الحدائق الناضرة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ نجف
المطبعة: مطبعة النّجف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

«سألته عن المرأة تحيض وهي جنب هل عليها غسل الجنابة؟ قال : غسل الجنابة والحيض واحد».

وفي رواية الخشاب (١) في مثل هذه الصورة «تجعله غسلا واحدا عند طهرها». ومثلها رواية أبي بصير (٢) وغيرها.

وفي صحيحة زرارة (٣) فيمن مات وهو جنب «يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة». الى غير ذلك من الأخبار التي يطول بنقلها المقام.

وأنت خبير بان ظواهرها تعطي ان حكم الغسل كالوضوء في رفع الأحداث المتعددة واستباحة العبادات المتعددة ، وهي بإطلاقها دالة على الصحة مع نية الأسباب كلا أو بعضا أو عدم نية شي‌ء منها مع قصد القربة.

وكما تدل على تداخل الواجبات الصرفة والمجتمعة مع المندوبة صريحا كذلك تدل على تداخل المستحبات الصرفة ، إذ من الظاهر البين أن تعداده (عليه‌السلام) لجملة تلك الأغسال في حسنة زرارة (٤) إنما هو من قبيل التمثيل وبيان للاجتزاء بغسل واحد لأسباب متعددة ، وحينئذ فذكر الجنابة معها ليس إلا كذكر غيره من سائرها ، ويؤيد ذلك ويحققه قوله (عليه‌السلام): «وإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد». فان المراد بالحقوق هي الثابتة في الشريعة ولو على وجه الاستحباب ، وانه بملاحظة بعض الغايات الحاصلة يجزئ عن جملة من الغايات الأخر السابقة على الفعل وان لم تلحظ حال الفعل.

بل ربما يقال وعن الغايات المتجددة بعد الفعل ، كما رجحه بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين حسبما قررنا في الوضوء.

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣١ ـ من أبواب غسل الميت.

(٤) ص ٢٠٠.

٢٠١

كما هو ظاهر مرسلة جميل المتقدمة (١) ومثلها رواية عثمان بن يزيد ـ واستظهر بعض مشايخنا المتأخرين انه تصحيف عمر بن يزيد بقرينة رواية ابن عذافر عنه ، فتكون الرواية صحيحة ـ عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر».

فان ظاهرهما الدلالة على الاجتزاء بالغسل الواقع أول النهار عن كل غسل نهاري ، وهو أعم من ان تكون غايته حاصلة قبل الفعل أو متجددة بعده. والظاهر ان المراد بالوجوب واللزوم فيهما مجرد الثبوت ، إذ يبعد الجزم بإرادة المعنى المصطلح عليه بين المتفقهة من كلامهم (عليهم‌السلام) سيما مع وجود القرينة الدالة على ما قلنا من عده (عليه‌السلام) في حسنة زرارة في جملة ما يجزئ الغسل عنه بعد الفجر جملة من الأغسال المستحبة ، بل هي الأكثر ، إذ لم يعد في صدر الرواية من الواجبات سوى غسل الجنابة مع انك قد عرفت ان الظاهر ان ذلك انما خرج مخرج التمثيل ، على ان احتمال الواجبة بناء على ما قلنا ـ غير ممكن ، لأن الأغسال الواجبة كغسل الجنابة ونحوه مسببة عن إحداث خاصة ، ولا يعقل تقدم المسبب على سببه ، وحينئذ فتكون الروايتان المذكورتان مخصوصتين بالأغسال المستحبة إذا تجددت غاياتها بعد الفعل ، ولفظ «يجب» و «يلزم» في الروايتين ظاهر في التجدد.

واما ما ظنه بعض مشايخنا المتأخرين ـ من قوله (عليه‌السلام): «إذا اجتمعت لله عليك حقوق. الحديث». حيث انه دال بمفهوم شرطه على عدم اجزاء الغسل الواحد قبل اجتماع الحقوق عنها ، فيكون منافيا لظاهر الخبرين الأولين ـ

ففيه (أولا) ـ ان دلالة الخبرين الأولين على ما ذكرناه ـ بناء على ما حققناه ـ

__________________

(١) في الصحيفة ٢٠٠.

(٢) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام من كتاب الحج.

٢٠٢

بالمنطوق نظرا إلى العموم المستفاد منهما ، ودلالة الخبر المشار اليه بالمفهوم ، ولا شك في رجحان الأول على الثاني.

و (ثانيا) ـ انه لا ينحصر المعنى المراد من ترتب الاجزاء على اجتماع الحقوق في انتفائه بانتفائها ، بل يجوز أن يكون المراد ـ كما هو الظاهر ـ هو اجزاء غسل واحد مع اجتماع الحقوق لا تعدد الغسل لكل واحد واحد من الحقوق ، ردا على من زعم التعدد. ومفهوم الشرط إنما يكون حجة ما لم يظهر للترتب معنى آخر غير انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط كما هو مسلم في الأصول.

وبما ذكرنا يظهر دلالة الخبرين ـ كما هو الظاهر من غيرهما من أخبار المسألة أيضا ـ على عدم وجوب تعيين الوجه والسبب في الغسل ، بل يكفي إيقاع غسل له صلاحية الانصباب على الأغسال الواقعة في ذلك اليوم وان لم يلحظ تقدم سببها أو تأخره كالغسل الواقع بعد الفجر ، فإنه لوقوعه بعده يصلح للانصباب على جميع الأغسال المتعلقة بذلك اليوم ، وكذلك الواقع بعد الغروب بالنسبة إلى الأغسال الليلية.

ومما يدل على عدم وجوب تعيين الوجه والسبب في الغسل كما قلنا ـ بل يكفي غسل له صلاحية ما ذكرنا ـ ما رواه الصدوق في الفقيه (١) مرسلا وتلقاه الأصحاب بالقبول : «ان من جامع في شهر رمضان ونسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه ان يغتسل ويقضي صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنه يقضي صلاته وصومه إلى ذلك اليوم».

وبما ذكرنا يظهر ان تداخل هذه الأغسال ـ كما دلت عليه الاخبار فرع اجتماعها في أمر كلي مشترك بينها وهو الرفع ، ومنه يظهر قوة القول بكون الغسل وان كان مندوبا فإنه يكون رافعا ، ومن اخبار تلك المسألة يظهر قوة ما ذكرنا أيضا ، إذ لو لم تكن مشتركة فيما ذكرنا ـ مع وجوب كون الأفعال تابعة للقصود والغايات المترتبة عليها كما

__________________

(١) في باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان متعمدا أو ناسيا.

٢٠٣

حققناه سابقا ، بل انه لا تحقق لها إلا بها حسبما دلت عليه تلك الأخبار التي قدمناها في المقام الأول ـ لم يظهر للتداخل وجه بالكلية ، فإنه كما لا تداخل بين الوضوء والغسل لتغاير الغرضين المترتبين على كل منهما ، فلا تداخل بين الغسلين المختلفي الغايتين بل يجب لكل منهما غسل على حدة ، ولهذا ذهب البعض ـ كما تقدم نقله ـ الى عدم التداخل مطلقا ، نظرا إلى اختلاف الأسباب فيجب اختلاف المسببات.

وان كان جملة من أصحابنا من المتأخرين المانعين من رفع الغسل المستحب ، لما وردت عليهم الأخبار الدالة على التداخل في الأغسال المستحبة ورأوا انه لا مندوحة عن العمل بها ، تكلفوا للتفصي عن ذلك بوجوب تعيين الأسباب فيها ، وصرحوا بأنه لو نوى البعض خاصة اختص صحة الغسل بما نواه. إلا ان الأخبار ـ كما عرفت ـ لا دلالة لها على ذلك بل هي دالة على عدمه.

ولهذا ان بعضهم ـ بعد ان اعترف بدلالة الأخبار على ما ذكرناه ـ استشكل فيما لو قصد معينا ، فكيف يجزئ عما لم يعينه؟ ثم أجاب انه ليس بعيدا من كرم الله تعالى إيصال الثواب بهذا الفعل الخاص في هذا الوقت المشتمل على شرعية هذه الأغسال مع فعله متقربا ، كما قيل في حصول ثواب الجماعة للإمام مع عدم شعوره بأن أحدا يصلي وراءه وغير ذلك. انتهى.

وأيضا فإنه لما وردت عليهم اخبار تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة ، أشكل عليهم المخرج منها باعتبار تضاد وجهي الوجوب والاستحباب ، واعتبار نية السبب ، بل لزوم اتصاف شي‌ء واحد بمتضادين ، وهو كون غسل واحد واجبا وندبا ، وهو بديهي البطلان

وأجابوا تارة بعدم وجوب نية الوجه اما مطلقا أو فيما نحن فيه للاخبار ، وتارة باختيار نية الوجوب ودخول المندوب فيه وسقوط اعتبار السبب هنا بمعنى تأدي إحدى الوظيفتين بفعل الأخرى ، كما تتأدى صلاة التحية بقضاء الفريضة ، وصيام أيام البيض بصيام الواجب فيها. وبالجملة فالواقع هو الغسل الواجب خاصة لكن الوظيفة المسنونة تتأدى به

٢٠٤

وأنت خبير بان ما ذكروه من الجواب وان اندفع به الإشكال بالنسبة إلى النية لكن الاشكال باعتبار لزوم كون شي‌ء واحد في نفس الأمر واجبا وندبا باق على حاله والاشكال المذكور على هذا لا اختصاص له بنية الجميع كما ذكروا بل نية أحدهما أيضا بأن يقال لو كان الغسل الواحد مجزئا عن الجميع لكان واجبا ومندوبا ، وهو محال لتضادهما.

وما ذكروه من تأدي الوظيفة المستحبة بفعل الواجبة لا يحسم مادة الإشكال ، لأن تأدي وظيفة المستحب ـ بمعنى استحقاق ما يترتب عليه من الثواب بفعل الواجب ـ تقتضي كون ذلك الغسل مستحبا ، لان ما يكون امتثالا للأمر المذكور يلزم أن يكون ندبا قطعا. وبالجملة فلما كان الوجوب والندب صفتين متضادتين فكما لا يتأدى الواجب بالإتيان بالمندوب فكذا العكس.

واما ما ذكر ـ من مثال صلاة التحية وصيام أيام البيض ـ فيمكن الجواب بان مقصود الشارع ثمة هو إيقاع العبادة في هذا المكان والزمان المخصوصين من حيث هي أعم من ان يكون بوجه الوجوب أو الندب ، لا خصوصية المندوب ، بخلاف ما نحن فيه بناء على ما يدعونه من عدم رفع المندوب ، فإن خصوصية كل واحد ملحوظة على حدة ، لعدم الاشتراك في أمر كلي يجمعهما حتى يجعل ذلك الأمر الكلي موجبا لاجزاء أحد الفردين عن الآخر واندراجه تحته.

وأجاب بعض فضلاء متأخري المتأخرين عن الاشكال المذكور ـ بعد الاعتراف بلزوم ما ذكرنا ـ بالتزام ذلك ومنع استحالته لاختلاف الجهة ، قال : «فان هذا الغسل الواحد من حيث انه فرد لغسل الجمعة وامتثال للأمر به مستحب ، ومن حيث انه فرد لغسل الجنابة وامتثال للأمر به واجب».

ولا يخفى ما فيه أيضا ، فإن الطبيعة انما تكون متعلقة للتكاليف باعتبار اتحادها

٢٠٥

مع أفرادها في الخارج ، فمتى تعلق التكليف الاستحبابي كان معناه في الحقيقة يرجع الى ان ما تصدق عليه هذه الطبيعة يستحب فعله ويجوز تركه ، فلو كان بعض إفرادها ما لا يجوز تركه لم يكن القدر المشترك بين تلك الأفراد جائز الترك ، فلا يتعلق به التكليف الاستحبابي ، هذا خلف ، فإذا لا يجوز ان يكون الأمر الذي لا يجوز تركه فردا للطبيعة المستحبة. نعم يمكن ان يكون أمر واحد فردا للطبيعة المستحبة وفردا للطبيعة الواجبة فردا يجوز تركه بأن يأتي بفرد آخر لا مطلقا ، وهو خارج عن محل البحث

وأنت خبير بأنه إذا رجعت إلى ما قررناه آنفا ـ من ان الاخبار إنما وردت بالتداخل في جميع أقسام الغسل كما اخترناه ، من حيث اشتراكها في ذلك الأمر الكلي ـ اندفع الاشكال من المقام بحذافيره ، كما انه لا مجال لهذا الاشكال عندهم في تداخل الأغسال الواجبة بعضها في بعض ، لاشتراكها في الرفع.

والعجب من جملة من أصحابنا المرجحين لما اخترناه في مسألتي التداخل ورفع الغسل المندوب ، ضاق عليهم الخناق في التفصي عن هذا الاشكال ، وأكثروا من الترديد في دفعه والاحتمال.

وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى في بيان المسألة الثانية ـ ما يزيد هذا المقام إيضاحا ويتسع له الصدر انشراحا.

هذا ما اقتضاه النظر القاصر باعتبار ما هو مقتضى الدليل ، واستفادة الفكر الفاتر من كلام تراجمة الوحي والتنزيل. والاحتياط مما لا ينبغي تركه في جميع الأبواب ولا سيما هنا ، بقصد الغايات المتعددة والأسباب.

(المقام الثاني عشر) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (نور الله تعالى مراقدهم) بنقل النية في مواضع :

(الأول) ـ ما إذا اشتغل بلاحقة ثم ذكر سابقة ، سواء كانتا مؤداتين

٢٠٦

أو مقضيتين ، أو المعدول عنها حاضرة والمعدول إليها فائتة أو بالعكس بشرط ضيق الوقت عن الحاضرة.

(الثاني) ـ العدول من القصر إلى الإتمام وبالعكس. (الثالث) ـ من الائتمام الى الانفراد وبالعكس. (الرابع) ـ من الائتمام إلى الإمامة ، ومن الائتمام بإمام الى الائتمام بآخر. (الخامس) ـ من الفرض إلى النفل. (السادس) ـ من النفل الى النفل.

إذا عرفت هذا فنقول : (اما الموضع الأول) فقد اشتمل على اربع صور ، والمعلوم صحة ما عدا الرابعة ، لاعتضاده بالأخبار بل وعدم الخلاف كما سيأتي تحقيقه في موضعه ان شاء الله تعالى واما الرابعة فمحل اشكال ، لعدم الوقوف فيها على نص ، وجزم الشهيد في البيان بالعدول من القضاء إلى الأداء ، وكذا من السابقة إلى اللاحقة مع تضيق الوقت ، وبالأولى منهما صرح في المفاتيح أيضا.

(الموضع الثاني) ـ والقول فيه انه لا يخفى ان جواز العدول من أحد هذين الفرضين إلى الآخر انما يكون في موضع يباح فيه كل منهما ، كالمسافر المريد لنية الإقامة ومن حصل في أحد المواطن الأربعة ، فإنه لو صلى بقصد أحد الفرضين مع كون الآخر مباحا له ، فإنه يجوز له العدول إلى الثاني :

وتفصيل القول في ذلك اما بالنسبة إلى العدول من القصر إلى الإتمام ، فقد ورد في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل خرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته. قال : يتم إذا بدت له الإقامة». ومثلها رواية محمد بن سهل عن أبيه عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (٢) والحكم هنا مما لا خلاف فيه.

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة المسافر.

٢٠٧

والظاهر ان الحكم مثله في المصلى في أحد الأماكن الأربعة لو عدل في أثناء صلاة القصر إلى التمام وبالعكس أيضا ، عملا بعموم الدليل الدال على التخيير بالنسبة إليه في هذه الأماكن ، وانه بمجرد دخوله في أحد الفرضين لا يزول حكم التخيير عنه.

وبالتخيير هنا صرح المحقق في المعتبر واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في البحار وغيرهما في غيرهما.

وينبغي تقييده بما إذا لم يتجاوز محل العدول فيما إذا عدل من التمام إلى القصر ، وما لم يسلم على الركعتين في العكس ، وإلا لأشكل ذلك فيما لو دخل بنية الإتمام ثم سلم على الركعتين ساهيا ، أو دخل بنية القصر ثم صلى الركعتين الأخيرتين ساهيا ، فان الحكم بالصحة ـ بناء على انه مخير في الإتيان بأيهما وقد اتى بأحدهما ـ مشكل ، لان الظاهر ان المكلف وان كان مخيرا بين الفردين لكن باختياره أحدهما وقصده الامتثال به من غير عدول عنه يتعين في حقه ويترتب عليه أحكامه من الابطال بزيادة ما زيادته مبطلة ونقصان ما نقصانه مبطل ، وإلا للزم الحكم بالصحة بناء على استحباب التسليم فيما لو صلى بنية التمام ثلاث ركعات ثم سلم على الثالثة ساهيا ، فإنه قد أوجد الصلاة المقصورة في ضمن هذه الثلاث ركعات وان كانت غير مقصودة ، فتكون مجزئة ، بل ولو سلم عامدا أو أحدث والحال هذه في أثناء الركعتين الأخيرتين أو فعل ما يبطلها ، فإنه تكون صلاته صحيحة باعتبار اشتمالها على الصلاة المقصورة في الجملة. والحكم بالصحة في أمثال ذلك خارج عن مقتضى الأصول المقررة والقواعد المعتبرة.

وبذلك يظهر لك ما في كلام الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ، حيث قال : «الظاهر انه لو نوى القصر ثم تممها نسيانا أو عمدا مع النقل تصح الصلاة وبالعكس» انتهى.

واما بالنسبة إلى العدول من الإتمام إلى القصر فقد عرفت الكلام فيه بالنسبة

٢٠٨

إلى المواضع الأربعة. واما في قاصد الإقامة فهو إنما يتم بالنسبة إلى أول فريضة يريد إيقاعها بنية التمام ، إذ بعدها لا مجال للعدول. لوجوب الإتمام حينئذ حتى يقصد المسافة.

وقد اختلف كلام الأصحاب في هذا المقام ، فالمنقول عن الشيخ في المبسوط وابن الجنيد وأبي الصلاح وجوب المضي على التمام في تلك الفريضة حتى يخرج مسافرا. وتردد المحقق في المعتبر والشرائع ، نظرا إلى افتتاح الصلاة على التمام وهي على ما افتتحت عليه ، وإلى عدم الإتيان بالشرط وهو الصلاة على التمام. وفصل في التذكرة والمختلف والقواعد بتجاوز محل القصر فلا يرجع ، وبعدم تجاوزه فيرجع ، لانه مع التجاوز يلزم من جواز الرجوع إبطال العمل المنهي عنه ، ومع عدم تجاوزه يصدق انه لم يصل فريضة على التمام ، واليه ذهب في البيان والدروس. وأطلق في المنتهى العود إلى التقصير ، لعدم حصول الشرط ، واختاره السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في كتاب البحار.

والمسألة غير منصوصة على الخصوص ، الا انه لما كان فرض المسافر التقصير وانتقال فرضه إلى آخر يحتاج إلى دليل ـ وغاية ما يستفاد من صحيحة أبي ولاد (١) التي هي مستند هذا الحكم هو صلاة فريضة على التمام بنية الإقامة. وبالعدول في أثنائها وان تجاوز محل القصر لا يصدق حصول فريضة على التمام ، فينتفي الشرط وبانتفائه ينتفي المشروط ـ كان الأظهر هو القول الأخير. وحينئذ فمتى كان العدول بعد تحقق الزيادة المبطلة يتعين الإعادة ، لفوات شرط التمام ، وبطلان المقصورة بما اشتملت عليه من الزيادة ، وإلا صحت صلاته قصرا.

(الموضع الثالث) ـ وهو العدول من الائتمام إلى الانفراد وبالعكس ، ويشتمل على صورتين :

(إحداهما) ـ العدول من الائتمام إلى الانفراد ، واستدلوا عليه بصحيحة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة المسافر.

٢٠٩

علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد ، فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء ان يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : يسلم وينصرف ويدع الامام».

وعندي في الاستدلال بهذه الرواية إشكال ، وذلك لأنها وان دلت على جواز الانصراف مع العذر لكنها قد دلت على كون محله التشهد ، وانه بسبب تطويل الإمام في التشهد ، والظاهر ان المراد بتطويله عبارة عن الإتيان بما اشتمل عليه من الأذكار المستحبة في التشهد وهو التشهد المستحب ، وحينئذ فمن المحتمل قريبا ان الأمر بالانصراف انما هو في ضمن تلك الأذكار المستحبة بعد الإتيان بالصيغة الواجبة ، وعلى هذا فلا دلالة في هذا الخبر على المدعى ، لأنهم قد صرحوا بجواز تسليم المأموم قبل الامام وان كان لا لعذر ، وجعلوها مسألة مستقلة غير ما نحن فيه ، واستدلوا عليها بصحيحة أبي المغراء عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يصلي خلف الامام فيسلم قبل الامام؟ قال : ليس عليه بذلك بأس». واستدلوا أيضا بالرواية السابقة في تلك المسألة ، وكأنه لفهمهم منها الأولوية لهذه الصورة.

والظاهر عندي ـ لما عرفت ـ هو الاختصاص بهذه الصورة ، على ان الرواية المذكورة ـ بناء على ما ذكروا ـ معارضة بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد. قال : يسلم ويمضي لحاجته ان أحب». فإنها دالة على جواز الانفراد لا لعذر مع تعين محل المفارقة فيها كتلك الرواية. وعلى ما ذكرنا من تخصيص ذلك بما بعد التشهد يزول الاشكال عن الجميع مع ان العذر المذكور في صحيحة علي بن جعفر انما وقع في كلام السائل. هذا مع العذر.

واما مع عدمه فالمشهور أيضا جواز العدول مع نية الانفراد ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى العدم.

وأدلة كل من الطرفين لا تخلو من دخل ، إلا ان يقين البراءة من التكليف

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الجماعة.

٢١٠

الثابت يقينا يعضد ما ذهب إليه في المبسوط.

ويؤيده أيضا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) انه «سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ، ما حال القوم؟ قال : لا صلاة لهم إلا بإمام ...».

ومن مواضع العدول في الصورة المذكورة ما لو تبين للمأموم في أثناء الصلاة بطلان صلاة الإمام ، فإنه يعدل إلى الانفراد ، لصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس على وضوء. قال : يتم القوم صلاتهم ، فإنه ليس على الامام ضمان».

(الصورة الثانية) ـ العدول من الانفراد إلى الائتمام وهو قول الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع ، ونفى عنه البأس العلامة في التذكرة ، واختاره السيد العلامة المحدث نعمة الله الجزائري (قدس‌سره) في رسالة التحفة ، ونقل من حجة المنع من ذلك التعويل على ما روى (٣) : «ان الشارع في فريضة ينقلها إلى النفل ويجعلها ركعتين إذا أحرم إمام الجماعة». فلو ساغ العدول لم يكن ذلك. ثم أجاب بأن القطع والنقل انما شرعا تحصيلا لصلاة الجماعة من أول الصلاة. انتهى.

والأظهر ـ كما استظهره جمع من متأخري المتأخرين ـ العدم ، لعدم ثبوت التعبد بمثله ، مؤيدا بما ذكره السيد المشار اليه. وما أجاب به (قدس‌سره) عن ذلك منظور فيه ، بأنه لو كان العلة ما ذكره لكان الأنسب بذلك هو العدول دون النقل ، إذ لا يخفى انه متى كان الغرض إدراك الصلاة من أولها مع الامام والمسارعة إلى ذلك ، فان العدول أقرب إلى تحصيله ، إذ ربما كان في النقل إلى النفل ما يفوت به الغرض المذكور

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب الجماعة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الجماعة.

(٣) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الجماعة.

٢١١

سيما إذا كان المصلي المنفرد لم يأت بشي‌ء من صلاته سوى تكبيرة الإحرام ، وبناء صلاة الجماعة على التخفيف فربما يفوته بالنقل الإدراك للركعة الأولى كما لا يخفى ، ولا سيما إذا جعلنا الموضع الذي يكلف المنفرد بالنقل فيه ما إذا اشتغل الإمام بشي‌ء من واجبات الصلاة دون ما يقدم من المندوبات ، كما هو أحد القولين في المسألة. وبالجملة فما ذكره (رحمه‌الله) في الجواب ليس بذلك المستجاب في هذا الباب.

(الموضع الرابع) ـ وهو العدول من الائتمام إلى الإمامة ، ومن الائتمام بإمام الى الائتمام بآخر ، وهو منصوص في مواضع ثلاثة :

(أحدها) ـ ما إذا أحدث الإمام في أثناء الصلاة ، فإنه يستخلف بعض المأمومين يتم بهم الصلاة.

ويدل عليه روايات عديدة : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر. فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون ادنى القوم اليه فيقدمه. فقال : يتم صلاة القوم ثم يجلس. الحديث».

وما رواه في الفقيه (٢) مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وفيه : «... ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه. الحديث».

و (ثانيها) ـ ما إذا حدث بالإمام حدث من موت أو إغماء ، فان المأمومين يستخلفون بعضهم ليتم بهم ، وعليه تدل

صحيحة الحلبي (٣) «في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال : يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة. الحديث».

و (ثالثها) ـ ما لو ائتم المتمم بالمقصر ، فإنه بعد تمام صلاة الإمام يتم بهم بعضهم

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الجماعة.

(٢) ج ١ ص ٢٦١ وفي الوسائل في الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب الجماعة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجماعة.

٢١٢

وعليه تدل صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري. فإذا ابتلى بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين ، فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم. الحديث». ولا اعلم خلافا في هذه المواضع الثلاثة.

بقي هنا صور ينبغي التنبيه عليها :

(إحداها) ـ هل يجوز العدول من الائتمام بإمام في أثناء الصلاة إلى الائتمام بآخر لو حضرت جماعة أخرى في ذلك المكان؟ قولان ، اختار أولهما العلامة في التذكرة وتبعه المحدث الكاشاني في المفاتيح. ورد بعدم ثبوت التعبد به. وهو كذلك.

و (ثانيها) ـ لو صلى الإنسان مأموما وكان مسبوقا ، فبعد فراغ الامام وانفراده بما بقي عليه هل يجوز الاقتداء به من المأمومين المشاركين له في المسبوقية وغيرهم أو لا؟ الظاهر العدم ، لأن العبادة توقيفية ، والنص انما ورد في تلك المواضع الثلاثة ، ومجرد الإلحاق بها قياس.

واستشكل العلامة في التحرير ، حيث قال : «ولو سبق الامام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسليم الإمام إشكال» انتهى.

وكأن وجه الاشكال ، من جهة المساواة للموضع الثالث من المواضع المتقدمة فيصح الائتمام ، ومن حيث عدم النص القاطع على ذلك ، والعبادة توقيفية. والإلحاق لمجرد المساواة قياس.

و (ثالثها) ـ لو صلى مأموما ثم عدل في أثناء الصلاة إلى نية الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم بعد نقل نيته إلى الانفراد أو عدمه.

و (رابعها) ـ ان ينقل الامام نيته في أثناء الصلاة إلى الائتمام ببعض المأمومين والمأموم نيته إلى الإمامة.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢١٣

ولم أقف لأحد من الأصحاب على تصريح في هاتين الصورتين. ومقتضى ما قلنا سابقا عدم الجواز ، لما عرفت.

(الموضع الخامس) ـ العدول من الفرض إلى النفل وقد ورد النص به في مواضع :

(أحدها) ـ لو دخل الإنسان في الصلاة منفردا فأقيمت الجماعة ، فإنه يعدل بنيته من الفرض إلى النفل ويتم صلاته ركعتين ثم يلحق بالإمام.

ويدل عليه روايات : منها ـ صحيحة سليمان بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن واقام الصلاة. قال : فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ، ولتكن الركعتان تطوعا».

وظاهر الرواية ان تعلق الحكم بالمصلي ـ من نقل صلاته إلى النافلة ـ متى أقيمت الصلاة ، وهو أحد القولين في المسألة. وقيل انه لا يتعلق به إلا بعد اشتغال الإمام بشي‌ء من واجبات الصلاة.

و (ثانيها) ـ لو نسي قراءة الجمعة والمنافقين في ظهر الجمعة وقرأ غيرهما حتى تجاوز النصف ، فإنه ينقل الفريضة إلى النافلة ويتمها ركعتين ثم يستأنف الظهر ، كذا نقل عن الصدوق (رحمه‌الله).

والخبر الذي وقفت عليه في هذه المسألة إنما تضمن صلاة الجمعة ، وهو صحيحة صباح بن صبيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أراد ان يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال : يتمها ركعتين ثم يستأنف». ولم أقف بعد التتبع على خبر سواه في المسألة.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الجماعة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٢١٤

وخص الحكم في البيان بصلاة الجمعة. ونقل عن ابن إدريس انه أنكر النقل الى النفل هنا.

وعد في المفاتيح في هذا الموضع أيضا ناسي الأذان والإقامة ، مستندا إلى جواز القطع له والعدول اولى. وهو عجيب منه (قدس‌سره).

ثم انه بعد ذلك استظهر جواز العدول لمطلق طلب الفضيلة ، قال : «لاشتراك العلة الواردة في النصوص عليه» وهو منه أعجب ، فإن ما استند اليه من الاشتراك في العلة غير خال من العلة ، إذ الفضيلة التي ظنها مجوزة للعدول بزعمه اما ان يريد بها في المعدول اليه أو في الفعل المستأنف في الموضع الذي يكون كذلك ، كما في هذا الموضع. وعلى الأول فبطلانه أوضح من ان يبين ، حيث ان اخبار الموضع الأول إنما تضمنت العدول إلى السابقة لتقدم اشتغال الذمة بها مع وجوب مراعاة الترتيب. واما اخبار الموضع الثاني فإنما هو لإباحة كل من الأمرين له ، واما اخبار الموضع الثالث فإنما هو للرخصة بل المعدول إليها مفضولة ، وأما اخبار الموضع الرابع فإنما هو في فريضة واحدة لإتمامها ، واما اخبار هذا الموضع فإنما المعدول إليه نافلة وهي مفضولة. واما على الثاني فيما ذكرنا انما يتمشى له في اخبار هذا الموضع ، ولم نقف في شي‌ء منها على علة منصوصة فيها حتى يتم له البناء عليها وان أمكن استفادة ذلك منها بحسب المقام ، الا انه غير مجوز لان يبنى عليه شي‌ء من الأحكام ، بل هو محض القياس المنهي عنه في اخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام).

(الموضع السادس) ـ النقل من النفل إلى النفل ، وقد نقل السيد السند (قدس‌سره) في المدارك عن الأصحاب التصريح بالجواز إذا شرع في نافلة لاحقة ثم ذكر السابقة. ولم أقف في ذلك على نص يوجب المصير اليه.

(المقام الثالث عشر) ـ لو شك في نية الصلاة وقد كبر فالظاهر انه لا خلاف في الصحة والمضي في صلاته ، للأخبار المستفيضة الدالة على انه بالدخول في غير المشكوك

٢١٥

فيه يمضي في صلاته (١).

ولو سهى عن النية حتى كبر ، فمقتضى كلام الأصحاب ـ القائلين بوجوب المقارنة في النية. وانها عبارة عن ذلك الحديث النفسي والتصوير الفكري ـ البطلان.

ومقتضى ما قدمنا من التحقيق في معنى النية انه ان كان السهو انما عرض له حال التكبير مع استصحابه لها حال القيام للصلاة والشروع في مستحباته المتقدمة ، فلا وجه للبطلان.

ولو نوى الفريضة ودخل فيها ثم نوى النافلة سهوا واتى ببعض الركعات أو بالعكس ، فان كان قد علم حال نفسه عند القيام للصلاة بأنه في الصورة الأولى إنما قام للفريضة وفي الثانية انما قام للنافلة ، بنى على ما قام له وجدد النية لما بقي وصح ما مضى من صلاته ، وان لم يعلم حاله ثمة بطلت صلاته. وهكذا لو ذكر القيام للفريضة وانها ظهر مثلا ، ثم سهى في الأثناء واتى ببعض أفعالها على انها العصر ثم ذكر ، فإنه يجدد النية لما بقي ويمضي.

ويدل على ذلك روايات : منها ـ ما رواه في الكافي (٢) والتهذيب في الحسن عن عبد الله بن المغيرة قال : «في كتاب حريز انه قال : اني نسيت انى في صلاة فريضة حتى ركعت وانا أنويها تطوعا؟ قال : فقال : هي التي قمت فيها : ان كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة ، وان كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة ...».

ورواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي أنها نافلة؟ قال : هي التي قمت

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) ج ١ ص ١٠١ وفي التهذيب ج ١ ص ٢٣٣ وفي الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

٢١٦

فيها ولها ، وقال : إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد ، فأنت في الفريضة على الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة ، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته».

ورواية معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسهى فظن أنها نافلة ، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة. قال : هي على ما افتتح الصلاة عليه».

والظاهر أيضا ثبوت الحكم المذكور وان لم يذكر إلا بعد الفراغ ، كما هو ظاهر إطلاق الرواية الأخيرة.

وهل المراد بالوقت الذي عليه المدار في البناء ، هو حال النهوض والقيام للصلاة من التوجه لها بالأذان والإقامة ونحوها من الأفعال المتقدمة ، أو حال النية وتكبيرة الإحرام؟

الظاهر من ظاهر الأخبار الأول ، ويؤيده ما صرح به جماعة من الأصحاب من انه لو لم يعلم ما نواه فإن الصلاة تبطل ، إلا إذا علم ما قام له فإنه يبني عليه ، عملا بالظاهر من انه نوى ما في نفسه ان يفعله.

واستدل عليه بعضهم بهذه الأخبار المنقولة هنا.

ورد بأنها لا دلالة لها على ذلك ، إذ مدلولها انما هو ما لو نوى شيئا ثم قصد خلافه سهوا. فإنه يبنى على ما نوى أولا ولا يضره ما فعله بقصد غيره.

وفيه أن الظاهر من قوله (عليه‌السلام) : «هي التي قمت فيها ولها» انه يبنى على ما قصده حين قيامه وتوجهه للصلاة. أعم من أن يكون نسي ما نواه أولا ولم يعلمه على اليقين ، أو شك فيه ، أو ذكره ولكن عرض له السهو بان نوى غيره ، إذ خصوص السؤال عن ذلك الفرد لا يخصص كما قرر في محله ، مع أن هذا المورد صرح بأنه لو علم ما تعين عليه وقام له ثم عرضه الشك في نيته ، لا يبعد البناء عليه.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

٢١٧

(المقام الرابع عشر) ـ نقل عن بعض متأخري المتأخرين ان من لم يكن من نيته فعل الصلاة بعد الوضوء لا يجوز له الوضوء ولو فعله كان باطلا ، بل لو كان من نيته فعل الصلاة ولم يفعلها تبين بطلانه.

ونقل عن فخر المحققين (رحمه‌الله تعالى) ان من كان بالعراق ونوى بوضوئه استباحة الطواف صح وضوؤه ، ومثله نقل عن الشهيد في البيان.

واستشكله المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) بأنه نوى امرا ممتنعا فكيف يحصل له؟

وأجيب بأن المنوي ليس وقوع الطواف بالفعل بل استباحته ، فالمنوى غير ممتنع والممتنع غير منوي.

وتوضيحه ـ على ما حققه شيخنا البهائي (قدس‌سره) في بعض فوائده ـ انه لا ريب ان كون المكلف على حالة يتمكن معها من الدخول في عبادة مشروطة بالطهارة ـ كالصلاة والطواف مثلا ـ أمر راجح في نظر الشارع ، فلو توضأ المكلف بقصد صيرورة الصلاة مباحة له ـ اعني حصول تلك الحالة ـ فينبغي ان تحصل له ، وكونه يأتي بعد ذلك بالصلاة أو لا يأتي أمر خارج عن القصد المذكور ، فان حصول تلك الحالة أمر مغاير لفعل الصلاة بغير مرية. نعم لو نوى بالوضوء فعل الصلاة مجردا عن استباحتها ولم يكن من قصده فعلها ، لكان متلاعبا بنيته. فلا بعد في القول بفساد طهارته حينئذ.

أقول : لا يخفى ما في كلام البعض المذكور من الضعف والقصور :

(أما أولا) ـ فلعدم الدليل على ما ذكره ، بل الدليل على خلافه واضح السبيل

و (اما ثانيا) ـ فلما فيه من الإجمال بل الاختلال ، فإنه ان أراد بذلك ما لو كان في الوقت ، فإنه لا يخفى ان الواجب عليه هو الوضوء والصلاة ، والإتيان بأحد الواجبين وان لم يأت بالآخر بعده غير مضر بصحته. فمن اين له انه لا يجوز له الوضوء وهو مخاطب به وواجب عليه؟ غايته انه تجب عليه الصلاة معه ولكن وجوب الصلاة موسع عليه ، وحينئذ فلو توضأ في أول الوقت لأجل ان يصلي في آخره فلا مانع

٢١٨

من صحته ، ومدعى الابطال عليه الدليل ، وليس فليس. وان أراد في غير الوقت ، فإنه لا يخفى ان للوضوء غايات متعددة ، وان قصد ايها كان موجب لصحة الوضوء وان لم يقصد الصلاة ، ومع ذلك فإنه يجوز له الدخول به في الصلاة.

والحق هو ما ذكره شيخنا المذكور (قدس‌سره) لما تقدم تحقيقه في المقام العاشر مما حاصله ان من نوى بوضوئه إحدى الغايات المتقدمة ، فلا ريب في صحة وضوئه وجواز دخوله به في الصلاة وغيرها مما هو مشروط بالطهارة ، وان التحقيق ان الغاية الحقيقة للوضوء إنما هو قصد الرفع وان تلك الغايات إنما تترتب عليه.

الا ان قول شيخنا المشار إليه في آخر كلامه : «نعم لو نوى بالوضوء فعل الصلاة. إلخ» لا يخلو من مناقشة ، فإنه لا يخفى انه متى كان المكلف عالما بأنه لا يجوز له الدخول في الصلاة بغير وضوء وقد قصد بوضوئه هذا الإتيان بالصلاة بعده ، فهذا هو معنى الاستباحة شرعا وان لم يتصور هذا العنوان بخصوصه ولم يخطر بباله ، إذ لا معنى لاستباحة الصلاة إلا اعتقاد كونها مباحة له بعد الوضوء وانها لا تباح له قبله ، فقصد الدخول فيها والإتيان بها بهذا الوضوء هو عين قصد الاستباحة. ولعل مبنى كلامه (قدس‌سره) على ما هو المشهور من تصور هذا العنوان بخصوصه وإخطاره بباله ، حيث ان النية عندهم عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصوير الفكري ، وإلا فإن مرجع هذه النية التي فرضها وزعم بطلان الطهارة بها إلى ما ذكره أولا. والله العالم.

(المقام الخامس عشر) ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك ـ بعد ان استدل على وجوب النية في الوضوء بآية «وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...» (١) وبالأخبار المتقدمة في المقام الأول (٢) ـ ما صورته : «واعلم ان الفرق ـ بين ما تجب فيه النية من الطهارة ونحوها ، وما لا تجب من إزالة النجاسة وما شابهها ـ ملتبس جدا ، لخلو الاخبار من هذا البيان. وما قيل ـ من ان النية انما تجب في الأفعال

__________________

(١) سورة البينة الآية ٥.

(٢) في الصحيفة ١٧١.

٢١٩

دون التروك ـ منقوض بالصوم والإحرام. والجواب بان الترك فيهما كالفعل تحكم. ولعل ذلك من أقوى الأدلة على سهولة الخطب في النية وان المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجه. وهذا القدر أمر لا ينفك عنه أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان ، ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلفنا الله الصلاة وغيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق. وهو كلام متين لمن تدبره». انتهى.

أقول : الظاهر ان وجه الإشكال الذي أشار إليه (قدس‌سره) في ذلك هو ان كلا من الطهارة ونحوها من العبادات وازالة النجاسة وما شابهها مما قد وقع التكليف به من الشارع ، مع انهم قد أوجبوا النية في القسم الأول دون الثاني ، ووجه الفرق غير واضح.

وأنت خبير بأنه اما ان يراد بالنية هنا المعنى اللغوي الذي هو عبارة عن مجرد القصد إلى الفعل ، كما يشعر به آخر كلامه من قوله : «وان المعتبر فيها تخيل المنوي. إلخ» أو المعنى الشرعي الذي هو القصد المخصوص المقرون بالقربة ، كما يشعر به صدر كلامه من الاستدلال بالآية والأخبار المشار إليها. وعلى الأول يكون الإشكال في إزالة النجاسة من جهة انه لا يجب في إزالتها القصد إلى ذلك ، بل لو زالت بوقوع الثوب في الماء أو اصابة المطر له اتفاقا أو نحو ذلك كفى في الحكم بالطهارة. وعلى الثاني أيضا انه متى كان الأمر كذلك فبالطريق الاولى ان لا يشترط في الإزالة القربة ولا نية الندب ولا غيرهما من قيود النية الشرعية.

وجملة من الأصحاب قد أجابوا عن الاشكال المذكور بالفرق بين المقامين ، وان النية إنما تجب في الأفعال من حيث وقوعها على أنحاء متعددة ، كما تقدم منا بيانه في المقام الأول (١) فلا بد من النية في تميز بعضها عن بعض ، واما التروك فباعتبار كونها مرادة للشارع لكن لا على وجه مخصوص بل بأي وجه تحققت ، فليس هناك وجوه متعددة

__________________

(١) في الصحيفة ١٧٠.

٢٢٠