الوسيط في أصول الفقه - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الوسيط في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-014-2
الصفحات: ٢٥٦
الجزء ١ الجزء ٢

القدماء ، بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلّة ، لأصبحت تلك المسائل فتاوى فارغة مجرّدة عن الدليل.

ويظهر من غير واحد من الروايات أنّ أصحاب أئمّة أهل البيت كانوا يقيمون وزناً للشهرة الفتوائية السائدة بينهم ويقدّمونها على نفس الرواية التي سمعوها من الإمام (عليه‌السلام) ، ولنأت بنموذج :

روى عبد الله بن محرز بيّاع القلانس قال : أوصى إليّ رجل وترك خمسمائة درهم أو ستمائة درهم ، وترك ابنة ، وقال : لي عصبة بالشّام ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال : أعط الابنة النصف ، والعصبة النصف الآخر ، فلمّا قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا فقالوا : اتّقاك ، فأعطيت الابنة النصف الآخر. ثمّ حججت فلقيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فأخبرته بما قال أصحابنا وأخبرته أنّي دفعت النصف الآخر إلى الابنة ، فقال : أحسنت إنّما أفتيتك مخالفة العصبة عليك .. (١)

توضيح الرواية : انّه إذا توفّي الأب ولم يكن له وارث سوى البنت ، فالمال كلّه لها ، غاية الأمر : النصف الأوّل فرضاً والنصف الآخر ردّاً.

ولكن أهل السنّة يورّثون البنت في النصف والعصبةَ في النصف الآخر ، وقد كان حكم الإمام في اللقاء الأوّل بما يوافق فتوى العامة ، ولمّا وقف الراوي على أنّ المشهور بين أصحاب الإمام غير ما سمعه ترك قول الإمام وعمل بما هو المشهور عند أصحابه. فلولا أنّ للشهرة الفتوائية قيمة علمية لما عمل الراوي بقول الأصحاب ، وهذا يدلّ على أنّه كانت للشهرة الفتوائية يومذاك مكانة عالية إلى حدّ ترك الراوي القولَ الذي سمعه من الإمام وقد أخبر الإمام عند وفد إليه في العام القادم وهو عليه صحّح عمله.

__________________

(١). الوسائل : ١٧ ، الباب ٥ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، الحديث ٤.

٦١

٤ ـ الأدلّة الظنّية

حجّية قول اللغوي

إنّ لتمييز الموضوع له عن غيره طرقاً قد تقدّم بعضها في الجزء الأوّل ، أعني : التبادر وصحّة الحمل والاطراد وقول اللغويّ ، والكلام في المقام في حجّية الأخير في تعيين الموضوع له.

وعلى القول بالحجّية ، فهل هو حجّة من باب الشهادة وانّ اللغوي يشهد انّ العرب تستعمل ذلك اللفظ في هذا المعنى؟ أو حجّة من باب حجّية أهل الخبرة كالمقوم؟ فيها وجهان.

فذهب بعض إلى أنّ قوله حجّة من باب الشهادة ، فيعتبر فيه التعدّد والعدالة واخباره عن حس.

وربما يقال بأنّه حجّة من باب حجّية قول أهل الخبرة ، كالمقوّم والطبيب ، فتشمله أدلّة حجّية قول أهل الخبرة ، فلا تعتبر فيه العدالة والتعدّد ، بل يكفي الوثوق بقوله.

يستدلّ للقول الأوّل بأنّ تعيين معاني الألفاظ من قبيل الأُمور الحسية التي لا دخل للنظر والرأي فيها ، لأنّ اللغوي ينقلها على ما وجده في الاستعمالات والمحاورات ، وليس له إعمال النظر والرأي ، فيكون داخلاً في باب الشهادة وتشمله أدلّة الشهادة ، ويعتبر فيها العدالة والتعدّد على قول المشهور. (١)

__________________

(١). مصباح الأُصول : ١٣١ / ٢.

٦٢

يلاحظ عليه : أنّ إخباره عن موارد الاستعمال فضلاً عن إخباره عن المعنى الحقيقي في مقابل المعنى المجازيّ ليس مجرداً عن إعمال النظر والاجتهاد ، بل هو مزيج بالحدس ، ويدلّ على ذلك انّ أصحاب المعاجم يستشهدون على إثبات مقاصدهم بالآيات والأحاديث النبوية والأشعار ، فيستخرجون موارد الاستعمال ببركة الإمعان فيها ، فالجلُّ لو لا الكل مزيج بالاجتهاد ويتّضح ذلك لمن سَبَرَ كتب اللغة ، فالحق حجّية قولهم من باب انّهم أهل الخبرة.

وقد أورد على هذا القول بعدم حجّية هذه السيرة ، لعدم وجودها في زمان المعصومين (عليهم‌السلام) ، فإنّ الرجوع إلى كتب اللغويين أمر حادث. (١)

يلاحظ عليه : بوجود هذه السيرة (أي الرجوع إلى أئمّة اللغة وكتبهم) في عصر أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) ، وهذا هو الخليل بن أحمد الفراهيدي من أصحاب الإمام الصادق (عليه‌السلام) وقد أدرك عصر الإمام الكاظم (عليه‌السلام) ألّف كتابه العين ليرجع إليه الناس ، وقد توفّي عام ١٧٠ ه‍ ، وكان مرجعاً في اللغة.

وكان الأصمعي (المتوفّى ٢٠٧ ه‍) المرجع في اللغة والأدب ، وكان الناس يسألونه عن معاني الألفاظ ، وقد سئل يوماً عن الألمعيّ فأنشد :

الألمعيّ الذي يظن بك

الظن كأن قد رأى وقد سمعا

وكان ابن عباس المرجعَ الكبير في تفسير لغات القرآن ، وكان يقول : الشعر ديوان العرب ، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانه ، فالتمسنا معرفة ذلك منه ثمّ قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن ، فالتمسوه في الشعر ، فإنّ الشعر ديوان العرب.

وكان يُسأل عن القرآن فينشد فيه بالشعر ، وقد سأله نافع بن الأزرق عن

__________________

(١). تهذيب الأُصول : ٩٧ / ٢.

٦٣

لغات القرآن ما يربو على مائة وسبعين سؤالاً ، فأجابه مستشهداً بشعر العرب ، وهو يعرب عن إحاطة ابن عباس بشعر العرب وموارد استعماله ، وقد نقلها السيوطي في «الإتقان».(١)

هذا إذا قلنا بحجية قول اللغوي وأمّا إذا لم نقل بحجيّة قوله (٢) ، فليس للفقيه أيضاً غنى عن الرجوع إلى المعاجم ، وذلك لأنّ هناك ألفاظاً فقهية معلومة إجمالاً ، لكنّها مجهولة من حيث الشروط والقيود فلا تفهم إلّا بالرجوع إلى المعاجم المعتبرة لاستظهار الحقيقة منها بالدقة والإمعان.

لا أقول : إنّ قول اللغوي الواحد حجّة ، بل أقول إنّ الرجوع إلى المعاجم المختلفة المعتبرة والدقّة في كلماتهم وضرب بعضها على بعض ، يورث الاطمئنان ويزيح الستار عن وجه الواقع ، مثلاً : اختلف الفقهاء في معنى القمار والمقامرة وانّه هل يعتبر فيهما العوض أو لا؟ وهل يعتبر فيه الآلة المتعارفة أو لا؟ ولا يعلم ذلك إلّا بعد مراجعة اللغات الأصلية حتّى يحصل الاطمئنان بواحد من الطرفين.

إلى هنا تمّ البحث في الأدلّة الظنّية الّتي قامت على حجّيتها أدلّة قطعية ، فيبقى البحث في العرف والسيرة ، وقد تطرّقنا إليها في «الموجز» على قدر الكفاية.

ثمّ إنّ هناك ظنوناً غير معتبرة عندنا ومعتبرة عند أهل السنّة نتناولها بالبحث لمسيس الحاجة إلى الوقوف عليها.

__________________

(١). الإتقان : ٣٨٢ / ١ ٤١٦.

(٢). ذكرنا دليل القائلين بحجّية قول اللغوي وعدمها في الموجز ، ص ١٧٥ ١٧٦.

٦٤

الظنون غير المعتبرة

١. القياس

٢. الاستحسان

٣. الاستصلاح أو المصالح المرسلة

٤. سدّ الذرائع

٥. فتح الذرائع

٦. قول الصحابي

٧. إجماع أهل المدينة

٦٥
٦٦

الظنون غير المعتبرة

تنقسم الظنون عندنا إلى قسمين : معتبرة وقد مضى الكلام فيها وغير معتبرة عندنا ، ومعتبرة عند أكثر أهل السنّة ، وهي عبارة عن الأُمور التالية :

القياس ، الاستحسان ، الاستصلاح ، سد الذرائع ، الحيل (فتح الذرائع) ، قول الصحابي ، إجماع أهل المدينة ، فلنأخذ كلّ واحد بالبحث على حدة.

١. القياس

ولنقدم أُموراً :

الأمر الأوّل : حقيقة القياس

القياس في اللّغة : هو التسوية ، يقال قاس هذا بهذا أي سوّى بينهما ، قال علي (عليه‌السلام) : «لا يقاس بآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من هذه الأُمّة أحد» (١) أي لا يُسوّى بهم أحد.

وفي الاصطلاح : استنباط حكم واقعة لم يرد فيها نصٌّ ، عن حكم واقعة ورد فيها نصٌّ ، لتساويهما في علّة الحكم ، ومناطه وملاكه.

ثمّ إنّ أركان القياس أربعة :

الأصل : وهو المقيس عليه.

الفرع : وهو المقيس.

__________________

(١). نهج البلاغة ، الخطبة الثانية.

٦٧

الحكم : وهو ما يحكم به على الثاني بعد الحكم به على الأوّل.

العلّة : وهو الوصف الجامع ، الذي يجمع بين المقيس والمقيس عليه ، ويكون هو السبب للقياس.

مثلاً إذا قال الشارع : «الخمر حرام لكونه مسكراً» ، فإذا شككنا في حكم سائر السوائل المسكرة كالنبيذ والفقاع يحكم عليهما بالحرمة ، لاشتراكهما مع الخمر في الجهة الجامعة.

الأمر الثاني : أقسام القياس

إنّ القياس ينقسم إلى منصوص العلّة ، ومستنبطها.

فالأوّل فيما إذا نصَّ الشارع على علّة الحكم وملاكه على وجه علم أنّها علّة الحكم الّتي يدور الحكم مدارها لا حكمته التي ربّما يتخلّف الحكم عنها.

والثاني ، فيما إذا لم يكن هناك تنصيص من الشارع عليها ، وإنّما قام الفقيه باستخراج علّة الحكم بفكره وجهده ، فيطلق على هذا النوع من القياس ، مستنبط العلّة.

وينقسم مستنبط العلّة إلى قسمين :

تارة يصل الفقيه إلى حدّ القطع بأنّ ما استخرجه علّة الحكم ومناطه.

وأُخرى لا يصل إلّا إلى حدّ الظن بكونه كذلك. وسيوافيك حكم القسمين تحت عنوان «تنقيح المناط».

وقلّما يتّفق لإنسان عادي أن يقطع بأنّ ما وصل إليه من العلّة هو علّة التشريع ومناطه واقعاً ، وأنّه ليس هناك ضمائم أُخرى وراء ما أدرك.

٦٨

الأمر الثالث : الفرق بين علّة الحكم وحكمته

الفرق بين علّة الحكم وحكمته ، هو أنّ الحكم لو كان دائراً مدار الشيء وجوداً وعدماً ، فهو علّة الحكمِ ومناطه ، كالإسكار بالنسبة إلى الخمر ، وامّا إذا كان الحكم أوسع ممّا ذُكر في النصّ ، أو اسْتُنْبِطَ ، فهو من حِكَم الأحكام ومصالحه ، لا من مناطاته وملاكاته ، فمثلاً :

الإنجاب وتكوين الأُسرة من فوائد النكاح ومصالحه ، وليس من مناطاته وملاكاته ، بشهادة أنّه يجوز تزويج المرأة العقيمة واليائسة ومن لا تطلب ولداً بالعزل ، وغير ذلك من أقسام النكاح.

الأمر الرابع : القياس في منصوص العلّة

العمل بالقياس في منصوص العلّة راجع في الحقيقة إلى العمل بالسنّة ، لا بالقياس ، لأنّ الشارع شرّع ضابطة كلّية عند التعليل ، فنسير على ضوئها في جميع الموارد التي تمتلك تلك العلّة ، كما في قول الإمام الرضا (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ، ويطيب طعمه ، لأنّ له مادة. (١)

فإنّ قوله : «لأنّ له مادة» تعليل لقوله : «لا يفسده شيء» فيكون حجّة في غير ماء البئر ، لانّه يشمل بعمومه ماء البئر ، وماء الحمام ، والعيون وحنفية الخزّان وغيرها ، فلا ينجس الماء إذا كانت له مادّة ، وعندئذ يكون العمل بظاهر السنّة لا بالقياس ، فليس هناك أصل ولا فرع ولا انتقال من حكم الأصل إلى الفرع ، بل موضوع الحكم هو العلّة ، والفروع بأجمعها داخلة تحتها.

__________________

(١). وسائل الشيعة : ١ ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.

٦٩

الأمر الخامس : قياس الأولوية

القياس الأولوي : هو عبارة عن كونِ الفرع (ضرب الوالدين) أولى بالحكم من الأصل (التأفيف) عند العرف ، مثل دلالة قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (١) على تحريم الضرب ، ولا شكَّ في وجوب الأخذ بهذا الحكم ، لأنّه مدلول عرفيّ ، يقف عليه كل من سمع الآية.

الأمر السادس : تنقيح المناط أو إلغاء الخصوصيّة

إذا اقترن الموضوع في لسان الدليل بأوصاف ، وخصوصيات ، لا يراها العرف المخاطب دخيلة في الموضوع ، ويتلقّاها من قبيل التمثيل على وجه القطع واليقين ، فهذا ما يسمّى بتنقيح المناط أو الغاء الخصوصية كما إذا ورد في السؤال : رجل شك في المسجد بين الثلاث والأربع ، فأُجيب بأنّه يبني على الأكثر ، فإنّ العرف لا يرى للرجولية ومكان الشك (المسجد) تأثيراً في الحكم ، ولذلك يرى الحكم ثابتاً لمطلق الشاك ، من غير فرق بين الرجل والمرأة ، والمسجد وغيره.

وهذا (قياس المرأة بالرجل وغير المسجد بالمسجد) ليس بقياس في الحقيقة بل حكم الكل مستفاد من النصّ ، بمساعدة فهم العرف على عدم مدخلية القيدين.

ومما ذكرنا ظهر انّ النزاع في حجّية القياس منحصر في القياس الذي استنبط المجتهد علّته ومناطه ، من دون أيّ دلالة عليه من جانب الشرع وإنّما يقوم به عقل المستنبط وحدسه على حدّ الظنّ بأنّ ما استنبطه مناط الحكم وملاكه.

__________________

(١). الإسراء : ٢٣.

٧٠

الأمر السابع : السبب من وراء العمل بالقياس

ظهر القول بالقياس بعد رحيل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لمواجهة الأحداث الجديدة ، وكان هناك اختلاف حادّ بين الصحابة في الأخذ به ، ولو توفّرت بأيديهم نصوص فيها لما حاموا حول القياس ، ولكن إعواز النصوص جرّهم إلى العمل بالقياس لأجل معالجة المشاكل العالقة والمسائل المستحدثة ، وقد نقل ابن خلدون عن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول إلّا سبعة عشر حديثاً. (١) فإذا كان الصحيح عنده هذا المقدار اليسير فكيف يقوم باستنباط الأحكام من الكتاب والسنّة؟! فلم يكن له محيص إلّا اللجوء إلى القياس والاستحسان.

فأئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) ولفيف من الصحابة والتابعين رفضوه وأكثروا من ذمِّه ، والشيعة عن بكرة أبيهم تبعاً للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وأهل بيته أبطلوا العمل بالقياس ، ووافقهم من الفقهاء داود بن خلف ، إمام أهل الظاهر ، وتبعه ابن حزم الأندلسي ، فلم يقيموا له وزناً ، وأوّل من توسّع في القياس هو أبو حنيفة شيخ أهل القياس ، وتبعه مالك ، وابن حنبل.

وقد عقد شيخنا الحرّ العاملي في وسائله باباً خاصاً ، أسماه باب «عدم جواز القضاء والحكم بالمقاييس» ونقل فيه ما يربو على عشرين حديثاً في النهي عن العمل بالقياس.

ومما نقل فيه انّ أبا حنيفة دخل على أبي عبد الله (عليه‌السلام) ، فقال له : «يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس».

قال : نعم ، قال : «لا تقس فانّ أوّل من قاس هو إبليس». (٢) فقد قاس نفسه

__________________

(١). مقدمة ابن خلدون : ٤٤٤ ، الفصل السادس في علوم الحديث. نعم الحنفية ينكرون هذه النسبة إلى إمامهم.

(٢). الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٤.

٧١

بآدم ، فزعم أنّه أفضل من آدم ، لأنّه خُلِق من طين ، وهو خُلِقَ من النار ، ولم يلتفت إلى أنّ ملاك السجود هو الروح الإلهية التي نفخت في آدم ، فصار مجلى لأسمائه وصفاته تعالى وعاد معلّماً للملائكة.

أدلّة القائلين بالقياس

أ. الدليل النقلي

واعلم أنّ الأصل الأوّلي في الظنون التي لم يقم دليل على حجّيتها ، هو عدم الحجّية وقد سبق انّ الشكّ في حجّية كلّ ظن لم يقم على حجّيته دليل يلازم القطع بعدم الحجّية ما لم يدل دليل عليه (١) ، وقد استدل القائلون بحجّية القياس بوجوه نشير إلى أهمّها :

١. حديث الجارية الخثعمية قالت : يا رسول الله إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخاً ، زمناً لا يستطيع أن يحج ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟

فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه ، أكان ينفعه ذلك؟» قالت : نعم ، قال : «فدَيْن الله أحقّ بالقضاء».

٢. حديث ابن عباس : انّ امرأة جاءت إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقالت : إنّ أُمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ ، أفأحج عنها؟ قال : «نعم حجّي عنها ، أرأيت لو كان على أُمّك دَيْن أكنت قاضية؟».

قالت : نعم ، فقال : «اقضوا لله فإنّ الله أحقّ بالوفاء». (٢)

وجه الاستدلال : انّ الرسول ألْحق دَيْن الله بدين الآدمي في وجوب القضاء

__________________

(١). مرّ صفحة ٥١ من هذا الكتاب.

(٢). السرخسي ، أُصول الفقه : ١٣٠ / ٢.

٧٢

ونفعه ، وهو عين القياس بشهادة أنّه قال : «فدَيْن الله أحقّ بالقضاء والوفاء». (١)

يلاحظ على الاستدلال بكلا الحديثين مضافاً إلى أنّ الاستدلال على حجّية قياس غير المعصوم ، بقياس المعصوم نوع من القياس ، وهو أوّل الكلام أنّ القياس الوارد في كلام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من باب القياس الأولوي ، وذلك لأنّه إذا وجب الوفاء بحقوق الناس حسب النص فحقوق الله أولى بالقضاء والوفاء كما نصّ به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في الحديث وأين هذا من مورد النزاع؟! وقد تقدّم انّ القياس الأولوي عمل بالنصّ ، لأنّه مدلول عرفي.

٣. حديث عمر بن الخطاب ، قال : قلت : يا رسول الله ، أتيتُ أمراً عظيماً ، قبّلتُ وأنا صائم ، فقال رسول الله : «أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم» ، فقلتُ : لا بأس بذلك ، فقال رسول الله : «فصم».

وجه الاستدلال : انّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قاس القُبْلة بالمضمضة ، فحكمَ بعدم بطلان الصوم فيها إيضاً.

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ الحديث دليل على بطلان القياس ، لأنّ عمر ظنَّ أنّ القُبلة تُبطل الصوم قياساً على الجماع ، فردَّ عليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : بأنّ الأشياء المماثلة والمتقاربة لا تستوي أحكامها.

وثانياً : أنّ القياس عبارة عن استفادة حكم الفرع من حكم الأصل ، بحيث يستمد الفرع حكمه من الأصل ، وليس المقام كذلك ، بل كلاهما في مستوى واحد كغصني شجرة ، أو كجدولي نهر.

وإن شئت قلت : إنّ المبطل هو الشرب لا مقدّمته (المضمضة) ، كما أنّ المبطل هو الجماع لا مقدّمته ، فبما أنّ المخاطب كان واقفاً على ذلك الحكم في

__________________

(١). السرخسي ، أُصول الفقه : ١٣٠ / ٢.

٧٣

الشرب ، دون الجماع ، أرشده النبي إلى تشبيه القُبلَة بالمضمضة إقناعاً للمخاطَب ، لا استنباطاً للحكم من الأصل.

ب : الدليل العقلي

ويقرّر بوجهين :

أ. انّه سبحانه ما شرّع حكماً إلّا لمصلحة ، وأنّ مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الأحكام ، فإذا ساوت الواقعةُ المسكوت عنها ، الواقعةَ المنصوص عليها في علّة الحكم التي هي مظنّة المصلحة ، قضت الحكمة والعدالة أن تساويها في الحكم ، تحقيقاً للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع ، ولا يتفق وعدلَ الله وحكمتَه أن يحرّم الخمر لإسكارها محافظة على عقول عباده ، ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصيّة الخمر ، وهي الإسكار ، لأنّ مآل هذا ، المحافظةُ على العقول من مسكر ، وتركها عرضة للذهاب بمسكر آخر. (١)

يلاحظ عليه : أنّ الكبرى مسلّمة ، وهي أنّ أحكام الشرع تابعة للمصالح والمفاسد ، إنّما الكلام في وقوف الإنسان على مناطات الأحكام وعللها على وجه لا يخالف الواقع قيد شعرة ، وأمّا قياس النبيذ على الخمر فهو خارج عن محلّ الكلام ، لأنّا نعلم علماً قطعيّاً بأنّ مناط حرمة الخمر هو الإسكار ، ولذلك روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) أنّه سبحانه حرّم الخمر وحرّم النبيُّ كلَّ مسكر. (٢) ولو كانت جميع الموارد من هذا القبيل لما اختلف في حجية القياس اثنان.

ولأجل إيضاح الحال ، وأنّ المكلّف ربّما لا يصل إلى مناطات الأحكام ، نقول :

__________________

(١). عبد الوهاب الخلاف : مصادر التشريع الإسلامي : ٣٥٣٤.

(٢). الكليني : الكافي : ٢٦٥ / ١ ، باب التفويض إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

٧٤

اعلم أنّه إذا نصّ الشارع على حكم ولم ينصّ على علّته ومناطه ، فهل للمجتهد التوصّل إلى معرفة ذلك الحكم عن طريق السبر والتقسيم بأن يُحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم ، وتصلح لأن تكون العلّة ، واحدة منها ، ويختبرها وصفاً وصفاً ، وبواسطة هذا الاختبار تُستبعد الأوصاف التي لا يصحّ أن تكون علّة ، ويستبقي ما يصحّ أن يكون علة ، وبهذا الاستبعاد وهذا الاستبقاء يتوصل إلى الحكم بأنّ هذا الوصف هو العلّة؟

ولكن في هذا النوع من تحليل المناط إشكالات واضحة مع غض النظر عن النهي الوارد في العمل بالقياس :

أوّلاً : نحتمل أن تكون العلّة عند الله غير ما ظنّه بالقياس ، فمن أين نعلم بأنّ العلّة عندنا وعنده واحدة؟

ثانياً : لو افترضنا أنّ المُقيس أصاب في أصل التعليل ، ولكن من أين نعلم أنّها تمام العلّة ، لعلّها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضمّ إليه في الواقع ولم يصل المُقيس إليه؟

ثالثاً : نحتمل أن تكون خصوصية المورد دخيلة في ثبوت الحكم ، مثلاً لو علمنا بأنّ الجهل بالثمن علّة موجبة شرعاً في فساد البيع ، ولكن نحتمل أن يكون الجهل بالثمن في خصوص البيع علّة ، فلا يصحّ لنا قياس النكاح عليه ، إذا كان المهر فيه مجهولاً ، فالعلّة هي الجهل بالثمن ، لا مطلق الجهل بالعوض حتى يشمل المهر ، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن القطع بالمناط.

وقد ورد على لسان أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) النهي عن الخوض في تنقيح المناط ، ويشهد بذلك ما رواه أبان بن تغلب ، عن الإمام الصادق (عليه‌السلام) يقول أبان :

قلت له : ما يكون في رجل قطع اصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها؟

٧٥

قال : «عشر من الإبل».

قلت : قطع اثنتين؟

قال : «عشرون».

قلت : قطع ثلاثاً؟

قال : «ثلاثون».

قلت : قطع أربعاً؟

قال : «عشرون».

قلت : سبحان الله ، يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ، ويقطع أربعاً ، فيكون عليه عشرون؟! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ، ونقول : الذي جاء به شيطان.

قال : «مهلاً يا أبان : هذا حكم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية. فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان : إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست مُحِق الدين». (١)

والإمام ليس بصدد تخطئة أبان لقطعه الحاصل من القياس ، بل بصدد إزالة يقينه بالتصرّف في مقدّماته ، وهو أنّه أخذ الشريعة من القياس.

والذي يكشف عن هذا المطلب ، هو أنّ الجارية تحت العبد إذا أعتقت فلها الخيار إن شاءت مكثت مع زوجها ، وإن شاءت فارقته ، أخذاً بالسنّة حيث إنّ بريدة كانت تحت عبد ، فلمّا أُعتقت ، قال لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد ، وإن شئت أن تفارقيه». (٢)

__________________

(١). الوسائل : ١٩ ، الباب ٤٤ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ١.

(٢). الشوكاني : نيل الأوطار : ١٥٢ / ٣.

٧٦

ثمّ إنّ الحنفية قالت بأنّ الجارية تحت الحرّ إذا أُعتقت لها الخيار كالمعتقة تحت العبد لاشتراكهما في كونهما جاريتين اعتقتا ، ولكن من أين نعلم بأنّ الانعتاق تمام المناط للحكم؟ ولعلّ كونها تحت العبد وافتقاد المماثلة جزء العلّة؟ فما لم نقطع بالمناط لا يمكن إسراء الحكم ، وهذا هو الذي دعا الشيعة إلى منع العمل بالقياس وطرح تخريج المناط الظني الذي لا يغني من الحق شيئاً.

إلى هنا تمّ الدليل الأوّل للقائلين بالقياس وإليك دليلهم الثاني.

ب. انّ نصوص القرآن والسنّة متناهية ، والوقائع غير محدودة فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية مصادر تشريعيّة لما لا يتناهى ، والقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجدّدة ، ويكشف عن حكم الشريعة فيما يقع من الحوادث. (١)

يلاحظ عليه : أنّ استدلاله هذا أشبه بدليل الانسداد عند القائلين بحجّية الظن المطلق ، ومن المعلوم أنّه لا تصل النوبة إلى الظن إلّا بعد انسداد باب العلم ، والعلمي ، لكنه مفتوح عندنا ببركة أحاديث العترة الطاهرة الّذين أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالتمسّك بهم وبالكتاب معاً.

إنّ أهل القياس من السنّة رووا وصحّحوا حديث الثقلين فيجب عليهم الرجوع إليهم في العقيدة والشريعة لكونهم عدل القرآن ولو رجعوا إليهم لاستغنوا عن العمل بالقياس الذي ما أنزل الله به من سلطان.

إلى هنا تبيّن عدم توفر دليل صالح لحجّية القياس مع قطع النظر عن النهي الوارد فيه ، وقد عرفت تضافر الروايات على النهي عن القياس ، ولنذكر ما روي عن أعلام السنّة حول القياس :

__________________

(١). الشوكاني : نيل الأوطار : ١٥٢ / ٣.

٧٧

١. روي عن ابن سيرين أنّه قال : أوّل من قاس إبليس ، وما عُبدت الشمس والقمر إلّا بالمقاييس.

٢. وروي عن الحسن البصري : أنّه تلا هذه الآية :(خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(١) ، قال : قاس إبليس وهو أوّل من قاس.

٣. وروي عن مسروق أنّه قال : إنّي أخاف وأخشى أن أقيس فتزلّ قدمي.

٤. وروي عن الشعبي قال : والله لأن أخذتم بالمقاييس لتُحرّمنّ الحلال ولتحلنّ الحرام.

إلى غير ذلك. (٢)

٢. الاستحسان

الاستحسان لغة : عدّ الشيء حسناً ، كالاستقباح ، وهو عدّه قبيحاً.

وأمّا اصطلاحاً فقد اختلفوا في تعريفه ولنذكر تعريفين :

١. الاستحسان : ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس. وعلى هذا التعريف ، فالاستحسان استثناء من القياس ومخصِّص له ، وكأنّ المجتهد يترك القياس الجلي بقياس خفي.

فمثلاً مقتضى القياس الجلي ، هو إلحاق سؤر الطيور المعلّمة بسؤر الحيوان المفترس في النجاسة على القول بنجاسة سؤره لاشتراكهما في الافتراس ، ولكن مقتضى القياس الخفي إلحاقه بسؤر الإنسان في الطهارة.

٢. الاستحسان : هو ترك الدليل في المسألة قياساً كان أو غيره ، لدليل

__________________

(١). الأعراف : ١٢.

(٢). الدارمي ، السنن : ١ ، باب تفسير الزمان ، ص ٦٥. ولاحظ كتاب العدة للشيخ الطوسي : ٦٨٨ / ٢ ٦٩٠ للوقوف على كلمات نفاة القياس من أعلام السنّة.

٧٨

يستحسنه المجتهد بعقله. ولعلّ التعريف الثاني أوفق كما يظهر من الأمثلة التي سنذكرها.

وقد كان مالك بن أنس أكثر الناس أخذاً به ، حيث قال : الاستحسان تسعة أعشار العلم ؛ وكان الشافعي رافضاً له ، حيث قال : من استحسن فقد شرّع ؛ إلى ثالث يفصِّل بين الاستحسان المبني على الهوى والرأي ، والاستحسان المبني على الدليل.

والقول الحاسم في الاستحسان هو أن يقال : إنّ المجتهد المستحسِن إذا استند إلى ما يستقل به العقل من حسن العدل وقبح الظلم ، أو إلى دليل شرعي ، فلا إشكال في كونه حجّة ، لأنّه أفتى بالدليل ، لا بمجرّد الاستحسان ، وأمّا إذا استند لمجرد استحسان طبعه وفكره ، وأنّ الحكم الشرعي لو كان كذا لكان أحسن ، فهو تشريع باطل ، وإفتاء بما لم يقم عليه دليل شرعي وهو تشريع محرّم.

ولنذكر أمثلة :

١. انّ مقتضى قوله سبحانه :(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما). (١) هو قطع يد السارق من دون فرق بين عام الرخاء والمجاعة ، لكن نقل عن عمر عدم العمل به في عام المجاعة.

٢. يقول سبحانه : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ). (٢) وقد نقل عن مالك بن أنس إخراج الأُم ، الرفيعة المنزلة التي ليست من شأن مثلها أن تُرضع ولدها.

يلاحظ عليه : بأنّ التفريق بين عام المجاعة وغيره ، أو بين الأُمّهات ، إن كان

__________________

(١). المائدة : ٣٨.

(٢). البقرة : ٢٣٣.

٧٩

مستنداً إلى دليل شرعي لا أقلّ من انصراف الدليل عن عام المجاعة ، أو الأُم الرفيعة المنزلة فهو ، وإلّا فلا وجه لصرف الحكم عنهما ، لأنّ ذمّة المجتهد رهن إطلاق الدليل الأوّل فلا يجوز له العدول عن مقتضى دليله إلى حكم آخر بمجرّد الاستحسان وموافقته لطبعه ، بل لا بدّ من دليل شرعي يعتمد عليه في العدول ، وعلى ضوء ذلك فالعدول لو كان مستنداً إلى دليل شرعي فهو عدول من حجّة إلى حجّة أقوى ، سواء استحسنه الطبع أم لا ، وإن لم يكن كذلك فهو تشريع محرّم.

وبذلك يظهر أنّ الاستحسان بما هو استحسان ليس له قيمة في مجال الإفتاء ، بل الاعتبار بالدليل ، فلو كان هناك دليل للعدول فالمنكر والمثبت أمامه سواء ، وإن لم يكن فلا وجه للعدول.

ولأجل ذلك نرى أنّ بعض المتأخرين من أهل السنّة فسّره بوجه ثالث ، وقال : هو العدول عن حكم اقتضاه دليل شرعي في واقعة إلى حكم آخر فيها ، لدليل شرعي اقتضى هذا العدول ، وهذا الدليل الشرعي المقتضي للعدول هو سند الاستحسان. (١)

أقول : إذا كان ثمة دليل معتبر على العدول فلا عبرة بالاستحسان حتى يكون الدليل سنداً وعماداً له. ويكون استخدام لفظ «الاستحسان» في المقام غير صحيح ، لأنّ الفقيه إمّا يعتمد على دليل شرعي ، فالحجّة هو الدليل سواء استحسنه المجتهد أم لا ، وإلّا فلا قيمة له بمجرد أنّ الفقيه يميل إليه بطبعه.

__________________

(١). عبد الوهاب الخلاف : مصادر التشريع الإسلامي : ٧١.

٨٠