما استدل به لابن بابويه من حسنة زرارة فليس في محله ، بل الظاهر ان دليل ابن بابويه انما هو الفقه الرضوي فإن عبارة أبيه في الرسالة التي قدمنا نقلها عن الفقيه عين عبارة كتاب الفقه الرضوي ، حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «ويجب عليها عند حضور كل صلاة ان تتوضأ وضوء الصلاة وتجلس مستقبلة القبلة وتذكر الله تعالى بمقدار صلاتها كل يوم». وكذا ما بعد هذه العبارة مما نقله في الفقيه عين عبارة الكتاب المذكور ، ومنه يعلم ان مستنده انما هو الكتاب المذكور وان كانت الرواية المشار إليها دالة على ذلك ، ولكن أصحابنا حيث لم يقفوا على ذلك استدلوا له بهذه الرواية. ثم انه لا يخفى ان ظاهر صاحب الكافي أيضا القول بالوجوب حيث عنون به الباب فقال : «باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة» (٢) ثم ذكر الأخبار الواردة في المسألة المشتملة على الحكم المذكور ، ومن ذلك يظهر ان القول بالوجوب أرجح ، وقد تقدم مزيد بحث في المسألة ونقل جملة من رواياتها في المقصد الثاني في الغاية المستحبة من المطلب الثاني من الباب الثاني في الوضوء (٣).

(المسألة الثامنة) ـ قد صرح الأصحاب بأنه يكره لها أشياء : (منها) ـ الخضاب ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عامر بن جذاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول : لا تختضب الحائض ولا الجنب. الحديث». وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «هل تختضب الحائض؟ قال : لا ، يخاف عليها الشيطان عند ذلك». ورواه الصدوق في العلل عن ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) مثله إلا انه قال : «لا لانه يخاف عليها الشيطان». وروى الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن عبد الحميد عن أبي جميلة عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) (٧) قال :

__________________

(١) ص ٢١.

(٢) ج ١ ص ٢٩.

(٣) ج ٢ ص ١٤٢.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من أبواب الحيض.

٢٧٤

«لا تختضب الحائض».

وحمل الأصحاب هذه الاخبار على الكراهة لما ورد من نفي البأس عنه في عدة اخبار : منها ـ ما رواه الكليني عن محمد بن سهل بن اليسع عن أبيه (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المرأة تختضب وهي حائض؟ قال : لا بأس به». وعن علي بن أبي حمزة (٢) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) تختضب المرأة وهي طامث؟ قال : نعم». وما رواه الشيخ عن ابي المغراء عن العبد الصالح (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «قلت : المرأة تختضب وهي حائض؟ قال : ليس به بأس». ونحو ذلك موثقة سماعة (٤) «الجنب والحائض يختضبان؟ قال : لا بأس».

و (منها) ـ مس ورق المصحف غير الكتابة وحمله ، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى في بحث غسل الجنابة (٥).

و (منها) ـ قراءة ما عدا العزائم الأربع من القرآن من غير استثناء للسبع أو السبعين المجوز للجنب قراءتها ، قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : «لا يجوز لها قراءة شي‌ء من العزائم ، ويكره لها ما عدا ذلك ـ ما لفظه : «مقتضاه كراهة السبع المستثناة للجنب ، وهو حسن لانتفاء النص المقتضى للتخصيص» انتهى. واعترضه سبطه في المدارك بأنه غير جيد قال : «بل المتجه عدم كراهة قراءة ما عدا العزائم بالنسبة إليها مطلقا ، لانتفاء ما يدل على الكراهة بطريق الإطلاق أو التعميم حتى يحتاج استثناء السبع الى المخصص ، ورواية سماعة التي هي الأصل في كراهة قراءة ما زاد على السبع مختصة بالجنب فتبقى الأخبار الصحيحة المتضمنة لإباحة قراءة الحائض ما شاءت سالمة عن المعارض» انتهى. أقول : قد تقدم في باب الجنب رواية الصدوق في الخصال (٦) عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «سبعة لا يقرأون القرآن.».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٤٢ من أبواب الحيض.

(٥) ص ١٤٦.

(٦) ج ٢ ص ١٠.

٢٧٥

وعد منهم الجنب والنفساء والحائض ، قال الصدوق في الكتاب المذكور بعد نقل الخبر : «هذا على الكراهة لا على النهي وذلك ان الجنب والحائض مطلق لهم قراءة القرآن إلا العزائم الأربع» والخبر المذكور ظاهر في إطلاق المنع للحائض من قراءة القرآن ، مضافا ذلك الى ما ادعوه من الإجماع في المسألة كما يشعر به كلامه في الروض ، والظاهر ان السيد لم يقف على الرواية بل الظاهر انه لو وقف عليها لردها بضعف السند بناء على الاصطلاح الغير المعتمد ، ومما ذكرنا يظهر وجه القول المشهور من كراهة ما عدا العزائم ، إلا انه قد قدمنا في بحث الجنابة ان الأظهر حمل ما دل على المنع من قراءة الجنب والحائض القرآن على التقية (١) والله العالم.

و (منها) ـ الجواز في المسجد ، ذكره في الخلاف وتبعه الأصحاب ، وقال في المنتهى انه لم يقف فيه على حجة ثم احتمل كون سبب الكراهة اما جعل المسجد طريقا واما إدخال النجاسة اليه. وأورد على الأول بأنه لا وجه لتخصيص الكراهة بالحائض بل يعم كل مجتاز ، وعلى الثاني ان ذلك محرم عنده فكيف يكون سببا في الكراهة؟ وعللها في الروض بالتعظيم ولا بأس به. والحق جماعة من الأصحاب بالمساجد المشاهد ، قال في الروض : «وهو حسن بل الأمر في المشاهد أعظم لتأديتها فائدة المسجد وتزيد بشرف المدفون بها» والله العالم.

الفصل الثالث

في غسل الاستحاضة ، قيل وهي في الأصل استفعال من الحيض يقال استحيضت المرأة بالبناء للمفعول فهي تستحاض لا تستحيض إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة ، ذكره الجوهري وهو يعطي ان بناء المعلوم غير مسموع ، ثم استعمل في دم فاسد يخرج من عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل ، وتعريفه يعلم مما قدمناه في تعريف

__________________

(١) ص ١٤٤.

٢٧٦

الحيض ، فهو في الأغلب دم اصفر بارد رقيق يخرج بفتور ، وانما قيدناه بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصفات حيضا وقد يكون بصفة الحيض استحاضة ، ومنه ايضا ما نقص عن الثلاثة التي هي أقل الحيض ما لم يكن دم قرح ولا عذرة وما زاد على العادة بعد الاستظهار والأصحاب عبروا هنا بما زاد عن أيام العادة مع تجاوز العشرة ، وقد تقدم ما فيه ، ومنه ما تراه قبل بلوغ التسع وان لم يوجب الأحكام في الحال لكن عند البلوغ يجب عليها الغسل والوضوء كما تقدم في بحث الوضوء من انه قد يتخلف المسبب عن السبب لفقد شرطه ، ومنه ما يكون بعد بلوغ سن اليأس.

وكيف كان فالبحث هنا يقع في مقامات (الأول) ـ لا يخفى ان المستحاضة اما ان يثقب دمها الكرسف أولا وعلى الأول فاما ان يسيل أو لا ، فان لم يثقب الكرسف فهي قليلة وان ثقب ولم يسل عنه فهي متوسطة وان سال فهي كثيرة ، فههنا أقسام ثلاثة :

(الأول) ما لم يثقب الكرسف ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجب عليها عند كل صلاة تغيير القطنة والوضوء ، وعن ابن ابي عقيل انه لا غسل عليها ولا وضوء ، وعن ابن الجنيد ان عليها في اليوم والليلة غسلا واحدا ، قال ابن ابي عقيل على ما نقله في المختلف : «يجب عليها الغسل عند ظهور دمها على الكرسف لكل صلاتين غسل ، تجمع بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء بغسل وتفرد الصبح بغسل ، واما ان لم يظهر الدم على الكرسف فلا غسل عليها ولا وضوء» وقال ابن الجنيد : «المستحاضة التي يثقب دمها الكرسف تغتسل لكل صلاتين آخر وقت الاولى وأول وقت الثانية منهما وتصليهما ، وتفعل للفجر مفردا كذلك ، والتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرة واحدة ما لم يثقب» وظاهر هاتين العبارتين ان المستحاضة منحصر في فردين خاصة فادرجا المتوسطة في الكبرى ، واما الصغرى فابن ابي عقيل نفى عنها الغسل والوضوء وابن الجنيد أوجب عليها غسلا واحدا في اليوم والليلة.

حجة المشهور فيما ذكروه ، اما بالنسبة إلى تغيير القطنة فعلل بعدم العفو عن هذا

٢٧٧

الدم في الصلاة قليله وكثيره ، قال في المنتهى : «ولا خلاف عندنا في وجوب الأبدال» وهو مؤذن بدعوى الإجماع عليه ولعله الحجة عندهم وإلا فعدم العفو عن هذا الدم قليله وكثيره كما ادعوه لم يقم عليه دليل وانما هو إلحاق من الشيخ بدم الحيض كما سيأتي بيانه في موضعه ان شاء الله تعالى ، مع انه قد ورد العفو عما لا تتم الصلاة فيه وبه قال الأصحاب وهذا من جملته ، واما بالنسبة إلى الوضوء لكل صلاة فما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال : تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلى كل صلاة بوضوء ما لم يثقب الدم. الحديث». ووصف هذه الرواية في المدارك بالصحة وهو سهو فإن الراوي عن زرارة فيها ابن بكير وهو ربما رد حديثه في غير موضع من شرحه. وفي صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «... وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء.». وفي صحيحة الصحاف (٣) «... وان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة.». وفي الفقه الرضوي (٤) «فان لم يثقب الدم القطن صلت صلاتها كل صلاة بوضوء. الحديث». وسيأتي تمامه ان شاء الله تعالى.

وعن ابن أبي عقيل انه احتج بصحيحة ابن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر.». قال : وترك الوضوء يدل على عدم الوجوب وهذه الرواية قد احتج بها له في المختلف ، والظاهر انه تكلفها له حيث لم يقف له على دليل وإلا فإن هذه الرواية لا تعلق لها بالمسألة أصلا ، إذ غاية ما تدل

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٤) ص ٢٢.

٢٧٨

عليه عدم وجوب الوضوء مع الأغسال الثلاثة الواجبة في الكبرى وهو بمعزل عما نحن فيه

وعن ابن الجنيد انه احتج بموثقة سماعة (١) قال قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين غسلا وللفجر غسلا ، وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة.». وأجاب عنه في المختلف بأنه محمول على نفوذ الدم الكرسف واليه أشار بقوله : «وان لم يجز الدم الكرسف» يعني إذا نفذ الى ظاهره ولم يتجاوز. وهو جيد وسيأتي مزيد تحقيق له ان شاء الله تعالى.

واما ما ذكره في الذخيرة من حمل الخبر المذكور على الاستحباب فهو بعيد عن جادة الصواب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في الباب ، واما ما ادعى انه مؤيد للاستحباب حيث قال ـ : ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي في القوى عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت ، وان هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف». ـ ففيه ان الرواية المذكورة وان كانت مجملة بالنسبة إلى الوضوء لكل صلاة لكنها يجب حملها على الاخبار المتقدمة والغسل المذكور في صدرها «إن رأت الطهر أو لم تره» انما هو غسل الحيض لانقطاعه بعد الاستظهار وجد الدم أو انقطع فكأنه قال تغتسل للانقطاع على كلا التقديرين ، ولعل منشأ توهمه من قوله (عليه‌السلام) : «فلا تزال تصلى بذلك الغسل» وباب المجاز أوسع من ان ينكر. وربما أشعرت هذه الرواية بما هو المشهور من تغيير القطنة إلا انك قد عرفت قيام الدليل الصحيح الصريح على العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه ، واستثناء دم الاستحاضة مما لم يقم عليه دليل فينبغي حمل هذه الرواية ونحوها على الاستحباب

(القسم الثاني) ـ أن يثقبه ولا يسيل عنه ، والمشهور انه يجب عليها مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة ، أما تغيير الخرقة فلما تقدم في تغيير القطنة وقد

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

٢٧٩

عرفت ما فيه ، واما الغسل لصلاة الغداة فهو المشهور. وقد تقدم عن ابن ابي عقيل وابن الجنيد انهما ساويا بين هذا القسم والقسم الثالث في وجوب الأغسال الثلاثة ، وبه جزم في المعتبر فقال : «والذي ظهر لي انه ان ظهر الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال وان لم يظهر لم يكن عليها غسل وكان عليها الوضوء لكل صلاة» وتبعه العلامة في المنتهى كما هي عادته غالبا حيث انه في الأكثر يحذو حذو المعتبر وان زاد عليه في البحث والاستدلال والى هذا القول ايضا مال في المدارك ، ونقله عن شيخه المعاصر والمراد به المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله) كما أشار إليه بذلك في غير موضع ، وتبعهم في ذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحقق الشيخ حسن والشيخ البهائي وغيرهم.

قال في المدارك في الاستدلال على ذلك : «لنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، ثم نقل صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة صفوان بن يحيى الآتيات في القسم الثالث ، قال : وهي مطلقة في وجوب الأغسال الثلاثة خرج منها من لم يثقب دمها الكرسف بالنصوص المتقدمة فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق ، ثم قال : احتج المفصلون بصحيحة الحسين بن نعيم الصحاف عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) حيث قال فيها : «ثم لتنظر فان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف ، فان طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل ، وان طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها ، قال وان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقأ فإن عليها ان تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات». وصحيحة زرارة (٢) قال : «قلت له النفساء متى تصلي؟ قال تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت ، فان جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل ،

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

٢٨٠