التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

النبوي : ان لله عبادا إذا أرادوا أراد. شككت في سند هذين الحديثين لأني لم أجد لهما أي أثر في هذه الحياة .. ثم أدركت ، وأنا أفسر آي الذكر الحكيم ان موضوع الحديثين الآخرة لا الدنيا ، فزال الشك ، وأيقنت ان كلا من الحديث القدسي والنبوي هو تفسير وبيان لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ونحوه من الآيات.

من هم القربى الآية ٢٣ ـ ٢٦ :

(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦))

اللغة :

القربى القرابة. ويقترف يفعل أو يكتسب. ومحو الباطل إزالته. وذات الصدور الضمائر.

٥٢١

الإعراب :

ذلك الذي مبتدأ وخبر. يبشر الله عباده صلة الموصول والعائد محذوف أي يبشر الله به عباده. إلا المودة في القربى استثناء منقطع أي لكن أسألكم المودة في القربى. وكذبا مفعول مطلق لافترى لأن الكذب والافتراء بمعنى واحد. ويمح مستأنف وغير معطوف على جواب الشرط وهو يختم لأن محو الباطل مطلق لا يجوز تعليقه على شيء ، وحذفت الواو من يمحو للاختصار مثل قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) ـ ٦ القمر.

المعنى :

(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). ذلك إشارة إلى الفضل الكبير الذي أعده الله في الآخرة للمتقين ، وقد أنزله في كتابه بشرى لهم ولتطمئن قلوبهم.

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي وروح البيان لإسماعيل حقي : «لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين». وقال ابن عربي في الجزء الرابع من الفتوحات بعنوان «لا تخونوا الله والرسول» : سألنا رسول الله المودة في قرابته وأهل بيته ، وهو واحد منهم ، وحب أهل البيت لا يتبعض ، فمن خان أهل البيت فقد خان رسول الله (ص). وبالملازمة من خان رسول الله فقد خان الله.

ونقل بعض المفسرين رواية ، في سندها معاوية ، ومؤدى هذه الرواية ان معنى الآية قل يا محمد لقريش : ناشدتكم الرحم أن لا تؤذونني.

وفي تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري : «عن سعد بن جبير : لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين أوجب الله علينا مودتهم؟ فقال علي وفاطمة وابناهما. ولا ريب ان هذا فخر عظيم وشرف تام : ويؤيده ما روي ان عليا شكا الى الرسول حسد الناس له.

٥٢٢

فقال النبي : أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا ، وعن النبي (ص) حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذوني في عترتي ، وكان يقول فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ، وثبت بالنقل المتواتر انه كان يحب عليا وحسنا وحسينا فوجب علينا محبتهم ، وشرفا لآل الرسول ختم التشهد بهم ، والصلاة عليهم في كل صلاة ، وقال الرسول (ص) : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ، ومن تخلف عنها غرق».

(وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) ومثله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ـ ١٦٠ الأنعام. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) أي يثيب الشاكرين.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ). قال المفترون : انك يا محمد تفتري على الله بدعوى النبوة .. وجهلوا ان الله قد عصمك عن الخطأ والخطيئة ، وانه لو حاولت الافتراء عليه ـ وفرض المحال غير محال ـ لطبع على قلبك ومنعك عن ذلك بالقهر والجبر (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ). أنت يا محمد على حق ، وأعداؤك على باطل ، ويزهق الله الباطل ويحق الحق بالدلائل والبينات الواضحة الواقعة ، وقد أيدك الله بها ، وجعل كلمتك العليا وكلمة أعدائك السفلى على الرغم من كثرتهم وتظاهرهم عليك وعلى الإسلام (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) عليم بما تخفيه القلوب التي في الصدور ، فيجري على أربابها ما يستحقونه من ثواب وعقاب.

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ). من أذنب ثم تاب قبل الله توبته وصفح عن ذنبه ما عدا حق الناس ، وأيضا إذا كان له حسنات وسيئات لا تتصل بحقوق الناس ، وكانت بمقدار حسناته ـ عفا الله عنها جميعا ، وأصبح كأنه لم يسيء ولم يحسن ، وإذا كانت الحسنات أكثر بقي له منها ما زاد عن السيئات ، وفي الحالين يصدق عليه قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) ـ ١١٤ هود ج ٤ ص ٢٧٥ وقوله : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ـ ١٠٢ التوبة ج ٤ ص ٩٦ (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من الحسنات والسيئات ، فمن ثقلت موازين سيئاته فهو من الخاسرين ، ومن ثقلت موازين حسناته فهو من المفلحين.

٥٢٣

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ). الذين آمنوا فاعل يستجيب ، والمعنى ان المؤمنين يسمعون دعوة الله ويستجيبون لها ، فيثيبهم على الاستجابة والطاعة ، ويزيدهم من فضله أضعافا .. والمجرمون يعرضون عن دعوة الله ، فيعذبهم على الإعراض والمعصية العذاب الأكبر.

الرزق بالعمل لا بالدعاء الآية ٢٧ ـ ٣٥ :

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥))

اللغة :

بقدر بتقدير. والمراد بالدابة هنا كل ما فيه حياة فيشمل الملائكة والطيور

٥٢٤

ونحوها. وبمعجزين بجاعلين الله عاجزا عنكم. والجوار السفن الجارية. والمراد بالأعلام الجبال «كأنه علم في رأسه نار» أي كأنه جبل. فيظللن يقمن. والرواكد الثوابت. ويوبقهن يهلكهن. والمحيص المهرب.

الإعراب :

الجوار مبتدأ وأصلها الجواري وحذفت الياء تخفيفا وفي البحر متعلق بها. وكالأعلام الكاف بمعنى مثل حالا من الجواري. فيظللن محلها الجزم جوابا للشرط. ورواكد حال. والضمير في ظهره إلى البحر. أو يوبقهن ويعف عطف على يظللن. ويعلم بالنصب على حذف اللام أي ليعلم ، وقيل بالعطف على محذوف أي لينتقم منه ويعلم الذين الخ.

المعنى :

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ). لقد أناط سبحانه أرزاق العباد بكسبهم وعملهم ، لا بإرادتهم وأهوائهم ، وإلا عمت الفوضى وتفرغوا للفساد في الأرض (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) أي يرزقه على قدر عمله ، وقد يرزق سبحانه الكثير من العمل القليل ، أو القليل من العمل الكثير لحكمة هو بها أعلم ، أما الثراء عن طريق الحرام كالغش والسلب والنهب فهو من رزق الشيطان ، لا من عطاء الرحمن ، كيف وقد توعد صاحبه بعذاب أليم (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ). يعلم من يعيش على حساب المعدمين ، ومن يعيش بكد اليمين ، وأعد للأول الخزي والعذاب ، وللثاني الكرامة والثواب.

(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) بعد ان ذكر سبحانه الرزق قال : ان أسبابه كالمطر وغيره بيده تعالى يرسلها لمنافع الناس ومصالحهم ، ويقبضها عنهم متى شاء ، فإن تأخرت قليلا يئسوا وقنطوا ، فيتداركهم برحمته التي وسعت كل شيء (وَهُوَ الْوَلِيُ) يتولى عباده بالإحسان (الحميد) المستحق للحمد والشكر.

٥٢٥

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ). المراد بالسماء الشيء العالي كوكبا كان أو فضاء ، والمراد بالدابة هنا كل ما فيه حياة طيرا كان أو ملكا أو أي حي من الأحياء التي تعيش في البر أو البحر أو الفضاء أو في كوكب من الكواكب .. وكلها تنطق بوجود باريها ومصورها (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) تماما كما قدر على خلقهم وبثهم في السموات والأرض.

(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ). هذه الآية تدل بصراحة لا تقبل التأويل على ان الظلم والفقر من صنع الناس لا من صنع الله ، ومن فساد الأنظمة والأوضاع لا من حكم الله وشريعته حتى القحط وحبس الغيث سببه البغي والفساد كما في الحديث .. وفي كتاب الله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) ـ ٦٦ المائدة ج ٣ ص ٩٤ فقرة «الرزق وفساد الأوضاع» (ويعفو عن كثير) من الذنوب ما عدا الشرك والظلم لأنه هو القائل : «لا يغفر ان يشرك به» والقائل : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ـ ٥٢ غافر.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ). هذا تهديد ووعيد. وتقدم مثله بالحرف في الآية ٢٢ من سورة العنكبوت (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) جمع علم وهو الجبل ، وإذا كانت السفينة من صنع الإنسان فإن الماء الذي تجري عليه ، والهواء الذي يدفعها هما من صنع الله تعالى ، وكذا أخشابها وسائر أجزائها ، ومثلها الطائرة التي تطير في فضاء الله ، والسيارة التي تسير على أرض الله وغيرها وغيرها من الأدوات حتى الإنسان الذي صنعها واخترعها ، ذلك وغيره مظهر لقدرته تعالى وفيض من رحمته.

(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ). إذا أمسك الهواء أو جمد الماء وقفت السفينة عن الجري (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ). من صبر على التفكير والنظر الى الكون ، وما فيه من عجائب وأسرار ـ لا بد أن ينتهي الى الايمان بالله وعظمته ، ويشكره على فضله وهدايته.

(أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ). أو يهلك أصحاب السفن بذنوبهم ، ولكنه يعفو عن كثير أي لا يعاجلهم بالكثير من ذنوبهم (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا

٥٢٦

ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ). يعلم أي ليعلم على حذف اللام ، والذين يجادلون في آيات الله هم الذين يقولون : لا شيء يدل على ان الله موجود ، والمعنى ان الكافرين لا يؤمنون بالله ، ويجحدون كل دليل ينطق بوجوده .. أجل ، هناك سبيل واحد لايمانهم واعترافهم ، وهو أن يروا الهلاك عيانا ويعلموا انه لا مهرب لهم منه ، مثل أن تقف بهم السفينة أو تعصف به الريح. وبكلمة لا يؤمنون حتى يروا العذاب.

وما عند الله خير وأبقى الآية ٣٦ ـ ٤٣ :

(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣))

اللغة :

كبائر الإثم المعاصي العظيمة. وكل ما تجاوز في القبح فهو فحش. والمشاورة المفاوضة في الكلام لإظهار الحق. والمراد بالسبيل هنا العقاب. وعزم الأمور أحسنها.

٥٢٧

الإعراب :

فما أوتيتم من شيء «ما» شرطية ومحلها النصب بأوتيتم لأن الفعل هنا بمعنى أعطيتم. فمتاع الحياة خبر لمبتدأ محذوف أي هو متاع. والذين يجتنبون عطف على الذين آمنوا. وهم تأكيد لفاعل غضبوا. والذين إذا أصابهم البغي ينتصرون ، فيه تقديم وتأخير ، والأصل والذين هم ينتصرون إذا أصابهم البغي. ولمن صبر بفتح اللام وهي للابتداء ومن موصول في محل رفع بالابتداء ، والجملة من ان ذلك الخ خبر.

المعنى :

(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا). متاع الحياة كل ما تتمتع به في هذه الحياة من صحة وجاه ومال ونساء وأولاد وبناء وأثاث وغيره ، وملذات الدنيا وان كثرت فهي الى زوال ونفاد ، أما نعيم الآخرة فهو باق ببقاء الله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) ـ ٩٦ النحل. وقال تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى). وكل عمل يسد حاجة من حاجات الحياة فهو ذخيرة عند الله بالشروط التالية :

١ ـ (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، أما الذين كفروا به فلا شيء لهم عند الله إلا العذاب لأنهم لا يعترفون بوجوده. وفي الحديث : من عمل لغير الله أوكله سبحانه لمن عمل ، ويقال له غدا : خذ أجرك ممن عملت له.

٢ ـ (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في جميع أمورهم ، ولا يعتزون إلا بتقوى الله ومرضاته.

٣ ـ (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ). ومنها الظلم والكذب والزنا والفساد. أنظر تفسير : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) ـ ٣١ النساء ج ٢ ص ٣٠٦ وتفسير : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ـ ١٥١ الأنعام ج ٣ ص ٢٨٣.

٥٢٨

٤ ـ (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ). يكظمون الغيظ ، ولا يغضبون إلا لله.

٥ ـ (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) ولم يعصوه في أمر ولا نهي.

٦ ـ (وَأَقامُوا الصَّلاةَ). وخصها سبحانه بالذكر لأنها عمود الدين ، وكان النبي (ص) يعبر عنها بقرّة العين ، وسماها بعض العارفين حقيقة المسلم.

٧ ـ (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ). وكلمة أمرهم تومئ الى الصالح العام ، وانهم يتعاونون يدا واحدة على العمل من أجله .. ولا صلة لهذا التشاور في حلال الله وحرامه لأنهما لله وحده. انظر تفسير (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ـ ١٥٩ آل عمران ج ٢ ص ١٨٩. وفي نهج البلاغة : الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه.

٨ ـ (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في الخيرات والمبرات.

٩ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ). وتسأل : ما هو وجه الجمع بين هذه الآية وقوله تعالى : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)؟

الجواب : ان العفو عن السيئة يحسن حيث يكون سببا لاصلاح المسيء وانابته أو تفاديا لوقوع شقاق أو فتنة ، ولا يحسن حيث يكون سببا لتمادي الطغاة والسفهاء. قال الإمام علي (ع) : الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله ، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ـ ٣٤ فصلت.

(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها). ونحوه : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ـ ١٩٤ البقرة ج ١ ص ٣٠١ (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ). ومثله : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ـ ٢٣٧ البقرة. وأيضا : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ـ ٤٥ المائدة. (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). والمراد بالظالمين هنا الذين يتجاوزون الحد في القصاص والانتقام.

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) إطلاقا ، لا عتاب ولا عقاب لأن البادي هو الظالم ، وللمظلوم كل الحق أن ينتصف لنفسه ممن ظلمه ، بل إذا سكت عنه مع قدرته عليه فهو شريكه في الظلم ، لأن سكوت المظلوم عن

٥٢٩

الظالم تشجيع له ، ولو علم الظالم ان المظلوم يستميت من أجل كرامته لتحاماه.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). قلنا فيما تقدم : ان الظالم بحكم الكافر عند الله ، وان نطق بالشهادتين .. أجل ، انه يعامل في الحياة الدنيا معاملة المسلمين ، أما في الآخرة فهو مع القوم الكافرين بشهادة العديد من آيات الله التي عبرت عن الكافر بالظالم ، وعن الظالم بالكافر. أنظر ج ١ ص ٣٩٠ وج ٥ ص ٤٧٨ (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) حيث يحسن الصبر والمغفرة (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي مما يحسن العزم والتصميم على فعله ، وأفضل أنواع الصبر تحمّل الأذى في سبيل إحقاق الحق وإعلانه ، وأفضل أنواع العفو ما كان سببا للقضاء على الفتن والفساد.

الخاسر من خسر نفسه الآية ٤٤ ـ ٥٠ :

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ

٥٣٠

أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))

اللغة :

مرد مرجع. ونكير أي لا تنكرون أعمالكم. وحفيظ وكيل.

الإعراب :

ضمير عليها يعود الى النار المدلول عليها بكلمة العذاب. وخاشعين حال من مفعول تراهم لأن الرؤيا هنا بصرية تتعدى الى مفعول واحد. وحفيظا حال من كاف أرسلناك.

المعنى :

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ). من سلك طريق الضلال بسوء اختياره حقت عليه كلمة الله بأنه من الضالين .. ولا يلومن إلا نفسه .. ومن خذله الله وأخزاه فلن يجد من ينصره وينقذه من هذا الخذلان (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ)؟ اعتزوا بأنفسهم ، وشمخوا بأنوفهم بغيا واستكبارا في الحياة الدنيا ، ولما حشرهم الله أذلة خاسئين تضرعوا وطلبوا الخلاص من العذاب أو الرجوع الى الدنيا ثانية .. وهكذا الطغاة يتعاظمون حيث لا قوة رادعة ، وينهارون إذا ظهرت لهم دلائلها.

(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ). أقبلوا على النار بأعمالهم في تخوف وانكسار ، يسترقون النظر الى جهنم ، وفرائصهم ترتعد

٥٣١

من شدة الخوف ، ومن قبل كانوا بها يستهزئون (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ). قال المؤمنون هذا حين رأوا المجرمين يساقون الى عاقبة أعمالهم ، قالوه حمدا لله الذي أنجاهم من هذا الخزي والعذاب المقيم. وتقدم مثله في الآية ١٥ من سورة الزمر.

(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ). الشرط الأساسي في الولي والناصر أن يكون له شيء من القوة ينتصر بها لنفسه أو لغيره ، وما لأحد في ذاك اليوم حول ولا قوة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) الى الخلاص من النار .. ونفسر الضلال هنا بالنار لأن السياق يومئ اليه تماما كما هو في قوله تعالى : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) ـ ٣٤ غافر أي يعذب الله.

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ). كلف سبحانه العباد بما يعود عليهم بالنفع والخير ، ومنحهم القدرة على ما كلفهم به ، وأمهلهم ليعملوا ويتوبوا ، وحذرهم عاقبة الإهمال والتقصير ، ولم يدع لأحد حجة يلجأ اليها في يوم لا يرد فيه الإنسان الى حياته الأولى ، ولا يستطيع انكار ما كسبت يداه (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ). المعنى واضح ، وتقدم في العديد من الآيات ، منها الآية ٨٠ من سورة النساء و ١٠٧ من سورة الأنعام.

(وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ). المراد بالرحمة النعمة كالصحة والمال ، وبالسيئة البلاء كالفقر والمرض ، وبالإنسان أكثر أفراده أو الكثير منهم لأن الإنسان غير مجرم بطبعه وإلا سقط عنه التكليف كما بيّنا في ج ٤ ص ٤٤٩. والمعنى ان الجاهل الخاسر يفرح ويبطر بما يناله من حطام الدنيا ، ويكفر إذا فاته شيء منه حتى ولو كان ذلك بسوء رأيه وهوى نفسه. وتقدم مثله في الآية ١٠ من سورة هود ج ٤ ص ٢١٢ وغيرها.

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ). يزوجهم أي يجمع ويقرن بين نوعي الذكور والإناث .. وليس من شك ان الإنسان لا إرادة

٥٣٢

له ولا اختيار في ان يجعل أولاده ذكورا أو إناثا أو هما معا ، ولكن الله هو الذي يهبه الذكور فقط أو الإناث فقط أو هما معا أو يجعله عقيما من غير نسل ، وحتى الآن لم يهتد الطب الى علاج العقم في الرجل أو المرأة ، وقد التجأ الأطباء إلى التلقيح الصناعي إذا كان الزوج عقيما ، وذلك بأن تلقح زوجته بنطفة رجل أجنبي غير عقيم من دون مقاربة. وعقدنا فصلا مستقلا لهذا الموضوع في كتاب «الإسلام مع الحياة» ، وأفتينا بتحريم التلقيح ، وإذا حملت المرأة فلا يلحق الحمل بالزوج إجماعا ، ويلحق بالأم.

صورة الاتصال بين الله ورسله الآية ٥١ ـ ٥٣ :

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))

الإعراب :

المصدر من أن يكلمه اسم كان ، ولبشر متعلق بمحذوف خبرها أي ما كان تكليم الله واقعا لبشر. وإلا وحيا استثناء منقطع لأن الوحي غير التكليم. أو يرسل بالنصب عطفا على «وحيا» لأن المعنى الا أن يوحي. ولا يجوز عطف يرسل على أن يكلمه إذ يصير المعنى ان الله لا يكلم بشرا ولا يرسل إليه رسولا. وصراط الله بدل من صراط مستقيم.

٥٣٣

المعنى :

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ). يطلق كلام الله سبحانه على العديد من المعاني ، منها قضاؤه وقدره : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) .. والخلق والإيجاد : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ). والحق : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) .. والكون الذي أوجده بكلمة «كن». والإلهام : (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) كما يأتي .. ومن كلام الله الكلام المسموع : (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ).

وهذا الكلام هو الذي يسمعه النبي من وراء حجاب أو يرسل الله به الى النبي رسولا.

وقد ذكر سبحانه في الآية التي نحن بصددها ـ ثلاثة أوجه لتكليمه الرسل ، وكيفية اتصاله بهم : الأول إلقاء المعنى في قلب النبي مباشرة ومن غير واسطة ، وهذا هو المراد بقوله : «إلا وحيا». الثاني أن يخلق الله الكلام كما يخلق غيره من الكائنات ، فيسمعه النبي لا بواسطة رسول من الله بل من وراء حجاب أي ان النبي يسمع الكلام ولا يرى المتكلم ، وهذا هو المقصود من قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ـ ١٦٤ النساء. الثالث أن يرسل سبحانه الى رسوله ملكا يبلغه رسالات ربه. قال الملأ صدرا في الأسفار : «إياك أن تظن ان تلقّي النبي (ص) كلام الله بواسطة جبريل وسماعه منه كاستماعك من النبي ، أو تقول ان النبي (ص) كان مقلدا لجبريل».

وليس من شك انه لا يظن هذا الظن أو يقول هذا القول إلا جاهل .. لأن ما بلّغه جبريل لمحمد (ص) هو كلام الله بالذات ، ووعاه الرسول الأعظم على حقيقته ، وعليه تكون معرفة الرسول بكلامه تعالى هي عين كلام الله ، وكلام الله هو عين معرفة الرسول.

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا). المراد بالروح هنا القرآن لأنه حياة للأرواح والأبدان أيضا ، قال الإمام علي (ع) : كتاب الله تبصرون به ، وتنطقون به ، وتسمعون به (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ). المراد بالكتاب القرآن ، وبالايمان شريعة الله التي بينها سبحانه لنبيه الكريم بعد أن اختاره سبحانه

٥٣٤

لرسالته ، وقد اختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال أنهاها الرازي الى خمسة وأرجحها ـ فيما نرى ـ قول الشيخ إسماعيل حقي في تفسير روح البيان ، وهذا نصه «المراد بالايمان تفاصيل ما جاء في القرآن التي لا تهتدي اليها العقول ، لا الايمان بما يستقل به العقل والنظر ، لأن دراية النبي (ص) لا ريب فيها ، وقد أجمع أهل الوصول ـ الى معرفة الله وأنبيائه ـ على ان الرسل كانوا مؤمنين قبل الوحي معصومين من الكبائر والصغائر الموجبة لنفرة الإنسان عنهم قبل البعثة وبعدها فضلا عن الكفر».

(وَلكِنْ جَعَلْناهُ ـ أي القرآن ـ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) وهم الذين طلبوا الهداية بتجرد واخلاص والحق لوجه الحق ، أما من عاند وتمرد فيدعه الله وشأنه : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) ـ ٣ الزمر. (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ). النبي (ص) يدعو الى الإسلام دين الله وصراطه القويم ، ومن سلك هذا الصراط فقد سلك الطريق الواضح الى الله ، وأمن جميع العواقب (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ). ان دعوة رسول الله هي السبيل الى مالك الكون وجامع الخلق في يوم لا ريب فيه ، فمن استمع لدعوة رسوله وأجاب فهو غدا مع الصدّيقين والنبيين وحسن أولئك رفيقا ، ومن نكص عنها ونأى فهو في نار جهنم ضجيع حجر وقرين شيطان.

٥٣٥

سورة الزّخرف

٨٩ آية مكية. وقيل : إلا آية واحدة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وانه في ام الكتاب الآية ١ ـ ١٤ :

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤))

٥٣٦

اللغة :

أفنضرب عنكم أي أنعرض عنكم ونترككم. صفحا إعراضا. مسرفين متجاوزين الحد. مثل الأولين بفتح الثاء وصفهم وحالهم. مهدا فراشا. بقدر بمقدار. فأنشرنا فأحيينا. والأزواج الأصناف. لتستووا لتستقروا مثل واستوت على الجودي. سخّر ذلّل. مقرنين مطيقين. ومنقلبون راجعون.

الإعراب :

والكتاب الواو للقسم. وجعلناه هنا بمعنى أنزلناه كما في الآية ٢ من سورة يوسف و ١١٣ من سورة طه ، وقرآنا حال ، وعربيا صفة. ولعليّ حكيم خبر انه. وفي أم الكتاب متعلق بعلي واللام لا تمنع من ذلك على حد تعبير البيضاوي. ولدينا بدل من أم الكتاب. وصفحا مفعول مطلق لنضرب لأنهما بمعنى واحد. وأن كنتم «أن» مصدرية والمصدر المنسبك مفعول من أجله لنضرب أي أفنضرب عنكم الذكر صفحا من أجل كونكم قوما مسرفين. وكم خبرية ومحلها النصب بأرسلنا ، ومن نبي تمييز. وبطشا تمييز.

المعنى :

(حم) تقدم الكلام في مثله في أول سورة البقرة (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ). هذا قسم منه تعالى بالقرآن الذي فيه بيان الهدى والضلال ، والحلال والحرام (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). تقدم مثله في الآية ٢ من سورة يوسف ج ٤ ص ٤٨٦ والآية ١١٣ من سورة طه ج ٥ ص ٢٤٧ والآية ٣ من سورة حم السجدة والآية ٧ من سورة الشورى. وتكلمنا كثيرا حولها ، وليس لدينا الآن من مزيد.

(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ). ضمير انه للقرآن ، وأم الكتاب أصله .. وليس من شك ان علم الله سبحانه هو الأصل لجميع الكتب السماوية .. ووصف سبحانه القرآن بالعلي لأنه يعلي ويرفع من شأن الذين يستمعون له ويعملون

٥٣٧

به ، وقد رأينا كيف أخرج العرب من جاهلية جهلاء إلى حضارة زاهرة ، وكيف نشر سلطانهم ولغتهم في شرق الأرض وغربها حين أحلّوا حلال القرآن ، وحرموا حرامه .. وأيضا وصفه تعالى بالحكيم لأنه ساوى بين الناس دون استثناء ، ودعا الى التسامح ، وحث على العمل النافع ، والتعاون لمصلحة الانسانية جمعاء.

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ). بعد ان ذكر سبحانه القرآن ، وانه الناصح الأمين قال للذين كذبوا به من مشركي العرب : ما ذا ترون؟ أنترك تذكيركم بالقرآن لا لشيء إلا لأنكم أسرفتم على أنفسكم وظلمتموها بالجهل والضلال؟ بل أنتم أولى بالتذكير من غيركم (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ). انهم كثيرون ، وقص سبحانه على نبيه أخبار العديد منهم ، وقال له : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) ـ ٧٨ غافر.

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). تماما كما استهزأ بك قومك يا محمد .. فلا يشقّنّ ذلك عليك .. ولا بدع في ذلك .. انه الصراع بين أهل الضلالة والعمى وبين دعاة الحق والعدل في كل زمان ومكان (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أهلك سبحانه الطغاة الأشداء من الأمم الماضية انتصارا للأبرار الضعفاء (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي وقصصنا في القرآن حال المكذبين الأولين وإهلاكهم لعل قومك يتذكرون ويتعظون.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ). تقدم مثله في الآية ٦١ من سورة العنكبوت والآية ٢٥ من سورة لقمان والآية ٣٨ من سورة الزمر (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ). تقدم في الآية ٩٩ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٣٤ والآية ٣ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٤ والآية ٥٣ من سورة طه ج ٥ ص ٢٢٣ (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي الأصناف من الحيوان والنبات والجماد.

(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ). بعد أن ذكّرهم سبحانه بنعمة الماء والأرض ، وانهم يأكلون منها ويلبسون ويشربون ـ ذكّرهم بنعمة

٥٣٨

المواصلات ، وخص الفلك والأنعام بالذكر من باب المثال لا من باب الحصر لأن غيرهما كالسيارة والطائرة لم يكن معروفا في ذلك العهد (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) ضمير ظهوره يعود الى الاسم الموصول ، وهو ما تركبون (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) الاستواء الاستقرار ، وعليه أي على ما تركبون.

(وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي راجعون ، ومقرنين مطيقين. وفي نهج البلاغة : «اللهم اني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، وأنت الخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما ـ وهما الصحبة في السفر والبقاء عند الأهل ـ غيرك لأن المستخلف لا يكون مستصحبا ، والمستصحب لا يكون مستخلفا».

وعلّق الشيخ محمد عبده على ذلك بقوله : «أول هذا الكلام مروي عن رسول الله (ص) ، وأتمه أمير المؤمنين بقوله : ولا يجمعهما الخ وذات الله تستوي عندها الأمكنة كما تستوي الأزمنة ، فالسفر والحضر عندها سواء».

لم اتخذ مما يخلق بنات الآية ١٦ ـ ٢٥ :

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى

٥٣٩

أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥))

اللغة :

المراد بالجزء هنا البنات لقوله تعالى بلا فاصل : أم اتخذ مما يخلق بنات. وأصفاكم خصكم. ومثلا شبيها. ووجهه مسودا كناية عن الهم والغم. وكظيم ممتلئ غيظا. والحلية زينة الأنثى ، والبنت هي التي تنشأ وتتربى فيها. وهو في الخصام غير مبين أي يجادل بغير علم. أشهدوا أحضروا. ويخرصون يكذبون. وعلى أمة أي ملة وطريقة.

الإعراب :

بنات مفعول اتخذ ، وفي الكلام تقديم وتأخير أي أم اتخذ بنات مما يخلق. ومسودا خبر ظل. وجملة وهو كظيم حال. أو من ينشأ الهمزة للإنكار والتوبيخ ومن مفعول لفعل محذوف ، والمراد بها الأنثى ، أي أو قد جعل الأنثى لله. وان هم «ان» نافية. وكذلك خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر مثل ذلك.

المعنى :

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ

٥٤٠