التّفسير الكاشف - ج ٧

التّفسير الكاشف - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٣٩

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ). عاد قوم هود ، وارم اسم قبيلة عاد نسبة الى أحد أجدادها المسمى بإرم. وقال الشيخ محمد عبده : المراد بالعماد هنا أعمدة خيامهم ، أو هو كناية عما كان لهم من القوة والمنعة .. والأقرب الى الصواب ان المراد بالعماد هنا المباني والمصانع لأن نبيهم قال لهم مقرعا : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ـ ١٢٨ الشعراء. أجل ، نحن مع الشيخ محمد عبده في قوله : «روى المفسرون هنا حكايات في تصوير إرم ذات العماد ، كان يجب أن ينزه عنها كتاب الله ، فإذا وقع اليك شيء من كتبهم ، فتخط ببصرك ما تجده في وصف إرم وإياك ان تنظر فيه». وتقدم الكلام عن عاد ونبيهم هود في ج ٣ ص ٣٤٧ وج ٤ ص ٢٣٩ وج ٥ ص ٥٠٨ وغير ذلك.

(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ). ثمود قوم صالح ، وجابوا الصخر إشارة الى ما جاء في الآية ١٤٩ من سورة الشعراء : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ). وتقدم الكلام عن ثمود ونبيهم صالح في ج ٣ ص ٣٥٠ وج ٤ ص ٢٤٤ وج ٥ ص ٥١١ وج ٦ ص ٢٦ وغير ذلك (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) أي المباني العظيمة الثابتة كالأهرام (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ). الذين وما بعده صفة لعاد وثمود وفرعون ، وخص سبحانه السوط لأنه يومئ الى تكرار العذاب ، وقد أخذ سبحانه عادا بالريح ، وثمود بالصيحة ، وفرعون وقومه بالغرق (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ). هذا جواب القسم في أول السورة ، وقيل الجواب محذوف والتقدير ليعذبن المجرمين ، والنتيجة واحد على التقديرين ، والمعنى واضح ، وهو انه تعالى يعلم مقاصد العباد وأفعالهم ، ويجازيهم بحسبها.

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ). الإنسان هنا اسم جنس ، وأكرمه ونعمه وسع عليه في الرزق ، وقدر عليه ضيق عليه ، والابتلاء الاختبار ، ومعنى اختباره سبحانه لعبده ان يوجد له سببا يظهره على حقيقته كالغنى والفقر ، فان شكر مع الغنى وصبر مع الفقر استحق الثواب ، وان كفر مع الفقر وطغى مع

٥٦١

الغنى استحق العذاب ، وبكلام آخر ان الاختبار منه تعالى هو ان يوجد المحك الذي يظهر أفعال الطيب والخبيث تمهيدا لجزاء من أحسن بالحسنى ، ومن أساء بما كسبت يداه مع قيام الحجة عليه بما ظهر من إساءته .. هذا شأن الله مع عبده الإنسان ، أما شأن الإنسان الضال فهو ان يقيس كرامته عند الله بما يمن عليه من نعمه ، فان وسع الرزق عليه ظن انه أقرب المقربين الى الله ، وانه لا يسأله عن شيء ولا يعاقبه على شيء مهما قال وفعل ، وينطبق هذا تماما على عتاة المشركين ، فقد كانوا يستدلون على إكرام الله لهم بكثرة الأموال ، وعلى اهانته تعالى للمؤمنين بالفقر والعوز .. وإذا ضيق تعالى على الضال في الرزق عسى أن يتوب ويرتدع ظن ان الله قد أذله وأهانه ، وكفى بالعبد لؤما وتمردا على خالقه ان يظن به ظن السوء. وعن الإمام علي (ع) : إذا ضاق المسلم فلا يشكونّ من ربه ، وليشك الى ربه الذي بيده مقاليد الأمور. وتقدم مثله في الآية ٣٥ من سورة الأنبياء ج ٥ ص ٢٧٥.

وتحبون المال حباً جماً الآية ١٧ ـ ٣٠ :

(كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))

٥٦٢

الإعراب :

كلا حرف ردع وزجر. وتحاضون الأصل تتحاضون لأن المعنى لا يحض بعضكم بعضا. ولمّا صفة لأكل. وجمّا صفة لحب. ودكا حال أي مكررا. وصفا مصدر في موضع الحال أي مصطفين. والذكرى مبتدأ مؤخر وانّى خبر مقدم. وراضية حال وكذلك مرضية.

المعنى :

(كَلَّا). ليست الكرامة عند الله بالمال ، بل بالتقوى ، ولا الاهانة بالفقر ، بل بسوء المقاصد والأعمال (بَلْ) أنتم أشر خلق الله للأسباب التالية :

١ ـ (لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ). لا تحسنون الى المشردين الذين لا حامي لهم ولا كفيل من الدولة ولا من ذويهم ، ولا تهتمون بشأنهم ورعايتهم.

٢ ـ (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ). لا يحث بعضكم بعضا على البذل والإنفاق من أجل البائسين وإصلاح شأنهم.

٣ ـ (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا). التراث هو المال الذي ينتقل من الميت الى ورثته ، واللم الشديد ، وأكثر الثروات الموروثة فيها حق معلوم للسائل والمحروم ، ولكن الورثة يحرمون صاحب الحق من حقه.

٤ ـ (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) ميراثا كان أم غير ميراث ، حلالا كان أم حراما ، والجم معناه الكثير.

(كَلَّا). لا ينبغي للإنسان أن يشح بالمال في سبيل الخير فانه مسؤول عن ذلك (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا). الدك الدق والضرب ، وتكرار كلمة الدك تشير الى التتابع أي دكا بعد دك ، والمعنى تزول الجاذبية والتماسك بين أجزاء الأرض يوم القيامة ، ويدك بعضها بعضا ، ويتوالى الدك والضرب حتى ينهار كل ما على وجه الأرض من جبال وعمار. وتقدم مثله في الآية ١٤ من سورة الحاقة (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا). جاء ربك أي أمره وقضاؤه وهيبته وجلاله وحكمه وسلطانه ، وصفّا صفا أي صفوفا متعددة (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ).

٥٦٣

يكشف عنها يوم القيامة لكل ناظر ، وتصبح في عالم الشهادة بعد ان كانت في عالم الغيب.

(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي). قال الناصحون والمنذرون للمجرم المتمرد : اعمل لحياتك في الدنيا والآخرة. فقال : وأية آخرة؟ .. انها وهم وخيال .. ولما جاء يوم الفصل ، ورأى مكانه في جهنم قال : هنا حياتي الباقية ومقري الدائم ، أما الحياة الدنيا فقد كانت ممرا ومجازا .. يا ليتني أخذت من الفانية الى الباقية .. نسي الآخرة وهو في الدنيا حيث تنفعه التوبة والذكرى ، وتذكر وهو في الآخرة .. وانّى له الذكرى؟ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ). قرئ لا يعذب ولا يوثق بالبناء للفاعل ، وأيضا قرئ بالبناء لمفعول لم يسمّ فاعله ، والمعنى على القراءتين ان أسوأ عذاب من عذاب الدنيا هو عافية إذا قيس بأدنى عذاب من عذاب الآخرة.

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي). بعد ان ذكر سبحانه النفس الامارة التي لا تطمئن إلا لمصالحها وأهوائها ـ ذكر النفس المطمئنة ، وهي التي آمنت بالله وصغت الى ذكره ، وعملت بأمره ونهيه ، وقد بيّن سبحانه أصحاب هذه النفس بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) ـ ٢٩ الرعد. ومعنى راضية مرضية انها تحمد أجرها ومقامها عند الله لأن الله حمد سعيها وأعمالها. وقال الشيخ محمد عبده في معنى الرجوع اليه تعالى والدخول في عباده : «الرجوع الى الله تمثيل للكرامة عنده وإلا فإن الله معنا حيث كنا ، والدخول في عباده ان تكون منهم ، والعباد الذين يستحقون نسبة الاختصاص به هم العباد المتقون المكرمون ، والجنة معروفة».

٥٦٤

سورة البلد

٢٠ آية مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))

الإعراب :

(لا أُقْسِمُلا) زائدة ، وقيل : نافية ، وتقدم الكلام عنها عند تفسير الآية ٧٥ من سورة الواقعة و ١٥ من سورة التكوير. و (الْبَلَدِ) عطف بيان من هذا. (لَقَدْ خَلَقْنَا) جواب القسم. و (فِي كَبَدٍ) متعلق بمحذوف حالا من (الْإِنْسانَ) أي مكابدا.

٥٦٥

(أَنْ لَنْ يَقْدِرَ) أي انه لن. و (النَّجْدَيْنِ) مفعول ثان لهديناه لأن المعنى عرفناه النجدين. (وَما أَدْراكَما) مبتدأ وجملة (أَدْراكَ) خبر. و (مَا الْعَقَبَةُ) مبتدأ وخبر. و (فَكُ) خبر لمبتدأ محذوف أي هي فك. و (يَتِيماً) مفعول (إِطْعامٌ). وأصل (تَواصَوْا) تواصيوا ، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين.

المعنى :

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ). المراد بالبلد مكة المكرمة بأشرف بيت وضع للناس مباركا ، وبأعظم نبي ولد فيها ، وأرسل رحمة للعالمين (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ). الخطاب لمحمد (ص) وحل أي حال ومقيم ، والواو للحال ، وعليه يكون القسم بمكة مقيدا بإقامة الرسول فيها إشعارا بأن مكة زادت رفعة بمولده وإقامته. واختار الشيخ محمد عبده قول من قال : ان حلا هنا بمعنى الحلال لا بمعنى الحلول أي ان أهل مكة استحلوا إيذاء الرسول في البلد الأمين حتى اضطروه الى الهجرة منه. وهذا المعنى صحيح في نفسه ، ولكنه بعيد عن مدلول اللفظ ، فإن المتبادر الى الافهام من (أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) هو أنت مقيم فيه ، لا أنت حلال فيه.

(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ). هذا داخل في المقسم به ، وقال جماعة من المفسرين : المراد بالوالد هنا آدم ، وبالولد ذريته ، وانما قال تعالى : وما ولد ولم يقل : ومن ولد ـ ما زال الكلام للجماعة ـ ليشير سبحانه الى ان المولود عظيم الشأن كما في قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) ـ ٣٦ آل عمران. وقال آخرون : منهم ابن عباس والطبري والشيخ محمد عبده : ان المراد كل والد ومولود إنسانا كان أم حيوانا أم نباتا .. وهذا القول أقرب الى ظاهر اللفظ من غيره ، أما الغرض من القسم بالوالد والمولود فهو التنبيه الى إنشاء الكائنات الحية وتطورها من خلق الى خلق ، من النطفة الى الإنسان أو الحيوان ، ومن الحبة الى الشجرة وغيرها من النبات.

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ). هذا جواب القسم. وكبد التعب والمشقة ، والمعنى ان الله سبحانه خلق الإنسان مجدا كادحا يتصارع مع ميوله ورغباته ، ومع أتعاب الحياة وشدائدها ، ثم بعد هذا يقاسي سكرات الموت ، وظلمة القبر ووحشته ،

٥٦٦

ثم أهوال القيامة والعرض على الله لنقاش الحساب عما قال وفعل (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ). في يحسب ضمير يعود الى الإنسان باعتبار بعض أفراده ، والمعنى ان بعض الناس يظن انه قد بلغ من القوة والمنعة الى حيث لا يقدر عليه أحد كائنا من كان ، وينسى انه خلق ضعيفا ، يقاسي الأهوال والشدائد ، وانه مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقة ، وتقتله الشرقة ، وتنتنه العرقة كما قال الإمام على (ع).

(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي كثيرا ، ويدل السياق ان في يقول ضميرا يعود الى الغني الذي ينفق أمواله للشهرة وحسن الاحدوثة ، ويمسك عن الإنفاق في سبيل الله والخير ، والمعنى إذا قيل لهذا المبذر : لما ذا لا تنفق في سبيل الله؟ قال : انا أنفق الكثير حتى أوشك مالي على النفاد والهلاك ، ولكني لا أنفقه في السبيل التي تدعونني اليها (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ). أيظن هذا المفتون بالشهرة والظهور ان الله غافل عنه وعن أعماله وأهدافه. وفي الحديث : يسأل المرء غدا عن جسمه فيم أبلاه؟ وعن عمره فيم أفناه؟ وعن ماله مم اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ). جاء في تفسير الرازي : ان الذي قال : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) قال أيضا بلسان المقال أو الحال : من الذي يحاسبني على مالي أمسكته أو أنفقته؟. فأجابه سبحانه : يحاسبك الذي جعل لك هذه الأعضاء .. وهذا قريب جدا الى واقع الحال ، ومهما يكن فإن العينين اشارة الى نعمة الرؤية والبصر ، واللسان الى نعمة الكلام والبيان ، والهداية الى نعمة العقل والإدراك ، والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر ، وبالعقل يحذر الإنسان من هذا ، ويسلك ذاك ، وفي نهج البلاغة : «كفاك من عقلك انه أوضح لك سبيل غيك من رشدك». ويتفرع على هذا الإيضاح ان الإنسان مسؤول عن أقواله وأفعاله ، وان لله الحجة عليه إذا أساء حيث وهبه القدرة والإدراك وأمره ونهاه. ومثله (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ـ ٣ الإنسان.

(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ). صيغة ما أدراك تستعمل للتفخيم والتعظيم ، واقتحم الشيء دخل فيه بشدة ، والعقبة في اللغة الطريق الصعب في الجبل ، والمراد بها هنا الأعمال الصالحة لأنها تحتاج الى جهد وجهاد ، وصبر على

٥٦٧

المشاق ، والى كبح الميول والرغبات بخاصة بذل المال في سبيل الخير ، ومن الأعمال الصالحة أو من أهمها ما أشار اليه سبحانه بقوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ). فك الرقبة عتقها حيث كان في المجتمع آنذاك عبيد وإماء ، والمسغبة المجاعة ، والمقربة القرابة في النسب ، والمتربة الفقر الشديد بحيث بلغ بصاحبه ان يفترش التراب ، والتواصي بالصبر ان يوصي المؤمنون بعضهم بعضا بالصبر على الجهاد لإحقاق الحق ، ورفض الاستسلام للباطل ، وأيضا ان يتواصوا بالرحمة ، وهي المواساة وحب الإنسان لأخيه ما يحبه لنفسه ، ومجمل المعنى ان الذي أنفق أمواله حبا بالشهرة والظهور لم يتجاوز العقبة التي بينه وبين النجاة من العذاب والهلاك ، بل هو أخسر الناس صفقة ومن أكثرهم عذابا ، ولو انه أنفق في سبيل الله وكان من الذين تواصوا بالصبر والرحمة ـ لتجاوز تلك العقبة ، وكان في أمن وأمان من غضب الله وعذابه.

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). أولئك اشارة الى الذين آمنوا وأنفقوا وتواصوا بالصبر والمرحمة ، وأصحاب الميمنة هم الميامين الأخيار الذين يعطون غدا كتب الأمان والسعادة بإيمانهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ). أصحاب المشأمة هم المشئومون الأشرار الذين يعطون كتب الخزي والشقاء بشمائلهم ومن وراء ظهورهم ، ويساقون الى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها ، فإذا دخلوها أطبقت عليهم الى ما لا نهاية.

٥٦٨

سورة الشّمس

مكية وآياتها ١٥.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥))

الإعراب :

والشمس الواو للقسم وما بعدها عطف. وما في وما بناها وما طحاها وما سوّاها مصدرية ، والمصدر المنسبك معطوف على ما قبله أي وبنائها وطحوها وتسويتها. فقد أفلح جواب القسم مع حذف اللام الواقعة في الجواب أي لقد أفلح. ناقة الله مفعول لفعل محذوف أي احذروا ناقة الله.

المعنى :

أقسم سبحانه في هذه السورة بالضياء وبالظلمة ، وبكواكب السماء وإحكامها ،

٥٦٩

والأرض وتمهيدها ، والنفس واستعدادها ، أقسم بذلك كله ان التقي هو الرابح الناجح ، والمجرم هو الخائب الخاسر ، والتفصيل فيما يلي :

(وَالشَّمْسِ وَضُحاها). أقسم سبحانه بالشمس من حيث هي ظهرت أم احتجبت لأنها خلق عظيم ، وأيضا أقسم بضيائها لأن المراد بالضحو هنا الظهور والوضوح ، فإذا أضيف الى الشمس كان معنى ضحاها ضياءها (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها). ضمير تلاها يعود الى الشمس ، والمعنى ان الله سبحانه أقسم بالقمر حين يتصل ضوءه بضوء الشمس بحيث لا تفصل الظلمة بينهما ، وذلك في الليالي البيض : الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها). أيضا الهاء في جلاها تعود الى الشمس ، والمعنى انه تعالى أقسم بالنهار الذي أظهر الشمس وأبرزها للعيان جلية واضحة ، والغرض من القسم بالضياء التنبيه الى فوائده العظمى لنشكر الله ونحمده.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها). أيضا الهاء تعود الى الشمس ، واقسم ، جلت حكمته ، بالليل حين يغطي ضوء الشمس ، ولا يبقى لها من أثر ، لا مباشرة كما هي الحال في النهار ، ولا بواسطة ضوء القمر المستفاد من الشمس ، وذلك في الليلة الأولى والأخيرة من الشهر الهلالي حيث لا يظهر الهلال للعيان أو يظهر ضعيفا .. ولليل منافع كما للنهار ، ومن منافع الليل السكينة والراحة.

(وَالسَّماءِ وَما بَناها) اي وبنائها لأن «ما» هنا مصدرية ، والمراد بناء ما فيها من الكواكب السابحة في أفلاكها ، وشد بعضها بعضا برباط الجاذبية. وتقدم مثله في الآية ٤٧ من سورة الذاريات و ٦ من سورة ق و ١٢ من سورة النبأ (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) أي وطحوها ، وفي الآية ٣١ من سورة النازعات : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) والدحو والطحو بمعنى واحد ، وهو البسط والتمهيد. وتقدم مثله في العديد من الآيات منها الآية ٢٢ من سورة البقرة.

النفس وتسويتها :

(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) أي وتسويتها ، والنفس شيء يكون به الإنسان إنسانا ، والحيوان حيوانا ، ولا نعرف هذا الشيء بحقيقته بل بآثاره كالنمو والحركة والسمع

٥٧٠

والبصر والشعور بالألم في الإنسان والحيوان ، وكعلم الإنسان بالكليات. والمراد بالنفس هنا نفس الإنسان فقط لقوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) فإن الفجور والتقوى من صفات الإنسان لا الحيوان ، وعليه يكون معنى تسوية نفس الإنسان ان الله سبحانه خلق فيها الاستعداد التام لعمل الخير والشر معا بحيث تكون قدرته على أحدهما مساوية لقدرته على الآخر ، ثم نهاه عن الشر ، وأمره بالخير ، والذي يدلنا على ارادة هذا المعنى قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ـ ٣ الإنسان. وانما خلق سبحانه في نفس الإنسان الاستعداد للفجور والتقوى معا لأن الإنسان انما يكون إنسانا بحريته وارادته ، وبقدرته على الحسن والقبيح ، ولو قدر على أحدهما دون الآخر لكان كريشة في مهب الريح لا يستحق مدحا ولا ذما ، ولا ثوابا ولا عقابا على ما يفعل ويترك.

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها). هذا جواب القسم ، والفلاح الفوز ، والزكاة الطهارة ، والخيبة الخسران ، والتدسية النقص .. بعد أن أقسم سبحانه بالضياء والظلمة والكواكب وبنائها ، والأرض وتمهيدها ، والنفس واستعدادها بعد هذا قال : من اختار الخير على الشر وطهر نفسه من دنس الآثام فهو الفائز الرابح ، ومن اختار الشر على الخير ولوث نفسه بالذنوب والقبائح فهو الخائب الخاسر.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها). مفعول كذبت محذوف أي كذبت ثمود نبيها صالحا ، وثمود اسم قبيلة ، ولا ينصرف للتأنيث والتعريف ، وطغوى مصدر بمعنى الطغيان (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها). انبعث أي أسرع الى عقر الناقة ، وهذا الأشقى يضرب المثل بشقائه منذ آلاف السنين (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها). رسول الله هو صالح ، وناقة الله ناقته التي جعلت معجزة له ، وسقياها إشارة الى ما جاء في الآية ١٥٥ وما بعدها من سورة الشعراء : (قالَ ـ صالح لقومه ـ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) ج ٥ ص ٥١١.

(فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها). قال سبحانه عقروها مع ان العاقر واحد لأنهم رضوا عن فعله ، بل حرضوه عليه كما في الآية ٢٩ من سورة القمر (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ). ودمدم عليهم أي أطبق عليهم

٥٧١

العذاب. فسواها أي دمر مساكنها على أهلها أجمعين ولم يفلت منهم كبير ولا صغير (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ـ ٢٥ الأنفال. وتقدم الكلام عن ثمود ونبيهم صالح مرات ، آخرها في الآية ٩ من سورة الفجر. (وَلا يَخافُ عُقْباها). قال أكثر المفسرين : الضمير المستتر في يخاف يعود اليه تعالى أي ان الله سبحانه أهلك ثمود ولا يخاف عاقبة إهلاكهم ، وقال البعض : يعود الضمير الى أشقاها ، وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير «إذا انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها فقال لهم رسول الله الخ. ويجوز أن يعود الضمير اليه تعالى على معنى ان الله سبحانه لا معارض له ولا منازع في أمره (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ـ ١٥٤ آل عمران.

سورة الليل

٢١ آية مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥)

٥٧٢

الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))

الإعراب :

والليل الواو للقسم. وما خلق الذكر «ما» مصدرية أي وخلق الذكر. ان سعيكم جواب القسم. فأما للتفصيل. وبالحسنى صفة لمحذوف أي بالخصلة الحسنى ، ومثله لليسرى. تلظى الأصل تتلظى. الذي كذّب صفة للأشقى. والذي يؤتي صفة للأتقى. ومن زائدة إعرابا ونعمة مبتدأ وجملة تجزى صفة لنعمة. وابتغاء مفعول من أجله لتجزى.

المعنى :

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى). يغشى يغطي الأشياء ، وتجلى ظهر ، وهذا القسم منه تعالى مثله في السورة السابقة (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها). وبيّنا هناك ان الغرض من القسم بالضياء والظلام هو التنبيه الى ما لهما من منافع (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى). «ما» هنا مصدرية أي وخلق الذكر والأنثى ، ويطرد هذا الخلق في كل حي إنسانا كان أم حيوانا أم نباتا ، وبه يتم التناسل وتمتد الحياة ، وهنا أسئلة تطرح نفسها ، وهي : من الذي أوجد الحياة في هذا الكائن دون ذاك؟ ومن الذي أعد الحي وأهّله لوظيفة التناسل؟ ولما ذا يأتي المولود تارة ذكرا وأنثى أخرى مع ان مصدرهما واحد ، فهل فعلت المادة العمياء كل هذا الفعل الدقيق المحكم ، أو هو من باب الصدفة؟ وهل اكتشف العلم ان المادة الواحدة تكون علة لأحوال شتى دون أن يتدخل عنصر آخر في شأنها؟. أما الصدفة فهي جهد العاجز. فلم يبق من الفروض والتفاسير إلا المدبر العليم الذي يرسم ويخطط وفقا للحكمة البالغة ، والنظام الكامل الشامل.

٥٧٣

(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى). هذا جواب القسم ، والمعنى ان أعمال الإنسان منها الخيرات ومنها الهفوات ..

وتسأل : ان هذه قضية بديهية لا تحتاج الى يمين ، فلما ذا أكدها سبحانه بالقسم؟

الجواب : أجل ، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) قضية بديهية من حيث هي وبصرف النظر عن عواقبها ونتائجها ، أما مع النظر الى ما يترتب عليها كتيسير المحسن لليسرى والمسيء للعسرى وما الى ذلك ـ فإنها تحتاج الى التأكيد أو لا مانع من تأكيدها ـ على الأقل ـ والمقسم عليه هنا هو مجموع قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) وما بعده ، وهو :

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) بذل في سبيل الخير لوجه الخير (وَاتَّقى) ابتعد عن الحرام والآثام (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى). آمن بالجنة والنار والحلال والحرام ، وعمل بموجب إيمانه وإلا فإيمانه سراب لأن الايمان وسيلة الى العمل وليس غاية في نفسه (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) اختلف المفسرون في معنى اليسرى ، فمن قائل : انها الجنة ، وقائل : هي الخير ، وقال الشيخ محمد عبده : «هي خطة تكميل النفس وانمائها بالكمال». أما نحن فنفسر اليسرى هنا بقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ـ ٤ الطلاق أي يشمله الله بعنايته ، ويوفقه الى ما فيه خيره وصلاحه.

(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بالبذل في سبيل الله (وَاسْتَغْنى) بماله عن الاعانة بالله ، وعن آخرته بدنياه (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) فقال : لا جنة ولا نار ولا حلال ولا حرام (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى). المراد بالعسرى هنا السقوط في هوة السيئات والانحرافات ، والدليل على ارادة هذا المعنى قوله تعالى : (إِذا تَرَدَّى) والمراد بتيسيره ندعه وأهواءه ، ولا نردعه بالقوة عما يختاره لنفسه من التردي والهلاك (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى). «ما» استفهام بمعنى الإنكار ، ويجوز أن تكون نفيا محضا ، والمراد بالتردي السقوط في حضيض الرذائل والقبائح.

ويتلخص معنى هذه الآيات من قوله تعالى : فأما من أعطى الى قوله تردى ، يتلخص بأن سنة الله في خلقه أن يبيّن لهم طريقي الصلاح والفساد ، ويمنحهم القدرة على فعلهما وتركهما ، ثم يعامل كلا بما يختاره لنفسه ، فان آثر الخير والصلاح شمله بتوفيقه وعنايته ، وان اختار الشر والفساد تخلى عنه ، وأو كله الى نفسه وأهوائه تقوده الى الشدائد والمهالك.

٥٧٤

(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى). هذا جواب عن سؤال مقدر ، وهو : كيف تخلى سبحانه عن المسيء ووكله الى نفسه وأهوائه؟ ألا يتنافى هذا مع لطفه ورحمته؟. فأجاب سبحانه بأن عليه أن يزود العبد بالقدرة على العمل ، وبالعقل الذي يميز بين الخير والشر ، ثم يبين له ويرشده ويبشره وينذره ، وقد تحقق ذلك كله على أكمل وجه ، وهو منتهى اللطف والرحمة ، أما العمل والاهتداء فعلى العبد وحده ، ولا يلجئه الله اليه لأن الإلجاء يسلب الإنسان حريته وارادته ، بل وانسانيته لأن الإنسان بحريته وارادته. وتجدر الاشارة الى ان كلمة «على» هنا تدل على الوجوب خلافا للشيخ محمد عبده وغيره من الأشاعرة لأن الوجوب إذا نسب الى العبد فمعناه ان الغير أوجب عليه ، ولو ترك لكان مسؤولا ، وإذا نسب اليه تعالى فمعناه هو الذي أوجب على نفسه ما أوجب أي انه وعد وليس لوعده مترك. قال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ـ ٥٤ الانعام.

(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى). الله وحده مالك الملك في الدنيا والآخرة ، ولا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا معصية من عصى ، ولا يجد العاصون مفرا من حكمه وسلطانه (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى). أمر سبحانه ونهى وحذر من عصى نارا تتلهب وتتسعر لعله يتوب من ذنبه ويرجع الى ربه (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى). يصلاها أي يدخل النار ويعذب فيها ، وقيل : المراد بالأشقى هنا الكافر وقال الشيخ محمد عبده : «الأشقى من هو أشد شقاء من غيره». والصحيح ان التفضيل هنا غير مقصود من جهة دخول النار ، لأنه ما من شقي إلا هو ذائقها : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) ـ ١٠٦ هود. والتفاوت بين الشقي والأشقى انما هو في أليم العذاب وشدته لا في أصل العذاب ، وعليه يكون المراد بالأشقى هنا من عصى الله وأعرض عن أمره سواء أعرض عنه لأنه لا يؤمن بالله وشريعته ، أم آمن به وبشريعته ولكنه قصّر وتهاون ، لا فرق بين الاثنين لأن الايمان وسيلة للعمل ، وليس غاية في نفسه ، فقد ثبت بنص القرآن ان من آمن ولم يعمل فهو والكافر بمنزلة سواء ، قال تعالى : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ـ ١٥٩ الانعام أي لم تؤمن إطلاقا أو آمنت ولم تعمل.

(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى). الهاء في سيجنبها تعود الى النار ، ومعنى يجنبها يبتعد

٥٧٥

عن الأسباب المؤدية اليها ، وهي محارم الله ، وعليه يكون المراد بالاتقى التقي (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى). يؤتى من الإيتاء ، وهو الإعطاء ، والمعنى يعطي ماله وينفقه في سبيل الخير ليطهر نفسه من الذنوب ، ويتقرب الى الله ، ولا ينفقه للشهرة والاستعلاء ، ولا للتجارة والرياء.

(وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى). قد يكون الإنفاق بدافع الشهرة والظهور ، أو من باب هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، كما لو أهديت من أسدى اليك يدا لترد اليه إحسانه ، وقد يكون الإنفاق بقصد الربح والتجارة ، فتنفق بيد لتأخذ باليد الأخرى كما ينفق رجال السياسة على المشاريع الخيرية وغيرها أيام الانتخابات لاكتساب الأصوات .. والمؤمن لا يقصد شيئا من ذلك أو غيره (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) طالبا ثوابه خائفا من عذابه (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) ـ ٩ الإنسان. (وَلَسَوْفَ يَرْضى). يعطي الله من أنفق لوجهه كل ما يرضيه ، وفوق ما كان يرجو ويأمل. وقيل : الضمير في يرضى يعود الى الله لا الى الأتقى ، والمعنى واحد على التقديرين لأن الله إذا رضي على عبده أرضاه لا محالة.

وقال الشيخ محمد عبده : روى المفسرون هنا أسبابا للنزول ، وان الآيات نزلت في أبي بكر ، ومتى وجد شيء من ذلك في الصحيح لم يمنعنا من التصديق به مانع ، ولكن معنى الآيات لا يزال عاما.

٥٧٦

سورة الضّحى

١١ آية مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١))

الإعراب :

والضحى الواو للقسم ، والليل عطف على الضحى ، و «ما» نافية ، والجملة جواب القسم. وما قلى المفعول محذوف أي وما قلاك. وللآخرة اللام للتأكيد ومثلها لسوف وجملة سوف يعطيك ربك خبر لمبتدأ محذوف أي ولأنت سوف يعطيك ربك لأن لام الابتداء المؤكدة لا تدخل إلا على الأسماء. ويتيما مفعول ثان ليجدك. ومفعول آوى محذوف أي فآواك ، فهدى فهداك ، فأغنى فأغناك. فأما اليتيم «أما» هنا تتضمن معنى الشرط أي مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ، فاليتيم مفعول مقدم لتقهر ولا ناهية ، ومثله وأما السائل فلا تنهر.

المعنى :

(وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى). المراد بالضحى هنا النهار كله بدليل مقابلته

٥٧٧

بالليل ، وانما عبّر سبحانه عن النهار بالضحى لأن الضحى صدر النهار على حد تعبير الرازي ، أو شباب النهار على تعبير الشيخ محمد عبده ، ومعنى السجو السكون ، يقال : ليل ساج إذا سكنت ريحه واشتدت ظلمته ، وبحر ساج إذا سكن ، والمراد بسجو الليل سكون أهله وانقطاعهم عن الحركة ، مثل ليل نائم ونهار صائم أي فيه ، وأقسم سبحانه بهاتين الآيتين لأنهما من آياته الكبرى .. وتجدر الاشارة الى ان كثيرا من الفقهاء قالوا : ان النبي (ص) صلى صلاة الضحى يوم فتح مكة ، وهي ركعتان عند البعض ، وأكثر عند آخرين ، وندب عند الجميع. وقال الشيعة الإمامية : لا حصر للصلاة المندوبة ، فهي قربان كل تقي فمن شاء استقل ومن شاء استكثر ، ولكل انسان أن يصلي ركعتين ابتداء في كل زمان ومكان بنية القربة المطلقة اليه تعالى.

(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). هذا جواب القسم ، ومعناه ما تركك وما أبغضك ، واتفق الرواة والمفسرون على ان الوحي قد احتبس عن رسول الله (ص) أياما ، فقال المشركون : ان إله محمد قد قلاه ، وان الناموس قد أبغضه ، فأنزل الله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). وقال الشيخ محمد عبده ، ونعم ما قال : ليس في نسق السورة ما يشير الى ذلك ، ومن أين للمشركين أن يعلموا فترة الوحي؟. ولكن النبي كان قد اشتاق الى الوحي بعد ان ذاق حلاوته ، وكل ذوق يصحبه قلق ، وكل قلق يشوبه خوف وقد جاء في الصحيح ان النبي (ص) حزن لفترة الوحي حزنا كبيرا.

وبهذه المناسبة أشير الى اني قرأت كل ما نشر للشيخ محمد عبده ، فاكتشفت ان عظمة هذا الرجل وشهرته لا تكمن في علمه فقط ، ولا في سعة اطلاعه ، فان بعض تلاميذه ـ على ما رأيت ـ أوسع منه اطلاعا على الحواشي والشروح ، ومعرفة بأقوال السلف والخلف ، وانما السر الوحيد لعظمة هذا الشيخ يكمن في ثقته بالحق وإخلاصه له وجرأته على إعلانه ولو خالف الأولين والآخرين .. ومن أجل هذا كفرته عمائم السوء .. ولكن التاريخ قد أنصفه منها ، فوضعه في مكان الصدارة ، وألقى بها في سلة المهملات.

(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى). الخطاب للرسول الأعظم (ص) والمراد بالآخرة هنا الحياة الآخرة ، والحياة الدنيا ابتداء من

٥٧٨

نزول الوحي عليه الى يوم القيامة لأنه ما من يوم يمر إلا ويولد فيه المئات من المسلمين ، بالاضافة الى من يدخل في دين الله من الأمم والطوائف ، وكل ذلك كسب لمحمد (ص) ورسالة محمد ، ومعنى الآية ان الله سبحانه سيزيدك يا محمد من فضله يوما بعد يوم حتى قيام الساعة ، وفوق ذلك أنت في الآخرة أجلّ وأعظم ، فهل يرضيك هذا؟ وهل لك وراءه من مطلب؟ ثم ذكر سبحانه نبيه الكريم بجانب من نعمه عليه قبل البعثة ، وكأنه يقول له : لقد أنعمت عليك منذ يومك الأول الى ما لا نهاية. وهذه بعض النعم السابقة على البعثة :

١ ـ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى). هذا الاستفهام لتقرير الواقع أي لقد كنت كذلك. قال الشيخ محمد عبده : «كان النبي (ص) يتيما لأن والده توفي بالمدينة ، وهو في بطن أمه ، فكفله جده عبد المطلب خير كفالة ، ثم مات جده وهو في الثامنة من عمره ، فكفله عمه أبو طالب بوصية من أبيه عبد المطلب ، وكان شديد العناية به في صغره ، عظيم المحبة له في كبره ، وما زال يحميه وينصره بعد ان أكرمه الله بالنبوة حتى قبض ، فتجرأت عليه قريش بعد موت عمه حتى اضطرته الى الهجرة ، فذاك إيواء الله لنبيه وهو يتيم».

٢ ـ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى). اختلف المفسرون ما هو المراد بالضلال هنا؟ وقد أنهى الرازي أقوالهم الى عشرين قولا! .. أقربها الى الصواب والواقع ان النبي (ص) كان حائرا في أمر قومه ، وضلالهم في عقائدهم وتقاليدهم ، وفساد أعمالهم وجهلهم وتفرق كلمتهم .. ولا يدري ما هو السبيل الى هدايتهم حتى نزل عليه الوحي فيه تبيان كل شيء ، وهدى ورحمة للعالمين ، فضلال النبي (ص) : حيرته كيف يهدي الكافرين ، وهداه نزول القرآن عليه.

٣ ـ (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى). العائل هو الفقير سواء أكان عنده عيال أم لم يكن ، وقال الرواة : ان الرسول (ص) لم يرث من أبيه إلا ناقة وجارية ، ولكن الله قد أغناه برعاية عمه أبي طالب ، ومال خديجة بنت خويلد ، وبالغنائم.

(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ). ومن كان يتيما وفقيرا فما أجدره برعاية الفقراء والأيتام والاهتمام بشأنهم .. وليس من شك ان هذا تعريض وتأديب لكل من حاول أو يحاول أن يقهر يتيما أو ينهر فقيرا والا فإن رسول

٥٧٩

الرحمة على خلق عظيم وبالضعفاء رؤوف رحيم (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) شكرا لله وحمدا. وفي الحديث الشريف ان التحدث بنعم الله شكر له. وقال الإمام الصادق (ع) في معنى هذه الآية : فحدث بما أعطاك الله وفضلك ورزقك وأحسن اليك وهداك. وقال الشيخ محمد عبده : «فحدث أي أوسع في البذل على الفقراء». وتبعه في هذا التفسير تلميذه المراغي ، وهو بعيد عن ظاهر اللفظ ومدلوله ، فان المتبادر الى الافهام من كلمة «فحدث» هو التحدث بنعم الله شكرا له وحمدا. وما أكثر ما يستدل الشيخ محمد عبده بالتبادر.

سورة الانشراح

٨ آيات مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))

الإعراب :

الذي أنقض نعت لوزرك. ويسرا اسم ان ومع العسر خبرها.

المعنى :

قال الرازي : «يروى عن طاوس وعمر بن عبد العزيز ان هذه السورة وسورة الضحى واحدة ، وكانا يقرءانهما في ركعة واحدة ولا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، والذي دعاهما الى ذلك هو ان قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ)

٥٨٠