التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))

اللغة :

حاق بهم نزل بهم. وخولناه أعطيناه. وفتنة بلية.

الإعراب :

اللهم فاطر السموات أي يا الله يا فاطر السموات يا عالم الغيب. والمصدر من أن للذين ظلموا فاعل لفعل محذوف أي لو ثبت ملك الذين ظلموا. وجميعا حال من مال في الأرض. وبل هي أي النعمة.

المعنى :

(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). ترتبط هذه الآية بقوله تعالى في الآية السابقة : (وَما

٤٢١

أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) والمعنى واضح ، وملخصه قل يا محمد بعد أن بلغت ونصحت : اللهمّ أنت خالق الخلق ومالك الملك ، وعالم بما كان مني ومن المكذبين ، ولك وحدك الحكم والقول الفصل في كل اختلاف وصراع بين عبادك في هذه الحياة.

(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ). كانوا يتكالبون على حطام الدنيا ، ويجمعون المال على المال غافلين عن لقاء الله وحسابه ، وحين وقفوا بين يديه لنقاش الحساب وتكشف لهم ما كانوا يأمنون عضوا يد الندامة ، وتمنّوا لو ملكوا أضعاف ما في الأرض وقبل منهم فدية عن عذاب الحريق ، ولكن هيهات أن يفدى لجهنم أسير .. وتقدم مثله في الآية ٩١ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٠٦ والآية ٥٤ من سورة يونس ج ٤ ص ١٦٩ والآية ١٨ من سورة الرعد.

(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). كانوا إذا قيل لهم : اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله سخروا من هذا القول وقائله ، ولما أحضروا في اليوم الموعود بدت لهم الحقيقة ، ونزل بهم العذاب جزاء وفاقا على موقفهم الساخر منه وممن أنذر به.

عذر أقبح من ذنب :

(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ). المراد بالإنسان هنا كل من ينطبق عليه هذا الوصف ، يستغيث بالله عند الشدة ، وينساه عند الرخاء ، ويقول في جهل وغرور : ان نعمتي من صنع تدبيري وفطنتي. تذكرت وأنا أكتب هذه الكلمات سياسة الولايات المتحدة التي أعلنها «راسك» حين كان وزيرا للخارجية ، أعلنها بقوله : «لا بد للولايات المتحدة أن تظهر اهتمامها بالكرة الأرضية كلها بجميع أراضيها ومياهها وجوّها وفضائها الخارجي المحيط بها». أي ان للولايات المتحدة أن تسيطر على الأرض بمن فيها وما فيها ، وكان هذا الإعلان سنة ١٩٦٦ ، أي قبل أن ترسل الولايات المتحدة روادها ليطئوا أرض القمر ، أما اليوم فينبغي أن تعطف القمر وغيره من الكواكب على الأرض.

٤٢٢

وبعد أن نشرت الصحف العالمية هذه السياسة الاستعمارية التي أعلنها وزير خارجية الولايات المتحدة كتب مأجور في إحدى الصحف العميلة مقالا يبرر فيه هذه السياسة ويدافع عنها بقوله : ان الولايات المتحدة أقوى دولة علما وثراء ، وقد حققت انتصارات ضخمة في ميدان العلم والصناعة ، فلها ـ اذن ـ كل الحق أن تتدخل في شئون العالم بمختلف الصور ، وان تستولي على كل ما تريد الاستيلاء عليه ، وان تغير ما شاءت من قوانين الدول والشعوب ، وتوجه اقتصادها ، وتضع هي ميزانتها ، وتحدد ما تصدره وتستورده .. وأيضا للولايات المتحدة كل الحق أن تستعمل سياسة العصا الغليظة مع كل بلد يدافع عن حريته واستقلاله ، فتقتل وتدمر بكل أسلوب ، بالانقلابات العسكرية ، وتدعيم الحركات الانفصالية والقضاء على الانتفاضات الوطنية ، بل لها الحق أيضا أن تتدخل تدخلا مباشرا ومسلحا ان اقتضى الأمر .. لها الحق في ذلك وأكثر من ذلك لأن هذا الحق في واقعه للعلم أولا ، وثانيا للولايات المتحدة التي خرج العلم من مصانعها العسكرية ، وتمثّل في أسلحتها الجهنمية .. وكل من ملك هذا السلاح كان له الحق في السيطرة على الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها. وكل ما جاء على لسان كاتب المقال هو بيان للسياسة الامريكية كما هي في واقعها .. ومن أراد التثبت من هذه الحقيقة فليدرس سياسة أمريكا في فيتنام وآسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية ، وموقفها العدائي من العرب ، وانتصارها غير المحدود لعدوان إسرائيل ومعارضتها الحل السلمي البنّاء لمشكلة فلسطين ولكل مشكلة قائمة في الشرق والغرب.

ونسأل ذاك الأفاك الأثيم الذي تطوع للدفاع عن أمريكا وبارك سياستها ، وقال ان لها كل الحق في أن تشبع شهوتها العدوانية إلى أقصى ما تصل إليه الشهوات والنزوات .. بارك وبرر لا لشيء إلا لأن أمريكا تمتلك مصانع الخراب والدمار ، نسأل هذا الأفاك : إذا كان العلم يبرر التقتيل والتدمير والسلب والنهب فمعنى هذا ان العلم للشر لا للخير ، وللفساد لا للصلاح ، وان للعالم أن يستخدم علمه للقرصنة واللصوصية والكذب والتزوير ، وان المجرم الحاذق مشكور ومأجور .. وانه كلما تفوق في الإجرام وكثر منه الضلال والفساد استحق الاحترام والتقدير .. وأيضا إذا كان العلم يبرر العدوان فلما ذا ترفع الولايات المتحدة شعارات العدل والانسانية ،

٤٢٣

وتحاول جاهدة أن تقنع الناس بأنها العابدة الزاهدة وتحارب الشيوعية باسم الإيمان بالله واليوم الآخر؟

وبعد ، فقد ذهل ذاك الكاتب الأثيم انه يكشف عن ضلاله وخيانته ، وهو يدافع بمنطقه المفضوح عن شهوة الولايات المتحدة وشقوتها ، ويعتذر عنها بما هو أقبح من ذنبها.

(بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) المراد بالفتنة هنا النعمة ، والمعنى ان الله سبحانه ينعم على العبد من فضله ليبلوه أيشكر أم يكفر؟ فإن شكر زاده الله نعمة في الدنيا وأجرا في الآخرة ، وان كفر فإن جهنم أعدت للكافرين (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ان الله يختبر عباده لتظهر الأفعال التي يستحقون بها الثواب والعقاب.

(قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ). ضمير قالها يعود إلى مقالة القائل : «أوتيته على علم» والمعنى ان لهذا القائل الجهول أمثالا في التاريخ ، ولكن المال لم يرد عنهم غضب الله ونقمته ، ولم يدفع عنهم العذاب الموعود حين نزوله بهم. أنظر تفسير الآية ٧٨ وما بعدها من سورة القصص.

(فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء ـ أي الذين كذّبوا محمدا ـ سيصيبهم سيئات ما كسبوا). من يعمل سوءا يجز به ولا يجد من دون الله وليا ولا نصيرا ، وهذا الحكم ثابت في حق الجميع لا يقبل الاستثناء والتخصيص بالأمم السابقة أو اللاحقة ، سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ). وهل يعجز المخلوق خالقه؟.

(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). تقدم مثله في الآية ٢٦ من سورة الرعد و ٣٠ من سورة الإسراء و ٨٢ من سورة القصص و ٦٢ من سورة العنكبوت و ٣٧ من سورة الروم و ٣٦ و ٣٩ من سورة سبأ. وتكلمنا عن هذا الموضوع مفصلا في المجلد الثالث ص ٩٤ فقرة «الرزق وفساد الأوضاع» ، وص ١٣١ فقرة «هل الرزق صدفة أو قدر» ، وفي المجلد الرابع ص ٤٠١ فقرة «الإنسان والرزق» ، وعند تفسير الآية ٦٠ من سورة العنكبوت فقرة «الرزق والثقة بالمخلوق دون الخالق».

٤٢٤

ان الله يغفر الذنوب جميعا الآية ٥٣ ـ ٥٩ :

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩))

اللغة :

أسرفوا تجاوزوا الحد. لا تقنطوا لا تيأسوا. أنيبوا ارجعوا. أسلموا له أخلصوا له. فرطت أهملت وقصرت. في جنب الله في حقه وطاعته. وكرة رجعة.

الإعراب :

جميعا حال من الذنوب. وبغتة مصدر في موضع الحال من العذاب أي باغتا. والمصدر من أن تقول نفس مفعول من أجله لاتبعوا. يا حسرتا الأصل يا حسرتي ثم قلبت الياء ألفا ، وان كنت «ان» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف

٤٢٥

أي واني كنت واللام في «من» هي الفارقة بين ان النافية والمخففة. فأكون مضارع منصوب بأن مضمرة في جواب لو التي تفيد التمني. وبلى واقعة في جواب لو ان الله هداني لأن لو تتضمن معنى النفي.

المعنى :

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). هذه دعوة صريحة من الله للذين جاروا على أنفسهم بارتكاب الذنوب والمعاصي ، دعوة منه تعالى الى التوبة ، ووعد بالعفو والصفح عن كل ذنب مهما كبر وعظم ، وبهذا ترك سبحانه الباب مفتوحا أمام من يريد أن يكفّر عن سيئاته ، ويصلح ما أفسد من نفسه ، وفي الحديث : ان الله لا يمل حتى تملوا ، فإذا تركتم ترك ، أي إذا تركتم التوبة ترك المغفرة. وفيه أيضا ان رسول الله (ص) قال : ما أحب ان لي الدنيا بما فيها بهذه الآية. واشتهر انها أرجى آية في القرآن ، ومن الذنوب الكبار أن ييأس الإنسان من رحمة الله (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ـ ٥٦ الحجر. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٤٨ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٤٢ ، وأيضا عقدنا فصلا خاصا للتوبة في المجلد المذكور ص ٢٧٥.

(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ). اغتنموا الفرصة ولا تضيعوها أيها المذنبون ، توبوا اليه تعالى وأخلصوا له في الأقوال والأفعال (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ). لا شيء مما أنزل الله أحسن من شيء بالنسبة اليه تعالى ، فكل ما قال حسن وعظيم ، أما بالنسبة الى المذنبين فأحسن ما نزل في حقهم هو دعوتهم إلى التوبة ، وقبولها منهم وان عظم الذنب ، وما عدا ذلك وعيد وتهديد. ثم بيّن سبحانه ان عاقبة من أهمل التوبة من العصاة هي:

١ ـ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي في طاعته ، والحسرة من أشد العذاب على النفس ، وبالخصوص مع عدم المهرب والمخرج.

٤٢٦

٢ ـ (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ). غدا يقول المذنب ندامة وأسفا : لم أكتف بمعصية الله وإهمال التوبة حتى سخرت من أهل طاعته والخائفين من عذابه ونقمته.

٣ ـ (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). ونحوه قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ـ ١٤٨ الأنعام ج ٣ ص ٢٧٨.

٤ ـ (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). ومثله الآية ١٠٠ من سورة المؤمنون : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) ج ٥ ص ٣٨٨.

(بلى) ليس الأمر كما زعمت وقلت : «لو ان الله هداني». (قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ). جاءته آيات الله فأنكرها ، وقال ما هي من عند الله ، واستكبر عن الايمان ، وكفر بالله والرسول ، ثم كذب وقال : ما جاءني من الله شيء على لسان نبيه ، فجمع بين مساوئ الكفر والكذب والاستكبار ، ولو بادر الفرصة إلى التوبة لكان في غنى عن ذلك وراحة من عذاب الخزي والهون.

الذين كذبوا على الله وجوهم مسودة الآية ٦٠ ـ ٦٧ :

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ

٤٢٧

وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧))

اللغة :

المثوى المقام. والمفازة المنجاة. ومقاليد جمع مقليد ومقلاد ، والمراد به هنا المفتاح. بيمينه بقدرته تعالى.

الإعراب :

ترى هنا بصرية لا قلبية ولها مفعول واحد وهو الذين كذبوا. ووجوههم مسودة مبتدأ وخبر والجملة حال من الذين كذبوا. وجملة لا يمسهم حال من الذين اتقوا. وغير الله مفعول اعبد ، وجملة تأمروني معترضة ، وتقدير الكلام أفغير الله أعبد تأمروني. بل الله فاعبد «الله» مفعول مقدم. وحق قدره مفعول مطلق. وجميعا حال من الأرض ، واختلف النحاة في العامل بالحال ، والذي نراه ان هذه الحال لا تحتاج الى عامل لأنها حال إعرابا وتأكيد واقعا ، والمعنى الأرض كلها. وقبضته خبر للأرض. والسموات مطويات مبتدأ وخبر ، وبيمينه متعلق بمطويات.

المعنى :

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ). كل من نسب الى الله ما ليس له به علم فقد كذب على الله سواء أكان المنسوب اليه تعالى شريكا وصاحبة وولدا ، أم حلالا وحراما ، أم منصبا

٤٢٨

إلهيا كمن ينتحل النبوة أو الخلافة أو القضاء أو الإفتاء باسم دين الله وشريعته .. وسئل الإمام أبو جعفر الصادق (ع) عن معنى الآية؟ فقال : «كل من انتحل إمامة ليست من الله فقد كذب عليه. قال السائل : وان كان علويا. قال الإمام : وان كان علويا. قال السائل: وان كان فاطميا. قال الامام : وان كان فاطميا». وجزاء من كذب على الله ورسوله أن يحشر أسود الوجه في زمرة من أعد الله لهم جهنم وساءت مصيرا. وقوله تعالى : «للمتكبرين» بعد قوله : الذين كذبوا على الله يومئ الى ان كل من كذب على الله فهو متكبر ومكابر أيضا.

(وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). بمفازتهم أي بسبب فوزهم. بعد أن هدد سبحانه الكاذبين بنار جهنم بشّر أهل الصدق والتقوى بالنجاة من كل سوء ، وفوق ذلك انهم لا يستشعرون الحزن والندامة على شيء فاتهم في الحياة الدنيا (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ). كل ما في الوجود من انسان وحيوان ونبات وجماد يدل عليه تعالى دلالة الصورة الفنية على مصورها ، والبناية العظيمة على عظمة بانيها (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي قائم عليه لأن كل شيء وجد بقدرة الله ، ويبقى بعناية الله إلى ما شاء الله ، ولو تخلى عنه لصار هباء.

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). المراد بالمقاليد هنا المفاتيح ، وهي كناية عن تدبيره تعالى للكون وعلمه بكل ما يجري فيه من الذرة إلى أعظم الكواكب : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) ـ ٥٩ الأنعام.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). المراد بآيات الله الكون ونظامه العجيب الذي لو حاد عنه قيد شعرة لآل إلى الخراب والدمار ، ومعنى الكفر بآيات الله عدم الاعتراف بدلالة هذا النظام على المنظم ، وهذه الهندسة على المهندس. وقد خسر المكذبون بهذه الدلالة عقولهم في الدنيا لأنها عميت عن المحسوس ، وأيضا خسروا أنفسهم في الآخرة لأنهم اختاروا لها الكفر والعناد .. وجهنم مثوى ومأوى لكل كفار عنيد.

(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ). جاء في بعض الروايات : ان المشركين قالوا لرسول الله (ص) : نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل

٤٢٩

في مكة ، ونزوجك من نسائنا ما تريد شريطة أن تكف عن دعوتك ، فنزلت هذه الآية ، وسواء أصحت الرواية أم لم تصح فإنها أوضح تفسير للآية. ومن المفيد أن نقتطف الجمل التالية من مقال للمرحوم مصطفى صادق الرافعي بعنوان «الدرهم والدينار» :

«رأيت فقهاء يعظون ويتكلمون على الناس في الحلال والحرام .. وتسخر منهم الحقيقة بذات الأسلوب الذي تسخر به من لص يعظ لصا آخر ، ويقول له : لا تسرق» .. وأيضا ينطبق هذا على كثير من الصحفيين والسياسيين وغيرهم من الأحزاب التي تحمل شعارات وطنية وانسانية .. ثم قال الرافعي : «من يعظم الدرهم والدينار فإنما يعظم النفاق والطمع والكذب .. ان هيبة الإسلام في بذل الحياة لا في الحرص عليها ، وفي تعاون المؤمنين لا في تعاديهم ، أما الغنى فإنه يقاس بما يعمل بالمال لا بما يجمع منه».

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). المراد بالإحباط عدم الثواب. والشرك محال على الأنبياء ، ولكن فرض المحال ليس بمحال ، هذا الى أن التحذير من الفعل لا يدل على أنه محتمل الوقوع ممن حذّر وأنذر ، والمعنى ان الله لا يقبل العبادة من أحد إلا إذا كانت خالصة لوجهه الكريم من كل شائبة ، ومن عبد مع الله إلها آخر فلا يستحق الثواب على عبادته حتى ولو كان كالنبي في عبادته. وتكلّمنا عن الإحباط مفصلا في ج ١ ص ٣٢٦.

(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). هذا أمر في الظاهر ، وإخبار في الواقع عن ان الرسول الأعظم (ص) لا يعبد إلا الله ، ولا يشكر أحدا سواه ، وإنما جاء بصيغة الأمر للتنبيه على ان العبادة والشكر يجب أن يكونا لله الواحد الأحد .. هذا ، الى ان الله سبحانه كثيرا ما يخاطب العموم بشخص نبيه الكريم : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً .. فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ .. وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) الخ.

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) لأنهم كفروا به ، وآمنوا بالأصنام وبالدرهم والدينار (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). هذا

٤٣٠

كناية عن عظمة الله وقدرته وان السموات والأرض وما فيهن وبينهن خاضعات لأمره مذعنات (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ). تنزه سبحانه عن الشريك ، وعن مقالة من قال: ان له يدا ويمينا ، وعن كل شبه يتوهمه الواصفون الجاهلون.

وسيق الذين كفروا الآية ٦٨ ـ ٧٢ :

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢))

اللغة :

الصور القرن ينفخ فيه. وبنور ربها بعدله تعالى. ووضع الكتاب أي كتاب أعمال العباد. والسّوق الحث على السير. وزمر جمع زمرة وهي الجماعة. والمثوى المقام.

٤٣١

الإعراب :

زمرا حال من الذين كفروا. وخالدين حال من واو ادخلوا.

المعنى :

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ). النفخ في الصور كناية عن الصيحة ، قال تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) ـ ٤٢ ق. وفي بعض التفاسير ان هذه الصيحة أو هذا النفخ يتكرر ثلاث مرات : الأولى نفخة الفزع التي ذكرت في الآية ٨٧ من سورة النمل : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) وهم المتقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

النفخة الثانية نفخة الموت ، واليها أشار سبحانه بقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي ان أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون إلا من استثناه سبحانه بقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) واختلف المفسرون في المستثنى من هو؟ فقيل : هو جبريل ومعه إسرافيل. وقال آخر : المراد به الشهداء. وقال ثالث : هو الله ـ نستغفره ونتوب اليه ـ وغير بعيد أن لا يكون هذا استثناء حقيقيا بل لمجرد البيان ان الأمر لله وحده وان (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ـ ٢٦ الرحمن.

النفخة الثالثة للبعث ، واليها أشار تعالى بقوله : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) أي ينتظرون حكم الله فيهم. وفي نهج البلاغة : وينفخ في الصور فتزهق كل مهجة ، وتبكم كل لهجة ، ولا شفيع يشفع ، ولا حميم يدفع ، ولا معذرة تنفع.

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها). المراد بالأرض هنا أرض المحشر ، وهي مشرقة بنور الله تعالى لأنها طاهرة مطهرة من شتى أنواع الضلال والفساد .. ولا شيء فيها إلا الحق والعدل (ووضع الكتاب) أي صحائف الأعمال : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) ـ ١٣ الإسراء. وقال الملا صدرا في كتاب الأسفار : «من فعل فعلا أو قال قولا ظهر أثره في نفسه وقلبه ـ ثم قال ـ

٤٣٢

وهذا الأثر الحاصل في القلب والروح هو بمنزلة النقش والكتابة الحاصلة في الكتب والألواح ، وتلك القلوب والأرواح التي فيها آثار الأفعال والأقوال يقال لها في لسان الشريعة صحائف الأعمال».

(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ). المراد بالشهداء هنا النواب عن الأنبياء في تبليغ رسالتهم وسنتهم الى الناس ، والمعنى أن الله يحشر العباد غدا لنقاش الحساب ، ويأتي بالنبيين ، فيشهدون على نوابهم انهم قد أخذوا عليهم أن يعلّموا ويبلغوا الناس ، ثم يشهد هؤلاء النواب على الناس انهم علموهم وبلغوهم على أكمل وجه ، وبعد قيام الحجة على النواب بشهادة الأنبياء ، وعلى الناس بشهادة النواب يحكم الله بالعدل بين الجميع لا ينقص من ثواب من أطاع ، ولا يزيد في عقاب من عصى ، وهو أعلم بهما من أنفسهما ومن النبيين والشهداء ، وانما دعاهم للشهادة لإلزام الحجة وقطع المعذرة. انظر تفسير الآية ١٤٣ من سورة البقرة ج ١ ص ٢٢٥.

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها). ذكر سبحانه في كتابه ألوانا من عذاب المجرمين ، منها الذل والهوان ، ومنها العمى وسواد الوجوه ، ومنها الأغلال والأصفاد وسرابيل القطران وطعام الزقوم وشراب الحميم ، ومنها أن تسوقهم بعنف ملائكة العذاب فوجا بعد فوج ليكونوا لجهنم حطبا ، وانها معهم على ميعاد ، ولذا يجدونها مفتحة الأبواب (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)؟ القصد من هذا السؤال التقريع والتوبيخ : وانهم هم الذين اختاروا لأنفسهم سوء المصير.

(قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ). ومثله : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) ـ ١١ الملك. (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) على الحق والخارجين على العدل ، ولو لم يكن من دليل على جهنم إلا أنها أعدت للمتكبرين والطاغين وأهل الفساد والضلال ـ لو لم يكن إلا هذا الدليل لكفى ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ـ ١٤٥

٤٣٣

النساء وقال : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ـ ٢٣ النبأ. وقلنا فيما سبق لو لم يكن لله محكمة في اليوم الآخر تقتص من الظالم للمظلوم لكان المقتول ظلما أسوأ حالا من قاتله. انظر تفسير الآية ٤ من سورة يونس ج ٤ ص ١٣٢ فقرة «الحساب والجزاء حتم».

وسيق الذين اتقوا الآية ٧٣ ـ ٧٥ :

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥))

اللغة :

زمرا جماعات. وحافين محدقين به دائرين حوله.

الإعراب :

زمرا حال. وجواب إذا محذوف أي إذا جاءوها اطمأنوا. وفتحت الواو للحال أي وقد فتحت. وسلام عليكم مبتدأ وخبر والجملة مفعول قال. وخالدين حال. والملائكة مفعول ترى البصرية. وحافين حال من الملائكة.

المعنى :

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها

٤٣٤

وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ). المجرمون إلى جهنم ، وملائكة العذاب يسوقونهم اليها عنفا ، ويسومونهم خسفا ، والمتقون إلى الجنة يحف بهم ملائكة الرحمة تعظيما ، ويحيونهم تكريما (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ). ضمير قالوا يعود إلى المؤمنين ، والمراد بالأرض هنا أرض الجنة ، وانهم يتصرفون فيها تصرّف الوارث فيما ورثه .. وكانوا قد عملوا للجنة في الدنيا ثقة وايمانا بما وعد الله به المتقين والصابرين ، فلما رأوها فرحوا وحمدوا الله حمد العارفين بأن وعده حق وصدق. وفي نهج البلاغة : حفت الملائكة بأهل الجنة ، وتنزلت عليهم السكينة ، وفتحت لهم أبواب السماء ، وأعدت مقامات الكرامات في مقام اطلع الله عليهم فيه فرضي سعيهم وحمد مقامهم.

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ). عند تفسير الآية ٥٤ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٣٩ بيّنا ان المراد من العرش ـ بشهادة القرآن ـ ان الأمر كله لله ، والمعنى المراد هنا ان الملائكة لا يصدرون إلا عن أمر الله ، كما جاء وصفهم في الآية ٢٦ من سورة الأنبياء : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ). (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) ضمير بينهم يعود إلى أهل الجنة والنار ، وبالحق أي لا يزيد في عقاب من عصى ، ولا ينقص من ثواب من أطاع. وفي بعض التفاسير : ان الله قال في ابتداء الخلق : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وبعد فناء الخلق ثم بعثهم واستقرار أهل الجنة في الجنة ، قال : الحمد لله رب العالمين ، ليعلّم عباده الأخذ بأدبه في ابتداء كل أمر بالحمد والختم به.

٤٣٥

سورة غافر

٨٥ آية مكية ، وقيل : ما عدا آيتين ، وتسمى أيضا المؤمن.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

غافر الذنب وقابل التوب الآية ١ ـ ٦ :

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦))

اللغة :

التوب والتوبة كلاهما مصدر تاب. وذي الطول ذي الفضل. وتقلبهم في البلاد تصرفهم فيها بالذهاب والإياب للتجارة ونحوها. ليدحضوا ليبطلوا. وحقت وجبت.

٤٣٦

الإعراب :

تنزيل خبر لمبتدأ محذوف أي هذا تنزيل. والعزيز وما بعده صفات لله تعالى. والمصدر من ليأخذوه متعلق بهمت. ومن ليدحضوا بجادلوا. ومن انهم أصحاب النار بدل من كلمة ، ويجوز جره بلام محذوفة أي لأنهم من أصحاب النار.

المعنى :

(حم) تقدم الكلام على مثله في أول سورة البقرة (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) لأنه ميزان الحق والعدل ، ونور يهدي من ظلمة الضلال والجهل (الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ). كل وصف من هذه الصفات له صلة وتأثير في الكون والإنسان ومصيره ، فخلق الكون لا بد له من علم الخالق وقدرته ، ومن هنا جاء الوصف بالعزيز العليم ، والعزيز هو القادر الغالب .. والذنب والتوبة من فعل الإنسان ، أما قبول هذه والغفران عن ذاك فمن الله ، وهو سبحانه يغفر بالتوبة أو بطاعة جلّى تمحو الذنب لأن الحسنات يذهبن السيئات وأيضا هو شديد العقاب لمن أصر على التمرد والعصيان ، وهو صاحب الفضل لأنه يعطي من سأله ومن لم يسأله ، ويضاعف لمن أحسن أضعافا كثيرة.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تفرد بوصف التوحيد وعلم الغيب ، والقدرة على كل شيء .. وجميع المذنبين في فاقة إلى عفوه ورحمته (اليه المصير) لا مفر من لقائه وحسابه وجزائه ، وطوبى لمن لا يرى مستحقا لهذه الصفات إلا الله ولا يخاف أحدا سواه.

(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالحق والعدل ، ولا يؤمنون إلا بأهوائهم ومصالحهم ، ومع هذا ينتحلون لأنفسهم الأعذار ، ويدّعون انهم المحقون ، فيجادلون في القرآن ، ويقولون : انه أساطير ، وان التوحيد تضليل ، والبعث حديث خرافة .. ودليلهم الأول والأخير تقاليد الآباء ووحي المصالح والأهواء.

(فلا يغررك ـ يا محمد ـ تقلبهم في البلاد) للتجارة وذهابهم إلى الشام في رحلة الصيف ، ولا إلى اليمن في رحلة الشتاء ، لا يغررك هذا وما اليه فإن نهايتهم

٤٣٧

الويل والثبور : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ١٧٨ آل عمران ج ٢ ص ٢٠٨.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ). المراد بالأحزاب هنا كل قوم تحزبوا ضد الحق وأهله ، والمعنى ان معركتك يا محمد مع المشركين ليست معركة شخصية ، وانما هي صراع بين الحق والباطل ، والكفر والايمان ، سنّة الله في السلف والخلف ، فقد كذبت الأمم الأنبياء والمصلحين ، وجادلتهم بالجهل والعناد ، وحاولت كل أمة أن تقتل نبيها ومنذرها ، تماما كما تآمرت قريش على قتلك ، وأنت نائم في فراشك. أنظر ج ٣ ص ٤٧٢.

(فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ)؟ كان شديدا ومدمرا (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ). هذا تحذير وإنذار لقريش إن أصروا على الكفر والضلال أن يصيبهم ما أصاب قوم نوح وعاد وثمود .. وتخويف من لا يخاف الله لا يجدي نفعا إلا قيام الحجة وقطع المعذرة.

الذين يحملون العرش الآية ٧ ـ ١٠ :

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠))

٤٣٨

الإعراب :

ومن حوله عطف على الذين يحملون. رحمة وعلما تمييز محول عن فاعل أي وسعت رحمته وعلمه. ومن صلح «من» مفعول لفعل محذوف أي وادخل من صلح. واللام في لمقت في جواب قسم محذوف أي والله لمقت. وأنفسكم مفعول مقتكم. وإذ في محل نصب بفعل محذوف أي مقتكم الله إذ تدعون.

المعنى :

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ). عند تفسير قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ـ ٥٤ الأعراف قلنا : ان المراد بالعرش الملك والاستيلاء والتدبير ، وعند تفسير : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) ـ ٧٥ الزمر قلنا هذا كناية عن ان الملائكة لا يسبقون الله بالقول وبأمره يعملون ، ونحن على ثقة ان اللفظ ـ بقرينة السياق ـ يتحمل هذا التفسير ، أما سياق الآية التي نحن بصددها والآية ١٧ من سورة الحاقة : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) أما سياق هاتين الآيتين فيحتم علينا أن نبحث للعرش عن معنى آخر لمكان يحمل ويحملون مع العلم بأن حمل الملائكة لعرشه تعالى لا يستدعي ان يكون جالسا عليه ، وإلا كان جسما يفتقر إلى حيز ، والله غني عن كل شيء .. هذا ، إلى ان جلوسه تعالى على العرش معناه انه في مكان دون مكان. وتسأل : إذا لم يكن الله جالسا على العرش فلما ذا نسب اليه في قوله : «عرش ربك»؟

الجواب : ان مسألة النسبة سهلة جدا حيث تصح لأدنى ملابسة كما هي الحال في تسمية الشوارع بأسماء أشخاص لا يعرفون عنها شيئا ، فكيف بخالق الكون؟ وكل المعابد في شرق الأرض وغربها فضلا عن الكعبة المشرفة ـ تنسب اليه تعالى ، ويقال لها بيوت الله ، فهل معنى هذا انه يقيم فيها؟ وعليه من الجائز أن يكون سبحانه خلق في السماء عرشا يحمله ثمانية من الكائنات السماوية ، وقد أمر سائر الملائكة أن تطوف من حوله تماما كما أمر خليله ابراهيم أن يبني البيت العتيق وأوجب

٤٣٩

زيارته والطواف من حوله على من استطاع اليه سبيلا.

ومهما يكن فإن الملائكة يؤمنون بالله ، ويسبحون بحمده (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). للمؤمنين المخلصين ألوان من الثواب عند الله ، منها جنة تجري من تحتها الأنهار ، ومنها انهم رفقاء النبيين والصديقين ، ومنها ان ملائكة السماء تثني عليهم أحسن الثناء ، وتدعو الله لهم بعلو الدرجات عنده ، والوقاية من غضبه وعذابه.

(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). دعا الملائكة الله سبحانه أن يجمع غدا في جنانه بين أفراد الأسرة المؤمنة تماما كما كانوا في الدنيا ليزدادوا سرورا على سرور .. وقوله : «ومن صلح» يشير إلى انقطاع الصلة بين المؤمن والكافر حتى ولو كان أحدهما أبا للآخر : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) ـ ١٠١ المؤمنون. (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ـ ٦٧ الزخرف.

(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). ادفع عنهم يوم القيامة كل سوء .. وما من شك ان من نال هذه المنزلة عند الله فقد فاز بفضله ورحمته (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ). يمقت أهل النار ، وهم فيها ، يمقتون أنفسهم ويزرون عليها حيث أدت بهم إلى هذا المصير ، وكانوا في الدنيا أطوع الناس لها وأكثرهم رضى عنها .. ويأتيهم النداء وهم يلعنون أنفسهم : ان مقت الله لكم في الدنيا على كفركم أشد وأعظم من مقتكم الآن لأنفسهم ، فقد دعاكم سبحانه بلسان رسله إلى الايمان فأبيتم إلا كفورا ، فذوقوا وما للظالمين من نصير.

أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين الآية ١١ ـ ١٧ :

(قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى

٤٤٠