الحدائق الناضرة - ج ٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

والغسل أفضل من ذلك ، فان هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شي‌ء ان شاء الله تعالى». وروى الصدوق في العلل (١) بسنده عن ابي بصير عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) قال : «لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد. الحديث». واما ما ذكره المحقق الخوانساري في شرح الدروس ـ من ان صحيحة عبد الرحمن المذكورة لا دلالة لها على الكراهة وانما تدل على استحباب الغسل قبل النوم وفضله على الوضوء واما كراهة النوم بدونه فلا ـ ففيه ان غايتها ان تكون مطلقة في ذلك فيجب تقييد إطلاقها بالروايات الأخر حسبما تقدم في مسألة الأكل والشرب ، فإن موثقة سماعة دلت ايضا على استحباب الوضوء له والغسل مع انه (عليه‌السلام) غيابها الكراهة في صحيحة الحلبي ، ورواية العلل دلت على الكراهة إلا مع الطهور بغسل كان أو وضوء أو تيمم ، وبذلك يظهر ان الأمر بالغسل في تلك الصحيحة انما هو لإزالة الكراهة التي دلت عليها هذه الاخبار.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظاهر كلام جملة من أفاضل متأخري المتأخرين : منهم ـ المحقق المشار اليه والشيخ الحر في الوسائل ان المراد من قوله (عليه‌السلام) في الحديث المرسل الذي رواه الصدوق وهو قوله : «انا أنام على ذلك حتى أصبح لأني أريد أن أعود» انما هو العود في الجماع. ولا يخفى ما فيه. بل الظاهر ان المراد انما هو العود في الانتباه وانه لا يموت في تلك الليلة ، وذلك فان المفهوم من صحيحة عبد الرحمن ان كراهة النوم على الجنابة انما هو من حيث خوف الموت في تلك الليلة للآية المذكورة ، فإنه ربما أمسك الروح وقضى عليه الموت ، وحيث كان (عليه‌السلام) عالما بوقت موته كما دلت عليه الاخبار وانه لا يموت في تلك الليلة بل يعود سقطت الكراهة في حقه ، وحينئذ فلا ينافي ما دل على الكراهة بالنسبة إلى غيرهم (عليهم‌السلام).

(الثالث) ـ قراءة ما زاد على سبع آيات على المشهور ، وعن ابن البراج

__________________

(١) ص ١٠٧ وفي الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب الجنابة.

١٤١

انه لم يجوز الزيادة على ذلك ، وعن سلار تحريم القراءة مطلقا ، نقل ذلك عنهما في الدروس والذكرى ، ونقل في المنتهى والسرائر عن بعض الأصحاب تحريم ما زاد على سبعين ، وقال في المختلف : «المشهور كراهة ما زاد على سبع آيات أو سبعين من غير العزائم ، أما العزائم وأبعاضها فإنها محرمة حتى البسملة إذا نوى انها منها» وقال الصدوق : «لا بأس ان تقرأ القرآن كله ما خلا العزائم» وقال الشيخ في النهاية : «ويقرأ من القرآن من اي موضع شاء ما بينه وبين سبع آيات إلا أربع سور» وفي المبسوط «يجوز له ان يقرأ من القرآن ما شاء الا العزائم ، والاحتياط ان لا يزيد على سبع آيات أو سبعين آية» وقال ابن إدريس : «له ان يقرأ جميع القرآن سوى العزائم الأربع من غير استثناء لسواهن على الصحيح من الأقوال ، وبعض أصحابنا لا يجوز إلا ما بينه وبين سبع آيات أو سبعين آية والزائد على ذلك محرم مثل السور الأربع ، والأظهر الأول ، والحق عندي كراهة ما زاد على السبعين لا تحريمه ، والظاهر من كلام الشيخ (رحمه‌الله) في كتابي الأخبار التحريم» انتهى المقصود من كلامه (رحمه‌الله) وما نقله عن ظاهر كلام الشيخ في كتابي الأخبار غير ظاهر حيث ان الشيخ قصد الجمع بين الاخبار كصحيحة الحلبي الآتية الدالة على قراءة ما شاء ومقطوعتي سماعة الآتيتين ان شاء الله تعالى الدالتين إحداهما على السبع والأخرى على السبعين ، بحمل المثبتة المطلقة في القراءة على هذا العدد ، ثم انه احتمل ايضا الجمع بينها بحمل الاقتصار على العدد المذكور على الاستحباب والباقي على الجواز ، ومن هنا يعلم انه غير جازم بالتحريم حتى ينسب قولا اليه ، ولو عدت احتمالاته في الجمع بين الاخبار أقوالا ومذاهب له لم تنحصر أقواله ، وليس في تأويله الثاني أيضا تصريح بالكراهة بل غايته انه ترك الأفضل.

وكيف كان فالواجب الرجوع الى الاخبار ونقلها وبيان ما يفهم منها :

و (منها) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الباقر

١٤٢

(عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان تتلو الحائض والجنب القرآن». وفي الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط القرآن؟ قال : يقرأون ما شاءوا». وفي الموثق عن ابن بكير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : نعم يأكل ويشرب ويقرأ القرآن ويذكر الله عزوجل ما شاء». وعن محمد بن مسلم في الصحيح قال قال أبو جعفر (عليه‌السلام) (٤) : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة. الحديث». وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زيد الشحام عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «تقرأ الحائض القرآن والنفساء والجنب ايضا». وما رواه الصدوق في العلل (٦) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) قالا : «قلنا له الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : نعم ما شاءا إلا السجدة ويذكران الله تعالى على كل حال». ورواه الشيخ (رحمه‌الله) في الموثق مثله ، وما رواه في الفقيه (٧) عن ابي سعيد الخدري في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي (عليه‌السلام) انه قال : «يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن فإني أخشى ان تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما». قال الصدوق (رحمه‌الله) : «يعنى به قراءة العزائم دون غيرها» وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٨) قال : «سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال ما بينه وبين سبع آيات». ثم قال الشيخ (رحمه‌الله) وفي رواية زرعة عن سماعة (٩) قال «سبعين آية». وفي الفقه الرضوي (١٠) «ولا بأس بذكر الله تعالى وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التي تسجد فيها وهي الم تنزيل وحم السجدة والنجم وسورة اقرأ باسم ربك». وبهذه العبارة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الجنابة.

(١٠) ص ٤.

١٤٣

عبر الصدوق في الفقيه بتغيير يسير ، وما رواه الصدوق في الخصال (١) بسنده عن السكوني عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «سبعة لا يقرأون القرآن : الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض». وقال في المعتبر (٢) : «يجوز للجنب والحائض ان يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع وهي اقرأ باسم ربك والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة ، روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام)».

هذا ما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمسألة ، وأكثرها وأصحها صريح في جواز قراءة ما شاء ، نعم في بعضها تصريح باستثناء السجدة أو سورة السجدة خاصة ، والأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) قد حملوا هذه الاخبار على الكراهة جمعا بينها وبين روايتي سماعة المذكورتين وخصوا الجواز بلا كراهة بالسبع أو السبعين ، والأظهر عندي حمل ما دل على المنع مطلقا أو ما دون سبع أو سبعين على التقية ، فإن العامة قد شددوا في المنع فما بين محرم ومكره ، فعن الشافعي القول بتحريم قراءة الجنب والحائض شيئا منه ، وقال أبو حنيفة يجوز قراءة ما دون الآية وتحريم الآية ، وعن احمد تفصيل في بعض الآية ، وعن مالك الجواز للحائض دون الجنب ، ورووا كراهة قراءة القرآن للجنب عن علي (عليه‌السلام) وعمر والحسن البصري والنخعي والزهري وقتادة (٣). أقول : ومن هنا

__________________

(١) ج ٢ ص ١٠.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الجنابة.

(٣) في بدائع الصنائع ج ١ ص ٣٧ «لا يباح للجب قراءة القرآن عند عامة العلماء وقال مالك يباح له ذلك ، ولا فرق بين القليل والكثير إذا قصد التلاوة واما إذا لم يقصد وقال «بسم الله» لافتتاح الأعمال تبركا فلا بأس به» وفي المغني ج ١ ص ١٤٣ بعد الحكم بحرمة قراءة آية ذكر ان في قراءة بعض الآية إذا قصد به القرآن أو كان ما يقرأه يتميز به القرآن عن غيره روايتين : إحداهما لا يجوز وهو المروي عن علي «ع» وذهب إليه الشافعي وثانيهما لا يمنع وهو قول أبي حنيفة. وفي نيل الأوطار ج ١ ص ١٩٧ «ذهب الى تحريم قراءة القرآن على الجنب القاسم والهادي والشافعي من غير فرق بين الآية وما دونها ـ

١٤٤

يظهر حمل روايتي الخدري والسكوني على التقية ، وما تكلفه شيخنا الصدوق في الرواية الأولى فمع بعده لا ضرورة تلجئ اليه والحال كما عرفت واما موثقتا سماعة فهما وان لم يرو القول بمضمونهما عن العامة إلا انه لا مانع من حملهما على التقية من حيث موافقتهما لهم في الجملة ومخالفتهما للاخبار الصحاح الصراح في الجواز مطلقا ، على انه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القول بذلك من العامة كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب ، وقد ردهما جملة من الأصحاب أيضا : منهم ـ العلامة في المنتهى وغيره بضعف السند مع معارضتهما بعموم الاذن المستفاد من الروايات الصحيحة ، وبذلك يظهر ان الأقوى هو القول بالجواز مطلقا.

بقي الكلام هنا في شي‌ء آخر وهو ان المشهور بين أصحابنا (رضي‌الله‌عنهم) هو تحريم سور العزائم بأجمعها ، واعترضهم جملة من متأخري المتأخرين بأن الروايات انما دلت على تحريم آية السجدة خاصة دون السورة ، مثل صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين الدالتين على ان الجنب والحائض يقرءان ما شاءا إلا السجدة ، يعني إلا الآية المشتملة على السجود ، ونحن قد أسلفنا القول في ذلك ، ولكن الظاهر هنا من عبارة كتاب الفقه الرضوي وعبارة المعتبر المنسوبة إلى رواية جامع البزنطي هو تحريم السورة ، وعبارة كتاب الفقه وان أمكن ارتكاب التأويل فيها إلا ان عبارة الجامع لا تقبل التأويل لأنه استثنى فيها نفس السورة ، ولعل هذين الخبرين هما مستند من قال بتحريم السورة كملا ،

__________________

وما فوقها ، وذهب أبو حنيفة إلى انه يجوز له قراءة دون الآية إذا لم يكن قرآنا» وفي بداية المجتهد ج ١ ص ٤٤ «ذهب الجمهور الى منع الجنب من قراءة القرآن وقال قوم بإباحته وقال قوم الحائض بمنزلة الجنب وفرق قوم بينهما فأجازوا للحائض قراءة القرآن القليلة استحسانا لطول مقامها حائضا وهو مذهب مالك» وفي المغني ج ١ ص ١٤٣ «رويت كراهية قراءة القرآن للجنب والحائض والنفساء عن علي وعمر والحسن والنخعي والزهري وقتادة والشافعي الى ان قال : وحكى عن مالك جواز قراءة القرآن للحائض دون الجنب».

١٤٥

وقبول صحيحتي محمد بن مسلم للتأويل بما دلا عليه غير بعيد بان المراد من السجدة سورة السجدة لا آية السجدة. وبالجملة فالاحتياط يقتضي القول بتحريم نفس السورة لما عرفت ، وبه يظهر قوة القول المشهور. والله العالم.

(الرابع) ـ مس المصحف والمراد ما عدا كتابة القرآن من الورق والجلد ، وهو مذهب الشيخين وأتباعهما. ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بالمنع لرواية إبراهيم ابن عبد الحميد الآتية ، وقال الصدوق في الفقيه : «ومن كان جنبا أو على غير وضوء فلا يمس القرآن وجاز له ان يمس الورق» وهو مؤذن بعدم الكراهة.

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الاخبار رواية إبراهيم بن عبد الحميد المشار إليها عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه ، ان الله تعالى يقول (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)» (٢). وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٣) : «ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ومس الأوراق». وعبارة الصدوق مأخوذة من هذه العبارة على القاعدة التي عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ، وبالرواية الأولى تعلق المرتضى (رضي‌الله‌عنه) قال في المدارك بعد الاستدلال بها على ما ذهب اليه الشيخان وأتباعهما من الكراهة : «وانما حمل النهي على الكراهة لضعف سند الرواية باشتماله على عدة من المجاهيل والضعفاء فلا تبلغ حجة في إثبات التحريم» أقول : الأظهر في الجواب عنها انما هو عدم صراحتها بل ولا ظهورها في المدعى ، بل الظاهر من قوله (عليه‌السلام) : «المصحف لا تمسه» انما هو نفس القرآن الذي تقدم القول في تحريم مسه ، ويؤيده قوله (عليه‌السلام) : «ولا تمس خطه» بان يكون عطفا تفسيريا لما قبله وان وجد في بعض النسخ «خيطه» والظاهر انه تصحيف ، وعلى تقدير صحته فيبقى الكلام فيه وفي النهي عن التعليق ،

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب الوضوء.

(٢) سورة الواقعة الآية ٧٨.

(٣) ص ٤.

١٤٦

وينبغي حمل ذلك على الكراهة لمناسبة التعظيم فلا تكون الرواية من محل البحث في شي‌ء نعم فيها إشعار بكراهة مس الورق والجلد من حيث النهي عن مس الخيط ـ بناء على النسخة المشار إليها ـ والتعليق ، وحينئذ فما ذكره في المدارك ـ من الاستدلال بها للشيخين على الكراهة وقوله انه لولا ضعف السند لكانت دليلا للمرتضى (رضي‌الله‌عنه) على القول بالتحريم في هذه المسألة ـ ليس في محله ، فإن الرواية لا تعلق لها بهذه المسألة بوجه ، وهذه الرواية هي مستند الأصحاب في القول بتحريم مس خط المصحف على المحدث حدثا أصغر أو أكبر كما تقدم بيانه ، والعجب من غفلة جملة من الأصحاب عن ذلك بإيرادها في هذه المسألة والحال كما عرفت ، وعبارة كتاب الفقه ـ كما عرفت ـ ظاهرة في الجواز وهو فتوى الصدوق ، وهو الظاهر وان كان القول بالكراهة ـ لما عرفت من اشعار رواية إبراهيم بن عبد الحميد بذلك ـ لا بأس به ، ويؤيده ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم (١) من قوله (عليه‌السلام): «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب.». والله العالم.

(الخامس) ـ الخضاب على المشهور ، وهو مذهب المفيد والمرتضى والشيخ في جملة من كتبه ، وقال الصدوق في الفقيه : «ولا بأس بأن يختضب الجنب ويجنب وهو مختضب ويحتجم ويذكر الله تعالى ويتنور ويدبح ويلبس الخاتم وينام في المسجد ويمر فيه» وهو ظاهر في عدم الكراهة.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن ابي سعيد (٢) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : أيختضب الرجل وهو جنب؟ قال : لا. قلت : فيجنب وهو مختضب؟ قال : لا. ثم سكت قليلا ثم قال : يا أبا سعيد ألا ادلك على شي‌ء تفعله؟ قلت : بلى. قال إذا اختضبت بالحناء وأخذ الحناء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع». وعن كردين المسمعي (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا يختضب الرجل وهو

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الجنابة.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الجنابة.

١٤٧

جنب ولا يغتسل وهو مختضب». وعن جعفر بن محمد بن يونس (١) «ان أباه كتب الى ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) يسأله عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب؟ فكتب : لا أحب ذلك». وعن عامر بن جذاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال «سمعته يقول : لا تختضب الحائض ولا الجنب ولا تجنب وعليها خضاب ولا يجنب هو وعليه خضاب ولا يختضب وهو جنب». وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق (٣) من كتاب اللباس للعياشي عن علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام) قال : «يكره ان يختضب الرجل وهو جنب ، وقال من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه ان يصيبه الشيطان بسوء». وعن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٤) قال : «لا تختضب وأنت جنب ولا تجنب وأنت مختضب ، ولا الطامث فان الشيطان يحضرها عند ذلك ، ولا بأس به للنفساء».

وهذه كلها ـ كما ترى ـ متطابقة الدلالة على النهي ، وانما حمل الأصحاب النهي فيها على الكراهة دون التحريم جمعا بينها وبين ما دل على الجواز من الاخبار ، ومنها ـ ما رواه في الكافي (٥) عن أبي جميلة عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بأن يختضب الجنب ويجنب المختضب ويطلي بالنورة». قال في الكافي (٦) : «وروى ايضا ان المختضب لا يجنب حتى يأخذ الخضاب واما في أول الخضاب فلا». وعن السكوني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «لا بأس بأن يختضب الرجل ويجنب وهو مختضب. الحديث». وما رواه الشيخ عن علي ـ والظاهر انه ابن أبي حمزة ـ عن العبد الصالح (عليه‌السلام) (٨) قال : «قلت : الرجل يختضب وهو جنب؟ قال : لا بأس. وعن المرأة تختضب وهي حائض؟ قال : ليس به بأس». وفي الموثق عن سماعة (٩) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن الجنب والحائض يختضبان

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ من أبواب الجنابة.

١٤٨

قال : لا بأس». وما رواه في الكافي (١) في الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «لا بأس ان يختضب الرجل وهو جنب». الا ان في بعض نسخ الكافي «يحتجم» بدل «يختضب» أقول : ويؤيد ما ذكروه من الجمع ظاهر روايتي مكارم الأخلاق وظاهر رواية جعفر بن محمد بن يونس. وعن المفيد في المقنعة انه علل الكراهة بأن الخضاب يمنع وصول الماء الى ظاهر الجوارح التي عليها الخضاب. وأنت خبير بان مقتضى هذا التعليل هو التحريم لا الكراهة ، ومن أجل ذلك اعتذر عنه في المعتبر فقال : «وكأنه نظر الى ان اللون عرض وهو لا ينتقل فيلزم حصول اجزاء من الخضاب في محل اللون ليكون وجود اللون بوجودها ، لكنها حقيقة لا تمنع الماء منعا تاما فكرهت لذلك» انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف.

بقي هنا شي‌ء وان كان خارجا عن محل البحث وهو ان ظاهر عبارة الصدوق المتقدمة جواز نوم الجنب في المسجد ، وهو باطل إجماعا للأخبار المستفيضة الصريحة في المنع عن اللبث في المسجد (٢) وتخصيص الجواز بالمشي دون اللبث ، الا انه قد روى الشيخ عن الحسين بن سعيد عن محمد بن القاسم (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال : يتوضأ ولا بأس ان ينام في المسجد ويمر فيه». وحينئذ فإن كان اعتماد الصدوق (رحمه‌الله) على هذه الرواية فهي ـ مع الإغماض عما فيها من مخالفة الإجماع والروايات المستفيضة ـ مقيدة بالوضوء أولا وعبارته (رحمه‌الله) مطلقة ، وأيضا فإن العمل بها في مقابلة تلك الاخبار موجب لطرح تلك الأخبار المشار إليها وهو مشكل. وبعض المحشين على الكتاب تكلف لها من الاحتمالات ما هو في البعد أظهر من ان يخفى ، قال (قدس‌سره) : «يحتمل ان يكون المراد النوم في حال الاجتياز من غير لبث وان كان الفرض بعيدا ، ويحتمل ان يكون المراد انه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب الجنابة.

(٢ و ٣) رواها في الوسائل في الباب ١٥ من أبواب الجنابة.

١٤٩

يجوز النوم في المسجد وان عرض له الجنابة بعد النوم ، فلا بأس بهذا النوم وان كان معرضا للجنابة ، والمراد بالجنب حينئذ من تعرض له الجنابة. وفيه بعد بحسب العبارة. وربما يقرأ «في المسجد» بلفظ الاسم لا الحرف اي ينام في ظل المسجد ويحذف ويوصل المفعول. وهو بعيد» انتهى. وبالجملة فظاهر كلامه غير موجه ، والرواية المذكورة محمولة على الضرورة أو التقية ، ونقل بعض مشايخنا المتأخرين عن أحمد أحد الأئمة الأربعة انه إذا توضأ جاز له اللبث (١) وأيد بعض الحمل على التقية بأن الرواية عن الرضا (عليه‌السلام) وأكثر الأخبار المروية عنه (عليه‌السلام) ظاهرة في التقية ، لأنه (عليه‌السلام) كان في خراسان وفي أكثر الأوقات كان في مجلسه جماعة من رؤسائهم كما هو الشائع من الآثار. انتهى.

(المسألة الخامسة) ـ إذا اجتمعت أغسال واجبة أو مستحبة أجزأ عنها غسل واحد عندنا للأخبار الدالة على التداخل ، وقد مر تحقيق المسألة مستوفى في المقام الحادي عشر من مقامات الركن الأول في نية الوضوء (٢) فليراجع. والله العالم.

الفصل الثاني

في غسل الحيض ، والكلام فيه يتوقف على بيان الحيض وانه عبارة عما ذا ، وما يترتب عليه من الأحكام ، وأحكام الحائض وما يجوز لها وما لا يجوز ، وحينئذ فالبحث هنا يقع في مقاصد ثلاثة :

(الأول) ـ في بيان الحيض ، وهو الدم المتصف بالصفات الآتية ، الذي لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة ، الخارج من الجانب الأيسر أو الأيمن على الخلاف الآتي المستنقع مع اشتباهه بالعذرة ، الذي تراه المرأة بعد بلوغ تسع سنين الى ان تبلغ سن اليأس وفي مجامعته الحمل قولان ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل :

__________________

(١) راجع التعليقة ٣ ص ٥١.

(٢) ج ٢ ص ١٩٦.

١٥٠

(الأولى) ـ دم الحيض في الأغلب هو الأسود الحار الخارج بحرقة ولذع ، وانما قيد بالأغلب لما سيجي‌ء ان شاء الله تعالى من ان ما تراه المرأة في أيام العادة وان كان حمرة أو صفرة فهو حيض.

ويدل على ذلك من الأخبار روايات عديدة : منها ـ ما في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن حفص بن البختري (١) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره؟ قال فقال لها : ان دم الحيض حار عبيط اسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة اصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة. قال : فخرجت وهي تقول : والله لو كان امرأة ما زاد على هذا».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٢) قال قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): «ان دم الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحد ، ان دم الاستحاضة بارد وان دم الحيض حار».

وعن إسحاق بن جرير في الموثق (٣) قال : «سألتني امرأة منا ان أدخلها على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فاستأذنت لها فاذن لها فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت له يا أبا عبد الله ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ فقال ان كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة. قالت فان الدم استمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين قالت ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد. قال فالتفتت الى مولاتها فقالت أتراه كان امرأة مرة؟».

__________________

(١ و ٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ٣ من أبواب الحيض.

١٥١

والمستفاد من هذه الاخبار انه حيثما وجدت هذه الأوصاف يجب الحكم بالحيض وحيث انتفت انتفى إلا ما خرج بدليل.

(الثانية) ـ لو اشتبه دم الحيض بدم العذرة ـ بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة : البكارة بفتح الباء الموحدة ـ اعتبر بخروج القطنة بعد وضعها في الفرج على الوجه الآتي ، فإن خرجت مطوقة حكم به للعذرة ، وان خرجت مستنقعة حكم به للحيض ، صرح به الشيخ ومن تأخر عنه من الأصحاب.

والمستند فيه ما رواه في الكافي عن خلف بن حماد الكوفي في الصحيح (١) قال : «تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث ، فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام ، قال : فاروها القوابل ومن ظنوا بأنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن : فقال بعض هذا من دم الحيض وقال بعض هو من دم العذرة ، فسألوا عن ذلك فقهاءهم كأبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا : هذا شي‌ء قد أشكل والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضأ ولتصل وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض ، فان كان دم الحيض لم تضرها الصلاة وان كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ، ففعلت الجارية ذلك ، وحججت في تلك السنة فلما صرنا بمنى بعثت الى ابى الحسن موسى (عليه‌السلام) فقلت : جعلت فداك ان لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك وأسألك عنها؟ فبعث الي إذا هدأت الرجل وانقطع الطريق فاقبل ان شاء الله تعالى قال خلف فرعيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى توجهت الى مضربه ، فلما كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق فقال من الرجل؟ فقلت رجل من الحاج فقال ما اسمك؟ قلت خلف بن حماد. فقال ادخل بغير اذن فقد أمرني أن اقعد ههنا فإذا أتيت أذنت لك ، فدخلت فسلمت فرد السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره ، فلما صرت بين يديه سألني وسألته عن حاله فقلت له : ان رجلا

__________________

(١) روي قطعة منه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب الحيض.

١٥٢

من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام ، وان القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن دم الحيض وقال بعضهن دم العذرة فما ينبغي لها ان تصنع؟ قال : فلتتق الله تعالى فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها ، وان كان من العذرة فلتتق الله تعالى ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها ان أحب ذلك. فقلت : وكيف لهم ان يعلموا مما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟ قال فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه أحد قال ثم نهد الي فقال : يا خلف سر الله سر الله فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي الله تعالى لهم من ضلال ، قال ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة وان كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض. قال خلف فاستخفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال ما أبكاك؟ قلت : جعلت فداك من يحسن هذا غيرك؟ قال فرفع يده الى السماء وقال : انى والله ما أخبرك إلا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن جبرئيل عن الله عزوجل».

وما رواه في التهذيب عن خلف بن حماد (١) قال : «قلت لأبي الحسن الماضي : جعلت فداك ان رجلا من مواليك سألني أن أسألك عن مسألة فتأذن لي فيها؟ فقال لي هات فقلت جعلت فداك رجل تزوج جارية أو اشترى جارية طمثت أو لم تطمث أو في أول ما طمثت فلما افترعها غلب الدم فمكث أياما وليالي ، فأريت القوابل فبعض قال من الحيضة وبعض قال من العذرة؟ قال فتبسم وقال : ان كان من الحيض فليمسك عنها بعلها ولتمسك عن الصلاة وان كان من العذرة فلتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها ان أحب. قلت جعلت فداك وكيف لها ان تعلم من الحيض هو أو من العذرة؟ فقال : يا خلف سر الله فلا تذيعوه تستدخل قطنة ثم

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب الحيض.

١٥٣

تخرجها فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وان خرجت مستنقعة بالدم فهو من الطمث».

وما رواه في الكافي والشيخ أيضا في التهذيب في الصحيح عن زياد بن سوقة (١) قال : «سئل أبو جعفر (عليه‌السلام) عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يومها كيف تصنع بالصلاة؟ قال تمسك الكرسف فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي ، فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض».

وفي الفقه الرضوي (٢) «وان افتضها زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة فعليها ان تدخل قطنة فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وان خرجت منغمسة فهو من الحيض ، واعلم ان دم العذرة لا يجوز الشفرين ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة ودم الاستحاضة بارد يسيل وهي لا تعلم». انتهى. وهذه العبارة بلفظها نقلها في الفقيه عن أبيه في رسالته اليه.

وهذه الاخبار كلها متطابقة الدلالة على الحكم المذكور. وظاهر كلام المحقق في الشرائع والنافع وصريحه في المعتبر التوقف في الحكم بكونه حيضا مع الاستنقاع ، قال في المعتبر : «لا ريب انها إذا خرجت مطوقة كان من العذرة فإن خرجت مستنقعة فهو محتمل ، فإذن يقتضي انه من العذرة مع التطوق قطعا فلهذا اقتصر في الكتاب على الطرف المتيقن» واعترضه في المدارك بان فيه نظرا من وجهين : (أحدهما) ـ ان المسألة في كلامه في المعتبر مفروضة فيما إذا جاء الدم بصفة دم الحيض ومعه لا وجه للتوقف في كونه مع الاستنقاع حيضا ، لاعتبار سند الخبرين وصراحتهما في الدلالة على الحكمين ومطابقتهما للروايات الدالة على اعتبار الأوصاف. و (ثانيهما) ـ انه (رحمه‌الله) صرح بعد ذلك بان ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة يحكم بكونه حيضا وبأنه لا عبرة

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أبواب الحيض.

(٢) ص ٢٢.

١٥٤

بلونه ما لم يعلم انه لقرح أو لعذرة ونقل عليه الإجماع ، وهو مناف لما ذكره هنا من التوقف في هذه المسألة ، إذ المفروض فيها انتفاء العلم بكون الدم للعذرة بل انتفاء الظن بذلك باعتبار استنقاعه كما هو واضح. انتهى. وهو جيد وان كان ما ذكره المحقق لا يخلو من وجه بالنظر الى الاعتبار ، إلا انه لا وجه له في مقابلة الاخبار ولا سيما مع تصريحه بما نقله عنه في الموضعين. ثم انه لا يخفى ان ما ذكره المحقق هنا من تقييد الدم الذي هو محل البحث بان يكون بصفة دم الحيض تقييد للنص بغير دليل ، واي مانع من الحكم بكونه حيضا مطلقا مع عدم التطوق؟ سيما على القاعدة المقررة المعتمدة عندهم من ان ما أمكن ان يكون حيضا فهو حيض ، واليه يشير كلامه في الوجه الثاني الذي نقله عنه في المدارك.

بقي هنا شي‌ء وهو انه قد نقل في المدارك عن الشهيد (رحمه‌الله) في الشرح ان طريق معرفة التطوق وعدمه ان تضع قطنة بعد ان تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثم تصبر هنيئة ثم تخرج القطنة إخراجا رفيقا ، ونقل عن جده أيضا في الروض ان مستند هذا الحكم روايات عن أهل البيت (عليهم‌السلام) لكن في بعضها الأمر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء وفي بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء ، وطريق الجمع حمل المطلق على المقيد والتخيير بين الإصبع والكرسف الا ان الكرسف أظهر في الدلالة ، ثم اعترضه بان ما ذكره (رحمه‌الله) لم أقف عليه في شي‌ء من الأصول ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال. انتهى. وما ذكره (رحمه‌الله) جيد وجيه ، فانا لم نقف في المسألة إلا على ما قدمنا من الاخبار وليس في شي‌ء منها ما يدل على الاستلقاء ولا وضع الإصبع ، ولا يبعد عندي ان منشأ توهم شيخنا المشار اليه هو رواية القرحة الآتية للأمر فيها بالاستلقاء ووضع الإصبع ، فربما جرى على خاطره وقت الكتابة ان مورد الرواية هو افتضاض البكر وزوال العذرة فعدها في جملة روايات المسألة وجمع بينها بما ذكره من غير ان يراجعها ، وجريان الأقلام على الاستعجال بأمثال هذا المقال غير عزيز في كلامهم.

١٥٥

(المسألة الثالثة) ـ لو اشتبه دم الحيض بدم القرحة فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فقيل ان كان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض وان كان من الجانب الأيمن فهو من القرحة ، وبه صرح الصدوق في كتابه والشيخ في النهاية واتباعه قال في الفقيه : «وان اشتبه عليها دم الحيض ودم القرحة فربما كان في فرجها قرحة ، فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة وان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض» وظاهر هذا الكلام ان مخرج دم الحيض دائما انما هو من الجانب الأيسر ، وعن ابن الجنيد انه عكس ذلك فقال : «دم الحيض اسود عبيط تعلوه حمرة يخرج من الجانب الأيمن وتحس المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر» واضطرب كلام الشهيد فأفتى في البيان بالأول وفي الدروس والذكرى بالثاني ، قيل : ومنشأ الاختلاف هنا اختلاف متن الرواية حيث انه قد روى في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن ابان (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أم من دم القرحة؟ فقال : مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها ثم تستدخل إصبعها الوسطى ، فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض وان خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة». والشيخ قد نقل الرواية المذكورة بعينها في التهذيب وساق الحديث الى ان قال : «فان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض وان خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة». وربما قيل بترجيح رواية التهذيب لان الشيخ اعرف بوجوه الحديث وأضبط خصوصا مع فتواه بمضمونها في النهاية والمبسوط. وفيه انه لا يخفى على من راجع التهذيب وتدبر اخباره ما وقع للشيخ (رحمه‌الله) من التحريف والتصحيف في الاخبار سندا ومتنا وقلما يخلو حديث من أحاديثه من علة في سند أو متن ، واما فتواه (رحمه‌الله) فالكلام فيها أظهر من ان يخفى على

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٦ من أبواب الحيض.

١٥٦

من ملوس الفن ، والترجيح بهذه القاعدة في جانب رواية الكافي أظهر ، ويعضده ان في الذكرى نقل انه وجد الرواية في كثير من نسخ التهذيب كما في الكافي ، وفي المدارك عن ظاهر كلام ابن طاوس ان نسخ التهذيب القديمة كلها موافقة له ايضا وبه يظهر ترجيحها. نعم عبارة الفقه الرضوي صريحة في القول الأول حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «وان اشتبه عليها الحيض بدم القرحة فربما كان في فرجها قرحة فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة وان خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض». وعبارة الصدوق المتقدمة عين هذه العبارة ، ومنه يعلم أنه أخذها من الكتاب المذكور وافتى بها وان مستنده في هذا الحكم انما هو الكتاب المذكور ، والصدوق في كتابه قد ذكر بعد هذه العبارة بلا فصل عبارة كتاب الفقه المتقدمة (٢) في اشتباه دم الحيض بدم العذرة وقال بعدها ذكره أبي في رسالته الي ، ومنه يعلم ـ كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى في مطاوي أبحاث هذا الكتاب ـ اعتماد الصدوقين على الكتاب المذكور وأخذ عبائره والإفتاء بها ، والظاهر ان مستند من قال بالقول الأول انما هو ما في رسالة علي بن الحسين بن بابويه من العبارة المأخوذة من كتاب الفقه لا من رواية التهذيب كما قيل ، لما عرفت من نقل الشيخين المتقدمين ان نسخ التهذيب القديمة موافقة للكافي ، وحينئذ فالتعارض انما هو بين رواية الكافي وكتاب الفقه ، والمسألة لذلك لا تخلو من اشكال ، ويؤكده ان احتمال القرحة لا يختص بجانب دون جانب فلا يتم الحكم كليا بكونها في جانب اليمين كما في كتاب الفقه أو الأيسر كما في رواية الكليني. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) في ان أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة ، وهي أقل الطهر ، واما أكثره فلا حد له على الأشهر الأظهر.

__________________

(١) ص ٢٢.

(٢) ص ١٥٤.

١٥٧

فأما الأول فالأخبار به مستفيضة : (منها) ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثره ما يكون عشرة أيام». وعن صفوان بن يحيى (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن ادنى ما يكون من الحيض؟ فقال أدناه ثلاثة وأبعده عشرة». وما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) : «ادنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) من «ان أكثر ما يكون الحيض ثمان وادنى ما يكون منه ثلاثة». فقد أجاب الشيخ عنه بأنه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل به ، قال : «ولو صح لكان معناه ان المرأة إذا كان من عادتها ان لا تحيض أكثر من ثمانية أيام ثم استحاضت واستمر بها الدم وهي لا يتميز لها دم الحيض من دم الاستحاضة ، فإن أكثر ما تحتسب به أيام الحيض ثمانية أيام حسبما جرت عادتها قبل استمرار الدم» انتهى. ولا يخفى بعده. وحمله في المنتقى على إرادة الأكثر بحسب العادة والغالب في الشرع. وهو جيد فان بلوغ العشرة في العادة نادر.

واما الثاني فيدل عليه بعد الإجماع الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ مرسلة يونس الآتية (٥) ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد ، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر الى ان ترى الدم». وهي متضمنة لحكم الأقل وانه عشرة ولحكم الأكثر وهو عشرة فما زاد من غير الانتهاء الى حد ، وعن ابي الصلاح انه حد الأكثر بثلاثة أشهر ، ولم نقف له على مستند ، وحمله العلامة على ان مراده باعتبار الغالب. وفي صحيحة محمد بن مسلم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الحيض.

(٦) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب الحيض.

١٥٨

الآتية (١) ونحوها موثقته (٢) «إذا رأت الدم بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة».

وكيف كان فكل من هذه الأحكام لا خلاف فيه ، انما الخلاف في اشتراط التوالي في الثلاثة التي تكون أقل الحيض فهل يشترط تواليها أم يكفي كونها في جملة العشرة؟

المشهور الأول وبه قال الشيخ (رحمه‌الله) في الجمل والمرتضى وابنا بابويه ، قال في الفقيه نقلا عن أبيه في رسالته إليه : «فإن رأت الدم يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر الدم ثلاثة أيام متواليات ، وعليها ان تقضي الصلاة التي تركتها في اليوم أو اليومين».

أقول : وهذه العبارة عين عبارة الفقه الرضوي كما سيأتي نقله في هذا المقام ان شاء الله تعالى ، وهكذا ما بعدها

وقال الشيخ في النهاية : «ان رأت يوما أو يومين ثم رأت قبل انقضاء العشرة ما يتم به الثلاثة فهو حيض ، وان لم تر حتى تمضي عشرة فليس من الحيض» والى هذا القول ذهب ابن البراج ، واليه مال جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ المولى الأردبيلي (رحمه‌الله) في شرح الإرشاد والشيخ الحر في رسالته والشيخ عبد الله بن صالح البحراني ، ونقله عن الشيخ احمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب رياض المسائل ، وهو الأظهر عندي.

ويدل عليه روايات : (منها) ـ ما رواه الشيخ عن يونس عن بعض رجاله عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «ادنى الطهر عشرة أيام ، وذلك ان المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة أيام ، فلا تزال كلما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام فإذا رجعت الى ثلاثة أيام ارتفع حيضها ولا يكون أقل من ثلاثة أيام ، فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض

__________________

(١ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب الحيض.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب الحيض.

١٥٩

وان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وان مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض انما كان من علة اما قرحة في جوفها واما من الجوف ، فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركته لأنها لم تكن حائضا فيجب ان تقضى ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين ، وان تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض وهو ادنى الحيض ولم يجب عليها القضاء ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام ، وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة ، وان رأت الدم من أول ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة ، وقال كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض».

أقول : لا يخفى ما في الخبر المذكور من الصراحة والظهور في الدلالة على القول المذكور ، وظاهره ايضا ان النقاء الذي بين أيام الدم المتفرقة طهر حيث خص الحيض بأيام الدم المتقدمة والمتأخرة (لا يقال) : انه قد استفاضت الأخبار بان أقل الطهر عشرة أيام (لأنا نقول) : نعم وهذا الخبر من جملتها ايضا حيث قال فيه : «ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام» ولكن وجه الجمع ـ بين ما دل عليه الخبر المذكور ونحوه من الحكم بكون النقاء المتخلل بين الثلاثة الأيام المذكورة هنا طهرا وبين تلك الاخبار ـ بحمل الطهر في تلك الأخبار على ما كان بين حيضتين مستقلتين كما في العدد ونحوها فلا ينافيه ما كان في أثناء الحيضة الواحدة ، ويشير الى ذلك ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم

١٦٠