التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

دون الله. ومن شرك «من» زائدة إعرابا وشرك مبتدأ والخبر «لهم فيهما» ومثله من ظهير. وإلا لمن اذن له استثناء مفرغ أي لا تنفع الشفاعة عنده لأحد إلا لمن أذن له. الله مبتدأ والخبر محذوف أي قل الله يرزقكم. أو إياكم معطوف على اسم ان. وأروني تتعدى الى ثلاثة لمكان همزة التعدية ، وياء المتكلم المفعول الأول والذين الثاني ، وشركاء الثالث. وكافة حال من كاف أرسلناك ، وفي البحر المحيط ان كافة بمعنى عامة لا تكون إلا حالا ولا يتصرف فيها بغير ذلك ، والتاء في كافة للمبالغة مثل تاء علامة أي ما أرسلناك إلا حال كونك عاما جميع الناس في التبليغ. وللناس متعلق بكافة. وبشيرا حال بعد حال.

المعنى :

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ). عبد المشركون الملائكة والأصنام ، فنهاهم النبي (ص) فلم ينتهوا ، فقال لهم بأمر من الله : أين الدليل على ألوهية من جعلتموهم شركاء لله؟ ادعوهم للنفع أو الضر ، ثم انظروا : هل يسمعون ويستجيبون؟ والغرض من هذا الطلب هو إقامة الحجة عليهم بالتحدي والتعجيز ، ومثله قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) ـ ٥٦ الاسراء ج ٥ ص ٥٥.

(لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ). ضمير لا يملكون ولهم ومنهم يعود الى الشركاء المزعومين وضمير له اليه تعالى ، وضمير فيهما الى السموات والأرض ، ومثقال ذرة كناية عن أحقر الأشياء وأدناها ، والشرك النصيب ، والظهير المعين ، والمعنى لا شريك لله ولا معين ، ولا أحد يملك معه شيئا (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). هذا رد على قول المشركين : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ٣ ـ الزمر. انظر ج ١ ص ٩٧ فقرة : «الشفاعة».

(حتى إذا فزّع ـ أي ذهب الفزع ـ عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير). اختلف المفسرون في ضمير قلوبهم الى من يعود؟

٢٦١

ومن هو السائل والمسئول؟ والأرجح ان الضمير يعود بقرينة السياق الى من في السموات والأرض وان هذا الفزع يحصل للجميع عند قيام الساعة إلا من شاء الله ، كما جاء في الآية ٨٧ من سورة النمل : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ). وقلنا أكثر من مرة : ان آيات القرآن يفسر بعضها بعضا ، وعليه يكون المعنى انه عند قيام الساعة ينقسم أهل السماء والأرض فريقين : فريق يأخذه الفزع الأكبر ، وفريق من فزع يومئذ آمنون ، والى هؤلاء أشار سبحانه بقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) فإذا هدأ روع الفريق الأول قليلا سأل الفريق الثاني : ما ذا قال ربكم؟ أي ما هو مصيرنا ومآلنا؟ فيجيب الفريق المسئول : ان الله قال الحق وهو العلي الكبير. وهذا الجواب على اجماله يومئ الى أنه لا شريك ولا معين لله ولا شفاعة عنده إلا بإذنه.

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). الخطاب في قل لرسول الله (ص) وفي يرزقكم للمشركين ، أما رزق السماء فهو المطر والضياء ، ورزق الأرض النبات والزرع (قل الله) لا الأصنام ولا الملائكة ولا عيسى وعزير ، ولما كان هذا هو الجواب الوحيد أمر سبحانه نبيه الكريم أن يجيب به عن المسئولين.

(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). النبي على يقين انه على هدى ، وان المشركين على ضلال ، ولكن لما أبوا الإذعان للهدى والحق خاطبهم بهذا الأسلوب الحكيم ، وقال لهم : ان أحدنا محق والآخر مبطل ، فارجعوا إلى عقولكم واسألوها : أينا على صواب؟ وهذا من أسلوب نبي الهدى والرحمة ، بالاضافة إلى ان المحق يثق من نفسه حتى ولو خالفه أهل الأرض أجمعون.

(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ). هذا مثل قوله تعالى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٤١ يونس ج ٤ ص ١٦٢ (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ). لليوم الآخر أسماء ، منها يوم الجمع ، قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) ـ ٩ التغابن والفتح الحكم والفصل ، والمعنى ان الله سبحانه سيجمعنا وإياكم لنقاش الحساب والجزاء والأعمال ، وعندئذ

٢٦٢

ينكشف الغطاء وتعلمون أي الحزبين أهدى سبيلا؟

(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ). ضمير به يعود اليه تعالى ، وفي الكلام حذف أي أروني الدليل على ان الأصنام شركاء الله في خلقه ، أو يقربونكم اليه زلفى (كلا) لا شريك ولا معين لله ولا شفاعة لديه إلا بإذنه (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لا عز ولا قوة إلا لله وبالله ، أما دلائل حكمته وعظمته فإنها تتجلى في خلق الكون وعجائبه.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). ان الله سبحانه أرسل محمدا (ص) لجميع الناس في كل زمان ومكان. انظر تفسير الآية ٩٢ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٢٥ والآية ٤٠ من سورة الأحزاب. فقرة «لما ذا ختمت النبوة بمحمد» (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). تقدم بنصه الحرفي في الآية ٤٨ من سورة يونس ج ٤ ص ١٦٦ (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ). لأنه تعالى قد وعد بالبعث والحساب والجزاء ، وهو منجز وعده لا محالة ، ولكن في الوقت الذي حدده ، جلت حكمته ، لا يتقدم عليه ، ولا يتأخر عنه ، فلا يغرنكم أيها المشركون ما أنتم فيه ، فإنما هو الى حين طال أم قصر ، ثم الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون.

ان يؤمنوا بالقرآن الأة ٣١ ـ ٣٣ :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا

٢٦٣

بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣))

اللغة :

رجّع في صوته ردده ، والرجيع من الكلام المردود الى صاحبه ، والمراد بيرجع بعضهم الى بعض القول ان كلا من الفريقين يحيل الخطأ على الآخر.

الإعراب :

مفعول ترى محذوف وكذلك جواب لو أي ولو ترى الظالمين آنذاك لرأيت عجبا. ومكر فاعل لفعل محذوف أي صدنا عن الحق مكركم بنا في الليل والنهار. وأضاف المكر إلى الليل والنهار على سبيل المجاز. وإذ تأمروننا «إذ» في محل نصب بمكر. والمصدر من أن نكفر مجرور بباء محذوفة أي تأمروننا بالكفر بالله.

المعنى :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة والإنجيل. والذين قالوا هذا هم مشركو العرب بدليل الآية ٣٠ من سورة الفرقان : «وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا». هجروا القرآن وكفروا به لأنه ساوى بين الأبيض والأسود ، وقال لهم : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) ـ ١١ الحجرات. وكفروا بنبوة محمد (ص) لأنه أراد أن يخرجهم من الجهل والتخلف الى العلم والحضارة .. قال

٢٦٤

المستشرق المعاصر «جاك ريزلر» صاحب كتاب «يقظة الإسلام» ، وكتاب «الحضارة العربية» الذي طبع في فرنسا سنة ١٩٦٢ ، قال :

«بظهور الدين الاسلامي بدأت أولى مراحل الحضارة العربية ، ويعزى نجاح قيام هذه الحضارة وانتشارها إلى عدة أسباب : أهمها ارتفاع الروح المعنوية لدى المسلمين بفضل الدين الجديد ، الأمر الذي أكسبهم جرأة جعلتهم يستهينون بالموت في سبيل الله».

(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ). بعد أن يئس الرسول الأعظم (ص) من ايمان المشركين قال له المولى ، جلت عظمته ، مسليا : سوف ترى غدا حال هؤلاء المكذبين وما هم فيه من الخزي والهوان حين يقفون للحساب بين يدي الله كيف يتلاوم التابع والمتبوع ، ويخطئ كل منهما الآخر (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ). المستضعفون هم الأتباع ، والمستكبرون هم القادة (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ). تماما : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ـ ١٦ ـ الحشر. وغير بعيد أن يكون هذا الشيطان في الآية الكريمة كناية عن القادة الضالين المضلين.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً). لما يئس التابعون والمتبعون من النجاة تلاوموا وتبادلوا التهم ، وأحال كل فريق الذنب على صاحبه ، تماما كاللصوص يتفقون حين اقتراف الجريمة حتى إذا أخذوا بها لعن بعضهم بعضا .. وقد كانت الغلبة في النهاية للمستضعفين حيث جابهوا المستكبرين بما كانوا يمكرون بهم ليلا ونهارا ، ويغرونهم بالكفر والشرك بشتى الأساليب ، وان كان هذا لا يعفيهم من العذاب ، ولا يخففه عنهم ما داموا عقلاء مختارين : («قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) ـ ٣٨ الأعراف ج ٣ ص ٣٢٦.

(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) وهم التابعون والمتبعون (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) وكل من

٢٦٥

قصّر وفرّط فمصيره العذاب والندامة والكآبة (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من القادة وأتباعهم (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) كلا ، فإن المرء مجزي بما أسلف ، ومقدم على ما قدّم (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

المترفون الأة ٣٤ ـ ٤٢ :

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢))

٢٦٦

اللغة :

المترفون هم الذين يتنعمون في الملذات كما يشاءون. ويقدر يضيق. وزلفى قربى. ومعاجزين جمع معاجز أي سابقه ليظهر عجزه.

الإعراب :

كافرون اسم انّا ، وبما أرسلتم متعلق بكافرين ، وبه متعلق بأرسلتم. وأموالا وأولادا تمييز. وبمعذبين الباء زائدة إعرابا ، ومعذبين خبر نحن. وزلفى مفعول مطلق لتقربكم. إلا من آمن وعمل صالحا على الاستثناء المنقطع أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله الصالح يقربانه من الله زلفى. فأولئك مبتدأ أول وجزاء مبتدأ ثان والضعف مجرور بالإضافة من إضافة المصدر الى مفعوله أي فأولئك نضاعف لهم الجزاء ، ولهم خبر الثاني ، والجملة من الثاني وخبره خبر الأول ، وهؤلاء مبتدأ وإياكم مفعول يعبدون وجملة يعبدون خبر كان وجملة كان واسمها وخبرها خبر هؤلاء.

المعنى :

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ). هذا هو تفكير المترفين ، وهذه هي لغتهم .. المال هو الأول والأخير ، هو السيد وهم العبيد ، ومن أجله يحملون لواء الشر والاعتداء على الناس ، ويتحكمون بالأسواق والأقوات ، ويثيرون الحروب الحامية والباردة ، ويسيطرون بكل أسلوب على مختلف مستويات الحياة ، ويربطون كل شيء بمكاسبهم وأرباحهم ، فالعلم ليس بشيء إلا إذا زاد من ثرواتهم ، والدين أداة هدم وتخريب إلا إذا كان حارسا لهم ولمصالحهم ، والسلم هو ان يسلبوا وينهبوا ولا يزجرهم زاجر أو يسألهم سائل .. انظر تفسير الآية ١٦ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٣٠ فقرة «المترفون» والآية ٩٠ من نفس السورة والمجلد ص ٨٥.

٢٦٧

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). تقدم في الآية ٢٦ من سورة الرعد ج ٤ ص ٤٠١ فقرة : «الإنسان والرزق» (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ). ان الله سبحانه لا يقيس الخير والفضيلة بالأموال والأولاد ، ولا بالمناصب والأنساب ، بل بالإيمان والعمل الصالح ، فبهما يكون العبد مرضيا عند الله راضيا بثوابه وفضله. قال الإمام علي (ع) : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك ، وان تباهي الناس بعبادة ربك ، فإن أحسنت حمدت الله ، وان أسأت استغفرت الله ، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين : رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة ، ورجل يسارع في الخيرات.

(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ). تقدم مثله في سورة الحج الآية ٥١ ج ٥ ص ٣٣٨ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ). وتسأل : لما ذا كرر سبحانه هذه الآية مع العلم بأنه لا فاصل بينها وبين الأولى سوى آيتين؟

وأجاب المفسرون بأن الآية الأولى تختص بالكافرين ، والثانية بالمؤمنين ، قال الرازي : «والدليل على ذلك انه تعالى ذكر في الآية الثانية «من عباده» دون الأولى ، والعبد المضاف اليه تعالى يراد به المؤمن» وغير بعيد أن يكون التكرار للوعظ والتمهيد للحض على الإنفاق الذي أشار اليه سبحانه بقوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). وعن الرسول الأعظم (ص) انه قال : ينادي مناد كل ليلة : اللهم هب لكل منفق خلفا ، وينادي مناد آخر : اللهم هب لكل ممسك تلفا. وفي نهج البلاغة : استنزلوا الرزق بالصدقة.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ). القصد من توجيه هذا السؤال للملائكة هو تقريع المشركين وتوبيخهم ، وتدل الآية ان بعض العرب كانوا يعبدون الملائكة ، وفي الآية ٤٠ من سورة الإسراء إيماء إلى ذلك : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) ومن نسب الولد اليه تعالى فقد جعل له شبيها وفي العز شريكا (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ)

٢٦٨

أي أنت سيدنا وهم أعداء لنا ، ونحن نبرأ منهم اليك (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ). قال جماعة من المفسرين : المراد بالجن هنا الشياطين ، وانهم زينوا للمشركين عبادة الملائكة وغيرهم من دون الله. وقال آخرون : ان عبادة الجن كانت معروفة عند العرب ، وعليه تكون الآية على ظاهرها ، ولا داعي للتأويل .. وسواء أكان الجن هم المعبودين عند العرب ، أم كان المعبود غيرهم بتزيين الشياطين فإن القصد الأول من الآية نفي الشريك لله ، والشفيع لديه إلا بإذنه ، وانه لا ملجأ منه إلا اليه.

ومن أجل هذا عقب سبحانه بقوله : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا). فلا الملائكة ولا الانس والجن يملكون لأنفسهم شيئا عند نقاش الحساب فكيف يملكونه لغيرهم؟ له وحده الملك والحمد ، وهو على كل شيء قدير (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ). قالوا : لا جنة ولا نار ، ولا نؤمن حتى نراهما جهرة ، فأحرقهم الله بعذابها استجابة لطلبهم .. وذكرتني هذه الآية بمن يقول : لا علم ولا معرفة إلا عن طريق المشاهدة والتجربة حتى في غير المنظور والمحسوس.

انما أعطكم بواحدة الأة ٤٣ ـ ٥٠ :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى

٢٦٩

وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠))

اللغة :

النكير الإنكار ، والمراد به هنا الهلاك. مثنى وفرادى أي اثنين اثنين وواحدا واحدا. والجنة الجنون. والقذف الرمي والمراد به هنا الوحي إلى النبي (ص). بدأ الشيء فعله ابتداء ، وأعاده كرره ، والمراد هنا ان الباطل لا أثر له على الإطلاق.

الإعراب :

كيف خبر كان ونكير اسمها وأصلها نكيري. والمصدر من أن تقوموا بدل من واحدة. ومثنى وفرادى حال من فاعل تقوموا. بين يدي ظرف منصوب بنذير. ما سألتكم «ما» اسم موصول مبتدأ ، وجملة فهو لكم خبر والعائد على الموصول محذوف أي ما سألتكموه. وعلام الغيوب خبر مبتدأ محذوف أي هو. فبما يوحي متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي فاهتدائي كائن بالوحي إليّ.

المعنى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا

٢٧٠

كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). ضمير عليهم وقالوا يعود الى مشركي العرب ، ومرادهم بالرجل محمد (ص) وقد وصفوه بالافتراء والسحر والجنون لأنه دعاهم الى نبذ الوثنية وتقاليدهم الجاهلية والكف عن المحارم والفواحش واراقة الدماء والتحكم بالضعفاء ، وإلى العمل بالعلم والعدل .. هذا هو ذنب الرسول الأعظم عندهم ، وهو ـ كما ترى ـ ذنب العالم المخلص عند الجاهل الخائن ، والطبيب الناصح عند العليل الذي يرى نفسه سليما معافى .. وصدق من قال : يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه.

(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ). أشركوا بالله ، وكل شيء يدل على انه واحد ، وقلدوا الآباء والأجداد ، ولا حجة لهم من وحي منزل أو نبي مرسل أو أثارة من علم. أنظر تفسير الآية ٣ من سورة الحج ج ٥ ص ٣٠٨ فقرة «جدال الجهل والضلال» (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ). لقد أشرك قبلكم كثير من الأمم ، وكذبوا الرسل كما كذبتم رسولكم ، وكانوا أكثر منكم قوة وحضارة ، ومع ذلك أخذهم الله بظلمهم وتمردهم .. ألا تعتبرون بهم ، وتخافون أن يصيبكم ما أصابهم؟ وتقدم مثله في الآية ٦٩ و ٧٠ من سورة التوبة ج ٤ ص ٦٧.

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ). أعظكم أدعوكم ، وواحدة خصلة واحدة ، ان تقوموا لله أن تتجردوا للحق بعيدين عن التقاليد والأهواء ، ومثنى ان يراجع أحدكم الآخر وتتدارسوا دعوتي ورسالتي. وفرادى ان يرجع كل منكم الى عقله وضميره وينعم الفكر فيما جئتكم به .. والمعنى قل يا محمد للذين كذبوك : أنا لا أطلب منكم إلا شيئا واحدا ، هو العدل والانصاف ، هو ان تفكروا مجتمعين ومنفردين في دعوتي بوعي وإخلاص ، ثم تنظروا : هل أنا مفتر أو ساحر أو مجنون كما تزعمون ، أم أنا بشير ونذير ، وناصح بصير؟ .. وقد دعا النبي الكريم أهل الكتاب الى مثل هذه الدعوة : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) ـ ٦٤ آل عمران ولا شيء أصدق في الدلالة على صدق رسول الله (ص) في كل ما جاء به من

٢٧١

دعوة خصومه الى منهج الحق والعدل.

روي عن ابن عباس ان النبي (ص) صعد الصفا ذات يوم ، وقال : يا صباحاه ـ كلمة يقولها المستغيث عند حدوث أمر عظيم ـ فاجتمعت قريش ، فقال : أرأيتم لو أخبرتكم ان العدو يصبحكم أو يمسيكم ، اما كنتم تصدقوني؟ قالوا : بلى. قال : اني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فأجابه أبو لهب بكلمة الكفر .. ولكن ما مضت الأيام حتى استسلموا أذلاء صاغرين.

(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). المراد ب (فَهُوَ لَكُمْ) نفي سؤال الأجر من الأساس مثل : («فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ـ ٧٢ يونس» ج ٤ ص ١٨٠ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي يوحي بالحق الى أنبيائه ، وهو أعلم به ، وبأهلية من أوحى اليه للرسالة العظمى.

(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ). المراد بالحق هنا رسالة محمد (ص) وبالباطل الشرك ، وما يبدئ ويعيد كناية عن إزهاق الباطل وانتهاء أمره وعدم ظهور أثره في الجزيرة العربية إطلاقا بعد الرسالة المحمدية (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) وضرر ضلالي عليّ وحدي ، ولا شيء عليكم منه (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) واليه وحده الفضل في هدايتي ولا أملك منها ولا من غيرها إلا ما ملكني (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) ان قلتم سمع ، وان أضمرتم أو فعلتم علم لأنه أقرب إليكم من حبل الوريد.

واني لهم التناوش الأة ٥١ ـ ٥٢ :

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))

٢٧٢

اللغة :

إذ فزعوا إذ خافوا. فلا فوت فلا مهرب. ويقذفون يرجمون. والتناوش التناول. والمراد بالأشياع هنا الأمثال والأشباه.

الإعراب :

جواب لو محذوف أي لرأيت عجبا. وفوت اسم لا وخبرها محذوف أي لهم. والتناوش مبتدأ ، وانّى لهم أي من أين لهم وهو متعلق بمحذوف خبرا للتناوش.

المعنى :

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ). الخطاب لرسول الله (ص) وأخذوا من مكان قريب كناية عن انهم في متناول قدرة الله تعالى ، والمعنى لو رأيت غدا يا محمد ما يصيب المكذبين بنبوتك من الذعر والعذاب الذي لا مفر لهم منه لرأيت عجبا. والغرض من هذا الخطاب تهديد المشركين والتخفيف عن سيد المرسلين.

(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ). ضمير به يعود الى رسول الله (ص) لأن ذكره قد مر في الآية السابقة ٤٦ : «ما بصاحبكم من جنة» والتناوش التناول ، والمعنى ان المكذبين بمحمد يقولون حين يرون العذاب : آمنا به ، ولكن من أين ينالون هذا الايمان ، أو يجديهم نفعا ، وهو أبعد ما يكون عنهم لأن يوم القيامة هو يوم حساب وجزاء ، لا يوم ايمان وعمل. قال الإمام علي (ع) : اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .. عباد الله زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا.

(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) فوات الفرصة ، وحيث ينفعهم الايمان (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ). يقذفون بالغيب أي يتكلمون من غير علم ، ومن مكان بعيد كناية عن بعد أقوالهم وايمانهم عن الحق والواقع ، والمعنى انهم كانوا يقولون : محمد مفتر وساحر ومجنون ، ولا جنة ولا نار جهلا ومن غير دليل.

٢٧٣

(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ). اشتهوا النجاة والإفلات من عذاب جهنم ، فلجئوا إلى الايمان والتوبة ، ولكن بعد فوات الأوان ، فازدادوا حسرة وألما (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ). فلقد كان لهم أشباه ونظائر من الأمم البائدة ، أعرضوا عن ربهم في الحياة الدنيا ، وفزعوا اليه في الآخرة ، فقال لهم : («اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ـ ١٠٨ المؤمنون» (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) من البعث والنشور ، وشك مريب مثل عجب عجيب ، وظل ظليل ، لأن الشك والريب بمعنى واحد.

٢٧٤

سورة فاطر

مكية ، وآيها ٤٥.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمدلله فاطر السموات والأرض الأة ١ ـ ٣ :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣))

اللغة :

فاطر السموات والأرض خالقهما على غير مثال سابق. ومثنى وثلاث ورباع معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ، ولم يسمع فيما زاد عن هذه الأعداد مثل مخمس. والمراد بما يفتح هنا ما يعطي. وتؤفكون تصرفون عن الحق إلى الضلال.

٢٧٥

الإعراب :

فاطر السموات صفة لله. وجاعل صفة ثانية ، وقيل : انه يعمل عمل الفعل لأنه مضاف فأشبه المقرون باللام ، وعليه يكون مضافا الى المفعول الأول وهو الملائكة ، ورسلا مفعول ثان. وأولي أجنحة بدل من رسل ، ومثنى وما بعدها صفات للملائكة. وما يفتح «ما» شرطية في محل نصب بيفتح. فأنّى تؤفكون أي فإلى أين ، والمجرور متعلق بتؤفكون.

المعنى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). حمد الله نفسه ليعلّمنا كيف نحمده ونشكره .. وتدل الآية على ان من الملائكة من له جناحان ، ومنهم له ثلاثة ، ومنهم له أربعة ، وانه تعالى يزيد لآخرين في الأجنحة ما يشاء .. وهذا وما اليه يتفق مع قدرة الله وعظمته ، والعقل لا يأباه ، هذا ما نعلمه ، وما عداه نتركه إلى علم الله سبحانه لأنّا غير مسؤولين عنه ، ولا يمت إلى حياتنا بسبب ، ولا دليل عليه من آية أو رواية متواترة. وأخشى أن يقول أنصار تأويل النصوص الدينية بالعلم الحديث ، أن يقولوا : ان مثنى اشارة الى الطائرة ذات المحركين ، وثلاث الى المحركات الثلاثة ، ورباعا الى ذات الأربعة ، أما قوله تعالى : يزيد في الخلق ما يشاء فهو إشارة الى طائرات المستقبل ذات المحركات العديدة.

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). الفتح العطاء ، والإمساك المنع ، والإرسال الإطلاق بعد المنع. وليس المراد بالرحمة هنا مجرد المال كما قال بعض المفسرين ، ولا هو مع الصحة والجاه والعلم كما قال آخرون .. كلا ، فإن المال قد يؤدي الى الطغيان والاستغلال ، فقد رأينا الكثير من أصحاب الملايين حولوا الشعوب الضعيفة الى شركات مساهمة يملكون أسهمها ، ويتحكمون بأهلها ويحيلونهم الى عبيد مستخدمين أو لاجئين مشردين .. وقد تؤدي الصحة بصاحبها الى المغامرة والأخطار ، أما

٢٧٦

الجاه فهو ـ في الأعم الأغلب ـ أداة للبغي والعدوان. ورب علم الجهل خير منه كالعلم الذي أنتج القنبلة الذرية ، وما اليها من الأسلحة الجهنمية .. كلا ، ليس المراد برحمته تعالى في هذه الآية المال وحده ولا الصحة وحدها ، ولا مجرد الجاه والعلم ، وإنما المراد بها لطف الله وهدايته الى الخير ، ووقايته من الشر.

قال الإمام علي (ع) : «عند تناهي الشدة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء» وقد شاهدنا أيسر المشاكل تزداد تعقيدا كلما اجتهد أصحابها في حلها ، ورأينا أعسرها تحل بسهولة ويسر أو تلقائيا ، ولا سر لذلك إلا إرادة الله ورحمته ، وصدق من قال : «ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد ، وينام على الحرير بدون هذه الرحمة فإذا هو شوك القتاد».

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ). هذا التذكير بنعمة الله وبأنه وحده الخالق الرازق انما هو تأكيد للآية السابقة : «ما يفتح الله للناس الخ» وفي نهج البلاغة : «فكم خصكم الله بنعمته ، وتدارككم برحمته ، أعورتم له ـ أي ظهرت له عوراتكم ـ فستركم ، وتعرضتم لأخذه ـ أي لهلاكه ـ فأمهلكم .. فاستتموا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته ، والمجانبة لمعصيته ، فإن غدا من اليوم قريب».

فقد كذبت رسل من قبلك الأة ٤ ـ ٨ :

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ

٢٧٧

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨))

الإعراب :

أفمن زيّن له «من» مبتدأ والخبر محذوف أي كمن لم يزين له. وحسرات مفعول من أجله لتذهب ، وعليهم متعلق بتذهب لا بحسرات لأنها مصدر ، والمصدر لا يقدم معموله عليه. هكذا قال النحاة.

المعنى :

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيثيب المؤمن الصابر في جهاده ، ويعاقب من كذب الحق على تكذيبه ، والغرض التخفيف عن الرسول الأعظم (ص) ، وتهديد خصومه وأعدائه. وتقدم مثله في الآية ١٨٤ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٢٢٢ والآية ٤٢ من سورة الحج ج ٥ ص ٣٣٥.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ). المراد بوعد الله هنا الحساب والجزاء بعد الموت ، ومغريات الدنيا المال والجاه والنساء والبنون ، والغرور الشيطان. وتقدم مثله في الآية ٣٣ من سورة لقمان (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). أعلن الشيطان صراحة عداوته لبني آدم بقوله : (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٣٩ الحجر. وحزبه هم أتباعه الذين يستمعون إلى وسوسته واغرائه. وقد حذرنا سبحانه من طاعته لأنه يدعو إلى الفساد والهلاك ، والله يدعو إلى الخير والرحمة.

٢٧٨

(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ). لكل امرئ عاقبة حلوة أو مرّة ، فعاقبة من كفر وأفسد جهنم وساءت مصيرا ، وعاقبة من آمن وأصلح جنة قائمة ، وراحة دائمة.

زين له سوء عمله :

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً). لا أحد من الناس يعيش بلا فلسفة ومثل أعلى له ، حتى الذين يرفضون الفلسفات والمثل العليا فقد جعلوا هذا الرفض فلسفة لهم ومثلا أعلى .. ومن هنا قيل : من نفى الفلسفة فقد تفلسف .. أجل ، لكل انسان فلسفة ، والفرق ان بعض الناس يبني فلسفته وأحكامه على التجربة والتحليل ، ومنهم من يبنيها على العقل أو على الدين ، ومنهم من يحكم على الأشياء من خلال ذاته وميوله الخاصة معرضا عن كل ما عداها لا يبحث ولا يفكر ولا يحلل ، لأنه لا يؤمن بعلم ولا عقل ولا دين ، لا بشيء إلا بما يراه ويهواه .. انه ينظر الى نفسه على انها المقياس الوحيد للحق والخير والصواب ، وانها في عصمة من النقص والخطأ .. والكلام عن هذا لا يدخل في أي بحث من البحوث إلا كشاهد على السفاهة والغرور القاتل ، وقد أشار سبحانه إليه في العديد من الآيات منها هذه الآية ، ومنها : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ـ ١٠٣ الكهف ج ٥ ص ١٦٣ ومنها : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ١٢ البقرة.

(فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ). هذا تعليل لقوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) أي ان الله قد كتب عليه الضلال وسوء المصير لأنه سلك الطريق المؤدية الى ذلك تماما كما كتب الموت على من شرب السم ، والغرق على من رمى نفسه في البحر ، وهو جاهل بفن السباحة. وتقدم مثله في الآية ٢٧ من سورة الرعد والآية ٤ من سورة ابراهيم والآية ٩٣ من سورة النحل.

(فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ). لا تأسف ولا تحزن يا محمد على الذين لم يستجيبوا لدعوتك ما داموا قد سلكوا طريق الضلال

٢٧٩

والهلاك بسوء اختيارهم ، وقد أحصى الله عليهم كل صغيرة وكبيرة ، وسوف يعاملهم بما يستحقون. وتقدم مثله في الآية ٦ من سورة الكهف ج ٥ ص ١٠٢.

والعمل الصالح يرفعه الأة ٩ ـ ١١ :

(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١))

اللغة :

يبور من البوار وهو الهلاك. وأزواجا أصنافا بيضا وسودا وذكورا وإناثا. والمعمر من طال عمره.

الإعراب :

جميعا حال من العزة. ومكر مبتدأ وهو ضمير فصل ، وجملة يبور خبر. ومن معمر «من» زائدة إعرابا ومعمر نائب فاعل ليعمّر. ونائب فاعل لا ينقص محذوف أي لا ينقص شيء من عمره. وفي كتاب متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف أي الا هو كائن في كتاب.

٢٨٠