التّفسير الكاشف - ج ٧

التّفسير الكاشف - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٣٩

لا بكفروا مثل قال له. أم يقولون «أم» للاستفهام. كفى به شهيدا الباء زائدة والضمير فاعل أي كفى الله شهيدا ؛ وشهيدا تمييز. بيني وبينكم بمنزلة الكلمة الواحدة أي بيننا. وما أدري «ما» نافية. ما يفعل بي «ما» مبتدأ والخبر يفعل. ومن قبله متعلق بمحذوف خبرا لكتاب موسى أي وكتاب موسى كائن من قبله. وإماما حال من الضمير في كائن. ولسانا حال من الضمير في مصدق. والمصدر من لينذر متعلق بمصدق. وبشرى عطف على المصدر المنسبك أي للانذار والتبشير.

المعنى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ). ضمير عليهم يعود الى مشركي العرب ، والمراد بآياتنا وبالحق هنا القرآن ، وللحق متعلق بقال ، ومعنى بينات ان آيات القرآن واضحة لا غموض فيها ولا تعقيد ، وبالرغم من وضوح القرآن وظهور الدلائل على أنه حق وصدق فقد وصفه المفترون الطغاة بالسحر المبين ، لا لشيء إلا لأنه جعلهم وسائر الناس بمنزلة سواء. وتقدم هذا في العديد من الآيات.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً). أيزعم المشركون يا محمد ان هذا القرآن افتراء منك واختلاق؟ فقل لهم : كيف أكذب على الله وأنا أشد الناس خوفا منه؟ وهل تغنون عني شيئا من غضب الله وعذابه إن كذبت عليه وافتريت؟ وإنما قال لهم هذا اعتمادا على ما يعرفونه في الرسول الأعظم (ص) من رجاحة العقل وكراهية الكذب وغيره من رذائل الأخلاق. (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). ان الله سبحانه لا تخفى عليه خافية من أقوالكم وأفعالكم ، وأنتم محاسبون عليها ، وهو تعالى بما يعلمه مني ومنكم يشهد لي بالصدق والأمانة ، وعليكم بالكذب والخيانة (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يغفر لكم ويشملكم برحمته ان تبتم وأنبتم.

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ). لست بأول رسول يبلغ العباد رسالات

٤١

ربه ، فقد سبقني الكثير من الأنبياء والمرسلين (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ). النبي (ص) يعلم حاله وحال المشركين في الآخرة لأن الله أخبره بذلك كما في العديد من الآيات ، بالإضافة الى ان هذا العلم من لوازم النبوة ووظائفها ، وقد تواتر في الحديث ان النبي (ص)بشر أكثر من واحد بالجنة ، وعليه يكون المعنى ان النبي لا يعلم ما يحدث له في هذه الحياة؟. وبأي شيء يمتحنه الله ويبتليه؟ وأيضا هو لا يعلم ما يحدث للمشركين؟ هل ينتقم منهم في هذه الدار ، أو يؤخر عذابهم الى يوم يبعثون؟.

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ). وليس من شأن النذير أن يعلم الغيب ، وإنما هو يبلغ عن الله ما يوحي اليه تعالى بما يحدث له وللمشركين في هذه الحياة. وتجدر الاشارة الى ان هذا كان قبل نزول الآيات الناطقة بأن العاقبة لدين الله ورسوله ولو كره المشركون ، أو هو أسلوب من أساليب الدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). السورة التي نفسرها مكية ما عدا هذه الآية ، فإنها نزلت في عبد الله بن سلام ، حيث أسلم في المدينة ، وكان عالما كبيرا من علماء بني إسرائيل ، هذا ما جاء في أكثر التفاسير ، والمعنى قل يا محمد للذين زعموا ان القرآن سحر مفترى ، قل لهم : أخبروني عن حالكم عند الله ان ثبت ان القرآن حق وصدق ، وآمن به عالم من بني إسرائيل كعبد الله ابن سلام الذي يدرك أسرار الوحي ويشهد بأن تعاليم القرآن تماما مثل تعاليم التوراة التي أنزلها الله على موسى ، ما ذا يكون حالكم إذا بقيتم على ضلالكم وعنادكم؟. أتظلمون أنفسكم مختارين وتعرضونها لنقمة الله وعذابه؟.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ). كان أكثر الذين استجابوا لدعوة الرسول (ص) في بداية الدعوة ـ من المستضعفين ، فاتخذ الكبار الطغاة من ذلك سببا للطعن برسالة الرسول لأن الحق بزعمهم يعرف بالرجال المترفين ، ولا يعرف الرجال بالحق ، فكل ما يفعله المترفون حق ، وكل ما يفعله غيرهم باطل .. ولكن من صارع الحق صرعه. ولذا لم تمض الأيام حتى

٤٢

اعتلى العبد الحبشي بلال ظهر الكعبة ينادي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وحطم الرسول الأعظم (ص) أوثان قريش ووضعها تحت قدميه ، وهو يقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً). وفي تفسير الرازي ان أمة لعمر أسلمت ، وكان يضربها حتى يفتر ، فقال الكفار : لو كان الإسلام خيرا ما سبقتنا اليه أمة عمر ... ولكن عمر أسلم بعد ذلك ، وحارب الروم والفرس على الإسلام.

(وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ). ضمير لم يهتدوا وسيقولون يعود الى كفار قريش ، وضمير به الى القرآن ، ووصفه الطغاة بالقديم لأن فيه بزعمهم خرافات وأساطير أكل الدهر عليها وشرب .. قالوا هذا لا لشيء إلا لأنهم لا يؤمنون إلا بمصالحهم ومكاسبهم ، والقرآن ينكرها ويحاربها.

(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ). القرآن كالتوراة التي نزلت على موسى ، كل منهما إمام يهدي الى الحق ورحمة لمن آمن به وعمل بموجبه ، وقد بشرت التوراة بمحمد : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) ـ ١٥٧ الأعراف. وأيضا القرآن مصدق بهذه التوراة ، وينطق بلسانكم أيها العرب وينذر من أساء بالعذاب ، ويبشر من أحسن بالثواب فكيف تقولون تارة : انه سحر ، وحينا : خرافات وأساطير ، ولا تقولون ذلك عن التوراة؟

وحمله وفصاله ثلاثون شهراً الآية ١٣ ـ ١٦ :

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ

٤٣

أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦))

اللغة :

فصاله فطامه. وبلغ أشده صار بالغا مدركا. أوزعني ألهمني. وأصلح لي في ذريتي اجعل لي خلفا صالحا.

الإعراب :

خالدين حال من ضمير أصحاب. وجزاء نصب على المصدر أي يجزون جزاء. وإحسانا نصب على المصدر أي ان يحسن إحسانا. وكرها صفة لمفعول مطلق محذوف أي حملا كرها أو حال أي كارهة. والمصدر من ان أشكر مفعول أوزعني. وصالحا صفة لمحذوف أي عملا صالحا. وعد الصدق منصوب على المصدر أي وعد الله وعد الصدق.

المعنى :

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). في الآية ١٠٣ من سورة الأنبياء وصف سبحانه حال أهل الجنة بقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ). وفي الآية التي نحن بصددها قال سبحانه : ان هؤلاء هم الذين التزموا في الحياة الدنيا بدين الله

٤٤

وشريعته عقيدة وقولا وعملا ، وهذا هو المراد من الاستقامة. وذكرت هذه الجملة بالحرف في الآية ٣٠ من سورة فصلت ، وتكلمنا حولها مفصلا.

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). أولئك إشارة الى الذين آمنوا واستقاموا ، وقوله تعالى بما كانوا يعملون توضيح وتأكيد بأنه لا إيمان ولا استقامة بلا عمل.

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً). أي انها قاست الكثير في حمله ووضعه وحضانته أيضا. وفي بعض الروايات ان حق الأم أحق وأوجب من حق الأب لأنها حملت ولدها حيث لا يحمله أحد ، ووقته بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة مستبشرة ، ورضيت بأن تجوع ويشبع ، وتظمأ ويروى ، وتعرى ويكتسي. فليكن الشكر لها والبر بها على قدر ذلك .. وكان الولد من قبل يرى ان من واجبه السمع والطاعة لوالديه ، أما الآن فيعتقد ان عليهما الخضوع لأمره دون قيد أو شرط. وتقدم الأمر بالبر بالوالدين في الآية ٨٣ من سورة البقرة والآية ٣٥ من سورة النساء والآية ١٥١ من سورة الانعام والآية ٢٣ من سورة الإسراء.

(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً). وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) ـ ١٤ لقمان إذا فعلنا ذلك تبين معنا ان أقل الحمل ستة أشهر ، لأنه إذا أسقطنا عامي الرضاع من الثلاثين شهرا تبقى ستة أشهر لمدة أقل الحمل ، ولقد أقر الطب الحديث هذه النظرية. وقال الشيخ المراغي المصري في تفسيره : «أول من استنبط هذا الحكم علي كرم الله وجهه .. وروى محمد بن إسحاق صاحب السيرة ان رجلا تزوج من امرأة ، فولدت له لتمام ستة أشهر ، فشكا ذلك الى عثمان ، فبعث اليها ، ولما جاءت أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا فأتاه وقال له : أما تقرأ القرآن؟ قال عثمان : بلى. قال علي : أما سمعت قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقوله (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ). فلم يبق بعد الحولين إلا ستة أشهر ، قال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، عليّ بالمرأة. فوجدوها قد فرغ منها. قال معمر بن عبد الله : فو الله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة أشبه من هذا الحمل بأبيه ، ولما رآه أبوه قال : ابني والله لا أشك فيه».

٤٥

(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً). متى بلغ الغلام مبلغ الرجال بالاحتلام أو بالسن (١) وكان عاقلا في تصرفاته كان له ما للبالغين الراشدين ، وعليه ما عليهم من التكاليف الشرعية. ولكن جماعة من المفسرين قالوا : ان هذه الآية تشير الى موضوع آخر ، وهو نضج الإنسان وكماله عقلا وجسما بدليل قوله تعالى : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) لأن هذا النضج يبدأ في الغالب بسن الثلاثين ، ويستمر في النمو حتى الأربعين حيث يبلغ الغاية في طاقاته ومؤهلاته.

ومهما يكن فإن السن والمؤهلات لا توجب الوعي وأصالة الرأي إذا لم يمر الإنسان بالكثير من التجارب .. وغير بعيد أن يكون ذكر الأربعين سنة في الآية للاشارة الى ان الإنسان في الغالب يمر بعد بلوغ هذه السن بتجارب نافعة. وقال المفسرون وأهل السير : ان الله ما بعث نبيا إلا بعد الأربعين من عمره سوى عيسى ويحيى (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ). العاقل يطلب من الله سبحانه التوفيق والعون على تأدية الشكر له تعالى بالطاعة والانقياد ، وأعظم النعم كلها الهداية الى الحق والعمل بموجبه ، أما وجود الإنسان من حيث هو فما هو بنعمة عليه ولا على غيره إذا لم يكن وسيلة للعمل الصالح. وجاءت هذه الآية بالحرف في سورة النمل الآية ١٩ ج ٦ ص ١٣.

(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي). الأبناء عبء ثقيل على الآباء ، بل كارثة بتربيتهم ومطالبهم وهمومهم .. ولكن الأب المسكين يرى رغبته وسعادته في هذه الكارثة إذا منّ الله عليه بذرية صالحة ، وإلا تراكمت المصائب والكوارث (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وفيه إيماء الى ان الله لا يتقبل من مذنب ولا يستجيب لدعائه إلا إذا تاب من ذنوبه ، واستقام في أقواله وأفعاله (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) عن هنا بمعنى «من» مثلها في قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ـ ١٠٥ التوبة. والمراد بأحسن ما عملوا غير السيئات ، أما

__________________

(١). قال الشافعية والحنابلة : يتحقق البلوغ ب ١٥ سنة في الغلام والجارية. وقال المالكية : ١٧ فيهما. وقال الحنفية : ١٨ في الغلام و ١٧ في الجارية. وقال الامامية : ١٥ فيه و ٩ فيها.

٤٦

هي فيعفو الله عنها كما قال : (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) لأنهم تابوا وأخلصوا (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) أي معهم وفي عدادهم (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) بقبول الأعمال والتجاوز عن السيئات وبدخول الجنة ، ووعده تعالى الصدق ، وقوله الحق.

قال لوالديه اف لكما ١٧ ـ ٢٠ :

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))

اللغة :

أف كلمة تدل على التضجر. ويلك الهلاك لك. وأساطير الأولين أباطيلهم. والمراد بالقول هنا كلمة العذاب. أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا استوفيتم نصيبكم من الطيبات في الحياة الدنيا.

٤٧

الإعراب :

والذي مبتدأ والمراد به الجنس لا شخص معين ، وأولئك الذين حق خبره. أف لكما أف اسم فعل ولكما متعلق به. والمصدر من ان أخرج مجرور بباء محذوفة. ويلك مفعول لفعل محذوف أي ألزمك الله الويل. وليوفيهم متعلق بمحذوف أي بعثناهم ليوفيهم. وجملة أذهبتم مفعول لقول محذوف أي يقال لهم أذهبتم الخ.

المعنى :

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي)؟

من هو هذا الولد الذي يتحدث عنه القرآن ، ويقول : انه كافر عاقّ بوالديه؟ الجواب : ان الله لم يذكر شخصا بالذات ، وظاهر الآية يدل على ان المراد به كل ولد كفر باليوم الآخر ، وله أبوان مؤمنان قد اجتهدا في نصحه وهدايته وخوّفاه من غضب الله وعذابه ، فقال لهما ساخطا متبرما : بعدا لكما كيف يخرج الإنسان من قبره ، وقد أصبح ترابا ويبابا؟ فهل حدث ذلك لغيري في عصر من العصور حتى يحدث لي؟.

وتصدق هذه الآية على الكثير من شباب هذا العصر حتى كأنها نزلت فيهم .. ولو أنهم سألوا وناقشوا بقصد المعرفة والاهتداء الى الحقيقة لوجب علينا أن نرحب بهم وبأسئلتهم ونقاشهم ، ونبذل جهد المستطيع لاقتناعهم عملا بقوله تعالى : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) ـ ١٨٧ آل عمران وإيمانا منهم بأنهم أحوج الناس للبيان والهداية.

(وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ). استغاثا بالله من كفر وليدهما ، ودعوا عليه بالهلاك ، وأكدا له ان البعث حق. وفي الغالب يكون دعاء الوالدين على الولد أشبه باللغو في الايمان ، ولكن كلمة يستغيثان الله تومئ الى عمق الحرقة واللوعة ، وشدة الألم والأسف لكفر الولد العاق وتمرده ، ومع هذا أصر على الضلال (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). أجاب على شفقة والديه ونصحهما بقوله : ان كلامكما هذا لا يعبر عن شيء سوى السخف والأباطيل ..

٤٨

وهكذا ينظر الكثير من أبناء هذا الجيل الى الآباء والأمهات .. والغريب ان أحدهم لو سمع من شاب مثله ما سمعه من أبويه لما وقف منه هذا الموقف الساخر.

(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). أولئك اشارة الى كل من عاند الحق وأعرض عن دعوة المخلصين. وحق عليهم القول أي كلمة العذاب .. وهذه هي سنة الله في الأمم الماضية والحاضرة أيضا ، سواء في ذلك الانس والجن (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ). لأنهم نكصوا عن دعوة الحق ، واستغشوا الناصح الأمين (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). تتفاوت مراتب الناس يوم القيامة بحسب أعمالهم في الدنيا ، وأوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) ـ ٣٠ آل عمران.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) أي يعذبون بها وتقول لهم ملائكة العذاب : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها). جمعتم المال وكنزتم منه الملايين بالسلب والنهب ، وشيدتم المصانع وناطحات السحاب على حساب المستضعفين ، وتقلبتم في الملذات والشهوات ، وقد استوفيتم بذلك حظوظكم بكاملها ، ولم تدخروا شيئا ليومكم هذا (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ). أعرضتم عن الحق علوا واستكبارا ، وملأتم الأرض ظلما وفسادا ، فذوقوا الآن مرارة البغي ، كما ذقتم حلاوته بالأمس.

وفي تفسير الشيخ المراغي ان رسول الله (ص) كان إذا سافر آخر عهده من أهله بفاطمة ، وأول من يدخل عليه من أهله فاطمة متى عاد من سفره. وقدم من بعض الغزوات وتوجه الى بيتها كعادته ولما أراد الدخول على ابنته فاطمة رأى على بابها ستارا من شعر غليظ ، ورأى على الحسن والحسين سوارين من فضة ، فرجع ولم يدخل .. فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل من أجل ما رأى ، فهتكت الستر ، وأرسلت السوارين الى أبيها : فأعطاهما لبعض المعوزين ، وقال : ان هؤلاء أهل بيتي ـ يشير الى فاطمة ومن في بيتها ـ ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.

٤٩

هود الآية ٢١ ـ ٢٨ :

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨))

اللغة :

في القاموس المحيط : الأحقاف جمع حقف بكسر الحاء ، وهو المعوج من

٥٠

الرمل ، وفي مجمع البحرين للطريحي ان عادا كانت بين جبال من بلاد اليمن. ومن بين يديه ومن خلفه أي من قبله ومن بعده. لتأفكنا لتصرفنا. والعارض هو السحاب الذي يعرض في أفق السماء. وحاق بهم حل أو نزل بهم. وصرفنا الآيات جعلناها أنواعا.

الإعراب :

ان لا تعبدوا «ان» بمعنى أي مفسرة لأنذر قومه. والمصدر من لتأفكنا متعلق بجئتنا. والهاء في رأوه تعود الى ما تعدنا. وعارضا حال من مفعول رأوه لأن رأى هنا بصرية تعمل في مفعول واحد. وريح خبر لمبتدأ محذوف أي هو ريح. كذلك نجزي الكاف بمعنى مثل قائمة مقام المفعول المطلق أي مثل ذلك الجزاء نجزي. مكّناهم فيما ان «ما» بمعنى الذي و «ان» نافية أي مكّنا عادا من المال والقوة ما لم نمكنكم فيه يا قريش. وآلهة مفعول ثان لاتخذوا ، والمفعول الأول محذوف أي اتخذوهم. وقربانا مفعول من أجله أي اتّخذوهم آلهة ليقربوهم الى الله مثل قوله تعالى حكاية عنهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ٣ الزمر.

المعنى :

ذكر سبحانه قصة هود مع قومه عاد في سورة الأعراف الآية ٥ ـ ٧٢ ج ٣ ص ٣٤٧ وأيضا في سورة هود الآية ٠ ـ ٦٠ ج ٤ ص ٢٣٨ وأيضا في سورة الشعراء الآية ٢٣ ـ ١٤٠ ج ٥ ص ٥٠٨ الى غير ذلك من الآيات السابقة واللاحقة. ولذا نوجز هنا ما أمكن اعتمادا على ما سبق.

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ). اذكر يا محمد لقومك قصة هود مع قومه لعلهم يتعظون ويعتبرون ، وقد كانوا عربا مثل قومك ، وأكثر منهم قوة ومالا ، وكانت ديارهم قريبة من بلد قومك لأنهم سكنوا الأحقاف ، وهي من أرض اليمن المتصلة بالحجاز ـ كما قيل ـ (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ

٥١

يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ). المراد بالنذر الرسل ، وضمير يديه وخلفه يعود الى هود ، والمعنى اذكر يا محمد لقومك أيضا ان هودا لم يكن أول المرسلين ، ولا هو آخرهم ، بل أرسل الله كثيرين من قبل هود ومن بعده ، وكان ينذر قومه بهذا النداء الذي جاء على لسان كل نبي : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ان بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك والضلال.

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). أتريدنا يا هود أن نترك عبادة الأصنام ، ونعبد إلها واحدا ... ان هذا لشيء عجاب!. وتهددنا بعذاب عظيم؟ عجل به ان كان تهديدك حقا وصدقا (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ). أمرني ربي أن أنذركم بالعذاب ، فأطعت وأنذرت ، أما متى يقع العذاب؟ وما هو نوعه ولونه فعلمه عند الله ، ولا أعلم من ذلك شيئا ، ولكني أعلم علم اليقين انكم في غمرة الجهل والضلال (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا). الهاء في رأوه للعذاب ، وعارضا أي عرض في الأفق ، ومستقبل أوديتهم متوجها اليها ، والمعنى ظنوا العذاب سحابا من الغيث ، ففرحوا به ، وبشر بعضهم بعضا بالخصب والرخاء.

فقال لهم هود أو لسان الحال والواقع : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها). رأوا سحابا في الأفق ، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ، فانخدعوا بالظاهر ، وذهلوا عما وراءه من المخبآت والمفاجئات ، فأخذهم العذاب ، وهم في سكرة من كواذب الأماني والآمال ... وهذه نهاية من تمادى في غوايته ، وانقاد الى رغبته (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) التي أصبحت قبورا لأجسامهم. والعاقل من اتعظ بهم وبأمثالهم ، وخاف بطش الله عند النعمة والرخاء ، ورجا رحمته عند الشدة والضراء (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) في الدنيا والآخرة ، أو في الآخرة فقط على ما توجبه الحكمة البالغة.

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ). أهلكنا عادا لما طغوا وبغوا ، وقد كنا أعطيناهم من القوة والمال ما لم نعطكم مثله يا عتاة قريش ... ألا تخشون أن يصيبكم مثل ما أصاب عادا وغيرهم من الأمم الماضية؟. (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً

٥٢

وَأَفْئِدَةً) تماما كما جعلنا لكم (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) لأنهم لم ينتفعوا بشيء منها ، بل كانوا كالمجنون والأبكم والأصم والأعمى فيما يعود الى التذكير والتحذير ... فلا يغركم يا أهل مكة ما يعجبكم من أسماعكم وأبصاركم وعقولكم فإنها لا تغني عنكم من شيء إذا نزل بكم العذاب (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). جحدوا الحق ودلائله ، وسخروا منه ومن أهله ، وأمعنوا في البغي والضلال ، فكان جزاؤهم الهلاك والدمار.

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). الخطاب في حولكم لمشركي مكة ، والمراد بالقرى أهلها وهم عاد وثمود ومن جاورهم ، وصرفنا الآيات بيّنا لهم أنواعا من الدلائل والعظات ، وأنذرناهم بالأقوال والأفعال كي يتعظوا ويرتدعوا ، فأبوا إلا كفورا ، فحق عليهم العذاب ودمرناهم تدميرا (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً). عبدوا الأصنام ليقربوهم من الله ، وينقذوهم من بأسه ، ولما نزل بهم العذاب لم تغن الأصنام عنهم شيئا (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أضاعوهم ولم يهتدوا الى مكانهم ... وفي هذا ما فيه من الزراية والاستخفاف بهم وبأصنامهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ). ذلك إشارة الى عدم نجدة الأصنام ، وانها لا تسعف من كان يعبدها ويرجوها وقت الضيق ، والمعنى ان قول المشركين بأن الأصنام شفعاؤنا عند الله ، وتنجينا من عذابه هو إفك وافتراء.

الجن يستمعون القرآن الآية ٢٩ ـ ٣٢ :

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى

٥٣

طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢))

اللغة :

المراد بصرفنا هنا وجهنا. وقضى فرغ.

الإعراب :

إذ متعلقة بمحذوف أي واذكر إذ صرفنا. والهاء في حضروه للقرآن. ومصدقا صفة لكتاب. ويغفر مجزوم بجواب الأمر ، وهو آمنوا. ويجركم عطف على يغفر. ومن لا يجب «من» اسم شرط ولا يجب فعل الشرط ، وجوابه فليس بمعجز والباء زائدة إعرابا ومعجز خبر ليس ، واسمها ضمير مستتر يعود الى من.

المعنى :

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ). من وظيفة العقل ان يحكم بإمكان وجود الشيء أو امتناعه ، فإذا حكم بإمكانه وعدم امتناعه لجأنا للتثبت من وجوده في الخارج الى وسائل الإثبات التي تتفق وطبيعة الشيء الذي نريد إثباته ، فإن كان من الأمور الحسية فعلينا أن نثبته بالحس والتجربة ، وان كان من الأمور العقلية فالطريق الى التعرف على وجوده هو العقل ، وان كان من الأمور الغيبية ـ غير وجود الإله ـ فلا طريق إلى معرفته إلا الوحي ، فإذا أنزل وجب التعبد به ... وليس من شك ان العقل لا يأبى وجود كائنات غيبية ـ أي غائبة عنا

٥٤

تباين ما عرفناه وألفناه من المخلوقات ، بل نحن على يقين ان ما نجهل من الكائنات أكثر مما نعلم ، من ذلك وجود الجن ، فقد ذكرهم سبحانه في العديد من آياته ، منها قوله تعالى حكاية عنهم : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ١١ الجن. وقد دفع الله بنفر من هؤلاء الصالحين الى الرسول الأعظم (ص) ، واستمعوا اليه وهو يتلو القرآن ، فقال بعضهم لبعض : اسكتوا وتدبروا معانيه ، فسكتوا وأصغوا بإمعان ، ورأوا فيه الهدى والنور فآمنوا به وبمحمد (ص) ، ولما فرغ الرسول من التلاوة سارعوا الى قومهم منذرين ومبشرين بالإسلام.

(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ). قالوا لقومهم : سمعنا كتابا من محمد (ص) يشبه الكتاب الذي أنزله الله على موسى ، وهو مصدق لما جاء به الأنبياء من الدعوة الى الايمان بالتوحيد والبعث ، وأيضا هو يرشد الى الصواب وعمل الخير : (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) ، ـ ٣ الجن. ونحن إذا لم نر الجن الذين تأثروا بالقرآن وآمنوا به فقد سمعنا ورأينا الكثير من العلماء والعقلاء تأثروا بكلمات القرآن بمجرد الاستماع اليها ، وآمنوا ايمانا لا يشوبه ريب انه من لدن حكيم عليم.

(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ). استجيبوا الى دعوة الحق ، واتبعوا الداعي اليها يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم في رحمته ، وينجكم من غضبه وعذابه (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ). أبدا لا مهرب من الله إلا اليه ، ولا نجاة من عذابه إلا بالإخلاص والعمل الصالح (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). أولئك اشارة الى الذين لم يستجيبوا لداعي الله ... ومن لم يستجب له فقد نكب عن طريق الحق والرشاد.

٥٥

أليس هذا بالحق الآية ٣٣ ـ ٣٥ :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))

اللغة :

لم يعي من الإعياء وهو العجز أي لم يعجز. والعزم الجد والثبات. وبلاغ كفاية.

الإعراب :

بقادر الباء زائدة إعرابا وقادر خبر ان الله الخ. وربنا الواو للقسم. وبلاغ خبر لمبتدأ محذوف أي هو بلاغ أو الذي وعظتم به بلاغ.

المعنى :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). هذا الكون العجيب الذي دل على

٥٦

قدرة الخالق وعظمته يدل أيضا وبطريق أولى على انه تعالى قادر على إحياء الموتى ، لأن السبب الموجب للأمرين واحد ، وهو قدرة من إذا قال للشيء كن فيكون ، قال الإمام علي (ع) : عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى. وتقدم هذا المعنى في عشرات الآيات ويأتي الكثير ، من ذلك قوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) ـ ١٥ ق. فكيف نعيا بالخلق الثاني؟.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) أي يعذبون بها ، ويقال لهم : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ) الذي كفرتم به من قبل؟ (قالُوا بَلى وَرَبِّنا). أنكروا في الدنيا حيث يضرهم الإنكار ، وأقروا في الآخرة حيث لا ينفعهم الإقرار شيئا (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بل وتسخرون من الذين آمنوا بحساب الله وعذابه ، ومثله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ـ ٣٠ الأنعام ج ٣ ص ١٧٩.

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). جاء في كثير من التفاسير ان اولي العزم خمسة : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، ولقد كان لكل واحد منهم شريعة خاصة أوجب الله العمل بها على جميع خلقه الى عهد الذي يليه من الخمسة ، فتنسخ اللاحقة الشريعة السابقة الى شريعة محمد (ص) سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، فإنها ناسخة غير منسوخة الى يوم القيامة ، أما الأنبياء الآخرون فقد كان كل واحد منهم يعمل بشريعة من تقدمه من اولي العزم ... وفي هذا روايات عن أهل بيت النبي (ص) وتومئ اليه الآية ١٣ من سورة الشورى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) حيث خص سبحانه الخمسة بالذكر دون غيرهم ، وكلمة شرع ظاهرة بالشريعة ، والخطاب في «اليك» لمحمد (ص).

(وَلا تَسْتَعْجِلْ ـ العذاب ـ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ). الخطاب في لا تستعجل لمحمد (ص) وضمير «لهم» وكأنهم يعود الى الذين كفروا برسالته ، والمراد بما يوعدون عذاب جهنم ، والمعنى لا تستعجل العذاب يا محمد للذين كفروا فإنه نازل بهم في الآخرة لا محالة ، أما مكوثهم في

٥٧

الدنيا وان طال فإنهم سوف يرونه لحظات حين ينزل بهم العذاب ... ومثله (مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) ـ ١٩٧ آل عمران. وفي نهج البلاغة : انما الدنيا متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشع السحاب.

(بلاغ) أي القرآن بلاغ لرسالات الله تعالى ، وهو حجة كافية ، وموعظة شافية لمن طلب الرشد والهداية (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)؟ كلا ... (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ـ ٥٢ الدخان.

٥٨

سورة محمّد

٣٨ آية كلها أو جلها مدنية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وآمنوا بما نزل على محمد الآية ١ ـ ٦ :

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦))

٥٩

اللغة :

يطلق البال على القلب تقول : خطر ببالي أي بقلبي أو بذهني ، ويطلق على الشأن والحال ، وهذا هو المراد هنا. أثخنتموهم أكثرتم فيهم القتل. الوثاق بفتح الواو وكسرها ، وهو ما يشد به من قيد أو حبل ، وقيل : فشدوا الوثاق كناية عن الأسر.

الإعراب :

ذلك مبتدأ وبأن الذين الخ متعلق بمحذوف خبرا أي ذلك كائن بسبب اتباعهم الباطل. فضرب الرقاب مصدر منصوب نائب مناب فعل أمر محذوف ، والأصل فاضربوا الرقاب ضربا. وكل من (مَنًّا) و (فِداءً) نائب مناب فعل محذوف ، والأصل إما تمنون منا وإما تفادون فداء.

المعنى :

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ). صدوا تأتي بمعنى أعرضوا ، وبمعنى منعوا ، وعلى الأول يكون معنى كفروا وصدوا واحدا ، والعطف من باب التفسير ، وعلى الثاني يكون المعنى انهم لم يؤمنوا وأيضا منعوا الناس عن الإيمان ، وهذا هو الظاهر من دلالة اللفظ. وأضلّ أعمالهم أي أبطلها حتى كأنها لم تكن ، والمعنى ان من أعرض عن الإسلام ومنع الناس عنه فلا يقبل الله من عمله شيئا ، لأن الإسلام شرط أساسي في ثواب الآخرة ، قال تعالى : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) ـ ٥٤ التوبة.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ). بعد ان قال سبحانه : انه لا يقبل من الكافرين قال : أما من يعمل من الصالحات وهو مؤمن بالله وبالقرآن الذي لا ريب فيه ـ أما هذا فإن الله يقبل منه ، ويصفح عن ذنوبه إذا تاب منها ، ويصلح

٦٠