الحدائق الناضرة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ نجف
المطبعة: مطبعة النّجف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

صرح به علماء الرجال (١). ومع التنزل عن ذلك فهي محمولة على التقية (٢).

__________________

(١) في فهرست الشيخ الطوسي ص ١٧٣ ورجال النجاشي ص ٣٠٣ ورجال الكشي ص ١٩٩ وإخلاصه ص ١٢٩ وغيرها من كتب الرجال «ان رواياته عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) كلها لا يوثق بها لانه كذاب وان أحاديثه مع الرشيد كذب» وروى الكشي عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) انه كذب على الله تعالى وملائكته ورسله. وعن الفضل بن شاذان انه من أكذب البرية. وفي فهرست ابن النديم ص ١٤٦ كان ضعيفا في الحديث. وفي مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ص ١٦٤ طبعة إيران «تحالف هو مع مصعب بن عبد الله الزبيري ورجل من بنى مخزوم وآخر من بنى زهرة على السعاية عند الرشيد بيحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى. فجلبه الرشيد وحبسه عند مسرور في سرداب» وفي لسان العرب في مادة (لوط) «وفي حديث أبي البختري ما أزعم ان عليا أفضل من أبي بكر وعمر ولكن أجد له من اللوط ما لا أجد لا حد بعد النبي (ص). يقال لاط حبه بقلبي اى لصق به» وفي ميزان الاعتدال للذهبى ج ٣ ص ٢٧٨ «وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، أبو البختري روى عن هشام بن عروة وجعفر بن محمد وعنه المسيب بن واضح والربيع بن ثعلب وجماعة. سكن بغداد وولى قضاء عسكر المهدى ثم قضاء المدينة ثم ولى حريمها وصلانها ، وكان متهما في الحديث ، قال يحيى بن معين : كان عدواته كذابا. وقال احمد : كان يضع الحديث. وقال البخاري سكتوا عنه» وفي تاريخ بغداد للخطيب ج ١٣ ص ٤٥٢ «أراد الرشيد ان يصعد منبر رسول الله (ص) في قباء اسود ومنطقة ، وعظم عليه هذا ، فحدثه أبو البختري عن جعفر بن محمد ان جبرئيل هبط على النبي (ص) بقباء اسود ومنطقة وخنجر ، فكذبه ابن معين لما سمع بذلك. وكان الرشيد يطير الحمام فروى له أبو البختري عن عائشة ان النبي (ص) كان يطير الحمام ، فزبره وطرده ، وكان النسائي يقول انه متروك الحديث. وقال احمد بن حنبل انه كذاب وهو واضع الحديث : لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح» وذكر ابن حجر في لسان الميزان ج ٦ ص ٢٣١ كلمات العلماء في كذبه وانه يروى المنكرات. أقول : روى في الفقيه ج ١ ص ١٦٣ حديث هبوط جبرئيل مرسلا مع زيادة.

(٢) في مقتل الحسين للعلامة المقرم ص ٤٤٣ من الطبعة الثانية عن المدخل لابن الحاج

٨١

واما المناقشة في عدم صراحة الخبر في كون الخاتم في اليسرى حالة الاستنجاء ـ كما ذكره في رياض المسائل ـ فظني انه بعيد. وأبعد منه حمل الرواية على الجواز بعد ما عرفت.

والعجب هنا من المولى الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال ـ بعد ان استدل على الجواز بهذه الرواية ـ : «ويمكن استفادة استحباب التختم باليسار ، وعدم تحريم التنجيس أيضا ، إلا ان يكون ذلك ثابتا بالإجماع ونحوه ، أو يحمل على عدم وصول النجاسة إليه» انتهى. ولا أراك في ريبة من ضعف هذا الكلام بعد التأمل في المقام.

والحق جملة من الأصحاب باسمه تعالى هنا أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم‌السلام) والظاهر ان المستند في ذلك التعظيم. ولا بأس به. لكن رواية أبي القاسم للتقدمة (١) في حكم استصحاب الخاتم الذي عليه اسم الله في الخلاء صرحت بنفي البأس في استصحاب خاتم عليه اسم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحينئذ فما عداه بطريق اولى ، فالقول بالإلحاق هنا دون هناك ـ مع الاشتراك في العلة المذكورة ـ مما لا وجه له ، مع ان الصدوق (رحمه‌الله) في المقنع صرح بنفي البأس عن عدم نزع الخاتم فيه اسم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حال الاستنجاء بعد ان نهى عن الاستنجاء وعليه خاتم عليه اسم الله حتى يحوله.

وقد ذكر الأصحاب أيضا أن الكراهة إنما هو عند عدم التلوث بالنجاسة ،

__________________

ج ١ ص ٤٦ «ان السنة وردت كل مستقذر يتناول بالشمال ، وكل طاهر يتناول باليمين ، ولأجل هذا المعنى كان المستحب التختم بالشمال ، فإنه يأخذ الخاتم بيمينه ويجعله في شماله» وفي الفتاوى الفقهية لابن حجر الهيثمي ج ١ ص ٢٦٤ «كان مالك يكره التختم باليمين ، وبالغ الباجى بترجيح ما عليه مالك من التختم باليسار» وفي روح البيان للشيخ إسماعيل البروسوي ج ٤ ص ١٤٢ نقلا عن عقد الدرر «ان السنة في الأصل التختم باليمين ، ولما كان ذلك شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنة ان يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا».

(١) في الصحيفة ٧٦.

٨٢

وإلا فيحرم بل يكفر فاعله لو فعله بقصد الإهانة. وهو جيد.

و (منها) ـ الاستنجاء باليسار وفيها خاتم فصه من حجر زمزم ، ويدل عليه رواية علي بن الحسين (١) ـ وهو ابن عبد ربه على الظاهر وقد صرح به في الكافي ـ قال : «قلت له : ما تقول في الفص يتخذ من حجارة زمزم؟ قال : لا بأس به ، ولكن إذا أراد الاستنجاء نزعه». وربما وجد في بعض نسخ الكافي والتهذيب «زمرد» مكان «زمزم» بل نسبه المحدث الكاشاني في الوافي إلى كثير من النسخ ، ثم قال : «وكأنه الصواب ، إذ لا تعرف حجارة يؤتى بها من زمزم» انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل هذه النسخة : «وسمعناه مذاكرة» وقال شيخنا المحقق في كتاب رياض المسائل بعد نقل مضمون كلام الوافي : «والظاهر ان الصواب ما عليه أكثر نسخ الكتاب وان النسخة مما أخطأت به الكتاب ، لا سيما وقد أورده كذلك في كتبهم أعاظم السلف وأكابر الخلف. وعدم معروفية فصوص تؤخذ من حجر زمزم لا يوجب الخروج عما عليه المعظم» انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

و (منها) ـ التخلي على القبور وبينها ، لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء ، إلى ان قال : فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلا ان يشاء الله. وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات ...».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «ثلاثة يتخوف منها الجنون ، وعد منها التغوط بين القبور».

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٨٣

ومثله رواه في الخصال (١) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام)

و (منها) ـ مس الذكر باليمين وقت البول ، رواه الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه (٢) مرسلا قال : «وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه».

و (منها) ـ البول قائما ، لما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم (٣) وغيرها أيضا ، وفي بعضها (٤) انه من الجفاء.

و (منها) ـ البول مطمحا به ، لرواية السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يطمح الرجل ببوله من السطح أو من الشي‌ء المرتفع في الهواء». ومثلها رواية مسمع عنه (عليه‌السلام) (٦).

ولا ينافي ذلك ما تقدم في استحباب ارتياد مكان للبول كان يكون على مكان مرتفع من الأرض ، إذ الارتفاع المعتبر هناك هو بقدر ما يؤمن معه من الترشح.

و (منها) ـ البول في الماء جاريا وراكدا ، وان كان الأول أخف كراهة. وظاهر المفيد في المقنعة التحريم. ونقل عن ظاهر علي بن بابويه نفيها في الأول.

ومن الاخبار الواردة في ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٧) وصحيحة الفضيل (٨) «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره ان يبول في الماء الراكد».

__________________

(١) في الصحيفة ٦٠ في الوسائل في الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) ج ١ ص ١٩ وفي الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٣) في الصحيفة ٨٣.

(٤) وهو مرسل الفقيه ج ١ ص ١٩ وفي الوسائل في الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٧) في الصحيفة ٨٣.

(٨) المروية في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق.

٨٤

وفي مرسلة الفقيه (١) «ان البول في الماء الراكد يورث النسيان». ومرسلة مسمع (٢) انه «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة ، وقال : ان للماء أهلا». ورواية أبي بصير ومحمد بن مسلم المروية في كتاب الخصال (٣) عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «لا يبولن الرجل من سطح في الهواء ، ولا يبولن في ماء جار ، فان فعل ذلك فأصابه شي‌ء فلا يلومن إلا نفسه ، فان للماء أهلا وللهواء أهلا». وفي رواية عنبسة بن مصعب (٤) قال : «لا بأس به إذا كان الماء جاريا». وكذا في موثقة ابن بكير (٥) وعلل هاتين الروايتين مع صحيحة الفضيل المتقدمة مستند علي بن بابويه فيما نقل عنه ، الا ان رواية مسمع ورواية أبي بصير ومحمد بن مسلم قد صرحتا بالنهي. والجمع بما ذكرنا من كونه أخف كراهة ومورد الروايات كلها البول خاصة والحق الأصحاب به الغائط بالطريق الاولى وفيه ما لا يخفى.

و (منها) ـ الأكل لفحوى مرسلة ابن بابويه في الفقيه (٦) عن الباقر (عليه‌السلام): «دخل أبو جعفر (عليه‌السلام) الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر ، فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه ، فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلما خرج (عليه‌السلام) قال للمملوك : أين اللقمة؟ فقال : أكلتها يا بن رسول الله فقال : انها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة ، فأنت حر ، فإني أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنة». وروى القصة المذكورة في كتاب عيون اخبار الرضا (٧)

__________________

(١) ج ١ ص ١٦ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٣) في الصحيفة ١٥٧ وفي الوسائل في الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٦) ج ١ ص ١٨. وفي الوسائل في الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٧) في الصحيفة ٢٠٨ وفي الوسائل في الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٨٥

بأسانيد ثلاثة عن الرضا (عليه‌السلام) عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم‌السلام) ولا تنافي ، لإمكان اتفاق ذلك لكل منهما (عليهما‌السلام) والتقريب ان تأخيرهما (عليهما‌السلام) أكل اللقمة إلى بعد الخروج ـ مع علمهما بأنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة وعتقهما المملوك لذلك ـ اشعار بمرجوحية الأكل في الموضع المذكور. والحق الأصحاب الشرب. ولم أقف له على دليل.

و (منها) ـ مباشرة الحرة ذلك من زوجها ، لموثقة يونس بن يعقوب (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة تغسل فرج زوجها؟ فقال : ولم من سقم؟ قلت : لا. قال : ما أحب للحرة ان تفعل ، فأما الأمة فلا يضره».

الفصل الثاني

في الأسباب وهي البول والغائط والريح والنوم الغالب على الحاستين وبعض أقسام الاستحاضة ، وتحقيق الكلام فيها يقتضي بسطه في أبحاث.

(الأول) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سببية الثلاثة الأول مع الخروج من الموضع الطبيعي وان لم يحصل الاعتياد ، بل الخروج أول مرة يكون موجبا للوضوء وان تخلف أثره لفقد شرط كالصغر ، وكذا لو اتفق المخرج من غير الموضع المعتاد خلقة كما ادعى عليه في المنتهى الإجماع ، وكذا لو انسد الطبيعي وانفتح غيره كما ذكره في المنتهى مدعيا عليه الإجماع أيضا ، وظاهرهم ان في الجميع لا يشترط الاعتياد. اما لو لم ينسد الطبيعي وانفتح غيره فأقوال :

أحدها ـ المشهور وهو عدم النقض إلا مع الاعتياد.

وثانيها ـ ما نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف من النقض بما يخرج من تحت المعدة دون ما فوقها.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٨٦

وثالثها ـ النقض بخروج هذه الأشياء مطلقا من فوق المعدة أو تحتها مع الاعتياد وعدمه ، واليه ذهب ابن إدريس.

ورابعها ـ عدم النقض مطلقا ، وإلى هذا القول صار بعض فضلاء متأخري المتأخرين (١) ويدل على أصل المسألة الأخبار المستفيضة ، كصحيحة زرارة (٢) قال : «قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) : ما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والذكر : غائط أو بول أو مني أو ريح والنوم حتى بذهب العقل».

وصحيحة سالم أبي الفضل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله عليك بهما».

وصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم».

وصحيحته أيضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا يوجب الوضوء إلا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها».

ورواية زكريا بن آدم (٦) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الناسور أينقض الوضوء؟ فقال : إنما ينقض الوضوء ثلاث : البول والغائط والريح».

الى غير ذلك من الاخبار والظاهر ان الحصر في هذه الاخبار إضافي بالنظر إلى ما يخرج من الأسفلين غير هذه الأشياء كالمذي وأشباهه ، وإلى ما لا يخرج منهما كالرعاف والقي‌ء ونحوهما مما ذهب العامة إلى النقض به (٧) ولعل ذلك في مقام الرد عليهم ، والى ذلك تشير رواية زكريا

__________________

(١) هو الفاضل ملا محمد باقر الخراساني صاحب الذخيرة والكفاية (منه قدس‌سره).

(٢ و ٣ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ و ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من نواقض الوضوء.

(٧) سيأتي الكلام فيما ذهب العامة إلى انتقاض الوضوء به مما ليس بناقض عند الخاصة عند تعرض المصنف (قده) لذلك.

٨٧

ابن آدم المتقدمة وموثقة أبي بصير المرادي المروية في كتاب الخصال (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الحجامة والقي‌ء وكل دم سائل. فقال : ليس فيه وضوء ، إنما الوضوء مما خرج من طرفيك الذين أنعم الله بهما عليك». واما حمل الحصر على معنى ان الأصل في النقض ينحصر في الخارج من السبيلين ـ واما غيره من النوم ومزيل العقل فإنما هو لكونه مظنة لخروج شي‌ء من تلك النواقض ـ فظني بعده ، إذ الظاهر ـ كما سيأتي ان شاء الله ـ حدثية النوم بنفسه لا لكونه كذلك.

حجة القول الأول ـ على ما ذكره الشهيد في الذكرى ـ انه مع العادة يشمله عموم الآية ، وقول الصادق (عليه‌السلام) (٢) : «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الذين أنعم الله بهما عليك». لتحقق النعمة بها. واما مع الندور ، فللأصل والخبر ، إذ ليس من الطرفين.

والظاهر ان مراده بالآية قوله تعالى : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (٣) ومورد الآية وان كان التيمم إلا ان ظاهرها يدل على وجوب التطهير بالماء مع وجوده وان الانتقال إلى التيمم إنما هو لعدمه.

وأورد عليه بالمنع من شمول الآية لهذا الفرد ظاهرا ، بل هي إما ظاهرة في المتعارف المعتاد لأكثر الناس وهو التغوط من الموضع المعتاد ، أو مجملة بالنسبة اليه وإلى الأعم منه ومن المعتاد لبعض ، وعلى التقديرين لا يثبت المدعى. واما شمول الرواية فغير ظاهر

__________________

(١) في الصحيفة ١٧ وفي الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء. ورواها أيضا بطريق آخر عن التهذيب في الباب ـ ٢ و ٧ ـ من أبواب نواقض الوضوء ولكن بإبدال القي‌ء بالرعاف.

(٢) في صحيحة سالم أبي الفضل المتقدمة في الصحيفة ٨٧ وقد وصف الطرفان فيها بالأسفلين.

(٣) سورة النساء والمائدة الآية ٤٣ و ٦٠.

٨٨

لأن الأصل في الإضافة العهد وكذا الموصول ، وحينئذ فالظاهر ان يكونا إشارة إلى الطرفين المتعارفين المعهودين. وأيضا الظاهر ان الأنعام إنما يتحقق في الطرفين الطبيعيين واما غيرهما فليس من باب النعمة بل النقمة.

وحجة الثاني ـ على ما نقل عن الشيخ في المبسوط ـ عموم قوله : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (١) وما يروى من الأخبار ـ ان الغائط ينقض الوضوء ـ يتناول ذلك ، ولا يلزم ما فوق المعدة ، لأن ذلك لا يسمى غائطا.

وجوابه يعلم مما سبق. واما قوله : «ان ما فوق المعدة لا يسمى غائطا» فأورد عليه المحقق في المعتبر انه ضعيف قال : «لأن الغائط اسم للمطمئن من الأرض نقل الى الفضلة المخصوصة ، فعند هضم المعدة الطعام وانتزاع الاجزاء الغذائية منه يبقى الثقل ، فكيف خرج يتناوله الاسم ولا اعتبار بالمخرج في تسميته».

وأجاب عنه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين بان غرض الشيخ (رحمه‌الله) انه إنما يسمى غائطا بعد انحداره من المعدة إلى الأمعاء وخلعه الصورة النوعية الكيلوسية التي كان عليها في المعدة ، اما قبل الانحدار عن المعدة فليس بغائط إنما هو من قبيل القي‌ء ، وليس مراده وقوع المخرج فيما سفل عن المعدة أو فيما علاها ، إذ لا عبرة بتحتية نفس المخرج وفوقيته ، بل بخروج الخارج بعد انحداره عن المعدة وصيرورته تحتها أو قبل ذلك ، غايته انه ـ رحمه‌الله ـ عبر عما يخرج قبل الانحدار عنها بما يخرج من فوقها وعما يخرج بعده بما يخرج من تحتها ، والأمر فيه سهل. ولا يخفى بعده من كلام الشيخ.

وأنت خبير بأنه على هذا التوجيه الذي ذكره (قدس‌سره) يرتفع الخلاف بين الشيخ وبين ابن إدريس ويصير القولان قولا واحدا.

وحجة القول الثالث ـ على ما نقل عن قائله ـ عموم الآية والاخبار ، ولعله أشار بالأخبار إلى ما ورد منها مطلقا بنقض الثلاثة من غير تقييد بالمخرج الطبيعي ،

__________________

(١) سورة النساء والمائدة. الآية ٤٣ و ٦٠.

٨٩

كصحيحة زرارة الأخيرة ورواية زكريا بن آدم (١).

وفي الآية ما تقدم. واما الاخبار فمن الظاهر البين ان الحكم فيها ليس معلقا على ذات الخارج حتى يكون الحكم دائرا مدارها ، بل على صفة متعلقة بها وهي الخروج فينصرف إلى المعهود الغالب ، كما يقال بظهور «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ...» (٢) في تحريم الأكل.

وحجة القول الرابع يعلم من القدح في أدلة الأقوال المتقدمة.

قال شيخنا صاحب رياض المسائل (رحمه‌الله تعالى) (٣) ـ بعد نقل الأقوال الثلاثة المتقدمة ونفي الوقوف على دليل يشهد للشيخ ـ ما لفظه : «اما قول ابن إدريس فغير بعيد عن الصواب عند صدق هذه الأسماء على الخارج عرفا ، لموافقة ظاهر الكتاب «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (٤) ولا قائل بالفرق ، وما ورد في بعض الاخبار ـ من التقييد بالطرفين الأسفلين ونحو ذلك ـ غير صالح لتقييد إطلاق الكتاب ، لكونه خرج مخرج الغالب» انتهى.

أقول : وتحقيق المقام ـ بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام ـ ان الاستدلال بالآية هنا ـ بعد تسليم صحة الاستدلال بظواهر القرآن بغير ورود نص في تفسيرها ـ لا يخلو من خفاء ، إذ ما ذكر في توجيه الاستدلال بها نوع تخريج وتخمين لا يمكن الاعتماد عليه في تأسيس حكم شرعي ، واما الروايات فهي دائرة بين مطلق ناقضية الثلاثة في الجملة وبين حاصر للنقض فيما خرج من الأسفلين ، فيحتمل حينئذ حمل مطلقها على مقيدها ، فلا دلالة فيها حينئذ على ما ذهبوا اليه من النقض.

إلا انه يقدح فيه قوة احتمال حمل الحصر على الإضافي ـ كما قدمنا ـ ردا على العامة ويحتمل ـ وهو الأظهر ـ حملها على ما تقدم من التعبير بالفرد الغالب ، فإنه لا يخفى ـ على

__________________

(١) في الصحيفة ٨٧.

(٢) سورة المائدة. الآية ٤.

(٣) وهو الشيخ احمد ابن الشيخ محمد الخطى البحراني.

(٤) سورة المائدة والنساء. الآية ٤٣ و ٦.

٩٠

المتتبع لموارد الأخبار والمتصفح لمضامين الآثار ـ ان الأحكام المودعة فيها إنما هي مقصورة على ما هو الشائع المتعارف لا على الفروض النادرة ، ومع عدم أظهرية هذا الاحتمال فلا أقل من الإجمال الموجب لعدم جواز الاعتماد عليها في الاستدلال وبقاء المسألة في قالب الشك والاشكال ، وحينئذ فالواجب التمسك بيقين الطهارة ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) : «حتى يجي‌ء من ذلك أمر بين ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر».

وما أجاب به بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من عدم دلالة الحديث المذكور على مثل هذه الصورة ، قال : «الذي أفهم من الخبر المذكور عدم حصول الانتقاض بالشك في وجود ما ثبت كونه حدثا ، ولا يدخل فيه الشك في حدثية ما يتيقن وجوده» وقال في موضع آخر : «ان المقطوع به من الخبر هو ما ثبت كونه ناقضا لو شك في وجوده وعدمه ، فإنه لا يرفع يقين الطهارة قبله. واما الشك في فردية بعض الأشياء لما هو ناقض فلا دلالة في الخبر عليه» ـ فيه ما تقدم في المقدمة الحادية عشرة (٢).

وبما ذكرنا يظهر لك توجه المناقشة في الفردين الآخرين المدعى عليهما الإجماع أعني ما لو اتفق المخرج من غير الموضع المعتاد خلقة أو بعد انسداد المعتاد ، فإنه مع إلغاء الإجماع ـ كما هو الحق الحقيق بالاتباع ـ والرجوع إلى الاخبار مع كون المراد منها ما ذكرنا من الحمل على الفرد الغالب المتعارف ـ يبقى حكم الفردين المذكورين مغفلا.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك ـ بعد قول المصنف : «ولو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد نقض» ـ ما هذا لفظه : «هذا الحكم موضع وفاق ، وفي الاخبار بإطلاقها ما يدل عليه ، وفي حكمه ما لو انسد المعتاد وانفتح غيره» انتهى.

وفيه انه قبل هذا الكلام ـ بعد ان نقل كلامي الشيخ وابن إدريس واستدلالهما

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) في الصحيفة ١٤٥.

٩١

بالآية ـ قال : وهما ضعيفان ، لأن الإطلاق إنما ينصرف إلى المعتاد ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، وساق الرواية الأولى مما أسلفناه من رواياته (١) ثم أردفها برواية سالم أبي الفضل (٢) وحينئذ فإذا كان إطلاق الآية إنما ينصرف إلى المعتاد فإطلاق الروايات كذلك ان لم يكن اولى ، لما ذكره من الروايات المصرحة بالفرد المعتاد. نعم صرح المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) انه يمكن إثبات ذلك من باب تنقيح المناط ، قال : «فإن أحد فرديه مقبول عندنا وهو ما يفيد اليقين ، فان مقتضاه هنا ان الفضلة المعينة إذا اندفعت نقضت سواء دفعتها الطبيعة من الموضع الطبيعي أو من غيره» وحينئذ فيتجه على هذا التقدير قولا الشيخ وابن إدريس ، إلا ان ما ادعاه (قدس‌سره) من الاستدلال بهذا الدليل وافادته اليقين لا يخلو من اشكال. والاحتياط بالعمل بما ذهب اليه ابن إدريس مما لا ينبغي تركه.

تنبيهات :

(الأول) ـ ما ذكر من البحث هنا هل يأتي في الدماء الثلاثة والمني؟ اما الأول فلم نقف فيه على كلام لأحد من الأصحاب واما الثاني فقد صرحوا فيه بما يأتي ذكره في موضعه ان شاء الله تعالى.

(الثاني) ـ هل يتمشى الخلاف في خبثية هذا الخارج كما في حدثيته أم لا؟

لم أقف لأحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على كلام في المقام سوى شيخنا المحقق صاحب رياض المسائل (عطر الله مرقده) فإنه قرب فيه الحكم بالخبثية وان لم نقل بالحدثية ، قال : «لعدم وجود ما يعارض عمومات الأخبار الكثيرة الدالة على وجوب ازالة ما يسمى بولا وغائطا بالمطهرات من غير تقييد بالخروج من الطرفين» انتهى

(الثالث) ـ وقع في جملة من الأخبار الواردة بنقض الريح التقييد بسماع صوتها

__________________

(١ و ٢) المتقدمة في الصحيفة ٨٧.

٩٢

أو وجدان ريحها (١) وعلل في بعضها (٢) بأن إبليس يجلس بين أليتي الرجل فيشككه. ومقتضاها عدم النقض بدون أحد الوصفين.

والظاهر حملها على موضع الشك دون ما إذا تيقن الخروج ، فإنه ينتقض طهره وان لم يجد شيئا من ذلك.

ويدل عليه ما رواه علي بن جعفر عن أخيه في كتاب المسائل (٣) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم ان ريحا قد خرجت ولا يجد ريحها ولا يسمع صوتها. قال : يعيد الوضوء والصلاة ، ولا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا». وما رواه في كتاب فقه الرضا (٤) قال (عليه‌السلام): «فان شككت في ريح انها خرجت منك أو لم تخرج فلا تنقض من أجلها الوضوء إلا ان تسمع صوتها أو تجد ريحها ، وان استيقنت انها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع وشممت ريحها أو لم تشم».

(الرابع) ـ الاعتياد الذي يتحقق به النقض على القول المشهور هل هو عبارة عن التكرر مرتين فينقض في الثالثة. أو عن التكرر ثلاث مرات فينقض في الرابعة ، أو يرجع فيه إلى العرف؟ أقوال.

اختار ثالثها المحقق الثاني في شرح القواعد ، وبه جزم في المدارك. وبالأول صرح الشهيد الثاني في الروض. وبالثاني صرح بعض أفاضل المتأخرين.

ونقل المحدث الأمين الأسترآبادي عن الفاضل الشيخ إبراهيم القطيفي في حاشية الإرشاد انه قال : «وهل ينضبط صدق اسم العادة عرفا في عدد؟ وجهان أقربهما ذلك

__________________

(١) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) وهو خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) المروي في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) رواه في قرب الاسناد ص ٩٢ وفي الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٤) في الصحيفة ١.

٩٣

وما هو الأقرب النقض بالرابعة مع عدم تطاول الفصل زمانا في الخروج ، وفي النقض بالثالثة احتمال قوي ، لصدق العود بالثانية» ثم قال بعد نقله : «قلت : الظاهر ان تحقق العادة ملزوم للنقض فلا يتوقف النقض على زيادة» انتهى.

(الخامس) ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب ـ منهم : العلامة في التحرير ـ جريان ما تقدم من البحث في الريح من الموافقة للحدثين الآخرين في المواضع المجمع عليها وشرط الاعتياد في محل الخلاف ، ومن كلام آخرين ـ منهم : العلامة ف التذكرة والمختلف ـ تخصيص البحث بالحدثين الآخرين ، حيث ذكروا الفروض المذكورة فيهما ولم يتعرضوا للريح بالكلية ، وجملة من الأصحاب قد صرحوا بنقضها بالخروج من قبل الرجل والمرأة من غير تقييد بالاعتياد مع التقييد به في الحدثين الآخرين ، وبعض خصه بقبل المرأة ، وعلله بان له منفذا إلى الجوف فيمكن الخروج من المعدة اليه ، ومن عمم في القبلين كأنه لحظ إطلاق الاخبار بالانتقاض من الخروج من الطرفين الأسفلين. وبعض منع من النقض بها من غير الدبر. والمنقول من خلاف الشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر إنما هو في الحدثين الآخرين ، بل نقل بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن ظاهر ابن إدريس في السرائر عدم النقض بالريح الخارج من غير الدبر. وأنت خبير ـ بعد الإحاطة بما قدمناه ـ بالحكم في ذلك.

(البحث الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء بالنوم الغالب على حاستي السمع والبصر على اي حال كان : مضطجعا أو قاعدا ، منفرجا أو متلاصقا وربما ظهر من كلام علي بن بابويه في الرسالة وابنه في المقنع عدم النقض به مطلقا ، لحصرهما ما يجب اعادة الوضوء به وما ينقضه في البول والمني والغائط والريح. وهو بعيد من المذهب إلا ان يحمل كلامهما على الناقض مما يخرج من الإنسان ، كما يشعر به قوله في المقنع بعد حصر النقض في الأربعة المذكورة : «وما سوى ذلك ـ من القي‌ء والقلس والقبلة والحجامة والرعاف والمذي والودي ـ فليس فيه اعادة وضوء».

٩٤

ويدل على الحكم المذكور الأخبار المستفيضة ، كقول الصادقين (عليهما‌السلام) في صحيحة زرارة (١) حيث سألهما عما ينقض الوضوء فقالا : «ما يخرج من طرفيك الأسفلين : من الدبر والذكر : غائط أو بول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل».

وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الحميد بن عواض (٢) : «من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على اي الحالات فعليه الوضوء».

وقول الرضا (عليه‌السلام) في صحيحة ابن المغيرة (٣) حين سئل عن الرجل ينام على دابته فقال : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء».

وقول الصادق (عليه‌السلام) في حسنة إسحاق بن عبد الله الأشعري (٤) : «لا ينقض الوضوء إلا حدث ، والنوم حدث».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية الكناني (٥) حين سأل عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال : «ان كان لا يحفظ حدثا منه ـ ان كان ـ فعليه الوضوء واعادة الصلاة وان كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا اعادة».

وقول أحدهما (عليهما‌السلام) في صحيحة زرارة المضمرة (٦) حين قال له : «الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء قلت : فان حرك إلى جنبه شي‌ء ولم يعلم به؟ قال : لا حتى يستيقن انه قد نام ، حتى يجي‌ء من ذلك أمر بين ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر».

الى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وقد أسندها إلى الباقر (عليه‌السلام) في الصحيفة ١٤٣ من الجزء الأول.

٩٥

واما ما يدل بظاهره على خلاف ذلك ـ كموثقة سماعة المضمرة في الفقيه (١) حيث «سأله عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا قال : ليس عليه وضوء».

وما رواه فيه أيضا (٢) مرسلا قال : «سئل موسى بن جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يرقد وهو قاعد ، هل عليه وضوء؟ فقال : لا وضوء عليه ما دام قاعدا ما لم ينفرج».

ورواية عمران بن حمران (٣) انه سمع عبدا صالحا (عليه‌السلام) يقول : «من نام وهو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه».

ورواية بكر بن أبي بكر الحضرمي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل ينام الرجل وهو جالس؟ فقال : كان أبي (عليه‌السلام) يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» ـ.

فالجواب عنه (أولا) ـ بأن الأخبار السابقة أصح سندا ، وأكثر عددا وأصرح دلالة ، وأشهر عملا ، وأظهر لمذهب الجمهور مخالفة (٥) وللقرآن العزيز موافقة ،

__________________

(١ و ٢) ج ١ ص ٣٨ وفي الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٥) قال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج ١ ص ١٧٣ : «والنوم على ثلاثة أقسام : (الأول) ـ نوم المضطجع ، ناقض قليله وكثيرة (الثاني) ـ نوم القاعد ، ان كان كثيرا نقض رواية واحدة ، وان كان يسيرا لا ينقض ، وبه قال حماد والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي لا ينقض وان كان كثيرا (الثالث) ـ نوم القائم والراكع والساجد فعن احمد روايتان : إحداهما ينقض ، وبه قال الشافعي وثانيتهما لا ينقض إلا إذا كثر. وذهب أبو حنيفة إلى ان النوم لا ينقض مطلقا ، واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبى ، وان الاتكاء الشديد ينقض ، ولا حد للكثرة فإنها على ما جرت به العادة» وقال في بدائع الصنائع ج ١ ص ٣١ : «لا خلاف بين الفقهاء ان النوم مضطجعا في الصلاة وغيرها يكون ناقضا ، فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله ، وكذا إذا

٩٦

لما رواه ابن بكير في الموثق (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : قوله تعالى : «إذا قمتم إلى الصلاة.» ما يعني بذلك إذا قمتم إلى الصلاة؟ قال : إذا قمتم من النوم قلت : ينقض النوم الوضوء؟ فقال : نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت». بل نقل العلامة في المنتهى والشيخ في التبيان إجماع المفسرين على ذلك ، وحينئذ فيحمل ما ظهر في المخالفة على التقية ، ولعل في نسبته (عليه‌السلام) في الخبر الأخير ذلك إلى أبيه نوع اشعار بذلك ، أو على ما إذا لم يبلغ إلى ما يوجب ذهاب العقل كما حمله الشيخ

__________________

نام على أحد وركيه ، لأن مقعده يكون متجافيا عن الأرض فكان في معنى النوم مضطجعا لوجود سبب الحدث بواسطة استرخاء المفاصل وزوال مسكة اليقظة ، وفي غير هاتين الحالتين لا يكون النوم حدثا سواء غلبه النوم أو تعمده كان في الصلاة أو غيرها ، وقد روي عنه (ص) «إذا نامت العينان استطلق الوكاء». أشار إلى كون النوم حدثا ، حيث جعله علة لاستطلاق الوكاء» ثم فرع على هذا مسألة النوم في الصلاة قائما أو راكعا أو ساجدا فإنه لا يكون فيه استطلاق الوكاء. وكذا إذا كان خارج الصلاة فنام قائما أو راكعا أو جالسا على الأرض غير مستند إلى شي‌ء أو كان مستندا إلى جدار أو سارية أو رجل أو متكئا على يديه إذا كانت أليته مستوثقة من الأرض فإنه لا وضوء عليه. انتهى. وقال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٢٢٢ : «النوم في ذاته حدث ينقض الوضوء ، سواء قل أو كثر ، قاعدا أو قائما في صلاة أو غيرها أو راكعا أو ساجدا أو متكئا أو مضطجعا. أيقن من حواليه انه لم يحدث أو لم يوقنوا. وذهب الأوزاعي إلى ان النوم لا ينقض الوضوء كيف كان. وقال مالك واحمد ابن حنبل : من نام نوما يسيرا وهو قاعد أو راكب لم ينتقض وضوؤه ، وما عدا هذه الأحوال فالقليل والكثير من النوم ينقض الوضوء. وقال الشافعي : جميع النوم بنقض الوضوء قليله وكثيرة إلا من نام جالسا غير زائل عن مستوي الجلوس فلا ينتقض وضوؤه. وقال أبو حنيفة : النوم لا ينقض الوضوء إلا ان يضطجع أو يتكى‌ء على إحدى أليتيه أو احدى وركيه فقط ، ولا ينقضه ساجدا أو قائما أو قاعدا أو راكعا. طال ذلك أو قصر».

(١) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

٩٧

عليه في التهذيبين ، وذلك هو ظاهر الرواية الأولى. فإن مجرد خفق الرأس سيما في حال الاشتغال بالصلاة لا يعبر به عن النوم المزيل للعقل بل من السنة المتقدمة له ، كما تشعر به صحيحة زرارة المتقدمة (١) ويدل عليه ما في الصحاح ، حيث قال : «خفق : حرك رأسه وهو ناعس».

واما ما نقل عن الصدوق في الفقيه ـ من عدم النقض بالنوم إلا حالة الانفراج ، بناء على ما رواه فيه من خبري سماعة وما أرسله عن الكاظم (عليه‌السلام) (٢) ـ ففيه انه (قدس‌سره) قد صدر الباب بصحيحة زرارة المذكورة هنا (٣) في صدر الروايات الدالة على النقض بالنوم من حيث كونه مذهبا للعقل ، لتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية ، واحتمال عمله بالروايات الأخيرة مخصصة بصحيحة زرارة ـ كما فهمه عنه من نقل عنه القول بذلك في الكتاب المذكور ـ ليس اولى من عمله بالصحيحة المذكورة ، حيث صدر بها الباب. وحمل ما عداها من رواية سماعة على ما هو الظاهر منها من النعاس دون النوم كما ذكرنا ، ومن المرسلة الثانية على التقية. ولا ينافيه ما ذكره في أول كتابه من كونه إنما قصد إيراد ما يفتي به ويحكم بصحته ، إذ من المحتمل قريبا ان مراده بما يفتي به يعني يجزم بصحته ووروده عن المعصوم وان كان له نوع تخريج وتأويل ، فيصير عطف الجملة الثانية في كلامه للتفسير. وحمل مجرد روايته لبعض الأخبار الظاهرة المخالفة للمذهب كهذه الرواية ورواية الوضوء بماء الورد (٤) ونحوهما على كون ذلك مذهبا له ـ سيما مع إيراد المعارض كما هنا ـ بعيد جدا.

وكيف كان فالقول بذلك مردود وقائله أعلم به.

ومما يدل على النقض في خصوص هذا الموضع ـ زيادة على ما تقدم ـ

__________________

(١ و ٣) في الصحيفة ٩٥.

(٢) المتقدمين في الصحيفة ٩٦.

(٤) وهي رواية محمد بن عيسى المتقدمة في الصحيفة ٣٩٤ من الجزء الأول.

٩٨

صحيحة معمر بن خلاد (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال. قال : يتوضأ. قلت له : ان الوضوء يشتد عليه لحال علته؟ فقال : إذا خفي عليه الصوت فقد وجب الوضوء عليه ...».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الخفقة والخفقتين. فقال : ما ادري ما الخفقة والخفقتان؟ ان الله تعالى يقول : «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (٣) ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء».

فوائد :

(الأولى) ـ ظاهر الاخبار المتقدمة ان سببية النوم للوضوء إنما هي من حيث كونه حدثا موجبا لذلك ، وبه جزم بعض أفاضل متأخري المتأخرين ، ونقل ان الظاهر انه هو المشهور بين الأصحاب ، لا باعتبار احتمال الحدث حالته كما ربما يفهمه بعض عبائر الأصحاب ، وهذا هو المعنى المراد من حسنة إسحاق بن عبد الله الأشعري المتقدمة (٤) إذ الظاهر ان غرضه (عليه‌السلام) بيان ان ناقضية النوم من حيث انه حدث لا من جهة أنه مظنة للحدث كما زعمته العامة (٥) فيكون الغرض من الخبر الرد عليهم في ذلك. وظني ان ما توهمه جملة من متأخري أصحابنا ومتأخريهم (رضوان الله عليهم) في معنى الخبر ـ من الاختلال ولزوم الإشكال في ترتيب الاشكال التي

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) سورة القيامة. الآية ١٥.

(٤) في الصحيفة ٩٥.

(٥) تقدم فيما نقلناه عن بدائع الصنائع في التعليقة ٥ ص ٩٦ ما يؤيد ذلك وان كان قول ابن حزم في المحلى فيما نقلناه عنه في التعليقة المذكورة : «النوم في ذاته حدث» ينافي ذلك.

٩٩

يبتني عليها الاستدلال حتى أوسعوا في المخرج عن ذلك دائرة الاحتمال ـ ليس بذلك المراد في المقام ولا المقصود لهم (عليهم‌السلام) إذ لا يخفى على المتتبع لجملة اخبارهم والمتطلع في أحكامهم وآثارهم ان غرضهم من إلقاء الكلام إنما هو إفادة الأحكام الشرعية وبيان المعارف الدينية دون التنبيه على الدقائق اللغوية وما لا نفع له في الدين والدنيا بالكلية وان أباه من توفرت رغبته في العلوم العقلية ، وحينئذ فما ربما يشعر به ظاهر رواية الكناني المتقدمة (١) ـ من ترتب الوضوء على عدم حفظ الحدث منه الموهم بان نقض النوم إنما هو لاحتمال الحدث حالته ـ مما يجب ارتكاب التأويل فيه جمعا ، بان يجعل عدم حفظ الحدث منه ـ ان كان ـ دليلا على غلبة النوم على العقل كعدم سماع الصوت مثلا.

لكن روى الصدوق (قدس‌سره) في العلل والعيون (٢) بسند معتبر عن الفضل بن شاذان في العلل التي رواها عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «فان قال قائل : فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء؟ قيل : لان الطرفين هما طريق النجاسة ، إلى ان قال : واما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي‌ء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء فيما يخرج منه الريح ، فوجب عليه الوضوء لهذه العلة. الحديث».

وهو ـ كما ترى ـ صريح في الدلالة على ان نقض النوم انما هو لاحتمال خروج الحدث ، وهو مشكل ، لان قصارى ما يفيده احتمال خروج الناقض بالنوم ، وهو لا ينقض يقين الطهارة ، لما ثبت بالأخبار المستفيضة من عدم نقض اليقين بالشك ، ولا سيما موثقة ابن بكير (٣) الدالة على المنع من الوضوء حتى يستيقن الحدث.

ولا ريب ان الترجيح لهذه الأخبار لصحتها سندا ، وصراحتها دلالة ،

__________________

(١) في الصحيفة ٩٥.

(٢) رواه في العلل في الصحيفة ٩٦ ، وفي العيون في الصحيفة ٢٩٠ ، وفي الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) الآتية في الصحيفة ١٠١.

١٠٠