الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وإما تخصيص إطلاق أخبار الاستظهار بغير مستقيمة الحيض وتقييد الأخبار الأخيرة بمن كانت مستقيمة الحيض لا زيادة فيها ولا نقصان ولا تقدم ولا تأخر كالوقتية العددية التي لا يتقدم دمها ولا يتأخر والعددية كذلك ، وحيث ان وجود الحيض بهذا التقييد نادر جدا ـ والأغلب مع الاعتياد هو التقدم والتأخر والزيادة والنقصان ـ تكاثرت الاخبار بالاستظهار لها لأجل ذلك ، والمستند في هذا الجمع صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المستحاضة أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت؟ قال تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه فان كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به وان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل. الحديث». ويشير الى ذلك ايضا قول الباقر (عليه‌السلام) في رواية مالك بن أعين (٢) وقد سأله عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال : «ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام ، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها ان أراد».

ثم لا يخفى انه على تقدير القول باستحباب الاستظهار ـ كما هو المشهور بين المتأخرين ـ فقد أورد عليه انه متى كان الاستظهار مستحبا فإنه يجوز تركه واختيار العبادة وحينئذ يلزم الإشكال في اتصاف العبادة بالوجوب ، إذ يجوز تركها واختيار العبادة ، وحينئذ يلزم الإشكال في اتصاف العبادة بالوجوب ، إذ يجوز تركها لا الى بدل ولا شي‌ء من الواجب كذلك. وأجيب بأن العبادة واجبة مع اختيارها عدم الاستظهار

__________________

يوما وانقطع يوما أو يومين ثم رأته ـ بعد ذلك يوما أو يومين قال إذا اختلط هكذا حسبت أيام الدم وألغت ما بين ذلك من الأيام التي لم تر فيها الدم فإذا استكملت من أيام الدم قدر أيامها التي كانت تحيضها استظهرت بثلاثة أيام» ويظهر من فقه المذاهب الأخر عدم العبرة بالاستظهار وان عليها الغسل إذا انتهى حيضها المعتاد أو أكثر أيام الحيض وهي عند بعض عشرة وعند الأخر خمسة عشر.

(١) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب الحيض و (٣) من الاستحاضة.

٢٢١

لا مطلقا ، بمعنى ان التخيير انما وقع في الاستظهار نفسه فلها ان تستظهر نفسه ولها ان تترك الاستظهار لكنها متى اختارت ترك الاستظهار وجبت عليها الصلاة ، فوجوب الصلاة عليها منوط باختيارها عدم الاستظهار فقط لا ان التخيير بين الفعل والترك يتعلق بالصلاة نفسها فحينئذ لا يخرج الواجب عن الوجوب. أقول : لا يخفى ما فيه فان التخيير في الاستظهار يوجب التخيير في العبادة فإن اختارت الاستظهار فلا عبادة وان اختارت عدم الاستظهار وجبت العبادة ، غاية الأمر ان التخيير في العبادة هنا وان لم يكن أولا وبالذات لكنه ثانيا وبالعرض ، فالتخيير لازم البتة وان كان متفرعا على التخيير في الاستظهار ، فهي مخيرة حينئذ بين العبادة ان اختارت عدم الاستظهار وبين تركها ان اختارت الاستظهار ، فقول شيخنا البهائي في الحبل المتين بعد نقل الاستحباب عن متأخري الأصحاب : «ولا استبعاد في وجوب العبادة عليها باختيارها عدم الاستظهار ولا يلزم جواز ترك الواجب لا الى بدل كما لا يخفى» لا اعرف له وجها وجيها ، والظاهر انه قصد بهذا الكلام الرد على صاحب المدارك حيث قال في هذه المسألة : «ثم ان قلنا بالاستحباب واختارت فعل العبادة ففي وصفها بالوجوب نظر من حيث جواز تركها لا الى بدل ولا شي‌ء من الواجب كذلك اللهم الا ان يلتزم وجوب العبادة بمجرد الاغتسال. وفيه ما فيه» انتهى. وهو جيد ، وبذلك يظهر ترجيح القول بالوجوب كما اخترناه زيادة على ما تقدم.

(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في قدر الاستظهار واجبا كان أو مستحبا ، فقال الشيخ في النهاية تستظهر بعد العادة بيوم أو يومين ، وهو مذهب ابن بابويه والمفيد وقال الشيخ في الجمل ان خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض تصبر حتى تنقى. وقال المرتضى تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة ونقل ذلك عن ابن الجنيد ايضا ، وقواه في الذكرى مطلقا وفي البيان مقيدا بظنها بقاء الحيض ، قال في الروض : «وكأنه يريد به ظن الانقطاع على العشرة وإلا فمع التجاوز ترجع ذات العادة إليها وان ظنت غيرها» واختار في المدارك التخيير بين اليوم واليومين

٢٢٢

والثلاثة ، وهو المفهوم من الاخبار المتقدمة. واما ما في المنتهى ـ من عدم جواز الحمل على التخيير لعدم جواز التخيير في الواجب ، ثم قال : «بل التفصيل اعتمادا على اجتهاد المرأة في قوة المزاج وضعفه الموجبين لزيادة الحيض وقلته» ـ فالظاهر ضعفه ، وكيف والتخيير في الواجب واقع في جملة من الأحكام ، مثل تخيير المسافر في المواضع الأربعة والتخيير في ذكر الأخيرتين والتخيير في ذكري الركوع والسجود وأمثال ذلك ، واما حمل الأخبار المذكورة على مزاج المرأة فبعده أظهر من ان يخفى. واما ما نقل عن المرتضى فيدل عليه مرسلة عبد الله بن المغيرة المتقدمة (١) وموثقة يونس بن يعقوب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها ان تصلي؟ قال تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة». قال الشيخ (رحمه‌الله) : «معنى قوله بعشرة أيام إلى عشرة أيام وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض» وطعن فيهما في المدارك بضعف السند. وفيه ما عرفت في غير موضع. وكيف كان فالعمل بكل ما دلت عليه الأخبار المذكورة وجه الجمع بينها. والله العالم.

(الثالث) ـ قد صرح الأصحاب انه ان انقطع دمها على العاشر كان ذلك كاشفا عن كون العشرة حيضا فتقضي صوم العشرة وان كانت قد صامت بعضها ، وان تجاوز العشرة كان ذلك كاشفا عن كون الزائد على العادة طهرا وان صومها وصلاتها بعد أيام الاستظهار كانا صحيحين ووجب عليها قضاء ما أخلت به منهما أيام الاستظهار. ولم نقف لهم في هذا التفصيل على دليل بل ظواهر الأخبار ترده ، وكأنهم بنوا الحكم بكون العشرة كملا حيضا لو انقطع الدم عليها على القاعدة المشهورة بينهم بان كل ما أمكن كونه حيضا فهو حيض. وهي محل البحث كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في محله ، مع ان الأخبار المتقدمة ظاهرة في انه متى زاد الدم على أيام العادة فان الواجب عليها الاستظهار بالأيام المذكورة

__________________

(١) ص ٢١٨.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب الحيض.

٢٢٣

ثمة ، ثم انها بعد الاستظهار تعمل عمل المستحاضة وتصلي وتصوم من غير فرق بين تجاوز الدم العشرة وانقطاعه عليها أو دونها ، وما ذكروه ـ من التكليف المتفرع على الانقطاع على العشرة وكذا التكليف المتفرع على تجاوز العشرة ـ لا مستند له ، ويعضدها الأخبار الأخيرة الدالة على انها تعمل ما تعمل المستحاضة بعد مضي أيام العادة من غير استظهار ، ولو كان لما ذكروه من هذا التفصيل أصل لوقعت الإشارة اليه ولو في خبر من هذه الأخبار على كثرتها وتعددها وليس فليس ، ومما يدل على ذلك زيادة على الأخبار المتقدمة صحيحة الحسين بن نعيم الصحاف (١) وفيها «... وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها ، فان انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل ، وان لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي كانت ترى فيها الدم بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتش وتستذفر وتصل الظهر والعصر. الحديث». ثم ذكر أعمال المستحاضة الى ان قال : «وكذلك تفعل المستحاضة فإنها إذا فعلت ذلك اذهب الله تعالى بالدم عنها». وموثقة سماعة (٢) قال : «سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل؟ قال تقعد أيامها التي كانت تحيض فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة».

قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ بعد اعترافه بان الدليل على القول المشار اليه غير صريح ـ ما صورته : «قلت : قد يستفاد من رواية يونس عن غير واحد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) الرجوع الى العادة مع التجاوز ومع الرجوع الى العادة يثبت ما ذكروه من الأحكام ، وهو وان كان غير صحيح الا ان الأصحاب قد أجمعوا على العمل بمضمونه ، واما الرجوع الى العشرة مع عدم التجاوز فلما روي عنهم (عليهم

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب الحيض.

(٣) المتقدمة ص ١٨٢.

٢٢٤

السلام) من «ان الدم في أيام الحيض حيض» (١). وفسره الشيخ وجماعة بما يمكن ان يكون حيضا ، ومع عدم التجاوز الإمكان ثابت ، وبالجملة هذه الأحكام تستنبط من الروايات وان لم يكن عليها بصراحتها رواية ، فتأمل» انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه ، اما ما استند اليه من رواية يونس ففيه ان مورد الرواية من أولها إلى آخرها وما اشتملت عليه من السنن الثلاث انما هو فيما إذا استمر الدم ودام عليها أشهرا عديدة بل سنين عديدة ، فإن سنة ذات العادة ان تتحيض بأيام عادتها ، وسنة المضطربة التمييز ان أمكن والا فالرجوع الى العدد المذكور فيها ، وسنة المبتدأة العمل بالستة أو السبعة ، ومحل البحث هنا ـ كما هو مورد الأخبار المتقدمة وصريح كلام الأصحاب ـ انما هو بالنسبة إلى أول الدم إذا تجاوز العادة ، ولهذا يفصلون بين انقطاعه على العشرة وتجاوزه لها وان لكل منهما حكما غير الآخر ، وبذلك يظهر لك ان ما استند اليه ليس من محل البحث في شي‌ء. واما ما استند اليه من قولهم : «ان الدم في أيام الحيض حيض» فالمراد بأيام الدم أيام العادة لا ما يمكن ان يكون حيضا ، فان تفسيره بذلك تعسف محض سواء وقع من الشيخ أو غيره ، ويؤيد ما قلناه ما تقدم من الاخبار ومثله في كلام الأصحاب «ان الصفرة في أيام الحيض حيض» (٢). فان المراد انما هي أيام العادة كما عليه اتفاق كلمة الأصحاب ، وبالجملة فإن كلامه في البطلان أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان.

(الرابع) ـ لو اجتمع لها مع العادة تمييز فلا يخلو اما ان يتفقا وقتا وعددا وحينئذ فلا اشكال ، واما ان يختلفا وحينئذ فان مضى بينهما أقل الطهر فالذي صرح به جملة من الأصحاب انها تتحيض بهما معا لتوسط أقل الطهر بينهما ، واستشكل فيه بعض فضلاء متأخري المتأخرين نظرا الى النصوص ، فان مقتضاها ان المستحاضة تجعل أيامها حيضا والباقي استحاضة ، قال : «والظاهر الرجوع الى العادة» وهو جيد. ويظهر من

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

٢٢٥

العلامة في النهاية التردد بين جعلهما حيضا وبين التعويل على التمييز وبين التعويل على العادة والظاهر ضعفه لما عرفت من ان ظاهر الأخبار التعويل على العادة مطلقا ، ومن أظهر الأخبار زيادة على ما قدمنا موثقة إسحاق بن جرير (١) قال : «سألتني امرأة منا ان أدخلها على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فاستأذنت لها فاذن لها فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت له : يا أبا عبد الله ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ قال : ان كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة. قالت : فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة فكيف تصنع بالصلاة؟ قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين. قالت له : ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد بارد.». ألا ترى كيف شدد عليها الرجوع الى العادة كلما راجعته في الكلام ولم يأمرها بالرجوع الى التمييز إلا حيث أخبرته باختلاف العادة واضطرابها ، وبالجملة فإن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال كما قرروه في غير موضع. وان لم يمض بينهما أقل الطهر فإن أمكن الجمع بينهما بان لا يتجاوز المجموع العشرة فالمنقول عن غير واحد من المتأخرين انه يجمع بينهما ، وعن الشيخ فيه قولان أحدهما ترجيح التمييز والآخر ترجيح العادة ولعله الأقرب الى الأخبار. وان لم يمكن الجمع بينهما كما إذا رأت في أيام العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة دم الحيض وتجاوز الجميع العشرة فالمشهور بين الأصحاب ـ ومنهم الشيخ في الجمل والمبسوط وابن الجنيد والمرتضى ـ الرجوع الى العادة ، وقال الشيخ في النهاية بالرجوع الى التمييز ، وحكى في الشرائع قولا بالتخيير ولم ينقل هذا القول في المعتبر ولا نقله ناقل من الأصحاب كما اعترف به في المدارك ، وكيف كان فالمعتمد هو القول الأول للأخبار الكثيرة المتقدمة (٢) ونقل في المدارك عن الشيخ انه احتج لما ذهب إليه في النهاية بصحيحة حفص بن البختري

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الحيض.

(٢) ص ٢١٣.

٢٢٦

المتقدمة (١) ونحوها من الأخبار الدالة على صفات دم الحيض ، ثم أجاب بأن صفة الدم يسقط اعتبارها مع العادة لأن العادة أقوى في الدلالة ، ولما رواه محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ترى الصفرة والكدرة في أيامها؟ قال لا تصل حتى تنقضي أيامها فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت». أقول : قد سبقه الى ما ذكره هنا جده (قدس‌سره) في الروض ، والظاهر ان وجه استدلالهما بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة هو انه لما كانت الصفرة والكدرة ليستا من صفات الحيض بل من صفات الطهر فلو رجح العمل بالتمييز لحكم بالطهر بوجودهما في أيام العادة مع ان الأمر بالعكس في الخبر ، فهو يدل على انه إذا تعارضت العادة والتمييز قدمت العادة فيجب تقديمها في محل البحث. وهو جيد. اما ما ذكره من التعليل الأول فإنه محض مصادرة لانه عين الدعوى ، نعم يصلح ان يكون وجها للنص المذكور وبيانا لوجه الحكمة فيما اشتمل عليه من الحكم. والأظهر هو الاستدلال على ذلك بموثقة إسحاق بن جرير المذكورة ، حيث انه (عليه‌السلام) أمرها أولا مع استمرار الدم بالجلوس أيام الحيض حصل لها تمييز أم لم يحصل ثم بعد ان أخبرته باضطراب عادتها بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان أمرها بالرجوع الى التمييز ، وعلى هذا ينبغي ان تحمل حسنة حفص (٣) ونحوها. وفي المختلف بعد ان أورد حسنة حفص المذكورة حجة للشيخ أجاب بان ما دلت عليه حكم المضطربة والمبتدأة ، اما ذات العادة المستقرة فممنوع. وبالجملة فروايات التمييز مطلقة وهذه الروايات مختصة بذات العادة فيجب تخصيص اخبار التمييز بهذه الاخبار.

والمراد بالعادة التي يجب الأخذ بها هنا ما هو أعم من العادة الحاصلة بالأخذ والانقطاع بالنسبة إلى ذات العادة والعادة الحاصلة من التمييز بالنسبة الى ما عداها من المبتدأة والمضطربة عند الأصحاب والمضطربة خاصة عندنا إذ لم نجد للتمييز في المبتدأة مستندا

__________________

(١ و ٣) ص ١٥١.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

٢٢٧

وعن المحقق الشيخ علي انه رجح تقديم العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع دون المستفادة من التمييز حذرا من لزوم زيادة الفرع على أصله ، قال في المدارك : «وهو ضعيف» وهو كذلك. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ قد صرح الأصحاب بأن العادة كما تحصل بالأخذ والانقطاع كذا تحصل بالتمييز ، فلو مر بها شهران قد رأت الدم فيهما بصفات دم الحيض متفقا في الوقت ثم اختلف الدم في باقي الأشهر فإنها ترجع الى عادتها في الشهرين وتتحيض بها ولا تعتبر باختلاف الدم لأن الأول صار عادة ، قال في المنتهى : «العادة تثبت بالتمييز فإن رأت في الشهرين الأولين خمسة أيام دما اسود وما بينهما دما احمر ثم رأت في الثالث وما بينهما تحيضت بالخمسة. لنا ان المبتدأة ترجع الى التمييز لما يأتي فتتحيض به فإذا عاودها صار عادة فوجب الرجوع في الثالث اليه ولا نعرف فيه خلافا» انتهى. وما ذكره من رجوع المبتدأة إلى التمييز قد عرفت انه لا دليل عليه وانما هو في المضطربة كما سيأتي ان شاء الله تعالى بيانه ، وحينئذ فالعادة الحاصلة من التمييز انما هو بالنسبة إليها حيث انها هي التي ورد في حقها العمل بالتمييز ، والوجه في حصول العادة بذلك هو ان الشارع قد جعل التمييز ـ متى حصل ـ قرء لها تتحيض به فمتى تكرر في الشهر الثاني وقتا وعددا فقد حصلت العادة بتقريب ما تقدم في العادة الحاصلة من الأخذ والانقطاع ، وتدخل حينئذ تحت إطلاق تلك الأخبار مثل قوله (عليه‌السلام) في موثقة سماعة المتقدمة (١) : «إذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في حديث يونس (٢) : «تحيضي أيام أقرائك». وأدناه حيضتان بالتقريب الذي ذكره الصادق (عليه‌السلام) في الخبر المشار اليه. وبالجملة فالظاهر ان الحكم لا اشكال فيه بالنسبة الى من ورد في حقها العمل بالتمييز. واما ما ذكره الأصحاب من التمييز في المبتدأة فقد عرفت انه لا مستند له. وما ذكروه في ذات العادة إذا استمر بها الدم ففيه ايضا ما عرفت

__________________

(١) ص ١٨٨.

(٢) ص ١٨٢.

٢٢٨

في سابق هذه المسألة من انه لا دليل عليه وانما حكمها الرجوع الى العادة اعني الأيام التي اعتادتها بالأخذ والانقطاع.

وينبغي التنبيه على فوائد (الأولى) ـ قد صرح الأصحاب بان ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض تجانس أو اختلف ، قال في المعتبر :

«وهو إجماع» وقال الشهيد الثاني : «والمراد بالإمكان هنا معناه العام وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم ، فيدخل فيه ما تحقق كونه حيضا لاجتماع شرائطه ولارتفاع موانعه كرؤية ما زاد على الثلاثة في زمن العادة الزائدة عنها بصفة دم الحيض وانقطاعه عليها ، وما احتمله كرؤيته بعد انقطاعه على العادة ومضى أقل الطهر متقدما على العادة فإنه يحكم بكونه حيضا لإمكانه ، ويتحقق عدم الإمكان بقصور السن عن التسع سنين وزيادته على الخمسين أو الستين وبسبق حيض محقق لم يتخلل بينهما أقل الطهر أو نفاس كذلك وكونها حاملا على مذهب المصنف وغير ذلك» انتهى. وظاهر المدارك التوقف في أصل الحكم المذكور حيث قال بعد نقل ذلك عنهم : وهو مشكل جدا من حيث ترك المعلوم ثبوته في الذمة تعويلا على مجرد الإمكان ، ثم قال : والأظهر انه انما يحكم بكونه حيضا إذا كان بصفة دم الحيض لعموم قوله (عليه‌السلام) (١) : «إذا كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة». أو كان في العادة لصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيامها. الحديث». وقد تقدمت قريبا (٢).

أقول : يمكن الاستدلال لما ذكره الأصحاب من انه بعد تحقق الحيض فكل ما رأته المرأة في العشرة التي مبدأها الدم الأول فهو حيض برواية يونس الدالة على عدم اعتبار التوالي في الأيام الثلاثة التي هي أقل الحيض ، وقد تقدمت في المسألة المشار إليها (٣) ونحوها صحيحة محمد بن مسلم وموثقته المتقدمتان ثمة (٤) الدالتان على انه إذا رأت

__________________

(١) في صحيحة حفص المتقدمة ص ١٥١.

(٢) ص ٢٢٧.

(٣) ص ١٥٩.

(٤) ص ١٦١.

٢٢٩

الدم قبل إتمام العشرة فهو من الحيضة الاولى ، ونحو ذلك كلامه (عليه‌السلام) (١) في الفقه الرضوي حيث قال : «فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الاولى ، وان رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثانية». انتهى. وكان الاولى في الاستدلال لما ذكروه هو هذه الاخبار لا التعليل بمجرد الإمكان الذي جعلوه كالقاعدة الكلية في غير مكان فإنه عليل لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية حسبما أورده عليهم في المدارك. نعم يبقى الإشكال في انه قد دلت الأخبار المتقدمة على ان ما تراه المرأة بعد أيام العادة والاستظهار أو العادة خاصة كما في الاخبار الأخر فهو استحاضة أعم من ان ينقطع على العشرة أو يتجاوز ، ويمكن الجمع بتخصيص عموم الاخبار المشار إليها بهذه الاخبار بان يستثني منها حكم ذات العادة ويقال ان كل دم رأته المرأة في العشرة فهو حيض ما عدا مورد هذه الاخبار المتعلقة بذات العادة. هذا. واما ما استظهره في المدارك من الحكم بكونه حيضا مع الإنصاف بضفة دم الحيض فلا يتم كليا لان من فروع هذه القاعدة عندهم من زاد دمها على العادة ثم استمر حتى انقطع على العاشر فإنهم حكموا بكون الجميع حيضا ، اما دم العادة فظاهر واما ما زاد فبهذه القاعدة وهو انه يمكن ان يكون حيضا فيجب ان يكون حيضا ، والمستفاد ـ كما عرفت آنفا ـ من اخبار المسألة ان ما زاد على أيام العادة أو مع أيام الاستظهار فهو استحاضة مطلقا انقطع على العاشر أم لا بصفة الحيض كان أم لا ، وبذلك صرح هو نفسه في الموضع الخامس من شرح قول المصنف (رحمه‌الله) : «الثالثة ـ إذا انقطع الدم لدون العشرة فعليها الاستبراء» حيث قال : «والمستفاد من الاخبار ان ما بعد أيام الاستظهار استحاضة. إلخ» واما على ما ذكرنا من الاستناد الى ما نقلناه من الأخبار والجمع بينها بما ذكرناه فلا إشكال في المقام بتوفيق الملك العلام.

__________________

(١) ص ٢١.

٢٣٠

(الثانية) ـ قد صرحوا بأنه لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع ورأته قبل العاشر كان الجميع من الدمين وما بينهما من النقاء حيضا ، اما الدم الأول فلا يخلو اما ان يكون دم عادة فلا إشكال أولا فيكون مما يمكن ان يكون حيضا ، واما الثاني فهو مما يمكن ان يكون حيضا فيجب الحكم بكونه حيضا ، واما النقاء فلكونه أقل من عشرة فلا يمكن الحكم بكونه طهرا. ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته كان الأول حيضا منفردا والثاني يمكن ان يكون حيضا مستأنفا لمضي أقل الطهر بينهما ، قال في المدارك : «فان ثبتت الكلية المدعاة في كلامهم تحيضت برؤيته ـ يعني الدم الثاني الذي بعد العشرة ـ وإلا وجب مراعاة الصفات على ما تقدم من التفصيل».

أقول : اما ما ذكروه من الحكم بكون النقاء المتوسط بين الدمين حيضا متى كان أقل من عشرة فقد تقدم الكلام فيه ، لان كلامهم هذا مبني على قاعدة أقل الطهر عشرة مطلقا ، وهو ممنوع لما قدمناه من انه مخصوص بالطهر المتوسط بين حيضتين ، بمعنى انه لا يحكم بتعدد الحيض إلا بتوسط العشرة اما إذا كان في حيضة واحدة فلا مانع منه ، وعليه تدل الأخبار المتقدمة في مسألة اشتراط توالي الثلاثة وعدمه كما أوضحناه ثمة (١) والمستفاد منها انه متى رأت الدم المحكوم بكونه حيضا ثم انقطع فان مضت عشرة أيام خالية من الدم ثم عاد فإنه يحكم بكونه حيضا ثانيا مع بلوغه الثلاثة وان لم تمض العشرة فإنه من الحيضة الاولى ، وهو صريح في إبطال كلامهم في هذه المسألة ، لان من جملة فروض المسألة ما لو تحيضت أولا بخمسة أيام ثم انقطع الدم ثمانية أيام مثلا ثم عاد خمسة ، فمقتضى قواعدهم من البناء على قاعدة الإمكان بتقدير إجرائه في هذا المكان لانه لا يمكن الحكم بالتحيض على ما عدا الدم الأول فالدم الثاني عندهم استحاضة ، ولا يمكن الحكم بكونه حيضا مستقلا لعدم توسط أقل الطهر عندهم ، ولا بانضمامه الى الدم الأول مع النقاء المتوسط للزوم الزيادة على العشرة التي هي أكثر

__________________

(١) ص ١٥٩.

٢٣١

الحيض ، والمفهوم من الاخبار المشار إليها ان الدم الثاني من الحيضة الأولى ، ومنه يلزم ان النقاء المتوسط طهر وإلا لزم المحذور المذكور ، ومن أظهر الروايات الدالة على ذلك رواية الفقه الرضوي المتقدمة قريبا ، ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة في مسألة توالي الأيام الثلاثة (١) ونحوهما روايتا محمد بن مسلم (٢) واما ما ذكره في المدارك ـ من ان التحيض بالدم الثاني الذي بعد العشرة مبني على الكلية المدعاة فإن ثبتت والا وجب مراعاة الصفات ـ ففيه ان الحكم المذكور ثابت بالنصوص التي أشرنا إليها ، ولعلها مستند الأصحاب في هذه الكلية ، الا انه لا عموم فيها على الوجه الذي يدعونه بحيث يكون حكما كليا بل يجب الاقتصار فيها على مواردها. والله العالم.

(الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب بان ما تراه المرأة في أيام الحيض من الصفرة والكدرة حيض وما تراه في أيام الطهر طهر ، وفسر في الروض أيام الحيض بما يمكن ان يكون حيضا ، قال : «والمراد بأيام الحيض ما يحكم على الدم الواقع فيها بأنه حيض سواء كانت أيام العادة أم غيرها فتدخل المبتدأة ومن تعقب عادتها دم بعد أقل الطهر ، وضابطه ما أمكن كونه حيضا ، وربما فسرت بأيام العادة والنصوص دالة بعمومها على الأول» قال في المدارك بعد ان نقل عن جده ذلك : «هذا كلامه (رحمه‌الله) وأقول ان هذا التفسير أولى ، إذ الظاهر اعتبار الأوصاف في غير المعتادة مطلقا كما بيناه» أقول : أشار بقوله «هذا التفسير» الى التفسير الأخير وهو التفسير بأيام العادة. وهو الظاهر فإنه المتبادر من النصوص بالخصوص لا العموم كما ادعاه ، ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيامها؟ فقال لا تصل حتى تنقضي أيامها وان رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت». وموثقة معاوية بن حكيم (٤) قال قال : «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من

__________________

(١) ص ١٦٣.

(٢) ص ١٦١.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

٢٣٢

الحيض وبعد أيام الحيض ليس من الحيض وفي أيام الحيض حيض». وفي مرسلة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض». ورواية إسماعيل الجعفي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عادتها لم تصل وان كانت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت». الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في المراد ، فان التعبير بأيامها في الخبر الأول انما ينصرف الى المعهود من أيام عادتها لا ما يمكن كونه حيضا ، وقرينة التقسيم في الثانية ظاهرة في العادة ، وكذا في الثالثة والرابعة ، وبالجملة فإن تبادر ذلك من الاخبار أظهر من ان ينكر. واما ما ذكره في المدارك من ان الظاهر اعتبار الأوصاف في غير المعتادة مطلقا فهو على إطلاقه ممنوع بل الأظهر الوقوف على الأخبار ان وجدت وإلا فالرجوع إلى الأوصاف كما ذكره ، وقد قدمنا جملة من الاخبار الدالة على التحيض بما يتفق في العشرة ونحوها الأخبار الدالة على التحيض بالدم الثاني بعد توسط أقل الطهر ، ومثل ذلك أخبار المبتدأة فإنه قد تقدم ما يدل على تحيضها برؤية الدم مطلقا ، وهذه كلها خارجة عن أيام العادة مع دلالة الاخبار على التحيض فيها برؤية الدم وافق دم الحيض أو خالفه. والله العالم.

(المطلب الثالث) ـ في المضطربة وفيه مسائل (الأولى) ـ قد اضطرب كلامهم في تفسير المضطربة ، ففسرها في المعتبر بأنها التي لم تستقر لها عادة وجعل الناسية للعادة قسيما لها ، والذي صرح به العلامة ومن تأخر عنه انها من استقرت لها عادة ثم اضطرب عليها الدم ونسيتها. أقول : وهذا المعنى الثاني هو الذي صرحت به رواية يونس الطويلة المتقدمة (٣) حيث قال (عليه‌السلام): «واما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر. الحديث». وظاهره ان المضطربة هي ناسية الوقت والعدد ، وتعرف هذه

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

(٣) ص ١٨٢.

٢٣٣

عند الفقهاء بالمتحيرة لتحيرها في نفسها والمحيرة للفقيه في أمرها ، وظاهر الأصحاب رجوع المضطربة بتفسيريها الى التمييز ، وعلله في المدارك بعموم الأدلة الدالة على ذلك ثم نقل عن بعض المحققين انه قال : وقد تقدم ان المضطربة من نسيت عادتها اما عددا أو وقتا أو عددا ووقتا ، والحكم برجوعها الى التمييز مطلقا لا يستقر لأن ذاكرة العدد الناسية للوقت لو عارض تمييزها عدد أيام العادة لم ترجع الى التمييز بناء على ترجيح العادة على التمييز ، وكذا القول في ذاكرة الوقت ناسية العدد ، ويمكن الاعتذار عنه بان المراد برجوعها الى التمييز ما إذا طابق تمييزها العادة بدليل ما ذكره من ترجيح العادة على التمييز. هذا كلامه (رحمه‌الله) ثم قال : «ولا يخفى انه على هذا الاعتذار لا يظهر لاعتبار التمييز فائدة ، ويمكن ان يقال باعتبار التمييز في الطرف المنسي خاصة أو تخصيص المضطربة بالناسية للوقت والعدد» انتهى.

أقول : لا يخفى انه لم يرد في الاخبار ما يدل على معنى المضطربة وحكمها من الرجوع الى التمييز إلا رواية يونس المشار إليها (١) وقد عرفت ان الذي تضمنته انما هو ناسية الوقت والعدد خاصة ، واما من لم تستقر لها عادة ـ كما فسرها به في المعتبر أو ناسية العدد خاصة كما ذكره المحقق المشار اليه ـ فلا اعرف له مستندا ، ومنه يظهر عدم ورود ما أورده من الإشكال الذي تكلف الجواب عنه. ويمكن استفادة المضطربة بالمعنى الذي ذكره المحقق المشار اليه وهي الناسية للعدد خاصة أو الوقت خاصة بما ورد في رواية إسحاق بن جرير (٢) حيث قال فيها : «قالت فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة فكيف تصنع بالصلاة؟ قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين. قالت له ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال : دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة

__________________

(١) المتقدمة ص ١٨٢.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الحيض.

٢٣٤

دم فاسد بارد. الحديث». والتقريب فيه انه إذا كان الاضطراب يحصل بالتقدم والتأخر على الوجه المذكور فلان يحصل بنسيان العدد أو الوقت بطريق اولى. وفيه ما فيه ، على انه يحتمل ان يكون المعنى في الخبر المذكور انه تنظر الى هذا الدم الذي يأتيها في أيام العادة مع ما هي عليه من التقدم والتأخر على الوجه المذكور فتجعل ما تجده بصفة الحيض حيضا وما كان بصفة الاستحاضة استحاضة ، وبذلك يظهر انه لا يكون حكما كليا كما هو المدعى. والتحقيق انه ان عارض التمييز العادة فالترجيح للعادة لما عرفت فيما تقدم ، وإلا فإن وجد في الأخبار ما يدل على التحيض بذلك الدم مطلقا فالواجب الأخذ به والا فالعمل على التمييز ، إذ الظاهر من اخبار التمييز هو الرجوع إليه في مقام اشتباه الدم ، ففي صحيحة حفص بن البختري (١) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره؟ قال فقال لها : ان دم الحيض حار عبيط اسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة اصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة.». وحينئذ فيجب الرجوع الى التمييز في جميع أقسام المضطربة ما لم تعارضه ثمة عادة ، هذا بالنسبة إلى العادة العددية الوقتية ، اما العددية خاصة فلو عارضها التمييز كان تكون عادتها خمسة مثلا ورأت الدم بصفات دم الحيض أقل أو أكثر منها فظاهر إطلاق كلام الأصحاب هو الرجوع الى التمييز حيث انهم أطلقوا رجوع المضطربة بجميع أقسامها إلى التمييز ، واحتمال الرجوع الى العادة قوى ، والأحوط هنا الجمع بينهما بجعل الجميع حيضا وقضاء عبادات ما زاد أو نقص عن أيام العادة ، واما الوقتية فمتى عارضها التمييز فالظاهر رجحان العادة ، فلو رأت في ذلك الوقت ما هو بصفة دم الاستحاضة وفي غيره ما هو بصفة دم الحيض فالأقرب تحيضها بما رأته في الوقت المذكور لقوة دلالة الوقت وعموم الأخبار الدالة على ان الصفرة والكدرة في وقت

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الحيض.

٢٣٥

الحيض حيض (١). والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ قد تقدم ان ظاهر كلام الأصحاب انه يجب الاستظهار على المبتدأة والمضطربة بان تتعبد في أول الدم ثلاثة أيام ليتحقق كونه حيضا ، وقد عرفت انه في المبتدأة لا دليل عليه بل الدليل واضح في خلافه ، وكذا هنا ، قال في المدارك ـ بعد ان نقل عن المصنف وجوب الاحتياط على المضطربة بأقسامها الثلاثة المتقدمة ـ ما لفظه : «والحكم بوجوب الاحتياط عليها انما يتم في ناسية الوقت اما ذاكرته فإنها تتحيض برؤية الدم قطعا ، وقد تقدم ان الأظهر تحيض الجميع برؤية الدم إذا كان بصفة دم الحيض» أقول : اما ما ذكره ـ من تحيض ذاكرة الوقت بمجرد رؤية الدم ـ فلا اشكال فيه ، واما ما ذكره ـ من ان الأظهر كما تقدم تحيض الجميع برؤية الدم إذا كان بصفة دم الحيض إشارة الى ما قدمه في المبتدأة ـ فقد عرفت ما فيه ثمة ، الا ان الحكم في المضطربة لما كان هو الرجوع الى التمييز الذي هو الأخذ بصفات دم الحيض فإنه يختص التحيض بما إذا كان الدم بصفة دم الحيض البتة ، واما ما ذكره الأصحاب من الاحتياط بان لا تترك العبادة ثلاثة أيام فإن أرادوا به الاحتياط في صورة كون الدم بصفة دم الحيض فهو خلاف النص الذي هو رواية يونس المتقدمة (٢) فإنه قد تكرر فيها الأمر بالتحيض بصفات الدم كقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي». وقول الباقر (عليه‌السلام): «إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة وإذا رأيت الطهر ولو ساعة من نهار فاغتسلي». وان أرادوا به الاحتياط في غير الصورة المذكورة فهو ليس باحتياط بل هو الحكم الشرعي في ذلك ، فإنها مع عدم اتصاف الدم بصفات دم الحيض فالحكم الشرعي فيها وجوب العبادة عليها كما عرفت من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» والمراد بإقبال الدم وإدباره هو الاتصاف بصفات دم الحيض وعدمه ، ونحوه قول الباقر

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

(٢) ص ١٨٢.

٢٣٦

(عليه‌السلام) : «وإذا رأيت الطهر ساعة» يعني ما ليس بصفة دم الحيض ، وبالجملة فإني لا اعرف لهذا الاحتياط هنا محلا ولا دليلا.

(المسألة الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب بأن المضطربة متى فقدت التمييز فلا يخلو اما ان تكون ناسية الوقت والعدد معا أو ناسية للوقت خاصة ذاكرة للعدد أو بالعكس فههنا صور ثلاث :

(الأولى) ـ ناسية الوقت والعدد وهي المشهورة بالمتحيرة كما تقدم ، قيل بأنها ترجع الى الروايات بان تتحيض في كل شهر بستة أيام أو سبعة أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ومتى اختارت عددا جاز لها وضعه في أي موضع شاءت لعدم الترجيح في حقها ولا اعتراض للزوج ، وهل يجب في الشهر الثاني وما بعده المطابقة في الوقت لما عليه في الأول أو يكون التخيير باقيا وكذا التخيير في الأعداد؟ احتمالان ، وهذا هو المشهور عندهم بل نقل عليه الشيخ في الخلاف الإجماع ، مع انه في المبسوط افتى بوجوب الاحتياط عليها بان تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه وهو بعد الثلاثة لكل صلاة ، لاحتمال انقطاع الدم عنها إذ ما من زمان بعد الثلاثة الا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، وتقضي صوم عادتها وأوجب عليها اجتناب ما تجنبه الحائض ، وجعل العلامة في القواعد هذا القول أحوط. وقال الشيخ في الجمل ترجع الى التمييز فان فقدته تركت الصلاة في كل شهر سبعة أيام. وقال في النهاية : «فإن كانت المرأة لها عادة الا انه اختلطت عليها العادة واضطربت وتغيرت عن أوقاتها وأزمانها فكلما رأت الدم تركت الصوم والصلاة وكلما طهرت صلت وصامت الى ان ترجع الى حال الصحة. وقد روى انها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر ثم تفعل ما تفعله المستحاضة» وقريب منه كلام الصدوق في الفقيه ، وقال أبو الصلاح انها ترجع إلى عادة نسائها فان لم يكن لها نساء تعرف عادتهن اعتبرت صفة الدم ، فان كان الدم بصفة واحدة تحيضت في كل شهر سبعة أيام ، قال في المختلف : «وهذا القول مخالف للمشهور في

٢٣٧

أمرين : (الأول) ـ انه جعل للمضطربة رجوعا إلى نسائها والمشهور ان ذلك للمبتدأة خاصة (الثاني) ـ انه جعل التمييز مرجوعا اليه بعد فقد النساء» وقال ابن إدريس : إذا فقدت التمييز كان فيها الأقوال الثلاثة المذكورة في المبتدأة ، وكان قد ذكر في المبتدأة ستة أقوال : (الأول) ـ انها تتحيض في الشهر الأول بثلاثة أيام وفي الثاني بعشرة. (الثاني) ـ عكسه (الثالث) ـ سبعة أيام (الرابع) ـ ستة أيام (الخامس) ـ ثلاثة أيام في كل شهر (السادس) ـ عشرة في كل شهر. ورجح المحقق في المعتبر انها تتحيض بثلاثة أيام وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا وعملا بالأصل في لزوم العبادة. قال في المدارك بعد نقله عنه : «وهو متجه» هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في هذه المسألة. والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة رواية يونس المتقدمة (١) وقد تضمنت انها مع فقد التمييز تتحيض بسبعة أيام حيث قال (عليه‌السلام) في آخر الرواية بعد الأمر بالعمل بالتمييز والأخذ بإقبال الدم وإدباره : «فان لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون. الحديث». ومن ذلك يظهر قوة ما ذهب إليه في الجمل لدلالة هذا الخبر عليه. واما القول المشهور فهو مبني على الاستدلال بموثقتي ابن بكير وموثقة سماعة المتقدمات في بحث المبتدأة (٢) وموردها انما هو المبتدأة كما عرفت فالاستدلال بها هنا لا اعرف له وجها ، والعجب من غفلة الجميع عن ذلك ولا سيما متأخري المتأخرين الذين عادتهم المناقشة في الأدلة كصاحب المدارك ونحوه. واما قول الشيخ في النهاية ونحوه الصدوق فمستنده موثقتا يونس بن يعقوب وابي بصير المتقدمتان في الموضع الأول من المقام الثاني من المطلب الأول في المبتدأة من المقصد الثاني (٣) بحمل الروايتين على من اختلط دمها كما عبر به في النهاية ونحوه في الاستبصار كما تقدم ثمة. وفيه ان الظاهر ان الحكم المذكور كلي في جميع أفراد المضطربة والخبران لا يساعدان

__________________

(١) ص ١٨٢.

(٢) ص ١٩٤.

(٣) ص ١٩٥.

٢٣٨

عليه لتخصيصهما ذلك بالشهر أو الثلاثين يوما ثم تعمل عمل المستحاضة ، وبالجملة فالظاهر هو القول بهما والوقوف على موردهما كما يشعر به كلام الصدوق وان كان ظاهر عبارة الفقيه كونه حكما كليا حيث أوجب عليها ذلك الى ان ترجع الى حال الصحة ، فإنه لا دليل عليه في المقام سوى الخبرين المذكورين وهما قاصران عن الدلالة على ما ادعاه. واما ما ذهب إليه أبو الصلاح من التحيض بسبعة بعد فقد التمييز فهو جيد لما عرفت من الدليل وان كان ما ادعاه من الرجوع الى نسائها أولا لا دليل عليه. واما ما ذكره ابن إدريس فقد عرفت ما فيه مما أوردناه على القول المشهور. واما ما ذكره المحقق فقد تقدم الكلام فيه وأوضحنا ما يكشف عن ضعف باطنه وخافية في بحث المبتدأة في الموضع الثالث من المقام الثاني من المطلب الأول في المبتدأة من المقصد الثاني. واما ما ذكره الشيخ من الاحتياط المذكور فقد رده جملة من الأصحاب باستلزامه الحرج المنفي في الآية والاخبار ، قال في الذكرى : «والقول بالاحتياط عسر منفي بالآية والرواية» وقال في البيان : «الاحتياط هنا بالرد الى أسوأ الاحتمالات ليس مذهبا لنا» وفيه إشارة إلى كونه قولا للعامة ، وهو كذلك فإنه نقله في المنتهى عن الشافعي ، وبالجملة فهو قول لا دليل عليه بل الدليل ظاهر في خلافه كما عرفت. وبالجملة فالظاهر عندي في المسألة هو ما ذهب اليه الشيخ في الجمل لما عرفت. والله العالم.

(الثانية) ـ ناسية الوقت ذاكرة العدد ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انها تعمل على العدد المذكور وتتخير في وضعه في أي موضع أرادت من الشهر ، وعن المبسوط انها تعمل بالاحتياط المتقدم ، واختاره العلامة في الإرشاد ونسبه في الشرائع إلى القيل واقتصر عليه ، ومثله في المعتبر حيث نقل ذلك عن الشيخ واقتصر عليه ، وهو مؤذن باختياره ، وقال في الروض : «ويتفرع على هذا القول فروع جليلة ومسائل مشكلة» ثم انه ينبغي ان يعلم ان موضع الخلاف هنا ما إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بحيث يتحقق فيه الحيض كما لو لم تعرف قدر الدور وابتداءه فإنها لا تخرج

٢٣٩

عن المتحيرة إلا في نقصان العدد التي حفظته أو زيادته عما في الروايات ، كما لو قالت كان حيضي سبعة لكن لا أعلم في كم أضللتها ، أو قالت مع ذلك دوري ثلاثون ولكن لا اعلم ابتداءه ، أو قالت دوري يبتدئ يوم كذا ولكن لا اعرف قدره ، ففي هذه الصور ترجع الى الروايات على المشهور لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كل وقت ، أو تعمل بالاحتياط في كل الزمان عند من ذهب اليه ، وان حفظت قدر الدور وابتداءه مع العدد كما لو قالت حيضي سبعة في كل شهر هلالي فقدر العدد من اوله لا يحتمل الانقطاع وانما يحتمل الحيض والطهر وبعده يحتمل الثلاثة إلى آخر الدوران كان الإضلال فيه اجمع ، وان تيقنت سلامة بعضه كالعشرة الأخيرة من الشهر ـ مثلا ـ حكمت بكونه طهرا ، والحكم حينئذ في العشرين الباقية انها تتحيض بالعدد المذكور وتتخير في وضعه بين الأيام التي أضلت فيها وتجعل الدور استحاضة ، أو تعمل بالاحتياط عند من ذهب إليه في جميع أوقات الإضلال ، وهو ان تغتسل للحيض في كل وقت يحتمل الانقطاع وهو ما زاد على العدد من أول الدور لعدم إمكان الانقطاع قبل انقضائه وهكذا ما بعده من الأوقات التي يحتمل فيها الانقطاع ، تغتسل لكل عبادة مشروطة به ، وتترك تروك الحائض ، ولزمها مع ذلك تكليف المنقطعة من العبادات والأغسال أو الوضوءات ، وتقضي صوم عادتها خاصة وهو العدد الذي حفظته ان علمت عدم الكسر والا لزمها قضاء يوم آخر ، وبالجملة فإن الاحتياط على القول به وعدم تحقق الحيض انما يكون فيما إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل العدد في وقت يزيد نصفه عن ذلك العدد أو يساويه ، كما لو أضلت خمسة أو أربعة في عشرة فإنها لا حيض لها متيقن لمساواة العدد لنصف الزمان ونقصانه ، اما لو زاد العدد على نصف الزمان كما إذا أضلت سبعة في عشرة فإنه يتعين كون الزائد وضعفه حيضا بيقين وهو السادس والخامس لاندراجهما بتقدير تقدم الحيض وتأخره وتوسطه ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس الى تمام العشرة ، فعلى العمل بالمشهور تضم الى هذين اليومين بقية العدد المذكور متقدما

٢٤٠