التّفسير الكاشف - ج ٧

التّفسير الكاشف - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٣٩

أراد ، حيث عرّض نفسه لغضب الله وعذابه ، وحرمها من رضوانه وثوابه. أنظر فقرة «المال هو المحك» ج ٢ ص ١٠٧.

(وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى فضله ورحمته ، وما استغنى عبد من عباده إلا بسبب منه تعالى ، أما هو فغني بالذات لا باستفادة ، وفاعل لا بآلة ، ومقدر لا بفكرة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ). ان تعرضوا عن دعوة الله ، وتصروا على التمرد والعصيان يذهبكم ويأت بخلق جديد يسبّحون بحمده ولا يعصون له أمرا. وتقدم مثله في الآية ١٩ من سورة ابراهيم ج ٤ ص ٤٣٦ والآية ١٦ من سورة فاطر.

٨١

سورة الفتح

٢٩ آية مدنية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

انا فتحنا الك الآية ١ ـ ٥ :

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥))

المعنى :

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً). للفتح معان ، والمراد به هنا النصر لأنه أول ما يتبادر إلى الافهام ، ولأن النبي (ص) قال : نزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا وما فيها ، ثم تلا : إنا فتحنا لك فتحا مبينا. وعليه يكون المعنى إنا

٨٢

نصرناك يا محمد نصرا ظاهرا ، واختلف المفسرون في نوع هذا النصر وتحديده على أقوال أنهاها الطبرسي إلى أربعة والرازي إلى خمسة. وأكثر المفسرين أو الكثير منهم على ان المراد بالنصر هنا صلح الحديبية لأن هذه السورة نزلت بعد الهدنة التي عقدها النبي (ص) مع أهل مكة في الحديبية .. ومع هذا فأرجح الأقوال عندنا ان المراد بالنصر هنا إعلاء كلمة الإسلام وقوة المسلمين ، وخذلان أعدائه المنافقين والمشركين ، لأن الفتح في الآية مطلق غير مقيد بصلح الحديبية أو بفتح مكة أو النصر على الروم والفرس أو غير ذلك ، وعليه تكون هذه الآية مرادفة للآية ٣٣ من سورة التوبة : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). وبكلمة واحدة المراد بالنصر الجنس لا الفرد.

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). وتسأل : متى أذنب النبي حتى يصفح الله عن ذنبه؟ وما هو ذنبه المتقدم والمتأخر؟ وأين عصمة الأنبياء الرادعة عن الذنب؟ وكيف يكون الفتح سببا للمغفرة؟ وما هي العلاقة بينهما؟.

الجواب : ليس المراد بالذنب هنا ذنب الرسول حقيقة وواقعا ، كيف وهو معصوم عن الخطيئة والخطأ؟ وإنما المراد ان المشركين كانوا يعتقدون بأن النبي مذنب في دعوته الى التوحيد ونبذ الشرك وفي محاربته الأوضاع السائدة والتقاليد الموروثة ، أما المغفرة فالمراد بها ان هؤلاء المشركين اكتشفوا مؤخرا ومع الأيام والأحداث ان محمدا (ص) بريء من كل ذنب ؛ وانه رسول الله حقا وصدقا ، وانهم كانوا هم المذنبين في اتهامه والطعن برسالته .. وتوضيح ذلك ان الرسول الأعظم (ص) دعا الى التوحيد وندد بالأصنام وأهلها ، وحارب الظلم والاستغلال ، وما إلى ذلك من مفاسد الجاهلية وتقاليدها .. وأي شيء أعظم ذنبا وجرما ـ عند الجاهلي وغيره ـ من الطعن بمقدساته الدينية وعادات آبائه وأجداده التي هي جزء من طبيعته وكيانه ، ولكن بعد أن أظهر الله دينه ونصر نبيه بالدلائل والبينات ودخل الناس في دين الله أفواجا ، ومنهم المشركون الذين كانوا ينظرون الى النبي (ص) نظرتهم الى من تجرم عليهم وعلى آلهتهم وآبائهم ، بعد هذا كله تبين لهم ان محمدا هو المحق ، وانهم هم المخطئون.

٨٣

والخلاصة ان المراد بذنب الرسول ذنبه في زعم أعدائه المشركين لا ذنبه في الواقع ، والمراد بالمغفرة مغفرتهم له هذا الذنب المزعوم أي توبتهم مما كانوا يظنون بنبي الرحمة ، أما نسبة الذنب الى الرسول في ظاهر الكلام ، ونسبة المغفرة الى الله ، أما هذه فأمرها سهل لأن المجاز يتسع لها ولأكثر منها .. أما وجه الصلة بين الفتح وهذه المغفرة فواضح لأن الفتح هو السبب الموجب للكشف عن صدق الرسول وبراءته من الذنب المزعوم الذي رماه به المشركون من قبل الفتح.

(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بانتصارك على أعداء الله وأعدائك وبعلو شأنك دنيا وآخرة (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وهو الشريعة الإلهية التي تضمن للناس خيرهم وصلاحهم في كل زمان ومكان (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً). والنصر العزيز هو الذي يكون بالحق وللحق ، وبالجهاد المشروع لا بالغدر والمؤامرات ، ولا بمساندة أهل البغي والانقلابات.

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ). المراد بالسكينة هنا الرضا والاطمئنان عن وعي ، لأن الحوادث علمتنا بأن اطمئنان الجاهل ينتهي به الى أسوأ العواقب ، والمعنى ان الله أعز دينه ونصر نبيه ليفرح المؤمنون وتطمئن قلوبهم ويزدادوا يقينا بربهم ، وثقة بنبيهم ، وقوة في دينهم. (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). هذا كناية عن عظمة الله في قدرته وإلا فهو غني عن العالمين لأنه يقول للشيء : كن فيكون. وفيه إيماء الى أنه لو شاء سبحانه لأهلك المشركين من غير جهاد وقتال ، ولكن ليبلو عباده أيهم أحسن عملا (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) في خلقه وتدبيره.

(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً). قال الطبري : حين نزل قوله تعالى : انا فتحنا لك فتحا مبينا الخ. قال المؤمنون لرسول الله (ص) : هنيئا لك يا رسول الله ، فلقد بيّن الله لك ما ذا يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا نحن؟ فنزل قوله : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الخ. وليس من شك ـ وان لم تصح هذه الرواية ـ ان الله يكفر سيئات التائبين ويدخل المؤمنين في رحمته وجنته ، ومن دخل الجنة فقد فاز بالسهم الأوفر.

٨٤

ويعذب المنافقين الآية ٦ ـ ٩ :

(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩))

اللغة :

الدائرة ما تحيط بالشيء. والسوء الشر. والمراد بتعزروه هنا تنصروه ، وبتوقروه تعظموه. وبكرة وأصيلا صباحا ومساء.

الإعراب :

الظانين صفة لأهل الشرك والنفاق. وظن السوء مفعول مطلق لظانين. ومصيرا تمييز. وشاهدا حال. وبكرة وأصيلا مفعول فيه أي تسبحوه في الصباح والمساء.

المعنى :

(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً). السوء القبح والشر والفساد ، وظن السوء وسوء الظن بمعنى واحد ، والمراد هنا بظن السوء بالله تعالى الظن بأنه ، جلت حكمته ، لن يبعث من في القبور ،

٨٥

ولن ينصر الإسلام ونبي الإسلام ، وما إلى ذلك من ظنون المنافقين والمشركين .. ومعنى الآية بمجملها ان الله كما أعد لأهل الايمان جنات النعيم فقد أعد أيضا للذين أساءوا به الظن كأهل النفاق والشرك ، أعد لهم الشر يحيط بهم من كل جانب ، والغضب واللعنة وسوء المصير ، نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها.

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً). ذكر سبحانه هذه الآية حين أشار إلى أهل الايمان وثوابهم في الآية السابقة ، وذكرها هنا وهو يشير إلى أهل النفاق والشرك ، والقصد من التكرار التنبيه إلى انه تعالى قادر على الإنعام والانتقام كي يعمل العبد بطاعة الله أملا بثوابه ، ويبتعد عن معصيته خوفا من عذابه (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً). يشهد غدا الرسول الأعظم (ص) بين يدي الله تعالى انه قد بلّغ العباد ما أوحى به اليه ، وبشّر الطائع بالنجاة ، وحذر العاصي من الهلاك. وتقدمت هذه الآية بالحرف الواحد في سورة الأحزاب الآية ٤٥ ج ٦ ص ٢٢٨.

(لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). الهاء في تعزروه وتوقروه راجعة إلى دين الله ، وقيل : إلى رسول الله .. والمعنى واحد ، والهاء في تسبحوه إلى الله بالذات ، والمراد بالتسبيح في الغدو والعشي الصلوات الخمس. والمعنى ان الله أرسل محمدا إلى الخلائق ليؤمنوا بالله ورسالة محمد (ص) وينتصروا لدين الله بالذب عنه والجهاد في سبيله ، وليحترموا أحكام الله بطاعتها والعمل بها ، ويحافظوا على الصلوات الخمس.

بيعة الرضوان تحت الشجرة الآية ١٠ ـ ١٤ :

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا

٨٦

فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤))

اللغة :

المخلفون جمع مخلف ، وهو المتروك ، والخالفون القاعدون. والعربي عام والاعرابي خاص بمن يسكن البادية. وبورا هلكى.

الإعراب :

جملة انما يبايعون الله خبر ان الذين. ويد الله فوق أيديهم مبتدأ وخبر والجملة خبر ثان لإن الذين الخ. أجرا مفعول ثان لسيؤتيه لأن الفعل هنا بمعنى يعطيه. وشيئا مفعول مطلق ليملك أي شيئا من الملك. وان لن «ان» مخففة واسمها محذوف أي انه. وأبدا ظرف زمان للتأكيد في المستقبل نفيا مثل لا أفعله أبدا أو اثباتا مثل افعله أبدا.

خلاصة القصة :

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ

٨٧

عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). تشير هذه الآية الكريمة الى بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وهذه حكايتها :

في سنة ست للهجرة كان المشركون هم المسيطرين على مكة والبيت الحرام ، وفي أواخر هذه السنة خرج رسول الله (ص) من المدينة المنورة مع ألف وأربعمائة من المسلمين قاصدين مكة المكرمة يريدون العمرة ، ولا يفكرون في حرب. ولما بلغوا مكانا يسمى الحديبية علم أبو سفيان بمقدمهم ، فجمع قريشا وقرروا مجمعين أن يمنعوا الرسول ومن معه ويصدوهم عن بيت الله الحرام بقوة السلاح ، وجمعوا الفرسان لذلك ، وجعلوا عليهم خالد بن الوليد ، ثم سعى السفراء بين النبي (ص) وبينهم ، وكان سفراء قريش يطلبون من النبي أن يعود الى المدينة ولا يدخل مكة ، ويجيبهم النبي بأننا لم نأت لقتال أحد ، وقد جئنا زائرين البيت الحرام ، ومن صدنا عنه قاتلناه.

وكان عروة بن مسعود أحد سفراء قريش الى رسول الله (ص) ، وقد رأى الصحابة يتفانون في حب الرسول ، فلا يتوضأ إلا ابتدروا وضوؤه ، ولا يبصق إلا أخذوا بصاقه ، ولا يسقط من شعره شيء إلا تهالكوا عليه ، فعاد وهو في دهشة مما رأى ، وقال : «يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه ، واني ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ، لقد رأيتهم لا يسلمونه لشيء أبدا ، فروا رأيكم».

وأرسل رسول الله (ص) لقريش عثمان بن عفان لأنه قريب أبي سفيان ، وقال له : أخبرهم انّا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته ، ومعنا الهدي ننحره وننصرف .. ولما بلّغهم عثمان قالوا : لا كان هذا أبدا. وانقطعت أخبار عثمان ، وشاع انه قد قتل ، وحين بلغت هذه الشائعة مسامع النبي (ص) قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الى مبايعته ، وكان جالسا تحت شجرة هناك ، فأسرع أصحابه يبايعونه على الطاعة والموت في سبيل الله.

وقد وصف سبحانه هذه البيعة بأنها بيعته بالذات ، وانه قد أخذها بيده ، وان من نقضها ونكث بها فقد خان الله وتعرض لغضبه وسطوته ، وان من وفى بها ولم ينقض الميثاق فإن له عند ربه لزلفى وحسن مآب ، وذلك حيث يقول

٨٨

عز من قائل : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). وقد اشتهرت هذه البيعة ببيعة الرضوان ، وأيضا يطلق عليها بيعة الشجرة ، وبيعة الرضوان تحت الشجرة لقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ـ ١٨ الفتح.

ولما رأت قريش ما رأت من صلابة الرسول (ص) رضخت للصلح ، وتم الاتفاق على أن لا يدخل المسلمون مكة هذا العام حتى إذا كان العام القادم دخلوها معتمرين ، وأقاموا فيها ثلاثة أيام لا يحملون من السلاح إلا السيوف في أغمادها. ودعا الرسول (ص) علي بن أبي طالب ، وقال له : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فاعترض مندوب قريش وقال: اكتب باسمك اللهم ، فقبل النبي وكتب علي ، ثم قال النبي : اكتب هذا ما صالح محمد رسول الله ، فاعترض مندوب قريش وقال : اكتب اسمك واسم أبيك ، فقبل النبي وتلكأ علي ، فقال له النبي (ص) : ولك مثلها وأنت مضطهد. يشير بذلك إلى مسألة الحكمين في صفين ، وهذا من علم الغيب الذي أوحى الله به إلى نبيه الكريم وهو من أقوى الدلائل على نبوته وصدقه في رسالته.

ولما وقّع الطرفان وثيقة الصلح تحلل النبي (ص) والصحابة من إحرامهم ، ونحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم ، ومكثوا أياما بالحديبية ، ثم انصرفوا إلى المدينة ، وفي السنة التالية توجه النبي والصحابة إلى مكة معتمرين ، ودخلوها وهم يهللون ويكبرون وينادون : لا إله إلا الله وحده ، نصر عبده ، وأعز جنده ، وخذل الأحزاب وحده. وأقاموا بمكة ثلاثة أيام يطوفون وينحرون ، وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء لأنها مكان العمرة التي منعهم منها المشركون ، وفيها نزل قوله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) ـ ٢٧ الفتح.

المخلفون من الأعراب :

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا). حين

٨٩

أراد النبي (ص) الخروج إلى مكة عام الحديبية استنفر المسلمين وحثهم على السفر معه ، فامتنع قوم من الأعراب المنتشرين حول المدينة وآخرون من المنافقين ، امتنعوا وأبوا الخروج مع رسول الله (ص) ظنا منهم ان قريشا لن تدع محمدا يدخل مكة أو تهلك ، وقال بعضهم لبعض : ما لنا وللتعرض لهذه الأخطار؟. وبعد أن تم الصلح على ما ذكرنا قال سبحانه لنبيه الكريم : إذا رجعت يا محمد إلى المدينة اعتذر الذين تخلفوا عنك بأن تدبير أهلهم وأموالهم هو الذي منعهم من صحبتك ، ويطلبون منك كذبا ونفاقا أن تصفح عنهم ، وتطلب من الله أن يرضى عنهم ويعفو عما سلف ، وقد كذبهم سبحانه بقوله : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) كما هو شأن المنافقين في كل زمان ومكان.

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً). أتكذبون على الله وهو يعلم سركم وجهركم ، وبيده خيركم وشركم ، ومن الذي يرد أمره عنكم خيرا كان أم شرا؟ (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وأيضا يخبر به نبيه الكريم ويقول له : انكم تظهرون غير ما تضمرون (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ). تخلفتم عن النبي ظنا منكم بأن الله لن ينصر النبي والذين آمنوا معه وان الغلبة ستكون لأعداء الله على أوليائه (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ). ظننتم ان المسلمين ذاهبون إلى الموت لا محالة ، ولا سند لهذا الظن إلا وسوسة الشيطان بأن الله لن يعز دينه وينصر نبيه ، ولا يلطف بمن آمن به وأخلص له (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي هلكى ، وكل من أسلم زمامه للشيطان قاده إلى الهلاك.

(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) خالدين فيها لا يجدون وليا ولا نصيرا (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولا مالك غيره ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فمن أخلص له واتكل عليه فهو كافيه ، ومن التجأ إلى غيره أو كله اليه (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ممن يستحق المغفرة لأن الله حكيم ويستحيل أن يغفر لمن يسفك الدماء ظلما ، ويهدم المدارس على الأطفال الصغار ، ويسلب الجائعين أقواتهم (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممن يستحق العذاب ، وما ربك بظلام للعبيد (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) بمن يرحم نفسه وغيره ، وإلا فمن لا يرحم لا يرحم (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).

٩٠

ذرونا نتبعكم الآية ١٥ ـ ١٧ :

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧))

اللغة :

مغانم اسم مكان أو زمان الغنيمة ، والمراد بها هنا كسب المال بالغزو. والبأس القوة والشجاعة. والحرج الضيق والمراد به هنا الإثم.

الإعراب :

مغانم ممنوع من الصرف لأنه على وزن مفاعل. والمصدر من لتأخذوها متعلق بانطلقتم. وقليلا صفة لمفعول مطلق محذوف أي فقها قليلا. أو يسلمون عطف على تقاتلونهم.

٩١

المعنى :

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ). هؤلاء المخلفون هم الذين أبوا الخروج مع النبي (ص) حين توجه الى مكة في أواخر سنة ست للهجرة ، وهم الذين عناهم الله بقوله في الآية السابقة. (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا) الخ ... لقد رغب النبي اليهم في المسير معه ، فخافوا من قريش وقالوا : أموالنا وأهلنا ، وبعد أن رجع النبي من الحديبية مكث في المدينة الى أوائل سنة سبع ، ثم خرج غازيا الى خيبر ، وكان فيها مغانم كثيرة ، تحركت لها شهوة المخلفين ، فقالوا للنبي والمؤمنين : خذونا معكم الى تلك المكاسب والمغانم! ... عرضوا أنفسهم هنا للخروج ، وبالأمس دعوا اليه فتذرعوا بمشاغل الأهل والأموال خوفا من الجهاد والقتال ... وهذا منطق من أسرته المطامع ولا يتحرك إلا بوحي منها.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ). ضمير يريدون ويبدلوا يعود الى المخلفين ، والمراد بكلام الله هنا وعده تعالى بحرمان المخلفين من المغانم التي أشار اليها سبحانه بقوله : (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها). ولكن الله ، جلت حكمته ، لم يبين لنا ما هي هذه المغانم؟ هل هي مغانم خيبر أو غيرها؟. ومع هذا قال المفسرون : ان الله سبحانه وعد أهل بيعة الرضوان بالحديبية ، وعدهم أن تكون مغانم خيبر مختصة بهم دون غيرهم. وقال الرازي : هذا هو الأشهر عند المفسرين ، وقال المراغي : «وفيه أخبار صحيحة» ... وليس هذا ببعيد لأن غزوة خيبر كانت الأولى بعد صلح الحديبية.

ومهما يكن فإن الله سبحانه أمر نبيه الكريم أن يقول للمخلفين : (لَنْ تَتَّبِعُونا) إلى أخذ المغانم لأنكم رفضتم اتباعنا إلى مكة خوفا من القتل (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) فهو الذي أخبرنا بأنه لا نصيب لكم في المغانم (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) كلا ... ان الله لم يحرمنا من الغنائم ، ولكن أنتم الذين حرمتمونا حسدا لنا وبغيا علينا (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً). هذا رد منه تعالى على قولهم : (تَحْسُدُونَنا) ومعناه كلا ، ليس الأمر كما زعمتم ، وإنما هو جهلكم ومعصيتكم لأكثر أحكام الله.

٩٢

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) وهم الذين أبوا الخروج مع رسول الله (ص) إلى مكة (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ). والداعي هو رسول الله (ص) فإنه دعاهم بعد غزوة خيبر إلى غزوة حنين والطائف وتبوك (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي ان الأشداء الذين ستدعون إلى قتالهم يخيرهم الرسول بين أمرين : إما السيف وإما الإسلام ، فهل تلبون دعوة الرسول أو تنكصون على أعقابكم كما فعلتم من قبل؟. وبكلام آخر ان صمودكم في قتال اولي البأس الشديد هو المحك لصدقكم ، وليس أخذ الغنائم (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) وهو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة ، أو الجنة وعلو المنزلة عند الله لمن يقتل منكم في سبيله.

(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وأي عذاب أشد ألما من عذاب جهنم؟ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ). لا إثم على هؤلاء الأصناف. الثلاثة إذا تخلفوا عن الجهاد من أجل الدعوة الى الإسلام ، أما الجهاد لدفاع العدو وردعه عن الاعتداء فهو حتم على الجميع رجالا ونساء وصغارا مميزين وكبارا أصحاء وغير أصحاء ... من كل حسب طاقته (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً). المعنى واضح ، وهو الجنة لمن أطاع ، والنار لمن عصى ، وقد تكرر هذا المعنى في عشرات الآيات لمناسبة ذكر عمل الخير والشر ، وللتنبيه بأن الله عادل وحكيم ، وان الإنسان لن يترك سدى ، وانه سيلقى الله بأعماله ، وانها هي وحدها موضوع الحساب ومقياس الجزاء.

اذ يبايعونك تحت الشجرة الآية ١٨ ـ ٢٤ :

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً

٩٣

تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤))

الإعراب :

إذ في محل نصب برضي. ومغانم كثيرة مفعول لفعل محذوف أي وأثابهم مغانم. ولتكون عطف على محذوف أي لتشكروا الله ولتكون ، واسم لتكون ضمير مستتر يعود الى هذه. وأخرى صفة لمفعول محذوف وهو مغانم ، والتقدير وعدكم الله مغانم أخرى. وسنة الله نصب على المصدر أي سن الله ذلك سنة.

المعنى :

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ). يشير سبحانه بهذا إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وانه راض عنها وعن أهلها. وسبق الكلام عن هذه البيعة عند تفسير الآية ١٠ من هذه السورة بعنوان «خلاصة القصة». فراجع. (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها). الضمير في قلوبهم يعود إلى أهل بيعة الرضوان ، وقد امتلأت قلوبهم

٩٤

بالصدق والإخلاص لله ورسوله ، والمراد بالسكينة الراحة والاطمئنان ، وبالفتح القريب صلح الحديبية حيث كان من آثاره دخول المسلمين مكة معتمرين على كره من قريش ، وفي رواية ان عمر بن الخطاب سأل النبي (ص) : أفتح هو يا رسول الله؟ قال : نعم. أما المغانم الكثيرة فقال المفسرون أو أكثرهم : ان المراد بها مغانم خيبر لأنها اشتهرت بكثرة الأموال والعقار ... والأرجح انها كل غنيمة حصل عليها أهل بيعة الرضوان لأن الله سبحانه أطلق كلمة الغنائم ولم يقرنها بشيء خاص ، وخلاصة المعنى ان الله سبحانه منّ على أهل بيعة الرضوان بالطمأنينة وصلح الحديبية وبنعم كثيرة لأنه قد علم منهم الإخلاص في دينهم والصدق في عزمهم على الجهاد في سبيله تعالى (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً). وكل نجاح ناله المسلمون ودفع بهم إلى الأمام فهو أثر من آثار عزة الله وقدرته ، وتدبيره وحكمته.

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها). المغانم الكثيرة هنا كل ما غنمه المسلمون في عهد الرسول (ص) وبعده ، وعليه يكون الفرق بين المغانم المذكورة في الآية السابقة والمغانم المذكورة في هذه الآية ـ ان الأولى تختص بأهل بيعة الرضوان تحت الشجرة ، والثانية لجميع المسلمين في كل زمان ومكان (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) الاشارة بهذه الى حادثة صلح الحديبية لأن هذا الصلح هو الذي عجله الله للمسلمين ، أما مغانم خيبر فقد كانت بعد هذا الصلح ، ولولا كلمة «هذه» لقلنا : المعجل الصلح ومغانم خيبر معا.

(وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ). قال الطبري : اختلف أهل التأويل في المراد بهؤلاء الناس. فقيل : انهم اليهود. وقال آخرون : انهم قريش ... وفي رأينا ان المراد بهم أعداء الإسلام والمسلمين الذين حاولوا القضاء عليه وعليهم ، وما منعهم إلا الضعف والعجز (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ). في تكون ضمير يعود إلى حادثة صلح الحديبية ، وقد جعلها الله علامة للمؤمنين على انه معهم وناصرهم على أعدائهم ... ولم تمض الأيام حتى تبين للمؤمنين ان صلح الحديبية كان خيرا لهم وشرا على المشركين (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) الى كل ما يعود عليكم بالنفع دنيا وآخرة.

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها). أخرى صفة لمغانم محذوفة ،

٩٥

والمعنى ان الله وعدكم مغانم تقدرون الآن على أخذها ، وأيضا وعدكم مغانم أخرى تعجزون الآن عن أخذها ، ولكن الله تعالى قد حفظها لكم ، ولا بد أن تأخذوها في المستقبل القريب أو البعيد (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) فلا يعجز أن يهبكم من الغنائم فوق ما تتصورون وأكثر مما تأملون (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً). كأنّ سائلا يسأل : من أين وكيف يغنم المسلمون أموال الكافرين ، هم أقوياء في عدتهم وعددهم ، ويستميتون في الدفاع عن أنفسهم؟ فأجاب سبحانه بأن الله مع المؤمنين ينصرهم ويدافع عنهم ، والله غالب على أمره. أما الكافرون فلا ملجأ لهم إلا السيف أو الفرار.

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً). من سنن الله تعالى فيمن مضى من أنبيائه الى خاتمهم محمد (ص) أن تكون لهم الغلبة على أعدائهم. وإذا سأل سائل ان هذا لا يتفق مع الآيات التي نصت بوضوح على أن اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق ـ أحلناه الى الجواب المفصل في ج ٥ ص ٣٣١ وما بعدها.

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً). ضمير هو يعود اليه تعالى ، وضمير أيديهم الى مشركي قريش. وقيل : ان المراد ببطن مكة الحديبية لأنها قريبة من مكة ، وقال آخرون : ان المراد داخل مكة .. وهذا هو المعنى المتبادر الى الافهام من كلمة «بطن» وعليه يكون المعنى انكم أيها المسلمون دخلتم مكة من كل أقطارها ظافرين منتصرين ، وخضعت لكم من غير حرب ، وهي عاصمة الشرك ومعقل المشركين ... وهذا من فضل الله ونعمه الكبرى عليكم ، لأنه هو الذي منعهم من قتالكم بإلقاء الرعب في قلوبهم ، ومنعكم من قتالهم بالنهي عنه. وتجدر الاشارة الى أن صلح الحديبية كان في سنة ست ، وعمرة القضاء في سنة سبع ، وفتح مكة في سنة ثمان.

٩٦

وصدوكم عن المسجد الحرام الآية ٢٥ ـ ٢٦ :

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦))

اللغة :

الهدي ما يهدى الى بيت الله من الانعام. والمعكوف المحبوس. والمراد بتطؤوهم هنا تقتلوهم. والمراد بالمعرة هنا المساءة والمشقة. وتزيلوا تميزوا. والحمية الانفة.

الإعراب :

الهدي عطف على مفعول صدوكم أي وصدوا الهدي. ومعكوفا حال من الهدي. والمصدر من أن يبلغ مجرور بمن محذوفة أو منصوب بنزع الخافض. والمصدر من أن تطؤوهم بدل اشتمال من مفعول لم تعلموهم أي لم تعلموا وطأهم مثل : أعجبني زيد علمه ، أي أعجبني علم زيد. وحمية الجاهلية بدل من الحمية وأهلها عطف تفسير على أحق بها.

٩٧

المعنى :

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ). قلنا عند تفسير الآية ١٠ من هذه السورة : ان المشركين منعوا الرسول (ص) والصحابة من زيارة المسجد الحرام سنة ست للهجرة ، وكان معهم سبعون ناقة ـ على ما قيل ـ ساقوها للنحر بمكة وهي التي عناها سبحانه بقوله : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ومعكوفا أي محبوسا للنحر ، ومحله أي محل نحره وهو مكة. وأيضا قلنا عند تفسير الآية ٢٤ : ان المسلمين فتحوا مكة من غير قتال سنة ثمان ، لأن الله ألقى الرعب من المسلمين في قلوب المشركين ... والآية التي نحن بصددها تشير الى هذا المعنى وتؤكد ان أهل مكة لم يسكتوا ويكفوا عن قتال النبي والصحابة حين دخلوا مكة ـ إلا خوفا من المسلمين ، والدليل على ذلك ـ كما صرحت الآية ـ ان هؤلاء المكيين هم الكافرون الذين منعوا المسلمين من زيارة المسجد الحرام ومن وصول الهدي الى مكة لينحر فيها. ويأكل منه البائس الفقير.

ثم أشار سبحانه الى بعض فوائد السلم والكف عن القتال في فتح مكة ، بقوله : ١ ـ (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ). حين دخل النبي (ص) مكة فاتحا كان فيها جماعة من المسلمين نساء ورجالا ولكنهم كانوا غير معروفين ولا متميزين عن المشركين لأنهم كتموا ايمانهم خوفا من أعداء الإسلام ، ولو دارت رحى الحرب لأصاب ضررها المسلم والكافر ... فربما قتل المسلم أخاه المسلم الذي يكتم إيمانه ، وهو يظن انه يقتل كافرا ، وفي ذلك ما فيه من المشقة على المسلمين بما يلزمهم من الكفارة ودية قتل الخطأ ، بالاضافة الى ان أعداء الدين يتخذون منه وسيلة للطعن والتشهير بأن المسلمين يقتل بعضهم بعضا.

٢ ـ (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ). المراد بالرحمة هنا الإسلام ، والمعنى ان الله سبحانه كف الأيدي عن القتال في فتح مكة لأنه يعلم ان بعض أهلها المشركين سيهتدون ويسلمون ، وهذا ما حدث بالفعل (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً). أي لو تميز كل فريق عن الآخر ، وعرف المسلم من الكافر لأذن الله للمسلمين بقتال الكافرين ، وأنزل بهم أشد العذاب.

٩٨

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ). يشير سبحانه بالذين كفروا الى عتاة الشرك الذين منعوا النبي سنة ست للهجرة من زيارة المسجد الحرام ، لا لشيء إلا لأن قلوبهم مفعمة بالتعصب وأنفة الكبرياء ... وهذا وحده يستوجب الإذن بقتالهم وقتلهم ، ولكن الله سبحانه كف أيدي المسلمين عنهم حرصا على حياة من كتم إيمانه ومن سيدخل في الإسلام منهم بعد فتح مكة.

(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها). المراد بالسكينة هنا الرضا والصبر الجميل ، وبألزمهم أوجب على المؤمنين ، أما كلمة التقوى فقيل : ان المراد بها قول لا إله إلا الله ... والأرجح ان المراد بها العمل بالتقوى ، والمعنى ان النبي (ص) قبل صلح الحديبية على الرغم من كبرياء المشركين وعتوهم ، وكره هذا الصلح بعض الصحابة وأصروا على القتال ، ولكن الله سبحانه ألهمهم الصبر الجميل على غطرسة المشركين ، وأمرهم أن يقبلوا الصلح ويرضوا به فسمعوا وعملوا بما يوجبه الايمان والتقوى ، ولا بدع فإنهم أهلها وأولى الناس بالعمل بها ، فلقد جاهدوا وضحّوا بالكثير في سبيل الله ، وصبروا صبر الأحرار والأبرار (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً). يعلم المتقين والمجرمين ، ويجزي كلا بما كسبوا وهم لا يظلمون.

رؤيا الرسول الآية ٢٧ ـ ٢٩ :

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً

٩٩

يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))

اللغة :

الرؤيا ما يرى في المنام والجمع الرؤى. وسيماهم علامتهم. ومثلهم وصفهم. وشطأ الزرع ما يتفرع عليه من أغصان وورق وثمر ، والجمع أشطاء. فاستغلظ صار غليظا. واستوى استقام. وعلى سوقه على أصوله.

الإعراب :

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط : صدق يتعدى الى مفعولين ، تقول صدقت زيدا الحديث ، وقد يتعدى الى الثاني بحرف جر فتقول : صدقته في الحديث. لتدخلن اللام واقعة في جواب قسم محذوف. وآمنين حال مقارنة. ومحلقين ومقصرين حال مقدرة أي الحلق والتقصير يقعان بعد الدخول. ومحمد مبتدأ ورسول الله صفة والذين معه عطف على محمد وأشداء خبر ورحماء خبر ثان. وركعا سجدا حال أي راكعين ساجدين لأن ترى هنا بصرية تتعدى الى مفعول واحد. وسيماهم في وجوههم مبتدأ وخبر ، ومن أثر السجود حال. وذلك مثلهم مبتدأ وخبر ، وفي التوراة حال. وكزرع متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف أي هم كائنون كزرع. وضمير آزره يعود الى الزرع. وجملة يعجب حال.

١٠٠