الحدائق الناضرة - ج ٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة ـ نجف
المطبعة: مطبعة النّجف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

واعتضادها بعمل الفرقة الناجية بها سلفا وخلفا في مواضع عديدة.

والظاهر في الخبر المذكور ان ذكر احتمال خروج الحدث ليس على جهة العلية في النقض بل لبيان الحكمة في نقض النوم ، كما في سائر العلل التي نقلها ، فإن أكثر العلل الواردة في الاخبار اما لتقريب الافهام القاصرة بالنكت البينة الظاهرة ، أو لبيان الداعي إلى الفعل ، أو لبيان وجه المصلحة ، أو نحو ذلك ، وحينئذ فلا يلزم استناد النقض إلى احتمال الحدث ليترتب عليه الاشكال المذكور.

(الثانية) ـ قال في التذكرة : «لو شك في النوم لم تنتقض طهارته ، وكذا لو تخايل له شي‌ء ولم يعلم انه منام أو حديث النفس ، ولو تحقق أنه رؤيا نقض» انتهى.

وقال في المدارك بعد نقله : «وهو كذلك» انتهى.

أقول : فينبغي ان يراد بالشك الذي لا يعارض به اليقين ما هو أعم منه ومن الظن ، لانه المستفاد من الاخبار :

ومنها ـ صحيحة زرارة المتقدمة (١) آخر الروايات الاولى.

وموثقة عبد الله بن بكير (٢) قال : «إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ ، وإياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت».

وصحيحة زرارة الطويلة (٣) وفيها «قلت : فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك

__________________

(١) في الصحيفة ٩٥.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الوضوء. والرواية ـ كما في كتب الحديث ـ يرويها عبد الله بن بكير عن أبيه عن الصادق (عليه‌السلام).

(٣) المروية في الوسائل بنحو التقطيع في الباب ـ ٧ و ٣٧ و ٤١ و ٤٢ و ٤٤ ـ من أبواب النجاسات.

١٠١

قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا. الحديث».

وحينئذ فما يظهر من كلام بعض من إلحاق الظن باليقين ليس بجيد.

ثم ان في قوله : «ولو تحقق أنه رؤيا نقض» نظرا نبه عليه بعض محققي متأخري المتأخرين ، قال : «إذ يمكن ان تتحقق الرؤيا مع عدم إبطال السمع والعقل إذا قوي الخيال كما تشهد به التجربة ، وحينئذ فالحكم بالنقض مشكل» انتهى. وهو جيد.

(الثالثة) ـ روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال : ان كان يوم الجمعة وهو في المسجد فلا وضوء عليه ، وذلك انه في حال ضرورة».

وظاهر الخبر ـ كما ترى ـ لا يخلو من الاشكال ، وحمله الشيخ (رحمه‌الله) على عدم التمكن من الوضوء وان عليه التيمم ، قال : «لان ما ينقض الوضوء لا يختص بيوم الجمعة ، والوجه فيه انه يتيمم ويصلي فإذا انفض الجمع توضأ وأعاد الصلاة ، لأنه ربما لا يقدر على الخروج من الزحمة».

واعترضه المحقق الشيخ حسن صاحب المنتقى في الكتاب المذكور بان فيما ذكره (رحمه‌الله) بعدا قال : «ولعل الوجه في ذلك مراعاة التقية بترك الخروج للوضوء في تلك الحال ، أو عدم تحقق القدر الناقض من النوم مع رجحان احتماله بحيث لو كان في غير الموضع المفروض لحسن الاحتياط بالإعادة ، وحيث انه في حال ضرورة فالاحتياط ليس بمطلوب منه» انتهى.

واعترضه أخوه لأمه الفاضل السيد نور الدين في شرحه على المختصر ، فقال بعد نقل هذا الكلام : «ولا يخفى ان ما استبعده من حمل الشيخ ليس بأبعد من هذا الحمل على كلا توجيهيه (اما الأول) فلان تحقق التقية في مثله في غاية الندور ، لانه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

١٠٢

موقوف على انحصار سبب الوضوء في ذلك عند من يتقى منه ، ومتى يحصل هذا الحصر مع تجويز خلافه من الحدث الذي قد لا يدركه غير صاحبه؟ ولا شك ان الدخول في الصلاة بغير طهارة كيف كان لم يعهد جوازه في الشرع ولو مع الضرورة ، كما يدل عليه ما رواه الصدوق (رحمه‌الله) عن مسعدة بن صدقة (١) ان قائلا قال لجعفر بن محمد (عليهما‌السلام): «جعلت فداك إني أمر بقوم ناصبية وقد أقيمت لهم الصلاة وانا على غير وضوء ، فان لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاءوا ان يقولوا ، أفأصلي معهم ثم أتوضأ وأصلي إذا انصرفت؟ فقال جعفر (عليه‌السلام) : سبحان الله اما يخاف من يصلي على غير وضوء ان تأخذه الأرض خسفا؟». على انه لو تم ذلك فلا يلائم عدم وجوب الإعادة مطلقا ، للاتفاق على بطلان الصلاة مع فقد الطهارة ، وربما كانت تلك الصلاة واجبة كما هو الظاهر. و (اما الثاني) ـ فلان حمله على عدم تيقن النقض لا يوافق تقييده بالضرورة ، لأنه على هذا التقدير لا شبهة في عدم وجوب الوضوء مطلقا ، بل لا يسوغ الاحتياط بفعله ، للنهي عن نقض اليقين بالشك وانه لا ينقض إلا بيقين آخر ، كما دلت عليه(رواية زرارة المتقدمة (٢) وموثقة بكير بن أعين (٣) صريحة في ذلك ، حيث قال في آخرها : إياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت». انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه (أولا) ـ ان ما ذكره ـ في التوجيه الأول من معنى التقية ـ الظاهر انه ليس بمراد ذلك القائل ، بل الظاهر ان مراده إنما هو الخوف الناشئ من التهمة بترك الصلاة لخروجه من المسجد في أثناء الصلاة ، سيما مع استلزامه التخطي بين الصفوف

__________________

(١) ج ١ ص ٢٥١ ، وفي الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) وقد تقدمت في الصحيفة ٩٥.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الوضوء ، وقد تقدمت في الصحيفة ١٠١.

١٠٣

المحظور عندهم ، ولعل في قوله : «في تلك الحال» إشارة إلى هذا المعنى الذي ذكرناه لا التقية بالنقض بالنوم من حيث انه ليس بناقض عندهم كما توهمه. نعم ينقدح عليه ما ذكره من لزوم الدخول في الصلاة بغير وضوء مع ورود الخبر المذكور بالمنع منه وان كان تقية. إلا ان الخبر المشار اليه لا يخلو أيضا من الاشكال الموجب لضعف الاستدلال و (ثانيا) ـ ان ما طعن به على التوجيه الثاني غير موجه ، وذلك فان الظاهر ان مراد ذلك القائل ان التقييد بالضرورة إنما هو للاحتياط بالوضوء وعدمه كما هو صريح آخر كلامه ، فقول المعترض : ـ «لانه على هذا التقدير. إلخ» ـ ليس في محله.

قوله ـ : «بل لا يسوغ الاحتياط بفعله. إلخ» ـ مردود (أولا) ـ بعموم اخبار الاحتياط الشاملة لما نحن فيه.

و (ثانيا) ـ بان ما استند اليه من الأخبار محمول على الوضوء بقصد الوجوب ، فإنه المستلزم لنقض اليقين لا مطلقا ، وإلا لانتقض بالوضوء المجدد مع ثبوته إجماعا نصا وفتوى

(الرابعة) ـ المشهور ـ بل ادعى عليه غير واحد من متأخري أصحابنا الإجماع ـ على عد مزيل العقل من إغماء وسكر وجنون ونحوها من جملة الأسباب الموجبة للوضوء ، والمذكور في كلام الشيخين في المقنعة والتهذيب ـ وهو الذي ادعى عليه في التهذيب الإجماع ـ المرض المانع من الذكر ، كالمرة التي ينغمر بها العقل والإغماء ، والمراد بالمانع من الذكر ـ كما استظهره بعض الفضلاء من كلامه ـ ان لا يكون الإنسان معه ضابطا لما يكون منه من حدث.

واما ذكر الجنون والسكر ـ والاستدلال عليهما بصحيحة معمر بن خلاد (١) التي استدل بها في التهذيب على ما ذكره ـ فهو من زيادات العلامة والشهيد (رحمهما‌الله تعالى)

قال في التهذيب بعد نقل الرواية المذكورة : قوله (عليه‌السلام): «إذا خفي عنه

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ٩٩.

١٠٤

الصوت فقد وجب الوضوء عليه». يدل على ما ذكره من اعادة الوضوء من الإغماء والمرة وكل ما يمنع من الذكر. انتهى.

وأورد عليه ان الإغماء لغة بمعنى النوم. فقوله (عليه‌السلام) : «إذا خفي عنه الصوت فقد وجب الوضوء عليه» في قوة قوله : «إذا خفي عنه الصوت في حال اغفائه فقد وجب عليه الوضوء».

وأجيب بأن كلامه (عليه‌السلام) مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة.

ورد بان المحدث عنه هو ذلك الرجل الذي غفي وهو قاعد. فلا يكون مطلقا بل مقيدا بالنوم. وحينئذ فلا دلالة للخبر على المدعى.

وتمحل بعض متأخري المتأخرين في لفظ الإغفاء ، فاستظهر حمله في الرواية على الإغماء مستندا إلى دلالة «ربما» على التكثير ، قال : «بل هو الغالب فيها كما صرح به في مغني اللبيب ، بل ذكر الشيخ الرضي (رحمه‌الله) ان التكثير صار لها كالمعنى الحقيقي والتقليل كالمعنى المجازي المحتاج إلى القرينة ، والذي يكثر في حال المرض هو الإغماء دون النوم» انتهى. ولا يخفى ما فيه.

وكيف كان فالخبر المذكور أخص من المدعى ، لاختصاصه بما خفي فيه الصوت ، فلا يتناول مثل الجنون والسكر ونحوهما مع عدم خفاء الصوت.

وربما استدل أيضا بتعليق نقض النوم بذهاب العقل فيما تقدم من الأخبار ، كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة عن الصادقين (عليهما‌السلام) (١) : «والنوم حتى يذهب العقل ...». وفي صحيحة ابن المغبرة (٢) : «إذا ذهب النوم بالعقل ...».

ورد بأن غاية ما تدل عليه تلك الأخبار هو نقض النوم عند ذهاب العقل وعدم نقضه قبله ، وبمجرد هذا الدوران لا تثبت العلية ، لجواز أن لا يكون له دخل في العلية

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

١٠٥

أصلا ، أو تكون خصوصية النوم شرطا في النقض أيضا ، فلا تثبت العلية له مجردا.

وصار بعض إلى الاستدلال على ذلك بما دل على حكم النوم من باب التنبيه والأولوية ، قال : «فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث كما تدل عليه إناطته بإزالة العقل وجب بالإغماء والسكر بطريق أولى» انتهى.

وفيه انك قد عرفت مما سبق ان ظاهر الأخبار كون النوم من حيث هو ناقضا لا من حيث احتمال طرو الحدث حالته ، وان ما دل على خلاف ذلك فإنه ـ مع عدم الصراحة ـ معارض بما هو أقوى منه. والأولوية التي ادعاها انما تثبت لو ثبت ان العلة في نقض النوم ما ادعاه.

وظاهر المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) الاستدلال على ذلك بصحيحة معمر بن خلاد (١) وتعدية الحكم إلى ما خفي فيه الصوت من سكر ونحوه ـ لا في الجنون ولا في كل افراد السكر ـ بطريق تنقيح المناط كما قدمنا الإشارة اليه.

وفيه ما عرفت من جواز مدخلية خصوص النوم في العلية ، وإلغاؤها ـ ليثبت الحكم كليا كما هو معنى تنقيح المناط ـ يحتاج إلى دليل. والعجب منه (رحمه‌الله) في ادعائه فيما تقدم من كلامه قطعية أحد فردي تنقيح المناط وعده ما هنا وهناك من قبيل ذلك من غير إيراد برهان واضح على ما ادعاه من القطعية ، بل ولا الإشارة إلى ذلك بالكلية ، مع كونه لا يعتمد على الظن وان كان مستفادا من الدليل ، بل يمنع من سلوك تلك السبيل وينسب من سلكه إلى الضلال والتضليل ، كما أطال به في الفوائد المدنية التشنيع والتسجيل.

والتحقيق في المقام ان يقال : انك إذا رجعت إلى الروايات المتقدمة في المسألة وضممت بعضها إلى بعض وجدتها متفقة على النقض بالنوم ، لكن ربما حصل الاشكال

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ٩٩.

١٠٦

فيما به يتحقق ذلك ، ومن ثم كثر السؤال عنه في الأخبار ، كما يدل عليه أخبار الخفقة والخفقتين ونحوها ، فجعلوا (عليهم‌السلام) له مناطا يعلم به وحدّا يرجع اليه ، وهو غلبته على العقل تارة وعدم السماع اخرى ، وربما جمعوا بينهما ، وحينئذ فهذه الأشياء لا تصلح لعلية النقض مطلقا ، لان الشارع إنما جعلها مناطا لاستعلام الناقض ، فتعدية النقض إليها ـ وإلغاء خصوصية النوم من البين ـ أمر لا أثر له في الأخبار ولا عين.

وبعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ حيث ضاق عليه المجال في المقام بما وقع فيه من النقض والإبرام ـ تشبث بذيل الإجماع. وأنت خبير بما فيه من المناقشة والنزاع

نعم روى في كتاب دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام): «ان الوضوء لا يجب إلا من حدث ، وان المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه اعادة الوضوء». إلا ان الكتاب المذكور قد عرفت ما في الاعتماد عليه فيما سبق (٢).

هذا ما يقتضيه النظر في أدلة المسألة ، والاحتياط مما لا تهمل المحافظة عليه.

واما بعض أقسام المستحاضة الذي هو أحد أسباب الوضوء فسيأتي تحقيقه في محله

(البحث الثالث) ـ الأشهر الأظهر انه لا يوجب الوضوء غير ما قدمنا ذكره وههنا أشياء قد اختلفت فيها الأخبار ، وبذلك وقع الاختلاف فيها بين علمائنا الأبرار.

(فمنها) ـ المذي ، والمشهور عدم إيجابه الوضوء ، وذهب ابن الجنيد إلى انه متى كان من شهوة أوجب الوضوء ، وربما أشعر كلام الشيخ في التهذيب بموافقته له فيما إذا كان كثيرا خارجا عن المعتاد ، لكن الظاهر انه لا يثبت بمجرد ذلك كونه مذهبا له ، فإنه ذكره في مقام الاحتمال للجمع بين الأخبار ، ومثله لو عد مذهبا له لم تنحصر مذاهبه.

والأخبار الدالة على القول المشهور متكاثرة :

__________________

(١) ج ١ ص ١٢٣.

(٢) ص ٤٤.

١٠٧

و (منها) ـ الأخبار الدالة على الحصر في الأسباب المتقدمة حسبما قدمنا (١)

و (منها) ـ حسنة زرارة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة ، فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وان بلغ عقبيك ، فإنما ذلك بمنزلة النخامة. الحديث».

وعلى هذا المنوال صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (٣) وحسنة بريد بن معاوية (٤) وحسنة محمد بن مسلم (٥) وصحيحة زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم (٦) وصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا (٧) وفيها تصريح بكون المذي من الشهوة ، وموثقة إسحاق بن عمار (٨) ورواية عمر بن حنظلة (٩) ورواية عنبسة بن مصعب (١٠) ومرسلة ابن رباط (١١) وظاهرها تخصيص المذي بما يخرج من الشهوة.

ويدل على ما ذكره ابن الجنيد روايات : (منها) ـ صحيحة محمد بن إسماعيل ابن بزيع (١٢) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن المذي فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه. وقال : ان علي ابن ابى طالب (عليه‌السلام) أمر المقداد بن الأسود ان يسأل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واستحيي أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء».

ويرد على الاستدلال بهذه الرواية (أولا) ـ ان موثقة إسحاق بن عمار المشار إليها آنفا عن الصادق (عليه‌السلام) «تضمنت ان عليا (عليه‌السلام) كان رجلا مذاء

__________________

(١) في الصحيفة ٨٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٨ و ٩ و ١١ و ١٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٧) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(١٠) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ ٤ و ٧ ـ من أبواب الجنابة.

١٠٨

واستحيي أن يسأل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمكان فاطمة ، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس ، فسأله فقال : ليس بشي‌ء». والترجيح لهذه الرواية لاعتضادها بالأخبار المستفيضة المتقدمة.

و (ثانيا) ـ ان الراوي المشار اليه بعينهروى في الصحيح عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه سنة أخرى ، فأمرني بالوضوء منه ، وقال : ان عليا (عليه‌السلام) أمر المقداد أن يسأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) واستحيي أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء. قلت : فان لم أتوضأ؟ قال لا بأس». ومن القواعد المقررة عندهم انه إذا روي الخبر تارة مع زيادة واخرى بدونها عمل على تلك الزيادة ما لم تكن مغيرة ، وهذا الخبر مما يدل على ان الأمر بالوضوء فيما تضمنه من تلك الأخبار على الاستحباب.

ثم ان الظاهر ان هذه الرواية لا تصلح مستندا لما ذهب اليه ابن الجنيد لتخصيصه الناقض من المذي بما يخرج بشهوة ، وهذه الرواية مطلقة ، وحملها على الخارج بشهوة ليس أولى من الحمل على الاستحباب لما علمت.

ومما يدل أيضا على ما ذهب إليه صحيحة علي بن يقطين (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : ان كان من شهوة نقض».

ورواية أبي بصير (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المذي يخرج من الرجل؟ قال : أحد لك فيه حدا؟ قال : قلت : نعم جعلت فداك. قال : ان خرج منك على شهوة فتوضأ ، وان خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء».

ونحوهما رواية الكاهلي (٤).

والاستدلال بهذه الروايات أيضا لا يخلو من الإشكال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

١٠٩

(اما أولا) ـ فلان ظاهر مرسلة ابن رباط المتقدمة (١) ـ حيث قال فيها : «واما المذي فإنه يخرج من الشهوة». ـ اختصاص المذي بالخارج عن شهوة ، ويؤيده ما ذكره في الفقيه (٢) حيث قال : «والمذي ما يخرج قبل المني». وكلام أهل اللغة أيضا ، حيث خصوه بذلك أيضا ، ولذلك عرفه شيخنا الشهيد الثاني بأنه ماء رقيق لزج يخرج عقيب الشهوة ، ونظم ذلك بعض متأخري علمائنا فقال :

المذي ماء رقيق اصفر لزج

خروجه بعد تفخيذ وتقبيل

وحينئذ فما اشتملت عليه هذه الأخبار ـ من وجود فرد له ليس عن شهوة ـ مشكل

و (ثانيا) ـ انه قد روى يعقوب بن يقطين في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة. قال : المذي منه الوضوء». فإنها دالة على ثبوت الوضوء منه وان لم يكن عن شهوة. وحمل الشيخ (رحمه‌الله) ـ الخبر المذكور على التعجب والاستفهام الإنكاري ـ لا يخلو من بعد.

وظاهر جماعة من متأخري متأخرينا (رضوان الله عليهم) حمل هذه الأخبار كلا على الاستحباب جمعا ، وأيدوه بصحيحة ابن بزيع الثانية (٤) وهو وان احتمل إلا ان الظاهر ان الأقرب الحمل على التقية :

(أما أولا) ـ فلأنها ـ كما ذكرنا سابقا ـ هي الأصل في اختلاف الأخبار ، والعامة كلهم إلا الشاذ منهم على النقض به (٥).

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في الصحيفة ١٠٨.

(٢) ج ١ ص ٣٩.

(٣) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٤) المتقدمة في الصحيفة ١٠٩.

(٥) كما في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج ١ ص ٢٥ ، والمغني لابن قدامة الحنبلي ج ١ ص ١٧٠ ، والام للشافعي ج ١ ص ١٤. وفي شرح النووي على صحيح مسلم على هامش إرشاد الساري ج ٢ ص ٣٤٤ حكى عن أبي حنيفة والشافعي واحمد والجماهير انه يوجب الوضوء. وفي كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة على هامش الميزان للشعرانى ج ١ ص ١٢

١١٠

(لا يقال) : انهم لا يخصون النقض بالخارج عن الشهوة كما هو ظاهر الأخبار.

(لأنا نقول) : قد عرفت مما حققناه سابقا انه لا يشترط في الحمل على التقية وجود القائل بذلك ، مع ان بعض هذه الأخبار المخالفة قد تضمنت النقض بكلا الفردين كما عرفت ، وبعضا به مطلقا.

و (اما ثانيا) ـ فلأنها أحد طرق الترجيح عند تعارض الأخبار دون الحمل على الاستحباب والكراهة وان اشتهر بين أصحابنا الجمع بين الأخبار بذلك وإلغاء تلك واما الرواية أعني صحيحة محمد بن إسماعيل فيمكن حملها على ان نفي البأس عن عدم الوضوء بسببه مع عدم التقية ، وهو لا ينافي الأمر به تقية ، فتحمل أوامره (عليه‌السلام) بالوضوء أولا مع النقل المذكور على التقية ، ونفي البأس عن عدم الوضوء منه على عدمها. ولعل قرائن الحال في وقت السؤال كانت دالة على ذلك وان خفي علينا الآن العلم بذلك ومثله في الأخبار غير عزيز.

وربما احتمل بعض فضلاء متأخري المتأخرين (رضوان الله عليهم) حمل مطلق الأخبار الواردة في المسألة على مقيدها ، فيجب الوضوء مما خرج بشهوة.

وفيه ان تقييد المطلق ارتكاب لما هو خلاف الظاهر فيه البتة ، فلو أمكن التأويل في المقيد ولم يكن في ارتكابه خلاف الظاهر أو كان أقل مرتبة من الخلاف الذي في جانب المطلق ، تعين التأويل في جانب المقيد ولم يرتكب حمل المطلق عليه. وما نحن فيه

__________________

«والمذي ينقض الوضوء إلا عند مالك» وفي عمدة القارئ للعيني شرح البخاري ج ٢ ص ٢٦ «لا خلاف في وجوب الوضوء منه ولا خلاف في عدم وجوب الغسل» ثم نقل عن القاضي عياض المالكي «أن المذي المتعارف ـ وهو الخارج عند ملاعبة الرجل اهله لما يجري من اللذة أو لطول العزوبة ـ لا خلاف بين المسلمين في إيجاب الوضوء منه وإيجاب غسله لنجاسته» وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج ١ ص ٣٠ دعوى الاتفاق على ناقضيته إذا كان خروجه على وجه الصحة لا المرض. ويظهر الاتفاق على ذلك من (الفقه على المذاهب الأربعة) ج ١ ص ٧٧ حيث ذكرت ناقضيته ولم يذكر خلاف المذاهب فيها.

١١١

من قيل الثاني ، لأن المذي ان لم نقل بأنه مخصوص بما يخرج عقيب الشهوة كما أسلفنا ، وحينئذ فلا يكون من قبيل تعارض المطلق والمقيد ، فلا أقل من ان يكون الغالب منه هو ما يكون عقيب الشهوة. وحينئذ فحمل تلك الأخبار المستفيضة المتكاثرة على ما هو الفرد النادر الغير المتعارف أشد خلافا للظاهر البتة من حمل تلك الروايات المخالفة على التقية كما اخترناه ، أو الاستحباب كما نقلناه.

و (اما ثالثا) ـ فلأن صحيحة ابن أبي عمير (١) دلت على نفي الوضوء في المذي من الشهوة. وإرسالها غير ضائر ، لما تقرر عندهم من عد مراسيله في جملة المسانيد ، فلا ينافي إرسالها الصحة سيما مع كونه رواها عن غير واحد من أصحابنا مما يؤذن باستفاضة الحكم بذلك. هذا ما اقتضاه النظر. والاحتياط في كل مقام من أعظم المهام.

و (منها) ـ التقبيل ، ومس الفرجين ظاهرا أو باطنا من محلل أو محرم ، والقهقهة ولو في الصلاة ، والحقنة والدم الخارج من السبيلين المشكوك في مصاحبة الناقض له خلافا لابن الجنيد في الأول مقيدا بكونه عن شهوة وكونه لمحرم ، وفي الثاني مقيدا له بالباطن في فرجيه وبالباطن في فرج الغير بشرط الشهوة من المحلل والمحرم ، وللصدوق أيضا في الثاني بالنسبة إلى الإنسان نفسه في باطن دبره وإحليله ، ولابن الجنيد في الثالث مقيدا له بكونه في الصلاة متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه ، وفي الرابع والخامس ، مع انه سلم ان الدم الخارج من السبيلين إذا علم خلوه من النجاسة لا يعد ناقضا.

واحتج على الأول برواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء».

وعلى الثاني بالرواية المذكورة ، وبموثقة عمار (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره. قال : نقض وضوءه. وان مس باطن

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في الصحيفة ١٠٨.

(٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

١١٢

إحليله فعليه ان يعيد الوضوء ، وان كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة ، وان فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة».

وبمضمون هذه الرواية عبر في الفقيه (١) فقال : «وإذا مس الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه ان يعيد الوضوء ، وان كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ وأعاد الصلاة ، وان فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة» انتهى.

وعلى الثالث برواية سماعة (٢) قال : «سألته عما ينقض الوضوء. قال : الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلا شي‌ء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء».

واما الرابع فلم نقف له على دليل ، والعلامة في المختلف مع تكلفه نقل الأدلة لما ينقله فيه من الأقوال نقله ولم يذكر له دليلا ، ويمكن استناده فيه إلى إطلاق بعض الأخبار الدالة على نقض ما يخرج من السبيلين.

واما الخامس فنقل في المختلف عنه الاستدلال بأنه بعد خروج الدم المشكوك في ممازجته للنجاسة شاك في الطهارة. فلا يجوز له الدخول في الصلاة ، لأن المأمور به الدخول بطهارة يقينية.

والجواب عن ذلك (أولا) ـ بالمعارضة بالأخبار (٣) الدالة على حصر الأسباب الموجبة فيما قدمناه مما أسلفنا ذكره وأوسعنا نشره.

و (ثانيا) ـ اما عن الأول فبالمعارضة بصحيحة الحلبي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القبلة تنقض الوضوء؟ قال : لا بأس».

__________________

(١) ج ١ ص ٣٩.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) المتقدمة في الصحيفة ٨٧.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

١١٣

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس في القبلة ولا في المباشرة ولا مس الفرج وضوء».

ومثلها صحيحة زرارة الأخرى (٢) ورواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (٣). واما عن الثاني فبالمعارضة بصحيحة زرارة المذكورة وموثقة سماعة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يمس ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلي ، أيعيد وضوءه؟ فقال : لا بأس بذلك ، إنما هو من جسده».

وصحيحة معاوية بن عمار (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة. قال : لا بأس».

ومثلها رواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله وصحيحة زرارة.

واما عن الرابع فبعدم الدليل ، وضعف الاستناد إلى ما احتملناه له ظاهرا.

واما عن الخامس فيما ذكره العلامة في المختلف ، وحاصله ان ذلك يرجع إلى الشك في الحدث مع تيقن الطهارة.

والتحقيق حمل ما تمسكوا به من الأخبار على التقية ، حيث ان كثيرا من العامة بل الأكثر ـ كما يفهم من التذكرة ـ قائلون بمضمون ذلك (٦) واما الحمل على الاستحباب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء والباب ـ ٢٦ ـ من قواطع الصلاة.

(٦) اما التقبيل ففي المغني لابن قدامة الحنبلي ج ١ ص ١٩٢ «المشهور من مذهب احمد ان لمس النساء بشهوة ينقض الوضوء ولا ينقضه لغير شهوة ، وهذا قول علقمة وابى عبيدة والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق والشعبي ، فإنهم قالوا : يجب الوضوء على من قبل لشهوة ولا يجب على من قبل لرحمة. وممن أوجب الوضوء في القبلة ابن مسعود وابن عمر والزهري وزيد بن أسلم ومكحول ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي» وفي المدونة لمالك ج ١ ص ١٣ ما يوافق ذلك. واما مس الفرجين ففي المحلى لابن حزم ج ١ ص ٢٣٥ ذكر في مقام بيان نواقض الوضوء : مس الرجل ذكر نفسه عمدا بأي شي‌ء كان سوى مسه بالفخذ والساق والرجل من نفسه ، ومس المرأة فرجها عمدا كذلك ،

١١٤

فظني بعده وان صرح به جملة من الأصحاب واعتمدوه جمعا بين الأخبار في جملة الأبواب بل صرح بعضهم بترجيح الجمع به بين الأخبار وان أطبق العامة على القول المخالف ، وهو اجتهاد بحت في مقابلة النصوص ، وتخريج صرف ، بل خروج عن الطريق المنصوص

__________________

ومس الرجل ذكر غيره صغيرا كان أو كبيرا حيا أو ميتا ، بأي عضو مسه عمدا من جميع جسده ، من ذي رحم محرمة أو من غيره ، ومس المرأة فرج غيرها عمدا كذلك ، وانه لا دخل للذة في شي‌ء من ذلك ، وفي ص ٢٢٧ منه نسب الحكم بناقضية مس الفرج إلى سعد ابن ابى وقاص وابن عمر وعطاء وعروة وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وابان بن عثمان وابن جريح والأوزاعي والليث والشافعي وداود واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، وذكر ان الشافعي والأوزاعي خصا الوضوء من المس بباطن الكف دون ظاهرها ، وان عطاء ابن ابى رباح لا يرى انتقاض الوضوء بمس الفرج بالفخذ والساق ويحكم بانتقاضه بالمس بالذراع.

واما القهقهة ففي البدائع للكاساني الحنفي ج ١ ص ٢٢ انها ناقضة للوضوء إذا كانت في الصلاة التي لها ركوع وسجود ، فلا تكون حدثا خارج الصلاة ولا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة ، وان التبسم ليس بحدث. وفي المغني ج ١ ص ١٧٧ نسب إلى أصحاب الرأي انه يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها ، وقال : «وروى ذلك عن الحسن والنخعي والثوري».

واما الحقنة ففي كتاب الأم للشافعي ج ١ ص ١٤ «ان جميع ما خرج من ذكر أو دبر أو حقنة ذكر أو دبر فخرج على وجهه أو يخلطه شي‌ء غيره ففيه كله الوضوء ، لانه خارج من سبيل الحدث» وفي المغني ج ١ ص ١٧٠ «ان كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض الوضوء ، وكذلك لو ادخل فيه ميلا أو غيره ثم خرج نقض الوضوء ، لانه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج. ولو احتقن في دبره فرجعت اجزاء خرجت من الفرج نقض الوضوء».

واما الدم الخارج من السبيلين ففي المغني ج ١ ص ١٦٩ نسبة الحكم بانتقاض الوضوء به إلى الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. ويقتضي ذلك عموم عبارة الام

١١٥

و (منها) ـ القي‌ء ولو عمدا ، والرعاف ، والحجامة ، والشي‌ء الخارج من غير السبيلين أو منهما غير مختلط بناقض ، وإنشاد الشعر وان كان باطلا أو فوق الأربعة أبيات ، وغيبة المسلم ، والأخذ من الشعر أو الظفر ولو بحديد ، ومصافحة الكافر ، ومس الكلب ، وشرب ألبان الإبل والبقر وأكل لحومهما ، والودي الخارج بعد البول. وما ورد في بعضها محمول على التقية ، لقول العامة بالنقض بذلك (١).

__________________

المتقدمة في الحقنة. وفي شرح المنهاج لابن حجر ج ١ ص ٥٨ الحكم بناقضية كل خارج. وفي بدائع الصنائع ج ١ ص ٢٥ علل ناقضية البول والغائط والمذي والودي والمنى ودم الحيض والنفاس ودم الاستحاضة بأنها كلها أنجاس وقد انتقلت من الباطن إلى الظاهر فوجد خروج النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا.

(١) اما القي‌ء ففي بدائع الصنائع ج ١ ص ٢٥ «القي‌ء ان كان مل‌ء الفم يكون حدثا وان كان أقل من مل‌ء الفم لا يكون حدثا. وعند زفر يكون حدثا قل أو كثر» ثم ذكر انه لا فرق بين أقسام القي‌ء ، وان الصحيح في تفسير مل‌ء الفم ان يكون عاجزا عن إمساكه ورده. وفي المغني ج ١ ص ١٨٦ «والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش ، وحكى عن احمد الوضوء إذا ملأ الفم» والقلس ـ كما في مقاييس اللغة لابن فارس ـ القي‌ء. وفي الصحاح ما يخرج من الحلق مل‌ء الفم أو دونه وليس بقي‌ء وان عاد فهو قي‌ء. وفي شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في الفقه المالكي ج ١ ص ٩١ نسبة ناقضية القي‌ء والقلس إلى ابى حنيفة.

واما الرعاف فيقتضي ناقضيته التعليل المتقدم عن بدائع الصنائع في التعليقة ٦ ص ١١٤ في الدم الخارج من السبيلين ، وإطلاق كلام ابن قدامة في المغني ج ١ ص ١٨٤ ، حيث ذكر ناقضية الخارج من البدن من غير السبيل إذا كان نجسا وان ذلك مروي عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي ، ونسب إلى ابى حنيفة ناقضية الدم إذا سال. وفي ص ١٨٦ ذكر ان القيح والصديد كالدم.

واما الحجامة فقد نسبت ناقضيتها في الحاجم والمحتجم إلى ابى حنيفة في شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء ج ١ ص ٩١.

واما الشي‌ء الخارج من غير السبيلين فيظهر الحال فيه بما ذكرناه في الرعاف

١١٦

تذنيب

الخارج من الإحليل خمسة : البول ، والمني كظبي وصبي ، والمذي على المثالين المذكورين ، وزيد فيه أيضا الكسر مع التخفيف ، قيل : وأشهرها الاولى ثم الثانية ، وقد عرفت معناه ، والوذي بالمعجمة على المثالين الأولين : ما يخرج بعد إنزال المني ، كما صرح به جملة من الأصحاب ، ومنهم ـ صاحب كتاب مجمع البحرين فيه. قال : «وذكر الوذي مفقود في كثير من كتب اللغة» والودي بالمهملة على المثالين المتقدمين أيضا ، وقيل ان ثانيهما أصح وأفصح : البلل اللزج الذي يخرج من الإحليل بعد البول.

__________________

واما ما يخرج منهما غير مختلط بناقض فيظهر الحال فيه بمراجعة ما ذكرناه في الحقنة وفي الدم الخارج من السبيلين في التعليقة ٦ ص ١١٤ واما إنشاد الشعر ففي شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء ج ١ ص ٩١ نسبة ناقضيته إلى قوم.

واما الأخذ من الشعر والظفر فقد نسب في بدائع الصنائع ج ١ ص ٣٣ الحكم بانتقاض الوضوء بقلم الظفر وجز الشعر وقص الشارب إلى إبراهيم النخعي واما مصافحة الكافر ففي الميزان للشعرانى ج ١ ص ١٠٢ نسبة ناقضية مس الكافر إلى بعض العلماء.

واما شرب ألبان الإبل ففي المغني ج ١ ص ١٩٠ «وفي شرب لبن الإبل روايتان إحداهما انه ينقض الوضوء والأخرى لا ينقضه» واما أكل لحوم الإبل ففي المغني ج ١ ص ١٨٧ «وأكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيا ومطبوخا عالما أو جاهلا ، وبه قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي : ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث» وفي شرح الزرقانى ج ١ ص ٩١ نسبة ذلك إلى أحمد.

واما الودي فقد نص على ناقضيته في بدائع الصنائع ج ١ ص ٢٥ وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج ١ ص ٣٠ وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٧٧ مع عدم ذكر خلاف المذاهب فيه ، وفي الأم للشافعي ج ١ ص ١٤ وفي شرح المنهاج لابن حجر ج ١ ص ٥٨ ، الا انه في الأخيرين ذكر بنحو العموم.

١١٧

فاما البول والمذي فقد عرفت حكمهما ، واما المني فسيأتي ان شاء الله تعالى حكمه في بابه ، واما الاثنان الباقيان فطهارتهما وعدم انتقاض الوضوء بهما متفق عليه فتوى ، وهو الأشهر نصا.

ومن الأخبار المشتملة على تفصيل ذلك مرسلة ابن رباط المشار إليها آنفا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يخرج من الإحليل المني والمذي والوذي والودي فأما المني فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر منه الجسد ، وفيه الغسل ، واما المذي فإنه يخرج من الشهوة ولا شي‌ء فيه ، واما الودي فهو الذي يخرج بعد البول ، واما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ، ولا شي‌ء فيه» قوله (عليه‌السلام) : «يخرج من الأدواء». جمع داء وهو المرض ، ولعل المعنى انه يخرج بسبب الأمراض ، ونقل بعض مشايخنا عن بعض نسخ الاستبصار : «الأوداج» بدل «الأدواء» قال : «وكأنه أريد بها العروق مطلقا وان كان الودج في الأصل عرق العنق» انتهى.

وقال الصدوق في الفقيه (٢) : «وهي أربعة أشياء : المني والمذي والوذي والودي إلى ان قال : والمذي ما يخرج قبل المني ، والوذي ما يخرج بعد المني على أثره ، والودي ما يخرج على اثر البول. إلخ».

وإبهام حكم الودي في الخبر المذكور ـ وعدم التعرض لحكمه ـ غير ضائر بعد إجماع الفرقة المحقة على طهارته وعدم نقضه ، كما هو صريح كلام شيخنا الصدوق هنا وغيره ، ودلالة ما قدمنا (٣) من الأخبار الحاصرة الدالة على عدم النقض بأمثاله ، لكن روى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ثلاث يخرجن من الإحليل ، وهن : المني ومنه الغسل ، والودي ومنه الوضوء ، لانه يخرج من دريرة البول ، قال : والمذي ليس فيه وضوء ، إنما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف».

__________________

(١ و ٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) ج ١ ص ٣٩.

(٣) في الصحيفة ٨٧.

١١٨

وحمله الشيخ على ما إذا لم يكن قد استبرأ من البول ، مستدلا بالتعليل بخروجه من دريرة البول اى محل سيلانه ، وذلك لانه لا يخرج إلا ومعه شي‌ء من البول. وهو جيد.

فذلكة

ما ذكرنا من الأحداث المتقدمة قد يعبر عنها بالأسباب تارة باعتبار استلزامها لذاتها الطهارة وجوبا أو ندبا. فلا يرد حدث الصبي والمجنون والحائض ، فإن حدثهم بحسب ذاته مستلزم للطهارة وإنما تخلف لعارض ، وهو فقد الشرط في الأولين ووجود المانع في الثالث ، وتخلف الحكم لفقد شرط أو وجود مانع لا يقدح في السببية ، وقد يعبر عنها بالموجبات باعتبار إيجابها الطهارة عند المخاطبة بواجب مشروط بالطهارة فيما يجب لغيره على المشهور ، وعند وجود السبب على القول بالوجوب النفسي ، وقد يعبر عنها بالنواقض باعتبار نقضها لما تعقبه من الطهارة. والمشهور ان السبب أعم مطلقا ، اما من الناقض فلاجتماعهما في حدث تعقب طهارة وتخلف السبب فيما عدا ذلك. واما من الموجب فلاجتماعهما في حال اشتغال الذمة بمشروط بالطهارة ، وانفراد السبب بحال براءة الذمة من ذلك. والنسبة بين الناقض والموجب العموم من وجه ، لصدق الناقض بدون الموجب في حدث تعقب طهارة صحيحة مع خلو الذمة من مشروط بها ، وصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الحاصل عقيب التكليف بصلاة واجبة من غير سبق طهارة واعترض بعض المتأخرين على ذلك بان الجنابة ناقضة للوضوء وليست سببا له ، وكذا وجود الماء بالنسبة إلى التيمم ، فلا يكون بين الناقض والسبب عموم مطلق بل من وجه.

وأجيب بأن الكلام إنما هو في أسباب الطهارات وموجباتها ونواقضها ، كما هو المصرح به في بعض عباراتهم ، فالنقض بالجنابة غير جيد ، لأنها سبب في الطهارة ، ويمكن التزام ذلك في وجود الماء أيضا ، لأنه معرف لوجوبها.

١١٩

ثم انه يرد أيضا ان النقض بالأمرين غير مستقيم ، فان البحث ان كان في أسباب الوضوء ونواقضه وموجباته فلا يرد الثاني ، وان كان في الأعم فلا يرد الأول.

واستظهر السيد السند في المدارك ان النسبة بين الثلاثة الترادف ، قال : «فان وجه التسمية لا يجب اطراده» انتهى. وهو مبني على ان الظاهر من الأسباب ما من شأنه أن يتسبب للوجوب ، وكذلك الظاهر من الناقض ما من شأنه النقض ، وكذلك الموجب ، وظاهر ما تقدم من كلامهم اعتبار ذلك في السبب خاصة دون الآخرين ، وهو تحكم

المطلب الثاني

في الغاية ، وهي قد تكون واجبة تارة فيجب الوضوء لها ، وقد تكون مندوبة أخرى فيكون الوضوء لها مندوبا ، فالكلام يقع في هذا المطلب في مقصدين :

المقصد الأول

في الغاية الواجبة ، وفيه مسائل :

(المسألة الأولى) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الوضوء للصلاة الواجبة ، بل ربما كان من ضروريات الدين.

واستدل عليه أيضا بقوله تعالى : «... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...

الآية» (١) فإن صيغة الأمر للوجوب ، وسياق الكلام دال على انه للصلاة ، لأنه إذا قيل : «إذا لقيت العدو فخذ سلاحك» و «إذا أردت الأمير فالبس ثيابك» يفهم منه عرفا ان أخذ السلاح ولبس الثياب لأجل لقاء العدو والأمير ، فقد دل على المدعى بتمامه ويرد عليه ان المروي في تفسير الآية ان المراد بالقيام فيها القيام من حدث النوم ، كما رواه الشيخ عن ابن بكير في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء. الحدائق ١٥.

١٢٠