الحدائق الناضرة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ نجف
المطبعة: مطبعة النّجف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

و (منها) ـ لمن أراد ان يدخل الميت قبره ، لرواية محمد بن مسلم والحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر».

و (منها) ـ الكون على الطهارة ، لما رواه الديلمي في الإرشاد (٢) عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «قال الله تعالى : من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني. الحديث».

وما رواه الراوندي في نوادره عن الكاظم عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٣) قال : «كان أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا بالوا توضؤوا أو تيمموا مخافة ان تدركهم الساعة».

و (منها) ـ التجديد ، لرواية أبي بصير ومحمد بن مسلم المروية في الخصال (٤) عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين علي (عليهم‌السلام) قال : «الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا». ورواه في كتاب المحاسن (٥) مثله.

ومرسلة سعدان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «الطهر على الطهر عشر حسنات».

والاخبار بذلك مستفيضة. ويتأكد لصلاة المغرب والغداة ، لرواية سماعة عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) (٧) قال : «من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ، ومن توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر».

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣١ ـ وفي الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الدفن.

(٢) ص ٥٨ طبع النجف ١٣٧٤ وفي الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوضوء.

(٣) رواه صاحب المستدرك في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوضوء.

(٤) ص ١٦١ في حديث الأربعمائة ، وفي الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء.

(٥) ص ٤٧.

(٦ و ٧) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء.

١٤١

ولصلاة العشاء ، لرواية أبي قتادة عن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله».

و (منها) ـ ارادة وطء جارية بعد وطء اخرى ولما يغتسل ، لمرسل ابن أبي نجران عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا اتى الرجل جاريته ثم أراد ان يأتي أخرى توضأ».

و (منها) ـ ذكر الحائض على المشهور ، ونقل في المختلف عن علي بن بابويه القول بالوجوب ، وهو ظاهر ابنه الصدوق في الفقيه ، حيث نقل ذلك (٣) عن أبيه في رسالته اليه بما لفظه : «وقال أبي في رسالته الي : اعلم الى ان قال : يجب عليها عند حضور كل صلاة ان تتوضأ وضوء الصلاة وتجلس مستقبلة القبلة» فإن نقله ذلك وجموده عليه يدل على اختياره.

والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤) وفيها «وعليها ان تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله. الحديث».

وحسنة زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) وفيها «ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة. الحديث».

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٥٤ ـ من مقدمات النكاح وآدابه. ولا يخفى ان هذه المرسلة ـ كما في المتن وفي التهذيب ج ٢ ص ٢٤٢ وفي الوافي ج ١٢ ص ١٠٧ ـ هي مرسلة عبد الرحمن ابن أبي نجران التميمي ، ولكن في الوسائل ذكر عثمان بن عيسى بدل ابن أبي نجران.

(٣) ج ١ ص ٥٠.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الوضوء. وفي الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض.

١٤٢

ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة. الحديث».

وحسنة محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله؟ قال : اما الطهر فلا ، ولكنها تتوضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة. الحديث».

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «وكن نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يقضين الصلاة إذا حضن ، ولكن يحتشين حين يدخل وقت الصلاة ويتوضأن. الحديث».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) قال (عليه‌السلام): «ويجب عليها عند حضور كل صلاة ان تتوضأ وضوء الصلاة وتجلس. الحديث».

والظاهر ان عبارة الفقيه مأخوذة من الكتاب المذكور كما قدمنا الإشارة إليه آنفا ، لاتفاق لفظي العبارة والحديث.

وفي كتاب دعائم الإسلام (٥) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) انه قال : «انا نأمر نساءنا الحيض ان يتوضأن عند وقت كل صلاة ، فيسبغن الوضوء ويحتشين بخرق ، ثم يستقبلن القبلة من غير ان يفرضن صلاة ، إلى ان قال : فقيل لأبي جعفر (عليه‌السلام): فإن المغيرة زعم انك قلت يقضين الصلاة فقال : كذب المغيرة ، ما صلت امرأة من نساء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا من نسائنا وهي حائض ، وإنما يؤمرن بذكر الله ـ كما وصفنا ـ ترغيبا في الفضل واستحبابا له».

هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة. وظاهر لفظ «عليها» في الرواية الأولى

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض.

(٤) في الصحيفة ٢١.

(٥) ج ١ ص ١٥٥.

١٤٣

الوجوب ، قيل : وظاهر لفظ «ينبغي» في الثانية الاستحباب. وفيه تأمل ، فإنه وان اشتهر كونه كذلك في عرف الناس ـ وربما وجد في الاخبار بهذا المعنى أيضا ـ الا ان أكثر استعمال «ينبغي» و «لا ينبغي» في الاخبار بمعنى الوجوب والتحريم ، وقد حضرني من الاخبار ما يشتمل على خمسة عشر موضعا يتضمن ما ذكرناه. واما الثالثة فقيل : ان الأمر بالوضوء في صدرها قرينة على استحباب الوضوء للذكر المذكور بعده.

وفيه نظر ، لعدم الملازمة بينهما المقتضية لذلك ، واشتمال الرواية على الأوامر الوجوبية والندبية غير عزيز في الاخبار. واما الرابعة فلا ظهور لها في الاستحباب زيادة على الوجوب ، وكذلك الخامسة. واما السادسة فهي ظاهرة في الوجوب. واما السابعة فظاهرة في الاستحباب.

وأنت خبير بأنه لو لم يرجح الوجوب منها على الاستحباب فلا يرجح العكس ، والمسألة محل توقف ، والشهرة غير مرجحة إلا ان تكون في الصدر الأول. وهي غير معلومة سيما مع مخالفة هذين العمدتين. وتوقف شيخنا صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل ، ونفى بعد القول الثاني عن الصواب ، وهو كذلك لما عرفت.

و (منها) ـ وضوء الميت مضافا إلى غسله على المشهور ، وسيجي‌ء تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.

و (منها) ـ كتابة القرآن ، لصحيحة علي بن جعفر المتقدمة (١) في مسألة حكم مس القرآن للمحدث بناء على أحد احتماليها.

وزاد بعض الأصحاب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد ان يأكل ، لصحيحة الحلبي (٢) المتضمنة «انه إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ».

وصحيحة عبد الرحمن (٣) قال : «قلت أيأكل الجنب قبل ان يتوضأ؟ قال : انا لنكسل ، ولكن يغسل يده ، والوضوء أفضل».

__________________

(١) في الصحيفة ١٢٣.

(٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الجنابة.

١٤٤

واستظهر بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين حمل الوضوء هنا على غسل اليد ، كما ورد في حسنة زرارة (١) «الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه ...». ومثلها رواية السكوني (٢) وهو أقرب ، لأن إطلاق الوضوء في الاخبار على ذلك منتشر ، والمفصل يحكم على المجمل ، ويؤيده ان الغسل هو المنسوب إلى الأكل والشرب.

والمشهور أيضا عد زيارة المقابر ، ولم أقف بعد الفحص على مستنده.

وعد جماع المحتلم أيضا ، ولم أقف أيضا على دليله ، وما استدلوا به عليه من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) : «يكره ان يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه. الخبر».

فلا تعرض فيه للوضوء ـ كما ترى ـ بوجه.

وزاد بعضهم ما روى فيه الوضوء من الأسباب الزائدة مما قدمنا ذكره ، كالمذي والرعاف ، والقي‌ء ، وقراءة الشعر الباطل زيادة على أربعة أبيات ، ونحو ذلك. والأظهر ـ كما قدمنا ذكره ـ حمل تلك الأخبار على التقية (٤).

وزاد بعضهم أيضا استحباب الوضوء للحاكم إذا جلس للقضاء بين الناس. ولم أقف على دليله.

وزاد بعض آخر استحباب الوضوء لمن غسل ميتا إذا أراد تكفينه قبل الغسل. فإن أراد به الوضوء المجامع لغسل المس ـ كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ـ فلا وجه لعده في هذا المقام ، مع انه لا نص على استحبابه هنا أيضا ، وان أراد ان منشأ الاستحباب هو تلك الغاية المذكورة ، ففيه انه لا دليل عليه كما اعترف به غير واحد

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الجنابة.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

(٤) تقدم في التعليقة ٥ ص ١١٠ والتعليقة ٦ ص ١١٤ والتعليقة ١ ص ١١٦ ما يتعلق بذلك.

١٤٥

فائدتان :

(الأولى) ـ قد عرفت في جملة ما تقدم (١) استحباب الوضوء للتجديد ، ولا ريب ـ كما هو ظاهر المذهب ـ في شرعيته وان ترامى مع الفصل بصلاة ولو نافلة ، لإطلاق الآية (٢) والرواية عموما وخصوصا. اما بدونه فهل يشرع مطلقا ، أو لا مطلقا ، أو مع الفصل بمجدد له في الجملة وبدونه فلا؟ احتمالات :

وإطلاق الاخبار ـ كقولهم (عليهم‌السلام) (٣) : «الوضوء على الوضوء نور على نور». وقولهم (٤) «من جدد وضوءه من غير حدث جدد الله توبته من غير استغفار».

وقولهم (٥) : «الطهر على الطهر عشر حسنات». ـ يدل على الأول ، وبه قطع في التذكرة ، وتوقف في الذكرى في استحبابه لمن لم يصل بالأول ، ورجح فيها عدم استحبابه لصلاة واحدة أكثر من مرة ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه في مسألة تثنية الغسل في الوضوء كما سيأتي ، حيث حمل أخبار التثنية على التجديد.

واحتمل بعض المتأخرين تفصيلا بأنه يمكن ان يقال مع الفصل الكثير الذي يحتمل طرو الحدث بعده وعدم تذكره ، يتحقق التجديد عرفا ، مع ان فيه نوعا من الاحتياط

ثم ان ظاهر الأصحاب اختصاص التجديد بطهارة الوضوء بمعنى الوضوء بعد الوضوء ، واما الوضوء بعد الغسل ، والغسل بعد الغسل ولو مع الفصل بصلاة ، فلم يتعرضوا له ، وربما أيد المنع ورود الاخبار ببدعية الوضوء مع غسل الجنابة.

واستظهر شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار استحباب التجديد في الصورة الأولى إذا صلى بينهما ، لرواية أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدمة (٦) نقلا عن

__________________

(١ و ٦) في الصحيفة ١٤١.

(٢) وهي قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... الآية».

(٣ و ٤ و ٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء.

١٤٦

كتاب الخصال الدالة على ان «الوضوء بعد الطهور عشر حسنات». قال : و «المتبادر من اخبار كونه بدعة إذا وقع بلا فاصلة. ثم قال : ولعل الاحتياط في الترك» انتهى.

ونفى بعض البعد عن استحباب تجديد الغسل لمرسلة سعدان المتقدمة (١).

(الثانية) ـ قد انتشر الخلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استباحة الصلاة بالوضوء لأحد الغايات المذكورة ، وسيأتي ان شاء الله تعالى تفصيل الكلام في المسألة في مبحث النية.

المطلب الثالث

في الكيفية ، وهي تشتمل على المندوب والواجب ، فبسط القول في هذا المطلب يقتضي جعله في فصلين :

الفصل الأول

في المندوب ، وهو أمور :

(منها) ـ وضع الإناء الذي يتوضأ منه على اليمين ، ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم نقف له على مستند في أخبارنا. وبذلك أيضا صرح جمع من أصحابنا واستدل على ذلك ببعض الأمور الاعتبارية ، والروايات العامية (٢) وفيه ما لا يخفى ولا سيما وقد ورد في بعض صحاح زرارة الواردة في حكاية الوضوء البياني (٣) قال : «فدعى بقعب فيه شي‌ء من ماء ثم وضعه بين يديه ...».

هذا إذا كان الإناء واسع الرأس ، اما إذا كان ضيق الرأس يحتاج إلى الصب

__________________

(١) في الصحيفة ١٤١.

(٢) في صحيح البخاري (باب التيمن في الوضوء) عن عائشة «كان النبي (ص) يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله».

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء.

١٤٧

منه ، فقد ذكر جمع من الأصحاب وضعه على اليسار ليصب منه في اليمين ، ولا ريب في كونه أيسر إلا اني لم أقف فيه على نص.

و (منها) ـ غسل اليدين ـ قبل إدخالهما الإناء ان لم يكن غسلهما سابقا حال الاستنجاء أو غيره ـ مرة من حدث البول ، ومرتين من الغائط ، ومن النوم مرة ، وظاهر المعتبر الإجماع على ذلك :

ويدل على الأولين صحيحة الحلبي المتقدمة (١) وعلى الثالث موثقة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الى ان قال : فإنه استيقظ من نومه ولم يبل ، أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : لا لانه لا يدري حيث باتت يده فيغسلها». ومثلها رواية أخرى له أيضا (٣).

ومما يدل على ان الأمر بذلك للاستحباب صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يبول ولم يمس يده شي‌ء ، أيغمسها في الماء؟ قال : نعم وان كان جنبا». والرواية وان كانت مختصة بالبول إلا انه لا قائل بالفرق.

ويدل على ذلك أيضا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة الواردة في الوضوء البياني (٥) حين غمس كفه في الماء من غير غسل : «هذا إذا كانت الكف طاهرة».

__________________

(١) في الصحيفة ٦٥.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء.

(٣) أشار إليها صاحب الوسائل في الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء بقوله بعد ذكر روايته المتقدمة : «ورواه الكليني. إلخ» وهي عن الشيخ ، والمراد به في اصطلاح أهل الحديث الكاظم (ع).

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأسآر ، وفي الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الجنابة.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء.

١٤٨

وهو عام ، مضافا إلى أصالة عدم الوجوب (١).

ونقل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ان من الأصحاب من استحب المرتين في البول ، نظرا إلى ظاهر رواية حريز عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا».

والظاهر رجحان ما هو المشهور ، لصحة مستنده ، ويؤيد برواية المشايخ الثلاثة له وتفرد الشيخ بهذه الرواية ، مع احتمال التأويل فيها باستحباب المرتين من مجموع البول والغائط بناء على التداخل واندراج الأقل تحت الأكثر مع الاجتماع ، كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا من كل على الانفراد. الا ان الغائط استفيد استحباب المرتين فيه من الإجماع ومن رواية الحلبي (٣) فتبقى رواية المرة في البول بلا معارض.

وحد الأصحاب اليد المغسولة هنا من الزند.

هذا. والظاهر من كلام الأصحاب استحباب غسل اليدين معا ، وفهم ذلك من الاخبار لا يخلو من نوع خفاء ، سيما وقد صرحت رواية عبد الرحمن بن كثير (٤) الواردة في حكاية وضوء الأمير (صلوات الله عليه) انه اكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى ، وهو ظاهر في ان المغسولة إنما هي اليمنى خاصة. وأيضا فإنها هي التي تحتاج إلى وضعها في الإناء للاغتراف.

ثم ان الظاهر من كلام البعض تخصيص الاستحباب بما إذا كان الوضوء من الإناء

__________________

(١) أقول : كلام ابن بابويه في الفقيه يدل على ان من كان وضوؤه من حدث النوم ونسي فأدخل يده في الماء قبل غسلها فعليه ان يصب ذلك الماء ولا يستعمله ، وان أدخلها في الماء من حدث البول والغائط قبل ان يغسلها ناسيا فلا بأس. انتهى. وهو غريب (منه رحمه‌الله).

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء.

(٣) ص ٦٥.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء.

١٤٩

الواسع الرأس دون الضيق الرأس والكثير والجاري ، بناء على التعليل بالنجاسة الوهمية في موثقة عبد الكريم المتقدمة (١) والظاهر ـ كما صرح به آخرون ـ التعميم ، نظرا إلى إطلاق رواية حريز (٢) وان الأمر بذلك محض تعبد لا للنجاسة ، مع انحصار مورد التوهم في حدث النوم خاصة.

والظاهر ـ كما استظهره شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين ـ عدم اختصاص الحكم المذكور بالرجل وان اختص مورد الاخبار به ، إذ الظاهر عدم الخصوصية ، بل المراد به مطلق الشخص فيدخل في الحكم النساء.

و (منها) ـ التسمية والدعاء عند وضع اليد في الماء ، لما في صحيحة زرارة (٣) قال : «إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ...».

وعند الصب عليها ، لما في رواية عبد الرحمن بن كثير المتقدمة (٤) بما فيها من الدعاء.

وروى الصدوق في الخصال (٥) بسند معتبر عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : لا يتوضأ الرجل حتى يسمى ، يقول قبل ان يمس الماء : بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فإذا فرغ من طهوره قال : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله. فعندها يستحق المغفرة».

وربما يظهر ـ من ألفاظ الدعاء في الصحيحة المذكورة والرواية الثالثة ـ كون ذلك في وضع اليد في الماء للاستنجاء ، لتضمنه طلب الجعل من التوابين والجعل من المتطهرين أو طلب التوبة والتطهير المومى إلى الآية النازلة في شأن المستنجي بالماء : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ

__________________

(١) ص ١٤٨.

(٢) ص ١٤٩.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء.

(٤) ص ٦٥.

(٥) ج ٢ ص ١٦٦ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٠

التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (١) كما تقدم في الاخبار. واما رواية عبد الرحمن فإنها صريحة في كون ذلك للاستنجاء كما تقدم ذكره (٢) وحينئذ يبقى الوضع أو الصب لغير الاستنجاء خاليا من الدعاء. نعم يمكن ان يحمل ما رواه في الفقيه مرسلا (٣) : «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كان إذا توضأ قال : بسم الله وبالله وخير الأسماء لله وأكبر الأسماء لله وقاهر لمن في السموات وقاهر لمن في الأرض ، الحمد لله الذي جعل من الماء كل شي‌ء حي وأحيى قلبي بالإيمان ، اللهم تب علي وطهرني واقض لي بالحسنى وأرني كل الذي أحب ، وافتح لي بالخيرات من عندك يا سميع الدعاء». على ان ذلك عند الصب أو الوضع في الوضوء بحمل قوله : «إذا توضأ» على إرادته والشروع فيه كما هو مجاز شائع.

و (منها) ـ التسمية على الوضوء ، ففي صحيحة ان أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله ، وإذا لم تسم لم يطهر من جسدك إلا ما مر عليه الماء». ومثلها رواية أبي بصير (٥).

وفي صحيحة العيص بن القاسم عنه (عليه‌السلام) (٦) «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل». إلى غير ذلك من الاخبار.

والظاهر من الأخبار صدق التسمية بالإتيان بها عند ارادة الاستنجاء كما تقدم في حديث عبد الرحمن (٧) وهكذا فيما بعد ذلك من مستحبات الوضوء.

وفي حسنة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٨) في حكاية الوضوء البياني قال :

__________________

(١) سورة البقرة. الآية ٢٢٢.

(٢ و ٧) في الصحيفة ٦٥.

(٣) ج ١ ص ٢٧. وفي الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء.

(٤ و ٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء.

(٨) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء.

١٥١

«ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثم قال : بسم الله وسد له. الحديث».

وبالجملة فالظاهر امتداد وقتها من حين الوضع أو الصب للاستنجاء إلى الشروع في غسل الوجه.

وقد صرح الأصحاب بأنه لو تركها نسيانا جاز تداركها في أثناء الوضوء ، ولو كان عمدا احتمل ذلك أيضا ، ولو تركها إلى آخر الوضوء فالظاهر صحة الوضوء ، وهو مجمع عليه فتوى والأشهر نصا.

وروى الشيخ في التهذيب (١) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان رجلا توضأ وصلى. فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعد صلاتك ووضوءك ، ففعل فتوضأ وصلى ، فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل فتوضأ وصلى ، فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعد وضوءك وصلاتك ، فأتى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وشكى ذلك اليه ، فقال : هل سميت حين توضأت؟ فقال : لا. قال : فسم على وضوئك فسمى وصلى ، فاتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم يأمره أن يعيد».

والظاهر ـ كما صرح به بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ كون ذلك على جهة التأديب والإرشاد ، فإن لصاحب الشريعة ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ السياسة بمثل ذلك وأعظم منه لئلا يتهاون الناس بالسنن.

ومن ظاهر الخبر المذكور استظهر بعض المتأخرين إعادة الوضوء والصلاة لمن ترك التسمية على وضوئه ، بل ربما يستفاد منه استحباب إعادة العبادة مطلقا بترك بعض سننها ، وفي الاخبار ما يعضده.

وحمل الشيخ (قدس‌سره) التسمية في الخبر على النية ، قال : لأن الألفاظ

__________________

(١) ج ١ ص ١٠٢ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٢

ليست بفريضة حتى يعاد من تركها الوضوء ، وإلا لم يطهر مواضع الوضوء بتركها ، لانه لا يكون قد تطهر تاركها.

ورماه بالبعد جملة من تأخر عنه. وهو كذلك ، فإن إطلاق التسمية اللفظية على النية القلبية غير معروف ، وعروض النسيان لأصل النية ـ التي هي عبارة عن مطلق القصد إلى الفعل الذي لا يخلو عنه عاقل في فعل من أفعاله كما سيأتي إيضاحه ـ بعيد جدا نعم يحتمل ـ كما ذكره بعض محدثي متأخري المتأخرين ـ ان يراد بالنية إخطار أن هذا العمل لله بالبال لئلا يصدر عنه على الغفلة ، ولا يبعد ان يصدق عليه التسمية ، لتضمنه اسم الله سبحانه. لكن فيه انه وان أمكن احتماله في أول مرة لكن الظاهر في الدفعة الثانية بعد أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالإعادة عدم إمكانه ، فإنه لم يقصد فيها سوى امتثال امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حيث ان امره أمر الله تعالى وطاعته طاعته.

واحتمل شيخنا صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل تأويل كلام الشيخ ان مراده ـ بقوله : «ان التسمية المنسية هي النية الواجبة. إلخ» ـ أن التسمية لها فردان : (أحدهما) ـ مجرد اللفظ الذي لا يكون وسيلة إلى تحصيل القصد إلى الامتثال المسمى بالنية ، ولا ارتباط له بها ، كما هو الحاصل لمن له أدنى مسكة بعروة العقل. و (ثانيها) ـ اللفظ الذي يكون وسيلة إلى تحصيله بحيث لا يمكنه أحكام النية إلا به ، كما نجده عيانا في بعض من ابتلى بالوسوسة في النية ، ولعل صدر الإسلام لما كان قريب العهد بالجاهلية ، بعيد الطبع عن قبول الأحكام الشرعية وتعقل الأمور الذهنية ، خصوصا الاعراب منهم ، حلي لهم اللابس بحلية الملبوس ، وجلي لهم مرآة المعقول بصورة المحسوس فأمروا بالتسمية اللفظية الدالة على قصد كون الفعل المشروع فيه باسمه ، ليحصل لهم الانتقال منها إلى المعنى التي هي النية القلبية ، لوجوب فهم المعنى من اللفظ لمن علم بالوضع انتهى. وهو معنى لطيف إلا ان ملاحظة الشيخ له في غاية البعد.

١٥٣

و (منها) ـ الاغتراف باليمين لجميع الأعضاء المغسولة. وهو بالنسبة إلى ما عدا غسلها نفسها متجه ومتفقة عليه الاخبار.

أما بالنسبة إليها نفسها فهل يغترف لها باليسرى ويغسلها بها ، أو يغترف بها ثم يديره في اليسرى ويغسل؟

المشهور الثاني وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم أو ضعيفته ، بناء على تضمن سندها رواية العبيدي عن يونس عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) في حكاية الوضوء البياني ، حيث قال فيها : «... ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الأيمن ...».

ومثلها موثقة الأخوين بعثمان بن عيسى (٢) على رواية التهذيب. حيث قال فيها : «... ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى ...» واما الكافي ففيه «اليسرى». بدل «اليمنى» أخيرا.

وعلى الأول تدل صحاح الأخبار كصحيحة زرارة (٣) حيث قال فيها : «... ثم أعاد يده اليسرى في الإناء فاسد لها على يده اليمنى ثم مسح جوانبها ...». ومثلها صحيحته الأخرى (٤) وحسنة بكير (٥) وصحيحتاهما (٦) ومنه يظهر قوة القول الأول.

وقضية الجمع جواز الأمرين دون أفضلية الاغتراف باليمين لغسلها ، وبذلك يظهر لك ما في كلام ثاني الشهيدين في الروض ، حيث قال ـ بعد ان صرح باستحباب الاغتراف باليمين مطلقا ـ : «وفي حديث عن الباقر (عليه‌السلام) انه أخذ باليسرى فعسل اليمنى. وهو لبيان الجواز». انتهى.

و (منها) ـ السواك ، والظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في استحبابه مطلقا وخصوصا للوضوء والصلاة ، لاستفاضة الأخبار بذلك.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٤

ومما يدل على الأول موثقة إسحاق بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من أخلاق الأنبياء السواك».

وروايته أيضا عنه (عليه‌السلام) (٢) قال : «السواك من سنن المرسلين».

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما زال جبرئيل (عليه‌السلام) يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفي أو أدرد». واحفى بالحاء المهملة وادرد بدالين مهملتين عبارة عن إذهاب الأسنان. الى غير ذلك من الاخبار.

ومما يدل على الثاني قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) : «وعليك بالسواك عند كل وضوء».

وقول الصادق (عليه‌السلام) في رواية المعلى بن خنيس (٥) حين سأله عن الاستياك بعد الوضوء قال : «الاستياك قبل ان يتوضأ. قال : قلت : أرأيت ان نسي حتى يتوضأ؟ قال : يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات».

وفي رواية الكسونى (٦) «التسوك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك».

وفي رواية محمد بن مروان عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٧) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي صلوات الله عليه «عليك بالسواك لكل صلاة».

وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في رواية القداح (٨) «لو لا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة».

أي امرا إيجابيا وإلا فقد أمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لكن استحبابا. الى غير ذلك من الاخبار.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب السواك.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب السواك.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب السواك.

(٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب السواك.

(٧ و ٨) المروية في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب السواك.

١٥٥

وذهب البعض ـ من حيث ورود الأمر به مطلقا ـ إلى انه ليس من مستحبات الوضوء ، ولأمر الحائض والنفساء به.

وفيه ان استحبابه مطلقا ولو لمثل الحائض والنفساء لا ينافي استحبابه للوضوء والصلاة زيادة على ذلك ، فيكون فيهما مؤكدا ، فإن الأخبار الدالة على الأمر به في خصوص الموضعين ـ سيما حديث خوف المشقة على الأمة ، وقوله (عليه‌السلام) فيما رواه في الفقيه (١) مرسلا : «السواك شطر الوضوء». ـ مما يدل على ما قلناه بأوضح دلالة

و (منها) ـ المضمضة والاستنشاق على المشهور فتوى والأظهر نصا ، ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل انه قال : «انهما ليسا عند آل الرسول (عليهم‌السلام) بفرض ولا سنة».

والاخبار في ذلك مختلفة على وجه يعسر جمعها.

ففي رواية عبد الرحمن بن كثير المروية بطرق المشايخ الثلاثة (٢) (نور الله تعالى مضاجعهم) مسندة في الكافي والتهذيب ومرسلة في الفقيه في حكاية وضوء الأمير (صلوات الله عليه): «... ثم تمضمض فقال ، وذكر الدعاء ، ثم استنشق فقال. الحديث».

وفي رواية عبد الله بن سنان (٣) قال : «المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وفي موثقة أبي بصير (٤) حيث سأله عنهما فقال : «هما من الوضوء ، فان نسيتهما فلا تعد».

__________________

(١) ج ١ ص ٣٢ ، وفي الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب السواك.

(٢) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ، والباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الجنابة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٦

وفي حديث عهد الأمير (صلوات الله عليه) الذي كتبه إلى محمد بن أبي بكر لما ولاه مصر على ما رواه الشيخ أبو علي في مجالسه (١) «... وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة ، تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا. الحديث ، إلى ان قال : فإني رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصنع ذلك ، واعلم ان الوضوء نصف الايمان».

ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «جلست أتوضأ ، فأقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال لي : تمضمض واستنشق واستن. الحديث».

وفي رواية حكم بن حكيم (٣) بعد السؤال عن المضمضة والاستنشاق من الوضوء هما ، قال : «لا».

وفي حسنة زرارة (٤) قال : «المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء».

ورواية أبي بصير (٥) حيث سأله عنهما قال : «ليس هما من الوضوء ، هما من الجوف».

ورواية الحضرمي (٦) قال : «ليس عليك مضمضة ولا استنشاق ، لأنهما من الجوف».

وموثقة سماعة (٧) حيث سأل عنهما فقال : «هما من السنة ، فان نسيتهما لم يكن عليك اعادة».

ورواية زرارة (٨) قال : «ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة ، إنما عليك ان تغسل ما ظهر».

__________________

(١) ص ١٩ وفي الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوضوء.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٧

ورواية علي بن جعفر في كتاب قرب الاسناد (١) حيث سأل أخاه (عليه‌السلام) عن المضمضة والاستنشاق قال : «ليس بواجب وان تركهما لم يعد لهما صلاة».

وفي كتاب الخصال (٢) في حديث الأربعمائة قال : «والمضمضة والاستنشاق سنة ، وطهور للفم والأنف».

هذا ما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ، وهي ـ كما ترى ـ على غاية من التدافع والتنافي ، والجمع بينها ممكن بأحد وجهين :

(الأول) ـ حمل ما دل على نفي كونهما من الوضوء على معنى انهما ليسا من واجباته وان كانا من سننه ، وبهذا جمع الشيخ (عطر الله مرقده) بين الاخبار ، وعليه أكثر أصحابنا (رضوان الله عليهم) ويؤيده نفي الوجوب في رواية قرب الاسناد وظاهر لفظ «ليس عليك» المشعر بنفي الوجوب في رواية الحضرمي.

ويدل على كونهما من سننه رواية عبد الرحمن بن كثير وحديث العهد ورواية عمرو بن خالد ، وحينئذ فيحمل ما دل على كونهما سنة بقول مطلق على انهما من سنن الوضوء ومستحباته.

ولا ينافي ذلك نفي كونهما فريضة أو سنة في رواية زرارة ، إذ الظاهر ان المراد بالفريضة فيها ما كان وجوبه بالكتاب ، والسنة ما كان وجوبه بالسنة النبوية ، فهي نفي للوجوب بطريقيه ، ويؤيده قوله بعد ذلك : «انما عليك. إلخ» الدال بمفهومه على انه ليس عليه مضمضة ولا استنشاق المشعر ـ كما عرفت ـ بنفي الوجوب.

ولعل المبالغة في نفي وجوبهما على وجه يوهم الناظر نفيهما مطلقا هو الرد على العامة ، من حيث مواظبتهم عليهما بل قول جملة منهم بوجوبهما ، كما نقله في المنتهى عن احمد وإسحاق وابن أبي ليلى ، وبعض منهم خص الوجوب بالاستنشاق ، وبعض خص

__________________

(١) في الصحيفة ٨٣ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) ج ٢ ص ١٥٧ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٨

وجوبهما بالطهارة الكبرى (١).

(الثاني) ـ حمل النفي في تلك الاخبار على نفي كونهما من الوضوء مطلقا ، يعني لا من واجباته ولا من مستحباته ، وحمل ما عدا ذلك مما دل على كونهما سنة على ثبوت استحبابهما في حد ذاتهما لا لأجل الوضوء.

وإلى هذا جنح شيخنا المحقق صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل وبالغ في نصرته ، فقال بعد ذكر كلام في المقام : «والتحقيق ان نقول يجب الجزم بأنهما ليسا من سنن الوضوء المنسوبة إليه المرتبطة به ، بحيث علم من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته (صلوات الله عليهم) قولا أو فعلا أو تقريرا للواظبة عليهما غالبا عند ارادة الوضوء ، وتوظيفهما في ذلك الوقت من حيث الخصوص كما هو شأن السنة ، ثم استند إلى خلو الأخبار البيانية عنهما ، ثم طعن في رواية عبد الرحمن بن كثير بضعف السند ، وفي موثقتي سماعة وأبي بصير الدالة أولاهما على انهما من السنة ، بأنه أعم من المدعى ،

__________________

(١) في بدائع الصنائع ج ١ ص ٢١ «عند احمد بن حنبل هما فرضان في الوضوء والغسل جميعا» وكذا في تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٣. وفي الميزان للشعرانى ج ١ ص ١٠٦ «اتفق الأئمة الثلاثة على استحباب المضمضة والاستنشاق في الوضوء ، وفي أشهر الروايتين عن احمد وجوبهما في الحدث الأكبر والأصغر» وفي المحلى ج ٢ ص ٤٨ ما ملخصه «المضمضة ليست فرضا فتركها عمدا أو نسيانا لا يخل بالوضوء والصلاة. واما الاستنشاق بنفسه ثم النثر بأصابعه فلا بد منه مرة لا يجزئ الوضوء ولا الصلاة دونهما لا عمدا ولا نسيانا. وفي ص ٥٠ قال مالك والشافعي : ليس الاستنشاق والاستنثار فرضا لا في الوضوء ولا في الغسل من الجنابة. وقال أبو حنيفة : هما فرض في غسل الجنابة لا الوضوء. وقال احمد وداود : هما فرضان في الوضوء لا في غسل الجنابة ، وليست المضمضة فرضا لا في الوضوء ولا في غسل الجنابة» وفي تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٣ نسب إلى أبي حنيفة وجوب للمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء ، وذكر أيضا انه روى عنه وجوب الاستنشاق دون المضمضة. وفي شرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج ٢ ص ٣١٤ نسب إلى ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه الموافقة لأحمد بن حنبل في الوجوب فيهما.

١٥٩

وأخراهما على انهما من الوضوء ، بالمعارضة بصحيحة زرارة (١) «انهما ليسا من الوضوء». مع قبولها للتأويل بكونهما من الوضوء اللغوي ، لأنهما طهور للفم والأنف ، ثم طعن في رواية عمرو بن خالد بضعف السند لاشتماله على رجال من العامة ، وانها تنادي بالتقية لاشتمالها على الأمر بغسل الرجلين وتخليل أصابعهما ، ثم قال : فكيف يتجرأ على الفتيا بكون شي‌ء سنة موظفة في شي‌ء مع عدم ورود ما يصلح لإثبات ذلك ، إلى ان قال : واما كونهما سنة في الجملة فالظاهر ذلك ، لما ذكرنا من موثقة سماعة (٢) ثم ذكر جملة من الأخبار الدالة بظاهرها على الاستحباب مطلقا.

أقول : وفيه (أولا) ـ ان خلو اخبار الوضوء البياني عن ذلك لا يدل على نفي الاستحباب في الوضوء ، لاحتمال تخصيص البيان بما هو الواجب كما صرح به البعض ولخلوها كملا عن الأدعية الموظفة في الوضوء وعن السواك ، مع ثبوت استحبابهما إجماعا نصا وفتوى ، وخلو كثير منها عن التسمية.

و (ثانيا) ـ ان رواية عبد الرحمن وان ضعف سندها بناء على هذا الاصطلاح المحدث الذي لم يقم على اعتباره دليل ، مع ما في جملة من أحكامه من القال والقيل ، كما شرحنا بعض ذلك في المقدمة الثانية (٣) إلا انها صحيحة بالدستور القديم والنهج القويم الذي عليه كافة علمائنا المتقدمين من المحدثين والمجتهدين ، سيما الثلاثة المحمدين الذين هم أساطين الدين ونخبة المعتمدين ، وقد رووها كملا في مسانيدهم ، مع تصريحهم في أوائل كتبهم بان جميع ما يروونه صحيح مقطوع على صحته ، وقد اعتمد أصحاب هذا الاصطلاح على كثير من مراسيل الفقيه بناء على ما صرح به في أول كتابه ، كما لا يخفى على من نظر في الكتب الاستدلالية ، على انهم قد قرروا في جملة اصطلاحاتهم جبر الضعف بالشهرة ، وشهرة الرواية المذكورة ـ بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) سلفا وخلفا

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ١٥٧ وقد وصفها هناك بأنها حسنة.

(٢) المتقدمة في الصحيفة ١٥٧.

(٣) في الصحيفة ١٤ من الجزء الأول.

١٦٠