مصارع الشهداء ومقاتل السعداء

الشيخ سلمان بن عبد الله آل عصفور

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء

المؤلف:

الشيخ سلمان بن عبد الله آل عصفور


المحقق: الشيخ علي آل كوثر
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-92538-2-4
الصفحات: ٣٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيْمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه وأشرف بريّته محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد فهذه مقدّمة وجيزة حول الكتاب والمؤلّف واُسلوب التحقيق.

ـ ١ ـ

الكتاب

قال المصنّف في المقدّمة بعد كلام له :

« إنّ الشوق قد قيّد أقدامي ، والحبّ قد ملك زمامي ، والولي قد قادني ، والبرّ قد ساقني ، إلى اقتحام مضمارٍ لست من فرسانه ، وولوج عرينٍ ما كنت من أقرانه ، والدخول في جملة قومٍ أنا أقلّ منهم ، طمعاً منّي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تشبّه بقومٍ فهو منهم ، ... وذلك لمّا رأيت جملة من الشيعة المؤمنين ، وجمهور الهداة في الدّين ، مكبين على إقامة فنون العزاء ، على مصاب سيّد الشهداء ، والأئمّة الأتقياء السعداء.

غير أنّ أكثر مصنّفيهم من العرب ، وجلّ مؤلّفيهم من ذوي الرتب ، قد سلكوا في نظم كتب المراثي نهجاً واضحاً ، ونهجوا مسلكاً ملحوباً لائحاً ، وأمّا علماء العجم وفضلاؤهم من أصحاب العلم ، فتفرّقوا في التصنيف ، واختلفوا في التأليف ، فمنهم من أطال في المراثي إطنابه ، حتّى غدى كتابه مثل ديوان الصبابة ، فألجأه ضيق المأخذ وطول المساحة ، إلى الركون لكلمات المؤرّخين ، وخرافات السالفين ، ومنهم من ضيق رحيب مضماره لشدّة اختصاره ، وكلاهما لم يصب سهمه الغرض ، ولا قام بما إليه نهض.

٥

لكن لمّا كان مطلبهم الأقصى ، التقرّب لأولئك الكرماء ، والوقوف على أرباب العطاء ، صوّبت آراءهم في منهجهم ، وشكرتهم على بذل مهجتهم ، ولكلّ ضيف قرى ، ولكلّ عمل كرى.

فهناك دار في قلبي ، وارتسم بلوح لبّي ، جمع كتاب وجيز ، يزري بعسجد نظمه سبائك الذهب الابريز ، وأن اُسمّيه ب‍ « مصارع الشهداء ، ومقاتل السعداء » جاعلاً لكلّ معصوم مقتلاً ، مبتدئاً بالنبيّ المصطفى ، مثنّياً بفاطمة الزهراء ، خاتماً بصاحب العصر والزمان ، وخليفة ربّنا الملك الديّان ، في هذه الأزمان ... ».

وقد ذكر هذا الكتاب الشيخ آغا بزرك الطهراني في موسوعته القيّمة : « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » : ج ٢١ ص ٩٨ وقال :

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء في وفيات الأئمّة عليهم‌السلام في قرب عشرة آلاف بيت.

هذا والكتاب يستعرض حياة وشهادة كلّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة البتول وعليّ المرتضى وسيّدي شباب أهل الجنّة وزين العابدين ومحمّد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمّد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجّة المهدي عليهم أفضل صلوات المصلّين ، مع ذكر نبذة من أحوالهم وفضائلهم باُسلوب أدبي لطيف من سجع وشعر في أوّله وآخره.

وقد تمّ تأليف الكتاب عام ١٢٥١ من الهجرة النبويّة كما ورد في آخر النسخة ، والنسخة الّتي اعتمدنا عليها هي مصوّرة من نسخة مكتبة أحد علماء البحرين ـ حفظه الله تعالى وأيّده بتأييداته ـ كتبها نعمة الله بن جواد الحسيني الكاظمي في سنة ١٢٦٤ من نسخة المؤلّف كما يبدوا.

وقد جاء في الصفحة الاُولى بخطّ المصنّف وخاتمة هكذا :

هو الله المالك ، هو في حيازة مصنّفه كثير الجرم والقصور ، وراجي ربّه الغفور في يوم البعث والنشور ، سلمان بن عبد الله بن حسين آل عصفور ، في ٧ شوّال سنة ١٢٦٥. سلمان.

ثمّ كتب أسفله بخط آخر :

٦

هذا الرباعي لسلمان بن عبد الله آل عصفور :

هذا وطن السرور فاقطع سفرك

واسرح برياضة وسرّح نظرك

فيه نفرٌ لا يألف الهمّ بهم

يا نفس بتذكارهم اقض وطرك

وجاء في ص ٢٣٨ في آخر الكتاب :

معرفة أعمار الأئمّة الطاهرين عليهم أفضل صلوات المصلّين على جهة التعميه !.

حسن من وحسين نح له

وابنه زن وكذاك الباقر

جعفر سِه ثمّ موسى نِهْ له

مثله سنّاً عليّ الطاهر

وجوادٌ كِهْ له وابنٌ له

مِبْ وربع العام منه قاصر

حسن كِحْ وأبو الكلّ له

مثل سنّ المصطفى سِجْ ظاهر

وقد كتب الأعداد تحت الأسماء بين السطور هكذا :

٤٧ ، ٥٨ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٦٥ ، ٥٥ ، ٥٥ ، ٢٥ ، ٤٢ ، ٢٨ ، ٦٣.

وقد اعتمد المصنّف في كتابه هذا على مجموعة من المصادر نذكرها حسب حروف المعجم : الإحتجاج للطبرسي ، والأربعين ل‍ ... ، والإرشاد للمفيد ، والإكمال والأمالي للصدوق ، وأيضا الأمالي ل‍ ... ، والأنوار ل‍ ... ، وتذكرة الأئمّة ل‍ ... ، وتفسير القمّي ، وثواب الأعمال للصدوق ، والخرائج للراوندي ، ودلائل الإمامة للطبري ، ورسائل الكليني ، وروضة الكافي للكليني ، والعلل والعيون للصدوق ، وعيون المعجزات ، وفقه الرضا لوالد الصدوق ، والكافي للكليني ، وتاريخ الطبري ، وكشف الغمة للإربلي ، والمجالس ل‍ ... ، ومجمع البيان للطبرسي ، والمشارق للبُرسي ، والمصباح للكفعمي ، ومطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي ، ومعالم العترة النبويّة للجنابذي ، والملهوف لابن طاوس ، والمناقب لابن شهر آشوب ، ونجب المناقب لحسين بن جبير ، والنصوص ل‍ ... ، والمعجزات والنوادر ل‍ ...

٧

ـ ٢ ـ

المؤلّف

قال الرازي في كتابه المنيف : « الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة » : ج ٢ ص ٦٠٣ :

« الشيخ سلمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين العصفوري البحراني ، عالم فاضل.

كان من فضلاء هذا البيت الأعلام وفقهائه الكاملين ، نزل شيراز ، وكان من الراجع فيها ، له عدّة تصانيف ، منها : « مصارع الشهداء ومقاتل السعداء » ، وكتاب « الرزايا » وكتاب « وفاة أمير المؤمنين عليه‌السلام » المطبوع وغير ذلك.

توفي بعد سنة ١٢٦١ ه‍ التي توفي فيها عمه الشيخ حسن ».

وقال أيضاً في « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » : ج ٢١ ٩٨ : « مصارع الشهداء ومقاتل السعداء ... للشيخ سلمان بن عبد الله بن الشيخ حسين آل عصفور البحراني المتوفّى بعد ١٢٦١ في بلدة شيراز ».

أقول : ومن توقيع المصنّف على هذا الكتاب وكتابته وخطّه عليه يعرف أنّه كان حيّاً سنة ١٢٦٥ في شوال حيث تملّك هذه النسخة ودخلت في حيازته.

وله من الكتب غير هذا الكتاب :

١ ـ الرزايا.

قال في الذريعة : ١٠ : ٢٣٩ / ٧٦٣ : مقتل في حجم منتخب الطريحي ... رأيته عند الشيخ خلف آل عصفور البوشهري المتوفّى سنة ١٣٥٣.

٢ ـ وفاة أميرالمؤمنين.

طبع سنة ١٤٣٦ كما في الذريعة : ج ٢٥ ص ١١٧.

والمؤلف ينتمي إلى اُسرة آل عصفور ، وهي اُسرة مشهورة خرج منها علماء كان لهم دور في الحياة العلميّة والإجتماعيّة لمنطقة الخليج الفارسي.

٨

وأمّا مسقط رأس المصنّف أعني بلاد البحرين والأحساء والقطيف وما والاها ، فقد اعتنقت الإسلام رغبة وطوعاً منذ القرن الأوّل الهجري وفي حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقامت ثاني صلاة جمعة بعد صلاة الجمعة في المدينة المنوّرة ، ومسجدها في جواثى هو ثالث مساجد الإسلام ، وكان غالبيّة سكّانها آنذاك من عشيرة عبد القيس الّتي ورد عنها في الحديث النبويّ الشريف : « اللهمّ اغفر لعبد القيس » ، وقد كان لهذه البلاد وعبد القيس وربيعة دور ريادي في نشر الإسلام والتمسّك بالقرآن وأهل البيت بدءاً من حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى يومنا هذا.

وبرز منها في القرن الأوّل أعلام جهابذة مثل زيد بن صوحان العبدي وصعصعة بن صوحان العبدي وحكيم بن جبلة العبدي وغيرهم ، وكان لهؤلاء مواقف مشرفة في مواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين ، ورثى أمير المؤمنين شهداءهم في وقعة البصرة بعد ما غدر بهم الناكثون ، بقوله :

يا لهفتيّاه على ربيعة

ربيعة السامعة المطيعة

نبئتها كانت بها الوقيعة

وفي القرن الثاني كان منها محدثين وشعراء مثل سفيان بن مصعب ويحيى بن بلال وغيرهما حتّى قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام في سفيان : « علّموا أولادكم شعر العبدي ، فإنّه على دين الله ».

وفي كتاب أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين للشيخ علي البلادي البحراني : ص ٤٥ نقلاً عن كشكول الشيخ بهاء الدين العاملي وغيره أنّ والده العالم الفقيه الشيخ حسين بن عبد الصمد كان في مكّة المشرّفة قاصداً الجوار فيها إلى أن يموت ، وأنّه رأى في المنام أنّ القيامة قد قامت وجاء الأمر من الله تعالى بأن ترفع أرض البحرين وما فيها إلى الجنّة ، فلمّا رأى هذه الرؤيا رجع عن مكّة وجاء إلى البحرين ، فكان مشتغلاً بالتدريس والتصنيف والعبادة والتأليف في قرية المصلّى إلى أن توفّي بها سنة ٩٨٤.

وعلى أيّة حال فهذه البلاد كانت ولا تزال من القلاع الحصينة في الدفاع عن

٩

حياض الإسلام والقرآن وأهل البيت ، ولهم دور مشرّف في التاريخ الإسلامي رغم تسلّط الأجلاف في بعض الأزمنة عليهم وكتبهم ، وحرمانهم من أبسط حقوقهم.

وما مؤلّفنا هذا إلاّ نموذجاً واحداً عن أولئك الأبطال الّذين شيّدوا معالم العزّ والفخر ، وأقاموا كيان المجد والعبوديّة لله تعالى والتمسّك بالقرآن وأهل البيت عليهم‌السلام.

ـ ٣ ـ

اُسلوب التحقيق

تمّ الإعتماد على نسخة خطيّة واحدة كانت بحَوزة المصنّف وعليها توقيعه كما تقدّم عند البحث عن الكتاب ، وحاولت جهد الإمكان تخريج الأحاديث المذكورة في الكتاب ، وبقي من الاُمور الّتي ينبغي أن تحقّق من هذا الكتاب القصائد والأبيات الّتي ذكرها المصنف في ثنايا كتابه هذا ولم يذكر قائلها ولا مصدرها ، وأملي من القرّاء الكرام وخاصّة خطباء المنبر الحسيني وأهل الأدب أن يساعدوني في تخريج هذه الأبيات وذكر مصادرها حتّى يُتلافى هذا النقص في طبعات لاحقة.

هذا ، والحمد لله أوّلاً وآخراً.

وقد طبع الكتاب على نفقة المؤمنة الصالحة خيريّة محمّد جزاها الله خير الجزاء وحشرها الله مع محمّد وآله الأطهار.

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي أظهر شعار آل محمّد كَنارٍ على علم ، ورفع منار فضلهم على رغم من نصب لهم وظلم ، وكثّر شيعتهم بعد قلّة العَدد ، وأعزّ ذلّتهم بعد ضعف العُدَد.

وكانوا فيما مضى من السنين والشهور ، وسلف من الأعوام والدهور ، كهلال اليقين في ليل الشك الأظلم ، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأدهم ، قد عصفت بهم رياح الفتن ، ودارت عليهم رحى الإزراء والمحن ، فتخلّلوا غمار الناس ، واستتروا من الأرجاس في رثّ اللباس ، وتدرّعوا مدارع التقيّة خشيةً من طغاة بني أميّة ، وتجلببوا بجلابيب الإختفاء خوفاً من بني العباس الطلقاء ، إمتثالاً لأمر أئمّتهم الأنجاب ، وعملاً بما ورد في السنّة والكتاب.

ومع ذلك فالأرض حمراء من دمائهم المسفوكة ، والسجون مشحونة بأجسام أبنائهم وبناتهم المهتوكة ، حتّى أدّى بهم الحال العبوس ، إلى أن صارت مقاصر أبدانهم الحبوس ، وغدت منابر علمائهم شواهق المصالب في الشموس.

فلم ينههم ذلك الحال الشديد عن التمسّك بعروة الله الوثقى ، ولا منعهم ذلك القتل والتشريد عن سلوك طريق أئمّتهم المثلى ، فما يرحوا كذلك وعلى ذلك إلى أن أسفر الحقّ عن محيّاه ، ونادى الصدق يا بشراه ، فكسر قرن الضلال ، ونكّس علم

١١

ذوي الجهل والنكال ، بظهور دولة بني حمدان إلى ساحة الظهور ، وبروز مستور شخص الإيمان بساطع النور ، فلله درّهم من ملوك عدل أحيوا دوارس مرابع آل الرسول ، وبذلوا الأموال في تشييد مباني أرباب المعقول والمنقول ، وكشفوا أسجاف الذلّ والتهوين عن محجّبات سرائر المؤمنين ، وأقاموا أعلاماً لتلك القبور الطاهرة يهتدي بها التايه عن سواء الطريق ، وجعلوا لهاتيك المشاهد الزاهرة سماتٌ تشير إلى الإذعان والتصديق ، ونصبوا أعمدة المآتم على أولئك الأعاظم ، ووضعوا قوانين المراثي على السادة الأكارم.

فغدر الدهر بعد أن وفى ، وأساء بعد أن أحسن لأرباب الوفا ، فانقرضت هذه الدولة الشريفة ، وكسفت شمس هذه السلطنة المنيفة ، وقامت الفتن على سوقها ، ودنت نفوس المؤمنين من سَوقها ، فما زالوا في كدّ وتعب مادام دولة بني أيوب في حلب ، والأراتقة في الشام والصقلب ، فتوطّأ كلّ جلف منهم سروج سبق الرياسة ، وتوطّد صدور محافل الملك والسياسة ، فعاد بدر المؤمنين إلى المحاق ، ورجع لجينهم إلى الاحتراق ، وغدت أعلام المؤمنين منكوسة ، وعلماء الموحدين في ربوات التحكم مرموسة.

حتّى افترّ ثغر الجلال عن نظيم الايمان ، وتنفّس فجر الكمال بنسيم اللطف والإحسان ، فلبست فتاة الشرك حلل التوحيد ، ورفلت خود التجسيم في غلائل التجريد ، وذهبت حسيكة النفاق ، واعوجت ألوية الجور والشقاق ، وصوّت مؤذّنوا الهداية في مساجد الوفا بحيّ على حبّ آل المصطفى ، وقامت الخطباء على ذروات منابر اليقين ، وصدعت البلغاء بتحرير فضائل الصدّيقين ، وذلك في زمن السلطنة العليّة والدولة الصفوية عطّر الله مراقدهم بطيب الغفران ، ونوّر ملاحدهم بأنوار الإيمان.

وما زال أمر الشيعة يستحكم وأركان الشريعة تحكم ، وأعلام الإسلام تنشر ، وألوية الظلام تُكسر ، حتّى شيّدت في جميع البقاع للشيعة مساجد ، وثنّيت لعلمائهم في صدور الدسوت المساند والوسائد.

١٢

وقد اختص من بين السلاطين بنصرة الميامين ، وتفرّد من بين الملوك والخواقين بتأييد شريعة سيّد المرسلين قطب الدائرة ودائرة القطب ، قلب المحبوب وحبيب القلب ، حسام الإيمان ومظهر الأديان ، عين الدهر بالإجماع ، وإنسان عين النبيّ المطاع ، إكليل التاج ودرّة الإكليل ، المفتخر برقم اسمه وجه التسجيل ، والمبتهج برسم نافذ حكمه مفرّق التعظيم والتبجيل ، السلطان بن السلطان الشاه إسماعيل ، واتصل ذلك إلى زمان الحري بالإمكان كريم خان ، فاشتد عضد الشيعة وصارت حوز[ ت‍ ]هم منيعة ، وعاد قول علمائهم هو المركون إليه ، والحقّ يعلو ولا يُعلى عليه.

وحين استولت على الفرس ملوك القاجار ، وأدخلوا مملكة الأعاجم تحت قبضة الإقتدار ، توّجوا الدين المُحمّدي بتيجان الظهور ، وأركبوا طالبيه سبق السرور ، سيّما في عهد السلطان الأعظم والشاه الأفخم ، غرّة جباه سلاطين العرب والعجم ، مالك رقاب ملوك الترك والديلم ، شمس فلك الشرف والكرم ، بدر سماء العدل والشيم ، جمال التُخوت ، وجلال الدساكر والدسوت ، حامي حوزة الملك والسلطان ، بلوامع البواتر وذوابل الخرصان (١) ، العامل في كلّ زمان ، بقول العلي الديّان ، في محكم القرآن : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (٢) ، صاحب الجيش الجرار ، وصارم الجزّار ، فتحعلي شاه قاجار ، فهناك دوّنت الدواوين والكتب ، ورصعت بلآلي المراثي والخطب ، وكلّلت عقود الإنشاء بفرائد العقيان ، وبيعت جواهر الشعر بنفائس الأثمان ، فما تسمع في شهر عاشوراء وصفر ط بكلّ ناد ومحضر ، إلّا وصوت منشد يقرّح الأكباد ، ونشيج باك يقطّع بحنينه نياط الفؤاد ، وأكثر الشيعة في هذين الشهرين يشتغلون بأنفسهم بالمآتم ، وينفقون من مالهم الجلّ المتعاظم.

وكان السلطان المذكور ؛ إذا هلّ عاشور اعتزل التخت والتاج ، وخلع ملابس

__________________

(١) الخِرص : الجمل الشديد الضليع ، والجمع أخراص وخِرصان. ( المعجم الوسيط ).

(٢) سورة النحل : ١٦ : ٩٠.

١٣

المسرة والإبتهاج ، وتدرّع مدارع الكآبة والأسى ، وطلّق أبكار السلوة والعزا.

ولقد تواترت عنه النقول ؛ من العارفين به من ذوي العقول ، أنّه في مدّة هذه الشهور لا يجوّز معانقة بيض النحور ، وله في رثاء سيّد الشهداء شعر كمل رقّة ومعنى ، وكم له من مزايا تشهد له بحلول الصدور ، وصفات يجب أن ترقم بالنور على جباه الحور ، فما برح آخذاً بأزمّة التوفيق ، سالكاً مسالك الهداية والتحقيق ، فيا لها مرتبة تقاصر عنها أرباب الدول ، وانحسر عن إدراكها الملوك الأول.

إلى أن دعاه داعي الكرامة إلى مواطن البشرى والسلامة ، فأجاب داعي الله ، وانتقل إلى جوار الله ؛ بعد أن جعل الأمر من بعده لأشرف نسله وولده ، وأذلّ له المعاطس ، وذلّل له الشوامس ، علماً منه بأهليّته للمنصب السامي ، ومعرفة منه باستحقاقه للجاه المتسامي.

فقام الشبل مقام الأسد ، وفي الفرع ما في الأصل وأزود ، فماست بطلعته الأيّام في مطارف السرور ، وابتسمت ثغور رياض الآكام عن أشنب الزّهور ، ورجعت بدولته السنيّة كهول الدهر شباباً ، وعادت بيمن سلطنته شوارد البشر بواسماً بعد أن ولّت غضاباً ، وفرشت نمارق العدالة على البسيط ، ونقشت درانيك الايالة بفنون التطريز والتنميط ، فللأمان على رؤوس الأنام ظلّ ممدود ، فترى في جميع المراتع الشياه والأسود ، قد ميّز قسطاس الفراسة بين الناقص والراجح ، وفرّق نبراس السياسة بين الفاسد والصالح ، فانقادت الجبابرة لأحكامه ، ووضعت القياصرة جباهها خشية من صليل حسامه ، وتطوّقت الملوك بجوامع الطاعة ، وتقلّبت السلاطين في بحار الإنقياد بحدّ الإستطاعة ، وأظهرت الأرض أنواع بهجتها ، وماست ومالت بهبوب مسرّتها ، فهنالك الناس على سُرُر الأمان رقود ، وفوق بساط الاطمئنان هجود ، وهو السلطان بالتحقيق ، والخاقان الذي هو بالملك حقيق ، قطب فلك الرفعة ، ونقطة دائرة العز والمنعة ، علم الدين المنشور ، سيف اليقين المشهور ، سنام الفرقة الطاهرة ، ومقلة الحق الباصرة ، ذي الطلعة الشمسيّة ، والمنزلة الفرقدية ، والأوامر السليمانيّة ، واللويّة ! الفتحية ، والآراء

١٤

الحكميّة ، والنفوس العرفانيّة ، والتدبيرات الفلسفية ، والهمم الإسكندريّة ، والوزراء الطالوتية ، والجياد الرياحية ، والذوابل القعضبية ، والسيوف المشرفية ، درّة إكليل يافوخ الجلال ، يتيمة عقد جيد الإفضال ، رفرف الشرف ، وشرف التخت والرفرف ، بدر هالة التعظيم ، هالة قمر التفخيم ، واحد الذات وظلّ الواحد ، ماجد الصفاة وأثر صفات الماجد ، قاهر الملوك بالغلبة والسلطان ، فائق السلاطين في المرتبة وتواتر الأعوان ، الشاه الأعظم ، والسلطان الأفخم ، منبع عين الفخر والشيم ، سلطان العرب والعجم ، حضرت محمّد شاه قاجار ؛ ثبّت الله بسيط دولته برواسي التأييد ، وأقرّ أركان سلطنته ببنيان الدوام والتخليد ، وسيّر في ركابه جهابذ الدهور ، وذلّل لجنابه شوامس الأمور بالنور ، المنبسط على الطور ، فظهر في زمانه قمر الشيعة من استتاره ، وأطلق أسد الشريعة من إساره ، وأخصبت بوجوده مواحل مرابع الإسلام ، واستظلّت بأفيئة دولته كافّة الأنام ، فترى مساجدهم محشودة بطوائف العباد ، مأنوسة بنغمات التلاوة والأوراد ، وقضاتهم يفتون حسب ما أمروا أئمّتهم وعلماءهم ، يتذاكرون ما ورد عنهم ، قد أرغموا بمفاخراتهم أنوف الأضداد ، وأفحموا ببليغ عبارات احتجاجهم النواصب الأوغاد ، قد أبدلهم الله خوفهم بالذّعة ، وعوّضهم عن ضيقهم بالسعة ، فوطئوا بأخمص الاقتدار هامات أعدائهم الفجّار ، وأذلّوا أنوف الناصبين ، وقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله ربّ العالمين.

وبعد ، فيقول أقلّ الخليقة ، بل لا شيء في الحقيقة ، ذو الجرم والقصور ، وراجي الفوز في النشور ، سلمان بن عبد الله آل عصفور عامله الله بفضله ، ووضع عنه أثقال عدله : إنّ الشوق قد قيّد أقدامي ، والحبّ قد ملك زمامي ، والوليّ قد قادني ، والبرّ قد أساقني إلى اقتحام مضمار لست من فرسانه ، وولوج عرين ما كنت من أقرانه ، والدخول في جملة قوم أنا أقلّ منهم ، طمعاً منّي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من تشبّه بقوم فهو منهم » (١) ، وإلاّ فأين الذرّ من الأطواد ، وأنّى للفسكل

__________________

(١) المعجم الأوسط للطبراني : ٩ : ١٥١ / ٨٣٢٣ ، مجمع الزوائد : ١٠ : ٢٧١ عن الطبراني ،

١٥

ورهان الجواد.

وذلك لما رأيت جملة الشيعة المؤمنين ، وجمهور الهداة في الدين ؛ مكبّين على إقامة فنون العزاء على مصاب سيد الشهداء والأئمّة الأتقياء السعداء ، غير أنّ أكثر مصنّفيهم من العرب ، وجلّ مؤلفّيهم من ذوي الرتب ؛ قد سلكوا في نظم كتب المراثي نهجاً واضحاً ، ونهجوا مسلكاً ملحوباً لائحاً.

وأمّا علماء العجم وفضلاؤهم من أصحاب القلم ، فتفرّقوا في التصنيف ، واختلفوا في التأليف ، فمنهم من أطال في المراثي إطنابه ، حتّى غدا كتابه مثل ديوان الصبابة ، فألجأه ضيق المأخذ وطول المساحة إلى الركون لكلمات المؤرّخين وخرافات السالفين ، ومنهم من ضيّق رحيب مضماره لشدّة اختصاره ، وكلاهما لم يصب سهمه الغرض ، ولا قام بما إليه نهض.

لكن لمّا كان مطلبهم الأقصى التقرّب لأولئك الكرماء ، والوفود على أرباب العطاء ، صوّبت آراءهم في منهجهم ، وشكرتهم على بذل مهجتهم ، ولكلّ ضيف قرى ، ولكلّ عمل كرى.

فهناك دار في قلبي ، وارتسم بلوح لبّي ؛ جمع كتاب وجيز ، يزرى بعسجد نظمه سبائك الذهب الإبريز ، وأن أسميه ب‍ « مصارع الشهداء ومقاتل السعداء » ، جاعلاً لكلّ معصوم مقتلاً ، مبتدئاً بالنبي المصطفى ، مثنياً بفاطمة الزهرا ، خاتماً بصاحب العصر والزمان ، وخليفة ربّنا الملك الديّان في هذه الأزمان ، ومن الله أسأل التوفيق والهداية إلى واضح الطريق ، وأن يجعله أنفس زاده ليوم الحشر والمعاد ، إنّه كريم منّان ، وشأنه الفضل والإحسان ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.

__________________

مسند الشهاب للقضاعي : ١ : ٢٤٤ / ٣٩٠ ، بإسنادهم عن حذيفة.

الغدير : ١١ : ١٥٥ عن أبي داود وابن حبّان من طريق ابن عمر.

١٦

المصرع الأوّل

وهو مصرع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عباد الله الصالحين ، انظروا بعين المعتبرين ، وعوا بقلوب المتفكرّين ، واصغوا بآذان الموعين ، وتيقّنوا بأفئدة المذعنين ، إنّ الله ربّ العالمين ؛ لمّا تمّت حكمته بإيجاد المخلوقين ، واقتضت مشيئته وجود المعدومين ، جعل لذلك عللاً بالتعيين ، وأسباباً بالتبيين ، وصيّرها كالمادّة له كما صرّحت به البراهين ، إذ قد جاء في الحديث القدسي على لسان جبرائيل الأمين حيث قال ـ وهو أصدق القائلين ـ :

« لمّا أردت إيجاد خلقي وخلق عبادي ، خلقتها بتسعة أشياء : بالحبّ ، والإرادة ، والمشيئة ، والعلم ، والقدرة ، والقضاء ، والقدر ، والأجل ، والكتاب ». وقيل بعشرة وازداد الإذن فيها.

وجعل كلّ واحد من هذه الأسباب علة غائية في وجود الخلق ، وكلّ متقدّم منها علّة لوجود متأخّره ، فيكون الحبّ علة وجود العلل ، وبه وجد الوجود ، ووحّد المعبود ، وبه قامت السماء ، وسطحت الأرض على الماء ، الحبّ هو العقل الكلّي وكلّي العقل ، وهو الأغلوطة الّتي تاه في أودية معرفتها أولو الفضل ، الحبّ نبراس الهداية ، وقسطاس الدراية ، الحبّ لباس القلوب ، وجلاها من درن الشكوك والكروب ، به تداوى الأفئدة المكلومة ، وتفضّ الأسرار المختومة ، وهو الموصل إلى المحبوب ، والمجافى عن الذنوب ، بالحبّ صار جبرئيل أميناً ، وإسرافيل مكيناً ، وعزرائيل قابضاً ، وميكائيل فائضاً ، وبه سكن آدم بحبوحة الجنان ، وبه خدّت خدّيه العينان ، بالحبّ سهلت خزون الطوفان على نوح ، واستعذب الأجاج ولن يبوح ، وبه سار في البحر العجاج على ألواح الساج ، بالحبّ صار

١٧

بطن نونة يونس معراجاً ، واتّخذ سبيله في البحر منهاجاً ، بالحبّ نال إبراهيم خلّة الرحمان ، وبه برد عليه لهب النيران ، بالحبّ سعى موسى للجذوة ، ففاز بشرف النبوّة ، وبه نودي من وادي طوى : « لا تخف انّني أنا الله الأعلى » ، بالحبّ كلّم بلا ترجمان ؛ ولا حجاب عن العيان ، وبه أضحى عيسى روحاً ، ونفخ في الطين روحاً ، وكفى الحبّ رفعة ما جاء في الذكر الحكيم والقرآن الكريم : ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (١).

وليس الحبّ ما ذهب إليه الأوهام من جهّال الأنام ؛ أنّه التشبّب بالوجوه الحسان ، والأصغاء إلى أصوات رنّات العيدان ، أو أنّه شيء يحصل بالعزلة عن الناس ، أو [ ي‍ ] ‍تيسّر بلبس رَثّ اللباس ، كلاّ وربّ الراقصات ومن برأ الذرّات.

إنّما المراد بالعشق هو محمّد بن عبد الله النبي الهاشمي ، والمعشوق هو الله جلّ وعلا ، والعاشق الحقيقي عليّ المرتضى ، فمحمّد الواسطة بين العاشق والمحبوب ، وهو العلّة في الوجود وطبيب القلوب ، فوجود محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سابق لوجود جميع المخلوقين ، وعلّة لإيجاد المصوّرين ، حيث قد خوطب ب‍ : « لولاك لما خلقت الأفلاك ».

وكذلك ما روي عن أمير المؤمنين وسيّد المسلمين عليه‌السلام إذ قال : « أوّل ما خلق الله ربّ العالمين نور محمّد سيّد المرسلين ، وأشرف النبيّين ، قبل خلق الماء والطين والعرش والكرسي والسماوات والأرضين والجنان والنيران واللوح والقلم وحوّى وآدم والحجب والبحار والنباتات والأشجار بثمانين ألف عام ، ثمّ قال له : يا عبدي أنت المراد وأنا المريد ، وأنت خيرتي من خلقي ، وعزّتي وجلالي لولاك ما خلقت الأفلاك ، فمن أحبّك أحببته ، ومن أبغضك أبغضته (٢) ».

__________________

(١) سورة فصّلت : ٤١ : ١١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ١٩٨ باب حدوث العالم وبدء خلقه من كتاب السماء والعالم : ح

١٨

ولله درّ من قال بيان الحبّ :

خلعة العشق جمال العاشقين

حُلية التقوى لأرباب اليقين

مظهر العشق صراط المستقيم

غاية العشق حُبور ونعيم

كلّ ذي عشق قرين الافتخار

قد زكا أصلاً وفرعاً ونجار

أوجه العشّاق مشكاة الهدى

باطن العشّاق كشّاف الردى

قيل لي ما العشق يا حلف الهوى

أفصح المرموز من سرّ الجوى

قلت إنّ العشق يا ربّ السؤال

علّة الأشيا ومصداق الكمال

قال ممّا ذاته يا ذا الوداد

ما اسمه عند ميامين العباد

قلت معنى العشق ذات الهاشمي

أحمد المختار فخر العالم

قال ما المعشوق من ذا العاشق

قل فإنّي مستهام وامق

قلت إنّ العاشق المومىٰ إليه

حيدر خير الثنا يُتلى عليه

وكذا المعشوق ربّي ذو الجلال

من تردّى بالمعالى والكمال

إنّ معنى العشق ذا يا ذا الفتى

ما سوى ذا عندنا لن يُثبتا

ليس معنى العشق يا ربّ الفطن

صوت شاذٍ مطرب أو خمر دن

أو بكاء في أسارير الظلام

أو نشيداً من زخاريف الكلام

لا ولا العشق اعتزال العالمين

والتواني في طريق المتّقين

منهج العشاق يُنهي للرشاد

واعتزال النسك يُغري بالفساد

يا نسيم الحبّ زائل عن حشا

مهجة المشتاق أسجاف الغشا

روي في كتاب مشارق الأنوار أنّه ورد في الحديث القدسي عن الربّ العلي أنّه قال : « عبدي ، أطعني أجعلك مثلي ، أنا حي لا أموت أجعلك حيّاً لا تموت ، أنا غني لا أفتقر أجعلك غنياً لا تفتقر ، أنا مهما أشاء يكن أجعلك مهما تشاء يكن ».

__________________

١٤٥ عن أبي الحسن البكرى استاذ الشهيد الثاني في كتاب الأنوار ، مع إضافات كثيرة واختلاف لفظي.

١٩

وفيه : « إنّ لله عبادا أطاعوه فيما أراد ؛ فأطاعهم فيما أرادوه ، يقولون للشيء كن فيكون » ، وذلك لأنّ الكلّ عباد الله ، فإذا اختار الله عبداً ألبسه خلعة التفضيل وأذن له (١) في الممالك بالتصرّف والتبجيل ، وجعل له الولاية المطلقة ، فصار عبداً لحضرته ، وخالصاً لولايته ، ومولى لعباده وبريّته ، ووالياً في مملكته ، فهو المتصرّف الوالي بإذن الربّ المتعالي.

فيا أيّها الطائر في جوّ التقليد ، والمحلّق في سماء التبليد ، لا يأوي إلى غدران الحكماء ، ولا يرتع في رياض العلماء ، ولا يثبت في قلبه حبّ ، ولا ينيب لمحجّبات (٢) الكتب ، إلى متى أنت ، أنت بعيد عن النور ، محجوب عن السرور ، غافل عن أسرار سواد السطور ، مكبّ على النظر في المسطور ، أما أسمعك منادي الرحمان : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) (٣) ، وحتّى متى أنت كشارب ماء البحر كلّما ازداد شرباً ازداد عطشاً ، ألم تر أنّ الله سبحانه خلق ألف ألف عالم مبدؤها نور الحضرة المحمّدية ، وسرّها الولاية الإلهيّة ، وختامها الخلافة المهدويّة ونور العصمة الفاطميّة ، وذلك كلّه قاض عن الكلمة السبحانية ، وهي ألف غير معطوف كما قالوا ألف غيب معطوف ، لا وألف غير معطوف ، وألف عنده الوقوف ، وألف هو منتهى الألوف ، خلقها وهو غني عن خلقها ، وسلّمها إلى الوليّ الكامل ، والخليفة العادل ، لأنه وليه ومقامه الّذي أقامه في خلقه مقامه ، والوليّ المطلق ، والمتصرّف العادل ، لا يسئل عمّا يفعل ، ولا يناقش فيما يعمل ، وكيف يسأل المؤيّد بالحكمة المخصوص بالعصمة ، الذي يريد الله ما يفعل ، لأنّ فعله الحقّ والعدل (٤).

ولله درّ من قال :

يا حبّذا مُتحاببين تواصلا

دهراً وما أعتلقا بفحش أذيلا

__________________

(١) في المصدر : « ونادى له ».

(٢) في المصدر : « ولا ينبت إلاّ في محجّبات ».

(٣) سورة النساء : ٤ : ٨٢.

(٤) مشارق أنوار اليقين : ص ٦٨.

٢٠