التّفسير الكاشف - ج ٧

التّفسير الكاشف - ج ٧

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٣٩

كله كاميرا تصور من وراء الجدران كل ما يفعله الإنسان بالحمام والمخدع في أحلك الظلمات .. وأيضا يمكن رسم وشم على الطفل ساعة ولادته ، وبسبه ترصد جميع حركاته طول حياته .. ويوجد في أنحاء الولايات المتحدة شركات تجمع المعلومات والتحركات الخاصة للشخصيات السياسية والعلمية والأدبية والمالية وغيرهم وتسجل أقوالهم وتصور أفعالهم حتى الجنسية مع الزوجات وغيرهن ، وتزود من شاء بهذه المعلومات مقابل دولار واحد ، وتسمى هذه الشركات بنوك المعلومات .. كل ذلك وما اليه يحدث على علم من السلطة دون أن تحرك ساكنا ، لأنه معتاد ومألوف تماما كبيع الجرائد».

هذا قليل من كثير .. فقد ألّف الباحثون كتبا خاصة في هذا الموضوع ، ولو اقتصر تجسس الأمريكين على بعضهم البعض لقلنا مع الموالين لهم : ان لكل بلد تمام الحرية في أن يختار لنفسه ما يشاء .. ولكن الأمريكيين تجاوزوا ذلك الى التجسس على دول الأرض وشعوبها بالطائرات والأقمار الصناعية .. ولا تعجب أيها القارئ فإن الولايات المتحدة بلد الحضارة والديمقراطية ، وسيدة العالم الحر ، وقائدة الاستعمار الجديد ، وفوق ذلك تؤمن بالله والمثل العليا ... ولا شيء أدل على إيمانها بالله واليوم الآخر من مذبحة «سنونج ماي» (١) بفيتنام الجنوبية ، ومن تزويدها إسرائيل بأحدث الأسلحة لتقضي بها على شعب فلسطين ، وتقتل أبناءه بالجملة ، وتلقي الصواريخ من طائرات الفانتوم على أطفال المدارس في الجمهورية العربية المتحدة ... حقا ان الولايات المتحدة أعظم دولة في هذا الميدان .. والعاقبة للمتقين.

الغيبة :

٣ ـ (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ

__________________

(١). هي قرية مسالمة تضم ٥٠٠ نسمة معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال ، ذبح الجنود الامركيون جميع من فيها بابشع صورة ، ولم يبقوا منها باقية .. حدثت هذه الجريمة المذهلة في الشهر الثالث من سنة ١٩٦٨.

١٢١

وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). الغيبة أن تذكر شخصا معينا بما يكره ، قال الرسول الأعظم (ص) : «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ، فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» والبهتان أعظم من الغيبة ، وهي محرمة كتابا وسنّة واجماعا.

وقد شبّه سبحانه من استغيب بالميت لأنه غائب ، وشبّه عرضه بلحمه ، وقول السوء فيه بالأكل والنهش. ومعنى فكرهتموه : أنفتم من أكل لحم الميت فينبغي أن تأنفوا من غيبة الغائب أيضا لأنهما من باب واحد ، ولا شيء أدل من الغيبة على الخسة والضعة ، قال الإمام علي (ع) : «الغيبة جهد العاجز» والله سبحانه لا يغفر الغيبة حتى يغفرها من استغيب .. واستثنى الفقهاء من تحريم الغيبة الملحد ، والحاكم الجائر ، والفاسق المعلن بالفسق لأن من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ، ونصح من استشارك في مشاركة شخص معين أو توكيله في أمر هام ، وتجريح الشاهد عند القاضي ، وراوي حديث الرسول (ص) ، والمتظلم من ظالمه ، قال تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ـ ١٤٨ النساء. وفي مكاسب الشيخ الأنصاري : «ان موارد استثناء الغيبة لا تنحصر في عدد لأن الغيبة انما تحرم إذا لم يكن في التشهير مصلحة أقوى وإلا وجب الإعلان والتشهير تغليبا لأقوى المصلحتين ، كما هي الحال في كل معصية من حقوق الله وحقوق الإنسان». أنظر ج ٢ ص ٤٧٧.

أكرمكم عند الله أتقاكم الآية ١٣ ـ ١٨ :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ

١٢٢

شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))

اللغة :

شعوب جمع شعب وهو أعظم من القبيلة. والأعراب سكان البادية. والمراد بالإسلام هنا النطق بالشهادتين. لا يلتكم لا ينقصكم.

الإعراب :

لتعارفوا الأصل لتتعارفوا ، والمصدر المنسبك متعلق بجعلناكم. ولما يدخل أي لم يدخل بعد. وشيئا مفعول مطلق ليلتكم. وأولئك مبتدأ والصادقون خبر وهم ضمير فصل ، والجملة خبر «المؤمنون». والمصدر من أن أسلموا مجرور بباء مقدرة ، ومثله ان هداكم.

المعنى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا

١٢٣

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). كل الناس يعلمون ان الأب آدم والأم حواء .. ولكن الغرض من قوله تعالى : (خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) ان يعلم الناس ، كل الناس ، انهم اخوة والاخوة سواسية في الحقوق والواجبات ، قوله : (لِتَعارَفُوا) فمعناه ليس القصد من اختلافكم في البلدان والأنساب والألوان أن تتفرقوا شيعا ، وتتناحروا وتتفاخروا بشعوبكم وآبائكم وأجناسكم .. كلا ، وإنما القصد أن تتعاطفوا وتتعاونوا على ما فيه خيركم وصلاحكم .. وأفضل الناس عنده تعالى أخوفهم منه ، وأنفعهم لعباده.

وهذه الآية دعوة من القرآن الكريم إلى أمة انسانية وعالم واحد يجمعه العدل والمحبة ، وهذا العالم أمل الصفوة من المفكرين وحلم المصلحين ، وفي يقيننا ان الاعتراف بحقوق الإنسان سيظل حبرا على ورق ومجرد نظرية إذا لم تتحقق الوحدة الانسانية الشاملة التي دعا اليها القرآن منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة .. فلقد وقّعت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل وثيقة حقوق الإنسان ، ومع ذلك تقترف الأولى جريمة إبادة الجنس البشري في شعب فيتنام والثانية في شعب فلسطين.

أكتب هذه الكلمات يوم ٢٣ نيسان سنة ١٩٧٠ واللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة تحقق في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان ، وقد سجلت اللجنة في محاضرها ان إسرائيل هدمت في الأراضي المحتلة على المدنيين بيوتهم رجالا ونساء وأطفالا وتركت الجثث تحت الأنقاض ورفضت السلطات الاسرائيلية دفنها ، وانها تعتدي على الأماكن المقدسة والمستشفيات ، وتعذب المواطنين العرب بالنار والكهرباء ، وتستأصل الأعضاء الحساسة من أجساد الكبار ، وتقطع أيدي الصغار وتبقر بطونهم بمرأى من الآباء والأمهات .. الى غير ذلك من الجرائم الوحشية والابادة الجماعية.

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ ـ أي لا ينقصكم ـ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). عند تفسير الآية ٨٢ من سورة البقرة ج ١ ص ١٣٨ تكلمنا عن الفرق بين المؤمن والمسلم ، وننقل هنا ما ذكره الدكتور طه حسين حول هذه الآية في كتاب «مرآة الإسلام» لأنه أديب يستشهد بفهمه على أسرار البلاغة قال :

١٢٤

«كان في عهد النبي (ص) مؤمنون ومسلمون ، فما عسى أن يكون الفرق بين الايمان والإسلام؟. أما الايمان فالظاهر من هذه الآية انه شيء في القلب قوامه الإخلاص لله والتصديق بكل ما أوحى الى الرسول في أعماق الضمير ، ونتيجة هذا الايمان الاستجابة لله ولرسوله في كل ما يدعوان اليه من غير جمجمة ولا لجلجة ولا تردد مهما تكن الظروف والخطوب والكوارث والأحداث .. ولازمة أخرى من لوازم هذا الايمان هي الخوف العميق من الله إذا ذكر اسمه والثقة العميقة به إذا جد الجد وازدياد التصديق إذا تليت آياته .. والايمان يزيد وينقص .. أما الإسلام فهو الطاعة الظاهرة بأداء الواجبات واجتناب المحظورات وان لم يبلغ الايمان الصادق .. فمن الناس من يسلمون خوفا من البأس كما أسلم الطلقاء من قريش يوم فتح مكة ، ومنهم من يسلم خوفا وطمعا كالأعراب الذين ذكرهم الله في هذه الآية».

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) المؤمنون حق الايمان هم الذين لا تشوبهم الريبة في عقائدهم ، ويبذلون النفس والنفيس لاحقاق الحق وإبطال الباطل. وتقدم مثله في أكثر من آية ، من ذلك الآية ٨٨ من سورة التوبة ج ٤ ص ٨٢.

(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). قالت الأعراب : آمنا. فأجابهم سبحانه : أتخبرون الله بايمانكم ، وهو يعلم السر وأخفى ، وله الاحاطة بكل شيء ، والغلبة على كل شيء. ثم هل يكون الايمان بمجرد الادعاء؟. وكفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره.

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). المراد بمنّه تعالى لطفه وتفضله ، لأنه نهى عن المن ، وما كان الله لينهي عن شيء ثم يفعله ، والمراد بهدايته الى الايمان الإرشاد الى الحق والترغيب فيه ، والمعنى ان الاعراب ومن على شاكلتهم من أهل الجهل يمنون بدينهم على ربهم ونبيهم ، ويطلبون عليه الثمن .. والله سبحانه هو صاحب الفضل عليهم حيث أرشدهم الى الايمان ورغبّهم فيه على لسان نبيه الكريم ، فعليهم أن يحمدوه شكرا على تفضله وانعامه ، لا ان يمنوا ويطلبوا الثمن ... هذا ،

١٢٥

ان صدقوا في دينهم وأخلصوا في إيمانهم ، وإلا استحقوا من الله ما أعد للكاذبين والخائنين (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). يعلم سبحانه الايمان الصادق والكاذب ، ويميز بين الأعمال التي يطلبون بها الدنيا ، والأعمال التي يقصدون بها وجه الله ، والأعمال بشتى أنواعها مع الايمان أو الكفر هي ميزان العدل للحساب والجزاء.

١٢٦

سورة ق

٤٥ آية مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والقرآن المجيد الآة ١ ـ ١١ :

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١))

اللغة :

المجيد : الكريم العظيم. والرجع هنا الرد الى الحياة بعد الموت. وتنقص منهم

١٢٧

تأكل من لحومهم. ومريج مختلط ومضطرب. وفروج شقوق. ورواسي جبال. وكل زوج كل صنف. ومنيب راجع. وحب الحصيد حب الزرع المحصود. وباسقات طويلات. والطلع أول ما يخرج من النخلة في أكمامها. ونضيد منضود بعضه ملتصق ببعض وعلى بعض.

الإعراب :

والقرآن الواو للقسم والجواب محذوف انكم لمبعوثون ، والدليل على هذا الجواب «أئذا متنا الخ» .. والمصدر من ان جاءهم مجرور بمن مقدرة. وكيف مفعول مطلق لأن المعنى أيّ بناء بنيناها. وتبصرة وذكرى مفعول من أجله لأنبتنا. والحصيد صفة لمحذوف أي حب النبات الحصيد. والنخل عطف على حب. وباسقات حال من النخل. ورزقا مفعول من أجله.

المعنى :

(ق) تقدم الكلام عن مثله في أول سورة البقرة (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ). أقسم سبحانه بالقرآن لإظهار عظمته ، ووصفه بالمجيد لكثرة منافعه وفوائده (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ). أجل ، عجيب في منطق الذين ينظرون الى كل شيء من خلال المال ، ولا يرون الفضل والفضيلة إلا في البنك والعقار. وتقدم مثله في الآية ٢ من سورة يونس ج ٤ ص ١٣٠ والآية ٩٠ من سورة الإسراء و ٨ من سورة الفرقان و ٤ من سورة ص (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). أنكروا البعث لأنهم عاجزون عن إدراكه .. ونحن نؤمن بعجزهم هذا ، ولكن هل العجز عن إدراك الشيء دليل على عدم ثبوته؟. وأي عاقل يتخذ من جهله بالأشياء دليلا على نفيها ، أما الشبهة التي أوقعتهم بهذا الجهل فقد بينوها بقولهم : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)؟. وقال تعالى في جوابهم : (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ـ ٨٠ يس. وتكرر هذا المعنى في العديد من الآيات

١٢٨

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ). والكتاب الحفيظ كناية عن انه تعالى أحاط بكل شيء علما .. وهذه الآية جواب عن شبهة أوردها منكرو البعث ، وتوضيحها ان جسم الإنسان بعد الموت تأكله الأرض ، ويصبح بعض ذراتها المنتشرة في شرقها وغربها ، فكيف تجمع وتعاد الى ما كانت عليه؟ فأجاب سبحانه عن ذلك بأنه يعلم ان الأرض تأكل جسم الميت وان أجزاءه تنتشر في شرقها وغربها ، ومع هذا فهو قادر على جمعها وإعادتها الى الحياة.

شبهة الآكل والمأكول :

وتعرف هذه الشبهة عند الفلاسفة وعلماء الكلام بشبهة الآكل والمأكول .. وقد ذكرها الملا صدرا في المجلد الرابع من أسفاره ، وقال : «احتج من أنكر البعث بأنه «إن أكل الإنسان إنسانا فالأجزاء المأكولة ان أعيدت في بدن الآكل لم يكن الإنسان المأكول معادا ، وان أعيدت في بدن المأكول لم يكن الآكل معادا ، ولزم أن تكون الأجزاء المأكولة بعينها منعمة ومعذبة إذا أكل مؤمن كافرا .. وأجيب عن ذلك في الكتب الكلامية بأن المعاد هو الأجزاء التي منها ابتداء الخلق وهي الأعضاء الأصلية عندهم ، والله يحفظها ، ولا يجعلها جزءا لبدن آخر».

ثم قال صاحب الأسفار ما معناه : ان هذا الجواب لا يفي بالغرض ، والحق ان كل ما هو ممكن في نظر العقل ، ودل عليه الوحي يجب الايمان به ، والبعث ممكن عقلا ، وثابت وحيا ، فوجب التصديق والايمان ، أما أقيسة الفلاسفة وأهل المنطق فما هي بمعصومة عن الخطأ. هذا ما قاله صاحب الأسفار ، وهو الذي اعتمدنا عليه ، وذكرناه مرارا فيما تقدم .. وحاول بعض الشيوخ أن يثبت البعث الجسماني بحكم العقل مع صرف النظر عن الوحي ، ولكنه لم يأت إلا بالتكلف والتمحل.

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ). المراد بالحق هنا القرآن ، وبالمريج المختلط المضطرب ، وقد وصف به سبحانه حال الذين قالوا عن رسول الله (ص) : انه مجنون ، وتارة انه ساحر ، وأخرى انه كاهن ، وحينا انه شاعر .. وهكذا يخبط في التيه كل من حاد عن جادة الحق.

١٢٩

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ). المراد بالبناء هنا ان كواكب السماء محكمة في صنعها ، مستقرة في نظامها تسير عليه بكل دقة ، والمراد بالزينة الجمال ، أما قوله تعالى : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) فهو على حذف مضاف أي ما لكل كوكب من كواكبها فتوق وفطور ، كما في الآية ٣ من سورة الملك : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ). والمعنى ألم ينظر المكذبون بالبعث الى ان بناء الكواكب لا يشبه بناء البشر في شيء لأن كل كوكب على ضخامته هو قطعة واحدة لا فواصل فيه ولا انفصام ، أما البناؤون من البشر فإنهم يبنون لبنة فوق لبنة ، بينهما فتوق وفطور ، وهم أعجز من أن يبنوا بيتا صغيرا كبناء الكوكب الطبيعي.

والآية رد صريح وحجة دامغة على من استبعد فكرة البعث ، وقال : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). ووجه الرد : ان الذي خلق الكواكب بلا فتوق وفطور لا يعجز عن بعث الإنسان بعد موته لأن هذا أيسر من ذاك : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ـ ٥٧ غافر. والبعث خلق.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ). أي مهدناها وجعلناها مستقرا للإنسان ، وألقينا فيها رواسي أقمنا فيها الجبال كيلا تميد وتضطرب ، ومن كل زوج بهيج أخرجنا من الأرض أشكالا وألوانا من النبات يسر الناظرين ، ويطيب للآكلين. وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية ٣ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٤ (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ). خلق سبحانه الكون بما فيه من نظام وإحكام ليكون آية على عظمته تعالى لمن تدبر وأبصر ، وفيه اشارة الى ان علاقة الإنسان بالكون الذي يعيش فيه لا تنحصر بالمادة فقط ، بل هي قلبية أيضا.

(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ، وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ). الطلع أول ما يظهر من الثمر ، والنضيد المنضود المتراكم بعضه فوق بعض كحب السنابل .. وصف سبحانه الماء بالبركة لأنه لا حياة للأرواح والأجسام بلا ماء ، والمراد بحب الحصيد حب النبات المحصود ، ووصف النخل بالطول للاشارة الى ان النخلة وقت الانبات تكون قصيرة ، ثم ترتفع بالأسباب

١٣٠

التي أودعها الله بالطبيعة. قال الإمام علي (ع) : «ما دلت الدلائل إلا على ان فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شيء» أي ان دقة الصنع والتفصيل في النملة الصغيرة والنخلة الكبيرة الطويلة تدل على ان الصانع واحد (رزقا للعباد) وهم أعجز من أن يرزقوا أنفسهم بأنفسهم (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) هذا تمهيد لقوله تعالى : (كَذلِكَ الْخُرُوجُ). فإحياء الإنسان بعد الموت تماما كإحياء البلد الميت بالماء. وتقدم مثله في العديد من الآيات منها الآية ٥٧ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٢.

أفعيينا بالخلق الأول الآية ١٢ ـ ٢٢ :

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢))

١٣١

المعنى :

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي قبل الذين كذّبوا محمدا (ص). (قَوْمُ نُوحٍ) تقدمت قصة نوح في ج ٤ ص ٢٢٢ وما بعدها (وَأَصْحابُ الرَّسِّ) وهي بئر ، وتقدمت الاشارة الى أصحاب الرس في ج ٥ ص ٤٦٨ (وَثَمُودُ) وهم قوم صالح ، وقصتهم في ج ٤ ص ٢٤٣ (وَعادٌ) قوم هود ، وتقدم الكلام عنهم في ج ٤ ص ٢٣٧ (وَفِرْعَوْنُ) تكررت قصته مع موسى وبني إسرائيل مرات ومرات. انظر ج ٣ ص ٣٧٠ الى ٣٨٦ (وَإِخْوانُ لُوطٍ). انظر ج ٣ ص ٣٥٢ (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي الغيضة الملتفة الشجر ، وتقدمت الاشارة الى أصحاب الأيكة في ج ٥ ص ٥١٥ (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) وهو تبع الحميري ، وسبق الكلام عنه عند تفسير الآية ٣٧ من سورة الدخان (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وهو العذاب الذي وعدهم الله به على لسان رسله (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ)؟ هل عجزنا عن النشأة الأولى كي نعجز عن الثانية : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ـ ١٠٤ الأنبياء».

(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ). اللبس الشك ، والخلق الجديد البعث ، والشك حسن بل هو ضروري على أن يكون باعثا على البحث والنظر ، أما النفي بلا دليل ولمجرد الشك فهو جهل وضلال.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). الله قريب من كل شيء بعلمه لأن ما من شيء إلا وهو منه ، إذن ، فلا شيء يبعد عنه ، وإنما خص سبحانه حبل الوريد بالذكر لأنه أقرب الى الإنسان من أي عضو آخر ، ويضاف الى ذلك ان فيه قوام الحياة (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). يدل ظاهر الآية على ان الله يقيم على الإنسان رقيبين : يقعد أحدهما عن يمينه ، والآخر عن شماله يسجلان عليه كل ما يلفظ من قول. وقال كثير من المفسرين : ان هذين الرقيبين من الملائكة ، وان أحدهما يكتب الحسنات ، وهو الذي يجلس على يمين الإنسان ، والآخر يكتب السيئات ، وهو الذي يجلس على شماله .. ويصح تفسير الرقيبين بأنهما كناية عن ان الإنسان مسؤول عما يقول ويفعل ، وانه لا يستطيع عند نقاش الحساب أن يستر أو ينكر سيئة من سيئاته لقيام الحجة عليه.

١٣٢

وقلنا يصح هذا التفسير لأنه يلتقي مع التفسير الأول الذي دل عليه ظاهر الآية ، ونتيجتهما واحدة.

وتسأل : ان الله غني بعلمه وحفظه عن الرقابة والرقباء والكتابة والكاتبين ، فما هو القصد من اقامة الرقباء؟.

الجواب : القصد أن يجابه سبحانه المجرمين بما لا يجدون لإنكاره حيلة ولا وسيلة .. وتومئ الآية من بعيد الى ان القاضي لا يجوز أن يقضي بعلمه. أنظر تفسير الآية ٢٠ من سورة فصلت ج ٦ ص ٤٨٥.

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ). سكرة الموت غمرته وشدته ، وقوله تعالى بالحق يومئ الى انه عند نزول الموت تنكشف الحقيقة للمحتضر ، ويعلم علم اليقين ان البعث حق لا ريب فيه ، وذلك اشارة الى البعث ، والخطاب في كنت لمن أنكر البعث ، وضمير منه يعود الى البعث ، والمراد بتحيد تنكر ، والمعنى يقال لمن أنكر البعث حين ينزل به الموت : هذا هو البعث الذي كنت تنكره ، ومثله : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ـ ٢١ الصافات. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ). يشير سبحانه بهذه النفخة الى يوم القيامة : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ـ ٥١ يس. (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ). سائق يسوقها الى محشرها ، وشاهد يشهد عليها بعملها (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). هذا اشارة الى يوم الحساب والجزاء ، أما البصر الحديد فالمراد به ان الحقيقة تتجلى عند الموت وبعده لمنكر البعث فيعرف ما أنكر وينكر ما عرف ، والمعنى يقال غدا للجاحد : أيها الشقي كفرت بهذا اليوم ، واتبعت أهواءك ، وذهلت عما يراد بك ، وقد انزاحت الأباطيل عنك الآن ، وعرفت الحقيقة ، ولكن حيث لا مهرب من عذاب الحريق.

مناع الخير الآية ٢٣ ـ ٣٥ :

(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)

١٣٣

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥))

اللغة :

أزلفت اقتربت. أواب تواب. حفيظ حافظ لأحكام الله.

الإعراب :

هذا ما لدي معناه هذا شيء ثابت لدي ، وعليه فهذا مبتدأ ، وما نكرة موصوفة خبر ، ولدي متعلق بمحذوف صفة وعتيد صفة ثانية. والذي جعل بدل من كفار. ألقيا كلام مستأنف. وألف القيا للتثنية ، وهما السائق والشهيد اللذان ذكرهما سبحانه في الآية السابقة. وجهنم ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث. وغير بعيد صفة لموصوف مقدر أي مكانا غير بعيد. لكل أواب بدل من المتقين بإعادة حرف الجر. وهذا ما توعدون مبتدأ وخبر والجملة معترضة. ومن خشي

١٣٤

الرحمن بدل ثان من المتقين. وبسلام متعلق بمحذوف حالا من فاعل ادخلوها أي سالمين.

المعنى :

(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ). الضمير في قرينه يعود الى من تقدم ذكره في الآية ١٧ وهو الملك القعيد الشهيد الذي يكتب أقوال الموكل به ، والمعنى ان هذا الكاتب يقول لله سبحانه : هذا كتاب ما وكلتني به ، وفيه كل ما كان منه على حقيقته (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ـ ٤٩ الكهف.

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ). في الآية ٢١ قال سبحانه : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) وفي الآية التي نفسرها حكى جل جلاله أنه يقول غدا للسائق والشهيد : خذا الى جهنم من أشرك بي ، وكفر بالحق وعانده ، وأعرض عن الخير وصد الناس عنه ، ثم يعاود سبحانه القول عليهما مكررا ومؤكدا : (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ).

وتجدر الاشارة الى أنه تعالى وصف هنا مناع الخير بالمعتدي المريب ، وفي الآية ١٢ من سورة القلم وصفه بالمعتدي الأثيم حيث قال : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) ـ ٤٦ الدخان. إذا فعلنا ذلك تبين معنا ان جريمة مناع الخير لا تعادلها جريمة ، وان عذابه لا يقاس به عذاب.

(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ). هذا القرين غير الأول ، فقد كان الأول من الكرام الكاتبين بدليل قوله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) أي هذا الذين سجلته هو حق لا ريب فيه ، أما القرين الثاني فهو من الأبالسة الغاوين الذي أشار اليهم سبحانه بقوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ـ ٣٦ الزخرف والدليل ان هذا هو المراد قول

١٣٥

القرين الثاني : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) فإن القرين الأول لا يحتمل فيه الاطغاء والإغواء كي ينفيه عن نفسه لأن الله قد اختاره لمهمة الكتابة على علم بصلاحه وأمانته .. يضاف الى ذلك قوله تعالى : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) فإن الاختصام غدا يكون بين المجرمين بعضهم مع بعض لا بينهم وبين غيرهم ، قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ـ ٦٧ الزخرف.

(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ). الخطاب من الله سبحانه الى المجرم وقرينه الشيطان ، والمعنى لا يقل بعضكم لبعض : أنت أغويتني ويقول الآخر : ما أغويتك ، فإن اليوم يوم حساب وجزاء ، ولا ينتفع المرء فيه بكلام ولا بغيره إلا بعمله الصالح ، وقد دعوتكم اليه ، وأنذرت من خالف منكم لقاء يومكم هذا فأبيتم إلا كفورا (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ). المراد بالقول هنا أمره سبحانه في الآية السابقة للسائق والشهيد : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) وهذا الإلقاء حتم وعدل ، هو حتم لأن الله أمر به ولا تبديل لأمره ، وهو عدل لأن المجرم أهل له.

وتسأل : لقد ذهب كثير من العلماء الى ان الخلف بالوعيد جائز على الله دون الوعد ، وبهذا جاءت السنّة النبوية حيث قال الرسول الأعظم (ص) : «من وعد لأحد على عمله ثوابا فهو منجز له ، ومن أوعده على عمله عقابا فهو بالخيار». يضاف الى ذلك ان العقل يستحسن الوفاء بالوعد ، ولا يستقبح الخلف بالوعيد ، فما هو الوجه ـ اذن ـ لقوله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)؟.

وأجاب بعض العلماء بأن الله سبحانه لا يعفو جزافا ، بل لسبب موجب : والعفو كذلك ليس من تبديل القول في شيء .. ونضيف نحن الى هذا الجواب ان المراد بالوعيد هنا الوعيد بعذاب (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) وليس كل وعيد وتهديد ، لأن هذا المعتدي الأثيم لا كفارة له ولا شفيع عند الله ـ كما نظن ـ.

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ). هذا كناية عن شدة لهبها ، وأليم عذابها ، وانها لا تضيق بالمجرمين بالغا ما بلغ عددهم ، وقد وصف سبحانه جهنم في العديد من آياته بأوصاف رهيبة مخيفة تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم ، أما الذين في قلوبهم مرض فيسخرون منها وممن آمن بها

١٣٦

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ). هذا على طريقة القرآن ، يقرن جزاء من أساء بثواب من أحسن .. هناك الشدائد والآلام ، وهنا النعيم والجنان ، وقوله تعالى : (غَيْرَ بَعِيدٍ) تأكيد لكلمة أزلفت لأنها بمعنى اقتربت ، والمراد بقرب الجنة من المتقين انهم لها ، وهي لهم (هذا ما تُوعَدُونَ). لقد عملتم ايها المتقون على موعود من الله ، والله منجز وعده ، فإليكم هذا النعيم الذي لا يحده وصف ، ولا يبلغه عقل.

(لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ). هذه الصفات الأربع علامات تدل على المتقين ، فمن علامة أحدهم انه تواب يبتعد عن المعصية خوفا من الله ، ويحافظ على الطاعة أملا بثواب الله ، وهو في إيمانه وإخلاصه على سبيل واحد ، سواء أكان غائبا عن الناس أم حاضرا بينهم ، على عكس المرائي الذي يكسل إذا كان وحده ، وينشط أمام الناس ، وهذا المتقي هو الذي يلقى الله سبحانه بقلب منيب سليم. وبكلام آخر للإمام علي (ع) يصف به من اتقى وأتى الله بقلب سليم : «أطاع من يهديه وتجنب من يرديه ، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصّره وطاعة هاد أمره ، وبادر الى الهدى قبل أن تغلق أبوابه وتقطع أسبابه».

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ). أنتم أيها المتقون في جنة «لا ينقطع نعيمها ، ولا يظعن مقيمها ، ولا يهرم خالدها ، ولا يبأس ساكنها» ... ولكم على الدوام فوق ما تشتهون وتقترحون.

وبعد ، فإن هذا التفاوت الهائل بين الجنة والنار يكشف كشفا قاطعا عن مدى البعد والتفاوت بين درجات المتقين والمجرمين ، وان الفرق بين منازلهم عند الله تعالى تماما كالفرق بين الجنة والنار.

يوم ينادي المنادي الآية ٣٦ ـ ٤٥ :

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى

١٣٧

السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))

اللغة :

القرن أهل العصر الواحد ، فإذا هلك أكثرهم قيل : انقضى قرنهم. فنقبوا في البلاد طافوا فيها. والمحيص المهرب. واللغوب التعب. وبجبار أي بقهار تقهرهم على الايمان.

الإعراب :

كم في محل نصب بأهلكنا ، ومن قرن بيان لها وبطشا تمييز. ومن محيص «من» زائدة ومحيص مبتدأ والخبر محذوف أي هل محيص ثابت لهم. ولغوب فاعل مسنا ومن زائدة. واستمع يوم ينادي على حذف مضاف أي استمع حديث يوم ينادي الخ. ويوم يسمعون بدل من يوم ينادي. يوم تشقق يوم متعلق بالمصير. وسراعا جمع سريع ، وهو حال من ضمير عنهم والعامل تشقق.

١٣٨

المعنى :

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ). نقبوا في البلاد طافوا فيها ، والمحيص المهرب ، والمعنى كان في الزمان الغابر أمم أكثر حضارة وأقوى عدة وعددا من الذين كذبوك يا محمد ، وكانت لهم صلات مع كثير من البلاد ، كل ذلك وما إليه لم يغن عنهم حين نزل بهم العذاب ، ولم يجدوا من أمر الله مهربا ألا يخشى قومك أن يصيبهم مثل ما أصاب الماضين؟ وتكرر هذا التذكير في آيات كثيرة ، منها الآية ٩ من سورة الروم ج ٦ ص ١٣٢ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). ذلك إشارة الى التذكير بهلاك الماضين ، وذكرى تذكرة وعبرة ، وله قلب أي سليم ، وألقى السمع أي استمع وأصغى الى ما يتلى عليه من العظات ، وشهيد حاضر القلب والعقل ، والمعنى ان الذي ذكرناه عن هلاك المكذبين عظة كافية شافية لمن أبصر واعتبر. (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي تعب ، والأيام الستة كناية عن الدفعات أو عن تطور الكون من حال الى حال. انظر تفسير الآية ٥٤ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٣٨.

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من الأباطيل والسفه ، فإن العاقبة لمن صبر صبّر الأحرار (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) اشارة الى صلاة الفجر (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) صلاة العصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) صلاة المغرب والعشاء. وتقدم مثله في الآية ١٢٩ من سورة طه ج ٥ ص ٢٥٤ (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) إشارة الى التعقيب والصلاة النافلة بعد الانتهاء من الفريضة (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ). الخطاب في استمع لرسول الله (ص) ، ويوم ينادي على حذف مضاف أي استمع لما نوحيه اليك من حديث يوم النداء ، لا نفس النداء ، والمراد بالمكان القريب ان النداء يسمعه الجميع حتى كأن المنادي قريب منهم على الرغم من ان الصيحة تأتي من السماء ، وبهذا يتبين وجه الجمع والتوفيق بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ـ ٤٤ فصلت. والمعنى استمع لما نحدثك به يا محمد عن صيحة البعث

١٣٩

للحساب والجزاء ، وهذه الصيحة بعيدة بالنظر الى أنها تأتي من السماء وقريبة بالنظر الى انها تصل الى كل سمع حتى إسماع الموتى ، فيخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٣٠ يونس.

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ). الحياة والموت بيد الله ، واليه مصير الخلائق. وتقدم مثله مرارا ، من ذلك الآية ٥٦ من سورة يونس (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ). تنشق الأرض عن الأولين والآخرين فيخرجون من قبورهم مسرعين ، وهم أكثر عددا من النمل والرمل ، وأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا ، ولنفسه متسعا كما قال الامام علي (ع).

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) من تكذيب الرسول ونفي البعث (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ). فتجبرهم وترغمهم على الايمان بالله واليوم الآخر ، انما أنت مذكر (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ). ومن لا يخاف أيضا لإلقاء الحجة عليه ، وإنما خص سبحانه الخائف بالذكر للاشارة إلى أنه هو الذي ينتفع بالتذكير دون غيره ، ومثله : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) ـ ٩ الأعلى. فقوله تعالى : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) دليل قاطع على ان الأمر بالتذكير عام ، نفعت الذكرى أم لم تنفع.

١٤٠