التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ). حذّر سبحانه العباد من الشيطان ووسوسته ، ونهاهم عن طاعته ، وأرشدهم إلى طريق الخير والهداية ، فأطاع الكثير منهم الشيطان وعصوا الرحمن ، وإلى هذا أشار بقوله :

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ). الجبلّ الخلق ، وكل من سلك مسلك الهالكين بعد أن حذّر وأنذر فهو في عمى عن نور العقل وهدايته ، ولا جزاء لمثله إلا العذاب الذي أشار اليه سبحانه بقوله : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها على ألسنة الرسل ، وتسخرون منها ومنهم (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). وهذا مصير كل من ضيع وفرط.

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ). كل جارحة للعصاة الطغاة ينطقها الله غدا لتشهد على صاحبها بما اجترح من السيئات ، فاليد تشهد عليه بما ضرب وسرق وكتب وأشار ، والرّجل بما سعى ، والعين بما نظر .. وهكذا.

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى هنا : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) وقوله في الآية ٢٤ من سورة النور : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) فقد أثبت لهم النطق هنا ونفاه هناك؟

الجواب : ان للعباد غدا مواقف لا موقفا واحدا ، يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض ، قال تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ـ ١٠٥ هود.

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ). لو أراد سبحانه أن يعاقب المجرمين في الدنيا لأعمى أبصارهم فلا يهتدون إلى شيء ، ولمسخهم تماثيل جامدة لا حراك فيها ولا حياة (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ). نكس الشيء هو جعل أسفله أعلاه ، وكلما تقدم الإنسان في السن تقهقر إلى الوراء ، فيخرف بعد الإدراك ، ويضعف بعد القوة .. والغرض من هذا البيان هو الاشارة إلى أن الله سبحانه قد أمدّ الإنسان بحياة كافية وافية لأن يهتدي فيها ويعمل صالحا ، وانه لو عمّر أكثر من المعتاد لأقعده العجز والمرض ، وكان

٣٢١

طول العمر عليه شرا ووبالا : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ـ ٣٧ فاطر.

وما علمناه الشعر الآية ٦٩ ـ ٧٠ :

(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠))

حاول أعداء الله والحق تكذيب محمد (ص) بشتى الوسائل ، من ذلك قولهم : انه مجنون. فقال قائل منهم ، وهو الوليد بن المغيرة الذي عاش ومات على الكفر ، قال : «كلا ، ان لقوله ـ يريد القرآن ـ لحلاوة ، وان عليه لطلاوة ، وان أعلاه لمثمر ، وان أسفله لمغدق ، وانه يعلو ولا يعلى عليه». فعدلوا عن رمي رسول الله بالجنون الى القول : (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) ـ ٤ ص. ولما استبان انهم هم الكاذبون قالوا : كاهن يخطئ ويصيب أو شاعر حلو الكلام خصب القريحة والخيال.

وتجدر الاشارة الى ان اتهامهم الرسول الأعظم (ص) بالشعر يدل على ان الشعر عند العرب لا يحده الوزن والقافية ، بل هو أوسع وأشمل .. انه التعبير الفني وجماله موزونا كان أم غير موزون ، وكذلك هو عند الفلاسفة القدامى ، قال صاحب تفسير روح البيان : «الشعر عند الحكماء القدماء ليس على وزن وقافية ، ولا هما ركن من أركانه عندهم» .. وشاعت هذه الفكرة اليوم في الدراسات الأدبية والنقدية ، وآمن بها كثير من أساتذة الأدب الحديث.

وقد رد سبحانه اتهام نبيه الكريم بالشعر والكهانة في العديد من الآيات ، منها : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ـ ٤٠ الحاقة. ومنها : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا

٣٢٢

مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) ـ ٢٩ الطور. ومنها ما حكاه سبحانه عن المشركين : (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) ـ ٣٦ الصافات. ومنها : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) ـ ٥ الأنبياء.

ومنها الآية التي نحن بصددها (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ). المراد بالحي هنا من أحيا عقله بالتدبر والتأمل ، وتفتّح قلبه للحق والخير ، وبالقول كلمة العذاب تماما كقوله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) ـ ٧١ الزمر .. قال المشركون : القرآن الذي جاء به محمد (ص) ما هو إلا شعر يعبر عن تفكيره وخياله ، وليس بوحي من عند الله .. فردّ عليهم سبحانه بأن الشعر يرتكز على عاطفة الشاعر وميوله وأهوائه ، يناصر يحب وان كان مبطلا ، ويقاوم من يكره وان كان محقا ، والقرآن هو القول الجد والفصل ، وما هو بالهوى والهزل ، هو كتاب عقيدة وشريعة ، وأخلاق وعظات ، وفيه علم وفكر ، وأين الشعر من ذلك؟.

ولو كان القرآن من صنع محمد (ص) لبث فيه آلامه وأحزانه وحياته وأزماته ، تماما كما هو شأن الشعراء .. مع العلم بأن القرآن في معزل عن مشاكل محمد (ص) ومشاغله.

بقي أن نشير الى ان النبي (ص) كان يقدر الشعر ويحترمه كفن له أثر ايجابي في التعبير عن رغبات الجماهير وأمانيها .. وقد اشتهر انه قال : «ان من البيان لسحرا ، وان من الشعر لحكمة». وكان يدعو بالتوفيق والتسديد للشعراء الذين ناصروا الحق وأهله .. وخلع بردته على كعب بن زهير تكريما له حين مدحه بقصيدته الشائعة الذائعة المعروفة بقصيدة البردة ، ومطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم أثرها لم يفد مكبول

ومنها :

ان الرسول لنور يستضاء به

وصارم من سيوف الله مسلول

أنظر تفسير الآية ٤ من السورة التي نحن بصددها ، فقرة «الموسيقى الباطنية في القرآن» ، وتفسير الآية ٢٢٤ من سورة الشعراء ج ٥ ص ٥٢٤.

٣٢٣

أيدي الله هي سنن الكون والطبيعة الآية ٧١ ـ ٧٦ :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦))

اللغة :

ركوبهم بفتح الراء ، والمراد به هنا المركوب مثل حلوب أي المحلوب.

المعنى :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ). المراد بالانعام الإبل والبقر والغنم ، وهي نعمة من الله على عباده يأكلون من لحومها ، ويشربون من ألبانها ، ويتخذون من جلودها وأصوافها وأوبارها بيوتا وأثاثا ولباسا ، وتحملهم وأثقالهم إلى بلد ما كانوا بالغيه إلا بشق الأنفس .. وكرر سبحانه ذلك في العديد من الآيات ، منها الآية ١٤٢ من سورة الانعام ج ٣ ص ٢٧٣ والآية ٧ من سورة النحل ج ٤ ص ٤٩٨. والغرض من ذلك هو الحث على شكر الله وطاعته ، وقد أشار سبحانه الى ذلك بقوله : (أَفَلا يَشْكُرُونَ). وفي نهج البلاغة : لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب أن لا يعصى شكرا لنعمه.

والمراد بقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) الأسباب الطبيعية لأن الله ليس بجسم

٣٢٤

حتى يكون له أيد حقيقة ، قال ابن عربي في الفتوحات : ان أهل الله يقسمون المخلوقات الى نوعين : نوع يوجده سبحانه بكلمة «كن». ويعبرون عن هذا بعالم الأمر ، لأن قوله «كن» أمر ، ونوع يوجده بأيدي الأسباب ، ويعبرون عنه بعالم الخلق. وتقدم الكلام عن ذلك مفصلا في المجلد الأول من هذا التفسير ص ٣٩٢ فقرة «الله وسنن الطبيعة».

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ). غريب ، ولا شك ، أن يعبد العاقل أحجارا لا تضر ولا تنفع ولكن الأغرب أن يحرسها ويقوم على حمايتها من السرقة أو التحطيم ، وفي الوقت نفسه يرجو أن تنصره في الشدائد ، وتقرّبه من الله زلفى (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) أي ان الأصنام أعجز وأحقر من أن تنصر نفسها فكيف تنصر غيرها؟ (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ). ضمير «هم» للمشركين ، وضمير «لهم» للأصنام ، ومحضرون حاضرون أو قائمون ، والمعنى ان الأصنام لا تجدي المشركين نفعا ، ومع ذلك يتجندون ويتطوعون للذب عنها كل حين .. وهنا مكان الغرابة.

وفوق هذا كله قال عبدة الأصنام عن النبي (ص) : مجنون .. ولما ذا؟ لأنه لا يعبد الأحجار ، وهم العقلاء لأنهم يعبدون ما ينحتون (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) يا محمد : إنك مجنون أو شاعر أو كاهن (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ). أضمروا الحقد والضغينة على النبي (ص) ، وأعلنوا الطعن به وبدعوته .. وليس من شك ان الله بذلك عليم وقدير على حسابهم وعذابهم .. اذن ، لما ذا الحزن والألم؟.

قال من يحيى العظام الآية ٧٧ ـ ٨٣ :

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ

٣٢٥

السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))

اللغة :

ملكوت مبالغة في ملك الله وسلطانه.

الإعراب :

أول مرة نصب على الظرفية ، والعامل فيه أنشأها. وجعل لكم بدل من الذي أنشأها. وبلى حرف جواب ، وتختص بالإيجاب ، سواء أكان قبلها مثبتا أو منفيا أي انها تؤكد الإثبات ، وتبطل النفي.

المعنى :

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ). كان الإنسان بالأمس نطفة ، حتى إذا صار بقدرة الله مخلوقا سويا ذا فهم وبيان نسي أصله ، وخاصم ربه بالعصيان وتحذلق في الكلام (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ). الضمير المستتر في ضرب يعود إلى من أنكر البعث ، وقد ضرب هذا المنكر مثلا على امتناع البعث قائلا : كيف تجتمع وتتآلف من جديد أجزاء العظام ، وتدب فيها الحياة بعد أن تبلى وتصير ترابا مبددا هنا وهناك؟ فردّ سبحانه على صاحب المثل : أتعجب من قدرة الله ، وتنكر البعث وتضرب الأمثال ، ثم تنسى نفسك ، وان الله قد خلقك من تراب ثم من نطفة؟ لقد أوجدك ولم تكن شيئا مذكورا ، فكذلك يعيدك بعد أن تصبح عظامك رميما.

(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). قل يا محمد للجاحد

٣٢٦

المعاند : أي عجب من إحياء العظام وهي رميم؟ ان الذي جعل للنطفة سمعا وبصرا ، وفهما وبيانا هو الذي يعيد العظام إلى سيرتها الأولى ... وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية ٤٩ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٥٢.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ). هذا المثال تتضح منه فكرة البعث ، وبيان ذلك ان المنكرين استبعدوا إحياء الموتى لا لشيء إلا ظنا منهم ان الأشياء لا يمكن أن تتحول إلى أضدادها. فأجابهم سبحانه بأن هذا الظن وهم وخيال ، لأن هذا التحول واقع بالفعل ، ومحسوس ترونه أنتم صباحا ومساء ، ولكن لا تنتبهون اليه .. فالشجر الأخضر الريان يتحول إلى نار محرقة ، والأرض الهامدة تحيا وتهتز بأنواع النبات والأشجار إذا نزل عليها الماء .. فكيف تنكرون إحياء العظام البالية ، وتقرون بإحياء الأرض الهامدة وتحوّل الأشجار إلى نار مع ان الجميع من باب واحد ، وهو انقلاب الشيء من حقيقة إلى ضدها؟.

(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ). من أوجد الكون من لا شيء يهون عليه أن يوجد مثله ساعة يشاء. وتقدم نظيره في الآية ٩٩ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٨٩ (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). بدأ الخلق بكلمة «كن» ويعيده بها. وتقدم في الآية ٤٠ من سورة النحل ج ٤ ص ٥١٥ (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). تنزه ربنا عن الشريك ، وهو وحده المبدئ والمعيد.

٣٢٧

سورة الصّافات

مكية وآياتها ١٨٢.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والصافات صفاً الآية ١ ـ ١٠ :

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠))

اللغة :

الصافات فالزاجرات فالتاليات هي من صفات الملائكة ، ويأتي التفصيل. والسماء الدنيا هي أدنى السموات وأقربها إلينا. ومارد عات متمرد ومريد بفتح الميم مبالغة في المارد. والدحور الطرد. واصب أي دائم. وثاقب مضيء.

الإعراب :

والصافات الواو للقسم. وصفّا مفعول مطلق ومثله زجرا ، أما ذكرا فمفعول به.

٣٢٨

ورب السموات بدل من واحد. والدنيا صفة للسماء. وحفظا مفعول مطلق لفعل محذوف أي وحفظناها حفظا. ودحورا مصدر في موضع الحال أي مدحورين وصاحب الحال الواو في يقذفون. ومن خطف «من» في محل رفع بدلا من واو لا يسمعون أو في محل نصب على الاستثناء.

المعنى :

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً). اختلف المفسرون في معنى الصافات والزاجرات والتاليات. فمنهم من قال : انها الملائكة. ومنهم من قال : الصافات هي جماعة المؤمنين تصطف في الصلاة وفي الجهاد ، والزاجرات زواجر القرآن وآياته ، والتاليات قرّاء القرآن يتلونه في الصلاة وغيرها.

وغير بعيد أن يكون المراد بالأنواع الثلاثة الذين ذكرهم الإمام علي (ع) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة. قال في وصف الملائكة : فمنهم سجود لا يركعون ، وراكعون لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون أي ثابتون في أماكنهم. فجائز أن يكون قوله : «وصافون لا يتزايلون» إشارة الى «الصافات صفا». ثم قال :ومنهم أمناء وحيه وألسنة الى رسله. أي ينزلون بالوحي على أنبيائه كجبريل (ع) ، ويجوز أن يكون قوله هذا إشارة الى التاليات ذكرا لأنهم يتلون كتاب الله حين يبلّغونه الى الأنبياء. ثم قال : ومنهم الحفظة لعباده. وقال الشيخ محمد عبده في بيان هؤلاء : «كأنهم قوى مودعة في أبدان البشر ونفوسهم يحفظ الله الموصولين بها من المهالك والمعاطب ، ولولا ذلك لكان العطب ألصق بالإنسان من السلامة». ويريد الشيخ عبده بهذا التصوير أن يقرب للافهام كيفية حفظ الملائكة للعباد كما يشعر بذلك قوله «وكأنهم» وعليه يجوز أن يكون قول الإمام : «ومنهم الحفظة لعباده» إشارة الى الزاجرات زجرا إذا قلنا : ان الزجر معناه دفع الأذى عن العباد.

(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ). المراد بالمشارق مشارق الشمس بالنظر إلى أنها تشرق كل يوم من مشرق ، وتغرب في مغرب .. وقد اقسم سبحانه انه واحد لا شريك له في الخلق وتدبيره.

٣٢٩

الله والقسم بخلقه :

وتسأل : لما ذا أقسم الله بالملائكة؟

وأجاب المفسرون بأن الله أقسم بالملائكة للتنبيه الى عظيم منزلتهم وعلو شأنهم .. وهذا هو جوابهم ـ كمبدأ ـ عن كل ما أقسم به سبحانه : سواء أكان زمانا أم مكانا أم أي كائن من الكائنات العلوية والسفلية. أما صاحب الظلال فقد ربط بين هذا القسم وبين قول أهل الجاهلية ، ان الملائكة بنات الله كما جاء في الآية ٤٠ من سورة الإسراء : (أفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) قال صاحب الظلال : ان الغرض من القسم بالملائكة هو الرد على من آمن بهذه الخرافة ، ونطق بهذا القول العظيم.

والذي نراه ان الله يقسم بالأشياء مهما كانت لغرض واحد ، وهو ان كل شيء في الوجود يدل بطبعه على ان الله واحد لا شريك له .. وليس من شك ان الملائكة الصافات منهم وغير الصافات قد عبدوا الله وأطاعوه عن علم ويقين به وبوحدانيته ، وعليه يكون علمهم هذا دليلا قاطعا على انه تعالى واحد لا شريك له في الخلق والملك والتدبير ، تماما كعلم العلماء بحقيقة موضوعية اكتشفوها ولمسوها في مختبراتهم ومعاملهم.

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ). المراد بالسماء العلو والفضاء ، وبالدنيا دنيانا نحن بني آدم ، وليس الكون بأسره ، والمراد بالكواكب ما كان منها في أقرب سماء إلينا ، والمعنى ان الله سبحانه جعل الكواكب في سمائنا زينة وجمالا بأشكالها وأنوارها ، بالاضافة الى منافعها وفوائدها : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ـ ٩٧ الأنعام : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) ـ ٥ يونس.

(وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ). مفردات هذه الآيات واضحة ، وقد بيّنا البعض منها في فقرة «اللغة» ما عدا حقيقة الشيطان المارد ، وحقيقة الملأ الأعلى ، والله ورسوله قد سكتا ولم يبينا لنا

٣٣٠

ما المراد من الشيطان المارد والملأ الأعلى .. ونحن لا نفسر من غير علم ، ولذا نقول : ان هذه الآيات من المتشابهات عندنا ، وقد تكون من الواضحات عند غيرنا.

وغير بعيد أن يكون السبب الموجب للسكوت هو ان معرفة هذا الشيطان وهذا الملأ لا تتصل بحياتنا ، أو ان أفهامنا تعجز عن ادراك حقيقتهما .. والعالم مهما اجتهد ودقّق فإنه لن يحيط بكل شيء ، بل لا يستطيع أن يعرف حقيقة أي شيء من جميع جهاته وكما هو في واقعه ، أما معرفتنا بمفردات الآيات كالشهاب الثاقب والعذاب الواصب والقذف والخطف والدحور فلا تجدي نفعا في تفسير المراد من الآيات بمجموعها ما دمنا نجهل حقيقة الشيطان المارد والملأ الأعلى.

وقال بعض المفسرين : المراد بالشيطان المارد شيطان الجن ، وقال آخر : بل الإنسان الذي لا يفكر في عظمة الكواكب ودلالتها على وجود الله. وقال صوفي : المراد بالشيطان التصورات الوهمية والقوى التخيلية .. وكل ذلك رجم بالغيب .. والصمت خير من القول بالجهل : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).

بل عجبت ويسخرون الآية ١١ ـ ٢٦ :

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى

٣٣١

صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦))

اللغة :

فاستفتهم فاسألهم. واللازب اللازم. وداخرون صاغرون. والمراد بزجرة واحدة صيحة واحدة. ويوم الدين يوم الجزاء ، ويوم الفصل بين الخلائق وتمييز المحق من المبطل.

الإعراب :

وأزواجهم مفعول معه لاحشروا. وما لكم مبتدأ وخبر ، وجملة لا تناصرون حال أي ما شأنكم غير متناصرين؟

المعنى :

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ). اسأل يا محمد الذين أنكروا البعث : أخلق السموات والأرض من لا شيء أصعب أم اعادة الإنسان بعد موته إلى الحياة ، وقد خلقه الله من طين رخو لزج يلزم ما يجاوره ويلتصق به؟ ان الذي قدر على إيجاد الكون من لا شيء يهون عليه أن يعيد أجزاء الإنسان ، ويجمعها بعد تفرقها. وفي الآية ٥٧ من سورة غافر : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

وتسأل : قال تعالى في سورة الكهف الآية ٢٢ : (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) وقال هنا : «فاستفتهم» فما هو وجه التوفيق بين الآيتين؟

الجواب : ان موضوع آية الكهف خاص بأهل الكهف وحدهم ، حيث نهى

٣٣٢

سبحانه نبيه الكريم أن يسأل أحدا عنهم بعد أن أخبره الله عن أحوالهم ، أما السؤال هنا فإنه موجه الى المشركين فقط ، والقصد منه توبيخهم وإلقاء الحجة عليهم.

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ). انك تعجب يا محمد من المشركين حيث جعلوا لله شركاء مع ان دلائل التوحيد بينة واضحة .. وهم أيضا يعجبون منك بل ويسخرون لأن دلائل الشرك هي البينة الواضحة في مفهومهم .. لا دلائل التوحيد. ويدل على ان هذا المعنى هو المراد ـ ما حكاه سبحانه عن المشركين في الآية ٥ من سورة ص : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ). وإذا قال قائل مع المعري :

كل يعزز دينه

يا ليت شعري ما الصحيح

قلنا في جوابه : هناك مبادئ واضحة وحقائق لا يختلف عليها اثنان حيث يشترك في معرفتها الجاهل والعالم ، مثل العلم خير من الجهل ، والغنى خير من الفقر ، وما الى ذلك ، فإذا تنازع اثنان في مسألة نظرية ، فمن انتهى قوله الى المبادئ الواضحة فهو المحق والا فهو مبطل.

(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ). لأن من استسلم لأهوائه وتقاليد آبائه عمي عن الحق «ومن زاغ ساءت عنده الحسنة ، وحسنت عنده السيئة ، وسكر سكر الضلالة» كما قال الإمام علي (ع). (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). تكرر منهم هذا القول في العديد من الآيات ، منها الآية ٧ من سورة الأنعام ج ٣ ص ١٦٣ (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ). المعنى واضح وتكرر مرات. أنظر الآية ٥ من سورة الرعد و ٤٩ و ٩٨ من سورة الإسراء و ٨٢ من سورة المؤمنون و ٦٨ من سورة النمل.

(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ). قل يا محمد لمنكري البعث جوابا عن سؤالهم : أئنا لمبعوثون؟ قل لهم : أجل ، انكم تبعثون من قبوركم بكلمة واحدة من الله ، وتحشرون اليه أذلاء صاغرين ، وترون بالعين العذاب الذي كنتم به تكذبون.

(وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ـ أي الجزاء ـ هذا يوم الفصل ـ أي بين الحق والباطل ـ

٣٣٣

الذي كنتم به تكذبون). إذا جاءهم الحق ، وسنحت الفرصة للعمل قالوا : هذا كذب وسحر لا يصدق به إلا جاهل مخدوع. وإذا فات أوان العمل وجاء وقت الجزاء وذاقوا وبال أمرهم قالوا : يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين .. وتتكرر هذه الصورة في كل حين .. يسعى الجاهل فيما يضره ، فينهاه العاقل الناصح ، ويحذره من العواقب ، ولكنه يسخر ويركب رأسه حتى إذا وقعت الواقعة ، وجاءه البلاء الذي لا مفر له منه ، وأدرك أنه أخيب الناس سعيا عض يد الندامة وقال : يا ليتني لم أك شيا.

(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ). المراد بالأزواج هنا الأشكال والأشباه ، وتومئ الآية الى تصنيف المجرمين ، وان المشرك يحشر مع المشركين في مكان واحد من جهنم ومعهم الأصنام التي كانوا يعبدون ، وكذلك السارق مع السارقين ، وهكذا كل شكل الى شكله قرين تماما كما كانوا في الحياة الدنيا (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ). بعد أن يتم حساب المجرمين يقال للملائكة : عجلوا بهم إلى سواء الجحيم.

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ). قبل أن تذهب الملائكة بالمجرمين الى جهنم يحبسون الى السؤال عما كانوا يعملون. وفي بعض الروايات : يسأل المرء يومذاك عن عمره فيم أبلاه ، وعن ماله مم كسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ما ذا عمل به ، أما التوفيق بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) ـ ٣٩ الرحمن أما هذا التوفيق فقد أشرنا إليه أكثر من مرة ، ويتلخص بأن لليوم الآخر مواقف يسأل المرء في بعضها دون بعض. انظر تفسير الآية ٦٥ من سورة يس.

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ)؟ الخطاب للمجرمين ، والمعنى يقال لهم غدا : لما ذا لا يدفع بعضكم العذاب عن بعض في هذا اليوم ، وقد كنتم في الحياة الدنيا متكافلين متضامنين ضد الحق وأهله. والغرض من هذا السؤال التقريع والتوبيخ (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ). انقادوا لأمر الله لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

٣٣٤

وأقبل بعضهم على بعض الآية ٢٧ ـ ٣٧ :

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧))

اللغة :

يطلق اليمين على معان ، منها اليد ، ومنها الجهة التي هي ضد اليسار ، ومنها البركة والقوة ، والمراد بها هنا الإغواء مجازا بدليل جواب المتبوعين للتابعين : (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ).

الإعراب :

جملة إنّا لذائقون مفعول القول. ومفعول ذائقون محذوف أي العذاب.

المعنى :

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ). يتساءل

٣٣٥

المجرمون ويتلاومون حين يرون العذاب ، ويلقي الضعفاء التبعة والمسئولية على الرؤساء ، ويقولون لهم فيما يقولون : لولا اغراؤكم وخداعكم لكنا مؤمنين .. وعبروا عن هذا الخداع باليمين لأن العرب تتفاءل بما يأتي من جهة اليمين ، فقولهم : تأتوننا عن اليمين أشبه بقول القائل : أتاني من ميولي ورغباتي. وتقدم مثله في الآية ٣٨ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٢٦.

(قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ). هذا قول الرؤساء أجابوا به الضعفاء ، ومحصّله : ما كنا نملك إلا الدعوة وتزيينها ، وقد دعوناكم الى الكفر فاستجبتم ، ودعاكم الرسول الى الايمان فنفرتم ، والسر هو خبثكم وطغيانكم وإلا فأي سلطان لنا عليكم لو آمنتم بالله ورسوله كما آمن غيركم؟ وقد كان من نتيجة كفرنا واغوائنا لكم ، واستجابتكم لنا ان حقت علينا وعليكم كلمة العذاب ، كما ترون .. وليس بعد العذاب الذي نقاسيه من مستعتب. وتقدم مثله في الآية ٢٥ من سورة العنكبوت و ٦٧ من سورة الأحزاب.

(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ). هذا من كلام الله سبحانه ، ومعناه ان العذاب يقع على جميع المجرمين في ذلك اليوم الذي تساءلوا فيه وتلاوموا (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ). عقاب صارم ، وعذاب دائم من غير فرق بين التابع والمتبوع.

(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ). تعالوا وتعاظموا عن قبول الحق وكلمته ، فأصابهم ما أصاب المستكبرين قبلهم من بأس الله وعذابه (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ). قال المفسرون : خلط المشركون في كلامهم ، وارتبكوا في غيهم حيث وصفوا الرسول الأعظم (ص) بالشاعر والمجنون معا مع ان الشاعر ينتقي المعاني بفكر وروية ، ويؤلف بينها بدقة وإحكام ، ويعبر عنها ببراعة وإتقان ، وأين المجنون من هذا؟

(بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ). كلا ، ما هو بشاعر ولا مجنون ، وإنما هو رسول كريم ، جاء بالحق من عند الله ، وصدق من تقدمه من الرسل ، وما بين يديه من الكتب .. وبعد ، فإن المجنون خير وأفضل ممن وصف محمدا (ص)

٣٣٦

بالجنون ، وهو الذي اصطفاه الله واختاره لرسالته ، وجعله سيد المرسلين وخاتم النبيين. انظر تفسير الآية : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) ـ ٦٩ يس.

على سرر متقابلين الآية ٣٨ ـ ٤٩ :

(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩))

اللغة :

معين ماء غزير. لذة لذيذة. غول صداع. ولا هم عنها ينزفون لا يفنى شرابهم. قاصرات الطرف يحبسن نظراتهن على أزواجهن. وعين جمع عيناء وهي واسعة العينين. مكنون مستور.

الإعراب :

إلا ما كنتم تعملون «الا» أداة حصر. والا عباد الله المخلصين استثناء منقطع من ذائقو العذاب ، وما بين المستثنى والمستثنى منه اعتراض. فواكه بدل من رزق. على سرر متعلق بمتقابلين ومتقابلين حال من «مكرمون». وبيضاء صفة للكأس. وعندهم خبر لمبتدأ محذوف أي حور. وقاصرات الطرف صفة للحور ، وعين صفة ثانية. ومكنون صفة للبيض.

٣٣٧

المعنى :

(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). بعد ان قال سبحانه : ان المجرمين في العذاب مشتركون قال لهم : ان عذابكم هو جزاء لما كسبت أيديكم ، ولا تظلمون فتيلا.

(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ). هذا على عادة القرآن ، يذكر المجرمين وعقابهم ، ويعقب بذكر الطيبين وثوابهم ، وهو بالإجمال رزق معلوم عند الله وعندهم ، وهو بالتفصيل (فواكه) مما يشتهون (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) لأن الفواكه والطعام والشراب مع الاهانة سموم وهموم ، وفي الأمثال اللبنانية : «استقبلني ولا تطعمني». (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) تجري من تحتها الأنهار (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ينظر بعضهم الى بعض بغبطة وسرور (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) يحمل الولدان اليهم أنواعا من الشراب الذي لا ينضب له معين (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) مشرقة اللون طيبة الطعم (لا فِيها غَوْلٌ) لا صداع من شرابها ولا أوجاع (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي لا يفنى شرابها ، يقال : نزف ماء البئر إذا استخرجه بكامله. ونزف الرجل إذا ذهب عقله ، ومن ثم قال بعض المفسرين : المراد ان عقولهم لا تذهب من شرابها (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ). فواكه وتكريم وسرر وخدم وشراب ، وفوق ذلك حور عفيفات جميلات واسعات العيون (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) هذا كناية عن صيانتهن وبعدهن عن لمس الأيدي ونظرات الأعين.

المرأة والفتيان :

بالأمس القريب جاءني كتاب من إحدى الطالبات الكويتيات ، تقول فيه : جرى حديث بينها وبين أترابها في حقوق المرأة ، فقالت هي : الإسلام لا يفرق بين الرجال والنساء .. فاعترضن عليها بأن القرآن نصّ صراحة على ان الله غدا يكافئ الرجال الطيبين بالحور العين ، وسكت عن مكافأة النساء الطيبات بالشبان والفتيان الفوارس الأشاوس .. ولو كانت الحقوق سواء لوجب أن يكون الجزاء من نوع واحد ..

٣٣٨

وتقول الآنسة : انها عجزت عن الجواب. ورغبت إليّ ان أكتب به اليها ، لتقنع الفتيات المعترضات.

ويدلنا هذا الحوار البريء على ان المرأة تماما كالرجل في غرائزه وميوله ، وان الرجل على شرطها هي وشروطها أفضل جزاء لها وثواب ـ طبعا والرجل كذلك ـ وأيضا يدل هذا الحوار على أن غيرة المرأة من الرجل تماما كغيرة الضرائر والنظائر.

وقلت في جوابي لها : ان القرآن الكريم نص صراحة على المساواة بين الذكر والأنثى كمبدأ عام ، وذلك حيث يقول : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) ـ ١٩٥ آل عمران : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) ـ ١٢٤ النساء .. وليس من شك أن من دخل الجنة وجد فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ذكرا كان أو أنثى كما في الآية ٧١ من الزخرف .. هذا ، الى أن القرآن الكريم ذكر الولدان المخلدين كما ذكر الحور العين ، وإذا وصف الحور بالبيض المكنون فقد وصف الولدان باللؤلؤ المنثور كما في الآية ١٩ من سورة الدهر.

وغير بعيد أن يكون السكوت عن مكافأة النساء بالفتيان والشبان جاريا على المألوف بين الناس ، حيث يقولون للشاب لم لا تتزوج؟ ومتى تتزوج؟ ولا يقولون ذلك للفتيات والآنسات حيث يغلب عليهن الحياء ، وقديما قيل : أشد حياء من فتاة .. وأيضا قيل : ان ملذات الجنة كلها روحية ، لا شائبة فيها لمادة أو جنس ، وان ذكر الحور والفاكهة والكأس هو مجرد رمز واشارة بلذة الجسم الى لذة الروح ، وان السرر كناية عن الدرجات والمراتب.

لمثل هذا فليعمل العاملون الآية ٥٠ ـ ٦٨ :

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥)

٣٣٩

قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨))

اللغة :

قرين صاحب. ومدينون محاسبون ومجزيون. ومطلعون مشرفون. وسواء الجحيم وسطها. وتردين تهلكني. ومحضرين من الإحضار ، وأحضره جعله حاضرا ، وقالوا : لا تستعمل احضر الا في الشر. والنزل ما يهيأ للنازل. والزقوم شجرة تخرج في الجحيم كما قال سبحانه ، وقيل : ان العرب تعرف لها نظيرا في الدنيا وانها مرّة وتوجد في تهامة. والطلع أول ما يخرج من النخلة في أكمامه. ورؤوس الشياطين كناية عن قبح المنظر. والشوب خلط الشيء بغيره. والحميم الحار.

الإعراب :

ان كدت «ان» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي انك. ولتردين اللام هي الفارقة بين المخففة والنافية ، وتردين أصلها ترديني. ونعمة ربي مبتدأ والخبر محذوف أي كائنة. ونزلا تمييز.

٣٤٠