الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

أو متأخرا أو بالتفريق ، وعلى العمل بالاحتياط تجمع في الأربعة الأولى بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض وفي الأربعة الأخيرة تزيد على ذلك غسل الانقطاع عند كل صلاة ، ولو أضلت خمسة في التسعة الأولى فالخامس خاصة حيض لان العدد يزيد عن نصف الوقت الذي وقع فيه الضلال بنصف يوم فهو مع ضعفه يوم كامل حيض ، ولو أضلت سبعة في العشرة فالمتحقق حيضا أربعة وهو الرابع والسابع وما بينهما ، والحكم في ذلك بناء على القولين ما تقدم في مسألة إضلال الستة في العشرة ، ومن هنا يعلم أحكام مسائل المزج المشهورة في كلامهم وأمثلتها كثيرة ، ولنذكر منها مثالين للتدرب بهما في تحصيل نظائرهما (فمنها) ـ ما لو قالت حيضي ستة وكنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم ، فهذه أضلت ستة في العشرة الأواسط فلها يومان حيض متيقن وهما الخامس عشر والسادس عشر والعشرة الأولى من الشهر طهر بيقين ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر الى العشرين ، والعمل في الأربعة المتقدمة والمتأخرة كما تقدم. و (منها) ـ ما لو قالت حيضي عشرة وكنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم فقد اضلتها في ثمانية عشر ، فالزائد من العشرة عن نصفها وهو يوم وضعفه حيض في وسط وقت الضلال وهو ما بين السادس والخامس والعشرين ، والخامس عشر والسادس عشر حيض متيقن كما ان الستة الاولى من الشهر والستة الأخيرة طهر متيقن ، ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر الى الرابع والعشرين ، فعلى الاحتياط تغتسل عليها للحيض وتجمع في الثمانية السابقة على اليومين والثمانية اللاحقة بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض ، وعلى المشهور تضم اي الثمانيتين شاءت الى اليومين ، وعلى ذلك فقس.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المسألة المذكورة لما كانت عارية من النصوص على العموم والخصوص فالواجب فيها الرجوع الى الاحتياط كما أمروا به (عليهم‌السلام) في مقام اشتباه الأحكام ، اما لعدم الدليل أو لاشتباهه وعدم ظهور المعنى المراد منه ، وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ (رحمه‌الله) هنا ، وما رده به بعض الأصحاب من لزوم

٢٤١

العسر والحرج غير مسموع في مقابلة النصوص الدالة على وجوبه في مثل ذلك ، ولو لا ان الدليل في الصورة الأولى موجود لما كان عن القول بالاحتياط فيها ايضا معدل.

(الثالثة) ـ ذاكرة الوقت ناسية العدد ، وهذه لا تخلو اما ان تذكر أول الوقت أو آخره أو وسطه أو شيئا منه في الجملة ، فههنا ايضا صور أربع :

(الاولى) ـ ان تذكر اوله وحينئذ فيجب أن تكمله بيومين لتبين كون الجميع حيضا ويبقى الزائد عنها الى تمام العشرة محل شك واشكال لاحتمال الطهر والحيض فيها ، فيحتمل ان تجعل طهرا بناء على ان تلك الثلاثة هي وظيفة الشهر والحيض المتيقن ، واختاره الشهيد في البيان ، ونقله في المدارك عن المعتبر واستحسنه جريا على ما قدمنا نقله عنه سابقا. وفيه ما عرفت ثمة. وقيل ـ وهو المشهور ـ ترجع الى الروايات بان تجعل حيضها عشرة أو ستة أو سبعة فتضم إلى الثلاثة ما تكمل بما تختاره منها ، لصدق النسيان الموجب للحكم في حديث السنن (١) وتجعل الباقي استحاضة ، ونقله في الروض عن الشهيد ايضا. وفيه ان ظاهر مورد حديث السنن انما هو ناسية الوقت والعدد معا كما قدمنا ذكره لا ناسية أحدهما ، حيث قال فيه : «واما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، ثم قال (عليه‌السلام) بعد كلام في البين : فهذا يبين ان هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها ولا وقتها. الحديث» وحينئذ فلا دلالة في الخبر على هذه الصورة كما لا دلالة فيه على سابقتها. وقيل بالعمل بالاحتياط كما ذكره الشيخ ومن تبعه بالجمع بين التكاليف الثلاثة : الحيض والاستحاضة والانقطاع ، فتغتسل للانقطاع بعد الثلاثة وعند كل صلاة أو غاية مشروطة بالطهارة ، وحينئذ ان قلنا بالتداخل بين الأغسال ـ كما هو الحق في المسألة ـ يجب عليها للصلوات الخمس خمسة أغسال ، وان قلنا بعدم التداخل يجب عليها للصلوات الخمس ثمانية أغسال مع كثرة الدم ، خمسة للانقطاع وثلاثة للاستحاضة.

__________________

(١) وهو مرسل يونس المتقدم ص ١٨٢.

٢٤٢

(الثانية) ـ ان تذكر آخره فيكون نهاية الثلاثة فتجعلها حيضا بيقين ، والكلام في السبعة المتقدمة حسبما تقدم ، الا انه لا مجال هنا لإمكان الانقطاع فتقتصر على أفعال المستحاضة وتروك الحائض ، وغسل الانقطاع انما يكون بعد الثلاثة المتيقنة.

(الثالثة) ـ ان تذكر وسطه خاصة بالمعنى المعروف لغة وهو ما بين الطرفين ومرجعه الى ان تعرف كونه في أثناء الحيض ، فان ذكرت يوما واحدا حفته بيومين حيضا محققا وضمت إلى الثلاثة ما يكمل باختيارها من الروايات ـ على القول بالرجوع الى الروايات ـ قبل المتيقن أو بعده أو بالتفريق ، وان ذكرت يومين حفتهما بيومين آخرين فيتحقق لها أربعة أيام حيضا محققا وتضم إليها تمام الرواية التي تختارها ، وعلى القول بالاحتياط تكمل ما تحققته عشرة قبله أو بعده أو بالتفريق وتعمل في الزائد على ما تحققته بالتكاليف الثلاثة متى كان متأخرا عما تحققته والا بما عدا الانقطاع لو كان متقدما ، ولو ذكرت الوسط بالمعنى الحقيقي أعني المحفوف بمتساويين ، فان كان يوما فالحكم فيه ما تقدم في اليوم من الوسط بالمعنى الأول ، الا انها هنا على تقدير العمل بالروايات لا تختار من الروايات زوجا كالستة لعدم تحقق الحافتين بل اما تأخذ سبعة أو ثلاثة ، وعلى تقدير القول بالاحتياط تضم إلى الثلاثة المتيقنة ثلاثة أخرى قبلها وثلاثة أخرى بعدها وتكتفي بالتسعة للعلم بانتفاء العاشر حينئذ.

(الرابعة) ـ ان تذكر شيئا منه في الجملة فهو الحيض المتيقن ، فعلى القول بالرجوع الى الروايات ان ساوى إحداها أو زاد اقتصرت عليه حسبما يتصور وان قصر عنها أكملته بإحداها قبله أو بعده أو بالتفريق ، وعلى القول بالاحتياط تكمله عشرة أو تجعله نهاية عشرة. إذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب في هذه الصورة بمقتضى ما قدمناه من عدم وجود النص ووجوب العمل بالاحتياط في أمثال ذلك هو العمل بالاحتياط الذي ذكره الشيخ فيما زاد على المتيقن من الفروض المذكورة. والله العالم.

٢٤٣

(المقصد الثالث) ـ في الأحكام وفيه أيضا مسائل (الأولى) المشهور بين الأصحاب جواز وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل على كراهية ، ونقلوا عن الصدوق في الفقيه القول بالتحريم ، واعترضهم جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ بل ربما كان أولهم ـ صاحب المدارك وتبعه من تبعه بان كلامه في الفقيه غير ظاهر في التحريم لتصريحه بجواز مجامعتها لو كان الزوج شبقا. أقول وعبارة الفقيه هكذا : «ولا يجوز مجامعة المرأة في حيضها لان الله عزوجل نهى عن ذلك فقال : «... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ...» (١) يعني بذلك الغسل من الحيض ، فان كان الرجل شبقا وقد طهرت المرأة وأراد ان يجامعها قبل الغسل أمرها ان تغسل فرجها ثم يجامعها» انتهى. ومن نقل عنه القول بالتحريم استند الى صدر عبارته الدال على ان الله سبحانه نهى عن ذلك حتى تغتسل ، ولا ريب ان هذا الكلام صريح فيما ذكروه ونسبوه اليه من القول بالتحريم ، ومن نقل عنه القول بالجواز استند الى قوله : «فان كان الرجل شبقا. إلخ» وأنت خبير بان المفهوم من هذه العبارة انه يرى التحريم كما هو صريح صدر عبارته ولكنه يستثني هذا الفرد للأخبار الدالة عليه (٢) فكأنه يخصص عموم الآية بالأخبار المذكورة ولو لا ذلك لكان التدافع في كلامه أظهر ظاهر ، فان صدر كلامه ظاهر في التحريم حتى تغتسل عملا بظاهر الآية التي استند إليها وهي قراءة «يطهرن» بالتشديد ، إذ المراد بالطهارة الغسل البتة ، وبالجملة فالظاهر عندي هو صحة ما نسبوه اليه من القول بالتحريم وان استثنى منه هذا الفرد بخصوصه.

والواجب أولا تحقيق الكلام في معنى الآية ثم العطف على الأخبار الواردة في المسألة ، فنقول : قد استدل على القول المشهور بقراءة السبعة : «وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ» (٣) بالتخفيف اي يخرجن من الحيض ، يقال طهرت المرأة إذا انقطع حيضها ، فجعل سبحانه

__________________

(١ و ٣) سورة البقرة. الآية ٢٢١.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الحيض.

٢٤٤

غاية التحريم انقطاع الدم فيثبت الحل بعده عملا بمفهوم الغاية ، لأن الحق انه حجة بل صرح الأصوليون بأنه أقوى من مفهوم الشرط ، قالوا : ولا ينافي ذلك قراءة التشديد (أما أولا) ـ فلان «تفعل» قد جاء في كلامهم بمعنى «فعل» كقولهم تبين وتبسم وتطعم بمعنى بان وبسم وطعم ، قيل ومن هذا الباب المتكبر في أسماء الله تعالى بمعنى الكبير ، وإذا ثبت إطلاق هذه البنية على هذا المعنى كان الحمل عليه اولى صونا للقراءتين عن التنافي. و (اما ثانيا) ـ فلا مكان حمل النهي في هذه القراءة على الكراهة توفيقا بين القراءتين وكون النهي عن المباشرة بعد انقطاع الدم لسبق العلم بتحريمها حالة الحيض من صدر الآية أعني قوله تعالى : «... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ...» (١) هكذا قرره في المدارك. وفيه (أولا) ـ ان مدار الاستدلال على حجية مفهوم الغاية كما ذكره ، وهو وان سجل على حجيته بما ذكره الا انه غير ظاهر عندي لما قدمناه في مقدمات الكتاب من انه لم يقم دليل شرعي على حجية شي‌ء من المفاهيم المذكورة سوى مفهوم الشرط كما تقدم ، والتعويل على مجرد ما يذكر في الأصول من الدعاوي التي يزعمونها أدلة غير ثابت عندي ، بل المدار عندي في الاستدلال انما هو على الكتاب والسنة وهما الثقلان اللذان أمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالتمسك بهما بعده. و (ثانيا) ـ فان ما ادعاه ـ من ان «يطهرن» بالتخفيف اي يخرجن من الحيض ـ مبني على تفسير الطهارة بالمعنى اللغوي ، ولم لا يجوز الحمل على المعنى الشرعي؟ سيما مع القول بالحقائق الشرعية لا بد لنفيه من دليل. و (ثالثا) ـ ان ما ذكره من حمل صيغة «تَطَهَّرْنَ» بالتشديد على «طهرن» مجاز لا يصار اليه مع إمكان الحمل على الحقيقة ، وما ادعاه ـ من ان الحمل عليه اولى لصون القراءتين عن التنافي ـ مردود بأنه يمكن دفع التنافي بحمل الطهارة في قراءة التخفيف على المعنى الشرعي فتجتمع مع قراءة التشديد الصريحة في المعنى الشرعي. و (رابعا) ـ ان التعارض انما وقع بين مفهوم الغاية على تقدير قراءة التخفيف وبين

__________________

(١) سورة البقرة. الآية ٢٢١.

٢٤٥

منطوق قراءة التشديد ، ومع تسليم حجية المفهوم المذكور في حد ذاته فترجيحه على المنطوق ممنوع بل حجية المنطوق أقوى ، ويؤيده أيضا مفهوم الشرط في قوله سبحانه : «... فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ...» (١) فإن الأمر للإباحة ومفهومه ان قبل التطهر غير مباح إتيانهن وكذا قوله في آخر الآية : «... إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» فان هذه المحبة إنما تترتب على من فعل الطهارة واتى بها التي هي عبارة عن الغسل لا على من حصلت له قهرا بانقطاع الدم.

وكيف كان فالاستناد الى الآية المذكورة مما لا يخلو من شوب الاشكال لما عرفت من تعدد الاحتمال فلم يبق الا الرجوع الى الاخبار :

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) : «في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها؟ قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها ان شاء قبل ان تغتسل».

وما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال لا بأس وبعد الغسل أحب الي».

وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها ان شاء».

وعن عبد الله بن المغيرة عمن سمعه عن العبد الصالح (عليه‌السلام) (٥) «في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل وان فعل فلا بأس به ، وقال تمس الماء أحب الي».

أقول : وبهذه الأخبار أخذ من قال بالقول المشهور.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦)

__________________

(١) سورة البقرة. الآية ٢٢١.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الحيض.

٢٤٦

قال : «سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال : لا حتى تغتسل. قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين أيحل لزوجها ان يجامعها قبل ان تغتسل؟ قال : لا يصلح حتى تغتسل».

وفي الموثق عن ابان بن عثمان عن عبد الرحمن (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة حاضت ثم طهرت في سفر فلم تجد الماء يومين أو ثلاثة هل لزوجها ان يقع عليها؟ قال لا يصلح لزوجها ان يقع عليها حتى تغتسل».

وعن سعيد بن يسار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضأ من غير ان تغتسل أفلزوجها أن يأتيها قبل ان تغتسل؟ قال : لا حتى تغتسل».

وهذه الاخبار مما دل بظاهرها على التحريم قبل الغسل والأصحاب قد حملوها على الكراهة جمعا بين الاخبار. أقول : لا إشكال في الحكم بالكراهة لدلالة الأخبار المتقدمة عليها ، والأظهر عندي في هذه الاخبار الحمل على التقية فإن جل العامة على التحريم في هذه المسألة (٣) ونقله في المنتهى عن الشافعي والزهري وربيعة ومالك والليث والثوري واحمد وإسحاق وابي ثور ، ونقل عن أبي حنيفة انه ان انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها وان انقطع لدون ذلك لم يبح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت الصلاة (٤).

أقول : ومن اخبار المسألة ما رواه في الكافي (٥) عن ابي عبيدة قال : «سألت

__________________

(١ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الحيض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب الحيض.

(٣) كما في المغني لابن قدامة الحنبلي ج ١ ص ٣٣٨ والبداية لابن رشد المالكي ج ١ ص ٥٢.

(٤) كما في المغني ج ١ ص ٣٣٨ والبداية ج ١ ص ٥٢ والبحر الرائق ج ١ ص ٢٠٢.

٢٤٧

أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟ فقال : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي. قلت : فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال : نعم إذا غسلت فرجها وتيممت فلا بأس».

وعن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها؟ قال : نعم».

وربما يفهم من هذين الخبرين توقف الحل متى تعذر الغسل على التيمم بل وغسل الفرج ، وفي المعتبر ان ظاهر بعض عباراتهم وجوب غسل الفرج. أقول : لا يبعد حمل توقف الحل على التيمم في هذين الخبرين على التقية لموافقته لمذهب أبي حنيفة كما قدمنا نقله (٢) والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب انه متى حاضت وقد مضى من الوقت ما يسع الطهارة والصلاتين معا ولم تصلهما وجب عليها قضاؤهما بعد الطهر ولو لم يسع إلا الاولى ولم تصلها وجب قضاؤها خاصة ، وكذا المشهور ـ بل ادعى عليه الإجماع ـ انها متى طهرت من حيضها وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة والصلاتين وجب عليها الأداء ومع التفريط القضاء حتى لو لم تدرك إلا بقدر الطهارة وركعة وجب عليها الإتيان بما أدركت وقته والا فالقضاء ، فههنا مقامان :

(الأول) ـ فيما لو حاضت وقد مضى من الوقت ما يسع الطهارة والصلاة ، فإنه يجب عليها الأداء ومع التفريط القضاء ، ولو لم يمض القدر المذكور فإنه لا يجب عليها القضاء ، ويدل على الحكم الأول موثقة يونس بن يعقوب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخرت الصلاة حتى

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الحيض.

(٢) ص ٢٤٧.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ من أبواب الحيض.

٢٤٨

حاضت؟ قال : تقضي إذا طهرت». ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : نعم». ويؤيده عموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت واما الحكم الثاني فاستدل عليه العلامة في المنتهى بان وجوب الأداء ساقط لاستحالة التكليف بما لا يطاق ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء. وفيه انه منقوض بوجوب الصلاة على الساهي والنائم وقضاء الصوم على الحائض. والتحقيق ان يقال ان الأصل براءة الذمة مما لم يقم دليل على التكليف به ، وان القضاء لا ترتب له على الأداء بل انما يجب بأمر جديد كما عليه جملة من المحققين ، ويدل على ذلك موثقة سماعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة صلت من الظهر ركعتين ثم انها طمثت وهي جالسة؟ فقال : تقوم من مكانها ولا تقضي الركعتين». بحملها على كون صلاتها في أول الوقت. ونقل هنا عن المرتضى والصدوق (رضي‌الله‌عنهما) الاكتفاء في وجوب القضاء بخلو الوقت عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة. ورده الأصحاب بعدم الوقوف على مأخذه. أقول : يمكن ان يكون مأخذه رواية أبي الورد المروية في الكافي والتهذيب (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم؟ قال : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، قال : فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب». وبهذه الرواية عبر الصدوق في الفقيه فقال : «فان صلت المرأة من الظهر ركعتين ثم رأت الدم قامت من مجلسها وليس عليها ان طهرت قضاء الركعتين ، فان كانت في صلاة المغرب وقد صلت منها ركعتين قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة» والتقريب في الرواية المذكورة بالحمل على الصلاة في أول الوقت ، حيث فرق فيها بين الظهر والمغرب فأوجب قضاء الباقي من المغرب دون الباقي من الظهر ، لمضي أكثر الصلاة بالنسبة إلى المغرب دون الظهر.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ من أبواب الحيض.

٢٤٩

وظاهر الرواية المذكورة انما هو قضاء الباقي من الصلاة ، والمعروف من كلام الأصحاب ـ وهو الموافق للأدلة ـ انما هو قضاء الصلاة كملا لو مضى من الوقت مقدارها مع الطهارة ثم طرأ الحدث لا البناء على ما مضى والإتمام لها ، وان كان هذا مما ينطبق على مذهب الصدوق في من نسي ركعة أو ركعتين ثم ذكر فإنه يقضي ما بقي ولو بلغ الصين ، وبالجملة فهذا القول ضعيف مرغوب عنه وروايته ضعيفة متهافتة وهي مردودة إلى قائلها وهو اعلم بها. واما ما أجاب به العلامة في المختلف ـ من حملها على انها فرطت في المغرب دون الظهر ، قال : «وانما يتم قضاء الركعة بقضاء الباقي ويكون إطلاق الركعة على الصلاة مجازا» انتهى ـ فلا يخفى بعده.

(المقام الثاني) ـ فيما لو طهرت من حيضها وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة والصلاتين أو إحداهما ، فإنه يجب عليها الأداء ومع التفريط القضاء.

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال قال : «أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على ان تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، وان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل عليها وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلي الصلاة التي دخل وقتها».

ومنها ـ صحيحة ابي عبيدة الحذاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا رأت المرأة الطهر وهي في وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، وإذا طهرت في وقت فأخرت الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ثم رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها».

ورواية منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا طهرت

__________________

(١ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٤٩ من أبواب الحيض.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ و ٤٩ من أبواب الحيض بالتقطيع.

٢٥٠

الحائض قبل العصر صلت الظهر والعصر فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر».

ورواية أبي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء».

ونحوها رواية داود الزجاجي (٣) ورواية عمر بن حنظلة (٤) فإنهما مشتملتان على هذا التفصيل بالنسبة إلى الظهرين والعشاءين حسبما في سابقتيهما.

وبإزاء هذه الأخبار ما هو ظاهر المنافاة ، ومنه ـ صحيحة معمر بن يحيى (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الحائض تطهر عند العصر تصلي الاولى؟ قال : لا انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها». وبهذا المضمون عبر في الفقيه فقال : «والمرأة التي تطهر من حيضها عند العصر فليس عليها ان تصلي الظهر انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها» والرواية المذكورة محمولة على الوقت المختص جمعا بينها وبين ما تقدم ، وحينئذ فإن أراد الصدوق ذلك والا كان ما ذكره مخالفا للمشهور بين الأصحاب.

ومنه ـ موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٦) قال : «قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال تصلى العصر وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان». ويجب حملها ايضا على الوقت المختص. والمراد باشتغالها في شأنها يعني السعي في تحصيل أسباب الغسل.

ورواية أبي همام عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٧) «في الحائض إذا اغتسلت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) المروية في الوسائل في الباب ٤٩ من أبواب الحيض.

٢٥١

في وقت العصر تصلي العصر ثم تصلي الظهر». ويجب حملها على ما إذا طهرت في وقت يسع الظهر والعصر ثم توانت بالغسل الى الوقت المختص.

ومن ذلك ـ موثقة الفضل بن يونس (١) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر ، لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب عليها ان تصلى الظهر ، وما طرح الله تعالى عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر ، قال : وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لان وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر فضيعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها».

وظاهر الشيخ في التهذيب الجمع بين الاخبار المتقدمة بهذا الخبر حيث قال : «ان المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس الى ان يمضي منه أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا. وإذا طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء العصر لا غير ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها الى مغيب الشمس».

والى هذا القول مال في الذخيرة فقال بعد نقل كلام الشيخ : «وبهذا الوجه جمع بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا الباب ، ونحوه قال في النهاية والمبسوط ، وما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الاخبار» ثم نقل جملة من روايات الطرفين وقال بعدها : «ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بوجهين : (الأول) حمل خبر الفضل على التقية. و (الثاني) حمل خبر ابن سنان وما في معناه على الاستحباب ، والثاني أقرب لعدم ظهور كون مدلول خبر الفضل معمولا به بين العامة بل المشتهر بينهم خلافه (٢)

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ و ٤٩ من أبواب الحيض بالتقطيع.

(٢) في المغني لابن قدامة ج ١ ص ٣٩٦ «قال الخرقي إذا طهرت الحائض وأسلم ـ

٢٥٢

فتعين الثاني ، فظهر ان قول الشيخ قوي متجه» انتهى.

أقول : فيه (أولا) ـ ما عرفت من ان ما عدا رواية الفضل فإنه محمول على وجه يمكن انطباقه على الأخبار الأولة وبه يرتفع التنافي بينهما فيجب المصير اليه جمعا بين الاخبار المذكورة ، والحمل على الاستحباب ـ كما ذهب اليه الشيخ ومن تبعه من الأصحاب في جملة الأبواب ـ قد عرفت انه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب ، مع انه مجاز لا يصار اليه إلا بقرينة في الباب ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز كما لا يخفى على ذوي الألباب.

و (ثانيا) ـ ان ما ذكره الشيخ من حمل الأخبار الثانية على ما دلت عليه موثقة الفضل بن يونس موجب للحكم بكون آخر وقت الظهر هو مضى أربعة أقدام ، وهو وان كان منقولا عنه في باب الأوقات إلا انه مردود بالآية والروايات التي ربما بلغت التواتر المعنوي من امتداد وقت الظهرين الى الغروب إلا بمقدار صلاة العصر

__________________

الكافر وبلغ الصبي قبل ان تغرب الشمس صلوا الظهر فالعصر ، وان بلغ الصبي وأسلم الكافر وطهرت الحائض قبل ان يطلع الفجر صلوا المغرب والعشاء الآخرة. وروى هذا القول في الحائض تطهر عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وابى ثور ، وقال الإمام احمد : عامة التابعين يقولون بهذا القول الا الحسن وحده قال لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأن وقت الاولى خرج في حال عذرها فلم تجب كما لو لم تدرك من وقت الثانية شيئا. وحكى عن مالك انه إذا أدرك خمس ركعات من وقت الثانية وجبت الأولى لأن قدر الاولى من الخمس وقت للصلاة الاولى في حال العذر فوجبت بإدراكه كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار بخلاف ما لو أدرك دون ذلك» وفي المحلى لابن حزم ج ٢ ص ١٧٦ «إذا طهرت الحائض في آخر وقت الصلاة بمقدار ما لا يمكنها الغسل والوضوء حتى يخرج الوقت فلا تلزمها ولا قضاؤها ، وهو قول الأوزاعي وأصحابنا وقال الشافعي واحمد عليها ان تصلى».

٢٥٣

واتفاق الأصحاب سلفا وخلفا على ذلك ، وليس المخالفة منحصرة في اخبار هذه المسألة كما ظنه فزعم قوة ما ذهب اليه الشيخ هنا للجمع بينها ، بل المخالفة في تلك الاخبار المشار إليها المتفق عليها أظهر وأشنع ، وحينئذ فما جنح اليه من موافقة الشيخ على هذا الحمل مما لا ينبغي ان يلتفت اليه.

و (ثالثا) ـ ان الحمل على التقية لا يختص بوجود القائل من العامة كما حققناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ، على ان مذاهب العامة في الصدر الأول لا انحصار لها في عدد بل لهم في كل عصر مذهب ، والانحصار في هذه الأربعة انما وقع أخيرا في سنة ستمائة تقريبا كما صرح به علماؤنا وعلماؤهم ، وبالجملة فإن الخبر المذكور ظاهر المخالفة للقرآن العزيز والسنة المستفيضة بل المتواترة معنى وما عليه كافة العلماء سلفا وخلفا ومنهم هذا القائل ، فيجب طرحه في مقابلتها ويتعين حمله على ما ذكرنا. والله العالم

(المسألة الثالثة) ـ يحرم عليها أمور

(الأول) ـ كل ما يشترط فيه الطهارة كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن إجماعا في الأولين وعلى المشهور في الثالث ، وعن ابن الجنيد انه مكروه ، وحمله على التحريم غير بعيد فإن عبائر المتقدمين تجري على الاخبار التي قد كثر فيها إطلاق الكراهة على التحريم.

ومن الاخبار في المسألة زيادة على الاتفاق ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة.».

وما رواه في العلل والعيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا حاضت المرأة فلا تصوم ولا تصلي ، لأنها في حد نجاسة فأحب الله تعالى ان لا يعبد إلا طاهرا ، ولانه لا صوم لمن لا صلاة له. الحديث». وما في كتاب نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) قال : «معاشر الناس ان النساء نواقص الايمان نواقص العقول نواقص الحظوظ ، فاما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ،

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب الحيض.

٢٥٤

واما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد ، واما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الإنصاف من مواريث الرجال».

واما الطواف فستأتي الأخبار الدالة عليه في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ، واما مس كتابة القرآن فقد مر ما يدل عليه في مبحث الوضوء (١) وفي غسل الجنابة (٢)

(الثاني) ـ الصوم الا انه يجب قضاؤه عليها دون الصلاة ، ويدل على ذلك زيادة على ما تقدم في الاخبار السابقة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المستحاضة؟ فقال تصوم شهر رمضان إلا الأيام التي كانت تحيض فيها ثم تقضيها بعد». وفي قضاء المنذور وشبهه الذي وافق الحيض وجهان أقربهما عند العلامة عدم الوجوب ، واختار الشهيد الوجوب وهو الأحوط. واما عدم قضاء الصلاة فإجماعي نصا وفتوى ، وفي جملة من الأخبار تعليل قضاء الصوم دون الصلاة بأنه محض تعبد ، وفي بعضها بأنه دليل على بطلان القياس ، ففي رواية الحسن بن راشد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) لما سأله عن وجه الفرق بينهما قال : «ان أول من قاس إبليس». وفي بعضها بان الصوم انما هو في السنة مرة والصلاة في كل يوم وليلة ، وأكثر الاخبار على الثاني. ثم انه لا يخفى ان ظاهر النصوص الاختصاص بالصلوات اليومية ، وهل يلحق بها غيرها من الصلوات الواجبة عند عروض أسبابها في وقت الحيض كالكسوف والخسوف؟ وجهان أحوطهما العدم. واما الزلزلة فالظاهر ان وقتها العمر كما سيأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى. وهل تتوقف صحة صومها على الغسل أم لا؟

قولان يأتي الكلام فيهما ان شاء الله في كتاب الصوم.

(الثالث) ـ اللبث في المساجد والاجتياز في المسجدين الحرمين ، قال في

__________________

(١) ج ٢ ص ١٢٢.

(٢) ج ٢ ص ٤٦.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٣٩ من أبواب الحيض.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٤١ من أبواب الحيض.

٢٥٥

المدارك بعد ذكر الحكم الأول : «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب بل قال في المنتهى انه مذهب عامة أهل العلم» أقول : لا يخفى ان دعوى الإجماع هنا لا تخلو من غفلة عن خلاف سلار في المسألة حيث قال في التحرير في أحكام الحائض : «يحرم عليها اللبث في المساجد إجماعا إلا من سلار» وقال في الروض : «وعد سلار اللبث في المساجد للجنب والحائض ووضع شي‌ء فيها مما يستحب تركه ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما» والحق انه متحقق اللهم إلا ان يقال الإجماع انعقد بعده أو ان مخالفة معلوم النسب غير قادح في الإجماع.

ويدل على الحكم المذكور ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم (١) قال قال أبو جعفر (عليه‌السلام): «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرمين».

وما رواه الصدوق في العلل في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قالا : «قلنا له الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ فقال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين. الحديث».

ولم نقف لسلار على دليل معتد به إلا التمسك بالأصل ولا ريب في وجوب الخروج عنه بما ذكرناه من الدليل.

(الرابع) ـ وضع شي‌ء في المساجد ، ولا خلاف فيه إلا من سلار فإنه نقل عنه الكراهة ، ويدل على المشهور صحيحة عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : نعم

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٥ و ١٩ من أبواب الجنابة بالتقطيع.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الجنابة.

٢٥٦

ولكن لا يضعان في المسجد شيئا». وصحيحة زرارة وابن مسلم المتقدم نقلها من العلل حيث قال فيها : «ويأخذ ان من المسجد ولا يضعان فيه. قال زرارة فقلت له فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : لأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره. الحديث». وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : لأن الحائض تستطيع ان تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه».

(الخامس) ـ قراءة سور العزائم ، وقصر جملة من متأخري المتأخرين التحريم على آية العزيمة هنا وفي الجنب ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الرابعة من المقصد الخامس من مقاصد غسل الجنابة (٢) واما ما يدل على ذلك ويتعلق به من البحث فقد تقدم في المقصد الثاني من فصل غسل الجنابة (٣).

بقي الكلام هنا في موضعين (الأول) ـ لو تلت السجدة أو سمعتها هل يجب عليها السجود أم لا؟ ظاهر الأكثر ذلك ، وعن الشيخ انه حرم عليها السجود مستندا إلى انه يشترط في السجود الطهارة من النجاسات مدعيا على ذلك الاتفاق ، والأظهر هو القول المشهور لما رواه الكليني في الصحيح والشيخ في الموثق عن ابي عبيدة الحذاء (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الطامث تسمع السجدة؟ قال : ان كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها». وفي الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان صليت مع قوم فقرأ الامام «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...» الى ان قال والحائض تسجد إذا سمعت السجدة». وعن ابي بصير ايضا (٦) قال قال : «إذا

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٣٥ من أبواب الحيض.

(٢) ص ١٤١.

(٣) ص ٥٥.

(٤ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب الحيض.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب الحيض.

٢٥٧

قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد».

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) ـ قال : «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال تقرأ ولا تسجد». قال في الوافي : وفي بعض النسخ «لا تقرأ ولا تسجد» وحمله في الاستبصار على جواز الترك ، ومثله ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى الخزاز عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «لا تقضى الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة». ـ فسيأتي الجواب عنهما.

ومن العجيب ان الشيخ (رحمه‌الله) في التهذيب حمل خبر ابي عبيدة وخبر ابي بصير الثاني على الاستحباب مع انه حكم بتحريم السجود وانه لا يجوز إلا لطاهر من النجاسات استنادا إلى صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله المذكورة.

وأجاب في المختلف عن صحيحة عبد الرحمن المذكورة بالحمل على المنع من قراءة العزائم ، قال «وكأنه (عليه‌السلام) قال «تقرأ القرآن ولا تسجد» اي ولا تقرأ العزيمة التي تسجد فيها وإطلاق المسبب على السبب مجازا جائزا» ولا يخفى ما فيه من البعد. وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على السجدات المستحبة بدليل قوله «تقرأ» وحينئذ فالدلالة منتفية. وفي المدارك انه يمكن حملها على السماع الذي لا يكون معه الاستماع ، قال فإن : صحيحة أبي عبيدة إنما تضمنت وجوب السجود عليها مع الاستماع.

أقول : والكل تكلف مستغنى عنه ، والأظهر حمل الخبر المذكور وكذا خبر غياث على التقية فإن جمهور الجمهور على المنع من السجود ، ونقله في المنتهى عن أبي حنيفة

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب الحيض.

٢٥٨

والشافعي واحمد ، ونقل عن بعض أنها تومئ برأسها (١) واما على ما نقله في الوافي من نسخة «لا تقرأ ولا تسجد» فلا منافاة في الخبر المذكور ، وبذلك يظهر ما في كلام صاحب الذخيرة تبعا لبعض نسخ المدارك من التوقف في المسألة وانها موضع إشكال ينشأ من الاحتمالات السابقة في حمل الصحيحة المشار إليها ، وعلى ما ذكرناه فلا اشكال ، ولكنهم حيث ضربوا صفحا عن الترجيح بين الاخبار بهذه القاعدة مع استفاضة النصوص بها وقعوا في ما وقعوا فيه. والله العالم.

(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في موجب سجود التلاوة في هذا الموضع وغيره هل هو مجرد السماع وان كان من غير قصد أو الاستماع الذي هو عبارة عن الإصغاء والقصد الى ذلك؟ قولان يأتي تحقيق الكلام فيهما في بحث السجود من كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى.

(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لا يصح طلاقها بعد الدخول وحضور الزوج أو ما في حكمه وهو قربه منها بحيث يمكنه استعلام حالها كالمحبوس ونحوه ، فغير المدخول بها يصح طلاقها وان كانت حائضا وكذا مع غيبة الزوج ، الا انه قد وقع الخلاف في حد الغيبة المجوزة ، فقيل انه ثلاثة أشهر ، وقيل شهر ، وقيل المعتبر ان يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه الى آخر بحسب عادتها وهو المشهور بين المتأخرين ، وسيأتي تحرير الكلام في المسألة في محلها ان شاء الله تعالى من كتاب الطلاق.

__________________

(١) في بدائع الصنائع ج ١ ص ١٨٦ ومجمع الانهر ج ١ ص ١٥٧ «لا تجب سجدة التلاوة على الحائض والنفساء دون الجنب» وفي البحر الرائق ج ٢ ص ١٢١ «لا يجب السجود على الحائض بتلاوتها كما لا يجب بسماعها» وفي المغني ج ١ ص ٦٢٠ «لا نعلم خلافا في اشتراط السجود للتلاوة بالطهارتين من الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة والنية إلا ما روى عن عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها وبه قال سعيد بن المسيب».

٢٥٩

(المسألة الخامسة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في تحريم وطء الحائض في القبل بل نقل عن جمع منهم التصريح بكفر مستحله حيث انه من ضروريات الدين ، إلا ان يدعى في ذلك شبهة ممكنة كقرب عهده بالإسلام أو نشوه في بادية بعيدة عن العلم بمعالم الدين وتحقيق البحث في المقام يقع في مواضع

(الأول) ـ قال في المدارك : «ولا ريب في فسق الواطئ بذلك ووجوب تعزيره بما يراه الحاكم مع علمه بالحيض وحكمه ، ويحكى عن ابى علي ولد الشيخ تقديره بثمن حد الزاني ولم نقف على مأخذه» وتبعه في هذه المقالة الفاضل الخراساني في الذخيرة وغيره ، وتقدمه فيها جده في الروض وغيره ، والعجب منهم (رضوان الله عليهم) في عدم وقوفهم على حد التعزير في الصورة المذكورة حتى أرجعوه إلى الحاكم مع تكاثر الاخبار بذلك ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (١) قال : «سألت أبا الحسن عن رجل أتى اهله وهي حائض؟ قال يستغفر الله ولا يعود. قلت فعليه أدب؟ قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني وهو صاغر لانه اتى سفاحا». وروى الشيخان المذكوران ايضا عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي المرأة وهي حائض؟ قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي استدباره نصف دينار. قلت جعلت فداك يجب عليه شي‌ء من الحد؟ قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني لانه اتى سفاحا». وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «من اتى امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة ، وان أتاها في آخر أيام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ويضرب اثنتي عشرة جلدة ونصفا». وظاهر الخبرين الأولين التعزير بالخمسة والعشرين مطلقا في أول الحيض أو آخره وظاهر الخبر الثالث التخصيص بأوله ، ويمكن الجمع بتقييد إطلاق الخبرين الأولين بالخبر

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب التعزيرات.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب الحيض.

٢٦٠