التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

إلى الرسول ، وطلب أن يعتق ابنه أو يبيعه له بأي ثمن شاء ، فأعتقه نبي الرحمة لوجه الله وخيّره بين البقاء معه والذهاب مع أبيه ، فآثر زيد النبي على أبيه ، وعندئذ قال أبوه حارثة : يا معشر قريش اشهدوا انه ليس ابني. فقال النبي (ص) : اشهدوا انه ابني .. فظن الناس ان النبي قد تبنى زيدا ، ودعوه بعد ذلك بزيد ابن محمد.

وكان العرب قبل الإسلام يجرون أحكام الابن الحقيقي على الابن الدعي حتى في استحقاق الإرث ، وحرمة النسب .. ومن المتفق عليه عند العقلاء الأخيار منهم والأشرار ان العادات الموروثة عن الآباء والأجداد هي بمنزلة القانون والديانة لا يجوز لأحد أن يخالفها كائنا من كان.

وشاءت حكمته تعالى أن يلغي هذه العادة ، وينهى عنها بالفعل لا بالقول ، وذلك بأن يتزوج زيد بن حارثة الذي كان بالأمس عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ، أن يتزوج من امرأة لها شأنها نسبا وجمالا ، ولا يطمع في أمثالها إلا السادة الأشراف ، وهي زينب بنت جحش ابنة أميمة بنت عبد المطلب جد الرسول الأعظم (ص) ، وأن يقضي منها زيد حاجته ، ثم يطلقها ، وبعد انقضاء عدتها يتزوجها رسول الله (ص) ، لأن ذلك أقوى وأبلغ في النهي عن هذه العادة من جهة ، وكيلا يأنف الأشراف من الزواج بمطلقات الموالي والمستضعفين من جهة ثانية ، ومع هذا وذاك أن لا تأنف كريمة النسب أو وليها من الزواج بمن هو دونها حسبا ونسبا .. قضى الله بذلك وقدره كما نص عليه سبحانه بقوله : «وكان أمر الله مفعولا .. وكان أمر الله قدرا مقدورا». وأوحى سبحانه الى نبيه الكريم بهذا القضاء والقدر ، وأمره أن يزوج زيدا من زينب ، وما كان لنبي إذا قضى الله أمرا أن تكون له الخيرة من أمره.

فتقدم النبي الى زينب ، وخطبها لمولاه زيد ، وأخفى في نفسه ما أوحى الله به اليه من أنه قد قضى وقدر أن يتزوجها هو بعد زيد ، أخفى النبي هذا الوحي لأنه ثقيل على الناس لبعده عن طباعهم وتقاليدهم ، والى هذا الإخفاء أشار سبحانه بقوله : «وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه» .. خطب النبي (ص) ابنة عمته لمولاه زيد ، فأبى أخوها عبد الله أن تتزوج أخته من

٢٢١

غير كفؤ ، وشاركته هي هذا الإباء ، فنزل قوله تعالى : «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم». فخضعت زينب وأخوها لقضاء الله ورسوله ، وتم الزواج.

وبعد حين من الدهر فترت العلاقة بين الزوجين ، فذهب زيد الى رسول الله يريد طلاق زينب ، فنهاه وأمره بالصبر ، ولكن أمر الله كان مفعولا ، فتم الطلاق ، وبعد العدة تزوجها الرسول ، وتحطم نظام التبني وزالت آثاره .. ومن غير الرسول الأعظم يتحدى المجتمع في عاداته وتقاليده التي نشأ عليها وورثها أبا عن جد! .. اذن ، مسألة زواج النبي (ص) من زينب ليست مسألة شهوة وغرام وانما هي مسألة أمر الله وقضائه وقدره بنص الآيات الواضحات التي حاول المفترون تحريفها وتأويلها على أهوائهم .. وهذا هو النص ينطق بصراحة : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً). (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً). «وتخفي في نفسك ما الله مبديه». والمراد بالأمر المفعول والمقدور وبالذي يعلنه الله ويبديه شيء واحد ، وهو زواج النبي من زينب الذي أعلنه سبحانه وأبداه صراحة بقوله : «زوجناكها». ولو كان النبي قد أضمر شهوتها في نفسه كما يقول المفترون لأظهر الله ذلك وأبداه لقوله : «ما الله مبديه» ولا شيء في الآيات يشير من قريب أو بعيد الى الشهوة التي ابتدعها المتقولون .. هذا ، إلى ان زينب كانت في قبضة النبي (ص) وأطوع اليه من بنانه ، ولو كانت المسألة مسألة شهوة وغرام لما زوّجها من مولاه زيد ليقضي منها وطره ، ثم يتزوجها من بعده .. حاشا سيد الكونين من الشهوات والأهواء ، وتعالى عنها علوا كبيرا.

وبعد ، فإن هذه الآيات قد تواردت بأجمعها على موضوع واحد ، فهي متشابكة متماسكة ، ولا يمكن بحال تجزئتها والأخذ ببعضها دون بعض ، فإما أن تؤخذ جملة ، وإما أن تترك جملة ، ومن أخذ بقوله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ككلام مستقل ، وتجاهل قوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) وقوله : «ما الله مبديه» فهو من الذين زاغ بهم الباطل عن جادة الحق عنادا له ولأهله .. وقد وضح بهذا التمهيد معنى الآيات ، وعرف المقصود منها ، لذلك نمر بها مرا سريعا نشير فيه إلى تطبيق الآيات على مراحل القصة من الزواج الأول إلى الزواج الثاني.

٢٢٢

المعنى :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). نزلت هذه الآية حين خطب النبي زينب بنت جحش لمولاه زيد ابن حارثة ، وأنفت من الاقتران به هي وأخوها عبد الله لأن زيدا ليس لها بكفؤ ، والمعنى ان هذا الزواج بأمر الله ورسوله ، ولا ارادة لأحد من المؤمنين مع الله والرسول ، ومن أبى فهو من الضالين الهالكين .. وعندئذ نزلت زينب وأخوها على حكم الله والرسول ، وتم الزواج.

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) وهو زيد بن حارثة ، أنعم الله عليه بالإسلام وصحبة الرسول ، وأنعم الرسول عليه بالعتق (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ). بعد حين من الزواج فترت العلاقة الزوجية بين زينب وزيد ، وقال للنبي (ص) : أريد طلاقها. فأوصاه بإمساكها وبتقوى الله في جميع أحواله .. ولكن النبي (ص) كان على يقين بأن زيدا سيطلق زينب ، وانه سيتزوجها من بعده ، إلا انه لم يبد ذلك خوفا من لوم اللائمين ، فستره بقوله لزيد : أمسك عليك زوجك ، وعلى هذا عاتبه الله بقوله :

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ). المراد ب (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) زواج النبي من زينب بعد طلاقها من زيد ، وقد أبداه الله في الحال وفي نفس الآية ، أبداه وأظهره بقوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها). هذا ما أخفاه محمد وأبداه الله فأين هي الشهوة التي أخفاها محمد في نفسه؟ ولما ذا سكت الله بعد أن قال : «ما الله مبديه»؟ .. أخفى النبي (ص) علمه بأن زيدا سيطلق زينب ، وانها ستكون حليلة له بعد الطلاق ، وعلى هذا الإخفاء عاتبه الله وقال له تلويحا لا تصريحا : من كان له مقامك عند الله فلا يهتم بلوم اللائمين وأقوال المتقولين.

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً). تزوج زيد من زينب وقضى منها حاجته ، ثم طلقها وبعد العدة تزوجها الرسول (ص). وكان

٢٢٣

زواج النبي منها بيانا من الله للمؤمنين وللناس أجمعين لرفع الإثم عنهم إذا تزوجوا حلائل أدعيائهم الذين قضوا حاجتهم منهن (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ). لقد أمر سبحانه نبيه الكريم أن يتزوج حليلة ابنه الدعي ليبطل بذلك عادة الجاهلية ، فاستجاب النبي لأمر الله ، وما على النبي ولا على غيره من غضاضة في زواج حليلة ابن التبني وان عابه الناس ما دام الله قد أحل ذلك.

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً). المراد بالذين خلوا وبالذين يبلغون رسالات الله ـ الأنبياء السابقون ، والمعنى ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أرسله الله داعيا الى الحق وناهيا عن الباطل ، ومنه العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد بلغ الرسول رسالات ربه بأمانة واخلاص ، وما هادن ولا داهن ، ولم يخش إلا الله ، وتحمّل من أجل ذلك الكثير من العناء والبلاء ، ولك يا محمد فيمن مضى من إخوانك الأنبياء أسوة وعزاء. وعلى الله وحده حساب المكذبين والمعاندين.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) بالنسب والولادة كي تحرم مطلقة زيد ابن حارثة عليه .. وبالمناسبة : ولد لرسول الله (ص) أربعة ذكور ثلاثة من خديجة ، وهم القاسم والطيب والطاهر ، وقيل : ولدان لأن الطاهر هو الطيب. وواحد من مارية القبطية وهو ابراهيم ، وماتوا جميعا في سن الطفولة ، أما الحسن والحسين فهما ولدا ابنته فاطمة من علي (ع) ، ولكن الرسول قد اعتبرهما ولدين له حيث قال : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ، وقال أيضا : كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم. انظر ج ٣ ص ٢١٩.

(وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) والرسول غير الأب ، وان كان أشد حرصا على المؤمنين وأكثر رحمة بهم من آبائهم وأمهاتهم (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) فلا نبي بعد محمد (ص) ، ولا شريعة بعد شريعة الإسلام (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ومنه علمه تعالى حيث يجعل رسالته ، وحيث يختمها بمحمد (ص).

٢٢٤

لما ذا ختمت النبوة بمحمد؟

اتفق المسلمون قولا واحدا على انه لا وحي إلى أحد بعد محمد (ص) ، ومن أنكر ذلك فما هو بمسلم ، ومن ادعى النبوة بعد محمد وجب قتله ، ومن طلب الدليل على نبوة هذا الدعي محتملا الصدق في قوله فهو كافر ، وفي تفسير إسماعيل حقي «روح البيان» : «لو جاء بعد رسول الله (ص) نبي لجاء علي بن أبي طالب لأنه كان منه بمنزلة هرون من موسى».

وتسأل : لما ذا ختمت النبوة بمحمد؟

الجواب : ان الغاية الأولى والأخيرة من بعثة النبي هي أن يبلغ قوله تعالى إلى عباده ، وما من شيء يريد الله سبحانه أن يبلغه إلى عباده إلا وهو موجود في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ـ ٨٩ النحل. وقال : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ـ ٣٨ الانعام. أي من شيء يتصل بوظيفة الأنبياء واختصاصهم في هداية الخلق وإرشادهم الى مصالحهم التي تضمن لهم سعادة الدارين.

ولا وسيلة لإثبات هذه الحقيقة إلا بالتجربة التي لا تقبل الشك والجدال ، ونعني بها أن يدرس أهل الاختصاص القرآن دراسة علمية شاملة من ألفه إلى يائه ، ثم يقارنوا بينه وبين غيره من كتب الأديان .. ونحن على يقين بأنهم ينتهون من ذلك إلى أمرين : الأول ان القرآن ببلاغته وعقيدته وشريعته يفوق جميع كتب الأديان. الثاني انهم يجدون في القرآن جميع الأصول والمبادئ التي تتجاوب مع حاجات الناس ومصالحهم وتقدمهم إلى قيام الساعة. فما من نهضة علمية أو ثورة تحررية إلا ويدعو اليها القرآن ويباركها ، وما من تشريع يحتاج اليه الناس في دور من أدوار التاريخ إلا ويستطيع أهل العلم والاجتهاد أن يستخرجوه من أحد أصول القرآن ومبادئه ، وقد أذن الله ورسوله لمن له الأهلية والكفاءة ، أن يفرّع على أصول القرآن ، ويستخرج منها الأحكام التي فيها خير وصلاح للناس بجهة من الجهات ، ومعنى هذا ان حكم المجتهد العادل هو حكم القرآن والرسول ، ولذا جاء في بعض الروايات ان الراد على حكمه كالراد على الله. ومعنى هذا أيضا ان النبي موجود

٢٢٥

بوجود القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. وقد أجاد ابن عربي في قوله: «من حفظ القرآن فقد أدرج النبوة بين جنبيه». طبعا على شرط التدبر والإيمان الخالص.

وبعد ، فان محمدا بشر يوحى اليه كنوح وابراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، ولكن الله سبحانه قد خص محمدا بما لم يخص به أحدا من الأنبياء ، مع العلم بأنه تعالى قد منح كل نبي جميع الفضائل ، لأن النبوة أم الفضائل كلها .. ولكن للفضل مراتب ، فهناك فاضل وأفضل ، وكامل وأكمل تماما مثل عالم وأعلم ، وكريم وأكرم : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) ـ ٥٥ الإسراء. وقد خص الله محمدا (ص) بأسمى المراتب وأكمل صفات الكمال بحيث لا شيء فوقها إلا الله وصفات الله .. ومن ذلك إكمال الوحي الذي أنزل اليه ، إكماله من جميع الجهات ، والدليل هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء مما يدخل في وظيفة رسل الله ، فأين هي كتب الأنبياء؟ فليأت الجاحدون بواحد منها فيه تبيان كل شيء ، أو يجرأ على القول : إنه ما فرط فيه من شيء .. وإلى هذا أشار خاتم النبيين وسيد المرسلين حيث قال : «ان مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وجمّله إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين».

ونختم الجواب بما قلناه في كتاب «إمامة علي والعقل» : وإذا قال قائل : لما ذا كان محمد (ص) خاتم الأنبياء؟ أجبناه بأن محمدا ودين محمد قد استوفيا جميع صفات الكمال ، وبلغا الغاية منها والنهاية ، تماما كما بلغت الشمس الحد الأعلى من النور ، فلا كوكب ولا كهرباء يمتلئ الكون بنورهما بعد كوكب الشمس .. كذلك لا نبي يأتي بجديد لخير الانسانية بعد محمد (ص)». ويتصل بهذا الموضوع ما كتبناه بعنوان «الدين والدعوة إلى الحياة» في ج ٣ ص ٤٦٥ وعند تفسير الآية ٩ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٢٣ والآية ٣٠ من سورة الروم.

٢٢٦

هو الذي يصلي عليكم الأة ٤١ ـ ٤٩ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩))

اللغة :

الصلاة من الله المغفرة والرحمة ، والمراد بالنكاح هنا عقد الزواج ، وبالمس الدخول ، وبالمتعة العطية.

الإعراب :

وملائكته عطف على الضمير المستتر في يصلي. وشاهدا حال. ومن عدة (من) زائدة إعرابا وعدة مبتدأ مؤخر ، ولكم خبر مقدم. وجملة تعتدونها صفة لعدة.

٢٢٧

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). هذا أمر بالمواظبة على الصلوات الخمس ، وذكر الله أحسن الذكر في سائر الأحوال (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ). الصلاة من الله على المؤمن معناها المغفرة والرحمة ، ومن غيره معناها الدعاء بالمغفرة والرحمة ، وعلى هذا فلكل انسان أن يصلي ويسلّم على كل من آمن وعمل صالحا. وتجدر الاشارة إلى ان السنّة إذا ذكروا صحابيا جليلا أو إماما عظيما من أئمة المسلمين قالوا ـ في الغالب ـ : رضي الله عنه ، أما الشيعة فيقولون : عليه السلام ، ومصدر القولين واحد ، وهو القرآن ، قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ـ ١٢٠ المائدة». وقال : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) ـ ١٣٠ الصافات. وقال أيضا : «هو الذي يصلي عليكم وملائكته». وفي تفسير روح البيان «قال بنو إسرائيل لموسى : أيصلي ربنا؟ فكبر ذلك عليه». وليس هذا ببعيد على إسرائيل .. وبالخصوص إذا أمرت بالصلاة.

(لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ). المراد بالظلمات هنا ظلمات الجحيم ، وبالنور نور النعيم أي ان الله وملائكته يصلّون على المؤمنين ليبعدوا عن عذاب السعير ، ويدخلوا في روح وريحان. وقيل : المراد بالظلمات ظلمات الكفر ، وبالنور نور الايمان. ولا يتفق هذا مع قوله تعالى : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) وأيضا لا يصلي الله وملائكته على الكافرين ليخرجهم إلى الايمان.

(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً). تقدم في الآية ١٠ من سورة يونس ج ٤ ص ١٣٧ والآية ٢٣ من سورة ابراهيم.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ). أرسل الله محمدا (ص) داعيا إلى الحق ، وزوده بالحجج الكافية الوافية مبشرا من أطاع بالجنة ، ومنذرا من عصى بعذاب أليم .. وسيشهد غدا على هذا بأنه أعرض وتولى ، ولذاك بأنه سمع وأطاع. وفي نهج البلاغة : أرسله داعيا إلى الحق وشاهدا على الخلق ، فبلّغ رسالات ربه غير وان ولا مقصر ، وجاهد في الله أعداءه غير

٢٢٨

واهن ولا معذّر ـ أي لم يدع لأحد عذرا ـ امام من اتقى ، وبصر من اهتدى (وَسِراجاً مُنِيراً) يهتدي به التائهون الى شاطئ السلام والأمان.

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) تقدم بالحرف في أول هذه السورة مع التفسير والسؤال عن وجه النهي وجوابه (ودع أذاهم). النبي (ص) لم يؤذهم ، ولكن المشركين هم الذين آذوه حتى قال : ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت. وعليه يكون المعنى أعرض عنهم ، ولا تهتم بجهلهم وسفههم (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً). في نهج البلاغة : من توكل على الله كفاه ، ومن سأله أعطاه ، ومن أقرضه قضاه ، ومن شكره جزاه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً). المتعة بضم الميم وكسرها اسم للتمتع في اللغة ، وفي الشرع هي عبارة عن منحة يقدمها المطلق لمطلقته بحسب حاله يسرا وعسرا .. ولا عدة للمطلقة قبل الدخول ، وأيضا لا تجب لها المتعة على المطلق ان استحقت عليه نصف المهر ، وإلا وجبت المتعة. انظر ج ١ ص ٣٦٦.

يا ايها النبي انا أحللنا لك أزواجك الأية ٥٠ ـ ٥٢ :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ

٢٢٩

وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢))

اللغة :

أجورهن مهورهن. وما ملكت يمينك سهمك من الغنائم. وترجي تبعد وتعزل. وتؤوي تضم.

الإعراب :

وامرأة عطف على أزواجك أي وأحللنا لك امرأة. وخالصة حال من الضمير المستتر بوهبت. ولكيلا متعلق بخالصة. والمصدر من ان تقر مجرور بإلى محذوفة والمصدر المجرور متعلق بأدنى. وكلهن تأكيد لنون يرضين.

المعنى :

ذكر سبحانه في هذه الآيات أنواع النساء التي تحل للنبي (ص) ، وترك له الخيار في أن يهجر من يشاء منهن ، ويعاشر من يشاء ، ثم حرم عليه أن يزيد على اللاتي عنده أو يبدل امرأة مكان امرأة ، وكان في عصمته حينذاك تسع ، والتفصيل فيما يلي :

٢٣٠

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ). المراد بالأجور هنا المهور ، والإيتاء يكون بأداء المهر ، ويكون بالالتزام به في الذمة ، وتومئ الآية إلى أن للنبي أن يتزوج بأي عدد شاء ، وهذا من خصائصه.

وتسأل : ان عقد الزواج يصح حتى ولو لم يذكر فيه المهر ، فلما ذا قيد سبحانه التحليل بالمهر؟

الجواب : ان القيد هنا هو الالتزام بأداء ما تستحقه الزوجة من المهر ، لا بذكر المهر في متن العقد ، والتي لم يسمّ لها مهر في العقد تستحق مهر أمثالها ان دخل بها الزوج .. وكان مهر نساء النبي (ص) خمسمائة درهم ، وقدّر ب ٢٥ ليرة ذهبية.

٢ ـ (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ). من الفيء السبايا اللاتي كان يغنمها المسلمون بالحرب مع المشركين ، وتسمى السراري ، وقد أباحها الله للنبي الكريم ولأمته بغير عدد.

٣ ـ (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ). وتسأل : ان بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات يدخلن في النوع الأول من النساء ، فما هو الغرض من ذكرهن بالخصوص؟

الجواب : غير بعيد أن يكون ذكرهن بالخصوص للتنبيه الى ان الأليق بمقام الرسول أن يتزوج من القرشيات اللاتي هاجرن من دار الكفر الى دار الإسلام ، أما المؤمنات منهن غير المهاجرات فالأولى ترك الزواج بهن.

سؤال ثان : ذكر أهل السير ان للنبي (ص) عشرة أعمام ، وهم : العباس وحمزة وعبد الله وأبو طالب والزبير والحارث وحجلا والمقوم وضرار وأبو لهب ، وست عمات ، وهن صفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة وأميمة وأروى وبرة (السيرة النبوية لابن هشام). وقالوا : ان النبي (ص) لم يكن له خال ولا خالة لأن أمه آمنة بنت وهب (ع) لا أخ لها ولا أخت. (تفسير روح البيان). اذن ، ما هو الوجه لقوله تعالى : (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ)؟

الجواب : المراد بأخوال النبي (ص) وخالاته عشيرة أمه بنو زهرة ، وكانوا يقولون : نحن أخوال النبي.

٢٣١

٤ ـ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ). من خصائص النبي (ص) ان يتزوج امرأة ـ ان شاء ـ وهبت له نفسها بلا مهر شريطة أن تكون مؤمنة .. أجل ، يجوز لغيره أن يتزوج بمهر ، ثم تهبه الزوجة مهرها كما يهب أي انسان لمن يشاء ما يشاء من المال.

(قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). حدد سبحانه للمؤمنين عدد الأزواج الأحرار ، واعتبر شروطا خاصة في نكاح الجواري ، وحرم عليهم من وهبت لهم نفسها بلا مهر ، وأطلق ذلك للرسول لكيلا يكون عليه حرج فيما أراد من النساء ، وللدلالة أيضا على عظيم منزلته ومكافأة له على جهوده ، والله سبحانه أعلم بما يصلح الناس ، وغفور للمؤمنين ، ورحيم بهم.

(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ). في الآية السابقة أطلق سبحانه لنبيه الكريم الحرية في عدد الزوجات ، وفي هذه الآية جعل له الخيار في هجر من يشاء ومعاشرة من أراد منهن (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ). وله أيضا أن يعود إلى معاشرة من هجرها ، ويهجر من عاشرها ، وبتعبير بعض المتفاصحين له أن يقلب المقدم مؤخرا ، والمؤخر مقدما.

(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ). ذلك اشارة الى تفويض الأمر الى مشيئة النبي (ص) ، والمعنى انهن متى علمن ان الأمر اليك لا إليهن في التسوية بينهن رضيت كل واحدة بما تعطيها من المعاشرة قليلا كان أو كثيرا لعلمها بأن ذلك تفضل منك ، وليس بواجب عليك .. ومع هذا فقد كان النبي يساوي بين أزواجه (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من الميل الى بعض الزوجات دون بعض ، والله سبحانه لا يؤاخذ على ما في القلوب من حب أو بغض ، وانما يؤاخذ على العمل الذي لا يرتضيه ، وهذا المعنى هو المراد بقوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً).

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ، وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ). ذكر المفسرون لهذه الآية ثلاثة معان أقربها الى دلالة الظاهر ان الله سبحانه بعد أن أباح للنبي أنواع النساء التي أشار اليها في الآية السابقة أوجب عليه

٢٣٢

في هذه الآية الاكتفاء بمن في عصمته فعلا ، وكنّ تسعا ، وحرم عليه أن يطلق واحدة منهن ويتزوج مكانها أخرى حتى ولو أعجبته ، وقوله تعالى : «ولو أعجبك حسنهن» يدل على ان للرجل أن ينظر الى من يريد زواجها ، وقد أفتى بذلك الفقهاء استنادا الى هذه الآية والى أحاديث عن الرسول الأعظم (ص). (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) مما أفاء الله عليك من المسبيات (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) حتى على السرائر والضمائر : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ـ ٤ الحديد.

فاذا طعمتم فانتشروا الأة ٥٣ ـ ٥٥ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥))

٢٣٣

اللغة :

غير ناظرين أي غير منتظرين. وإناه بالقصر ، ويجوز فيه المد ، تقول : إناه واناؤه ، والمراد به هنا الطعام الذي يوضع في الإناء بعد نضجه. وطعمتم أكلتم. فانتشروا انصرفوا. ولا مستأنسين لحديث أي لا تمكثوا بعد الطعام للسمر والحديث والمراد بالمتاع هنا ما في البيت من أثاث وأدوات.

الإعراب :

المصدر من أن يؤذن لكم في موضع الحال أي إلا مأذونا لكم. وإلى طعام متعلق بيؤذن. وغير ناظرين حال من فاعل تدخلوا. ولا مستأنسين عطف على غير ناظرين أي غير ناظرين ولا مستأنسين. ان ذلكم كان يؤذي النبي «ذلكم» إشارة الى المكوث. وذلكم أطهر ، اشارة إلى سؤال المتاع من وراء حجاب. وان ذلكم كان عند الله عظيما ، «ذلكم» إشارة الى نكاح أزواج النبي من بعده.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ). أي لا تمكثوا بعد الطعام إطلاقا ، لا للاستئناس بالحديث ولا لغيره ، وإنما ذكر سبحانه الاستئناس بالحديث لأن المكوث في الغالب يكون لهذه للغاية .. ويومئ ظاهر الآية إلى ان بعض الصحابة كان يدخل بيوت النبي (ص) من غير اذن جريا على عادة الجاهلية ، وانه كان إذا رأى طعاما يوقد عليه في بيت النبي ينتظره للأكل ، وانه كان يجلس بعد الطعام للحديث والسمر .. وليس من شك ان هذا النوع من التطفل وسوء الأدب يؤذي كل انسان نبيا كان أو غير نبي ، ومن أجل هذا أدّب النبي الصحابة وغيرهم بأن لا يدخلوا أي بيت من البيوت إلا بعد الإذن من أهله ـ وتقدمت الاشارة الى ذلك في الآية ٢٨ من سورة النور ـ

٢٣٤

وأن لا يقصدوه من أجل الطعام إلا بعد الدعوة على أن يأتوه بعد إعداد الطعام ، ولا يتخلفوا بعد الانتهاء منه .. ولا يختص ذلك ببيت النبي وحده ، وإنما ذكره سبحانه لأنه السبب الموجب لنزول الآية ، وقلنا أكثر من مرة : ان سبب النزول لا يخصص عموم الآية.

(إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ). المراد بالحق الذي استحيا منه النبي (ص) حقه الشخصي ، وهو إخراج الثقلاء والمتطفلين من بيته ، سكت النبي عنه حياء منهم ، فنبه سبحانه الى ان بقاءهم بعد العام يؤذي النبي ، وكذلك دخولهم على بيته من غير اذن ، وفي الحديث : الحياء شعبة من الإيمان ، ومن لا حياء له لا إيمان له. وفي حديث آخر : لم يبق من أمثال الأنبياء إلا قول الناس : إذا لم تستح فاصنع ما شئت. وقد جاء في وصف النبي : انه كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، وفي نهج البلاغة : لا إيمان كالحياء والصبر ، وكان العرب يمدحون العظيم بالحياء ، قال الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين (ع) :

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فلا يكلم إلا حين يبتسم

ومن الطريف ما جاء في محاضرات الأدباء للأصفهاني : ان طفيليا عوتب على تطفله ، فقال : لقد تطفل بنو إسرائيل على الله ، ألا نتطفل نحن على الناس؟.

(وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ). ضمير «هن» يعود لأزواج النبي (ص) ، أما ذكر المتاع فهو من باب المثال ، لا من باب التخصيص به ونفي الحكم عن غيره ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) حيث يشعر بأن الاختلاط وإزالة الحجاب بين النساء والرجال يؤدي الى الفساد والفتنة ، ومعنى هذا ان الاختلاط محرم ، أو ان الأولى تركه ـ على الأقل ـ وبهذا يتبين معنا ان الاختلاط سبب لاثارة الغريزة الجنسية ، وليس سببا لتهذيبها وكبح جماحها كما يدعي من يقول : قال الله وأقول! ... «ومن أصدق من الله حديثا».

(وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً

٢٣٥

إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً). هذا الحكم من خصائص الرسول الأعظم (ص) وحده لأن أزواجه بمنزلة الأمهات للمؤمنين. وفي تفسير الرازي ، وروح البيان لإسماعيل حقي : «ان هذه الآية نزلت حين قال طلحة بن عبيد الله التيمي : لئن مات محمد (ص) لأتزوجن عائشة» .. ويؤيد ذلك قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً). فإنه تهديد ووعيد لمن أعلن أو أضمر الزواج بنساء النبي (ص) من بعده.

(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً). بعد أن أمر سبحانه الرجال أن يخاطبوا النساء من وراء حجاب حين يسألونهن متاعا استثنى الآباء والأبناء والاخوة وأبناءهم وأبناء الأخوات والعبيد والنساء لأن المرأة لا يجب عليها أن تحتجب عن مثلها ، وقال سبحانه : (نسائهن) لأن غير المؤمنات يصفن المؤمنات لرجالهن ، وتقدم نظير ذلك في الآية ٣١ من سورة النور ج ٥ ص ٤١٧.

صلوا عليه وسلموا تسليما الأة ٥٦ ـ ٥٨ :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))

المعنى :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا

٢٣٦

تَسْلِيماً). صلاة الله على النبي معناها الرضا والرحمة والثناء عليه بكل خير ، والصلاة عليه من الملائكة معناها التزكية ، ومن المؤمنين الدعاء بعلو المنزلة. فقد سئل الإمام الرضا (ع) عن معنى صلاة الله والملائكة والمؤمنين على النبي؟ فقال : الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة التزكية ، ومن المؤمنين الدعاء .. ولا تنحصر الصلاة على النبي بالله والملائكة والمؤمنين برسالة محمد (ص) ، فكل انسان يعمل بشيء من سنته أو يدرسها أو يستدل بها أو يدوّنها ، أو يذكر فضيلة من فضائله فقد صلى عليه مؤمنا كان أم غير مؤمن ، أراد ذلك أم لم يرد.

وقال الإمام جعفر الصادق (ع) : ان صلاة الرجل على محمد مثل قوله : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. يريد الإمام ان ثواب الصلاة على محمد تماما كثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. وعن الرسول الأعظم (ص) انه قال : البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ. اللهم صلّ على محمد وآل محمد.

كيف نصلي عليك يا رسول الله؟

في صحيح البخاري ج ٨ باب «الصلاة على محمد» ، وتفسير الطبري والرازي والمراغي وغيرهم من المفسرين ، وفي كتب المحدثين أيضا : قيل : يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال : قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد.

وفي تفسير «روح البيان» لإسماعيل حقي : «ينبغي أن يقول المصلي : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد بإعادة كلمة «على» فإن أهل السنة التزموا إدخال «على» على الآل ردا على الشيعة فإنهم منعوا ذكر «على» بين النبي وآله». ونحن لا نجد أي فرق بين قول من قال : اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وقول من قال : وعلى آل محمد ، أما حديث : «من فصل بيني وبين آلي لم تنله شفاعتي» فالله أعلم بصحته. وقال الإمام الشافعي :

٢٣٧

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر انكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً). المراد بإيذاء الله تعالى غضبه ونقمته ، والسبب الموجب لغضبه الجحود ونسبة الشريك أو الولد اليه أو معصية حكم من أحكامه ، وإيذاء الرسول يكون بإنكار رسالته أو إهمال سنته ، أما اللعنة من الله فهي الطرد والابعاد من رحمته ، ومن الناس الشتم والدعاء بالسوء ، وفي نهج البلاغة لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له ، والناهين عن المنكر العاملين به.

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً). بغير ما اكتسبوا أي بغير جناية يستحقون بها الإيذاء ، ويكون الإيذاء بالغيبة والكيد والافتراء وما اليه ، وفي الحديث : «المسلم من سلم الناس من يده ولسانه .. عز المؤمن بكفّ الأذى عن الناس .. وأذلّ الناس من أهان الناس». وقال الإمام علي (ع) : أسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه ، ولم يثق به أحد لسوء فعله.

وجوب الحجاب الأية ٥٩ ـ ٦٢ :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ

٢٣٨

أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))

اللغة :

جلابيب جمع جلباب ، وفي معناه أقوال ، منها انه رداء يغطي المرأة من رأسها الى قدميها ، ومنها انه الخمار الذي يغطي رأسها ووجهها ، وعلى هذا صاحب مجمع البيان. ويدنين يسدلن. والمرجفون هم الذين يلفّقون الأكاذيب ، وينشرون الأباطيل ، ويعرفون اليوم بالذين يثيرون الحرب النفسية. والإغراء بالشيء التحريض عليه ، والمراد هنا بنغرينك بهم نأمرك بقتلهم. وثقفوا وجدوا. وخلوا مضوا.

الإعراب :

جملة يدنين مفعول قل. وذلك أدنى مبتدأ وخبر ، والمصدر من ان يعرفن مجرور بمن محذوفة. ولنغرينك اللام واقعة في جواب قسم محذوف. ثم لا يجاورونك عطف على لنغرينك. إلا قليلا صفة لمحذوف أي الا زمنا قليلا. وملعونين حال من فاعل يجاورونك ، أو منصوب على الذم والشتم أي اشتم وأذم. وأينما في محل نصب بثقفوا ، وهي تجزم فعلين الأول ثقفوا والثاني أخذوا. وسنة الله منصوبة على المصدر أي سن الله ذلك سنة في الأمم الماضية.

المعنى :

مرّ معنا آيتان تدلان على وجوب الحجاب على النساء : الأولى قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية ٣١ من سورة النور ج ٥ ص ٤١٥. الثانية قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الآية ٥٣ من سورة

٢٣٩

الأحزاب ، وأوضح من هاتين الآيتين قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) فإن قوله تعالى : «يدنين عليهن من جلابيبهن» عام يشمل الستر والحجاب لجميع أجزاء البدن بما فيه الرأس والوجه ، ويؤيد هذا الشمول قوله سبحانه : «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين». فقد كانت المسلمات في أول الإسلام يخرجن من بيوتهن سافرات متبذلات على عادة الجاهلية ، فطلب سبحانه من نبيه الكريم في هذه الآية أن يأمرهن بالستر والحجاب ، والأمر يدل على الوجوب فيكون الحجاب واجبا .. أجل ، لقد خرج من هذا العموم الوجه والكفان لقوله تعالى : «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر».

(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) بالعفة والصون ، فإن الحجاب يحجز بين المرأة المتحجبة وبين طمع أهل الفسق والريب (فلا يؤذين) بالمعاكسات والنظرات الفاسقة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر عما سلف ، ويرحم من تاب وأناب.

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً). المنافقون هم الذين أضمروا الكفر وأظهروا الايمان ، والمرجفون قوم من المنافقين كانوا ينشرون الدعايات المضللة ضد النبي (ص) والصحابة ، ويشككون ضعاف الايمان الذين عبّر عنهم سبحانه بقوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ). والآية تهديد ووعيد بالقتل والنفي لأهل النفاق والإرجاف ومن يستمع اليهم إذا لم يكفوا عما هم عليه من الإضلال والإفساد.

الحرب النفسية :

وفي عصرنا يسمى الإرجاف بالحرب النفسية ، وقد تفننت فيها قوى الشر ، وبلغت الغاية من بث الأكاذيب والأباطيل بكل وسيلة ، بالصحف والاذاعة والتلفزيون وأفلام السينما والخطب والمنشورات والمدارس والجامعات والكتب والقصص وغيرها ، وكررت هذه الأجهزة الأكذوبة الواحدة على مسامع الناس في كل يوم مرات ومرات حتى لا تجد الحقيقة مكانا لها عند الطيبين والمخلصين إلا إذا كانوا على وعي تام وعلم مسبق بدعايات الاستعمار والصهيونية وأساليبهما المضللة.

٢٤٠