الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

للرواية المذكورة ، وأنت خبير بان بحث الأصحاب عن هذه الرواية في حكم المبتدأة ـ في جميع ما ذكرناه ونقلناه عنهم مع انها لم تشتمل على ذكر المبتدأة وانما المذكور فيها المستحاضة بقول مطلق ـ لا يخلو من اشكال ، وكلهم فهموا ذلك من الأمر بالرجوع الى بعض نسائها حيث انه لم يقع الأمر بالرجوع الى النساء إلا في المبتدأة.

بقي الكلام فيما ذكروه من الرجوع الى الأقران فإني لم أقف فيه على خبر يدل عليه ، وهذا الحكم ذكره الشيخ وتبعه عليه جملة من الأصحاب ، ورده في المعتبر فقال بعد نقله عنه : «ونحن نطالب بدليله فإنه لم يثبت. ولو قيل كما يغلب في الظن انها كنسائها مع اتفاقهن يغلب في الأقران ، منعنا ذلك فان ذوات القرابة بينها مشابهة في الطباع والجنسية والأصل فقوى الظن مع اتفاقهن بمساواتها لهن ، ولا كذا الأقران إذ لا مناسبة تقتضيه لأنا قد نرى النسب يعطي شبها ولا نرى المقارنة لها أثر فيه» انتهى. وأجاب عنه في الذكرى فقال بعد نقل ذلك عنه : «ولك ان تقول لفظ «نسائها» دال عليه فان الإضافة تصدق بأدنى ملابسة وما لابستها في السن والبلد صدق عليهن النساء ، واما المشاكلة فمع السن واتحاد البلد تحصل غالبا ، وحينئذ ليس في كلام الأصحاب منع منه وان لم يكن تصريح به ، نعم الظاهر اعتبار اتحاد البلد في الجميع لان للبلد أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة» وأورد عليه ان الملابسة المذكورة لو كانت كافية في صحة المراجعة لم يستقم اشتراط اتحاد البلد والسن بل يلزم صحة الاكتفاء بأحدهما لصدق الملابسة معه ، بل لا تنحصر الملابسة في أحدهما لتكثر وجوه الملابسات وذلك يؤدي الى ما هو منفي بالإجماع ، وتوقف تمامية المشاكلة ومقارنة الطبيعة على اجتماع الأمرين لا يصلح مخصصا لعموم النص.

أقول : والتحقيق هو ما أشرنا إليه في غير موضع من ان بناء الأحكام الشرعية على هذه التخريجات العقلية والتقريبات الظنية لا يخلو من مجازفة في الأحكام الشرعية ، والنص المذكور ظاهر في الأقارب خاصة إذ هو المتبادر من حاق هذا اللفظ ، والتعدي عنه يحتاج الى دليل واضح والا لدخل في القول على الله عزوجل بغير علم كما لا يخفى على المنصف

٢٠١

وحينئذ فالظاهر اطراح هذا القول من البين. والله العالم.

(الموضع الثالث) ـ في الرجوع الى الروايات بعد تعذر الرجوع الى المراتب المتقدمة ، وقد اختلف كلام الأصحاب في ذلك على أقوال عديدة : منها ـ انها تتخير بين التحيض في الشهر الأول ثلاثة أيام وفي الشهر الثاني عشرة وبين التحيض في كل شهر سبعة ، وهذا قول الشيخ في الجمل وموضع من المبسوط. ومنها ـ انها تجعل عشرة أيام حيضا وعشرة أيام طهرا وعشرة أيام حيضا وهكذا ، وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط. ومنها ـ التخيير بين التحيض في كل شهر بسبعة أيام وبين التحيض في الشهر الأول عشرة وفي الشهر الثاني ثلاثة ، وهو ظاهره في النهاية ، هكذا نقله عنه في الذخيرة ، والذي في النهاية انها تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام وتصلي وتصوم ما بقي ثم لا تزال هذا دأبها الى ان تعلم حالها وتستقر على حال ، وقد روى انها تترك الصلاة والصوم في الشهر الأول عشرة أيام وتصلي عشرين يوما وهي أكثر أيام الحيض ، وفي الشهر الثاني ثلاثة أيام وتصلي سبعة وعشرين يوما وهي أقل الحيض ، وهو ظاهر في ان مذهبه فيه انما هو التحيض بالسبعة دائما واما العشرة والثلاثة فإنما نسبها إلى الرواية ، فما ذكره من نسبة التخيير بين الأمرين المذكورين اليه ليس في محله كما لا يخفى ومنها ـ التخيير بين الثلاثة من الأول والعشرة من الثاني وبين الستة وبين السبعة ، وهو قوله في الخلاف ، كذا نقله عنه في الذخيرة أيضا ، والذي نقله عنه في المختلف انما هو التحيض بالثلاثة من الأول والعشرة من الثاني ، ثم قال : وقد روى انها تترك الصلاة في كل شهر ستة أيام أو سبعة ، ونسبته إلى الرواية بعد إفتائه بالأول يؤذن بأن مذهبه هو الأول وانما حكى هذا رواية ، فنسبة القول له بالتخيير كما ذكره (قدس‌سره) ليس في محله ، وحينئذ فمذهبه هنا يرجع الى ما نقل عن ابن البراج. ومنها ـ التخيير بين الثلاثة من شهر وعشرة من آخر وبين الستة وبين السبعة ، وهو مختار العلامة وجمع من الأصحاب. ومنها ـ التحيض في الشهر الأول بثلاثة وفي الشهر الثاني بعشرة ، وهو قول ابن البراج

٢٠٢

ومنها ـ عكس ذلك ، نقله ابن إدريس عن بعض الأصحاب. ومنها ـ التحيض في كل شهر بعشرة أيام ، نقله في المعتبر عن بعض فقهائنا. ومنها ـ ان تجلس بين ثلاثة إلى عشرة وهو قول المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وهو ظاهر ابن بابويه حيث قال : «أكثر جلوسها عشرة أيام في كل شهر» ومنها ـ انها تترك الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام وتصلي سبعة وعشرين يوما ، وهو قول ابن الجنيد واختاره في المعتبر.

واختلاف أكثر هذه الأقوال انما نشأ من اختلاف أخبار المسألة المتقدمة في الموضع الأول (١) ومنها ـ رواية يونس الطويلة (٢) وفيها التخيير بين الستة والسبعة ، وبهذه الرواية استدل الشيخ ومن تبعه على التحيض بالسبعة كما هو مذهبه في النهاية على ما أوضحناه وفيه ان ظاهر الرواية التخيير بين الستة والسبعة فهي غير منطبقة على المدعى ومنها ـ موثقتا ابن بكير (٣) وبهما استدلوا على التحيض بالعشرة من الأول وبالثلاثة من الثاني وهكذا ، وظاه رهما انما هو التحيض بالعشرة في الدور الأول والثلاثة بعد ذلك دائما لا ان العشرة والثلاثة دائما في كل دور كما ذكروه ، وأيضا فإن الشيخ في الجمل والمبسوط جعل الثلاثة في الدور الأول والعشرة في الثاني مع ان الموثقتين صريحتان في عكس ذلك ، ومنها ـ موثقة سماعة (٤) وظاهرها يدل على مذهب المرتضى وابن بابويه ومنه يعلم عدم انطباق الأخبار المذكورة على أكثر الأقوال المتقدمة ، فإن هذه أخبار المسألة الموجودة في كتب الأخبار وكلام الأصحاب. وطعن جملة من متأخري المتأخرين في هذه الاخبار بضعف الأسانيد وتقدمهم في ذلك المحقق في المعتبر ، فقال بعد نقل رواية يونس (٥) وموثقة ابن بكير الاولى (٦) : «واعلم ان الروايتين ضعيفتان (أما الأولى) فلما ذكره ابن بابويه عن ابن الوليد انه لا يعمل بما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس.

و (اما الثانية) فرواية عبد الله بن بكير وهو فطحي لا اعمل بما ينفرد به لكن لما كان الغالب في عادة النساء الستة والسبعة قضينا بالغالب. والوجه عندي ان تتحيض

__________________

(١) ص ١٩٣.

(٢ و ٥) ص ١٨٢.

(٣ و ٤ و ٦) ص ١٩٤.

٢٠٣

كل واحدة منهما ثلاثة أيام لأنه اليقين في الحيض وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا وعملا بالأصل في لزوم العبادة» انتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك : «هذا كلامه ولا يخلو من قوة ، وتؤيده الروايتان المتقدمتان والإجماع ، فإن الخلاف واقع في الزائد عن الثلاثة».

أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من الضعف والوهن الظاهر لمن أعطى التأمل حقه في المقام (اما أولا) ـ فإن ما طعن به في سند الروايتين بما ذكره فيه ان هذا مناف لما صرح به في صدر كتابه كما قدمنا نقله عنه قريبا.

و (اما ثانيا) ـ فإنه قال في باب غسل النفاس بعد نقل موثقة عمار الساباطي ما لفظه : «وهذه وان كان سندها فطحية لكنهم ثقات في النقل» وقال بعد نقل رواية السكوني : «والسكوني عامي لكنه ثقة» وأنت خبير بان ما ورد في حق عبد الله بن بكير من المدح حتى عد في جملة من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه لا يكاد يوجد في أحد من هؤلاء الذين قد حكم هنا بتوثيقهم. وقد أجاب في الذكرى عن ذلك فقال ـ ونعم ما قال ـ ان الشهرة في النقل والإفتاء بمضمونه حتى عد إجماعا يدفعهما ، قال : «ويؤيده ان حكمة الباري أجل من ان يدع امرا مبهما يعم به البلوى في كل زمان ومكان ولم يبينه على لسان صاحب الشرع مع لزوم العسر والحرج فيما قالوه ، وهما منفيان بالآي والاخبار وغير مناسبين للشريعة السمحة».

و (اما ثالثا) ـ فلانه لا يخفى ان إثبات الأحكام الشرعية التوقيفية على الوقف من الشارع بهذه التخريجات لا يخلو من المجازفة سيما مع وجود الأخبار في المسألة (فإن قيل) : ان كلامه هذا مبني على الاحتياط الذي صرحتم في غير موضع بأنه يجب الأخذ به مع عدم وجود النصوص ، والفرض هنا كذلك حيث ان هذه النصوص عندهم غير ثابتة ، فالوقوف على الاحتياط لا بأس به (قلنا) : لا يخفى انه مع الإغماض عن المناقشة في طرح النصوص المذكورة فإن هذا الاحتياط للعبادة فيما زاد على الأيام الثلاثة المحتملة

٢٠٤

لكونها حيضا معارض بمخالفة الاحتياط في تحليل ما حرم الله تعالى على الحائض من نكاحها وجلوسها في المساجد وأمثال ذلك من المحرمات والمكروهات ، وحينئذ فالاحتياط المدعى غير تام بجميع موارده.

و (اما رابعا) ـ فلان الظاهر من اخبار «ان أقل الحيض ثلاثة» (١). انما هو بالنسبة الى من انقطع عنها الدم لدون ثلاثة ، فإنه لا يحكم بكونه حيضا وبها يستدل في هذا المقام ، واما من دام دمها بعد الثلاثة واستمر وحكم بكونه حيضا قطعا ولكن وقع التردد في مقداره كمحل البحث فإنه لا مجال للاستدلال بالأخبار المذكورة ، لأن الشارع قد جعل ما تراه من الدم الى تمام العشرة صالحا لان يكون حيضا وعادات النساء قد جرت على ذلك ، فكل فرد فرد من افراد هذه الاعداد صالح لان يكون فردا وترجيح بعضها على بعض يحتاج الى مرجح شرعي ، ويشير الى ذلك ما في موثقة سماعة (٢) من التخيير بين الثلاثة إلى تمام العشرة ، حيث ان هذا المقدار هو الذي علم من الشارع جعله حيضا ، وبذلك يظهر ان قوله : «لانه اليقين في الحيض» على إطلاقه ممنوع بل انما يتعين بالنسبة الى ما نقص عن هذا العدد ، واما ما زاد عليه إلى العشرة وهو حد الأكثر من الحيض فالحكم باليقينية ممنوع ، نعم العشرة يقين بالنسبة الى ما زاد عليها كما لا يخفى.

و (اما خامسا) ـ فلان قوله : «الأصل لزوم العبادة» مدفوع بأنه يجب الخروج عن هذا الأصل بتحقق الحيض ، والحيض هنا متحقق وانما وقع الشك في أيامه زيادة ونقيصة ، وترجيح بعضها على بعض من غير مرجح ممتنع ، والاستناد الى اخبار «أقل الحيض ثلاثة» (٣). غير مجد هنا لما عرفت ، على ان هذا الأصل معارض بأصالة تحريم ما حرم الله تعالى على الحائض من المحرمات المشار إليها آنفا ، وهذه حائض بالاتفاق وبالجملة فما ذكراه هنا وفي المضطربة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ من التحيض بالثلاثة خاصة استضعافا للاخبار ـ ضعيف.

__________________

(١ و ٣) ص ١٥٨.

(٢) ص ١٩٤.

٢٠٥

و (اما سادسا) ـ فان المستفاد من الأخبار على وجه لا يعتريه الشك والإنكار هو انه متى تعذر الوقوف على الدليل في الحكم الشرعي فالواجب الوقوف عن الفتوى والعمل بالاحتياط متى احتيج الى العمل ، ومن ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم (عليه‌السلام) الواردة في جزاء الصيد (١) قال فيها : «قلت ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه؟ فقال (عليه‌السلام) : إذا أصبتم بمثل ذلك فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا». وفي رواية زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) «ما حق الله تعالى على العباد؟ فقال : ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون». ومثلها موثقة هشام بن سالم (٣) الى غير ذلك من الاخبار.

إذا عرفت ذلك فالظاهر عندي هو التخيير بين ما دلت عليه هذه الروايات ، إذ لا اعرف طريقا الى الجمع بينها بعد صحتها وصراحتها فيما دلت عليه غير ذلك.

فوائد

(الأولى) ـ هل المراد بقوله (عليه‌السلام) في رواية يونس (٤) : «ستة أو سبعة». التخيير أو العمل بما يؤدي إليه اجتهادها وظنها بأنه الحيض؟ قيل بالثاني ، وعن العلامة في النهاية قال : «لانه لو لا ذلك لزم التخيير بين فعل الواجب وتركه» ونقض بأيام الاستظهار. ونقل عن المحقق (رحمه‌الله) الأول تمسكا بظاهر اللفظ قال : «وقد يقع التخيير في الواجب كما يتخير المسافر بين القصر والإتمام في بعض المواضع» وهو جيد

(الثانية) ـ قد صرح الشهيد الثاني ـ بعد ان ذكر أنها مخيرة في أخذ عشرة من شهر وثلاثة من آخر أو سبعة من كل شهر أو الستة ـ ان الأفضل اختيار

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، وفيما عثرنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة (هشام بن الحكم) والرواية لهشام بن سالم كما في الكافي والوافي والوسائل.

(٤) ص ١٨٢.

٢٠٦

ما يوافق مزاجها ، فتأخذ ذات المزاج الحار السبعة والبارد الستة والمتوسط الثلاثة والعشرة وفيه انه تقييد للنص من غير دليل واجتهاد في مقابلة النص فلا عمل عليه.

(الثالثة) ـ قال في الذكرى : معنى قوله (عليه‌السلام) (١) : «في علم الله» اختصاص علمه بالله إذ لا حيض لها معلوم عندها ، أو فيما علمك الله من عادات النساء فإنه القدر الغالب عليهن ، ثم حمل خبري الرجوع الى نسائها (٢) على المعنى الثاني ، قال : «فيكون قوله ستة أو سبعة للتنويع اي ان كن يحضن ستة فتتحيض ستة وان كن يحضن سبعة فتتحيض سبعة فإن زدن عن السبع أو نقصن عن الست فالمعتبر عادتهن ، لأن الأمر بالستة أو السبعة بناء على الغالب ، ويمكن أخذ الستة ان نقصن والسبعة ان زدن عملا بالأقرب الى عادتهن في الموضعين» أقول : لا يخفى ما في حمل الخبر المذكور على المعنى الذي ذكره وفرع عليه ما بعده من البعد ، بل الظاهر انما هو المعنى الأول كما يدل عليه سياق الخبر من قوله (عليه‌السلام) بعد ما ذكر ان أمر هذه مخالف للأوليين وانه ليس لها أيام سابقه : «ومما يبين هذا قوله لها : «في علم الله» لانه قد كان لها وان كانت الأشياء كلها في علم الله» قال في الوافي : «قوله : «لانه قد كان لها» لعل المراد به قد كان لها في علم الله ستة أو سبعة وذلك لانه ليس لها قبل ذلك أيام معلومة».

(الرابعة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه متى اختارت عددا كان لها وضعه متى شاءت من الشهر وان كان الأول أولى ، ومقتضى موثقتي ابن بكير (٣) أخذ الثلاثة بعد العشرة ثم أخذها بعد السبعة والعشرين دائما ، قال في المدارك : «ولا ريب انه الأولى».

(المطلب الثاني) ـ في ذات العادة وفيه مسائل (الأولى) ـ لا يخفى ان العادة مشتقة من العود فما لم يعد مرة أخرى لم يصدق اسم العادة ، وهو اتفاق بين

__________________

(١) في مرسلة يونس المتقدمة ص ١٨٢.

(٢) ص ١٩٨.

(٣) ص ١٩٤.

٢٠٧

أصحابنا وأكثر العامة ، وقال بعض العامة تثبت بالمرة الواجدة (١) وهو باطل لما ذكرنا وتصير ذات عادة بأن ترى الدم مستكملا لصفات الحيض دفعة ثم ينقطع أقل الطهر فصاعدا ثم تراه ثانيا مثل ذلك العدد الأول ، ويدل على ثبوتها بالمرتين مضافا الى الاتفاق على ذلك قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في رواية يونس الطويلة المتقدمة في صدر المقصد (٢) : «... فان انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه وتكون سنتها فيما تستقبل ان استحاضت قد صارت سنة الى ان تجلس أقراءها ، وانما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للتي تعرف أيامها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول دعي الصلاة أيام قرءك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان.». وقوله (عليه‌السلام) في موثقة سماعة (٣) : «... إذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها».

ثم ان ذات العادة اما ان تكون متفقة عددا ووقتا أو عددا خاصة أو وقتا خاصة فههنا أقسام ثلاثة : (الأول) ـ ان يتفق عددا ووقتا وهذه أنفع العادات تتحيض بمجرد رؤية الدم وترجع اليه بعد التجاوز عند الأصحاب ، كأن تراه سبعة في أول الشهر ثم تراه في أول الثاني أيضا سبعة.

(الثاني) ـ ان يتفق في العدد دون الوقت كما إذا رأت في أول الشهر سبعة ثم رأت بعد مضي أقل الطهر سبعة فقد استقر عددها ولكن تكون بالنسبة إلى الوقت كالمضطربة عند الأصحاب ، فإذا رأت دما ثالثا وتجاوز العشرة رجعت الى العدد عندهم ، وهذه تستظهر عندهم في أول الدم لعدم استقرار الوقت بناء على القول باستظهار المضطربة والمبتدأة.

(الثالث) ـ ان يتفق في الوقت خاصة كما لو رأت سبعة في أول الشهر وثمانية

__________________

(١) في المغني ج ١ ص ٣١٦ «لم يختلف المذهب ان العادة لا تثبت بمرة وظاهر مذهب الشافعي انها تثبت بمرة.

(٢) ص ١٨٢.

(٣) ص ١٨٨.

٢٠٨

في أول الآخر فتستقر بحسب الوقت فإذا رأت الدم الثالث في الوقت تركت العبادة ، وهل تكون مضطربة بحسب العدد فتستظهر بتحيض ثلاثة أو يثبت لها أقل العددين لتكرره؟ وجهان ، نقل أولهما عن المحقق الشيخ علي واستجوده الشهيد الثاني ، قال : «لعدم صدق الاستواء والاستقامة» وثانيهما عن العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى.

وهل يشترط في استقرار العادة عددا ووقتا استقرار عادة الطهر وهو تكرر طهرين متساويين وقتا أم لا؟ قولان ، أولهما للشهيد في الذكرى فاشترط تكرر الطهرين متساويين وقتا ، ولو تساويا عددا واختلفا وقتا استقر العدد لا غير فحينئذ تستظهر برؤية الدم الثالث ثلاثة على تقدير القول بوجوب الاستظهار على المبتدأة والمضطربة ، وثانيهما للعلامة واختاره في الروض ، فعلى هذا لو رأت سبعة في أول الشهر وسبعة في أول الثاني فقد ثبتت العادة وقتا وعددا على القول الثاني ، وعلى القول الأول لا تثبت الوقتية حتى تعود الى الطهر مرة ثانية في الوقت المتقدم فلو تقدم عليه لم تثبت الوقتية وانما يثبت العدد خاصة ، قال في الذكرى بعد نقل القول الثاني عن العلامة : «وتظهر الفائدة لو تغاير في الوقت الثالث فان لم نعتبر استقرار الطهر جلست لرؤية الدم وان اعتبرناه فبعد الثلاثة أو حضور الوقت ، هذا ان تقدم على الوقت ولو تأخر أمكن ذلك استظهارا ويمكن القطع بالحيض هنا».

أقول : لا يخفى ان ظاهر الخبرين المتقدمين انه بمجرد رؤية الدم بعد استقرار العادة بمضي شهرين عدة أيام سواء فإنها تتحيض به ، فعلى هذا لو رأت سبعة من أول الشهر الأول ثم سبعة من أول الثاني فقد تحققت العادة الموجبة للتحيض بمجرد رؤية الدم بعد مضي أقل الطهر ، فلو رأت الدم الثالث بعد عشرة من الشهر الثاني تحيضت بمجرد رؤيته ، وما ذكره (قدس‌سره) من الشرط المذكور لا اعرف له وجها وجيها.

وهل المراد بالشهر في تحقق العادة هو الهلالي كما هو الشائع في الاستعمال المتبادر إلى الأفهام الغالب وقوع الحيض فيه للنساء ، أم ما يمكن ان يفرض فيه حيض وطهر

٢٠٩

صحيحان المعبر عنه بشهر الحيض؟ قولان ، صرح بأولهما جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ علي لما ذكرناه ، وثانيهما صرح به العلامة في النهاية حيث قال بعد قوله : وتثبت العادة بتوالي شهرين ترى فيهما الدم أياما سواء : «والمراد بشهرها المدة التي لها فيها حيض وطهر وأقله عندنا ثلاثة عشر يوما» وبذلك صرح ابنه فخر المحققين وكتبه الشهيد على قواعده ناقلا له عنه ، وعبارات الأصحاب في المقام مجملة قابلة لاحتمال كل منهما وان كان المفهوم من إطلاق الأخبار انما هو الهلالي ، وقال في الذكرى : «لا يشترط في العادة تعدد الشهر وما ذكر في الخبر من الشهرين بناء على الغالب ، فلو تساوى الحيضان في شهر واحد كفى في العددية ، صرح به في المبسوط والخلاف ، وكذا لو تساويا في زيادة على شهرين» قال في الروض : «ويرجح اعتبار الهلالي ايضا ان اتفاق الوقت بدمين فيما دونه لا يتفق إلا مع تكرر الطهر وهو خروج عن المسألة ، لكن قبل تكرر الطهر تثبت العادة بالعدد خاصة فيرجع في الثالث اليه مع عبوره العشرة بعد احتياطها بالطهر ثلاثة في أوله» أقول : ثبوت الاتفاق في الوقت بتكرر الطهر كما ذكره لا يخلو من غموض واشكال ولا سيما بالنظر الى ظاهر النصوص الدالة على الشهر الهلالي ، وان المتبادر من الوقت هو الزمان المعين مثلا أول الشهر أو وسطه أو آخره ونحو ذلك لا ما كان بعد أيام معينة وعدد مخصوص ، قال الشيخ علي تفريعا على ما اختاره من الشهر الهلالي : «ان العادة الوقتية لا تحصل الا بالشهرين الهلاليين لان الشهر في كلام النبي والأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) انما يحمل على الهلالي نظرا إلى أنه الأغلب في عادات النساء وفي الاستعمال ، فلو رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأته وعبر العشرة فلا وقت لها لعدم تماثل الوقت باعتبار الشهر» واعترضه في الروض بان فيما ذكره نظرا لان تكرر الطهر يحصل الوقت كما قلناه ، وقد صرح بذلك في المعتبر والذكرى وحكاه فيه عن المبسوط والخلاف ناقلا عبارتهما في ذلك ، واحتجاجه بان الشهر في كلامهم (عليهم‌السلام) يحمل على الهلالي انما يتم لو كان في النصوص المقيدة الدالة على العادة

٢١٠

ذكر الشهر ، وقد بينا في أول المسألة حكايتها خالية من ذكر الشهر فيما عدا الحديثين الأخيرين ، وفي الاحتجاج بهما اشكال لضعف أولهما بالإرسال وثانيهما بجرح سماعة وانقطاع خبره. انتهى.

أقول : لا يخفى انه ليس عندهم دليل على تفسير العادة بالمعنى المعروف بينهم سوى هذين الخبرين كما لا يخفى على من راجع كلامهم وراجع الاخبار ، وقوله : «انه قد بين في أول المسألة الأخبار خالية من ذكر الشهر فيما عدا الحديثين» عجيب فإنه لم يذكر سواهما وكذا غيره إذ ليس في الباب سواهما ، وحينئذ فإن عمل بهما ففي الموضعين وإلا فلا ، على ان حديث يونس (١) مما استدلوا به في أحكام عديدة حتى قال هو نفسه بعد الاستدلال بجملة منه على أحكام في كتابه المشار اليه : «وهو حديث شريف يدل على أمور مهمة في هذا الباب» وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره المحقق الشيخ علي ومن وافقه على القول المذكور وضعف ما اعترض به هنا ، ومنه يظهر ضعف القول الآخر أيضا.

(المسألة الثانية) ـ اعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد صرحوا بان ذات العادة تتحيض بمجرد رؤية الدم ، قال في المعتبر : «تترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في أيامها وهو مذهب أهل العلم ، لان المعتاد كالمتيقن ، ولما رواه يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «... إذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة». أقول : ويدل على ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيامها؟ فقال لا تصلي حتى تنقضي أيامها فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت». وفي رواية يونس عن بعض رجاله عنه (عليه‌السلام) (٤) «... كل ما رأت المرأة في أيام حيضها فهو حيض وإذا رأت بعدها فليس من الحيض». الى غير ذلك من الاخبار. وبالجملة فإن الحكم لا اشكال فيه

__________________

(١) ص ١٨٢.

(٢ و ٤) ص ١٥٩.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

٢١١

نعم يبقى الكلام في الحمل على معاني المعتادة المتقدمة ، والظاهر انه لا إشكال في الحمل على المعتادة بالمعنى الأول وانها تتحيض بمجرد الرؤية. وكذا بالمعنى الثالث إذا وقعت الرؤية في أيام العادة ، كما لا اشكال ولا خلاف بينهم في عدم الحمل على المعتادة بالمعنى الثاني ، فإنها عندهم لا تتحيض بمجرد الرؤية بل حكمها عندهم كرؤية المبتدأة والمضطربة في إيجاب الاستظهار عليها بالثلاثة ، وتفصيل هذه الجملة بالنسبة إلى المعنى الأول والثالث انه لا يخلو اما ان تكون رؤية الدم في وقت العادة وأيامها أو قبل ذلك أو بعده ، فأما الأول فإنه لا إشكال في التحيض بمجرد الرؤية للأخبار المتقدمة. واما قبل العادة فظاهر كلام جملة من الأصحاب الحكم بكونه حيضا لأن الحيضة ربما تقدمت وتأخرت ، قال في المبسوط : «إذا استقرت العادة ثم تقدمها أو تأخر عنها الدم بيوم أو يومين إلى العشرة حكم بأنه حيض وان زاد على العشرة فلا» وظاهر كلام الشهيد الثاني في المسالك الاستظهار كالمبتدأة والمضطربة حيث قال بعد حكمه بالتحيض برؤية الدم في القسم الأول من أقسام المعتادة والقسم الثالث بشرط ان تراه في أيام العادة : «واما القسم المتوسط وما تراه متقدما عنها فهو كرؤية المبتدأة والمضطربة» واعترضه سبطه في المدارك فقال بعد نقل ذلك : «هذا كلامه وهو يقتضي ثبوت الاحتياط لذات العادة في أغلب الأحوال بناء على وجوبه في المبتدأة لندرة الاتفاق في الوقت ، وهو مع ما فيه من الحرج مخالف لظاهر الأخبار المستفيضة كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى» ثم نقل عن المصنف في كتبه الثلاثة ان الذي يلوح منه عدم وجوب الاحتياط لذات العادة مطلقا ، ثم انه (قدس‌سره) استظهر ان ما تجده المعتادة في أيام العادة يحكم بكونه حيضا مطلقا وكذا المتقدم والمتأخر مع كونه بصفة الحيض ، وتبعه على ذلك جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالفاضل الخراساني في الذخيرة وغيره ، وحينئذ يصير هذا قولا ثالثا في المسألة ، وقال في الروض : واعلم انه مع رؤية المعتادة الدم قبل العادة كما هو المفروض هنا هل تترك العبادة بمجرد رؤيته أو يجب الصبر الى مضي ثلاثة أو وصول العادة؟ يبنى على إيجاب الاحتياط بالثلاثة على

٢١٢

المبتدأة والمضطربة وعدمه ، فان لم نوجبه عليهما كما هو اختيار المصنف في المختلف لم يجب عليها بطريق اولى ، وان أوجبناه كما اختاره المرتضى وابن الجنيد والمحقق في المعتبر احتمل إلحاقها بهما ، لان تقدمه على العادة الملحقة بالأمور الجبلية يوجب الشك في كونه حيضا فتكون فيما سبق على أيام العادة كمعتادة العدد المضطربة الوقت ، ولظاهر قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «... إذا رأت المرأة الدم أيام حيضها تركت الصلاة.». إذ الظاهر ان المراد بأيام حيضها العادة ، ومثله قوله (عليه‌السلام) (٢) : «المرأة ترى الصفرة أيام حيضها لا تصلي». ويحتمل قويا عدمه لصدق الاعتياد عليها ، ولأن العادة تتقدم وتتأخر وعموم رواية منصور بن حازم عنه (عليه‌السلام) (٣) «اي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر.». ومثله خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) «تفطر انما فطرها من الدم».

أقول : الأظهر الاستدلال للقول الأول وهو التحيض برؤية الدم بما ورد من الاخبار دالا على تقدم العادة وانها تتحيض برؤية الدم قبل العادة وان كان بغير صفة دم الحيض ، مثل موثقة سماعة (٥) قال : «سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها؟ قال فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت». وموثقة أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «في المرأة ترى الصفرة؟ فقال ان كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وان كان بعد الحيض فليس من الحيض». ورواية علي بن محمد (٧) قال : «سئل

__________________

(١) في مرسل يونس ص ١٥٩.

(٢) في صحيحة محمد بن مسلم ص ٢١١.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٥٠ من أبواب الحيض.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الحيض.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

(٧) هذه الرواية مروية في الكافي عن (على بن أبي حمزة) كما في التهذيب وليس في سندها من اسمه «على بن محمد» نعم في الكافي يرويها بسنده عن محمد بن خالد عن القاسم

٢١٣

أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن المرأة ترى الصفرة؟ قال ما كان قبل الحيض فهو من الحيض وما كان بعد الحيض فليس منه». ورواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة (١) قال سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وذكر مثله ،. وموثقة معاوية بن حكيم (٢) قال : قال : «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وبعد أيام الحيض ليس من الحيض وهي في أيام الحيض حيض». وفي الفقه الرضوي (٣) «والصفرة قبل الحيض حيض وبعد أيام الحيض ليست من الحيض». ويؤيده أيضا صحيحة العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ذهب طمثها سنين ثم عاد إليها شي‌ء قال تترك الصلاة حتى تطهر». وأيده بعضهم بلزوم الحرج والعسر في الاستظهار ، وان تقدم العادة كثيرا غالب. واما ما ذكره (رحمه‌الله) من بناء الحكم في هذه المسألة على ما ذكره من الخلاف في المبتدأة والمضطربة ففيه (أولا) ـ انك قد عرفت انه لا دليل على ما ذكروه من وجوب الاستظهار عليها. و (ثانيا) ـ انه مع وجود الدليل فيهما فإلحاق المعتادة بهما قياس لا يوافق قواعد مذهبنا لتغاير الفردين وتقابل القسمين. وبالجملة فالأظهر هو القول بالتحيض بمجرد الرؤية من غير استظهار للأخبار التي ذكرناها ، ويؤيدها إطلاق الأخبار المذكورة في كلام شيخنا المذكور. واما ما ذكره في المدارك من تقييد ذلك باتصافه بصفات دم الحيض مستدلا على ذلك بعموم قوله (عليه‌السلام) في حسنة حفص بن البختري (٥) : «... إذا كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة». ففيه (أولا) ـ ان إطلاقها مقيد بالروايات التي ذكرناها

__________________

ابن محمد عن على بن أبي حمزة ، وفي التهذيب عن محمد بن خالد عن على بن أبي حمزة. وقد رواها في الوسائل عن الكافي والتهذيب في الباب ٤ من أبواب الحيض.

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الحيض.

(٣) ص ٢١.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب الحيض.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الحيض.

٢١٤

و (ثانيا) ـ ان دلالتها انما هو بالمفهوم وما ذكرناه من الاخبار بالمنطوق وهو أقوى دلالة فيجب تقديم العمل به.

واما رؤية الدم بعد العادة فالذي دلت عليه الأخبار ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى نقلها في محلها ـ هو ان الدم متى تجاوز العادة وجب عليها الاستظهار بترك العبادة يومين أو ثلاثة ثم تعمل عمل المستحاضة ان استمر الدم ، وحينئذ فما دلت عليه الاخبار المتقدمة من ان الصفرة قبل الحيض حيض وبعده ليست بحيض ينبغي حملها على البعدية عن أيام الاستظهار لدخول أيام الاستظهار في الحيض كما عرفت ، فيصدق انه بعد الحيض اي ما حكم الشارع بكونه حيضا لا ما كان حيضا من حيث العادة. والعجب من الفاضل الخراساني في الذخيرة فإنه قال بعد ان اختار مذهب المدارك. من تخصيص دم القبلية والبعدية بالمتصف بصفات التمييز واستدل بدليله قال : واما ما رواه الكليني والشيخ ، ثم أورد رواية أبي بصير ، ورواية علي بن أبي حمزة التي قدمنا نقلها عن علي بن محمد ، وموثقة معاوية بن حكيم ثم قال : «فلا ينافي ما ذكرناه لان قوله (عليه‌السلام) : «ما كان بعد الحيض فليس من الحيض» المراد به ما إذا رأت الدم في أيام العادة وانقضت فما كان بعد ذلك بيومين ليس من الحيض ، بل لا يبعد ان يقال تلك الأخبار مؤيدة لما ذكرناه في الجملة» انتهى.

أقول : وجه المدافعة في هذه الاخبار لما اختاروه انما هو من حيث انهم قيدوا الدم المتقدم على العادة بالاتصاف بصفات دم الحيض ، وهو مؤذن بان ما لم يتصف بصفات دم الحيض فلا يحكم بكونه حيضا ، وعلى هذا فالصفرة قبل العادة ليست بحيض مع ان الاخبار المذكورة دلت على كونها حيضا وكان الواجب عليه الجواب عن ذلك ، على ان في كلامهم أيضا مناقشة أخرى وهو انهم قيدوا الدم المتأخر عن العادة بذلك ايضا ، ومقتضاه ان ما لم يكن كذلك لا يحكم بكونه حيضا ، والمستفاد من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف ـ كما سيأتي ذكره في موضعه ان شاء

٢١٥

الله تعالى ـ ان الدم متى تجاوز العادة فإنها تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة وبعد أيام الاستظهار تعمل ما تعمله المستحاضة من غير تفصيل في الدم باتصافه بصفات دم الاستحاضة وعدمه ، والاخبار وان اختلفت في الاستظهار وعدمه الا انه لا تفصيل في شي‌ء منها بين الاتصاف بذلك وعدمه فما ذكروه من هذا التفصيل في الدم الأخير لا مستند له من الاخبار ولا من كلام الأصحاب ، وبه يظهر سقوط هذا القول بالكلية والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف انه مع تجاوز الدم أيام العادة فإنها تستظهر إذا كانت عادتها أقل من عشرة ثم تعمل أعمال المستحاضة فإن انقطع الدم بعد الاستظهار أو على العاشر فالجميع حيض فتقضي الصيام ان عملته استظهارا إلى العشرة ، وان تجاوز العشرة تحيضت بأيام عادتها خاصة وقضت ما أخلت به أيام الاستظهار ، ولو اجتمع لها مع العادة تمييز فهل تعمل على العادة أو التمييز أو تتخير؟ أقوال : وبيان ما اشتملت عليه يقع في مواضع :

(الأول) ـ أجمع الأصحاب على ثبوت الاستظهار لذات العادة مع تجاوز دمها العادة إذا كانت عادتها دون عشرة كما قدمناه ، والمراد بالاستظهار طلب ظهور الحال باستصحاب ما كانت عليه سابقا من التحيض بعد العادة ثم الغسل بعد ذلك ، وهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ قولان ، نقل أولهما عن الشيخ في النهاية والجمل والمرتضى في المصباح ، والثاني نقله في المدارك عن عامة المتأخرين ، وقال في المعتبر بعد نقل القولين المذكورين : «والأقرب عندي انه على الجواز أو ما يغلب عند المرأة في حيضها» ويظهر من كلامه ان هذا قول ثالث في المسألة ، وقد نقل في الذخيرة القول بالجواز ايضا قولا ثالثا ولعله استند فيه الى عبارة المعتبر ، والظاهر ان صاحب المعتبر انما أراد بالعبارة بذلك الاستحباب كما فهمه صاحب المدارك ، حيث نقل القول بالاستحباب عنه وعمن تأخر عنه.

٢١٦

والأصل في هذا الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المسألة ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (١) : «في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال : تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة».

وفي الصحيح عن محمد بن عمرو بن سعيد عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الطامث كم حد جلوسها؟ قال تنتظر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة».

وعن زرارة في الصحيح (٤) قال : «قلت له النفساء متى تصلي؟ قال تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت ، الى ان قال : قلت فالحائض؟ قال مثل ذلك سواء فان انقطع عنها الدم وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء ثم تصلي.».

وعن سعيد بن يسار في الموثق (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تحيض ثم تطهر فربما رأت بعد ذلك الشي‌ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها؟ قال تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي».

وعن زرارة في الموثق بابن بكير عن الباقر (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الطامث

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية من الشيخ «قده» في مظانها ، نعم رواها صاحب الوسائل عن المحقق في المعتبر في الباب ١٣ من أبواب الحيض و (١) من أبواب الاستحاضة ، كما سيأتي من المصنف «قده» روايتها عن المحقق ايضا ص ٢١٨.

(٢ و ٣ و ٥ و ٦) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب الحيض.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

٢١٧

تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة. الحديث».

وعن سماعة في الموثق (١) قال : «سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها؟ قال فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت ، فإذا كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها ، فإذا تربصت ثلاثة أيام فلم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة».

وعن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في المرأة ترى الدم؟ فقال ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة وان كانت أيامها عشرة لم تستظهر».

وعن داود مولى ابي المغراء عمن أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم؟ قال فقال تستظهر بيوم ان كان حيضها دون العشرة أيام فإن استمر الدم فهي مستحاضة وان انقطع الدم اغتسلت وصلت».

وعن زرارة في الموثق عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) قال : «المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين».

وروى المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن أبي أيوب الثقة عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٥) «في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها ان أحب وحلت لها الصلاة».

أقول : وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة في القول بالوجوب لورود الأمر فيها بذلك ، وهو حقيقة في الوجوب كما تقرر في محله.

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب الحيض.

٢١٨

(عليه‌السلام) (١) قال : «المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر. الحديث». وعن عبد الله بن سنان في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سمعته يقول : المرأة المستحاضة التي لا تطهر قال تغتسل عند صلاة الظهر فتصلي ، الى ان قال لا بأس بأن يأتيها بعلها متى شاء إلا أيام قرئها.».

وعن سماعة في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المستحاضة؟ قال فقال : تصوم شهر رمضان إلا الأيام التي كانت تحيض فيها.».

وعن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت. الحديث».

وفي رواية يونس الطويلة المتقدمة (٥) نقلا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «تحيضي أيام أقرائك».

وبهذه الأخبار أخذ القائل بالاستحباب جمعا بينها وبين الاخبار المتقدمة كما هي قاعدتهم المطردة عندهم في الجمع بين الاخبار.

وفيه نظر (أما أولا) ـ فإنه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب وان اشتهر بين الأصحاب. و (اما ثانيا) ـ فان الاستحباب من جملة الأحكام الشرعية المتوقف ثبوتها على الدليل كالوجوب والتحريم ونحوهما ، ومجرد اختلاف الاخبار ليس دليلا من الأدلة المقررة لإثبات الأحكام. و (اما ثالثا) ـ فلان حمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب لا يصار اليه إلا مع القرينة ، ووجود المعارض ليس من قرائن المجاز. قال في المدارك بعد ان نقل القول بالاستحباب عن المعتبر ومن تأخر عنه جمعا بين الاخبار : «ويمكن الجمع بينها بحمل اخبار الاستظهار على ما إذا كان الدم بصفة دم الحيض والاخبار المتضمنة للعدم على ما إذا لم يكن كذلك ، قال واحتمله المصنف في المعتبر» انتهى. واعترضه في الذخيرة

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب الاستحاضة.

(٥) ص ١٨٢.

٢١٩

بان هذا التفصيل غير مستفاد من نص دال عليه والقول به بدون ذلك تحكم ، ورد الحمل على الاستحباب أيضا بأن استحباب ترك العبادة لا وجه له ، والتزام وجوب العبادة أو استحبابها على تقدير الغسل بعيد جدا ، واختار فيها حمل اخبار الاستظهار على الجواز ، والظاهر انه يرجع الى التخيير بين الاستظهار وعدمه وإلا فالعبادة لا تتصف بالجواز ، إلا ان جواز الاستظهار وعدمه يرجع الى جواز العبادة وعدمه وهو باطل. وكيف كان فلا ريب في بعده. هذا. واما ما اعترض به كلام السيد في المدارك ـ من انه تحكم إذ لا يستفاد من النصوص ـ ففيه انه لا يخفى ان الظاهر ان السيد (رحمه‌الله) انما قيد اخبار الاستظهار مع إطلاقها بالاتصاف بصفة دم الحيض بناء على ما تقدم نقله عنه في سابق هذه المسألة من ان المتقدم على العادة والمتأخر عنها يحكم بكونه حيضا بشرط اتصافه بصفة دم الحيض ، وهو قد وافق السيد على هذه المقالة كما قدمنا نقله عنه ، ولا ريب ان ما نحن فيه أحد جزئيات تلك المسألة فكيف يعترضه بما ذكره مع لزوم ذلك له؟

والذي يقرب عندي في الجمع بين الاخبار المذكورة أحد وجهين : إما حمل الأخبار الأخيرة على التقية ، ويعضده اتفاق الأصحاب على العمل بالأخبار الأولة وان اختلفوا في كونه وجوبا أو استحبابا ، ومنشأ الاستحباب عندهم هو الجمع بين الاخبار كما عرفت ، والعمل بالأخبار الأولة متفق عليه في الجملة ، والقول بالاقتصار على العادة من دون استظهار مذهب الجمهور إلا مالكا على ما ذكره في المنتهى ، قال ـ بعد ان نقل عن مالك الاستظهار بثلاثة أيام : «وخالف باقي الجمهور في الاستظهار واقتصروا على العادة خاصة» (١)

__________________

(١) في المدونة ج ١ ص ٥٤ «قال ابن القاسم : كل امرأة كانت أيامها أقل من خمسة عشر يوما فإنها تستظهر بثلاثة ما بينها وبين خمسة عشر ، مثلا ـ التي أيامها اثنا عشر تستظهر بثلاث والتي أيامها ثلاثة عشر تستظهر بيومين والتي أيامها أربعة عشر تستظهر بيوم والتي أيامها خمسة عشر لا تستظهر بشي‌ء وتغتسل وتصلى ويأتيها زوجها ، ولا تقيم امرأة في حيض أكثر من خمسة عشر باستظهار كان أو غيره» وفي ص ٥٥ «قال ابن القاسم قال مالك إذا رأت المرأة الدم يوما ثم انقطع عنها يومين ثم رأته

٢٢٠