التّفسير الكاشف - ج ٧

التّفسير الكاشف - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٣٩

كل شيء بمقدار :

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ). وفي آية ثانية : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ـ ٢ الفرقان. وفي ثالثة : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) ـ ٨ الرعد. وفي رابعة : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) ـ ٣ الأعلى. الى كثير من الآيات التي تدل على ان ما من كائن إلا وهو على مقدار معين من العناصر والصفات لا تزيد ولا تنقص عما ينبغي أن تكون ، وان كل ما فيه قد رتب ترتيبا دقيقا ومحكما ، ووضع في المكان المناسب لوظيفته ومهمته .... وإذا بحثنا عن السبب الموجب لذلك فلا نجد أي سبب يقبله العقل إلا ارادة الله التي هي وراء كل شيء. قال «كنت» : «ان الطبيعة كالعمل الفني ، واستدلالنا على مصدرها تماما كالاستدلال بالأثر الفني على مصدره».

وتسأل : ألا يجوز أن يكون هذا النظام من عمل الصدفة؟.

الجواب : ان الصدفة كاسمها .. مستحيل أن تتكرر ، وتفسير الحوادث بها تهرّب من حكم العقل والواقع ، ولذا قال العلماء : لا يلجأ الى الصدفة إلا عاجز .. هذا ، ولو صحت نظرية الصدفة لانهارت العلوم من الأساس لأن للعلم قواعد عامة ومطردة وإلا لم يكن علما ، على العكس من الصدفة التي لا تتعدى موضوعها الخاص ، وإلا لم تكن صدفة .. وإذا بطلت الصدفة بطل معها المذهب المادي القائل : ان المادة هي الأصل لكل شيء .. وأي عاقل يستسيغ القول بأن الكون وجد صدفة ، وكل ما فيه من قانون ونظام هو نتيجة الصدفة ، وان المادة خضعت للنظام بالصدفة .. وبهذا نجد تفسير قول الشاعر :

وفي كل شيء له آية

تدل على انه واحد

وقول من قال : «ليس بالإمكان أبدع مما كان» أي ان كل شيء قد وضع في المكان المناسب ولو حاد عنه قيد شعرة لاستبان فيه الخلل والنقص.

(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ). هذا كناية عن ان الله سبحانه إذا أراد شيئا يوجد بالفعل وبمجرد أن يريد ، ولا يفتقر الى زمان على الإطلاق ، لا كلمح بالبصر أو أقرب ، وانما ذكر سبحانه لمح البصر لمجرد التقريب ..

٢٠١

وبتعبير الفلاسفة : ان نسبة ارادته تعالى الى مراده هي كنسبة الإيجاد الى الموجود. (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟ لقد كان فيما مضى أقوام أعجبتهم أنفسهم كما أعجبتكم أيها المشركون العرب ، وكذبوا رسلهم كما كذبتم رسولكم محمدا (ص) فدمرهم الله تدميرا ، فاتعظوا بهم قبل أن يتعظ بكم.

(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ). ما من قول أو فعل حقيرا كان أم خطيرا إلا وهو مثبت على صاحبه في علم الله ، ومحاسب عليه ، ومجزي به ، والرابح من حاسب نفسه قبل أن يحاسب (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ). المتقون هم الذين نظروا لأنفسهم ، ولم يعرضوها للتهلكة بمعصية الله ، وحاسبوها على كل صغيرة وكبيرة ، فكانوا عند الله من المقربين.

٢٠٢

سورة الرّحمن

٧٨ آية مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

خلق الانسان علمه البيان الآة ١ ـ ١٣ :

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))

اللغة :

البيان كل ما دل على القصد. وبحسبان بتقدير وتدبير. والنجم من نجم الشيء إذا طلع ، والمراد به هنا النبات الذي لا ساق له كالهندباء في قبال الشجر الذي له ساق. والأنام الخلق. والأكمام جمع كم بكسره الكاف ، وهو غلاف الثمرة ووعاؤها. والعصف ورق الشجر. والريحان النبات المعروف ، وقيل : المراد به كل نبت طيب الرائحة. والآلاء النعم.

٢٠٣

الاعراب :

قال صاحب مجمع البيان : الرحمن خبر لمبتدأ محذوف ، والأرجح انه مبتدأ وما بعده خبر. ورفعها مفعول لفعل محذوف يفسره الفعل الموجود. والمصدر من أن لا تطغوا مفعول من أجله لوضع أي وضعه لئلا تطغوا فيه.

المعنى :

(الرَّحْمنُ). ذكر سبحانه في هذه السورة العديد من نعمه على عباده ، وابتدأها جل وعز بكلمة الرحمن لأنها تومئ الى الإنعام والأفضال.

(عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أي نزّله. والقرآن يشبه الكون في جهات ، منها ان القرآن من كلامه تعالى ، والكون وجد بكلمة «كن». ومنها ان كلا منهما يدل بالحس على قدرة الله وعظمته ، فالكون تراه العيون ، والقرآن تسمعه الآذان ، ومن ثم قال أحد المؤمنين : ان لله كتابين : أحدهما يتلى ويسمع ، وهو القرآن. وثانيها ينظر ويلمس ، وهو الكون. ومنها ان كلا من الكون والقرآن فيض من قدرة الله وحدها ، ويستحيل أن يأتي أحد بشيء من مثله. ومنها ان كلا منهما نعمة كبرى أسبغها سبحانه على الإنسان ، فهو يتمتع بخير الأرض والسماء ، ويهتدي بنور القرآن الى طريق الهناء وسعادة الدارين .. ولذا امتنّ سبحانه على الإنسان بالشمس والقمر والأرض والمطر ، وبالرياح والزرع والأشجار والأنعام .. الى ما لا يبلغه الإحصاء.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ). المراد بالبيان كل ما يدل على المقصود من لفظ أو خط أو رسم أو اشارة .. أجل ، ان الكلام أظهر افراد البيان ، وأداته وهو اللسان أطوع أعضاء الإنسان للإنسان ، وأكثرها حركة ، وأعظمها سرعة ، ولا يعرف التعب والملل ، ولا توجد هذه الصفة في سائر الأعضاء.

والبيان وبخاصة الكلام من أعظم النعم وأتمها ، فبه يعبّر الإنسان عن مقاصده ، ويفهم مقاصد الآخرين ، ويتجاوب معهم ويتعاطف ، ويقضي حاجته وحاجة غيره ، وبالبيان يستبين الكفر والايمان ، وعليه ترتكز العلوم والآداب والفنون ،

٢٠٤

وتعرف الأديان ، قال بعض العلماء : «كل ما يتناوله العلم يعبر عنه بالبيان ، ولا شيء إلا والعلم متناول له».

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ). أي يجريان بانتظام كامل ، وقوانين ثابتة ، وبهذا الانتظام تحفظ الحياة على الأرض ، وتختلف الفصول ، وتعرف الأوقات (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ). قال أكثر المفسرين : المراد بالنجم هنا النبات الذي لا ساق له كالبقل لأن الله سبحانه ذكره مع الشجر في مقابلة الشمس والقمر ، أما السجود هنا فمعناه ان كلا من البقل والشجر يدل على وجود الله وعظمته بما فيه من دقة الصنع. أنظر تفسير الآية ٤٤ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٤٧ فقرة «كل شيء يسبّح بحمده».

(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ). المراد بالسماء ما فيها من الكواكب ، وبالميزان كل ما تعرف به حقائق الأشياء ومقاديرها ماديا كان كالصاع والمتر والميزان ذي الكفتين ، أو معنويا كالوحي وبديهة العقل والفطرة ، ومراد أيضا ان هذا الكون العجيب قد انتظم واستقام لأن الله سبحانه قد رفع الكواكب الى مواقعها الطبيعية بحيث لو انحرف كوكب منها عن المكان الذي قدره الله له لاختل نظام الكون وتبدل كل شيء .. وأيضا لا يستقيم أي مجتمع بشري إلا إذا خضع لموازين أخلاقية (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ). المراد بالطغيان هنا الاعتداء بالسلب والنهب ، والمراد بالخسران الاعتداء بعدم تسليم الحق لذويه : والقسط هو ترك الاعتداء بشتى أنواعه ، فتؤدي ما عليك ، ولا تأخذ أكثر من حقك .. ومستحيل أن يعيش المجتمع حياة هادئة لا مشاكل فيها ولا تعقيد إذا أهمل الحق والعدل ، وساد فيه الطغيان والخسران.

والخلاصة ان هذه الآية ـ على ايجازها ـ قد أشارت الى ما يتم به ويستقيم نظام الكون والمجتمع ، والأول نظام تكويني ، وقد أتمه الله سبحانه على أكمل وجه ، والثاني نظام تشريعي أوجب سبحانه على عباده مراعاته والعمل بموجبه.

(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) فراشا ومعاشا ، والمراد بالأنام كل ما فيه روح من انسان وحيوان (فِيها فاكِهَةٌ) كثيرة وغيرها من الأطعمة والأشربة (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) وهي أوعية الطلع تنشق وتخرج منها الثمار عند بلوغها النضج ،

٢٠٥

وانما خص سبحانه شجرة النخل بالذكر لمكانتها عند العرب آنذاك (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ). الحب لقوت الإنسان ، والعصف ، وهو ورق الشجر والنبات ، لقوت الحيوان (وَالرَّيْحانُ) للشم والزينة .. طعام وفاكهة وأزهار .. كل ذلك من خيرات الأرض وبركاتها التي أنعم الله بها على عباده .. وهم يعيثون فيها فسادا وطغيانا.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ). الآلاء النعم ، والخطاب في تكذبان للجنّ والانس بدليل قوله تعالى : (لِلْأَنامِ) الشامل للنوعين بالاضافة الى ما يأتي من قوله في هذه السورة: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). والمعنى هل ينكر أحد من الجن والانس شيئا من النعم التي ذكرها الله سبحانه؟ وكيف يجحدها ، وهو يتقلب فيها ويتمتع بها؟ .. وربما استظهر بها على عباد الله.

كل يوم هو في شأن الآية ١٤ ـ ٣٠ :

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠))

٢٠٦

المعنى :

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ). المراد بالإنسان آدم أبو البشر ، والصلصال الطين اليابس غير المطبوخ ، فإذا طبخ فهو فخار. وفي ج ٤ ص ٤٧٤ جمعنا بين أربع آيات ، وهي (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ـ ٢٦ الحجر. والآية ٥٤ من سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً). والآية ٥٩ من سورة آل عمران (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ). والآية ٢ من سورة الأنعام (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ). وأثبتنا انه لا طريق الى معرفة أصل الإنسان إلا الوحي من خالق الإنسان ، وعند تفسير الآية ١١ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٠٥ فقرة «حول أصل الإنسان» أشرنا الى الرد على نظرية «داروين».

(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ). قلنا مرات : نحن نؤمن بوجود الجن لأن الوحي أثبته ، والعقل لا ينفيه. وعند تفسير قوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) ـ ٢٧ الحجر ج ٤ ص ٤٧٥ ـ قلنا : ان علماء الاختصاص اكتشفوا نوعا من الحشرات لا تحيا إلا بالهواء السام ، ونوعا آخر لا يحيا إلا في آبار البترول والمواد الملتهبة ، ومعنى هذا ان عناصر الكائنات الحية على أنواع ، منها من ماء ومنها من نار ، وأيضا منها في عالم الشهادة ومنها في عالم الغيب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبخلق الإنسان من صلصال كالفخار أم بخلق الجان من مارج من نار أم غيره؟. ومارج لهب بلا دخان. وأخشى ان يقول الذين يطبقون الوحي على العلم الحديث : ان هذا المارج يشير الى اكتشاف الغاز والسبيرتو.

أما تعدد قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فهو لتعدد الأسباب الموجبة ، وهي النعم المسئول عنها واختلاف أنواعها ، تماما كما تقول لمن تراكمت عليه أياديك : لقد أنقذتك من يد عدوك بعد ان تمكن منك ، وأعطيتك الأموال ، فبأيهما تكذّب؟ وعلّمت أولادك ، وبنيت لك دارا ، فبأيهما تكذّب؟. ـ اذن ـ فلا تكرار ولا تأكيد لشيء واحد.

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ). المراد بالمشرقين والمغربين هنا مشرقا الشمس

٢٠٧

والقمر ومغرباهما ، وهذا المعنى هو المتبادر إلى الأذهان دون غيره .. وليس من شك ان أكثر الأحياء تحتاج إلى شروق الشمس والقمر وغروبهما ، بل قالوا : ان الحياة لا تستقيم على الأرض إلا بذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبنعمة الشروق أم نعمة الغروب أم غيرها؟

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ). تطلق كلمة بحر على الماء الكثير عذبا كان أم غير عذب ، والمراد بالبحرين هنا مياه البحار والأنهار ، ومرج أي التقى طرفاهما واختلطا ، والبرزخ الحاجز ، والمراد به هنا قدرة الله تعالى ، ولا يبغيان أي لا يبغي أحدهما على الآخر ، فيغيره عما كان عليه. انظر تفسير قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) ـ ٥٣ الفرقان ج ٥ ص ٤٧٢ .. ولكل من البحار والأنهار منافع ومغانم لخلق الله وعباده (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبنعمة البحار أم نعمة الأنهار أم غيرها؟.

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ). لقد حار أكثر المفسرين أو الكثير منهم في تفسير هذه الآية. ذلك بأنهم جزموا ان اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحر المالح ، مع ان الله سبحانه قال : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا). أي من العذب وغيره .. وقد تمحلوا في التأويل والتخريج .. أما الرازي فقال : كيف يمكن الجزم بأن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من الماء المالح ، والذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد قد خفيت عليهم الأمور الأرضية فكيف بما في قعر البحار؟ وهب ان الغواصين ما أخرجوا اللؤلؤ إلا من المالح وما وجدوه إلا فيه ، لكن لا يلزم من هذا ان لا يوجد في غيره .. فظاهر كلام الله أولى بالاعتبار من كلام الناس.

ونحن على هذا المنطق القويم ، ويؤيده قول الشيخ المراغي في تفسيره : «قد ثبت في الكشف الحديث ان اللؤلؤ كما يستخرج من البحر الملح يستخرج من البحر العذب ، وكذلك المرجان وان كان الغالب انه لا يستخرج إلا من الماء الملح (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي هذه النعم تكذبان.

ونسب الى الشيعة الامامية انهم يعتقدون بأن المراد بالبحرين على وفاطمة ، وبالبرزخ محمد (ص) ، وباللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين ، وأنا بوصفي الشيعي

٢٠٨

الامامي أنفي هذه العقيدة عن الشيعة الامامية على وجه الجزم والإطلاق وانهم يحرمون تفسير كتاب الله تفسيرا باطنيا ، وإذا وجد منهم من يقول : المراد بالبحرين علي وفاطمة الخ فانه لا يعبر إلا عن رأيه الخاص ، وقد جاء مثله في بعض تفاسير السنة ، من ذلك تفسير الدر المنثور للسيوطي الشافعي : «أخرج ابن مردويه عن ابن عباس ان البحرين علي وفاطمة ، والبرزخ النبي واللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين ، وأيضا أخرج هذا عن انس بن مالك». وأغرب من هذا ان إسماعيل حقي نقل في تفسيره روح البيان عن بعض العلماء : ان نصف الثمانية الذين أشار اليهم سبحانه بقوله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) هم أبو حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل.

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ). الجوار السفن ، والمنشآت المصنوعات أو المرتفعات ، والأعلام الجبال ، والمعنى ان السفن تجري في الماء بما ينفع الناس. وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية ٣١ من سورة لقمان ج ٦ ص ١٦٨ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبخلقكم وخلق مواد السفينة أم بإجرائها في الماء أم غيره؟ (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ). المراد بوجه الله ذاته تعالى ، وهو ، جلت عظمته ، حي بالذات كما هو موجود بالذات .. وكل ما هو موجود بالذات لا يفنى ولا يتغير ، وهو سبحانه مصدر الحياة وواهبها (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبحلاله وعظمته أم بجوده وكرمه أم بغير ذلك من النعم.

الله والانيان وابن عربي :

لمحيي الدين ابن عربي في الجزء الرابع من الفتوحات كلام حول قوله تعالى : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) هذا توضيحه : انما عطف سبحانه الإكرام على الجلال لأن الإنسان إذا سمع وصف الله بالجلال دون الإكرام تملّكه اليأس والقنوط من الوصول إلى الله تعالى لأنه لا يرى نفسه شيئا في جنب العظمة الإلهية .. فأزال سبحانه هذا الوهم عن الإنسان ، أزاله بعطف الإكرام على الجلال لأن الجمع بين هذين الوصفين معناه ان الله وإن كان عظيما فإنه يكرم الإنسان وينظر اليه بعين

٢٠٩

العناية تفضلا منه وكرما ، ولما علم الإنسان بمكانته هذه عند الله أحس بكرامته ، وشعر بأنه لو لم يكن كريما لما اعتنى الله به هذه العناية .. وزاد تعظيما لله لأنه علم بأنه عظيم عند الله.

ونعطف على قول ابن عربي ان من أنكر وجود الله فقد أسقط نفسه عن كل اعتبار ، وتنكّر لذاته وكرامته من حيث لا يريد لأنه أساء لمن أوجده وكرّمه واستحق منه العذاب (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٨٢ القصص.

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). المراد بالسؤال هنا الحاجة والافتقار ، والمعنى ان جميع الكائنات تفتقر اليه سبحانه في بقائها وفي جميع حالاتها كما تفتقر اليه في أصل وجودها ، وانه يمدها بالبقاء في كل لحظة بحيث لو تخلى عنها طرفة عين فما دونها لم تكن شيئا مذكورا (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). المراد باليوم هنا الوقت من غير تحديد ، والمعنى ما من كائن إلا وينتقل من حال إلى حال على مدى الأيام ، ولذا قيل : دوام الحال من المحال ، والكائن في جميع حالاته مفتقر إلى الله تعالى ، فالقوي يفتقر اليه في بقاء قوته ، والضعيف مفتقر اليه لازالة ضعفه .. وليس معنى هذا ان يقعد الإنسان عن السعي والعمل تاركا الأمر إلى الله .. كلا ، فإن الله سبحانه قد أمر بالسعي وحث عليه وهو القائل : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ـ ٣٩ النجم وإنما معناه ان يعمل الإنسان معتقدا ان وراءه قوة خفية تعينه على العمل وتمهد له سبيل النجاح (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟. أبما يمدكم به من العناية في كل آن أم بغيره من النعم؟.

لا تنفذون إلا بسلطان الآية ٣١ ـ ٤٥ :

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما

٢١٠

شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))

اللغة :

المراد هنا بسنفرغ لكم مجرد التهديد لأن الله سبحانه لا يشغله شأن ولا يصفه لسان ومعناه سنحاسبكم. والثقلان الانس والجان. ومن معاني الشواظ لهب بلا دخان. ومن معاني النحاس دخان بلا لهب. ووردة أي لونها كحمرة الورد. والدهان ما يدهن به. والسيما العلامة. والنواصي جمع ناصية وهي مقدم الرأس. والحميم الماء الحار. والآن الحاضر.

المعنى :

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أي سنحاسبكم ، وهو تهديد ووعيد لمن أذنب وتمرد من الانس والجان. وفي البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي «سمي الانس والجان بالثقلين لثقلهما على وجه الأرض» ، وفي الحديث : اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي سميا بذلك لعظمهما وشرفهما». (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟. أبقدرته تعالى على البعث والحساب والجزاء أم بماذا؟. والحساب والجزاء من أعظم النعم على الخلق وإلا كان المظلوم أسوأ حالا ومآلا من الظالم.

٢١١

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ). أبدا لا نجاة لكم من لقاء الله ، ولا مهرب من أرضه وسمائه إلا ان تفروا من الله إلى الله بتوفيق منه إلى التوبة والاقلاع عن الذنب ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (إِلَّا بِسُلْطانٍ) لأن التوبة والانقطاع اليه تعالى قوة وحصن يقي التائب المخلص من غضب الله وعذابه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبقدرته عليكم ام بتحذيره وإنذاره ام بغير ذلك؟.

(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ). قالوا : الشواظ لهب بلا دخان ، والنحاس هنا دخان بلا لهب ، ومهما يكن فإن المعنى المحصل من الآية هو الاشارة إلى أهوال الساعة وآلامها ، وان المجرم لا خلاص له من هذه الآلام والأهوال بشفيع ولا ناصر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبعذاب من طغى وبغى أم بماذا؟ (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ). تذوب السماء بما فيها من كواكب كما يذوب الدهن على النار ، ويصبح لون هذا السائل كحمرة الورد .. والغرض من هذا التشبيه وما اليه مما جاء في سائر الآيات هو الاشارة الى خراب الكون ودماره يوم تقوم الساعة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ ومن أظلم وأشقى ممن كذّب بالصدق وتعالى على الحق؟.

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ). وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ـ ٢٤ الصافات إذا فعلنا ذلك تبين لنا ان في يوم القيامة مواقف يسأل الناس في بعضها عما كانوا يعملون ، وفي بعضها لا سؤال ولا جواب بل انتظارا للسؤال والحساب أو بعد الفراغ منه. انظر تفسير الآية ٦٥ من سورة يس ج ٦ ص ٣٢١ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ أبموقف العرض للحساب أم بموقف الانتظار له؟ وكلاهما ضنك وأليم ، ما في ذلك ريب .. ولكن الجزاء نعمة من الله حيث (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ). يؤخذ مبني للمجهول ، وبالنواصي مفعول نائب عن الفاعل وهم ملائكة العذاب ، والمعنى ان للمجرمين علامات تدل عليهم وتميزهم عن الصالحين ، وفوق ذلك تجمع ملائكة العذاب نواصيهم الى أقدامهم بالقيود والأغلال ، ويسحبونهم في النار على وجوههم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) من المواعظ والزواجر.

٢١٢

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ). هذا أبلغ جواب لمن كذّب بعذاب الله ، وهو أن يلقى فيه : (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) ـ ٤٢ سبأ.

(يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ). ضمير بينها يعود الى جهنم ، والحميم شراب حار ، أما وصفه بالآن فإنه يوحي بأن هذا الشراب بلغ الغاية والنهاية من الحرارة حتى كأن المجرمين يشربون منه وهو على النار ، والمعنى لا عمل للمجرمين إلا التردد بين الجحيم وشراب الحميم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟. بعذاب الجحيم أم بشراب الحميم؟ وكل منهما نعمة من الله لأنه حكم العدل ، وسيف الحق.

هل جزاء الاحسان إلا الاحسان الآية ٤٦ ـ ٧٨ :

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما

٢١٣

عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨))

المعنى :

بعد أن هدد سبحانه وتوعد من طغى وبغى أمّن ووعد من اتقى وصدق بالحسنى ، وعده بجنة تفوق الوصف بطعامها وشرابها وحورها وولدانها وأشجارها وأنهارها وأثاثها وحليها .. إلى ما نعرف له مثيلا وما لا نعرف .. وأكثر هذه الآيات واضحة المعنى لا تحتاج إلى تفسير ، بالاضافة إلى انها تكرار لما سبق ، لذا نختصر في التفسير إلا إذا مست الحاجة.

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ). المراد بمقام الله انه قائم على كل نفس يعلم سرها وجهرها. وعن الإمام جعفر الصادق (ع) : ان من علم ان الله يراه ويسمع ما يقول فيحجزه ذلك عن القبيح فقد خاف مقام ربه .. وللمفسرين أقوال في معنى الجنتين ، أقربها إلى الافهام انهما حديقتان في الجنة لأن الجنة في اللغة الحديقة ، ويؤيد ذلك قوله تعالى في وصف الجنتين : (ذَواتا أَفْنانٍ) أي أغصان تمتد وتورق وتثمر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟. هل تكذبان يا معشر الجن والانس بهذه النعمة التي ذكرتها؟. وكل سؤال يأتي بهذه الصيغة فالمسئول عنه هو نفس النعمة التي ذكرها سبحانه قبل السؤال ـ اذن ـ لا داعي لذكره وبيان المسئول عنه.

٢١٤

(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) المعنى واضح ومع هذا قال أحد المفسرين : أي تسرحان .. وقال آخر : أي تجريان بين الشجر .. وقال ثالث : اسم إحداهما التسنيم ، واسم الأخرى السلسبيل .. وقال رابع : تجريان لمن كانت عيناه تجريان بالدموع خوفا من الله .. ولا مصدر لهذه التفاسير إلا حرص أصحابها على الكلام .. ولما ذا يحرصون على الكلام؟ لأنهم مفسرون .. (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ). للفاكهة الواحدة نوعان كالعنب والزبيب ، والتمر والرطب ، والتفاح السكري وغيره ـ مثلا ـ (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وهو الحرير الغليظ (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ). الجنى الثمر ، ودان قريب ، ومثله (قُطُوفُها دانِيَةٌ) ـ ٢٣ الحاقة. (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ). قال صاحب البحر المحيط : «ضمير فيهن عائد الى الجنان الدال عليهن جنتان في الآية السابقة ، إذ كل فرد له جنتان ، فصح انها جنان كثيرة» أما ضمير قبلهم فيعود الى أزواج الحور ، وقاصرات الطرف صفة لموصوف مقدر ، وهو الحور ، والمعنى ان الحور لا ينظرن الى غير أزواجهن ، وأيضا هن أبكار كما خلقن (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) بهاء وجمالا.

الأجر حق والزيادة تفضل :

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). كل ما يراه الناس حسنا أو إحسانا فهو عند الله كذلك ، شريطة ان لا يأباه العقل السليم ولا ينهى عنه الشرع القويم ، وإلا فإن أهل الجاهلية كانوا يستحسنون عبادة الأصنام وظلم الضعيف بخاصة المرأة. حتى في عصرنا يستحسن الملايين عبادة الأصنام والإنسان ، ويجعلون لله أولادا وأندادا .. وما من شك ان هذه من أقبح العادات .. فإذا عمل الإنسان عملا ، ورآه الناس حسنا ، ولم يرد فيه نهي من العقل والشرع ـ فإن صاحبه يستحق من الله الأجر والكرامة ، ويزيده من فضله أضعافا على ما يستحق : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ـ ٢٦ يونس.

وقال جماعة من علماء الكلام : ان الثواب من الله على فعل الواجب تفضل لا مكافأة فيه ولا استحقاق. وقال آخرون : بل هو مكافأة واستحقاق. وقال الإمام

٢١٥

علي (ع) : «لو كان لأحد ان يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه ، ولكنه جعل حقه على العباد ان يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله».

ومعنى هذا ان الله له وعليه ، ولا شيء أصرح في الدلالة على ذلك من قوله : «لو كان لأحد ان يجري ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه». فلله سبحانه الطاعة على عباده ، وعليه ، جلت حكمته ، الأجر والمكافأة على مقدار العمل ، وما زاد فهو تفضل منه تعالى وتوسع. ويتفق هذا مع حكم العقل والفطرة ، فإن الناس كل الناس يرونك مفضلا ومحسنا إذا أعطيت من عمل لك فوق أجرته واستحقاقه ، أما إذا أديته أجرة عمله بلا زيادة ونقصان فأنت عندهم من الأوفياء ، لا من المحسنين الكرماء. هذا ، الى ان الإسلام بأصوله وفروعه يبتني على فكرة العدل ، والأجر على العمل حق واجب الأداء في منطق العدل وحكمه. (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ). الضمير في دونهما يعود الى الجنتين في قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) أي ان هناك جنتين أخريين ، أوصافهما أدنى من أوصاف السابقتين ، ومعنى هذا ان في الجنة درجات متفاضلات ، ومنازل متفاوتات تبعا لدرجات المؤمنين في ايمانهم ، وتفاوت العاملين في أعمالهم ، وهذا ما يستدعيه منطق الحق ومبدأ العدل ، وبه يتبين ان الجنتين في قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) هما للذين أقوى إيمانا ، وأنفع أعمالا ، وأكثر جهادا من غيرهم ، وان الجنتين في قوله : (مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) هما للذين أقل عملا وجهادا من أصحاب الجنتين الأوليين (مُدْهامَّتانِ) أي يميل لونهما الى السواد من من شدة الخضرة (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) ينبع منهما الماء ، أما العينان المتقدمتان فإنهما تجريان ، والنضخ دون الجري وكما ان الجنتين هنا دون الجنتين هناك كذلك العينان.

(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ). قال بعض المفسرين : ان النخل والرمان ليسا من الفاكهة ، ولذا عطفا عليها. وقال الرازي : الفاكهة منها أرضية كالبطيخ ونحوه ، ومنها شجرية كالنخل وغيره ، وعليه يكون عطف النخل والرمان على الفاكهة من باب عطف الخاص على العام (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ). نساء خيرات

٢١٦

في أخلاقهن حسان في خلقهن (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ). قال صاحب مجمع البيان : أي محبوسات في الحجال ، وهي قباب تضرب على النساء الملازمات للبيوت. وقال غيره : بل المراد الخيام بالذات ، فإن لبعضها من الجمال والروعة ما ليس لكثير من البيوت .. وهذا أقرب لظاهر اللفظ من الحجال (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) أي انهن أبكار. وتقدم بالحرف في الآية ٥٦ من هذه السورة (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ). الرفرف الوسادة أي المخدة أو المسند ، والعبقري ضرب من البسط (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ). لله العظمة والكبرياء ، ومنه الإكرام والإفضال على خلقه. انظر فقرة «الله والإنسان وابن عربي» عند تفسير الآية ٢٧ من هذه السورة.

٢١٧

سورة الواقعة

٩٦ آية مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اذا وقعت الواقعة الآية ١ ـ ٢٧ :

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦))

٢١٨

اللغة :

الواقعة القيامة. وبسّت فتت. وهباء منبثا غبارا متفرقا. وأزواجا أصنافا. وأصحاب الميمنة هم الذين يعطون كتبهم بإيمانهم. وأصحاب المشأمة هم الذين يعطونها بشمالهم. والثلة الجماعة. وموضونة منسوجة. وأكواب جمع كوب وهو قدح لا عروة له ولا خرطوم. وأباريق جمع إبريق له عروة وخرطوم. وكأس إناء يشرب فيه. ومعين ظاهر للعيان أو مأخوذ من عين لا تنضب. لا يصدعون لا يصيبهم من شرابها أي شيء من الصداع وغيره. ولا ينزفون لا يفنى شرابها. والمكنون المصون. واللغو سقط القول. والتأثيم ما يستوجب الإثم.

الإعراب :

خافضة رافعة خبر لمبتدأ محذوف أي هي خافضة ، والجملة جواب إذا وقعت خلافا للكثير من المفسرين لأن المعنى يستقيم على هذا الاعراب ، وليس لوقعتها كاذبة اعتراض بين الشرط وجوابه. وإذا رجت بدل من إذا وقعت. فأصحاب الميمنة مبتدأ أول و «ما» استفهام مبتدأ ثان وأصحاب الميمنة خبر «ما» والجملة خبر المبتدأ الأول ، ومثله وأصحاب المشأمة ، والرابط اعادة المبتدأ بلفظه. والسابقون مبتدأ والثانية تأكيد ، وأولئك مبتدأ ثان والمقربون خبر «السابقون». وفي جنات متعلق ب «المقربون». وثلة خبر لمبتدأ محذوف أي هم ثلة. ومن الأولين متعلق بمقدر صفة. وعلى سرر متعلق بمحذوف حالا. متكئين حال من الضمير الذي تعلق به على سرر. متقابلين حال من ضمير متكئين. وكأس وفاكهة ولحم عطف على أكواب. وحور عين مبتدأ والخبر محذوف أي ولهم حور عين.

وجزاء مفعول من أجله لفعل مقدر أي يفعل الله ذلك جزاء. وقيلا استثناء منقطع. وسلاما بدل من قيل.

المعنى :

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ). المراد بالواقعة هنا القيامة ، والمعنى

٢١٩

ان الناس في الحياة الدنيا بين مصدق ومكذب بأمر الآخرة ، أما إذا جاءت ووفيت كل نفس ما كسبت فعندئذ تعترف ولا تكذب .. كيف والآخرة (خافِضَةٌ رافِعَةٌ). تخفض المجرمين ، وترفع المتقين (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا). يشير سبحانه بهذا الى خراب الكون ، فالأرض تدمرها الزلازل ، والجبال تتحول الى غبار.

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً). يجمع الله الناس يوم القيامة ، ويجعلهم ثلاثة أصناف : ١ ـ (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). وهم الذين يعطون غدا كتبهم بإيمانهم ، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) ـ ٢٠ الحاقة. وهذا الصنف وان كان من الناجين ، ولكنه دون الصنف الثالث.

٢ ـ (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ). وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم ، قال سبحانه : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) ـ ٢٧ الحاقة.

٣ ـ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ). أطلق سبحانه هنا السبق ولم يبين الى شيء يسبقون ويسرعون ، ولكن بينه في مكان آخر : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) ـ ٦١ المؤمنون فالسابقون ـ اذن ـ هم الذين يؤمنون بالله وحده لا شريك له ، وباليوم الآخر ، ولا يتوانون عن طاعته خوفا من غضبه وعذابه ، ويضحون بالغالي في سبيله طلبا لمرضاته وثوابه (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ). لهم الحظ الأوفر من التقريب الى جلاله تعالى ، والنصيب الأكبر من نعيمه.

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ). السابقون الذين لهم عند الله المنزلة العليا هم جماعة كثيرة من الأولين ، وقليلة من الآخرين .. واختلف المفسرون في من هم الأولون والآخرون في هذه الآية؟. فقال فريق منهم : ان المراد بالأولين من آمن وسبق الى الخيرات قبل محمد (ص). وقال الفريق الآخر : ان كلا من الأولين والآخرين من أمة محمد (ص) .. وفي رأينا ان الأولين اشارة الى عصر

٢٢٠