منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٣

لطف الله الصافي الگلپايگاني

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

لطف الله الصافي الگلپايگاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتب المؤلّف دام ظلّه
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٢

المختومة وصاحب الحصاة وصاحب المولودين وصاحب الألف دينار وصاحب المال والرقعة البيضاء وصاحب المال بمكّة ورجلين من قابس مع كونهم مجاهيل ، فكيف لا يعدّ مثل إبراهيم من المعاريف لو كان منهم؟ وكيف عدّ نفسه مع الاتّهام ولم يعدّ غيره لو كان منهم مع عدمه؟ وكيف عدّ الابن ولم يعدّ الأب مع كونه أجلّ من الابن بمراتب؟

أقول : أوّلا : إنّ محمد بن أبي عبد الله لم يذكر أنّه استقصى من رآه عليه‌السلام في ذلك العصر (المعروف وغير المعروف) بل ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان أو رآه ، وبين اللفظين بون بعيد ، والثاني يدلّ على جواز كونهم أزيد ممّن ذكرهم بكثير.

وثانيا : إذا كان الاعتبار على هذا الخبر يجب ردّ سائر الروايات المذكور فيها من شاهده عليه‌السلام ممّن لم يذكره ابن أبي عبد الله ، وما أظنّه يلتزم بذلك ، وما كان محمّد بن أبي عبد الله نفسه لو وقف بعد ما ذكر من العدد على أكثر منه ينفي ذلك ، لأنّه ذكر قبل ذلك عدد من انتهى إليه ، وقد قالوا قديما : عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، وعدد من تشرّف بزيارته عليه‌السلام أو وقف على معجزاته في الغيبة الصغرى أكثر من ذلك بكثير وأضعافه.

وثالثا : لم لم يقل في ذلك ما قاله في أصل الخبر : إنّا لم نر الصدوق قرأ علينا الإكمال ... الخ؟ فلعلّ معاندا أسقط اسم إبراهيم بن مهزيار وأسماء غيرهم عن خبر محمّد بن أبي عبد الله أو سقط عنه بواسطة اشتباه النسّاخ وغيرهم.

ورابعا : من أين قال : إنّ إبراهيم بن مهزيار مع جلالته مات ولم يحقّق الأمر ، ولم يعرف إمام زمانه؟ وما ذكره من الروايات لا يدلّ على

٤٠١

أنّه مات غير عارف بإمام زمانه ، بل غاية الأمر يدلّ على أنّه كان لا يعرف مكانه ووكلاءه ، ولا يدري ما يفعل بالأموال ، لأنّ الإمام لم يأمره بشيء.

وخامسا : كيف يكون من لم يعرف إمام زمانه ومات في زمان الحيرة أجلّ ممّن هداه الله تعالى إلى إمام زمانه؟

سابعها : قال : ومنها : اشتماله على أنّ الحجّة تمنّى لقاء إبراهيم بن مهزيار مع أنّه عليه‌السلام يمكنه لقاء من أراده ، وإنّما الناس لا يمكنهم لقاؤه عليه‌السلام.

أقول : لا أدري ما أقول في جواب هذه الشبهات الضعيفة التي لا ينبغي أن يتوهّمها من له أدنى اشتغال بعلم الحديث فضلا عن مثله ، فلا يجب أن يكون حبّ اللقاء وتمنّيه ملازما لإرادة اللقاء ، فلعلّ مانعا يعلمه هو عليه‌السلام يمنعه عن هذه الإرادة ، وهو العارف بوظيفته وموارد إرادته ، والحاصل : أنّ إمكان لقائه من أراده لا يقتضي إمكان لقائه من أحبّ لقائه.

ثامنها :قال : ومنها : اشتماله على عبارات تكلّفية ، غير شبيهة بعبارات الأئمّة عليهم‌السلام ، وكيف يتكلّم الحجّة عليه‌السلام الذي كان من إنشائه دعاء الافتتاح الوارد في كل ليلة من شهر الله وهو في أعلى درجات الفصاحة ، بمثل هذه العبارات الباردة؟

أقول : إن شئت البرودة في الكلام والتكلّف في المضمون فعليك بمطالعة هذه الشبهات الباردة التي أوردها بزعمه هذا الفاضل على هذا الحديث ، نعم قد يكون إنشاء ألفاظ وعبارات على غير القادر بالكلام والجاهل بأساليبه تكلّفا ، ويرى هو إنشاءها من غيره العارف بفنون الكلام والبلاغة تكلّفا ، والعارف بالأدب والفصاحة والبلاغة ينشئها من

٤٠٢

غير تكلّف وفي كمال السهولة ، فإيراد خطبة مثل خطب مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث اللفظ والمعنى يصدر من مثله بدون أدنى تكلّف وفي كمال السهولة والارتجال ، ومن غيره يصدر أقلّ منها بدرجات بالتكلّف.

وكيف تكون هذه العبارات غير شبيهة بعبارات الأئمّة عليهم‌السلام يعرفها هو ولا يعرفها مثل الصدوق والشيخ اللذين لا يدانيهما في معرفة كلام الأئمّة عليهم‌السلام أكابر مهرة علم الحديث فضلا عن غيرهم؟! وقياسه بدعاء الافتتاح في غير محلّه ، فلكلّ مقام مقال ، ولكلّ كلام مجال.

تاسعها : قال : ويشهد لوضعه (يعني وضع ما رواه الشيخ في غيبته) أيضا مضافا إلى ما مرّ اشتماله على سؤاله بيثرب عنه عليه‌السلام حتّى يراه عيانا مع أنّ عدم إمكان ذلك كان يعرفه كلّ إمامي ، واشتماله على منكرات أخر كتبختر من كان سفيرا عنه عليه‌السلام وغيره.

أقول : أمّا سؤاله عيان الإمام فليس في الخبر أنّه كان بيثرب ، وأمّا عدم إمكان ذلك حتّى لبعض الأفراد والخواصّ سيّما في عصر الغيبة الصغرى فكلّ إمامي عارف بهذا الأمر ، يعرف إمكانه ، وانعقاد باب في كتاب «الغيبة» لمن رآه عيانا أدلّ دليل على ذلك. نعم ، عيان الإمام بحيث يعرفه جميع الناس كسائر الأفراد لا يقع في عصر الغيبة ، وسؤال السائل لم يكن عن هذا ، وهذا ظاهر ، ولا أدري كيف خفي مثل ذلك على هذا الفاضل؟!

وأمّا تبختر السفير فهو أعمّ من المشي تكبّرا ومعجبا بالنفس ، ومن حسن المشي والجسم ، والمراد من قوله : «يتبختر في مشيته» هنا هو المعنى الثاني.

٤٠٣

وسبحان الله! لا أدري ما أقول ، فإنّي أخاف أن أخرج من حدود الأدب ، وإلّا فالتمسّك بما هو أوهن من بيت العنكبوت لتضعيف الخبر خارج عن أسلوب البحث والتحقيق ، ولا ينبغي لمثله فتح باب هذه الإيرادات الضعيفة والسخيفة لردّ الأحاديث ، وضمّ بعضها إلى بعض وتكثيرها لا يرتقي بها إلى دليل مقبول. غفر الله لنا زلاتنا ، وأكرمنا بالاستقامة وحسن السليقة بحقّ محمد وآله الطاهرين عليهم‌السلام.

عاشرها : وهو أقوى أدلّته على وضع هذه الأحاديث : اشتمال اثنين منها على أنّ للحجّة عليه‌السلام أخا مسمّى بموسى ، وهذا خلاف المذهب ، وخلاف إجماع الإمامية.

أقول : قال العلامة المجلسي ـ قدس‌سره ـ : اشتمال هذه الأخبار على أنّ له عليه‌السلام أخا مسمّى بموسى غريب (١). ولا يخفى عليك أنّ استغرابه في محلّه جدّا ، إلّا أنّه مجرّد استغراب ، وظاهره عدم الحكم بالوضع بل والضعف ، لجواز كون الحديث الغريب صحيحا.

وقال الشيخ الأجلّ الأكبر شيخنا المفيد ـ قدس‌سره ـ في «الإرشاد» عند ذكر مولانا القائم بعد أبي محمد عليه‌السلام : وكان الإمام بعد أبي محمد عليه‌السلام ابنه المسمّى باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المكنّى بكنيته ، ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره ، وخلفه غائبا مستترا (٢).

وقال ابن شهرآشوب في «المناقب» في باب إمامة مولانا أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام : وولده القائم عليه‌السلام

__________________

(١) البحار : ج ٥٢ ص ٤٧ ذيل ح ٣٢.

(٢) الإرشاد : ص ٣٤٦ باب ذكر القائم عليه‌السلام.

٤٠٤

لا غير (١).

وهذا ظاهر عبارات كثير من أساطين الشيعة ، وهو القول المشهور بينهم في ذلك ، ولم نعرف في الأحاديث ما يدلّ على وجود ولد لسيدنا أبي محمد عليه‌السلام غير مولانا المهدي عليه‌السلام إلّا هذين الخبرين اللذين أخرجهما في «كمال الدين» ، وقد عرفت أنّهما خبر واحد روي بألفاظ مختلفة ومضامين متقاربة.

وروي في «الغيبة» وفي «دلائل الإمامة» وليس فيهما ذكر من ذلك ، كما لم نجد أيضا في الأقوال قولا مخالفا لهذا القول إلّا من الحسين بن حمدان ، فإنّه قال في كتابه الموسوم «بالهداية» في ترجمة مولانا أبي محمد عليه‌السلام : له من الولد : موسى والحسين والخلف عليهم‌السلام ، ومن البنات ... الخ ، وإلّا من ابن أبي الثلج في «تاريخ الأئمة» فإنّه قال : ولد للحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام (م ح م د) عليه‌السلام وموسى وفاطمة وعائشة ... إلخ.

ولا ريب أنّ هذا القول شاذّ مخالف لما هو المعروف بين الشيعة ، وأرباب كتب السيرة والأنساب والتواريخ ، وقد صرّح بما هو المشهور بين الإمامية بعض أكابر العامّة أيضا ، كابن حجر في «الصواعق» قال : ولم يخلف (يعني مولانا أبا محمّد عليه‌السلام) غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة ، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، لكن آتاه الله فيها الحكمة. وهذا ظاهر كلمات جماعة منهم.

ومع ذلك كلّه لا يمكننا نسبة هذا القول ، أي انحصار ولد الإمام أبي محمّد العسكري عليه‌السلام بمولانا المهدي عليه‌السلام إلى مثل الصدوق

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٤٢١ باب إمامة مولانا أبي محمّد عليه‌السلام.

٤٠٥

الذي أخرج هذين الحديثين في كتابه ، ولم يذيّلهما بذيل يعرف منه عقيدته إن كانت مخالفة لما تضمّناه ، مع أنّه لو كان هذا هو القول المشهور لعرفه ولعرّفه لأصحابه ولم يروه في كتابه لئلا يقع أحد في الاشتباه في ذلك ، كما لا يمكننا نسبته إلى معاصريه وشيوخه وسائر الشيعة في عصر الغيبة الصغرى ، ولعلّ هذا لم يكن موردا للاهتمام ، لعدم ترتّب فائدة اعتقادية على معرفته والسؤال عنه ، أو كان معلوما عندهم وجوده أو عدمه ولكنّهم لأجل ما ذكر من عدم ترتّب فائدة شرعية لمعرفته لم يهتمّوا بنقله وضبطه وإن كان يمكن استظهار عدم معروفية ذلك ، أي حصر أولاده عليه‌السلام بمولانا عليه‌السلام ـ بأبي هو وأمي ـ بين الشيعة من ترك الصدوق ـ رحمه‌الله ـ ذكر ذلك مع إخراجه الخبرين الدالّين على نفي الحصر وإثبات غيره أيضا. ولعلّ شيخنا المفيد (١) ـ قدس سرّه ـ كان أوّل من صرّح بعدم وجود ولد له غيره من الذين وصلت إلينا كلماتهم.

والقول الفصل : أنّه لا يثبت بالثبوت الشرعي التعبّدي بالخبر وإن كان صحيح السند إثبات مثل ذلك ؛ لعدم شمول أدلّة حجّية الخبر له ؛ لعدم ترتّب فائدة شرعية على إثباته أو نفيه للزوم اللغوية في جعل الحجّية له كما بيّن في محلّه.

وهكذا لا يثبت كذلك بأقوال العلماء والشهرة بينهم وبين الشيعة الإثبات أو النفي في مثل هذه المسألة لو فرضنا تحقّقها ، لا لعدم حجّية الشهرة مطلقا ، بل لأنّها حجّة إذا كانت كاشفة عن وجود خبر تشمله أدلّة حجّية الخبر ، ولو قيل : إنّ الشهرة من الحجج التعبّدية بنفسها كخبر الواحد ، فدليل حجّيتها أيضا لا يشمل مثل هذه الشهرة التي لا تعلق لها

__________________

(١) الإرشاد : ص ٣٤٦.

٤٠٦

بالتكاليف العملية.

فغاية الأمر في ذلك أنّ الثابت المسلّم ، والحقّ المقطوع به عند الإمامية ، وجماعة من أكابر علماء العامّة ، وأساطين علم الأنساب ، والذي لا ريب فيه ، ويدلّ عليه الأخبار المتواترة : أنّ الخلف من بعد الإمام أبي محمد عليه‌السلام ، وخليفته وخليفة الله والحجّة والإمام بعده على الخلق أجمعين هو ابنه المسمّى باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمكنّى بكنيته ، وأمّا وجود غيره من الولد له عليه‌السلام وبقاؤه إلى زماننا فغير مقطوع به ، لا يثبت بقول من ذكر ، ولا بخبري «كمال الدين» لعدم حجيّتهما أوّلا ، ولمعارضتهما مع قول مثل المفيد ـ أعلى الله مقامه ـ ثانيا ، فيسقط كلا القولين عن صلاحية الاعتماد عليهما ، وكذا الخبرين في خصوص ذلك ، وهذا لا يدلّ على وضعهما ، بل ودسّ خصوص هذا فيهما.

ومن هنا يظهر : أنّ الاستدلال على وضع الخبرين باشتمالهما لخلاف المذهب وخلاف إجماع الإمامية فاسد جدّا ؛ لأنّ ما هو من المذهب بل وما هو المذهب أنّ الإمام بعد الإمام الحادي عشر أبي محمد عليه‌السلام هو ابنه المسمّى باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمكنّى بكنيته وهو خليفته والإمام المفترض على الناس طاعته ، والذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وأمّا عدم كون ولد له غيره أو وجوده فليس من المذهب بشيء ، ولا حرج على من لم يعرف ذلك ولم يسأل عنه.

وأمّا إجماع الإمامية فقد عرفت عدم معلومية تحقّقه لو لم نقل بعدمه ، وعلى فرض تحقّقه فالكلام فيه هو الكلام في الشهرة. إذن فالحكم بوضع هذا الحديث لتضمّنه وجود أخ له عليه‌السلام دعوى دون

٤٠٧

اثباتها خرط القتاد.

ثم إنّه بعد ذلك كلّه قال : إلى غير ذلك ممّا لو استقصي لطال الكلام.

ولا أدري ما أراد بذلك؟ وكيف لم يأت بأكثر ممّا ذكره إن أمكن له مع حرصه وإصراره على إظهار بيان علل الأحاديث الموضوعة بزعمه؟!

وأعجب منه أنّه استدرك كلامه ورجع وقال : وأيضا : أنّ الكليني والمفيد عقدا في «الكافي» و «الإرشاد» بابا لمن رآه عليه‌السلام ، ولم يرويا هذا الخبر ولا الخبر السابق ، ولو كانا صحيحين ولم يكونا موضوعين لنقلاهما.

فبالله أنت ترى أنّه لو كان عنده أكثر ممّا أورده على الحديث كفّ عنه وهو يأتي بعد ما قال بهذا الكلام الفارغ عن الميزان؟ فهل يقول أو قال أحد : إنّ كلّ ما لم يذكره «الكافي» و «الإرشاد» موضوع مجعول غير صحيح؟ وهل يحكم بأنّ كلّ ما ذكراه صحيح ثابت؟ ليت شعري من أين أخذ هذه القواعد المصنوعة؟! وأيّ فائدة على تسويد الأوراق بهذه الإيرادات؟! ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.

وثلاثة أحاديث أخر

ومن الأحاديث التي ذكرها في عداد الأحاديث الموضوعة في الفصل الأول من الباب الثاني من كتابه (ص ١٢١) أحاديث محمد بن زيد بن مروان ، قال : ومنها أحاديث محمّد بن زيد بن مروان ، أحد مشايخ الزيدية على ما نقل الشيخ في غيبته (في باب توقيعاته عليه‌السلام

٤٠٨

ص ٢٩٩ ح ٢٥٥) عن أبي غالب ، عنه وهي ثلاثة :

الأوّل : عنه ، عن أبي عيسى محمّد بن علي الجعفري ، وأبي الحسين محمّد بن رقام ، عن أبي سورة (أحد مشايخ الزيدية) ، قال : خرجت إلى قبر أبي عبد الله عليه‌السلام ، اريد يوم عرفة ، فعرّفت يوم عرفة ، فلمّا كان وقت عشاء الآخرة صلّيت وقمت فابتدأت أقرأ من الحمد ، وإذا شابّ حسن الوجه عليه جبة سيفي (مسيفي خ ل) ، فابتدأ أيضا من الحمد وختم قبلي أو ختمت قبله ، فلمّا كان الغداة خرجنا جميعا من باب الحائر ، فلمّا صرنا على شاطئ الفرات قال لي الشابّ : أنت تريد الكوفة فامض ، فمضيت طريق الفرات ، وأخذ الشابّ طريق البرّ ، ثم أسفت على فراقه ، فاتّبعته ، فقال لي : تعال ، فجئنا جميعا إلى حصن المسناة ، فنمنا جميعا وانتبهنا فإذا نحن على العوفي على جبل الخندق ، فقال لي : أنت مضيّق وعليك عيال ، فامض إلى أبي طاهر الزراري فسيخرج إليك من منزله ، وفي يده الدم من الأضحية ، فقل له : شابّ من صفته كذا يقول لك : صرّة فيها عشرون دينارا جاءك بها بعض إخوانك فخذها منه ، فصرت إلى أبي طاهر كما قال الشابّ ووصفته له ، فقال : الحمد لله ، ورأيته فدخل وأخرج إليّ صرّة الدنانير فدفعها إليّ وانصرفت.

الثاني : عنه ، قال : حدّث بحديثه المتقدّم أبا الحسين محمد بن عبيد الله العلوي ، ونحن نزول بأرض الهرّ ، فقال : هذا حقّ ، جاءني رجل شابّ فتوسّمت في وجهه سمة ، فصرفت الناس كلّهم ، وقلت له : من أنت؟ فقال : أنا رسول الخلف إلى بعض إخوانه ببغداد ، فقلت له : معك راحلة؟ فقال : نعم ، في دار الطلحيين ، فقلت له : قم فجئني بها ،

٤٠٩

ووجّهت معه غلاما ، فأحضر راحلته ، وأقام عندي يومه ذلك ، وأكل من طعامي ، وحدّثني بكثير من سرّي وضميري ، فقلت له : على أيّ طريق تأخذ؟ قال : أنزل إلى هذه النجفة ، ثمّ آتي وادي الرملة ، ثم آتي الفسطاط فأركب إلى الخلف إلى المغرب ، فلمّا كان من الغد ، ركب راحلته وركبت معه حتّى صرنا إلى دار صالح ، فعبر الخندق وحده وأنا أراه ، حتّى نزل النجف وغاب عن عيني.

الثالث : عنه ، قال : حدّث أبا بكر محمّد بن أبي دارم اليمامي (أحد مشايخ الحشوية) بحديثيه المتقدّمين ، فقال : هذا حقّ ، جاءني منذ سنيات ابن اخت أبي بكر بن البجالي العطّار ـ وهو صوفي يصحب الصوفية ـ فقلت : من أنت؟ وأين كنت؟ فقال : أنا مسافر منذ سبع عشرة سنة ، فقلت له : فأيّ شيء أعجب ما رأيت؟ فقال : نزلت بالاسكندرية في خان ينزله الغرباء ، وكان في وسط الخان مسجد يصلّي فيه أهل الخان وله امام ، وكان شابّ يخرج من بيت له غرفة فيصلّي خلف الإمام ويرجع من وقته إلى بيته ، ولا يلبث مع الجماعة فقلت ـ لمّا طال ذلك عليّ ، ورأيت منظره شاب نظيف عليه عباء ـ : أنا والله احبّ خدمتك والتشرّف بين يديك ، فقال : شأنك ، فلم أزل أخدمه حتّى أنس بي الانس التام ، فقلت له ذات يوم : من أنت أعزّك الله؟ قال : أنا صاحب الحقّ ، فقلت له : يا سيدي متى تظهر؟ فقال : ليس هذا أوان ظهوري وقد بقي مدّة من الزمان ، فلم أزل على خدمته تلك وهو على حالته من صلاة الجماعة وترك الخوض في ما لا يعنيه ـ إلى أن قال ـ : أحتاج إلى السفر ، فقلت له : أنا معك ، ثم قلت له : يا سيدي متى يظهر أمرك؟ قال : علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن ، وآتي مكّة فأكون في المسجد

٤١٠

الحرام ، فيقال : انصبوا لنا إماما ، ويكثر الكلام حتّى يقوم رجل من الناس فينظر في وجهي ، ثم يقول : يا معشر الناس ، هذا المهدي انظروا إليه ، فيأخذون بيدي ، وينصبوني بين الركن والمقام ، فيبايع الناس عند إياسهم عنّي.

وسرنا إلى البحر ، فعزم على ركوب البحر ، فقلت له : يا سيدي أنا أفرق من البحر ، قال : ويحك تخاف وأنا معك؟ فقلت : لا ولكن أجبن ، فركب البحر وانصرفت عنه.

ثم إنّه استشهد لوضعها مضافا إلى كون رواتها من الحشوية والزيدية أنّه عليه‌السلام لا يحضر عند خواص شيعته معرّفا بنفسه ، فكيف يحضر عند مخالفيه مع التعريف؟ وكيف يصلّي خلف أئمّة العامّة من يصلّي خلفه عيسى بن مريم؟ ... إلخ.

أقول : إنّ الحديث الثالث لاشتماله على أنّه يصلّي خلف غيره ويأتمّ به ساقط عن الاعتبار فلا يحتجّ به ، ولا ينبغي نقله إلّا لمقصد إثبات إجماع الكلّ على ظهور المهدي ووجوده عليه‌السلام ، وإن كنّا بحمد الله تعالى بفضل سائر الأحاديث وأقوال من يعتدّ بقوله من الامة أغنياء عن مثله.

وأمّا الخبر الأوّل ، فليس فيه ما يدلّ صريحا على أنّ الشابّ المذكور فيه هو مولانا المهدي عليه‌السلام ، وإنّما يذكر اطّرادا ، وأنّ هذا الشابّ لا يكون إلّا المهدي عليه‌السلام ، أو من خواصّه وحاشيته الذين يقومون بأوامره وإنفاذ أحكامه ، والحكم بوضعه وجعله لا يصدر إلّا ممّن يعلم الغيوب.

وأمّا الثاني ، ففيه ما يدلّ على ذلك ، وليس فيه أيضا ما يدلّ على وضعه ، والاستدلال بما يرويه المخالفون من الزيدية والعامة قويّ جدّا ، لم

٤١١

أر في العلماء وفي الطائفة من تكلّف إثبات ضعفه ، بل بناؤهم على الاستدلال بروايات المخالفين فيما هم مخالفون لنا في الفضائل والمناقب والإمامة ، فيستدلّون لإثبات أحاديث الثقلين وأحاديث الولاية وغدير خم والأئمة الاثني عشر عليه‌السلام وغيرها بأحاديثهم ، ولم يقل أحد : إنّ أسانيدهم في ذلك ضعيفة ساقطة عن الاعتبار ، بل عندهم أنّها في غاية الاعتبار وإن كان الراوي ناصبيا أو خارجيا.

نعم ، إذا وجد فيه ما لا يناسب مقام الأئمّة عليهم‌السلام الرفيع ، ويخالف المذهب ، يردّ ذلك إليهم بردّ تمام الخبر ، أو خصوص ما فيه من المخالفة حسب ما تقتضيه المقامات والموارد ، ويعتمدون في ذلك كلّه على الاصول العقلائية المقبولة.

وحديثان آخران

حديث آخر من الأحاديث التي عدّها من الأحاديث الموضوعة ، قال : ومنها ما رواه «الغيبة» في أول فصل ما روي من الأخبار المتضمّنة لمن رآه (ص ٢٥٣ ح ٢٢٣) عن جماعة ، عن التلّعكبريّ ، عن أحمد بن علي الرازي ، قال : حدّثني شيخ ورد الريّ على أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، فروى له حديثين في صاحب الزمان عليه‌السلام ، وسمعتهما منه كما سمع ، وأظنّ ذلك قبل سنة ثلاثمائة أو قريبا منها ، قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم الفدكي ، قال : قال الأودي : بينا أنا في الطواف قد طفت ستة واريد أن أطوف السابعة فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشابّ حسن الوجه ، طيّب الرائحة ، هيوب ومع هيبته متقرّب إلى الناس ،

٤١٢

فتكلّم فلم أر أحسن من كلامه ، ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه ، فذهبت اكلّمه فزبرني الناس ، فسألت بعضهم من هذا؟ فقال : ابن رسول الله ، يظهر للناس في كلّ سنة يوما لخواصّه فيحدّثهم ويحدّثونه ، فقلت : مسترشد أتاك فأرشدني هداك الله ، قال : فناولني حصاة فحوّلت وجهي ، فقال لي بعض جلسائه : ما الذي دفع إليك ابن رسول الله؟ فقلت : حصاة ، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب ، وإذا أنا به قد لحقني ، فقال : ثبتت عليك الحجّة ، وظهر لك الحق ، وذهب العمى ، أتعرفني؟ فقلت : اللهمّ لا ، فقال المهدي : أنا قائم الزمان ، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل ، وقد ظهر أيام خروجي ، فهذه أمانة في رقبتك ، فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ.

وبالإسناد ، عن أحمد بن علي الرازي ، قال : حدّثني محمّد بن علي ، عن محمّد بن أحمد بن خلف ، قال : نزلنا مسجدا في المنزل المعروف بالعباسية على مرحلتين من فسطاط مصر ، وتفرّق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي ، فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح ، فلمّا زالت الشمس ركعت وصلّيت الظهر في أول وقتها ، ودعوت بالطعام ، وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني ، فلمّا طعمنا سألت عن اسمه واسم أبيه ، وعن بلده وحرفته ومقصده ، فذكر أنّ اسمه محمد بن عبد الله ، وأنّه من أهل قم ، وذكر أنّه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحقّ ، وينتقل في البلدان والسواحل ، وأنّه أوطن مكة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتتبّع الآثار ، فلمّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ، ثم صار إلى مقام إبراهيم عليه‌السلام

٤١٣

فركع فيه ، وغلبته عينه ، فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله ، قال : فتأمّلت الداعي فإذا هو شابّ أسمر لم أر قطّ في حسن صورته ، واعتدال قامته ، ثم صلّى ، فخرج وسعى ، فأتبعته ، وأوقع الله تعالى في نفسي أنّه صاحب الزمان عليه‌السلام ، فلمّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب ، فقصدت أثره ، فلمّا قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق قد اعترضني ، فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه : ما تريد عافاك الله؟ فأرعدت ووقفت ، وزال الشخص عن بصري ، وبقيت متحيّرا ، فلمّا طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ، ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود ، فخلوت بربّي عزوجل أدعوه ، وأسأله بحقّ رسوله وآله عليهم‌السلام ألّا يخيب سعيي ، وأن يظهر لي ما يثبت به قلبي ، ويزيد في بصري ، فلمّا كان بعد سنين زرت قبر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبينا أنا اصلّي في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني ، فإذا محرّك يحرّكني ، فاستيقظت فإذا أنا بالأسود ، فقال : وما خبرك؟ وكيف كنت؟ فقلت : الحمد لله وأذمّك ، فقال : لا تفعل ، فإنّي امرت بما خاطبتك به ، وقد أدركت خيرا كثيرا ، فطب نفسا وازدد من الشكر لله عزوجل على ما أدركت وعاينت ، ما فعل فلان؟ وسمّى بعض إخواني المستبصرين ، فقلت : ببرقة ، فقال : صدقت ، ففلان؟ وسمّى رفيقا لي مجتهدا في العبادة مستبصرا في الديانة ، فقلت : بالاسكندرية ، حتّى سمّى لي عدّة من إخواني ، ثم ذكر اسما غريبا ، فقال : ما فعل نقفور؟ قلت : لا أعرفه ، قال : كيف تعرفه وهو رومي فيهديه الله فيخرج ناصرا من قسطنطينية ، ثم سألني عن رجل آخر ، فقلت : لا أعرفه ، فقال : هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي عليه‌السلام ، امض إلى أصحابك فقل لهم :

٤١٤

نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين وفي الانتقام من الظالمين.

ولقد لقيت جماعة من أصحابي وأدّيت إليهم ، وأبلغتهم ما حمّلت وأنا منصرف ، واشير عليك أن لا تتلبّس بما يثقل به ظهرك ، ويتعب به جسمك ، وأن تحبس نفسك على طاعة ربّك ، فإنّ الأمر قريب إن شاء الله تعالى.

فأمرت خازني فأحضر لي خمسين دينارا ، وسألته قبولها ، فقال : يا أخي ، قد حرّم الله عليّ أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه ، كما أحلّ لي أن آخذ منك الشيء إذا احتجت إليه ، فقلت له : هل سمع منك هذا الكلام أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال : نعم ، أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بآذربيجان ، وقد استأذن للحجّ تأميلا أن يلقى من لقيت ، فحجّ أحمد بن الحسين الهمداني ـ رحمه‌الله ـ في تلك السنة فقتله ذكرويه ابن مهرويه ، وافترقنا وانصرفت إلى الثغر ، ثم حججت فلقيت بالمدينة رجلا اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر ، يقال : إنّه يعلم من هذا الأمر شيئا ، فثابرت عليه حتّى أنس بي ، وسكن إليّ ، ووقف على صحّة عقيدتي ، فقلت له : يا ابن رسول الله ، بحقّ آبائك الطاهرين عليهم‌السلام لمّا جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر ، فقد شهد عندي من توثّقه ، بقصد القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب إيّاي لمذهبي واعتقادي ، وأنّه أغرى بدمي مرارا ، فسلّمني الله ، فقال : يا أخي ، اكتم ما تسمع منّي الخبر في هذه الجبال ، وإنّما يرى العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ، ويقصدون به مواضع يعرفونها ، وقد نهينا عن الفحص والتفتيش ، فودّعته وانصرفت عنه.

٤١٥

ثم قال (١) : أقول : ويوضّح جعلهما اشتمالهما على إخباره عليه‌السلام بقرب زمان ظهوره من ألف ومائة سنة تقريبا قبل ، وهو أمر واضح البطلان بالعيان ، وقد تواتر أنّه قال : كذب الوقّاتون ... إلخ.

وفيه : أولا : أنّ الاعتماد في الخبر الأول على ما رواه الصدوق وليس في ذيله ما يدلّ على قرب زمان الظهور ، وهذا لفظه بعينه : ولا يبقى الناس في فترة ، وهذه أمانة لا تحدّث بها إلّا إخوانك من أهل الحقّ.

وأمّا الخبر الثاني فليس فيه ما يوهم ذلك إلّا قوله : «نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين ، وفي الانتقام من الظالمين» وهذه العبارة كما ترى لا تدلّ على قرب زمان الظهور بحيث ينافي تأخّره إلى زماننا هذا وبعده. نعم ، كأنّه قد فهم الراوي ذلك منها فقال : ولقد لقيت جماعة ... إلخ ، إلّا أنّ المعيار على ما يستفاد من لفظ الحديث لا على فهم الراوي.

وثانيا : قرب زمان وقوع كلّ أمر واقترابه يكون بحسبه ، فقد قرب زمان وقوع الساعة وحساب الناس ، واقترب بالنسبة إلى ما مضى من الدنيا ، قال الله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) (٢) وقال سبحانه : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (٣) وقال عزوجل : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) (٤) وظهور الإمام الذي أوّلت بعض آيات الساعة به ، وعبّر عنه بالساعة أيضا مثل ذلك ، يجوز أن يقال فيه مع

__________________

(١) أي الناقد.

(٢) الأنبياء : ١.

(٣) القمر : ١.

(٤) محمّد : ١٨.

٤١٦

ما ورد في الأخبار من طول الأمد ، وأنّ له غيبتين إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات ، و... ، و... ، أنّه قد قرب واقترب.

وثالثا : الظاهر من قوله : «كذب الوقّاتون» تكذيب الذين يوقّتون وقت الظهور ، ويعيّنون له وقتا خاصّا ، كالشهر الفلاني والسنة الفلانية ، أو السنة المعيّنة ، أو بين سنوات معيّنة.

قال : ويشهد للوضع ، اشتمال الأول على ظهوره بيّنا للناس ، ومعرّفا بنفسه لمن لا يعرفه ، مع أنّ محمد بن عثمان سفيره الثاني كان يقول : إنّ الحجّة ليحضر الموسم كلّ سنة ، يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. واشتمال الثاني على أنّه كان عاجزا عن الاختفاء عمّن عرفه وتبعه حتّى زجره الأسود الذي كان معه وصرفه ، إلى غير ذلك من المنكرات.

أقول : أوّلا : إنّ الأول لم يشتمل على ظهوره بيّنا للناس ، ومعرّفا بنفسه لكلّ من لا يعرفه ممّن حضر الموسم ، بل يدلّ على أنّه يظهر في كلّ سنة يوما لخواصّه الذين يعرفونه ، ومن أخبر مدّعي وضع هذا الحديث بأن ليس له خواصّ وعمّال يعرفونه ولا يعرفهم الناس ، يحضرون الموسم في حلقة عن يمين الكعبة ، لا يراهم الناس وإن رآهم بعضهم لا يلتفتون بذلك؟!

وثانيا : اشتمال الثاني على أنّ الأسود قد اعترضه وصاح به بصوت لم يسمع أهول منه ، فقال له : ما تريد عافاك الله؟ فأرعد ووقف ، يدلّ على خلاف ذلك ، فملازمة الأسود وغيره له وصياحه على من يريد متابعته يدلّ على قدرته وسلطانه أم على عجزه عن الاختفاء عمّن عرفه؟ فإذا كان لله تعالى ملائكة عاملون له موكّلون على الامور ، فهل يعدّ

٤١٧

ذلك من عجزه ، وأنّه لا يقدر أن يفعل الامور بنفسه ، أو يدلّ على نفوذ أمره وبسط يده وكمال قدرته؟ فيا أخي! إذا أنت تسير بهذه الصورة والسليقة في نقد الأخبار لا يسلم حديث ولا تاريخ ـ اللهمّ إلّا القليل منه ـ عن مثل هذه الإيرادات الواهية ، فتعوّذ بالله من ذلك كما نعوذ به منه ، ونعتذر منك إن خرجنا عن مسلك الأدب ، فعفوا غفر الله لنا ولك.

ثم قال : وممّا يوضّح وضع أمثالها أن رؤيته عليه‌السلام لم تكن مبتذلة ، فمثل عبد الله بن جعفر الحميري في ذاك الجلال يقول لمحمد بن عثمان سفيره الثاني في الغيبة الصغرى : هل رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال : نعم ، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني ... الخبر ، فكيف في الغيبة الكبرى وقد كان كتب إلى السمري ـ آخر سفرائه ـ : ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره ، بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ... الخبر.

أقول : ما نرى في هذه الحكايات ابتذالا لرؤيته عليه‌السلام ، وهو عليه‌السلام يعرف من يليق برؤيته عليه‌السلام ، لصلاحيّة في نفسه ، أو لحكمة ومناسبة تقتضي ذلك ، وأولياؤه والخواص من شيعته مخفيّون في عباد الله تعالى ، يعرفهم الإمام عليه‌السلام. والحكايتان المذكورتان (حكاية الأسدي وحكاية ابن أحمد بن خلف) حكايتان عن الغيبة القصرى المعروفة بالصغرى دون الغيبة الطولى المعروفة بالكبرى ، فذكر توقيعه إلى سفيره الأخير هنا خارج عن محلّ البحث.

٤١٨

مضافا إلى أنّه لو استظهر من هذا التوقيع حرمان الناس كلّهم عن التشرّف بلقائه ، ينافي الحكايات المتواترة التي لا شكّ في صحّتها ، سيّما تشرّف عدّة من أكابر العلماء ، وهذه قرينة على أنّ المراد من كون من يدّعي المشاهدة كذّابا مفتريا ، من يدّعيها كما كان متحقّقا للسفراء في عصر الغيبة الصغرى ، فيدّعي بها النيابة والسفارة والوساطة بين الناس وبين الإمام عليه الصلاة والسلام ، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

وحديث آخر

وممّا عدّه من الأحاديث الموضوعة ما صرّح به بقوله : ومنها : ما نقله النوري في كتابه «كشف الأستار» بعد عدّه عدّة من العامة قائلين بالمهدي عليه‌السلام كالخاصّة ، فقال : السابع : الشيخ حسن العراقي ، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الطبقات الكبرى المسمّاة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بمصر في سنة ألف وثلاثمائة وخمسين : ومنهم الشيخ العارف بالله سيدي حسن العراقي المدفون بالكوم خارج باب الشعرية بالقرب من بركة الرطلي وجامع البشري.

قال : كان قد عمّر نحو مائة وثلاثين سنة ، قال : تردّدت إليه مع سيدي أبي العباس الحريثي ، وقال : اريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلى وقتي هذا كأنّك كنت رفيقي من الصغر ، فقلت له : نعم ، فقال : كنت شابّا من دمشق ، وكنت صائغا ، وكنّا نجتمع يوما في الجمعة على اللهو واللعب والخمر ، فجاء لي التنبيه منه تعالى يوما ، فقلت

٤١٩

لنفسي : ألهذا خلقت؟ فتركت ما هم فيه وهربت منهم ، فتبعوا ورائي فلم يدركوني ، فدخلت جامع بني اميّة فوجدت شخصا يتكلّم على الكرسي في شأن المهدي عليه‌السلام ، فاشتقت إلى لقائه ، فصرت لا أسجد سجدة إلّا وسألت الله تعالى أن يجمعني عليه ، فبينا أنا ليلة بعد صلاة المغرب اصلّي صلاة السنّة إذا بشخص جلس خلفي وحسّ على كتفي ، وقال لي : قد استجاب الله دعاءك يا ولدي ، مالك؟ أنا المهدي ، فقلت : تذهب معي إلى الدار؟ فقال : نعم ، وذهب معي ، وقال لي : أخل لي مكانا أنفرد فيه ، فأخليت له مكانا ، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها ، ولقّنني الذكر ، وقال : اعلّمك وردي تدوم عليه إن شاء الله تعالى : تصوم يوما وتفطر يوما ، وتصلّي في كلّ ليلة خمسمائة ركعة ، وكنت شابّا أمرد حسن الصورة ، فكان يقول : لا تجلس قط إلّا ورائي ، فكنت أفعل ، وكانت عمامته كعمامة العجم ، وعليه جبّة من وبر الجمال ، فلمّا انقضت السبعة أيام خرج فودّعته ، وقال لي : يا حسن ، ما وقع لي قطّ مع أحد ما وقع معك ، فدم على وردك حتّى تعجز فإنّك ستعمّر عمرا طويلا ، قال : ثمّ طلب الخروج ، وقال لي : يا حسن ، لا تجتمع بأحد بعدي ، ويكفيك ما حصل لك منّي فما ثمّ إلّا دون ما وصل إليك منّي ، فلا تتحمّل منّة أحد بلا فائدة ، فقلت : سمعا وطاعة ... الخ.

ثمّ قال (١) : أقول : وآثار الوضع عليه لائحة ، فإنّه من أكاذيب الصوفية ، وممّا يختلقون لهم ولمشايخهم ، والعجب من هذا المحدّث كيف ينقل مثل هذا الحديث ، وإنّي لأستحيي من النظر في مثله.

وأنا أقول : هل تعلم أنّ المحدّث النوري كتب «كشف الأستار»

__________________

(١) أي الناقد.

٤٢٠