الحدائق الناضرة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ نجف
المطبعة: مطبعة النّجف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ، ما يعنى بذلك : إذا قمتم إلى الصلاة؟ قال : إذا قمتم من النوم. الحديث». ونقل العلامة في المنتهى وقبله الشيخ في التبيان إجماع المفسرين على ذلك ، وحينئذ فلا يتم الاستدلال بها مطلقا ، إلا ان يضم إلى ذلك عدم القول بالفرق بين الأحداث ، فيتم الاستدلال. وفيه ما فيه.

ويدل عليه أيضا من الأخبار ما هو متفرق في جملة من موارد الأحكام : ومنها ـ الأخبار الواردة في المستحاضة (١)

«إذا جاز دمها الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين والفجر ، والوضوء لكل صلاة».

ومنها ـ الأخبار الواردة في المتيمم (٢) «إذا وجد الماء بعد ما صلى في آخر الوقت فليتوضأ لما يستقبل».

ومنها ـ الأخبار الدالة على إعادة الصلاة والوضوء بنسيان شي‌ء من اجزاء الوضوء (٣) إلى غير ذلك من الأخبار التي لا حاجة إلى التطويل بنقلها بعد ثبوت الاتفاق بل الضرورة.

ولا يرد النقض بصلاة الجنازة ، إذ اسم الصلاة حقيقة إنما يقع على ذات الركوع والسجود ، ويدل عليه صريحا ما رواه الصدوق في كتاب العلل (٤) عن الفضل بن شاذان

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ولا يخفى انه لم يرد في شي‌ء من اخبار الاستحاضة الجمع بين الأغسال الثلاثة للظهرين والعشاءين والفجر وبين الوضوء لكل صلاة في مورد واحد كما هو مفاد عبارته (قده) بل ظاهرها إغناء الأغسال في مورد وجوبها عن الوضوء وان وجوب الوضوء لكل صلاة في غير مورد وجوب الأغسال كما سيأتي اختيار ذلك منه (قده) في محله.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب الوضوء.

(٤) في الصحيفة ٩٦ و ٩٩ وفي الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

١٢١

عن الرضا (عليه‌السلام) انه قال : «إنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لانه ليس فيها ركوع ولا سجود ، وإنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود. الحديث».

(المسألة الثانية) ـ الظاهر انه لا خلاف ـ كما ادعاه جمع من الأصحاب ـ في وجوب الوضوء للطواف الواجب ، وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور. قال : يتوضأ ويعيد طوافه ...».

(المسألة الثالثة) لو وجب مس خط المصحف على المكلف ـ اما بسبب من قبله كالنذر وشبهه أولا من قبله كإصلاح فيه ونحوه على القول بوجوب ذلك ، فهل يجب الوضوء لذلك أم لا؟ قولان مبنيان على تحريم المس على المحدث وعدمه.

والمشهور الأول ، ونقل القول بالكراهة عن الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن إدريس ، واليه مال جملة من متأخري المتأخرين.

والظاهر الأول ، ويدل عليه قوله تعالى : «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» (٢) المفسر

في رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمس خطه ولا تعلقه ان الله تعالى يقول (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)».

وفي بعض نسخ الحديث «خيطه» مكان «خطه» وروى مثله مرسلا في كتاب مجمع البيان (٤) عن الباقر (عليه‌السلام) حيث قال ـ بعد ذكر احتمال تفسير المطهرين بالملائكة أو المراد المطهرين من الشرك ـ ما لفظه : «وقيل المطهرون من الأحداث والجنابات ، وقالوا : لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف.

(٢) سورة الواقعة. الآية ٧٦ و ٧٧ و ٧٨.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء.

(٤) ج ٩ ص ٢٢٦ ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء.

١٢٢

عن محمد بن علي الباقر (عليهما‌السلام)». انتهى. وعلى هذا فيكون ضمير «يمسه» راجعا إلى القرآن وان بعد في السياق دون «الكتاب» وان قرب ، بل ظاهره في المجمع كون ذلك مجمعا عليه ، حيث قال : «وعندنا ان الضمير يعود إلى القرآن فلا يجوز لغير الطاهر مس كتابة القرآن» ومثله نقل عن الشيخ في التبيان.

وحينئذ فلا يلتفت إلى تفسير صاحب الكشاف ولا غيره ممن حرم فيوض الألطاف ، المعتمدين في تفاسيرهم على مجرد الآراء ، بل المعولين في جميع أحكامهم على الأهواء ، ولا إلى ما أطال به بعض متأخري الاعلام من الاحتمالات في المقام ، إظهارا لفضيلة ملكة النقض والإبرام ، فإن أصحاب البيت أدرى بما فيه ، واعرف بباطنه وخافية ، والتمييز بين كدره وصافية ، والكتاب عليهم انزل ، وإليهم يرجع فيما فصل منه وأجمل ، فمن مشكاة علومهم تقتبس أنواره. ومن خزائن فيوضاتهم تدرك إسراره.

ومما يدل أيضا على الحكم المذكور

موثقة أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عمن قرأ القرآن وهو على غير وضوء. قال : لا بأس ، ولا يمس الكتاب».

ومرسلة حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان إسماعيل بن أبي عبد الله عنده ، فقال يا بني اقرأ المصحف. فقال : اني لست على وضوء فقال : لا تمس الكتابة ومس الورق واقرأه».

ويؤيده أيضا رواية علي بن جعفر بل صحيحته على الظاهر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) انه «سأله عن الرجل أيحل له ان يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : لا».

وانما جعلنا هذا الخبر مؤيدا دون ان يكون دليلا لاحتماله بحسب الظاهر لتحريم الكتابة على المحدث ، ولم أقف على قائل بمضمونه سوى المحدث الكاشاني ، ومعارضته

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء.

١٢٣

بحسنة داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن التعويذ يعلق على الحائض. قال : نعم لا بأس. قال وقال : تقرأه وتكتبه ولا تصيبه يدها». ومن الظاهر ان التعويذ لا ينفك عن الآيات القرآنية بقرينة النهي عن اصابة اليد ، فان الظاهر انه إنما وقع لذلك ، وحينئذ فيجب الجمع بينهما ، اما بحمل رواية علي بن جعفر على الكتابة على وجه يستلزم المس والثانية على ما ليس كذلك ، أو بحملها على الكراهة كما هو ظاهر الأكثر.

هذا. ولم أقف للقائلين بالجواز على دليل سوى التمسك بالأصل ، والطعن في الآية بعدم الدلالة ، تشبثا بذيل الاحتمالات وردا بضعف السند لما ورد في تفسيرها من الروايات ، وكذلك جملة ما قدمناه من الاخبار ، لكونه ضعيفا بهذا الاصطلاح الذي عليه المدار ، مع ان من جملة القواعد المقررة والضوابط المتكررة جبر الضعيف بالشهرة. وقد تقدم الكلام في المقدمة الثالثة (٢) في ضعف الاعتماد على هذا الأصل فليراجع.

فروع :

(الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف هنا في جواز مس الهامش والورق الخالي من الكتابة ، لمرسلة حريز المتقدمة (٣) وكذا حمله وتعليقه ـ كما نقله العلامة في المنتهى ـ على كراهية ، لما تقدم من النهي في رواية إبراهيم بن عبد الحميد (٤).

(الثاني) ـ الظاهر اختصاص حرمة المس بالملاقاة بجزء من الجسد ، فلا يتعدى الى الملاقاة بطرف الثوب ونحوه ، وعلى تقدير الأول فهل يختص بالكف بناء على انه الذي يلمس به غالبا ، أو يشمل سائر الجسد؟ قولان ، أظهرهما الثاني ، للصدق لغة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الحيض.

(٢) في الصحيفة ٤٤ من الجزء الأول.

(٣) في الصحيفة ١٢٣.

(٤) في الصحيفة ١٢٢.

١٢٤

وعرفا ، وهل يختص بما تحله الحياة من البدن أم يشمل ما لا تحله كالشعر والظفر والسن؟ وجهان بل قولان ، والظاهر ان منشأ الخلاف من صدق المس عرفا على المس بالظفر ونحوه وعدمه. وربما جعل منشأ ذلك من جهة حلول الحياة وعدمه. وحيث انه كما لا تتعدى إليه نجاسة موت صاحبه كذلك لا يتعدى اليه حدثه. وفيه انه ان صدق المس بمس الظفر والشعر ونحوهما دخل في إطلاق الرواية لكونها اجزاء من الجسد البتة ، وإلا فلا

(الثالث) ـ لو وضأ بعض أعضائه فقبل الإكمال هل يجوز المس بذلك العضو الذي وضأه أم لا؟ الظاهر الثاني ، وبه صرح في التحرير ، لان الحدث المشروط زواله بالطهارة ليس مقسما على الأعضاء ، وانما هو أمر معنوي قائم بالشخص من حيث هو لا يرتفع إلا بإكمال الطهارة.

(الرابع) ـ هل يختص الحكم بالقرآن من حيث الهيئة الاجتماعية المتعلق بها هذا الاسم ، أم يتعدى إلى الآيات المكتوبة في الكتب وعلى الدراهم ونحو ذلك؟ وجهان أرجحهما الثاني ، لما يفهم من حسنة داود بن فرقد (١) وتشعر به صحيحة علي ابن جعفر (٢) ولأن الظاهر ان الهيئة الاجتماعية لا مدخل لها في التحريم ، ضرورة ان المس إنما يقع على البعض ولا يقع على الكل دفعة ، وانضمام غيرها إليها لا يخرجها عن كونها قرآنا.

(الخامس) ـ الظاهر شمول التحريم لما نسخ حكمه دون تلاوته ، لبقاء الحرمة من جهة التلاوة ، وصدق المصحف والقرآن والكتاب عليه ، بخلاف ما نسخت تلاوته وان بقي حكمه ، فإنه لا يحرم مسه ، لعدم الصدق. ولا اعرف خلافا في ذلك.

(السادس) ـ الظاهر عدم ثبوت التحريم بالنسبة إلى الصبي ونحوه. لعدم التكليف الموجب لتعلق الخطاب به ، وهل يجب على الولي منعه؟ الظاهر العدم ، لعدم الدليل ، ونقل عن المعتبر وجوبه على الولي ، وهو ظاهر التحرير ، ولا يخلو من قوة ،

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ١٢٤.

(٢) المتقدمة في الصحيفة ١٢٣.

١٢٥

نظرا إلى عموم الأدلة الدالة على التحريم. وعدم توجه الخطاب فيها إلى الطفل لما ذكرناه لا ينافيه التوجيه إلى وليه.

(السابع) ـ هل يدخل في الكتابة التشديد والمد والهمزة والاعراب؟ احتمالات : ثالثها دخول ما عدا الأخير ، ومنشأ ذلك الشك في صدق مس الكتاب بمسها وعدمه.

ورجح بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين العدم مطلقا ، قال : «لإطلاق اسم الكتاب عليه قبل ضبطه بالثلاثة المتقدمة ، كقوله تعالى : «... كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ ...» (١) «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ...» (٢) «حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ» (٣) ونحوها ، وحمله على المجاز باعتبار ما يؤول إليه خلاف الأصل ، ولأن تحريم المس خلاف الأصل ، فيقتصر منه على موضع اليقين» وهو جيد.

(المسألة الرابعة) ـ تقييد وجوب الوضوء بالغايات المذكورة ـ بمعنى انه لا يكون واجبا لنفسه ـ هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل كاد ان يكون إجماعا ، بل ادعى الإجماع عليه جمع منهم.

ونقل السيد السند في المدارك عن الشهيد في الذكرى القول بالوجوب النفسي في جميع الطهارات وجوبا موسعا لا يتضيق إلا بظن الوفاة ، أو تضيق وقت العبادة المشروطة بها ، واختاره (قدس‌سره) واستدل عليه :

قال : «واعلم ان المعروف من مذهب الأصحاب ان الوضوء إنما يجب بالأصل عند اشتغال الذمة بمشروط به ، فقبله لا يكون إلا مندوبا ، تمسكا بمفهوم قوله تعالى : «... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... الآية» (٤) وليس المراد نفس القيام ، وإلا لزم تأخير الوضوء عن الصلاة. وهو باطل بالإجماع ، بل المراد ـ والله أعلم ـ إذا أردتم القيام إلى الصلاة

__________________

(١) سورة ص. الآية ٢٨.

(٢) سورة الكهف. الآية ١.

(٣) سورة الزخرف والدخان. الآية ٢.

(٤) سورة المائدة. الآية ٦.

١٢٦

إطلاقا لاسم المسبب على السبب ، فإنه مجاز مستفيض ، وقول أبي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ...».

والمشروط عدم عند عدم الشرط ويتوجه على الأول ان أقصى ما تدل عليه الآية الشريفة ترتب الأمر بالغسل والمسح على ارادة القيام إلى الصلاة ، والإرادة تتحقق قبل دخول الوقت وبعده ، إذ لا يعتبر فيها المقارنة للقيام ، وإلا لما كان الوضوء في أول الوقت واجبا بالنسبة إلى من أراد الصلاة في آخره. وعلى الثاني ان المشروط وجوب الطهور والصلاة معا ، وانتفاء المجموع يتحقق بانتفاء أحد جزءيه ، فلا يتعين انتفاؤهما معا. وحكى الشهيد في الذكرى قولا بوجوب الطهارات اجمع بحصول أسبابها وجوبا موسعا لا يتضيق إلا بظن الوفاة ، أو تضيق وقت العبادة المشروطة بها ، ويشهد له إطلاق الآية وكثير من الاخبار كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء». وصحيحة زرارة (٣) حيث قال فيها : «... فإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء ...». وموثقة بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ ...». وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٥) انه «سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ فقال (عليه‌السلام):

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء. وفي الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الجنابة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء ، والباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الوضوء.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة.

١٢٧

إذا فرغ فليغتسل». وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «إذا أرادت الحائض ان تغتسل فلتستدخل قطنة ، فان خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وان لم تر شيئا فلتغتسل». ويؤيده خلو الأخبار بأسرها من هذا التفصيل مع عموم البلوى به وشدة الحاجة اليه ، ولو قلنا بعدم اشتراط نية الوجه ـ كما هو الوجه ـ زال الاشكال من أصله. وعندي ان هذا هو السر في خلو الاخبار من ذلك ، فتأمل» انتهى كلامه رفع مقامه.

ونسج على منواله ـ كما هو الغالب عليه في كثير من أقواله ـ الفاضل المتأخر ملا محمد باقر الخراساني في الذخيرة ، بل شيد ما أسسه وذب عنه وحرسه.

وفيه نظر من وجوه : (الأول) ـ ان عبارة الذكرى وان أوهمت ما نقله لكن كلام شيخنا الشهيد في قواعده كالصريح في كون القول المذكور للعامة ، حيث قال : «قاعدة ـ لا ريب ان الطهارة والاستقبال والنية والستر معدودة من الواجبات في الصلاة مع الاتفاق على جواز فعلها قبل الوقت ، والاتفاق في الأصول على ان غير الواجب لا يجزئ عن الواجب ، فاتجه هنا سؤال وهو ان يقال : أحد الأمرين لازم ، وهو اما ان يقال بوجوب هذه الأمور على الإطلاق ، ولم يقل به أحد ، أو يقال باجزاء غير الواجب عن الواجب ، وهو باطل ، لان الفعل إنما يجزئ عن غيره مع تساويهما في المصلحة المطلقة ، ومحال تساوي الواجب وغير الواجب في المصلحة. وجوابه انا فد بينا ، ثم أطال في الجواب إلى ان قال : وهذا الاشكال اليسير هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد وجوب الوضوء وغيره من الطهارات لنفسه ، غير انه يجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت ، ذهب إليه القاضي أبو بكر العنبري ، وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة. وصار بعض الأصحاب إلى وجوب الغسل بهذه المثابة» انتهى وظهوره ـ في ان الخلاف في المسألة المذكورة انما هو لبعض

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض.

١٢٨

المخالفين ، وخلاف بعض أصحابنا إنما هو في الغسل خاصة ـ مما لا يخفى على ذي مسكة وأيضا من تأمل في عبارة الذكرى لا يذهب عليه ان المخالف من العامة ، وفي التعليل إيناس بذلك.

وبالجملة فالظاهر من عبارات الأصحاب (قدس‌سرهم) ـ قديما وحديثا ، تصريحا في مواضع وتلويحا في اخرى ـ انه لا قائل بالوجوب النفسي على الإطلاق ، وهذان الفاضلان قد اغترا بظاهر عبارة الذكرى ، فنقلا القول به في المسألة وشيداه بما ذكرناه.

(الثاني) ـ ان الآية المذكورة غير مدافعة في الدلالة على الوجوب الغيري ، وذلك من وجهين :

(أحدهما) ـ ان المفهوم من الآية عرفا ان الوضوء لأجل الصلاة ، كما يقال : «إذا لقيت العدو فخذ سلاحك» أي لأجل العدو.

وأجاب الفاضل الخراساني بأنه لا منافاة بين الوجوب لأجل الصلاة وبين وجوبه في نفسه. فيجوز ان يجتمع الوجوبان.

ويرد عليه (أولا) ـ ان المدار في الاستدلال على المعاني المتبادرة إلى الذهن في بادئ النظر ، والمنساقة إليه بمجرد الالتفات إلى ظاهر اللفظ ، ومن ثم تراهم يصرحون ـ سيما في الأصول في غير موضع ـ بان التبادر امارة الحقيقة ، ولا شك ان المتبادر من ظاهر الآية ومن المثال المذكور ان الوضوء وأخذ السلاح لأجل الصلاة والحرب ، ومقتضى تعليق الوجوب على غاية مخصوصة انتفاؤه بانتفائها فتثبت المنافاة بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي البتة.

و (ثانيا) ـ انه متى ثبت الوجوب الذاتي لشي‌ء ثبت له مع كل أمر مجامع له بوجوب واحد ، والتغاير فيه اعتبار محض لا يترتب عليه أثر بالكلية ، إذ لا يعقل لهذا الوجوب الغيري بعد ثبوت الوجوب النفسي معنى بالكلية كما لا يخفى على المتأمل ، وحينئذ فليس هنا وجوبان كما زعمه (قدس‌سره).

١٢٩

و (ثانيهما) ـ ان الآية تدل ـ بمفهوم الشرط الذي هو حجة صريحة ، أما عندهم فلما استدلوا به عليه في الأصول ، واما عندنا فلما دلت عليه الاخبار من حجيته ـ على عدم وجوب الوضوء عند عدم ارادة القيام ، فلا يكون واجبا لنفسه.

أجاب الفاضل المتقدم ذكره بان فيه ان المسلم حجية مفهوم الشرط إذا لم يكن للتعليق بالشرط فائدة أخرى سوى التخصيص ، وههنا ليس كذلك ، إذ يجوز ان تكون الفائدة ههنا بيان ان الوضوء واجب لأجل الصلاة وان كان واجبا في نفسه ، فيكون الغرض متعلقا بالوجوب العارض له حين ارادة الصلاة باعتبار التوصل به إليها وكونه من مصالحها.

ويرد عليه ما تقدم ، فان مبنى كلامه على تجويز اجتماع الوجوبين ، وقد عرفت ما فيه ، ومن المعلوم ان الواجب لنفسه لا يحسن بل لا يجوز تعليقه على غيره ، إذ قضية التعليق هو الوجوب الغيري ، فإنا لا نعني به إلا ترتب وجوب شي‌ء على آخر ، ولو كان واجبا في نفسه لم يحسن هذا الترتب البتة. وبالجملة انه قد سلم الوجوب الغيري ، وهو يقتضي التعليق المذكور ، وما يدعيه من الوجوب النفسي الثابت معه فنحن نمنعه ، والمانع مستظهر.

(الثالث) ـ ان ما أورده (قدس‌سره) على الآية ـ بقوله : «ان أقصى ما تدل عليه الآية. إلخ» ـ فالجواب عنه من وجوه :

(أحدها) ـ انه يكفينا ـ في الاستدلال على ما ادعينا من الوجوب الغيري ونفي الوجوب النفسي ـ ما ذكرنا من التقرير المتقدم ، ولزوم الوجوب بالإرادة ولو قبل الوقت ـ مع كونه لا مدخل له في صحة ما اعتمدناه من الاستدلال ـ يكفينا في نفيه الإجماع على عدمه من الطرفين ، فالتقريب في الآية يتم بضم الإجماع.

و (ثانيها) ـ ما افاده بعض الاعلام من أن التعبير عن الإرادة بالقيام يعطي المقارنة كما فهمه بعض المفسرين ، وإذا قام الدليل على عدم اعتبارها حمل على الأقرب

١٣٠

الممكن وهو ما في الوقت. انتهى. وهو جيد يساعده ما تكرر مثل ذلك في الآيات القرآنية والاخبار المعصومية ، ومنه ـ قوله تعالى : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ...» (١) ولو لم يحمل على ذلك لزم الخلل في معنى ذلك الكلام المتعالي عنه كلام الملك العلام وأهل الذكر (عليهم‌السلام).

و (ثالثها) ـ انه قد روى ابن بكير في الموثق (٢) بل الصحيح على قول قوى لكونه ممن نقل فيه إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة ما يعني بذلك : إذا قمتم إلى الصلاة؟ قال : إذا قمتم من النوم ...». ويؤيده أيضا نقل العلامة في المنتهى والشيخ في التبيان إجماع المفسرين على ذلك ، وحينئذ فلا حاجة إلى ما ارتكب من تقدير الإرادة في الآية ، ومعنى الآية حينئذ : إذا قمتم من حدث النوم قاصدين إلى الصلاة فتوضؤوا. فقد وقع الأمر بالوضوء معلقا على القصد للصلاة بالنسبة إلى من كان محدثا بحدث النوم ، وهو نص في الوجوب الغيري في هذا المورد ، وهو كاف في صحة الاستدلال. وان ضم إلى ذلك عدم القول بالفصل بين حدث النوم وغيره من الأحداث تم الاستدلال بالآية بمعونة المقدمة المذكورة على الوجوب الغيري في جميع الأحداث.

(الرابع) ـ ما ذكره من الإيراد على الخبر بقوله : «وعلى الثاني ان المشروط وجوب الطهور والصلاة ...» :

فإن فيه (أولا) ـ انه متى كان المشروط بالدخول وجوب مجموع الأمرين من الطهور والصلاة من حيث المجموع كما هو ظاهر كلامه ، يلزم ان لا يثبت الوجوب بعد دخول الوقت لشي‌ء من ماهية الطهور والصلاة من حيث الانفراد ، وهو ظاهر البطلان

و (ثانيا) ـ انه متى كان انتفاء هذا المجموع لأجل انتفاء الشرط يتحقق

__________________

(١) سورة النحل. الآية ٩٨.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

١٣١

بانتفاء أحد جزءيه الذي هو الصلاة كما هو مراده ومطرح نظره ، يلزم ان المعلق إنما هو أحد الجزأين خاصة وهو الذي انتفى بانتفاء الشرط ، وحينئذ فلا معنى لتعليق الآخر ، كما لا معنى لقولنا : «إذا دخل الوقت وجب الحج والصلاة».

قال الفاضل المتقدم ذكره ـ بعد نقل إيراد السيد على الخبر كما ذكرنا ـ ما لفظه : «ولعل غرضه ان المشروط وجوب المجموع على سبيل الاستغراق الأفرادي ، فكأنه قيل : «إذا دخل الوقت وجب كل واحد من الأمرين» واللازم من ذلك ـ على تقدير حجية مفهوم الشرط ـ رفع الإيجاب الكلي عند انتفاء الشرط ، لا ان المشروط مجموع الأمرين من حيث هو مجموع ، إذ ذلك بعيد جدا» انتهى.

وأنت خبير بان اعتذاره هذا قصاراه الإتيان على الوجه الأول مما ذكر دون الثاني

(الخامس) ـ ان ما استند اليه من الاخبار التي نقلها فالجواب عنها من وجوه :

(أحدها) ـ ما أجاب به شيخنا الشهيد في الذكرى من ان صحة إطلاق الوجوب أو الأمر في الصورة المذكورة إنما نشأت من معلومية الاشتراط ، حتى انه غلب في الاستعمال فصار حقيقة عرفية.

و (ثانيها) ـ النقض الإجمالي بورود الاخبار بغسل الثوب والبدن من النجاسات وهي أكثر من ان يأتي المقام عليها ، مع مساعدة الخصم فيها على الوجوب الغيري.

و (ثالثها) ـ انه لا نزاع في كون هذه الأسباب التي تضمنتها الاخبار موجبات للوضوء كما عبر به عنها في محله ، بمعنى ان الوضوء بسببها يكون واجبا ، لكن النزاع في ان هذا الوجوب الناشئ عنها هل هو نفسي ثابت للوضوء في نفسه أو غيري؟ فههنا شيئان : ما به الوجوب وهي الأسباب من بول ونحوه ، وما له الوجوب من صلاة ونحوها من الغايات المترتبة على الوضوء ، والاخبار التي أوردها المستدل إنما تدل على ما به الوجوب ، بمعنى ان هذه الأشياء يحصل بسببها وجوب الوضوء ، وهذا ليس من محل النزاع في شي‌ء ، واما كون هذا الوجوب ثابتا للوضوء في نفسه أو لغيره فلا.

١٣٢

و (رابعها) ـ الجواب عنها تفصيلا : اما عن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) فالمتبادر منها من لفظ «وجب» معنى لزم وثبت ، وهو أعم من الوجوب بالمعنى المصطلح ، وكذلك صحيحة زرارة (٢) وإلا لزم فيها تعلق التكليف بالنائم ، لأن المتعارف في كلامهم (عليهم‌السلام) إطلاق الفريضة على الواجب بالمعنى المصطلح ، وإطلاق الواجب على المعنى العرفي أي اللازم الثابت ، ولا شك في ثبوت الوضوء ـ مثلا ـ في الذمة بمجرد الإتيان بالسبب ، بمعنى جواز فعله بل استحبابه مع عدم وجود مانع من حين حصول السبب ، وجواز الدخول به في المشروط به. واما موثقة بكير بن أعين (٣) ففيها إجمال لاحتمال ورودها على ما هو الغالب من ارادة الوضوء عند ارادة ما هو مشروط به. واما صحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (٤) فليس المراد بها الوجوب ، وإلا لزم وجوب الفورية. واما صحيحة محمد بن مسلم (٥) ففيها تعليق الأمر بالاغتسال على الإرادة ، فلا دلالة فيها على الوجوب بالمعنى المصطلح.

ومما يرشد إلى ما ذكرناه ورود هذه الاخبار اما في مقام بيان الناقض ، أو بيان آداب الاغتسال ، أو كراهة النوم على الجنابة ، أو نحو ذلك ، لا بيان وقت تعلق التكليف و (خامسها) ـ المعارضة بالأخبار الكثيرة أيضا :

ومنها ـ صحيحة زرارة المذكورة في كلامه (قدس‌سره) (٦) وما أورده عليها فقد عرفت ما فيه. وأنت خبير بأنها أوضح دلالة وأخص مدلولا مما أورده من الاخبار فيتعين تقييدها بها جمعا.

ومنها ـ ما رواه في الفقيه (٧) من العلل التي كتبها الرضا (عليه‌السلام) الى محمد بن سنان : «ان علة الوضوء التي من أجلها صار على العبد غسل الوجه والذراعين

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦) المتقدمة في الصحيفة ١٢٧.

(٥) المتقدمة في الصحيفة ١٢٨.

(٧) ج ١ ص ٣٥ ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء.

١٣٣

ومسح الرأس والقدمين ، فلقيامه بين يدي الله. الحديث». وروايات الفقيه وان ضعف سندها لإرسال أو غيره فهي متلقاة عندهم بالقبول كما صرح به جملة من الفحول.

ومنها ـ ما رواه في كتاب العيون (١) والعلل من علل الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «إنما أمر بالوضوء وبدئ به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار. الحديث».

ولا يخفى ما فيهما من ظهور الدلالة على الوجوب الغيري ومنها ـ ما رواه في الكافي (٢) في باب ان الأرض للإمام (عليه‌السلام) عن ابي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان الامام ـ يا أبا محمد ـ لا يبيت ليلة ولله في عنقه حق يسأله عنه». مع ما رواه الصدوق في الفقيه (٣) عن الصادق (عليه‌السلام): «أنا أنام على ذلك ـ يعني حدث الجنابة ـ حتى أصبح ، وذلك اني أريد أن أعود».

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في الصائم يتوضأ فيدخل الماء حلقه؟ قال : ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء ، وان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء».

ومنها ـ ما رواه الكليني (٥) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث طويل قال : «ان الله فرض على اليدين ان لا يبطش بهما إلى ما حرم الله وان يبطش بهما إلى ما أمر الله عزوجل ، وفرض عليهما من الصدقة ، وصلة الرحم ، والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات. الحديث».

__________________

(١) ص ٢٥٢ ، وفي العلل ص ٩٦. وفي الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) في الصحيفة ٤٠٨ من الجزء الأول من الأصول.

(٣) ج ١ ص ٤٧ وفي الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٥) في الصحيفة ٣٣ من الجزء الثاني من الأصول ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الجنابة وفي الباب ـ ٢ ـ من أبواب جهاد النفس.

١٣٤

ومنها ـ الأخبار الواردة في من عليها غسل الجنابة وفجاءها الحيض قبل ان تغتسل من قوله (عليه‌السلام) في بعضها (١) : «قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل». وفي آخر (٢) «قد أتاها ما هو أعظم من ذلك». وفي جملة منها (٣) «تجعله غسلا واحدا بعد طهرها». وفي بعض (٤) «ان شاءت ان تغتسل فعلت ، وان لم تفعل فليس عليها شي‌ء».

ولا يخفى أن جميع ذلك إنما يتمشى وينطبق على الوجوب الغيري دون الوجوب النفسي إلا بتكلفات بعيدة وتمحلات غير سديدة.

هذا. وقد عرفت سابقا (٥) دلالة الآية على ذلك أيضا ، فتكون منطبقة على هذه الأخبار ، مرجحة لها لو ثبتت المعارضة في هذا المضمار.

المقصد الثاني

في الغاية المستحبة

(فمنها) ـ الصلاة المستحبة ، وربما سبق إلى بعض الأوهام ـ كما نقله بعض الاعلام هنا ـ وجوب الوضوء لصلاة النافلة ، بناء على ترتب الإثم على فعل النافلة بدون وضوء. وهو خطأ محض ، فإن الإثم إنما يتوجه إلى الفعل المذكور لأن فعل النافلة من غير وضوء تشريع محرم ، فالإثم إنما ترتب على ذلك لا على الترك ، وأحدهما غير الآخر.

__________________

(١) وهي حسنة الكاهلي المروية في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الجنابة ، وفي الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض.

(٢) وهي رواية سعيد بن يسار المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض.

(٣) وهي موثقات حجاج الخشاب وزرارة وأبي بصير وعبد الله بن سنان المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة.

(٤) وهي موثقة عمار المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ، وفي الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض.

(٥) في الصحيفة ١٢٩.

١٣٥

وربما أطلق على هذا النوع من الندب اسم الواجب تجوزا ، لمشابهة الواجب في الشرطية وعدم صحة الفعل إلا به وان كان في حد ذاته مندوبا ، ويعبر عنه بالوجوب الشرطي إشارة إلى علاقة التجوز ، ولعله من ذلك سرى الوهم.

والاخبار الدالة على الوضوء لصلاة النافلة متفرقة في جملة من الصلوات لكن ليس فيها تصريح بالاستحباب ، ولعل المتمسك في ذلك البناء على ان شرط المستحب مستحب كما ان شرط الواجب واجب ، والإجماع كما نقله جملة من الأصحاب.

ويدل على الاشتراط في الجميع عموم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) : «لا صلاة إلا بطهور ...».

وقوله (عليه‌السلام) في حسنة الحلبي (٢) : «الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود».

و (منها) ـ الطواف المستحب ، وهل الوضوء هنا شرط لصحته كصلاة النافلة أو لوقوعه على الوجه الأكمل ، فيصح بدونه؟ خلاف سيأتي الكلام عليه ان شاء الله تعالى في موضعه.

و (منها) ـ دخول المساجد ، لرواية مرازم بن حكيم المروية في كتاب مجالس الصدوق (٣) عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال : «عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه ، وكتب من زواره».

وروى الصدوق في الفقيه (٤) مرسلا : «ان في التوراة مكتوبا ان بيوتي في الأرض

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة ، وفي الباب ـ ١ و ٤ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الجنابة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع. وفي الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب السجود.

(٣) في الصحيفة ٢١٦ وفي الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوضوء.

(٤) ج ١ ص ١٥٤ وفي الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ٣٩ ـ من أحكام المساجد.

١٣٦

المساجد ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي. الحديث». ولاستحباب صلاة التحية بعد دخولها الموقوفة على الطهارة.

ويتأكد مع ارادة الجلوس فيها ، لمرسلة العلاء بن الفضيل عمن رواه عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا دخلت المسجد وأنت تريد ان تجلس فلا تدخله إلا طاهرا ...».

و (منها) ـ قراءة القرآن ، لرواية محمد بن الفضيل المروية في كتاب قرب الاسناد (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) : اقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم فأبول واستنجي واغسل يدي ، وأعود إلى المصحف فاقرأ فيه؟ قال : لا حتى تتوضأ للصلاة».

وفي كتاب الخصال (٣) في حديث الأربعمائة «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام): لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر».

وبعض المتأخرين لما لم يقف على المستند في الحكم المذكور علله بالشهرة والتعظيم.

و (منها) ـ مسه وحمله ، لموثقة إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة في أدلة تحريم مس خط المصحف على المحدث (٤).

و (منها) ـ النوم. لرواية محمد بن كردوس عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) قال : «من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده ...».

ورواه البرقي في كتاب المحاسن (٦) عن حفص بن غياث عنه (عليه‌السلام) ،

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ٣٩ ـ من أحكام المساجد.

(٢) في الصحيفة ١٧٥ وفي الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قراءة القرآن.

(٣) ج ٢ ص ١٦٥ وفي الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قراءة القرآن.

(٤) في الصحيفة ١٢٢.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوضوء.

(٦) في الصحيفة ٤٧ ، وفي الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوضوء.

١٣٧

وزاد في آخره «فان ذكر انه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر الله تعالى».

و (منها) ـ نوم الجنب ، لصحيحة الحلبي (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل أينبغي له ان ينام وهو جنب؟ قال : يكره ذلك حتى يتوضأ».

و (منها) ـ صلاة الجنازة ، لرواية عبد الحميد بن سعيد (٢) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : الجنازة يخرج بها ولست على وضوء ، فان ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة. أيجزيني أن أصلي عليها وانا على غير وضوء؟ قال : تكون على طهر أحب الي».

و (منها) ـ السعي في حاجة ، لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول : من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه».

وطعن بعض فضلاء متأخري المتأخرين في الدلالة ، معللا بان مفاده ان الحاجة بدون الوضوء لا تقضى ، فينبغي ان يطلب الحاجة فيما إذا توضأ بالوضوء الذي رخص فيه من الشارع ، لأنه عبادة موقوفة على الاذن ، وليس فيه دلالة على الاذن والرخصة للوضوء في وقت طلب الحاجة ، كما تشهد به الفطرة السليمة. انتهى.

وفيه نظر ، فان الظاهر من العبارة كون ذلك كناية عن الحث على الوضوء لأجل ذلك ، كما ورد نظيره في استحباب التحنك والحث عليه بعد التعمم وعند الخروج في السفر.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوضوء.

١٣٨

كقوله (عليه‌السلام) (١) : «من تعمم ولم يتحنك فاصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وفي أخرى (٢) «من اعتم ولم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وفي موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «من خرج في سفر ولم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

فان المتبادر من ذلك هو استحباب التحنك لأجل الأمرين المذكورين.

و (منها) ـ الجنب إذا أراد ان يغسل ميتا ولما يغتسل.

و (منها) ـ غاسل الميت إذا أراد ان يأتي أهله قبل الغسل.

ويدل عليهما حسنة شهاب بن عبد ربه (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنب يغسل الميت ، أو من غسل ميتا ، أيأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال : هما سواء لا بأس بذلك ، إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت وهو جنب ، وان غسل ميتا ثم إني أهله توضأ ثم أتى اهله ويجزيه غسل واحد لهما».

و (منها) ـ لمجامع إذا أراد الجماع مرة أخرى ولما يغتسل ، وهذا الموضع غير مذكور في كتب الأصحاب.

ويدل عليه رواية الوشاء ، رواها الإربلي في كتاب كشف الغمة (٥) من كتاب

__________________

(١) في حسنة ابن أبي عمير المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلى.

(٢) وهي رواية عيسى بن حمزة المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ، وفي الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب غسل الميت.

(٥) في الصحيفة ٢٦٩ ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوضوء.

١٣٩

دلائل الحميري عن الوشاء قال : «قال فلان بن محرز بلغنا ان أبا عبد الله (عليه‌السلام) كان إذا أراد ان يعاود أهله الجماع توضأ وضوء الصلاة ، فأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني (عليه‌السلام) عن ذلك. قال الوشاء : فدخلت عليه فابتدأني من غير ان أسأله فقال : كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا جامع وأراد ان يعاود توضأ للصلاة وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة».

و (منها) ـ التأهب لصلاة الفريضة ، لما رواه الشهيد في الذكرى (١) من قولهم (عليهم‌السلام): «ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت».

ويدل عليه أيضا ما ورد في الأخبار (٢) من الأمر بصلاة الفريضة حين يدخل الوقت.

و (منها) ـ جماع الحامل ، لما في وصيته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) قال : «يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء ، فإنه ان قضى بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد» رواه الصدوق في كتاب المجالس والعلل (٣).

و (منها) ـ ما لا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج ، لما سيأتي في بابه ان شاء الله تعالى.

و (منها) ـ الدخول من سفر ، لما رواه الصدوق في المقنع (٤) قال : «وروى عن الصادق (عليه‌السلام) قال من قدم من سفر فدخل على اهله وهو على غير وضوء ورأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه».

__________________

(١) في التنبيه الثالث من المواقيت ، وفي الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) المروية على الاختلاف في الباب ـ ٣ و ٥ و ٦ و ١٨ و ٢٨ ـ من أبواب المواقيت.

(٣) رواه في المجالس ص ٣٣٩ وفي العلل ص ١٧٥ ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ ١٥٤ ـ من مقدمات النكاح وآدابه.

(٤) لم نعثر على هذه الرواية في المقنع بعد الفحص عنها في مظانها.

١٤٠