الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

من روايات القول المشهور ثم الاستدلال للشيخ بصحيحة الصحاف ـ ما صورته : «وهي مع صحتها صريحة الدلالة في المدعى فيتجه العمل بها وان كان الأول لا يخلو من قوة» انتهى وفيه من الإجمال والاشكال ما لا يخفى ، فإنه لا يخفى ان اتجاه العمل بهذه الرواية لا يتم إلا بتقييد تلك الأخبار بها ، وإلا للزم الترجيح من غير مرجح لصحة الأخبار التي قدمها بل الترجيح لتلك الاخبار لكثرتها ، وكون الأول لا يخلو من قوة انما يتم مع طرح هذه الصحيحة الصريحة باعترافه والا كان الواجب عليه بيان معنى لها تحمل عليه

بقي هنا شي‌ء يجب التنبيه عليه وهو ان الأصحاب قد نقلوا عن الصدوق القول بما هو المشهور من كون الحامل كالحائل في التحيض ، وعبارة الفقيه لا تساعد على هذا الإطلاق حيث قال : «والحلبي إذا رأت الدم تركت الصلاة فإن الحبلى ربما قذفت الدم وذلك إذا رأت الدم كثيرا احمر فان كان قليلا اصفر فلتصل وليس عليها الا الوضوء» وظاهر هذه العبارة التحيض بخصوص ما كان بصفة دم الحيض والرجوع الى التمييز ، ويدل على ذلك ايضا ظواهر جملة من الأخبار : منها ـ رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم؟ قال تلك الهراقة من الدم ان كان دما احمر كثيرا فلا تصل وان كان قليلا اصفر فليس عليها الا الوضوء». والظاهر ان عبارة الصدوق مأخوذة من هذه الرواية ، ومنها ـ

صحيحة أبي المغراء (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم؟ قال تلك الهراقة ان كان دما كثيرا فلا تصلين وان كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين». وموثقة إسحاق بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين؟ قال ان كان دما عبيطا فلا تصل ذينك اليومين وان كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين». والظاهر ان المراد بالكثرة والقلة في صحيحة أبي المغراء ما هو عبارة عن

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب الحيض.

١٨١

الثخانة والغلظة وقوة الدفع التي هي من صفات دم الحيض وما قابلها الذي هو من صفات دم الاستحاضة. وفي الفقه الرضوي (١) قال (عليه‌السلام): «والحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة». وهذه الاخبار كلها ظاهرة في اعتبار التمييز في دمها بأنه ان كان بصفة الحيض تحيضت والا عملت عمل المستحاضة ، ولم أقف على من تنبه لهذا التفصيل من كلام الصدوق ولا من هذه الاخبار مع ظهور الجميع في ذلك. وبالجملة فإن ظاهر الأصحاب القائلين بتحيضها هو التحيض بما تراه لا سيما في أيام العادة مطلقا وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة ، وهذه الاخبار صريحة في التفصيل كما ترى ، ووجه الجمع بينها وبين الاخبار المتقدمة ممكن اما بحمل الأخبار الأولة على الدم في أيام العادة وهذه على ما لم يكن كذلك ، واما بإبقاء الأدلة على إطلاقها وتقييدها بهذه الاخبار وحينئذ فيعتبر التمييز فيها. والله العالم.

(المقصد الثاني) ـ في ما يترتب عليه بعد معلومية كونه حيضا ، وذلك اما ان تكون مبتدأة أو ذات عادة أو مضطربة ، ويدل على هذا التقسيم مع بعض أحكام كل من الأقسام الثلاثة رواية يونس الطويلة ، وانا اذكرها بطولها لعموم نفعها وجودة محصولها ، وهي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب (٢) عن يونس عن غير واحد «سألوا أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحيض والسنة في وقته فقال (عليه‌السلام) : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سن في الحيض ثلاث سنن بين فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي ، أما إحدى السنن فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثم استحاضت واستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت ابى حبيش استحاضت فاتت أم سلمة فسألت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن ذلك فقال تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها وقال انما هو عزف وأمرها ان تغتسل وتستثفر بثوب وتصلي ، قال أبو عبد الله

__________________

(١ و ٢) ص ٢١.

١٨٢

(عليه‌السلام) : هذه سنة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها ، ألا ترى انه لم يسألها كم يوم هي؟ ولم يقل إذا زادت على كذا يوما فأنت مستحاضة وانما سن لها أياما معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد ان تعرفها ، وكذلك أفتى ابى (عليه‌السلام) وسئل عن المستحاضة فقال : انما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة. قيل وان سال؟ قال : وان سال مثل المثعب ، قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : هذا تفسير حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو موافق له ، فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلت أو كثرت. واما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر فان سنتها غير ذلك ، وذلك ان فاطمة بنت ابى حبيش أتت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالت إني أستحاض فلا اطهر؟ فقال النبي : ليس ذلك بحيض انما هو عزف فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي. وكانت تغتسل في كل صلاة وكانت تجلس في مركن لأختها وكانت صفرة الدم تعلو الماء ، قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : أما تسمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر هذه بغير ما أمر به تلك ، ألا تراه لم يقل لها دعي الصلاة أيام أقرائك ولكن قال لها إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ، فهذا يبين ان هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها ولا وقتها ، ألا تسمعها تقول إني أستحاض فلا اطهر. وكان ابي (عليه‌السلام) يقول انها استحيضت بسبع سنين ، ففي أقل من هذا تكون الريبة والاختلاط فلهذا احتاجت الى ان تعرف إقبال الدم من إدباره وتغير لونه من السواد الى غيره وذلك ان دم الحيض اسود يعرف ، ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم لأن السنة في الحيض ان تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كله ان كان الدم أسود أو غير ذلك ، فهذا يبين لك ان قليل الدم وكثيره أيام الحيض حيض كله إذا كانت

١٨٣

الأيام معلومة ، فإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت الى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغير لونه ثم تدع الصلاة على قدر ذلك ، ولا أرى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال اجلسي كذا وكذا يوما فما زادت فأنت مستحاضة كما لم يأمر الأولى بذلك وكذلك ابي (عليه‌السلام) أفتى في مثل هذا ، وذلك ان امرأة من أهلنا استحاضت فسألت ابي عن ذلك فقال : إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة وإذا رأيت الطهر ولو ساعة من نهار فاغتسلي وصلي. قال أبو عبد الله وارى جواب ابي ههنا غير جوابه في المستحاضة الأولى ، ألا ترى انه قال تدع الصلاة أيام أقرائها لأنه نظر الى عدد الأيام وقال ههنا إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة وأمرها ههنا ان تنظر الى الدم إذا اقبل وأدبر وتغير ، وقوله البحراني شبه معنى قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان دم الحيض اسود يعرف ، وانما سماه ابى بحرانيا لكثرته ولونه ، فهذه سنة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التي اختلط عليها أيامها حتى لا تعرفها وانما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام وكثيرها. قال : واما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة ولم تر الدم قط ورأت أول ما أدركت واستمر بها فإن سنة هذه غير سنة الاولى والثانية ، وذلك ان امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالت اني استحضت حيضة شديدة فقال احتش كرسفا فقالت انه أشد من ذلك اني أثجه ثجا؟ فقال تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله تعالى ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلا واخرى الظهر وعجلي العصر واغتسلي غسلا واخرى المغرب وعجلي العشاء واغتسلي غسلا. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فأراه قد سن في هذه غير ما سن في الاولى والثانية وذلك لان أمرها مخالف لأمر تينك ، ألا ترى ان أيامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض ، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيامها عشرة أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض ، ثم مما يزيد هذا بيانا قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لها : «تحيضي» وليس يكون التحيض

١٨٤

إلا للمرأة التي تريد ان تكلف ما تعمل الحائض ، إلا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك ، ومما يبين هذا قوله لها : «في علم الله تعالى» لانه قد كان لها وان كانت الأشياء كلها في علم الله وهذا بين واضح ان هذه لم يكن لها أيام قبل ذلك قط ، وهذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون حتى تصير لها أيام معلومة فتنتقل إليها. فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد ابدا تخلو من واحدة منهن ، ان كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها وخلقها الذي جرت عليه ليس فيه عدد معلوم موقت غير أيامها ، وان اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألوانا فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته وان لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون فان استمر بها الدم أشهرا فعلت في كل شهر كما قال لها ، فان انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه وتكون سنتها فيما يستقبل ان استحاضت قد صارت سنة الى ان تجلس أقراءها وانما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للتي تعرف أيامها : «دعي الصلاة أيام أقرائك» فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول دعي الصلاة أيام قرءك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا ، وان اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون عملت بإقبال الدم وإدباره وليس لها سنة غير هذا لقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي» ولقوله : «ان دم الحيض اسود يعرف» كقول أبي «إذا رأيت الدم البحراني» فان لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد

١٨٥

وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون لأن قصتها كقصة حمنة حين قالت : إني أثجه ثجا».

أقول : ويستفاد من هذه الرواية أحكام عديدة يطول الكلام بنقلها الا ان (منها) ـ ان سنة المضطربة التحيض بما كان بصفة دم الحيض مطلقا وانه لا تقييد بما قيدوه به من الشروط الآتية ، وهذا ايضا هو المفهوم من إطلاق موثقة إسحاق بن جرير وكذا إطلاق حسنة حفص بن البختري المتقدمتين في المسألة الاولى من المقصد الأول (١) فإن موردهما وكذا مورد هذا الخبر هو الدم المستمر ، وقد أمر (عليه‌السلام) في كل من الاخبار الثلاثة بالتحيض بما كان بصفة دم الحيض قليلا كان أو كثيرا فيمكن ان يخص هذا الحكم بهذا الموضع ، ويؤيد ذلك موثقة يونس بن يعقوب وموثقة أبي بصير المتقدمتان في المسألة الرابعة (٢) وتحمل الأخبار الدالة على ان أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة على غير هذا الموضع ، ويشير الى ذلك ايضا انه في آخر هذه الرواية جعل العدول الى التحيض بالسبعة للمضطربة تفريعا على كون الدم على لون واحد وحالة واحدة يعني لم يحصل فيه اختلاف بالكلية ، ومفهومه انه مع الاختلاف كيف كان تتحيض به ، والأصحاب قد حكموا عليها بالرجوع الى الروايات وان اختلف الدم إذا فقدت الشرائط المعتبرة عندهم وهو خلاف ظاهر الخبر كما ترى. و (منها) ـ ان ظاهر الخبر انه مع عدم التمييز بان يكون دمها لونا واحدا فإنه يجب عليها التحيض بسبعة أيام لا غير ، والأصحاب قد أوجبوا عليها الرجوع الى الروايات التي هي موثقة سماعة وموثقتا ابن بكير الآتيات (٣) بأي عدد كان من ايها ، ومورد الروايات المذكورة انما هو المبتدأة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى وليس في شي‌ء من الاخبار ما يدل على رجوع المضطربة إلى الأيام بعد فقد التمييز الا هذه الرواية الدالة على السبع كما عرفت. و (منها) ـ ان حكم المبتدأة الرجوع من أول الأمر إلى الأيام كما في موثقتي ابن بكير الآتيتين (٤) ان شاء الله تعالى ، الا ان موثقة

__________________

(١) ص ١٥١.

(٢) ص ١٦٦.

(٣ و ٤) ص ١٨٨ وص ١٨٩.

١٨٦

سماعة دلت على رجوعها أولا إلى نسائها ثم مع تعذر ذلك الى الأيام وحينئذ يقيد بها إطلاق ما عداها ، والأصحاب قد ذكروا أولا رجوعها الى التمييز ثم مع فقده الى الروايات والروايات الدالة على التمييز كما تحتمل تقييد روايات المبتدأة بها كذلك تحتمل العكس وقصر التمييز على المضطربة كما هو ظاهر هذا الخبر ورواية إسحاق بن جرير المشار إليها آنفا إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذا المقصد يستدعي بسطه في مطالب ثلاثة

(الأول) ـ في المبتدأة بكسر الدال أو فتحها اسم فاعل أو اسم مفعول وهي التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها الحيض ، وفسرها المحقق في المعتبر بأنها التي رأت الدم أول مرة ، وربما قيل بأنها من لم تستقر لها عادة والظاهر ضعفه ، والذي دلت عليه الاخبار انما هو الأول كما عرفت من رواية يونس المذكورة ، ومثلها ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام من موثقتي سماعة وابن بكير. والبحث في هذا المطلب يقع في مقامين

(الأول) ـ هل تتحيض المبتدأة بمجرد رؤية الدم أو بعد مضي ثلاثة أيام تستظهر فيها بالعبادة؟ قولان : أولهما للشيخ والعلامة في المنتهى والمختلف وغيرهما ، وثانيهما للمرتضى وابن الجنيد وابي الصلاح وابن إدريس والمحقق والعلامة في بعض كتبه ، وفي المدارك ان موضع الخلاف ما إذا كان الدم المرئي بصفة الحيض كما صرح به في المختلف وغيره. وفيه ان ما نقله عن العلامة وغيره ليس كذلك بل ظاهر كلام الجميع هو عموم مجل الخلاف لا تخصيصه بما ذكر ، قال في المختلف «قال الشيخ : المبتدأة تترك الصلاة والصوم إذا رأت الدم يوما أو يومين كذات العادة وقال المرتضى : لا تترك الصلاة والصوم حتى يمضي لها ثلاثة أيام وهو اختيار ابي الصلاح وابن إدريس ، والوجه عندي الأول وهو الذي اخترناه في كتاب منتهى المطلب ، واخترنا في التحرير الثاني» انتهى. وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في العموم ، ويؤكده ما يشير اليه كلام الشيخ حيث شبه المبتدأة هنا بذات العادة التي لا خلاف في تحيضها بمجرد رؤية الدم أعم من ان يكون بصفة دم الحيض أم لا ، نعم ان العلامة قد استدل

١٨٧

على ما اختاره من التحيض برؤية الدم ببعض اخبار التمييز ، ومجرد هذا الاستدلال لا يوجب تخصيص محل الخلاف ولهذا اعترضه في الذكرى بان الدليل أخص من المدعى. وقال في الروض : «واعلم انه مع رؤية المعتادة الدم قبل العادة كما هو المفروض هنا هل تترك العبادة بمجرد رؤيته أم يجب الصبر الى مضى ثلاثة أو الى وصول العادة؟ يبنى على إيجاب الاحتياط بالثلاثة على المبتدأة والمضطربة وعدمه ، فان لم نوجبه عليهما كما هو اختيار المصنف في المختلف لم يجب عليها بطريق اولى ، وان أوجبناه كما اختاره المرتضى وابن الجنيد والمحقق في المعتبر احتمل إلحاقها بهما. الى آخره» ولا أراك في شك من ظهور العبارة المذكورة في العموم غاية الظهور ، ونحو ذلك كلام المعتبر والذكرى الا ان المحقق رجح مذهب السيد والشهيد رجح مذهب الشيخ ، واما في الدروس والبيان فرجح مذهب المرتضى على تفصيل في الثاني منهما ، فقال فيه : «وفي المبتدأة قولان أقواهما قول المرتضى بمضي ثلاثة أيام بالنسبة إلى الأفعال واما التروك فالأحوط تعلقها برؤية الدم المحتمل» انتهى. والظاهر انه أشار بالمحتمل الى ما كان بصفة الحيض وحينئذ يصير هذا قولا ثالثا في المسألة ، وإذا أضيف الى ذلك ما اختاره في المدارك من التحيض بما إذا كان بصفة دم الحيض صار قولا رابعا أيضا.

أقول : والظاهر عندي من هذه الأقوال هو مذهب الشيخ ، وعليه تدل من الاخبار موثقة سماعة (١) قال : «سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء؟ قال فلها ان تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها». ولا يخفى ظهور دلالتها في المراد على وجه لا يتطرق إليه الإيراد.

وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «المرأة إذا رأت الدم

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب الحيض.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الحيض.

١٨٨

في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام. الحديث».

وموثقته الأخرى (١) قال : «في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعل المستحاضة.».

والمناقشة في ذلك ـ بأنه لا يصدق أول حيضها كما في الاولى وأول ما تحيض كما في الثانية إلا بعد ثلاثة أيام ، إذ بذلك يعلم كونه حيضا كما ذكره في الذخيرة ـ مردودة بأن باب المجاز واسع وإطلاق الحيض على أول الدم انما هو باعتبار ما يؤول اليه ، والرواية الثانية ظاهرة فيما ذكرناه تمام الظهور ، فان قوله فيها : «انها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعل المستحاضة» ظاهر في كون مبدإ العشرة التي تركت الصلاة فيها هو أول الدم كما لا يخفى.

ويؤيد هذه الاخبار ايضا إطلاق جملة من الروايات كصحيحة منصور بن حازم عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «اي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة.».

وموثقة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) وقد سأله عن المرأة التي ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال قال : «تفطر.».

وموثقة ثانية له ايضا عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) «في المرأة تطهر في أول النهار في رمضان ، الى ان قال وفي المرأة ترى الدم من أول النهار في شهر رمضان أتفطر أم تصوم؟ قال تفطر انما فطرها من الدم».

ورواية أبي الورد (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم؟ قال تقوم من مسجدها ولا

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الحيض.

(٢ و ٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٥٠ من أبواب الحيض.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ من أبواب الحيض.

١٨٩

تقضي الركعتين. الحديث». ونحو ذلك موثقة عمار (١) وموثقة الفضل بن يونس (٢)

وفي المعتبر قد نقل بعض هذه الاخبار حجة للشيخ ثم أجاب عنها بان الحكم بالإفطار عند رؤية الدم غير مراد فينصرف الى المعهود وهو دم الحيض ولا يحكم بكونه حيضا إلا إذا كان في العادة فيحمل على ذلك. وفيه ان دعوى المعهودية ممنوعة والاخبار بعمومها أو إطلاقها شاملة لموضع النزاع ، ولو فرض خروج بعض الأفراد فإنها تبقى حجة في الباقي ، على انه يمكن ان يقال ان كون الدم حيضا اما ان يكتفى فيه بصلاحيته لان يكون حيضا أو يعتبر فيه وجود ما يعلم به كونه حيضا ، وعلى الثاني يلزم ان ما تراه ذات العادة من أول الدم لا يتحقق كونه حيضا لجواز ان ينقطع قبل الثلاثة ، مع انه قائل بوجوب تحيضها به وليس الا للصلاحية المذكورة وهي مشتركة بين ذات العادة وما نحن فيه.

هذا. وما ذكره الأصحاب من الاحتياط بالثلاثة في أول الحيض لم أقف له على دليل من الأخبار في شي‌ء من أقسام الحائض بالكلية معتادة كانت أم مبتدأة أم مضطربة وانما الموجود الاستظهار في آخر الدم كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ، وغاية ما استدل به في المعتبر على هذا القول الذي اختاره ان مقتضى الدليل لزوم العبادة حتى يتيقن المسقط ولا يتيقن قبل استمراره ثلاثة. وفيه ان المسقط الأخبار التي قدمناها لدلالتها على التحيض بمجرد رؤية الدم خصوصا وعموما ، ثم مع قطع النظر عن الاخبار المذكورة فدعوى التيقن ممنوعة بل يكفي الظهور والظن والا لم يتم الحكم بوجوب التحيض بمجرد الرؤية لذات العادة لجواز انقطاعه قبل بلوغ الثلاثة كما ذكرنا ، بل لا يتم الحكم بكون الثلاثة بعد كمالها حيضا يقينا لجواز ان يكون الحيض انما هو ما بعدها ، ثم قال موردا على نفسه ومجيبا : «ولو قيل لو لزم ما ذكرته قبل الثلاثة لزم بعدها لجواز ان ترى ما هو أسود

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٥٠ من أبواب الحيض.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ٤٨ و ٤٩ من أبواب الحيض.

١٩٠

ويتجاوز فيكون هو حيضها لا الثلاثة. قلنا الفرق ان اليوم واليومين ليس حيضا حتى يستكمل ثلاثة والأصل عدم التتمة حتى يتحقق ، واما إذا استمر ثلاثا فقد كمل ما يصلح ان يكون حيضا ولا يبطل هذا الا مع التجاوز والأصل عدمه ما لم يتحقق» انتهى. واعترضه في المدارك بأن أصالة العدم لا تكفي في حصول اليقين الذي قد اعتبره سابقا.

أقول : وتوضيح جوابه في بيان الفرق المذكور ان الدم في اليوم واليومين وان صلح لان يكون حيضا الا ان الأصل عدم بلوغ الثلاثة لجواز انقطاعه قبلها فلا يكون حيضا حتى تتم الثلاثة ويتحقق الحيض ، واما إذا كملت الثلاثة فقد كمل ما يصلح ان يكون حيضا ولا يبطل هذا الحكم الا مع تجاوزه عنه الى الدم الذي بعد الثلاثة والأصل عدمه. ووجه ما أورده عليه في المدارك انه قد حكم سابقا بوجوب العبادة حتى يتيقن المسقط وما التجأ إليه هنا من ان الأصل عدم سقوط هذا الحكم عن الثلاثة لا يوجب التيقن بوجود المسقط ، لأن أصالة العدم لا تفيد يقين العدم فيبقى وجوب التكليف بالعبادة في الثلاثة ثابتا حتى يتحقق المسقط ، إذ غاية ما يفيده الأصل المذكور رجحان العدم وظنه لا يقينه. وبالجملة فباب المناقشات في التعليلات العقلية واسع ومن ثم ذكرنا في غير موضع انها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

(المقام الثاني) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في أن المبتدأة إذا انقطع دمها لدون العشرة وكذا المعتادة إذا انقطع دمها على العادة فعليها الاستبراء بالقطنة فإن خرجت نقية اغتسلت وان خرجت ملطخة صبرت حتى تنقى أو تمضي لها عشرة أيام.

اما الحكم الأول وهو وجوب الاستبراء فيدل عليه جملة من الاخبار :

منها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أرادت الحائض ان تغتسل فلتستدخل قطنة فان خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل وان لم تر شيئا فلتغتسل وان رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل».

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الحيض.

١٩١

ورواية يونس عمن حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال تقوم قائما وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بيضاء وترفع رجلها اليمنى فان خرج على القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر وان لم يخرج فقد طهرت تغتسل وتصلي».

وموثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري طهرت أم لا؟ قال : فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط وترفع رجلها على حائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد ان يبول ثم تستدخل الكرسف فإذا كان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فان خرج دم فلم تطهر وان لم يخرج فقد طهرت».

ورواية شرحبيل الكندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له كيف تعرف الطامث طهرها؟ قال تعمد برجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى فان كان ثم مثل رأس الذباب خرج على الكرسف».

وفي الفقه الرضوي (٤) «وإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها ان تلصق بطنها بالحائط وترفع رجلها اليسرى كما ترى الكلب إذا بال وتدخل قطنة فان خرج فيها دم فهي حائض وان لم يخرج فليست بحائض». وهذه العبارة مع ما بعدها نقلها الصدوق في الفقيه من رسالة أبيه اليه.

وهل يكفي وضع القطنة كيف اتفق عملا بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم وحملا للروايات المذكورة بعدها على الاستحباب ، أو يجب الرفع على الكيفية التي تضمنتها هذه الاخبار ويحمل إطلاق صحيحة محمد بن مسلم عليها؟ وجهان اختار أولهما في المدارك والذخيرة ، والظاهر الثاني كما يدل عليه لفظة «عليها» في عبارة الفقه الرضوي ، والظاهر فتوى الصدوقين بذلك ، ويؤيده أنه الأحوط. بقي ان رواية يونس دلت على الأمر

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب الحيض.

(٤) ص ٢٢.

١٩٢

برفع الرجل اليمنى ورواية شرحبيل وكذا عبارة صاحب الفقه على الرجل اليسرى والظاهر حصوله بأيهما اتفق.

واما ما يدل على الثاني وهو الصبر حتى تنقى أو تمضي عشرة أيام زيادة على الإجماع المدعى في المقام فقوله (عليه‌السلام) في موثقة سماعة المتقدمة (١) : «فلها ان تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة.». ونحوها في الدلالة على الانتهاء إلى العشرة ـ موثقتا ابن بكير (٢).

ولو استمر دمها بعد العشرة فقد امتزج حيضها بطهرها ، والمذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انها ترجع الى التمييز واعتبار الدم فما شابه الحيض تجعله حيضا وما شابه دم الاستحاضة تجعله طهرا بشرط ان يكون دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة أيام ولا يزيد على عشرة ، فان لم يحصل لها شرائط التمييز رجعت الى عادة نسائها إن اتفقن. وقيل أو عادة ذوي أسنانها من بلدها ، فان اختلفن رجعت الى الروايات الآتية وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع

(الأول) ـ في حكمهم (رضوان الله عليهم) مع الاستمرار بأنها ترجع الى التمييز بالشروط المتقدمة. وهذا مجمع عليه بينهم كما يظهر من المعتبر والمنتهى حيث أسنداه إلى علمائنا مؤذنين بدعوى الإجماع عليه ، واستدلوا عليه بالروايات المشتملة على أوصاف الحيض وقد تقدمت في المسألة الاولى من المقصد الأول (٣) واشترطوا في العمل بالتمييز أمورا : (أحدها) ـ ان لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقله ولا يتجاوز أكثره. و (ثانيها) ـ توالي الثلاثة بناء على المشهور من اشتراط التوالي فيها كما تقدم. و (ثالثها) ـ بلوغ الضعيف مع أيام النقاء أقل الطهر ، وقيل هنا بالعدم للعموم ، قال في المدارك : «وضعفه ظاهر» ثم ان المشابهة تحصل باللون فالأسود قوي الأحمر وهو قوي الأشقر وهو قوي الأصفر ، والقوام فالثخين قوى الرقيق ، والرائحة فالنتن قوي بالنسبة إلى غيره ، ومتى اجتمع في دم خصلة وفي آخر اثنتان فهو

__________________

(١) ص ١٨٨.

(٢) ص ١٨٨ و ١٨٩.

(٣) ص ١٥١.

١٩٣

أقوى ، ولو استوى العدد كما لو كان في أحدهما الثخانة وفي الأخر الرائحة فلا تمييز ، هذا ملخص كلامهم هنا.

وعندي فيه اشكال من وجوه : (الأول) ـ ان الذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمبتدأة وبيان ما يجب عليها مع استمرار الدم لم يشتمل شي‌ء منه على ما يدل على الأخذ بصفات الدم والتمييز فيه بالكلية فضلا عن اعتبار الشروط المتفرعة عليه ، وانما دلت على الأخذ بالأيام ، ومنها رواية يونس المتقدمة (١) فإنها قد دلت على ذلك على أبلغ وجه حيث صرح فيها بذلك مع ما في صدرها من «انه سن في الحيض ثلاث سنن بين فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي» وجعل التمييز سنة المضطربة خاصة وسنة المبتدأة انما هو الرجوع الى الأيام وكرر ذلك في الرواية ، ومثلها ـ وان لم يكن بهذا التأكيد ـ موثقة ابن بكير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما». قال الحسن : وقال ابن بكير : وهذا مما لا يجدون منه بدا. وما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير ايضا (٣) قال : «في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت فمكثت تصلي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام ، فإن دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض».

وموثقة سماعة (٤) قال : «سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها؟ قال أقراؤها مثل أقراء نسائها فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام». وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة فيما قلناه ، فلو كان الرجوع

__________________

(١) ص ١٨٢.

(٢ و ٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الحيض.

١٩٤

الى التمييز فيها واجبا كما ذكروه لذكر ولو في بعضها لان المقام فيها مقام البيان ، وبالجملة فإني لا اعرف لهم مستندا في الحكم المذكور سوى ما يدعونه من الإجماع ، وكأنهم خصصوا هذه الاخبار بروايات التمييز لأنها أظهر في الحكم بالتحيض متى حصلت شرائط التمييز ، الا ان فيه (أولا) ـ ما قدمنا ذكره ذيل رواية يونس من انه يمكن العكس وهو تخصيص روايات التمييز بهذه الاخبار. و (ثانيا) ـ ان هذا التخصيص في رواية يونس بعيد ، حيث جعل التمييز فيها سنة المضطربة خاصة وانها بعد اختلال شرائط التمييز ترجع إلى الأيام ، فلو كانت المبتدأة كذلك لشركها معها في الحكم المذكور.

(الثاني) ـ ان ما اشترطوه هنا من انه لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقله وهو الثلاثة ولا يتجاوز أكثره لا تساعده الروايات الواردة في هذه المسألة ، فإنها مطلقة في التحيض بما شابه دم الحيض قليلا كان أو كثيرا كما أشرنا إليه آنفا ذيل رواية يونس.

(الثالث) ـ ان ما اشترطوه من بلوغ الضعيف مع أيام النقاء أقل الطهر لا دليل عليه هنا بل ظاهر الاخبار يرده ، ومنها ـ موثقة أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام وترى الدم أربعة أيام وترى الطهر ستة أيام؟ فقال : ان رأت الدم لم تصل وان رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما ، فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة فإذا رأت صفرة توضأت». وموثقة يونس بن يعقوب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة. قلت فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تصلي. قلت : فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة. قلت فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تصلي قلت فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر فان انقطع عنها الدم والا فهي بمنزلة المستحاضة». وحملها في الاستبصار على مضطربة اختلط حيضها

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٦ من أبواب الحيض.

١٩٥

أو مستحاضة استمر بها الدم واشتبهت عادتها قال : «ففرضها ان تجعل ما يشبه دم الحيض حيضا والآخر طهرا صفرة كانت أو نقاء ليتبين حالها» وفيه ـ كما ترى ـ دلالة ظاهرة على انه لا يشترط في مقام استمرار الدم كون الدم الضعيف أقل الطهر وهو العشرة ، ونحوه ما ذكره في المبسوط حيث صرح بأنه إن اختلط عليها أيامها فلا تستقر على وجه واحد تركت العبادة كلما رأت الدم وصلت كلما رأت الطهر الى ان تستقر عادتها ، وهو جار على ظاهر الخبرين المذكورين ، وبنحو ذلك صرح في الفقيه ايضا فقال : «وإذا رأت الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام أو رأت الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام فإذا رأت الدم لم تصل وإذا رأت الطهر صلت ، تفعل ذلك ما بينها وبين ثلاثين يوما. الى آخره» وكذا الشيخ في النهاية ، وبالجملة فظاهر أكثر من تعرض لهذه المسألة هو القول بمضمون الخبرين وان اختلفوا في تنزيلهما على المبتدأة أو ذات العادة التي اضطربت عادتها ، وقال المحقق بعد نقل تأويل كلام الشيخ : «وهذا تأويل لا بأس به ، ولا يقال : الطهر لا يكون أقل من عشرة ، لأنا نقول : هذا حق لكن ليس هذا طهرا على اليقين ولا حيضا بل دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط» وفيه ما قدمنا ذكره في مسألة اشتراط توالي الأيام الثلاثة التي هي أقل الحيض وعدمه من ان اشتراط كون أقل الطهر عشرة على إطلاقه ممنوع ، ومما ذكرنا يعلم ان اشتراط هذا الشرط هنا لا وجه له وان الأظهر هو القول الآخر للعموم كما عرفت. وظاهر الذكرى يميل الى ذلك حيث قال بعد نقل خبر يونس المذكور وتأويل الشيخ له بما ذكرناه : «وهو تصريح بعدم اشتراط كون الضعيف أقل الطهر» واما في البيان والدروس فلم يذكر هذا الشرط في شروط التمييز بالكلية وهو مؤذن بعدم اشتراطه ، والى ما ذكرنا ايضا يميل كلام الذخيرة ، وهو الأظهر كما عرفت.

(الرابع) ـ انهم ذكروا تفريعا على الخلاف في اشتراط هذا الشرط انها لو رأت خمسة أسود ثم أربعة اصفر ثم عاد الأسود عشرة فعلى الأول لا تمييز لها وعلى الثاني حيضها خمسة ، كذا صرح في المدارك ومثله الشهيد في الذكرى تفريعا على الخلاف

١٩٦

المذكور ، حيث قال : «فلو رأت خمسة أسود ثم تسعة اصفر وعاد الأسود ثلاثة فصاعدا فعلى الأول لا تمييز لها وهو ظاهر المعتبر وعلى الثاني حيضها خمسة» ثم نقل عن ظاهر المبسوط تخصيص الحيض بالدم العائد بعد الدم الأصفر ان لم يتجاوز العشرة قال : «لأن الصفرة لما خرجت عن الحيض خرج ما قبلها» انتهى. أقول : وعبارة المبسوط على ما في الذخيرة هكذا : «فإن رأت ثلاثة أيام مثلا دم الحيض ثم رأت ثلاثة أيام دم الاستحاضة ثم رأت إلى تمام العشرة دم الحيض ، الى ان قال : وان جاوز العشرة الأيام ما هو بصفة الحيض فبلغ ستة عشر يوما كانت العشرة الأيام كلها حيضا وقضت الصوم والصلاة في الستة الأولى» انتهى. أقول : ان كلامهم في هذا المقام لا يخلو عندي من الإشكال ، فإن تخصيص الحيض بالدم المتقدم كما هو ظاهر عبارتي المدارك والذكرى أو المتأخر كما هو ظاهر عبارة المبسوط لا اعرف له وجها ، إذ لا يخفى ان قضية الرجوع الى التمييز مع إلغاء هذا الشرط كما هو المفروض هو التحيض بالدم المتقدم والمتأخر في الأمثلة المذكورة في كلامهم ، لأنهم قرروا في التمييز مع اختلاط الدم هو انه متى رأت المرأة الدم بصفة الحيض ولم ينقص عن ثلاثة أيام ولم يزد على العشرة فإنها تتحيض به والدم الأخر المخالف له تتعبد فيه وان كان أقل من عشرة بناء على إلغاء هذا الشرط ، ومما يعضد ذلك موثقتا ابى بصير ويونس بن يعقوب المتقدمتان ، وبذلك اعترف أيضا في الذكرى حيث قال بعد نقل خبر يونس وعبارة المبسوط على أثره : «وهو مطابق لظاهر الخبر» ومراده المطابقة له في عدم اعتبار مضي الأقل بين الدمين اللذين هما بصفة دم الحيض ، وكل هذا ظاهر في التحيض بما كان بصفة دم الحيض متقدما ومتأخرا كما ذكرناه والتعبد فيما خالف ذلك الدم في صفاته.

(الموضع الثاني) ـ في الحكم بالرجوع إلى نسائها ثم ذوي أقرانها ، والمراد بنسائها على ما صرحوا به هم الأقارب من الأبوين أو أحدهما ، قيل ولا تعتبر العصبة هنا لأن المعتبر الطبيعة وهي جارية من الطرفين ، صرح بذلك جملة من الأصحاب ،

١٩٧

واعترضهم بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين قال : «أقول : في إخراج العصبة نظر لصدق إطلاق نسائها عليها عرفا» أقول : الظاهر ان مرادهم من هذه العبارة انما هو نفي تخصيص العصبة كما صرح به في الذكرى فقال : «ولا اختصاص للعصبة هنا لان المعتبر الطبيعة وهي جارية من الطرفين» لا إخراج العصبة بالكلية كما توهمه ، وقد صرحوا بان المراد الأقارب من الأبوين أو أحدهما.

والحكم بالرجوع إلى نسائها بعد فقد التمييز مما لا خلاف فيه عندهم ، وعزاه في المعتبر إلى الخمسة واتباعهم ، واحتج عليه بان الحيض يعمل فيه بالعادة وبالأمارة كما يرجع الى صفات الدم ومع اتفاقهن يغلب أنها كإحداهن إذ من النادر ان تشذ واحدة عن جميع الأهل ، قال : ويؤكد ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن احمد بن محمد رفعه عن زرعة عن سماعة (١) قال : «سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها؟ قال أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة». وعن زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم». ثم قال : «واعلم ان الروايتين ضعيفتان ، أما الأولى فمقطوعة السند والمسؤول فيها مجهول ، والثانية في طريقها علي بن فضال وهو فطحي ومع ذلك تتضمن الرجوع الى بعض نسائها وهو خلاف الفتوى ، ولان الاقتراح في الرجوع الى واحدة من النساء مع إمكان مخالفة الباقيات معارض للرواية الأولى ، لكن الوجه في ذلك اتفاق الأعيان من فضلائنا على الفتوى بذلك ، وقوة الظن بأنها كإحداهن مع اتفاقهن كلهن على تردد عندي» وتبعه في المدارك على الطعن بضعف السند في الخبرين المذكورين فقال : «ان في الروايتين قصورا من حيث السند ، أما الأولى فبالإرسال والإضمار واشتمال سندها على عدة من الواقفية ، واما الثانية فلان في طريقها علي بن الحسن بن فضال وهو

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ٨ من أبواب الحيض.

١٩٨

فطحي ، وأيضا فإنها تتضمن الرجوع الى بعض نسائها وهو خلاف الفتوى ، لكن الشيخ في الخلاف نقل على صحة الرواية إجماع الفرقة فإن تم فهو الحجة والا أمكن التوقف في هذا الحكم لضعف مستنده» انتهى.

أقول : اما ما ذكره في المعتبر من التعليل العقلي فهو تعليل عليل لا يهدي الى سبيل فلا اعتماد عليه ولا تعويل ، والحجة في الحقيقة هي الروايتان المذكورتان ، واما طعنه في سند الخبرين المذكورين فهو مناف لما صرح به في صدر كتابه حيث قال : «أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا الى كل خبر وما فطنوا الى ما تحته من التناقض ، فان من جملة الأخبار قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «ستكثر بعدي القالة علي». وقول الصادق (عليه‌السلام): «ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه». واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل سليم السند يعمل به ، وما علم ان الكاذب قد يصدق ، وما تنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ لا مصنف الا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ، وأفرط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا ، واقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعا لكن الشرع لم يأذن به ، وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أصوب ، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه» ثم استدل على ذلك بأدلة تركنا التعرض لها اختصارا ، والمناقضة بين الكلامين ظاهرة. واما ما ذكره في المدارك فهو من المناقشات الواهية (أما أولا) ـ فلما ذكرنا في غير موضع ان الطعن بضعف سند الاخبار لا يصلح حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم بل الأخبار عندهم كلها صحيحة ، والصحة والبطلان انما هو باعتبار متون الاخبار وما اشتملت عليه لا باعتبار الأسانيد ، وقد اعترف بذلك جملة من أرباب هذا الاصطلاح : منهم ـ صاحب المنتقى فيه والبهائي في مشرق الشمسين وغيرهما ، حيث ذكروا ان الاخبار كلها صحيحة عند المتقدمين لوفور القرائن الدالة على صحتها وقرب العهد ، وان المتأخرين

١٩٩

إنما عدلوا عنه الى هذا الاصطلاح المحدث لما بعدت المدة وخفيت القرائن كما تقدم ذكره منقحا في مقدمات الكتاب. و (اما ثانيا) ـ فلتصريحه في غير موضع في شرحه بان الإضمار في الاخبار غير مضر ، فكيف يطعن هنا في موثقة سماعة بذلك وهو قد قبلها ونحوها في غير موضع من الأحكام؟ و (اما ثالثا) ـ فلأن الحكم متفق عليه كما ذكره هو نفسه في صدر البحث. فقال : «وهذا اعنى رجوع المبتدأة مع فقد التمييز إلى عادة نسائها هو المعروف من مذهب الأصحاب» وهو قد وافق الأصحاب في أمثال ذلك مع ضعف دليلهم بزعمه في غير موضع من شرحه ، وقد أوضحنا جملة من ذلك في شرحنا على الكتاب.

نعم يبقى الإشكال في الجمع بين الخبرين المذكورين حيث ان ظاهر موثقة سماعة اشتراط اتفاق نسائها في الرجوع إليهن فلو اختلفن فلا رجوع ، وبه صرح العلامة في النهاية فقال : «حتى لو كن عشرا فاتفق فيهن تسع رجعت الى الأقران» وظاهر موثقة زرارة ومحمد بن مسلم الاكتفاء بالبعض الا انه لا قائل به من الأصحاب. ويمكن حملها على تعذر الرجوع الى جميع نسائها لتفرقهن في البلد فيكتفى بالرجوع الى البعض الا اني لم أعلم قائلا به ، وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، قال في المدارك : «ورجح الشهيد اعتبار الأغلب مع الاختلاف وهو ضعيف جدا ، لأنه ان استند في الحكم إلى مقطوعة سماعة وجب القطع بالانتقال عن نسائها لمجرد الاختلاف كما هو منطوق الرواية ، وان استند إلى رواية زرارة ومحمد بن مسلم وجب القول برجوعها الى بعض نسائها مطلقا ولا قائل به» انتهى.

ثم ان ظاهر موثقة زرارة ومحمد بن مسلم (١) الاستظهار بيوم بعد الاقتداء بأقرائها ، وبذلك صرح في الذكرى وأوجب على المبتدأة الاستظهار بيوم بعد الرجوع الى نسائها

__________________

(١) ص ١٩٨.

٢٠٠