التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

عبدة الأوثان والجاه والحطام ، ويسألهم للتوبيخ والتشهير : أين الذي كنتم تعملون من أجله ، وتخلصون له من دون الله؟.

(قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) المراد بالذين حق عليهم القول قادة الشرك والضلال ، والمراد بالقول كلمة العذاب التي جاءت في الآية ٧٩ من سورة الزمر : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) وهؤلاء اشارة إلى الأتباع الضعفاء ، والمعنى ان الله سبحانه حين يسأل المشركين : أين شركائي يجيبه الضعفاء : ربنا انّا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ، فيقول السادة الأدعياء : كلا ، لم نكره هؤلاء الأتباع على الشرك والغواية ، ولكن دعوناهم الى ذلك فاستجابوا مختارين ، تماما كما استجبنا نحن لاهوائنا طائعين ، وانّا نبرأ منهم ومن أعمالهم ، وما كانوا يعبدوننا وانما كانوا يعبدون الأصنام والشيطان .. وهكذا يفعل أرباب المصالح والأغراض يخدعون البسطاء ويغررون بهم ، ويتخذونهم أداة لأهوائهم حتى إذا جد الجد ، ودارت دائرة السوء على رؤوس التابعين والمتبوعين ـ قال هؤلاء لأولئك ما يقوله الشيطان غدا لأتباعه : ما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم .. اني بريء منكم .. اني أخاف الله والله شديد العقاب.

(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) يقال غدا لأعوان الظلمة وأذنابهم : أين الذين كنتم تعبدون من دون الله؟ ادعوهم لينقذوكم من العذاب (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) ضعف الطالب والمطلوب (وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) علموا ان العذاب واقع لا محالة ، فتمنوا لو كانوا مؤمنين (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ). مرة ثانية يسألهم سبحانه بقصد التوبيخ والتأنيب : لقد أرسلت إليكم رسلي ، وتلوا عليكم آياتي وانذروكم لقاء يومكم هذا ، فما ذا فعلتم؟ هل استجبتم وأطعتم ، أو أعرضتم وتمردتم؟.

(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) خرسوا عن الجواب لعجزهم عنه ، ولما بهم من الدهشة والهوان (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) لا يسأل بعضهم بعضا فيما ينجيهم من العذاب ، كيف وقد يئسوا من كل شيء (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ). هذا على عادة القرآن ، يقرن ذكر من أطاع وثوابه بذكر

٨١

من عصى وعقابه ، وبالعكس ، وعسى في كلام المخلوق تدل على الترجي في المحبوب ، والإشفاق في المكروه ، وتدل في كلام الخالق على الوجوب ، وعليه فالتائب الصالح من المفلحين المرضيين عند الله بالقطع واليقين.

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ). الله هو الخالق المالك ، ولا أحد يملك معه شيئا ، وكل أفعاله حكمة وخير وصواب ، وما لأحد أن يرد ويعترض ، فكيف ينسبون اليه الشركاء (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) وأيضا هو عالم الغيب والشهادة ، والشركاء المزعومون لا يعلمون شيئا (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وحده المستحق للعبادة (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) الحمد لله في الدنيا على فضله وآلائه ، وفي الآخرة على ثوابه وجزائه (وَلَهُ الْحُكْمُ) النافذ في كل شيء بكلمة «كن». (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ولا مناص لأحد من هذا المرجع ، والسعيد من ثبتت حجته ، وقبلت معذرته.

الحكمة من الليل والنهار الآة ٧١ ـ ٧٥ :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥))

٨٢

اللغة :

أرأيتم أخبروني. وسرمدا دائما. ونزعنا أخرجنا.

الإعراب :

غير الله صفة لإله. وفي مغني ابن هشام ان جماعة من النحاة ، منهم الأخفش والكسائي قالوا : ان لعل تأتي بمعنى كي مثل لعلكم تشكرون. وهاتوا اسم فعل بمعنى قدموا.

المعنى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ). لا بد للإنسان من العمل والراحة بالنوم ، والعمل يحتاج إلى ضياء ، والنوم في الظلام أعمق وأصح للجسم ، فخلق سبحانه النهار للعمل ، والليل للراحة ، وقد ذكّر ، جلت حكمته ، عباده بنعمة الليل والنهار ، وانه لو استمر الليل بلا صباح ، أو النهار بلا ليل لكانت الحياة إلى بوار.

وقال سبحانه عند ذكر الليل : أفلا تسمعون. وعند ذكر النهار : أفلا تبصرون لأن الليل يناسبه السمع ، والنهار يناسبه الإبصار. وقلنا فيما تقدم : ان تعاقب الليل والنهار يستند مباشرة إلى أسبابه الكونية ، واليه تعالى بالواسطة لأنه خالق الكون ومدبره بعلمه وحكمته.

(وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي جعل الليل لتسكنوا فيه ، وجعل النهار لتبتغوا فيه الخ. وتقدم مثله في الآية ٦٧ من سورة يونس ج ٤ ص ١٧٧ والآية ١٢ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٢٦ والآية ٤٧ من سورة الفرقان.

٨٣

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ). تقدم بنصه الحرفي في الآية ٦٢ من هذه السورة ، ولا نعرف وجها لهذا التكرار إلا التثبيت والتأكيد (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) يأتي الله غدا من كل أمة بنبيّهم ، فيشهد عليهم بتبليغ الرسالة وبما قابلوها من التكذيب والإعراض بعد اقامة الحجج عليهم وقطع جميع الأعذار. وعندئذ يقول سبحانه للجاحدين : لقد أدلى الرسول بما عنده ، فهاتوا ما عندكم من تبرير موقفكم معه وتكذيبكم رسالته تماما كما هو شأن القاضي ، يستمع أولا من المدعي ، ثم يستوجب المدعى عليه ، فيخرس المبطلون عن الجواب ، ويحيق بهم العذاب. وتقدم مثله في الآية ١٤٣ من سورة البقرة ج ١ ص ٢٢٥ والآية ٨٩ من سورة النحل ج ٤ ص ٥٤٣ (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) أي علموا ان الحجة لله عليهم ، ولا حجة لهم على الله (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) على الله بوجود الشريك ، وعلى الطيبين بالاشاعات الكاذبة.

قارون الآة ٧٦ ـ ٨٢ :

(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ

٨٤

عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢))

اللغة :

مفاتح جمع مفتح ، ومفاتيح جمع مفتاح ، والمعنى واحد ، وهو ما يفتح به. وتنوء تثقل. والعصبة الجماعة يتعصب بعضهم لبعض. ويقدر بسكون القاف يضيق.

الإعراب :

ما انّ مفاتحه (ما) اسم موصول ، وهي مفعول ثان لآتيناه ، ومفاتحه اسم ان ولتنوء خبرها ، وأولي القوة صفة للعصبة. وإذ قال (إذ) متعلقة بمحذوف أي اظهر التفاخر إذ قال له قومه ـ كما في البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ـ وقوة وجمعا تمييز. وويل يجوز إفرادها واضافتها تقول ويل له وويله ، فإذا أضفت وجب النصب بفعل محذوف أي ألزمه ويلا أي عذابا ، وإذا أفردت جاز الرفع على الابتداء وله خبر ، وجاز النصب بفعل محذوف أيضا. ووي كلمة تعجب ولا محل لها من الاعراب.

٨٥

قارون والرأسمالية المستبدة :

(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ). كان قارون من بني إسرائيل ، لأنه من قوم موسى ، وقيل : ابن عمه ، وهو واضع أسس الرأسمالية المستبدة أو ممثلها ، لأنه احتكر المال ، وتسلط على قومه مبررا ذلك بقوله : «انما أوتيته على علم عندي» وهذا هو المذهب الاقتصادي القائل : الفرد أولا والمجتمع ثانيا ، وأيضا تومئ اليه الآية التي نفسرها حيث جمعت بين البغي وكنز المال .. وأي بغي أعظم من أن تكون مقدرات الخلائق رهنا بمشيئة الأفراد أو الفئات؟ وقد حاول قوم قارون أن يردعوه عن البغي بالحسنى ، ويثيروا فيه روح الخير والصلاح.

(إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ). مالك تكثر فرحا بالمال وتغتر به ، وتتخذه وسيلة للبغي والعدوان ، والترف والإسراف ، وحولك الألوف يموتون جوعا؟ أتختال وتفاخر بقدرتك على المآثم والرذائل؟ ان الله لا يحب كلّ مختال فخور.

(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ). جد واجتهد واعمل لوجه الله في كل ما أعطاك من مال وصحة وعقل ، فان المرء مسؤول أمام الله عن جسمه فيم أبلاه ، وعن عمره فيم أفناه ، وعن ماله ممّ اكتسبه وفيم أنفقه.

(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) لا تترك ما أنت في حاجه اليه لحياتك ومتعتك ، فكل ما شئت من الطيبات ، والبس ما أردت من فاخر الثياب ، واسكن ما أحببت من الدور ، ولكن على حساب جهدك وكدك ، لا على حساب الآخرين ، فإنك بهذا تجمع بين الحظين معا ، وتملك الزادين جميعا : زاد الدنيا وزاد الآخرة.

(وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ). اتق الله فيما أنعم به عليك ، واشكره على ذلك بالإحسان الى عباده وعياله ، وتعاون معهم على ما فيه خيرك وخيرهم.

(وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) بالجور والخيانة ، والتكبر والتجبر ، والعيش في الإسراف والبذخ ، وحولك الجياع والعراة .. ان هذا هو الفساد بالذات (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وأعد لهم عذابا أليما.

٨٦

(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي). هذا المال من علمه هو .. من موهبته ومهارته .. وللإنسان أن يستغل علمه وموهبته في السلب والنهب ، والتقتيل والتشريد ، وفي كل ما يهوى ويريد .. وليس قارون بدعا في هذا المنطق .. فقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية مخططا لشراء العقول والمواهب من مختلف أنحاء العالم ، وأغرت العلماء والخبراء بالهجرة اليها ، وأسمت هذا المخطط «برين درين» أي استنزاف العقول ، والقصد منه أن تستخدم المواهب الانسانية في نهب ثروات البلاد وأقوات العباد في شرق الأرض وغربها.

(أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً)؟ وكيف يعلم وقد أطغاه المال والجاه ، وأعماه عن عاقبة الظلم والبغي ، وأنساه ما سمع عن القرون الأولى ، وانها كانت أكثر منه مالا وأعز نفرا ، ولما طغت وبغت أذاقها الله عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى .. وضرب المفسرون مثلا بقوم نوح وعاد وثمود ، ولو كنت في عصرهم لم أعد أمثلتهم ، ولو كانوا في عصري لاكتفوا بما حدث في «ليبيا» في هذا الشهر الذي أكتب فيه كلماتي هذه ، وهو شهر أيلول من سنة ١٩٦٩ حيث قامت مجموعة من الشباب الليبي ، وعزلت الملك السابق ، وهو أقوى وأغنى من قارون ، ومن ورائه الصهيونية والاستعمار .. واستولى على الحكم الذين يمثلون الشعب الليبي ، ويعبّرون عن أمانيه ، وهم الذين نكّل بهم الملك المخلوع واضطهدهم بالحبس والتشريد ومصادرة الأملاك.

(وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي ان الله يعذبهم بغير حساب. وتسأل : كيف تجمع بين هذه الآية ، وبين الآية ٩٣ من سورة الحجر : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وفي معناها كثير من الآيات؟

الجواب : المراد بالمجرمين هنا الذين يعتدون على حقوق الناس وحرياتهم ، ويثيرون الفتن والحروب من أجل مصالحهم ومنافعهم ، فهؤلاء هم الذين يدخلون النار بغير حساب حتى ولو هللوا وكبروا ، وعليه يكون قوله تعالى : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، مخصّصا لقوله لنسألنهم أجمعين أي لو جمعنا بين القولين لكان المعنى لنسألنهم أجمعين إلا من اعتدى على حقوق الناس فإنه يدخل النار من غير سؤال.

٨٧

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ). حذره قومه من عاقبة البغي والفساد ، فنفخ الشيطان في أنفه ، وأخذته العزة بالإثم ، وجمع خدمه وحشمه ، وركب في موكب فخم يعرض على الناس ثراءه وكبرياءه تحديا للذين وعظوه وحذروه من سكرات الترف والبغي.

(قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). نظر ضعفاء العقول الى المال والزينة ، وذهلوا عن عاقبة البغي والكبرياء فتمنوا أن يكون لهم مثل ترف قارون وأبهته ليغرقوا في الملذات والشهوات ، ولو نظروا بعين البصيرة لقالوا كما قال أولو العلم.

(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ). ضمير يلقاها يعود إلى المثوبة والمنزلة عند الله التي دل عليها سياق الكلام ، والمعنى ان أهل العلم بالله قالوا لضعفاء العقول : لقد نطق الشيطان على ألسنتكم .. ان ما عند الله خير وأبقى ، وما اعتز أحد بغيره تعالى إلا أذله وأخزاه ، قال الإمام علي : رب مغبوط في أول الليل قامت بواكيه في آخره. وقال : ما قال الناس لشيء طوبى له إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء.

(فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ). ولا ينجو ظالم من الخسف في الدنيا قبل الآخرة ، وليس من الضروري أن يكون الخسف بالأرض فقط ، فيكون أيضا بالخزي واللعن على ألسنة الخلائق ، وبأيدي المظلومين والمحقين .. وقد دلتنا التجارب ان الظالم إذا نزل به القصاص والعقاب تخلى عنه وتبرأ منه كل الناس حتى أعوانه وأرحامه ، وحسبه هذا خسفا ونكالا.

(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ). بالأمس قال الضعفاء : يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون لأنهم نظروا الى الدنيا وزينتها ، وذهلوا عن عاقبة البغي والكبرياء ، أما اليوم ، وقد شاهدوا دائرة السوء تدور على رأس الطاغية قارون ، فقد أدركوا الحقيقة وحمدوا الله الذي لم يؤتهم مثل ما أوتي الطغاة. وفي نهج البلاغة : فكم من منقوص رابح ، ومزيد خاسر .. ومن هنا قيل : الأمور بخواتيمها.

٨٨

لرادك الى معاد الآة ٨٣ ـ ٨٨ :

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))

اللغة :

فرض أوجب. والمراد بمعاد هنا بلدة الرسول الأعظم (ص) وهي مكة. وظهيرا معينا.

المعنى :

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). العلو في الأرض التعالي والتعاظم ، وارادة التسلط على الناس بغير حق ، والفساد الظلم والعدوان ، والفسق والفجور ، والمعنى ان من تعالى وتعاظم على الناس ، أو اعتدى على شيء من حقوقهم فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه

٨٩

جهنم وساءت مصيرا (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ). تقدم مثله في الآية ١٦٠ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٩٠.

(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ). يقول سبحانه لنبيه الكريم : ان الذي أوجب عليك العمل بالقرآن هو الذي سيعود بك إلى مكة التي أخرجك منها قومك. وقيل : ان النبي (ص) حين هاجر من مكة إلى المدينة اشتاق الى وطنه ، وهو في أثناء الطريق ، فنزلت هذه الآية تبشره بالعودة اليه (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). أعلم هنا بمعنى يعلم ، أي قل يا محمد لمن لا ترجو الهداية منه ، ويصر على انه هو المهتدي وأنت الضال ، قل لهذا العنود : الله ولا أحد سواه يميز بين المهتدي والضال ، والطيب والخبيث ، ويجزي كلا بما يستحق.

(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). الاستثناء هنا منقطع أي لكن الله رحمك وتفضل عليك ، وهذا رد على من قال لرسول الله : لست مرسلا من عند الله ، بل تفتري عليه ، وبيان الرد : كيف يقولون عنك يا محمد : انك تفتري على الله بادعاء الرسالة مع انها لم تمر بخاطرك من قبل ، ولا تطلعت اليها وحلمت بها في يوم من الأيام ، ولكن الله سبحانه هو الذي أنعم عليك بها ، واصطفاك لها دون خلقه.

إخبار الغيب عن العملاء والخونة :

(فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). لقد اختارك الله يا محمد لتكون حربا على الكافرين ، لا عونا لهم ، ولتبلغ رسالته الى عباده ، ولا يأخذك في تبليغها لومة لائم ، ولتخلص لله وحده في جميع أقوالك وأعمالك.

وفيما تقدم قلنا ، ونحن نفسر هذا النوع من الآيات التي تخاطب المعصوم بالنهي عن المعصية ، قلنا : ان للأعلى ان ينهى من هو دونه بأي شكل أراد ، وعن

٩٠

أي شيء يختار ، بالاضافة الى ان النهي عن الشيء لا يتوقف على إمكان وقوعه من المخاطب به ، أما الآن ، ونحن نفسر هذه الآية ، فقد استوحينا منها معنى آخر ، وهو ان كل ما جاء في هذا الباب من الآيات فهو إخبار بالغيب وتعريض بما عليه اليوم وقبل اليوم بعض أرباب العمائم والقلانس الذين يتظاهرون بالدين والصلاح ، وهم جنود وأعوان للكفرة الفجرة .. وخصصنا البعض منهم بالذات مع ان العملاء والخونة يكونون منهم ومن كل نوع وصنف لأن الآيات تخاطب من يدعو الى الله وشريعته.

(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). هذا تهديد ووعيد لكل خائن وعميل يتآمر على دينه ووطنه مع أعداء الله والانسانية ، وانه بحكم المشرك الذي قامت عليه الحجة ، ومع ذلك يجحد ويعاند إذ لا فرق أبدا عند الله بين من يدعو مع الله إلها آخر ، ومن يوالي الظلمة الطغاة ، ويدافع عنهم ويبرر أعمالهم ، ويدعو الى موالاتهم ومؤازرنهم.

وتسأل : هل معنى هذا ان العملاء والخونة يجب ان نعاملهم معاملة المشرك من النجاسة وعدم التوريث والتزويج والدفن في مقابر المسلمين؟

الجواب : علينا أن نعامل كل من قال : أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ـ معاملة المسلم مهما كان عمله ، بل ومهما انطوى عليه قلبه .. ذلك ان لهذه الشهادة آثارها الموضوعية التي لا تنفك عنها بحال ، وهي الطهارة والتوريث والتزويج والدفن في مقابر المسلمين ، أما الآخرة فهي لله وحده ، ولا شأن فيها لأحد سواه ، وقد دل ظاهر العديد من الآيات ان الظالم يوم القيامة هو والمشرك سواء. أنظر ما قلناه عند تفسير الآية ٥٥ من سورة الفرقان ، فقرة «الظالم كافر».

٩١

سورة العنكبوت

قيل : هي مكية ، وآياتها ٦٩.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الايمان جهاد وصبر الآة ١ ـ ٩ :

(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩))

٩٢

اللغة :

لا يفتنون لا يمتحنون. يرجو لقاء الله يؤمن بحسابه وجزائه بعد الموت. وأجل الله الوقت المعين عند الله لهذا اللقاء. جاهداك حرضاك مجتهدين.

الإعراب :

حسب تحتاج إلى مفعولين ، والمصدر من ان يتركوا سادّ مسدهما. والمصدر من ان يقولوا بدل من مصدر أن يتركوا. فليعلمن تحتاج إلى مفعول واحد لأنها بمعنى ليميزن واللام للقسم. ساء ما يحكمون (ساء) بمعنى قبح و (ما) مصدرية ، والمصدر المنسبك فاعل ساء أي قبح حكمهم. وحسنا صفة لمفعول مطلق محذوف أي ووصيناه إيصاء حسنا. وما ليس (ما) اسم موصول مفعول لتشرك.

المعنى :

(الم) تقدم تفسيره في أول سورة البقرة (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ). ليس الايمان كلمة تقال ، بل لا بد من الابتلاء والامتحان بأنواع من السراء والضراء ، فمن صبر عند هذه ولم يخرج عن دينه ، وشكر وتواضع عند تلك ولم يطغه الجاه والمال فهو المؤمن حقا ، والا فما هو من الايمان في شيء .. هذا ما دل عليه ظاهر الآية ، وإذا عطفنا عليها بقية الآيات الواردة في هذا الباب نستخلص منها ان للايمان ظاهرة لا تنفك عنه بحال ، وهي أن يستجيب المؤمن لدعوة الله تعالى استجابة عملية ، لا لفظية مهما كانت النتائج ، أي ان يحرص أشد الحرص على طاعة الله في أمره ونهيه ، ويطبقها في عمله وسلوكه ، وإذا ابتلي بالخطوب والمحن لأنه أخلص لله فما يزيده ذلك إلا ايمانا وتسليما.

أنظر ج ١ ص ٢٤٢ فقرة «ثمن الجنة» ، وص ٣١٤ فقرة «لا ايمان بلا تقوى» ، وج ٢ ص ٤٥٧ فقرة «بين الدين وأهل الدين».

(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). اختبرنا بالشدائد أتباع الأنبياء من الأمم

٩٣

السابقة ، فصبروا صبر الأحرار ، وازدادوا تمسكا بدينهم وإخلاصا لربهم وأنبيائهم ، وأوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ـ ١٤٦ آل عمران ج ٢ ص ١٧٤. (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ). يمتحن سبحانه عبده بإقبال الدنيا عليه وادبارها عنه لتظهر أفعاله التي يستحق عليها الثواب والعقاب ، لأنه ، جلت حكمته ، لا يحاسب الإنسان على ما فيه من قابلية واستعداد للخير والشر ، وانما يحاسبه على أعماله التي تظهر للعيان.

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا). أيحسب المسيئون ان الله عاجز عن طلبهم؟ كيف وهو على كل شيء قدير؟ وبمن يمتنعون عنه ولا ضد يعانده ولا شريك يساويه؟ (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بأنهم يفلتون من سلطان الله وحكمه.

(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) بعد أن ذكر سبحانه من كفر باليوم الآخر ذكر من آمن به وقال لهذا المؤمن : اثبت على إيمانك ، فان الساعة آتية لا ريب فيها ، فاعمل لها (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). يسمع ما تقول ، ويعلم ما تضمر وتفعل ، ويجزيك بما أسلفت (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) وتفسيره : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) ـ ١٠٤ الأنعام ج ٣ ص ٢٣٨. (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) لا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا تضره معصية من عصى.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ). من آمن بعد ما كفر ، وأصلح بعد ما أفسد فإن الله يغفر له ويعفو عما مضى ، وفوق ذلك يثيبه تفضلا منه على إيمانه وإصلاحه تماما كمن لا ذنب له .. وفي هذا المبدأ الخير كل الخير للانسانية لأنه يفتح باب الأمل للمذنبين والمجرمين ، ويدفع بهم إلى التوبة والاقلاع ، ولا سبيل أجدى من هذا السبيل لتطهير المجتمع من المظالم والمفاسد.

٩٤

أيضا البر بالوالدين :

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). أمر سبحانه بالإحسان إلى الوالدين وإطاعتهما في كل شيء إلا فيما لا يرضيه تعالى ، حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٢٣ من سورة الإسراء ، فقرة «البر بالوالدين» ج ٥ ص ٣٥. وفي كتب الحديث قصة تدل على ان البر بالوالدين ينفع عند الشدائد ، وأيضا تدل على أن أفضل دعاء يتجه به الإنسان الى الله عند المحنة هو العمل الصالح.

روي عن النبي (ص) ان ثلاثة رجال لجأوا الى غار في الطريق يبيتون فيه ليلتهم ، فسقطت صخرة ضخمة من الجبل وسدت عليهم باب الغار ، وبعد التفكير طويلا لم يجدوا إلا التوجه بالدعاء إلى الله وحده أن ينجيهم من هذا الهلاك ، ثم ذكر كل واحد منهم عملا صالحا كان قد صنعه .. فذكر الأول بره بوالديه وتوفير الراحة لهما ، فانفرجت الصخرة قليلا. وذكر الثاني انه صرف نفسه عن عمل فاحش مع امرأة كانت في حاجة تضطرها الى ذلك ، فكفاها هذه الحاجة ووفرها لها ، فانفرجت الصخرة قليلا أيضا. وقال الثالث : ان أجيرا كان يعمل عنده ، فترك أجره ورحل عنه ، فاحتفظ له بأجره ونمّاه له ، فلما عاد اليه ، وقد كثر الأجر وأصبح قطيعا كبيرا من الأنعام ، أعطاه إياه ، فانفرجت الصخرة تماما ، وخرجوا من الغار.

وسواء أصحت هذه الرواية ، أم لم تصح فان القصة تعبّر عن الإسلام في حقيقته وجوهره لأنه يحصر طريق النجاح في الدنيا والآخرة بالأعمال الصالحة ، لا بالأقوال والمظاهر.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ). وتسأل : ما الفرق بين قوله تعالى هنا : لندخلنهم في الصالحين وقوله في الآية السابقة : (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ)؟

الجواب : ان الإدخال في زمرة الصالحين كالشهداء والأولياء أرفع بكثير من

٩٥

العفو والجزاء ، فهو أشبه بقولك لمن أساء ثم أصلح وأخلص : لقد عفوت عنك ، وأحسن اليك بكذا ، وفوق ذلك أجعلك في عداد المصطفين الأخيار.

ومن الناس من يقول أمنا الآة ١٠ ـ ١٥ :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥))

اللغة :

المراد بفتنة الناس أذاهم. والأثقال جمع ثقل والمراد بالأثقال هنا الأوزار لقوله تعالى في الآية ٢٥ من سورة النحل : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ).

٩٦

الإعراب :

لنحمل اللام للأمر ولذا جزم الفعل. وبحاملين الباء زائدة. ومن خطاياهم (من) للتبعيض. ومن شيء (من) زائدة وشيء مفعول حاملين ، ومن خطاياهم متعلق بمحذوف حال مقدما من شيء ، والأصل وما هم حاملين شيئا من خطاياهم. وألف سنة ظرف زمان منصوب بلبث. وخمسين منصوب على الاستثناء. وعاما تمييز.

ايمان او سراب؟

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ). هذه الآية صورة حقيقية لبعض الناس الذين نعرفهم ونعايشهم .. لقد زين الشيطان لهذا البعض انه من أهل التقى والايمان ، فانطلت عليه الحيلة وصدّق الشيطان في وساوسه وأحابيله ، وانه من المتقين ، وهو في حقيقته وواقعه لا يعتقد بشيء ولا يرى إلا منافعه ومصالحه الخاصة ، ولا شيء أدل على ان إيمانه وهم وسراب من تنكره للحق أو تجاهله إياه حين يخاف الناس على أدنى شيء من أشيائه .. يخافهم إذا ناصر الحق والعدل بفعل أو قول تماما كما يخاف الأولياء والأتقياء من الله إذا لم يعملوا بأمره ونهيه ، وتقدمت الاشارة الى هذا الفريق في الآية ٧٧ من سورة النساء : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً). وقلنا فيما تقدم : ما من أحد اتبع الحق الا ودفع ثمنه من نفسه وأشيائه ، وإلا لم يكن لأهل الحق وأنصاره أية فضيلة. أنظر تفسير الآية ١٥٥ من سورة البقرة ج ١ ص ٢٤٢ ، فقرة «ثمن الجنة». وفي الحديث : من خاف الله خوّف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله خوّفه من كل شيء.

(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ). هم مع الدين إذا كان متجرا رابحا ، وهم أعداء الدين إذا سألهم البذل والتضحية ولو باليسير ، وأبلغ كلمة في هذا المعنى قول سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) : «الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون».

٩٧

وتقدم مثله في الآية ١٤١ من سورة النساء ج ٢ ص ٤٦٦ (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ). هل تريدون ان تخدعوا الله وتحتالوا عليه ، وهو العليم بما تخفون وما تعلنون؟

(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ). تقدم مثله في الآية ٣ من هذه السورة ، والآية ١٥٤ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٨٢. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ). قال مشركو قريش للذين استجابوا لدعوة رسول الله (ص) : كيف تتبعون محمدا وتتحملون الكثير من أجله؟ دعوه وعودوا إلى ديننا ، وإذا كنتم تخافون عذاب الله بعد الموت كما خوّفكم محمد فنحن نتحمله عنكم .. قالوا هذا ، وهم يريدون به ان البعث حديث خرافة (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) لأن كل انسان مجزي بأعماله ، لا يحمل وزر غيره ، أو يسأل عنه : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٢٥ سبأ.

(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ). كل من أضل غيره يحمل وزر نفسه ، ووزر من غرر به ، حيث تسبب في وجود الضلال وانتشاره ، أما من يتبع المضل فإنه يحمل وزر نفسه كاملا ، ولا ينقص منه شيء لأنه استجاب الى دعوة الضلال بسوء اختياره ، وبكلمة للمضل عقوبتان : إحداهما على ضلاله ، والثانية على إضلاله ، وللتابع عقوبة واحدة على عمله بالضلال مختارا (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) بادعائهم الشريك لله ، وقولهم عن الرسول الأعظم (ص) : انه ساحر وقولهم للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ، وغير ذلك.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ). يدل ظاهر الآية بوضوح ان نوحا عاش ٩٥٠ عاما ، والعقل لا يأبى ذلك ، فوجب التصديق أما التعليل بأن عدد البشرية كان قليلا يومذاك ، والنسل كان محددا ، وانه كلما قل العدد والنسل طالت الأعمار ، كما قال بعض المفسرين الجدد ، أما هذا التعليل ونحوه فلا يصح الركون اليه في تفسير الوحي أو توجيهه .. وفي قاموس الكتاب

٩٨

المقدس ان نوحا اسم ساميّ ، ومعناه «راحة» وأبوه هو الذي سماه بذلك.

ويلاحظ ان السامية هي نسبة إلى سام بن نوح فكيف نسب الوالد الى الولد؟ وفي ص ٤٤٨ من هذا القاموس ان ساما ولد لنوح وعمره ٥٠٠ سنة. ولم يشر القاموس المذكور الى تاريخ العهد الذي كان فيه نوح ، وربما لعدم المصادر. وتقدم الكلام عن نوح في العديد من الآيات ، منها سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٤ وما بعدها ، ومنها في سورة هود ج ٤ ص ٢٢٢ وما بعدها.

ابراهم الآة ١٦ ـ ١٨ :

(وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨))

المعنى :

ان دعوة ابراهيم (ع) هي دعوة كل نبي : الإخلاص لله في كل شيء ، ونبذ الشرك بشتى صوره وأشكاله ، والايمان بأن الله هو المبدئ والمعيد ، بيده الضر والنفع ، ومن كذب وتولى عن هذه الدعوة فقد ظلم نفسه.

وفي قاموس الكتاب المقدس ان ابراهيم هو ابن تارح من نسل سام بن نوح ، وانه من بلاد ما بين النهرين أي دجلة والفرات ، وأنه أقام فيها ٧٥ عاما ، ثم رحل مع زوجته ولوط الى أرض كنعان ، وقال مؤلفو القاموس المذكور : «لا

٩٩

يمكن أن نعيّن على وجه التحديد التاريخ الذي عاش فيه ابراهيم ، ولكنه ولد وفقا للتاريخ الذي حدده «اشر» حوالى سنة ١٩٩٦ ق. م.». وتقدم الكلام عن ابراهيم في سورة الأنعام الآية ٧٤ ـ ٨٤ ج ٣ ص ٢١١ ـ ٢١٩ وسورة مريم الآية ٤١ ـ ٥٠ ، وسورة الأنبياء الآية ٥٢ ـ ٧٢.

الله المبدئ والمعيد الآة ١٩ ـ ٢٧ :

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧))

١٠٠