التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

زواجها على الرجل .. والحق ان العرض من الرجل والمرأة نفسها فضلا عن وليها جائز بحسب الأصل ، ولا يحتاج إلى النص عليه ، وقال الإمامية والشافعية : ان الزواج لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والانكاح ، هذا بعد أن عطفوا على هذه الآية قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) ـ ٣٧ الأحزاب. وقال المالكية والحنابلة : ينعقد الزواج أيضا بلفظ الهبة لقوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) ـ ٥٠ الأحزاب. وقال الحنفية : ينعقد بكل لفظ يدل على إرادة الزواج.

وقال كثير من الفقهاء : ان الرعي مدة الثماني الحجج أو العشر ليس مهرا للزواج ، ولا هو جزء منه ، بل المهر مستقل تماما عن الرعي ، وان قول الشيخ : «على ان تأجرني الخ» معناه ان رعيت عندي بأجر زوّجتك احدى ابنتي بمهر ، تماما كما تقول : ان فعلت كذا فعلت أنا كذا ، وهذا هو المعنى الصحيح للآية.

وعلى أية حال فانه لا حجة في هذه الآية على شيء مما قاله الفقهاء ، لأنها حكاية عن شريعة سابقة ، ونحن على يقين ان الشريعة الاسلامية نسخت جميع الشرائع السابقة ، ولا يجوز العمل بحكم من أحكامها إلا بدليل خاص أو عام من الكتاب أو السنة ، وعليه يكون العمل بهما لا بها ، أما الذين قالوا باستصحاب أحكام الشرائع المتقدمة فنرد عليهم بقوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ـ ٣٨ الأنعام وقوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ـ ٨٩ النحل أي لكل شيء من أصول الإسلام وشريعته ، وقال الرسول الأعظم (ص) : ما من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به وما من شيء يبعدكم عن النار إلا نهيتكم عنه.

(قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ). هذا من كلام موسى ، والأجل الأول الثماني الحجج ، والثاني العشر ، والمعنى ان موسى قال للشيخ : قبلت ورضيت بالزواج والرعي ، والخيار لي في قضاء الثماني أو العشر ، فأيهما اخترت فلا حجة لك عليّ ، والله شهيد على ما أوجبته أنت على نفسك ، وما أوجبته أنا على نفسي. وفي الحديث : ان موسى

٦١

قضى أبرّ الأجلين أي العشر ، وفي كثير من التفاسير انه اختار الصغرى ، وهي التي قالت له: ان أبي يدعوك ، وقالت لأبيها : انه القوي الأمين.

قضى موسى الأجل الآة ٢٩ ـ ٣٢ :

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢))

المعنى :

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). بعد أن أتم موسى المدة التي اتفق عليها مع أبي زوجته جمع أشتات متاعه ، وسافر قاصدا مصر مع أهله ، وفي قاموس الكتاب المقدس : ذهب موسى إلى مصر مع زوجته وابنيه. ولما وصل إلى الصحراء ضل الطريق في ليلة مظلمة

٦٢

باردة كما يشعر قوله : لعلكم تصطلون. وبينا هو حائر في أمره رأى نارا تضيء ، فقال لأهله : انتظروا مكانكم ، فأنا ذاهب إلى النار لآتيكم بخبر عن الطريق ، أو بقطعة من النار تستدفئون بها. وتقدم في الآية ١٠ من سورة طه والآية ٧ من سورة النمل.

(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أي الجانب المحاذي ليمين موسى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). البقعة القطعة من الأرض ، وهي مباركة لكثرة أنبيائها وكثرة خيراتها ، وقوله : (من الشجرة) يشعر بأن الله سبحانه خلق الكلام في الشجرة ، وقد استدل بهذه الآية من قال ان كلام الله حادث وليس بقديم. وتقدم في الآية ٥٢ من سورة مريم والآية ١٢ من سورة طه.

(وَأَنْ أَلْقِ ـ إلى قوله ـ الْآمِنِينَ) تقدم في الآية ١٠ من سورة النمل (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ). اسلك يدك في جيبك أدخلها فيه ، والجيب فتحة القميص. ومن الرهب أي إذا وضعت يدك على صدرك يذهب ما بك من الخوف. وتقدم في الآية ١٠٧ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٧٥ والآية ٢٢ من سورة طه والآية ٣٣ من سورة الشعراء والآية ١٢ من سورة النمل.

فأخاف ان يقتلون الآة ٣٣ ـ ٣٧ :

(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا

٦٣

ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧))

اللغة :

الردء بكسر الراء المعين. والمراد بالسلطان هنا القوة.

الإعراب :

ردءا حال من الهاء في أرسله.

المعنى :

(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) تقدم في الآية ١٤ من سورة الشعراء (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ). ردءا معينا لي على بث الدعوة ، وفيه إيماء إلى انه لا بد لكل دعوة من أنصار ، وان العلم وحده لا يكفي لاثبات الدفاع عن الحق ما لم تقترن الحجة بطلاقة اللسان وفصاحة البيان ، وأيضا تدل الآية على ان القرآن يبارك وسائل الدعاية كالصحف والاذاعات وغيرها على شريطة أن تتجه إلى احقاق الحق والانتصار لأهله ، وإبطال الباطل والتشهير بأعوانه ، تماما كما استعمل هرون علمه وفصاحته ضد الطاغية فرعون.

وقيل : ان هرون أكبر من موسى بثلاث سنين .. ولا ندري كيف نجا من الذبح ، وغير بعيد ان هرون ولد قبل أن يأمر فرعون بذبح كل مولود يولد لبني إسرائيل. وفي التوراة الاصحاح ٣٢ من سفر الخروج ان هرون هو الذي

٦٤

صنع العجل لبني إسرائيل ، وبنى له مذبحا ، وليس السامري كما جاء في الآية ٩٦ من سورة طه.

(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ). سأل موسى ربه أن يشد أزره بأخيه هرون ، فاستجاب له ، وآتاه سؤله ، أما قول موسى : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) فقد أجابه عنه تعالى بقوله : (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ). في الآية ٤٦ من سورة طه : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى). وقال هنا : اني سلحتكما بسلاح يرهب فرعون وجنوده ، ويمتنعون بسببه عنكما وعن الذين يؤمنون بكما ، وهذا السلاح أو السلطان هو الآيات والمعجزات من انقلاب العصاحية وتحوّل اليد البيضاء إلى الجراد ، والقمل ، والضفادع ، وغير ذلك.

(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ). تقدم في الآية ١١٠ من سورة الأعراف والآية ٦٣ من سورة طه (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). كذبوا موسى وقالوا له : أنت ساحر ، فأجابهم جواب من لا يكترث بتكذيبهم وعنادهم ثقة منه بالله ووعده ، ويتلخص الجواب بأن الله يعلم اني على الحق والهدى ، وانكم على الباطل والضلال ، وأيضا يعلم ان العاقبة الحميدة لي ولمن اتبعني ، ولكم عقبى الهلاك في الدنيا ، وعذاب النار في لآخرة.

ما علمت لكم من إله غيري الآة ٣٨ ـ ٤٣ :

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ

٦٥

وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣))

اللغة :

هامان وزير فرعون. وصرحا بناء عاليا. وأطّلع اصعد. فنبذناهم طرحناهم. واللعنة البعد عن رحمة الله. والمقبوحين المخزيين المهلكين.

الإعراب :

من إله (من) زائدة إعرابا وإله مفعول علمت ، وغيري صفة له. وبصائر حال من الكتاب وهدى ورحمة عطف على بصائر.

المعنى :

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي). قال هذا لأنه وجد من يصدقه .. وحفظت مثالا أيام الطفولة ، وما زلت على ذكر منه ، وهو «قيل لفرعون : من الذي فرعنك؟ قال : ما وجدت أحدا يردعني» وأكثر الناس «يتفرعنون» لولا القوة الرادعة. انظر تفسير الآية ٢٤ من سورة النازعات : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى). وفي قاموس الكتاب المقدس ان فرعون كلمة مصرية ، ومعناها البيت الكبير ، وهي لقب لملوك مصر.

٦٦

(فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ). عجز فرعون عن مقابلة الحجة بالحجة ، وخاف من موسى وعصاه ، فحاول أن يخفي خوفه وعجزه بالتمويه على شعبه العريق في السذاجة ، فأظهر الشك في وجود إله سواه ، وانه سينظر ويبحث عن هذا الإله .. فإن وجده طلبه للبراز .. وإلا ـ وهذا هو المظنون عند فرعون ـ كان موسى من الكاذبين .. وليؤكد هذا التمويه على أعين الرعاع الذين عبدوه قال لوزيره هامان : أوقد النار ، واصنع الآجر لبناء صرح رفيع أصعد منه إلى السماء ، لأبحث عن إله موسى .. ولم يبن هامان الصرح ـ كما نظن ـ لأنه على يقين من مكر فرعون وتدليسه ، وأي عاقل يحاول البناء إلى ما لا نهاية ، ويتوهم انه بالخشب والآجر يبلغ السموات العلى ، ويعلم من فيها وعليها؟.

(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ). تعاظموا وتعالوا على الناس ، وأخذتهم العزة بالإثم ، وعاثوا في الأرض شرا وفسادا ، والسبب الأول والأخير انهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ولا بمبدإ وضمير ، ولا بشيء إلا بأنفسهم ومنافعهم ، ولذا أخذهم جل وعز أخذ عزيز مقتدر (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ). ألقت أم موسى وليدها في اليم خوفا من فرعون ، فالتقطه هذا العدو لله ولموسى لينتفع به أو يتخذه ولدا. ولما شبّ موسى وكبر حاول جهده أن ينفع فرعون وينقذه من الهلاك والعذاب ، ولكنه نفر وتكبر ، فكان عاقبة أمره ان أهلكه سبحانه في نفس اليم الذي ألقي فيه موسى ، والتقطه منه آل فرعون .. وان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .. ولكن أين هم؟.

(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ). ضمير جعلناهم يعود إلى فرعون وجنوده ، والمعنى انهم في الدنيا ضالون ومضلون ، وانهم في الآخرة هم الأخسرون ، ومعنى جعلناهم ان الله سبحانه قضى وقدر أن من يسلك طريق الضلال فهو ضال ، تماما كما قضى وقدر أن من يسلك طريق الهلاك فهو هالك ، وبيّنا ذلك فيما تقدم أكثر من مرة. وعن الإمام جعفر الصادق (ع) ان الأئمة في كتاب الله نوعان : أئمة الهدى ، وهم الذين أشار سبحانه اليهم بقوله : («وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) ـ ٧٣ الأنبياء» فيقدمون أمر الله قبل أمرهم ،

٦٧

وحكمه قبل حكمهم ، وأئمة يدعون إلى النار ، يقدمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكمه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله.

(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ). عليهم في الدنيا لعنة الله ولعنة اللاعنين ، ولهم في الآخرة عذاب الجحيم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). أنزل سبحانه التوراة على موسى بعد أن أهلك قوم نوح وعاد وثمود ، والغرض من انزالها أن يتعظ الناس بها ، ويعملوا بأحكامها لأنها كانت قبل التحريف نورا وهدى ورحمة ، أما توراة اليوم فإنها تقول لبني إسرائيل : اقتلوا الرجال والأطفال والنساء إلا الأبكار منهن ، أبقوهن للذاتكم وشهواتكم .. وانهبوا البهائم والمواشي والأملاك .. واحرقوا المدن والمساكن والحصون كما في الإصحاح ٣٢ من سفر العدد. فهل بعد هذا يقال : لما ذا أحرقت إسرائيل المسجد الأقصى؟. ان عقيدة اليهود عقيدة شريرة تعادي جميع الأديان والشرائع والقيم الانسانية.

محمد وأنباء الغابرين الآة ٤٤ ـ ٥١ :

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا

٦٨

قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١))

اللغة :

قرون جمع قرن ، والمراد به أهل عصر من العصور فإذا انقضى أكثرهم قيل : انقضى القرن. فتطاول عليهم العمر أي طال عليهم الأمد الذي بينهم وبين القرون الماضية. وثاويا مقيما. وصّلناه بيّناه آية بعد آية.

الإعراب :

إذ ظرف متعلق بما تعلق به بجانب الغربي أي وما كنت موجودا إذ قضينا. وجملة تتلو حال من اسم كنت. ورحمة مفعول من أجله لفعل محذوف أي أوحينا اليك رحمة. ولولا ان تصيبهم (لولا) تدل على امتناع شيء لوجود غيره. والمصدر من أن تصيبهم مبتدأ وخبره محذوف أي لولا إصابتهم المصيبة كائنة ، وجواب لولا محذوف أيضا تقديره لم نحتج إلى إرسال الرسل. فيقولوا بالنصب عطفا على أن تصيبهم. ولولا أرسلت (لولا) بمعنى هلا. فنتبع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء لتقدّم الطلب وهو لولا. ونكون عطف على فنتبع. وسحران خبر مبتدأ محذوف أي هما سحران. وبغير هدى في موضع الحال أي غير مهتد.

٦٩

المعنى :

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ). الخطاب لمحمد (ص) ، والمراد بجانب الغربي المكان الواقع غربي الجبل ، كما في تفسير الطبري ، وهو المكان الذي كلم الله فيه موسى ، أما الجانب الأيمن الذي ورد في الآية ٥٢ من سورة مريم فالمراد به الجانب الذي يلي يمين موسى ، والمراد بالأمر الذي قضاه الى موسى اختياره للرسالة والنبوة ، والمعنى ان إخبار محمد (ص) عما حدث لموسى في غربي جبل الطور هو دليل قاطع على أنه وحي من الله ، والا فمن أين لمحمد العلم بتلك الحقائق والدقائق ، ولم يقرأها في كتاب ، ولا سمعها من أحد ، ولا شاهدها بنفسه.

(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ). المراد بالقرون الأمم التي مرت وانقرضت بين عهد موسى وعهد محمد ، وبين هذين العهدين حوالى ألفي عام. انظر ما نقلناه عن قاموس الكتاب المقدس عند تفسير الآية ٧ من هذه السورة ، والمعنى ان الأمم التي أنشأها الله بين العهدين المذكورين لم يبق منها أحد يخبّر عنها ، وهذا دليل واضح على ان علم محمد (ص) بها انما هو بوحي من الله ، هذا الى ان الناس قد طال الأمد بينهم وبين الأنبياء ، وأصبحوا في جاهلية جهلاء ، واحتاجوا الى نبي يرشدهم ويهديهم الى سواء السبيل ، فأرسل الله محمدا بشيرا ونذيرا ، وأخبر الناس عن أحوال الأمم الماضية وأنبيائهم بوحي منه تعالى للدلالة على نبوته من جهة ، وليتعظوا بمن كان قبلهم من جهة ثانية.

(وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ). مدين بلد شعيب ، وقد أخبر محمد (ص) عنه وعن قومه أهل مدين ، تماما كما لو أخبر شعيب نفسه الذي كان يتلو على قومه آيات الله مع ان محمدا لم يكن نبيا لأهل مدين يتلو عليهم الآيات ويأتيهم بالمعجزات ، ولكن الله هو الذي أخبره بذلك لأنه رسول الله الى عباده وأمينه على وحيه (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أي لم تكن حاضرا يا محمد حين نادى الله موسى بجانب الطور. وتسأل : لا فرق بين قوله تعالى : وما كنت بجانب الطور ، وبين قوله في الآية السابقة : وما كنت بجانب الغربي ، فما هو القصد من هذا التكرار في كلام واحد؟.

٧٠

الجواب : ان الله سبحانه كلم موسى وناداه بجانب الطور أكثر من مرة ، فمن الجائز أن تكون الآية الأولى اشارة إلى النداء الأول ، والآية الثانية الى النداء الثاني ، هذا الى ان التكرار طريقة متبعة في القرآن. انظر ما كتبناه بعنوان : «التكرار في القرآن ج ١ ص ٩٦ وج ٢ ص ٤٤٠.

(وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). أرسل الله محمدا رحمة للعالمين ينذر ويبشر الناس ليسلكوا الطريق الذي يؤدي بهم الى سعادة الدارين.

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، وبين الآية ٢٤ من سورة فاطر : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)؟.

الجواب : ذكرنا أكثر من مرة ان آيات القرآن يفسر بعضها بعضا لأن مصدره واحد ، وقد جاء في الآية ١٩ من سورة المائدة : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أي بعد انقطاع الوحي فترة من الزمن ، وعليه فليس المراد بقوله : (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) ان الله لم يرسل اليهم رسولا قبل محمد على الإطلاق ، بل المراد انه لم يرسل رسولا في فترة معينة من الزمن.

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). المراد بالمصيبة عذاب الله في الدنيا ، والمعنى ان الله سبحانه أرسل الرسل لكيلا يكون للناس على الله الحجة إذا حل بهم العذاب بسبب كفرهم وطغيانهم. وتقدم مثله في الآية ١٦٥ من سورة النساء ج ٢ ص ٤٩٥ والآية ١٩ من سورة المائدة ج ٣ ص ٤٠.

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى). إذا لم يأتهم الرسول قالوا : لو جاء لاتبعناه ، وإذا جاء الرسول تعللوا بالأباطيل .. ولا يختص هذا التمحك والروغان بالذين كذبوا محمدا (ص) وقالوا له : لو جئت بعصا كعصا موسى ، ويد كيده البيضاء لآمنا بك. كلا ، انه دأب المترفين الطغاة في كل زمان ومكان ، دأب الذين لا يؤمنون إلا بمنافعهم ومصالحهم ، ومن أجلها يتلونون بكل لون ، ويتحالفون مع الشيطان ضد كل صلاح ومصلحة.

(أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ). طلبوا من رسول الله (ص) أن

٧١

يأتيهم بمثل ما جاء به موسى من المعجزات ، فأجابهم سبحانه بأن من طلب الحق لوجه الحق يستجيب له ، ويؤمن به متى استبانت حجته وظهرت دلائله أيا كان نوعها وشكلها ، أما الذين لا يؤمنون إلا بأهوائهم ، ويتخذونها قائدا ودليلا في جميع تصرفاتهم ـ أما هؤلاء فلا تغني معهم الدلائل والمعجزات ، سواء أتى بها موسى ، أم أتى بها محمد ، أم الأنبياء مجتمعين .. ودليل هذه الحقيقة ان الطغاة كفروا بما جاء به موسى تماما كفر الطغاة من قريش بما جاء به محمد ، ولو كان محمد بمعجزاته مكان موسى ، وكان موسى بمعجزاته مكان محمد لقالت قريش : لولا أوتي موسى مثل ما أوتي محمد .. وهذا هو شأن المبطلين في كل زمان ومكان.

(قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ). المراد بالسحرين هنا التوراة والقرآن ، وتظاهرا أي ان كلا منهما يصدق الآخر ، والمعنى الجملي ان قريشا قالت : التوراة سحر ، وموسى الذي جاء بها ساحر ، وأيضا القرآن سحر ، ومحمد الذي جاء به ساحر ، ونحن نكفر بهما وبسحرهما.

(قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). قالوا : التوراة سحر ، ومثلها القرآن .. فقال سبحانه لنبيه الكريم : قل لهم : ان كان لديكم كتاب هو خير للانسانية من التوراة والقرآن فأتوا به ، وأنا على أتم الاستعداد لاتباعه والعمل به ، وهذا مثل قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ـ ٨١ الزخرف.

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ). لقد تحدى القرآن أهل الفصاحة والبلاغة بفصاحته وبلاغته ، وتحدى البشرية كلها بمبادئه وتعاليمه ، وقال : انها تهدي الإنسان للتي هي أقوم في عقيدته وشريعته ، وهذا هو بين أيدي الناقدين والدارسين فليأتوا بما هو أهدى منه للناس ، أو بمثله ويدعوا من شاءوا وما شاءوا ، فإن عجزوا ولم يؤمنوا فلا دليل لهم الا العمى والضلال يقودهم الى كل سوء ، وهذا هو المعنى المراد بقوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بعد أن جنوا على أنفسهم ، وسلكوا بها سبيل الهلاك والضلال.

٧٢

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). المراد بالقول هنا القرآن الذي أعذر بما أنذر ، والمعنى ان الله سبحانه أرشد العباد الى ما لهم وما عليهم ليطيعوا ويعملوا ، فمن عمل وأصلح فهو في أمن وأمان ، والعذاب على من كذب وتولى.

يؤتون أجرهم مرتين الآة ٥٢ ـ ٥٤ :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥))

اللغة :

مسلمين منقادين. يدرءون يدفعون. اللغو ما لا فائدة فيه. لا نبتغي الجاهلين لا نخالطهم.

الإعراب :

الذين مبتدأ أول وهم مبتدأ ثان وجملة يؤمنون خبر الثاني ، وجملة الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول. مرتين قائمة مقام المفعول المطلق.

المعنى :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ). ضمير قبله وبه يعودان

٧٣

إلى القرآن بدليل قوله تعالى بلا فاصل : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) .. وقد ثبت بالتواتر ان كثيرا من النصارى وبعض اليهود آمنوا بمحمد (ص) لأن التوراة والإنجيل قد نصّتا على أوصافه قبل تحريفهما : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ـ ١٥٧ الأعراف ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة الآية ١٢١ ج ١ ص ١٩٣ والآية ١٩٩ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٢٣٦.

(وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ). قرأ العلماء من أهل الكتاب أوصاف الرسول الأعظم (ص) والقرآن الكريم في التوراة والإنجيل ، قرأوا ذلك قبل أن يبعث محمد (ص) ، ولما بعث تلي عليهم القرآن فعرفوه وعرفوا محمدا بأوصافهما كما هي في الكتابين تماما كما عرفوا أبناءهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) ـ ١٤٦ البقرة. فآمن فريق منهم ، وفريق كتموا الحق وهم يعلمون ، حرصا على المناصب والمكاسب.

(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) : مرة على إخلاصهم في دينهم الذي أمرهم باتباع محمد والقرآن ، ومرة (بِما صَبَرُوا) على أذى السفهاء من الكافرين لأن إسلامهم كان حجة دامغة على من أصر على الكفر والعناد.

الصبر حكمة وبطولة :

(وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ). لاقى المسلمون الأولون الكثير من الأذى والتنكيل حتى محمد (ص) كان إذا مر في الطريق يصيح به السفهاء : «مجنون .. كذاب .. ساحر» فصبروا وتحملوا في غير شكاة ، وقد عبّر سبحانه عن صبرهم بالحسنة ، وعن اساءة المشركين واذايتهم بالسيئة ، وفي هذا التعبير إيماء الى أن السلاح الوحيد للضعيف هو الصبر ، وان الجزع وانهيار الأعصاب ضرب من الجنون ، وان المقاومة بغير سلاح موت وانتحار .. فصبر الضعيف عقل وحكمة ، وشجاعة وبطولة ، على شريطة أن يسعى ويعمل جاهدا لازالة الضعف وأسبابه ، ومن تقاعس وتكاسل فقد هانت عليه نفسه ، ورضي لها الذل والهوان .. وبكلمة : ان الضعيف كالمريض ، عليه أن يسعى للشفاء ، ولا يصبر على الدواء الا بعد العجز واليأس.

٧٤

(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) يدرءون شر المسيء بالصبر عليه ، وأيضا يحسنون اليه وإلى غيره بالإنفاق والعطاء إذا رزقهم الله من فضله ، قال الإمام علي (ع) : عاتب أخاك بالإحسان إليه ، واردد شره بالإنعام عليه (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ). تعرض الكافرون بالسب والشتم للذين أسلموا وآمنوا بالله ورسوله ، فتحملوا وتجاهلوا (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أنتم راضون بما عندكم من الباطل ، ونحن راضون بما عندنا من الحق (سلام عليكم) قال المفسرون : هذا سلام الاحتمال من الجاهلين ، وليس بسلام تحية ، تماما كما تقول لمن تريد البعد عنه : اذهب عني بسلام (لا نبتغي الجاهلين) لا نخالطهم ولا نتخلق بأخلاقهم.

انك لا تهتدي من أحببت الآة ٥٦ ـ ٦١ :

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١))

٧٥

اللغة :

نتخطف من التخطف ، وهو أخذ الشيء على وجه الاستيلاء. والبطر الطغيان عند النعمة. والمراد بأمها هنا أكبرها أو عاصمتها. ومن المحضرين أي ان الله سبحانه يحشرهم غدا للحساب والجزاء.

الإعراب :

رزقا مفعول من أجله ليجبى ، أو مفعول مطلق لأنّ يجبى يتضمن معنى الرزق ، فيكون مثل قمت وقوفا. ومن لدنا متعلق بمحذوف صفة للرزق. وكم خبرية في محل نصب بأهلكنا. ومن قرية تمييز. ومعيشتها منصوب بنزع الخافض أي بطرت في معيشتها ، ويجوز أن يكون بطرت بمعنى كفرت ومعيشتها مفعول. فتلك مساكنهم مبتدأ وخبر ، وجملة لم تسكن حال من مساكنهم. وقليلا صفة لمحذوف أي زمنا قليلا. وما أوتيتم (ما) اسم شرط مبتدأ. فمتاع خبر لمبتدأ محذوف أي فهو متاع. وما عند الله (ما) اسم موصول مبتدأ ، وخير خبر.

أبو طالب والإسلام :

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). اختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، فقال أكثر المفسرين من أهل السنة : انها نزلت في عم النبي أبي طالب. وقال الشيعة : لم تنص الآية على أبي طالب ولا غيره ، والنبي (ص) يحب الهداية لكل الناس الأقربين والأبعدين ، وكلمة (من) من صيغ العموم ، وتفسيرها بأبي طالب وحده تصرف في كلام الله بغير دليل ، أما الروايات القائلة : ان الآية نزلت في أبي طالب فلم تثبت صحتها عندنا ، وعليه تكون الآية مرادفة لقوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) ـ ٤٣ يونس.

وقد أطال صاحب الظلال أو في الظلال ، أطال الحديث حول هذه الآية ،

٧٦

ثم انتهى إلى الأخذ بمذهب الآباء والأجداد ، واعتمد أدلة الأقدمين دون محاكمة وتمحيص ، مع انها تناقض الفطرة تناقضا بينا ، وقد كرر صاحب الظلال مرات ومرات ان القرآن يخاطب الفطرة في أعماقها ، ونحن نحاكم أقواله محاكمة فطرية وموضوعية ، لا مذهبية تعصبية ، ونرجو القارئ أن ينظر إلى أقوالنا نظرة العالم المنصف.

قال صاحب الظلال ما نصه بالحرف : «هذا عم رسول الله (ص) وكافله وحاميه والذائد عنه لا يكتب الله له الأيمان على شدة حبه لرسول الله وشدة حب رسول الله له ، لا يكتب الله له أن يؤمن». ومعنى هذا ان الله كره أن يقول أبو طالب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، ولكن رسول الله أحب هذا القول من عمه ، وأصر عليه.

ونسأل : هل يصح في حكم العقل والفطرة أن يحب رسول الله شيئا يكرهه الله ويمقته؟ اذن ، كيف قرن الله طاعة رسوله بطاعته في العديد من الآيات؟ وإذا كره الله الإسلام من أبي طالب ولم يكتبه له على حد تعبير صاحب الظلال فعلى أي شيء يعاقبه ويضعه في «ضحضاح» من نار كما روى المفترون؟ وهل يجوز للقوي أن يأخذ الضعيف بما لم يفعل؟ كيف وهو القائل : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)؟ ولما ذا أحب الله الإسلام من أبي سفيان وكرهه من أبي طالب؟ ألأن أبا سفيان كان أشد الناس بغضا لرسول الله ، ولذا حشد له الجيوش ، وشن عليه الحروب ، ولأن أبا طالب أحب رسول الله حبا شديدا وحضنه وحماه وذاد عنه على حد تعبير صاحب الظلال ، أو لأن أبا سفيان هو والد معاوية ، وأبا طالب والد علي؟

وتجدر الاشارة إلى ان كل ما جاء في هذه التساؤلات فهو جائز على الله عند القائلين بكفر أبي طالب لأنهم يؤمنون بأن الله لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء ، وان له ان يعاقب الأبرياء ، ويحسن إلى سفاكي الدماء .. ولا أدري : هل أراد صاحب الظلال هذا المعنى من الفطرة التي يخاطبها القرآن في أعماقها؟. وبعد ، فان كتابة التفسير وغير التفسير تتأثر بعقيدة الكاتب وميوله ، وثقافته وبيئته ، وظروفه ووراثته ، وهذا ناموس طبيعي لا يشذ عنه كبير ولا صغير ..

٧٧

ولكن ليس معناه ان جميع العقائد والميول لا تتفق مع الحق والواقع ، والا استحال قول العدل والصدق .. وما على الإنسان إلا ان يجدّ ويجتهد في طلب الحق من مصدره ، لا من الميول والتقاليد .. وهذا ما نحاوله ونهدف اليه ، والله من وراء القصد. ونعطف هذه الأسطر على الصفحات التي كتبناها في هذا الموضوع عند تفسير الآية ١١٣ من سورة التوبة ج ٤ ص ١٠٧.

(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا). في رواية ان رسول الله (ص) قال : «والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأسود والأبيض ، ومن على رؤوس الجبال ، وفي لجج البحار ، ولأدعون أهل فارس والروم» ، ولما سمع ذلك عتاة قريش استعظموه ، وقالوا لرسول الله (ص) : «كيف نتبعك وأنت على نيتك هذه ، ولو استجبنا لك لاجتمع الناس بما فيهم فارس والروم ، وتظاهروا على اخراجنا من ديارنا ، وهدموا الكعبة حجرا حجرا». وسواء أصحت هذه الرواية أم لم تصح سندا فان مضمونها يصلح تفسيرا لهذه الآية ، فلقد دعا رسول الله الأسود والأبيض ، وأصر على دعوته ، وحاربه عتاة قريش من أجلها ، بالاضافة إلى ان هذه الرواية تنفق تماما مع قوله تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا). كيف تخافون يا أهل مكة من الناس ، والله سبحانه قد منع بلدكم هذا وصانه من القتل والسبي والنهب منذ يومه الأول ، وجعل أفئدة من الناس تحمل اليه من كل الثمرات والطيبات؟ (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن الله سبحانه خص بلدهم بهذه المنقبة دون سائر البلدان.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ). قالوا للرسول (ص) : نخشى الناس ان اتبعناك. فأجابهم سبحانه في الآية السابقة : أتخافون من الناس وقد جعل الله بلدكم حرما آمنا؟ .. ثم قال لهم في هذه الآية : أتخافون من الناس ولا تخافون من الله؟ ألا تعتبرون بالأمم الماضية التي طغت وكفرت بأنعم الله ، فأهلكها لكفرها به وبأنعمه ، وترك مساكنها خاوية على عروشها إلا من البقية الباقية ، أما أكثرها فلا وارث لها إلا وارث الأرض ومن عليها واليه المصير. وتقدم مثله في الآية ١٢٨ من سورة طه.

٧٨

(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ). الله عادل وحكيم لا يعذب أحدا إلا بعد التذكير والتحذير.

وتسأل : الظاهر من الآية ان الله لا يبعث رسولا في البلد الصغير ، أو إذا بعث فيه رسولا ، ولم يستجب أهله لدعوته فلا يعذبهم ، لأن المراد بالأم في الآية البلد الكبير أو العاصمة .. ولا يتفق هذا مع مبدأ المساواة في التكليف ووجوب الطاعة بين عموم الناس؟.

الجواب : ان الآية واردة مورد الغالب ، فان أكثر الأنبياء بعثوا في البلد الكبير ، وكل نبي كان يبعث مرشدا من قبله إلى البلد الصغير. وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأنعام الآية ٦ ج ٣ ص ١٦٢ وفي سورة هود الآية ١١٨ ج ٤ ص ٢٧٨.

(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ). المذموم من متاع الحياة ما يطغى معه الإنسان ، ويعثو في الأرض فسادا بسببه ، وإلا فلا يحرم زينة الله والطيبات من الرزق إلا جاهل بدين الله. وتقدم مثله في الآية ١٠٣ من سورة البقرة ج ١ ص ١٦٢ والآية ٧٧ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٨٣.

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ). وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، والله منجز وعده لا محالة ، وليس من شك ان الذي يتنعم في جنة الخلد لا يقاس به من يتنعم أياما في هذه الحياة ، ثم يساق قهرا إلى عذاب الجحيم.

اين شركائي الآة ٦٢ ـ ٧٠ :

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ

٧٩

حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))

اللغة :

حق عليهم وجب عليهم. والمراد بالقول هنا العذاب. والغواية الضلال. فعميت خفيت. والمراد بالأنباء الأجوبة والاعذار. والخيرة الاختيار.

الاعراب :

هؤلاء مبتدأ والذين أغوينا صفة ، وأغويناهم كما غوينا خبر. وإيانا مفعول مقدم ليعبدون.

المعنى :

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ). يحشر سبحانه غدا

٨٠