الحدائق الناضرة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ نجف
المطبعة: مطبعة النّجف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

ووجه الجمع تقييد الإطلاق الأول بحاله الاستبراء ، كما هو مدلول منطوق اخبار الاستبراء ، وتقييد الإطلاق الثاني بحالة عدم الاستبراء ، كما هو مفهوم تلك الاخبار ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار.

واما إبقاء الإطلاق الأول بحاله ـ وحمل الوضوء في الإطلاق الثاني على الاستحباب وكذلك في المفهوم استضعافا لدلالته ـ

ففيه (أولا) ـ ان قوله في صحيحة محمد بن مسلم (١) : عليه الوضوء» ظاهر في الوجوب ، وكذا قوله في خبر معاوية بن ميسرة (٢) : «فليتوضأ».

و (ثانيا) ـ ان المفهوم هنا مفهوم شرط ، وهو ـ مع ذهاب الأكثر إلى حجيته ـ معضود بدلالة الأخبار عليه أيضا ، كما تقدم في المقدمة الثالثة (٣) فلا ضعف في دلالته.

و (ثالثا) ـ ان ضعف الدليل ليس من قرائن الاستحباب كما تقدمت الإشارة اليه.

واما ما ورد في رواية يونس (٤) ـ قال : «كتب اليه رجل : هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب : نعم». ـ فيتعين حمله على التقية ، لموافقته لمذهب أكثر العامة (٥) كما ذكره الشيخ في الاستبصار ، ومخالفته لما عليه كافة علماء الفرقة الناجية ولاخبارهم.

__________________

(١ و ٢) المتقدمة في الصحيفة ٦٠.

(٣) في الصحيفة ٥٧ من الجزء الأول.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء والرواية في كتب الحديث تنتهي إلى (محمد بن عيسى) ولم يذكر في سندها (يونس).

(٥) لم نعثر على من حرر من العامة هذه المسألة أعني حكم الخارج بعد الاستبراء. الا انهم عدوا الودي والمذي مما يستنجى منه فلعل الشيخ أراد ذلك من الموافقة لمذهب العامة ، قال في بدائع الصنائع ج ١ ص ١٩ : «الاستنجاء مسنون من كل نجس

٦١

هذا. واعلم ان الظاهر ـ كما عرفت من كلامهم ـ انه كما لا خلاف في نقض هذا البلل المشتبه للوضوء ، كذلك لا خلاف في وجوب غسله ، وهو يشعر بحكمهم بنجاسته. ويشكل عليهم بمقتضى ما قرروه في مسألة الإناءين ـ كما تقدم ذكره (١) ـ بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة المذكورة النقض خاصة ، مع اندراج هذا البلل في «كلية : كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر (٢). وما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم ...» (٣) مع عدم المخصص. وحصول النقض به لا يستلزم النجاسة. إلا ان المفهوم من الأخبار ـ كما عرفت في مسألة الإناءين (٤) ـ ان الشارع قد اعطى المشتبه بالنجس إذا كان محصورا والمشتبه بالحرام كذلك حكمهما في وجوب الاجتناب وتحريم الاستعمال فيما يشترط فيه الطهارة وتعدى حكمه إلى ما يلاقيه ، كما تقدم تحقيق ذلك في مسألة الإناءين ، فالحكم هنا موافق لما حققناه ثمة ، لكنه مناف لما ذكروه (رضوان الله عليهم) في تلك المسألة ، فإن المسألتين من باب واحد.

(الثالث) ـ ذكر العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى انه يستحب الصبر هنيئة قبل الاستبراء ، ومستنده غير واضح. قيل : وربما كان ظاهر الأخبار

__________________

يخرج من السبيلين له عين مرئية ، كالغائط والبول والمنى والودي والمذي والدم» وقال في الوجيز ج ١ ص ٩ : «وفي النجاسات النادرة قول انه يتعين الماء ، وقيل : المذي نادر» وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج ١ ص ١٧١ : «المذي ما يخرج بشهوة فروي انه يوجب الوضوء وغسل الذكر والأنثيين ، وروى انه لا يجب أكثر من الاستنجاء والوضوء ، والأمر بالنضح وغسل الذكر والأنثيين محمول على الاستحباب ، والودي ما يخرج بعد البول ليس فيه إلا الوضوء» وفيه أيضا «قال حنبل سألت احمد ، قلت : أتوضأ واستبرئ واجد في نفسي انى قد أحدثت بعده؟ قال : إذا توضأت فاستبرئ ثم خذ كفا من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه ، فإنه يذهب ان شاء الله».

(١ و ٤) في الصحيفة ٥٠٢ من الجزء الأول.

(٢) تقدم الكلام في هذا الحديث في التعليقة ١ ص ٤٢ ج ١ وفي التعليقة ٤ ص ١٤٩ ج ١.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات.

٦٢

خلافه ، كما في صحيحة جميل ورواية داود الصرمي المتقدمتين (١) وفي الدلالة ما عرفت آنفا ، وأظهر منهما رواية روح المتقدمة (٢).

(الرابع) ـ روى شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (٣) مضمون حسنة محمد بن مسلم (٤) عن كتاب السرائر نقلا من كتاب حريز قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : رجل بال. الحديث».

بأدنى تفاوت لا يخل بالمقصود ، ثم قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : «والخبر يحتمل وجوها : (الأول) ـ ان يكون المراد بالطرف في الموضعين الذكر ، وفي الحديث «نقي الطرفين» (٥). وفسر بالذكر واللسان ، وقال الجوهري : «قال ابن الأعرابي قولهم : «لا يدري أي طرفيه أطول ، طرفاه : لسانه وذكره» (٦) فيكون إشارة إلى عصرين : العصر من المقعدة إلى الذكر ونتر أصل الذكر ، لكن لا يدل على تثليث الأخير ، ولا يبعد ان يكون التثليث على الفضل والاستحباب (الثاني) ـ ان يكون المراد بالطرف في الموضعين الجانب ويكون الضميران راجعين إلى الذكر ، اي يعصر من المقعدة إلى رأس الذكر ، فيكون العصران داخلين فيه ، والمراد بالأخير عصر رأس الذكر ، فيدل على العصرات الثلاث التي ذكرها الأصحاب (الثالث) ـ

__________________

(١) في الصحيفة ٥٥ و ٥٦.

(٢) في الصحيفة ٥٦.

(٣) ج ١٨ ص ٤٩ من كتاب الطهارة.

(٤) المتقدمة في الصحيفة ٥٤.

(٥) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد في حديث عن الكليني بسنده عن جابر بن عبد الله قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)» : ألا أخبركم بخير رجالكم؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : ان خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين النقي الطرفين. الحديث» ..

(٦) وفي مقاييس اللغة لابن فارس ج ٣ ص ٤٤٧ «لا يدرى أي الطرفين أطول ، يراد به نسب الام والأب. وقولهم : كريم الطرفين ، يراد به هذا».

٦٣

ان يكون المراد بالأول عصر الذكر وبالثاني عصر رأس الذكر. ويضعف الأخيرين ان النتر هو الجذب بقوة لا مطلق العصر ، وهو لا يناسب عصر رأس الذكر ، مع انه لا يظهر من سائر الأخبار هذا العصر ، قال في النهاية : «فيه إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات (١). النتر جذب فيه قوة وجفوة» انتهى (٢).

ثم اعلم ان الشيخ روى هذا الخبر نقلا من الكافي ، وفيه «يعصر أصل ذكره إلى ذكره» ويروى عن بعض مشايخنا (رحمهم‌الله) انه قرأ «ذكره» بضم الذال وسكون الكاف وفسره بطرف الذكر ، لينطبق على الوجه الثاني من الوجوه المذكورة. ويخدشه ان اللغويين قالوا : «ذكرة السيف : حدته وصرامته» والظاهر منه ان المراد به المعنى المصدري لا الناتي من طرفيه.

وبقي هنا اشكال آخر وهو انه ما الفائدة في التقييد بعدم وجدان الماء؟ والجواب انه مجرب انه مع عدم الاستنجاء بالماء يتوهم خروج البلل ساعة بعد ساعة ، بل يكون خروج دريرة البول أكثر ، كما ذكر العلامة في المنتهى ان الاستنجاء بالماء يقطع دريرة البول ، ففائدة الاستبراء هنا انه ان خرج بعده شي‌ء أو توهم خروجه لا يضره ذلك اما من حيث النجاسة فلأنه غير واجد للماء ، واما من حيث الحدث فلانه لا يحتاج الى تجديد التيمم ولا قطع الصلاة» انتهى كلامه علا في الفردوس مقامه.

و (منها) ـ تعجيل الاستنجاء ولو في المبرز خصوصا من البول ، لصحيحة جميل ورواية الصرمي ورواية روح ، وقد تقدم جميع ذلك (٣).

__________________

(١) رواه في كنز العمال ج ٥ ص ٨٣ وقال ابن قدامة في المغني ج ١ ص ١٥٥ : «وقد روى يزداد اليماني قال قال رسول الله (ص) : إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات» ..

(٢) كلام صاحب النهاية.

(٣) في الصحيفة ٥٥ و ٥٦.

٦٤

و (منها) ـ أن يكفي على يده قبل إدخالها الإناء ان كان الاستنجاء متوقفا على إدخالها ، ويتبع ذلك بالتسمية والدعاء. لخبر عبد الرحمن بن كثير في حكاية وضوء أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) (١) حيث قال فيه : «يا محمد ائتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء فأكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى ، ثم قال : بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا. قال ثم استنجى فقال. الحديث».

وان يكون ذلك مرة من حدث البول ومرتين من الغائط ، لحسنة الحلبي برواية الكافي وصحيحته برواية التهذيب عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «سئل كم يفرغ الرجل على يده قبل ان يدخلها في الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول وثنتين من الغائط ...».

وستأتي تتمة الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى.

و (منها) ـ البدأة في الاستنجاء بالمقعدة قبل الإحليل ، لموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل إذا أراد ان يستنجي بأيما يبدأ : بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال : بالمقعدة ثم بالإحليل». وعلله بعضهم (٤) بأنه لئلا تنجس اليد بالغائط عند الاستبراء.

و (منها) ـ اختيار الماء حيث تجزئ الأحجار ، ويدل عليه صحيحة جميل ابن دراج أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) : «قال في قول الله عزوجل : ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (٦). قال : كان الناس يستنجون بالكرسف

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) هو العلامة (قدس‌سره) في المنتهى كما نقله الشيخ البهائي (عطر الله مرقده) في مفتاح الفلاح (منه رحمه‌الله).

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٦) سورة البقرة الآية ٢٢٣.

٦٥

والأحجار ، ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم ، فأمر به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصنعه ، فأنزل الله تعالى في كتابه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)».

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا معشر الأنصار ان الله قد أحسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا نستنجي بالماء».

وصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لبعض نسائه : مري نساء المؤمنين ان يستنجين بالماء ويبالغن ، فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير».

والجمع بين المطهرين أكمل ، لمرفوعة احمد المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء».

وإطلاق الرواية يدل على استحباب الجمع فيما يتعين فيه الماء كما في صورة التعدي وفيما تجزئ فيه الأحجار ، وبذلك صرح في المعتبر ، قال : «لانه جمع بين مطهرين بتقدير أن لا يتعدى ، وإكمال في الاستظهار بتقدير التعدي» وظاهر الشهيد في الذكرى التخصيص بالتعدي.

وكيف كان فالظاهر تقديم الأحجار ، للتصريح به في الرواية ، ولما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة النجاسة.

وأورد السيد في المدارك على أصل الحكم اشكالا ، قال (قدس‌سره) : «وأورد على هذا الحكم ان الإزالة واجبة اما بالماء أو بالأحجار وجوبا تخييريا ، فكيف يكون أحدهما أفضل من الآخر ، بل قد صرحوا في مثل ذلك باستحباب

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٦٦

ذلك الفرد الأفضل ، ومنافاة المستحب المواجب واضحة. وأجيب عنه بان الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني ، لأن متعلق الوجوب في التخييري ليس امرا معينا بل الأمر الكلي. فتعلق الاستحباب بواحد منهما لا محذور فيه. وفيه نظر ، فإنه ان أريد بالاستحباب هنا المعنى العرفي ـ وهو الراجح الذي يجوز تركه لا إلى بدل ـ لم يمكن تعلقه بشي‌ء من افراد الواجب التخييري ، وان أريد به كون أحد الفردين الواجبين أكثر ثوابا من الآخر فلا امتناع فيه كما هو ظاهر» انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من النظر يمكن الجواب عنه بالتزام الشق الأول من الترديد ، قوله : انه هو الراجح الذي يجوز تركه لا إلى بدل ، وما هنا إنما يجوز تركه مع الإتيان بمبدله ، قلنا : الاستحباب هنا إنما تعلق بالفرد الكامل من افراد ذلك الواجب المخير ، وهو من حيث اتصافه بصفة الكمال يجوز تركه لا إلى بدل ، إذ لا يقوم مقامه في الكمال غيره من تلك الافراد ، واتصاف تلك الأفراد الباقية بالبدلية عنه إنما هو من حيث أصل الوجوب ، بمعنى ان كلا منها بدل عنه في الوجوب لا في الاستحباب والكمال ، غاية الأمر ان ذلك الفرد الكامل متصف بالوجوب والاستحباب باعتبارين ، فإنه باعتبار كونه أحد أفراد الواجب المخير ولا يجوز تركه لا إلى بدل يكون متصفا بالوجوب ، وباعتبار الخصوصية الكمالية التي لا توجد إلا فيه فيجوز تركه لا إلى بدل يكون مستحبا.

ويمكن الجواب أيضا باختيار الشق الثاني وان كان فيه خروج عن المعنى المصطلح إلا انه لا محذور فيه ، فقد صرح به جملة من أجلاء الأصحاب : منهم ـ جده (قدس‌سره) في روض الجنان.

وأجاب بعض فضلاء متأخري المتأخرين بأن الوجوب هنا إنما هو صفة الطبيعة ، وكون خصوص فرد منها مستحبا لا خفاء في صحته ، قال : «وما عرض له من الشبهة ـ من انه لا يجوز تركه لا إلى بدل فكيف يكون مستحبا؟ ـ فمندفع بان التحقيق ان

٦٧

الواجب ما يكون تركه سببا لاستحقاق العقاب لا تركه لا إلى بدل ، لان ما يكون له بدل ليس بواجب في الحقيقة بل الواجب أحدهما ، فزيادة هذا القيد في تعريف الواجب اما بناء على ما هو المتراءى في أول الوهلة ، أو غفلة عما هو الحق ، أو يكون المراد منه ما هو المراد بقولهم بوجه ما في تعريف الواجب لتدخل الواجبات المشروطة. وعلى هذا لا يكون الفرد واجبا بل الواجب هو الطبيعة ، لأن ترك الفرد ليس سببا لاستحقاق العقاب ، بل السبب إنما هو ترك الطبيعة ، فيمكن استحبابه».

ويشكل بان الفرد متحد بالطبيعة خارجا فيكون واجبا بوجوبها فكيف يكون مستحبا؟ بل التحقيق في الجواب هو ما قدمنا.

و (منها) ـ الاعتماد على اليسرى ، ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم أقف فيه على نص ، وأسنده في الذكرى إلى رواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١). وقال العلامة في النهاية : «لأنه (عليه‌السلام) علم أصحابه الاتكاء على اليسار» وهما اعلم بما قالا.

و (منها) ـ إعداد الأحجار ، ولم أقف فيه على نص سوى ما نقل في الذكرى انه روي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار ، فإنها تجزئ» (٢). والظاهر ان الروايتين في هذا الموضع والذي قبله من طريق الجمهور ، فاني بعد التتبع لكتب الأخبار ـ ولا سيما البحار الجامع لما شذ عن الكتب

__________________

(١) في مجمع الزوائد للهيثمى ج ١ ص ٢٠٦ عن الطبراني في الكبير عن رجل من بنى مدلج عن أبيه قال : «جاء سرافة بن مالك بن جعشم من عند النبي (ص) فقال : علمنا رسول الله كذا وكذا. فقال رجل كالمستهزئ : اما علمكم كيف تخرؤون؟ فقال : بلى والذي بعثه بالحق لقد أمرنا أن نتوكأ على اليسرى وان ننصب اليمنى» ..

(٢) في سنن البيهقي ج ١ ص ١٠٣ عن عروة عن عائشة ان رسول الله (ص) قال : «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار ليستطيب بهن فإنها تجزئ عنه» ..

٦٨

الأربعة من الأخبار ـ لم أقف عليهما ، وكان أصحابنا ـ لما اشتهر بينهم من التساهل في أدلة السنن ـ يعتمدون على أمثال ذلك. وهو تساهل خارج عن السنن.

المورد الرابع

في المكروهات

و (منها) ـ التخلي في أحد هذه الأماكن : شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، والطرق النافذة ، ومواضع اللعن ، ومنازل النزال ، وأفنية المساجد.

ففي صحيح عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) المروي في الكافي (١) قال : «قال رجل لعلي بن الحسين (عليهما‌السلام) : أين يتوضأ الغرباء؟ قال : تتقي شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن. فقيل له : واين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور».

وفي مرفوعة علي المتقدمة (٢) ـ في مسألة الاستقبال والاستدبار بالتخلي ـ الأمر باجتناب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال.

وفي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) : «قال نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها ، أو نهر يستعذب ، أو تحت شجرة فيها ثمرتها».

وفي رواية الكرخي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة ملعون من فعلهن : المتغوط في ظل النزال ،

__________________

(١) ج ١ ص ٦ وفي الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) في الصحيفة ٣٩.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٦٩

والمانع الماء المنتاب (١) والساد الطريق المسلوك».

وروى الصدوق في الخصال (٢) بسند معتبر عن الصادق (عليه‌السلام) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في جملة حديث : «لا تبل على المحجة ولا تتغوط عليها».

وظاهر الأصحاب سيما المتأخرين الحكم بالكراهة في الجميع ، إلا ان الشيخ المفيد في المقنعة عبر في هذه المواضع بعدم الجواز ، وابن بابويه في الفقيه عبر بذلك في في‌ء النزال وتحت الأشجار المثمرة ، قال شيخنا صاحب كتاب رياض المسائل ـ بعد نقل ذلك عنهما ـ ما لفظه : «والجزم بالجواز ـ مع ورود النهي والأمر واللعن في البعض مع عدم المعارض سوى أصالة البراءة ـ مشكل» انتهى. وهو جيد إلا انه كثيرا ما قد تكرر منهم (صلوات الله عليهم) في المحافظة على الوظائف المسنونة من ضروب التأكيدات في الأوامر والنواهي ما يكاد يلحقها بالواجبات والمحرمات ، كما لا يخفى على من تتبع الأخبار وجاس خلال تلك الديار. على ان اللعن هو البعد من رحمة الله وهو كما يحصل بفعل المحرم يحصل بفعل المكروه ولو في الجملة.

وتقييد الطرق بالنافذة احتراز عن المرفوعة ، فإنها ملك لأربابها ، فيحرم التخلي فيها قطعا. وربما كان في ذلك إشعار بالكراهة.

وفي بعض عبائر الأصحاب ـ كالشهيد في الدروس ـ ذكر الأفنية من غير تقييد بالمساجد ، ولم نقف له على دليل وراء ما ذكرنا.

واحتمل بعض المتأخرين في معنى مواضع اللعن انه هو كل موضع يلعن المتغوط بالجلوس فيه ، وحمل تفسيره (عليه‌السلام) على التمثيل ببعض الافراد.

وفسر جماعة من المتأخرين الأشجار المثمرة في هذا المقام بما من شأنها ذلك وان لم تكن مثمرة بالفعل بل وان لم تثمر في وقت ما ، استنادا إلى صدق الاسم بناء على انه

__________________

(١) يعنى بالمنتاب المباح الذي يعتوره المارة على النوبة. بيان الوافي (منه رحمه‌الله).

(٢) ص ١٧٠ وفي الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٠

لا يشترط في صدق المشتق بقاء مأخذ الاشتقاق.

وفيه (أولا) ـ ان صدق هذا المشتق إنما يقتضي جواز إطلاق المثمرة على ما أثمرت في وقت ما وان لم تكن مثمرة في الحال ، لا إطلاقها على ما من شأنها ذلك لانه لا خلاف في ان إطلاق المشتق على ما سيتصف بمبدإ الاشتقاق مجاز البتة.

و (ثانيا) ـ ان المسألة المذكورة وان كان مما طال فيها الجدال وانتشرت فيها الأقوال حتى في تحرير محل النزاع ، كما فصلنا ذلك في المقدمة التاسعة ـ إلا ان التحقيق انه ان جعل موضع النزاع ما هو أعم من المشتق أو ما جرى مجراه مع طرو الضد الوجودي وعدمه ، فالحق هو القول بالاشتراط ، كما هو قول جملة من علماء الأصول ، واختاره المحدث الأمين الأسترآبادي في تعليقاته على شرح المدارك. حيث قال : الحق عندي أنه لا بد ـ في بقاء صدق المعنى الحقيقي اللغوي للمشتق على ذات ـ من بقاء الحالة التي هي مناط حدوث صدقه ، سواء كانت الحالة المذكورة قيام مبدأ الاشتقاق أو ما يحذو حذوه ، ودليلي على ذلك (أولا) ـ انه من الأمور البينة اشتراط ذلك في كثير من الصور ، كالبارد والحار والهابط والصاعد والمتحرك والأبيض والأحمر والمملوك والموجود. ومن القواعد الظاهرة ان قاعدة الوضع اللغوي في كل صنف من أصناف المشتقات واحدة ، ولو لا البناء على القواعد الظاهرية لبطلت قواعد كثيرة من فنون العربية. و (ثانيا) ـ مقتضى النظر الدقيق ومذهب المحققين ان معنى المشتقات كالعالم أمر بسيط ، ومقتضى ظاهر النظر ما اشتهر بين اللغويين من ان معناه شي‌ء قام به العلم ، والوجدان حاكم بأنه ليس هنا بسيط يصلح سوى لا بشرط مأخذ الاشتقاق ، فلا بد في بقاء معناه من بقائه. ثم اعلم انه قد يصير بعض الألفاظ المشتقة حقيقة عرفية عامة أو خاصة أو مجازا مشهورا عند جماعة أو عاما فيما يعم معناه اللغوي وما في حكمه عرفا أو شرعا ، ومنه : المؤمن والكافر وأشباههما. ومن الأمور العجيبة انه طال التشاجر بينهم في هذه المسألة من غير فصل

٧١

يقطع دابر المنازعة. ثم انه ذكر ان الذي يظهر لي من تتبع رواياتهم (صلوات الله عليهم) ان المتبادر من الحائض والنفساء في كلامهم ذات حدث الحيض وذات حدث النفاس لا ذات الدم ، وهذا من باب ارادة ما يعم المعنى اللغوي وما في حكمه شرعا. ثم استدل بجملة من الأخبار على ذلك.

وان جعل محل النزاع ما هو أخص ـ كما صرح به المحقق التفتازاني واقتفاه جماعة فيه ـ فما نحن فيه ليس من موضع النزاع في شي‌ء ، فان المراد بالمشتق في القاعدة المذكورة هو ما جرى على ما اشتق منه في إرادة الحدوث والتجدد لا ما خرج عنه بإرادة معنى الدوام أو ذي كذا أو غير ذلك من المعاني ، ألا ترى ان الصفة المشبهة بالفعل وافعل التفضيل واسم الزمان والمكان حيث لم تجر عليه في ذلك لم تصدق إلا على من هو متصف به حالة الإطلاق ، وإلا لزم إطلاق حسن الوجه على قبيحة وبالعكس ـ باعتبار ما كان ـ إطلاقا على جهة الحقيقة ، وكذلك ما كان من صيغ اسم الفاعل مسلوكا به مسلك الصفة المشبهة ونحوها في عدم ارادة الحدوث ، سواء أريد منه الدوام والاستمرار كالخالق والرازق من أسمائه ، أو ذي كدا مجردا كالرضيع. والمؤمن والكافر والحائض أو مع الكثرة كاللابن والتامر. والظاهر ان لفظ (المثمرة) بمعنى ذات الثمرة ، من أثمرت النخلة إذا صار فيها الثمر ، كاتمرت إذا صار فيها التمر ، وأطعمت أي صار فيها ما يطعم. ويرشد إلى ما قلنا تعليق عدم الاشتراط على صفة الاشتقاق في قولهم : المشتق لا يشترط في صدقه بقاء مأخذ الاشتقاق. والتعليق على الوصف يشعر بالعلية والمعنى ان المشتق من حيث كونه مشتقا لا يشترط. إلخ ، وما نحن فيه لم يبق على حيثية الاشتقاق بل سلك به مسلك الجوامد ولم يجر مجرى ما اشتق منه.

و (ثالثا) ـ استفاضة الأخبار عنهم (صلوات الله عليهم) بان مورد النهي في هذا المقام الشجرة المثمرة بالفعل.

٧٢

ومن ذلك ما رواه في الفقيه (١) مرسلا وفي كتاب العلل (٢) مسندا عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان لله عزوجل ملائكة وكلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل ، فليس من شجرة ولا نخلة إلا ومعها من الله عزوجل ملك يحفظها وما كان منها. ولو لا ان معها من يمنعها لأكلتها السباع وهو أم الأرض إذا كان فيها ثمرتها ، قال : وإنما نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يضرب أحد من المسلمين خلاء تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها. قال : ولذلك يكون الشجر والنخل أنسا إذا كان فيه حمله ، لأن الملائكة تحضره».

و (رابعا) ـ وهو الحق ـ عدم بناء الأحكام على مثل هذه القواعد المختلة النظام المنحلة الزمام ، كما تقدمت الإشارة إليه في المقدمة التاسعة (٣).

و (منها) ـ استقبال جرم الشمس والقمر ، لرواية الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به».

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول».

وما رواه في الفقيه في باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٦) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيه انه «نهى ان يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر».

__________________

(١) ج ١ ص ٢١ ، وفي الوسائل من قوله : إنما نهى. إلخ في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) في الصحيفة ١٠٢.

(٣) في الصحيفة ١٢٤ من الجزء الأول.

(٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٦) في أول الجزء الرابع ، وفي الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٣

وظاهر هذه الاخبار التحريم لظاهر النهي فيها إلا ان المشهور بين الأصحاب الحكم بالكراهة. وظاهر المفيد ـ حيث عبر في المقنعة بعدم الجواز ـ التحريم. ويمكن حمل النهي المذكور على الكراهة بقرينة خلو مرفوعة علي بن إبراهيم المتقدمة (١) في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عن ذلك ، مع قوله في آخرها : «وضع حيث شئت».

وكذلك مرفوعة عبد الحميد ومرفوعة محمد المتقدمتان ثمة (٢) حيث تضمنتا السؤال عن حد الغائط ولم يذكرا استقبال الجرمين فيه ، فظاهرهما الخروج من الحد المذكور وأقله عدم التحريم ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة اختصاص الحكم المذكور بالبول دون الغائط ، وظاهر الأكثر التعميم ، وبه صرح الشهيد في الدروس والذكرى ، والعلامة في القواعد والمفيد في المقنعة. واحتمل بعض محققي متأخري المتأخرين كون الاقتصار على البول في الأخبار لكونه أعم من الغائط وجودا ، لعدم انفكاكه عنه غالبا ووجوده بدون الغائط كثيرا ، أو للتنبيه بالأضعف على الأقوى. وفيهما ما لا يخفى.

وكذا ظاهر الأخبار اختصاص ذلك بالاستقبال دون الاستدبار ، ولذلك خصه بعض الفقهاء بذلك ، بل نقل عن العلامة في النهاية انه صرح بعدم كراهية الاستدبار ، واستظهره في المدارك.

لكن روى الكليني (٣) مرفوعا مضمرا : «لا تستقبل الشمس ولا القمر». وابن بابويه في الفقيه (٤) كذلك : «لا تستقبل الهلال ولا تستدبره». فيمكن فهم حكم الغائط من الأولى ، لأن الظاهر انها متعلقة بحد الغائط ، ويفهم من الثانية عدم اختصاص الحكم بالقمر ، كما هو المصرح به في كلامهم ، لعدم تناوله للهلال ، إذ هو مخصوص بما قبل الاستدارة والقمر بما بعدها. واستند بعض

__________________

(١ و ٢) في الصحيفة ٣٩.

(٣) ج ١ ص ٦ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) ج ١ ص ١٨ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٤

فضلاء متأخري المتأخرين إلى استفادة حكم الاستدبار من هذه الرواية ، وعضدها بقوله سبحانه : «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ ...» (١) وفيه ما لا يخفى.

و (منها) ـ استقبال الريح واستدبارها ، لقوله (عليه‌السلام) في مرفوعة عبد الحميد المتقدمة (٢) بعد السؤال عن حد الغائط : «ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها». ومثلها مرفوعة محمد (٣) أيضا. ومورد الخبرين وان كان هو الغائط إلا انه يمكن فهم حكم البول منه بناء على ان المراد منه المعنى اللغوي بالتقريب الذي ذكروه في دلالة قوله تعالى : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (٤) وحينئذ فالتعميم ظاهر ، بل الظاهر ان المفسدة في استقبال الريح واستدبارها بالبول أشد ، فيندرج من باب مفهوم الموافقة على القول به والعجب من جماعة حيث خصوا الكراهة بالبول معللين له بخوف الرد ، والرواية ـ كما ترى ـ إنما وردت في الغائط خالية من التعليل. وخصوا الحكم بالاستقبال أيضا نظرا إلى التعليل ، مع تصريح الرواية بالاستدبار. والتقريب في الكراهة ما تقدم في مرفوعة علي بن إبراهيم (٥).

و (منها) ـ السواك ، لما رواه الشيخ في التهذيب (٦) مضمرا وفي الفقيه (٧) مرسلا عن الكاظم (عليه‌السلام) قال : «السواك في الخلاء يورث البخر».

و (منها) ـ طول الجلوس على الخلاء ، لرواية محمد بن مسلم (٨) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : «قال لقمان لابنه : طول الجلوس على الخلاء يورث الناسور ، قال : فكتب هذا على باب الحش». والناسور بالنون والسين المهملة والراء أخيرا : علة في حوالي المقعدة. وفي بعض النسخ بالباء الموحدة وجمعه بواسير ، وهو معروف

__________________

(١) سورة الحج. الآية ٣٤.

(٢ و ٣) في الصحيفة ٣٩.

(٤) سورة النساء والمائدة. الآية ٤٧ و ١٠.

(٥) في الصحيفة ٣٩.

(٦) ج ١ ص ١٠.

(٧) ج ١ ص ٣٢ ، وفي الوسائل في الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٨) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٥

و (منها) ـ استصحاب خاتم فيه اسم الله تعالى أو شي‌ء من القرآن.

ويدل عليه رواية أبي أيوب (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): ادخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله؟ قال : لا ولا تجامع فيه».

ورواية أبي القاسم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى؟ فقال : ما أحب ذلك. قال : فيكون اسم محمد؟ قال : لا بأس».

وموثقة عمار الساباطي الآتية (٣) حيث قال فيها : «ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله ، ولا يجامع وهو عليه ، ولا يدخل المخرج وهو عليه».

ورواية علي بن جعفر المروية في كتاب قرب الاسناد (٤) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن ، أيصلح ذلك؟ قال : لا».

وبعض الأصحاب عبر في هذا المقام بكراهة استصحاب ما عليه اسم الله ، وهذه الروايات كلها مختصة بالخاتم ، ولم نقف على غيرها في المسألة.

وقال في الفقيه (٥) : «ولا يجوز للرجل ان يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله أو مصحف فيه القرآن ، فان دخل وعليه خاتم عليه اسم الله فليحوله عن يده اليسرى إذا أراد الاستنجاء» وظاهر كلامه مؤذن بالتحريم كما ترى.

و (منها) ـ استصحاب دراهم بيض غير مصرورة ، لرواية غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٦) انه «كره ان يدخل الخلاء ومعه درهم أبيض إلا ان يكون مصرورا». وقيده بعض الأصحاب بما يكون عليه اسم الله تعالى. وهو حسن.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) في الصحيفة ١٢١ وفي الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥) ج ١ ص ٢٠.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٦

و (منها) ـ الكلام ـ على المشهور ـ إلا ما استثنى مما سيأتي تفصيله. وقال في الفقيه (١) : «لا يجوز الكلام على الخلاء ، لنهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن ذلك»

ويدل على النهي عن ذلك رواية صفوان عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ».

وروى الصدوق في الفقيه (٣) مرسلا وفي العلل مسندا عن أبي بصير قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا تتكلم على الخلاء ، فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة».

واستثني من ذلك ذكر الله تعالى وتحميده وقراءة آية الكرسي وحكاية الأذان.

ويدل على الأول صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى (عليه‌السلام) سأل ربه فقال : الهي انه يأتي علي مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها. فقال : يا موسى ان ذكري حسن على كل حال». وبمضمونها أخبار أخر أيضا.

وعلى الثاني ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (٥) عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد الله في نفسه».

__________________

(١) ج ١ ص ٢١.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٣) ج ١ ص ٢١ وفي العلل ص ١٠٤ وفي الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة وفي الباب ـ ١ ـ من أبواب الذكر.

(٥) في الصحيفة ٣٦ وفي الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٧

وعلى الثالث صحيحة عمر بن يزيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن. فقال : لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد الله أو آية الحمد لله رب العالمين» (٢).

والظاهر حمل عدم الرخصة فيما زاد على ذلك على تأكد الكراهة ، لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته أتقرأ النفساء ـ والحائض والجنب والرجل يتغوط ـ القرآن؟ قال : يقرؤون ما شاءوا». ولاخبار الذكر المتقدمة.

وعلى الرابع صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن».

رواه الصدوق في الفقيه والعلل (٥) وروى في العلل (٦) أيضا مثله عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام). وروى فيه (٧) أيضا عن سليمان بن مقبل عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) كذلك ، وذكر فيه ان ذلك مستحب ، وان العلة فيه انه يزيد في الرزق.

وبذلك يظهر لك ما في كلام جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني (رحمه‌الله) حيث لم يقفوا على النصوص المذكورة ، إذ كان نظرهم غالبا مقصورا على مراجعة التهذيب ، وهو خال عن ذلك ، فأنكروا وجود النص في المسألة ، ونسبه الشهيد الثاني في الروضة إلى المشهور إيذانا بذلك ، واستشكل في الاستدلال عليه

__________________

(١ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) سورة الفاتحة. الآية ١.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الخلوة وفي الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان.

(٥) رواه في الفقيه ج ١ ص ١٨٧ وفي العلل ص ١٠٤.

(٦) في الصحيفة ١٠٤ وفي الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٧) في الصحيفة ١٠٤ وفي الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٨

بأحاديث الذكر ، لعدم شمولها الحيعلات إلا ان تبدل بالحولقة ، كما صرح به في الروض.

وظاهر الرواية المتقدمة (١) ـ وكذا رواية أبي بصير المشار إليها آنفا (٢) حيث قال فيها : «فقل مثل ما يقول المؤذن ، ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال ، لان ذكر الله حسن على كل حال». ـ كون مجموع فصول الأذان داخلا في الذكر من الحيعلات وغيرها ، ولعل دخولها تغليبا أو يحمل الذكر على ما يشملها.

وما اعتذر به عنه بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من ان مراده من عدم النص في عبارة الروض يعني بالنسبة إلى الحيعلات ـ فتكلف بعيد.

وزاد الأصحاب الكلام لحاجة ضرورية استنادا إلى رفع الحرج ، ورد السلام ، والصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والحمد بعد العطاس. ووجه الجميع ظاهر. وكأنهم لم يقفوا على خصوص ما ورد في الأخير مما قدمنا نقله فرجعوا فيه الى الأدلة المطلقة.

و (منها) ـ الاستنجاء باليمين ، لنهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الوارد في مرسلة يونس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) وفي رواية السكوني (٤) أيضا معللا فيها بكونه من الجفاء ، وكذا رواه الصدوق (٥) مرسلا ، ثم قال : «وقد روى انه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة».

و (منها) ـ الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله ، ويدل على ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله. الحديث».

__________________

(١ و ٢) في الصحيفة ٧٨.

(٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥) في الفقيه ج ١ ص ١٩ وفي الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

٧٩

ورواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : انا روينا في الحديث ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يستنجي وخاتمه في إصبعه ، وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وكان نقش خاتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (محمد رسول الله). قال : صدقوا. قلت : ينبغي لنا ان نفعل ذلك؟ فقال : ان أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى وأنتم تتختمون في اليد اليسرى».

ومثلها روايته الأخرى المروية في العيون والمجالس (٢) وفي آخرها «فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم ...».

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : من نقش على خاتمه اسم الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضإ».

واما رواية وهب بن وهب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان نقش خاتم أبي (العزة لله جميعا) وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (الملك لله) وكان في يده اليسرى يستنجى بها». ـ فالظاهر ردها ، لدلالة روايتي الحسين بن خالد (٥) على نفي ذلك وان تختمهم (عليهم‌السلام) إنما هو في اليمين. مضافا إلى استفاضة الأخبار باستحباب التختم باليمين (٦). وراوي الرواية المذكورة عامي خبيث بل من أكذب البرية على جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) كما

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) رواها في العيون في الصحيفة ٢١٧ وفي المجالس في الصحيفة ٢٧٣ وفي الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٦) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب أحكام الملابس.

٨٠