التّفسير الكاشف - ج ٦

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٦

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٤

ونقول للرازي : إذا كان الله هو الذي أراد الكفر من الكافر ولا رادّ لمشيئته فعلى أي شيء يعذبه ويعاقبه؟ كيف وهو القائل : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) ـ ٧٦ الزخرف. والصحيح ان المراد بمشيئة الله هنا المشيئة التكوينية التي هي عبارة عن كلمة «كن». وعليه يكون المعنى لو أراد الله إلجاءهم الى الهداية لاهتدوا .. ولو فعل ذلك لبطل الثواب والعقاب ، ولم تلزم الأسماء معانيها. وتقدم ذلك أكثر من مرة. انظر ج ٣ ص ٦٩.

(وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). لقد حق القول من الله تعالى أن يملأ جهنم من الذين أفسدوا وتمادوا في الغي بملء اختيارهم وإرادتهم ، أما الذين استجابوا لربهم فلهم مغفرة وأجر كريم. وفي الحديث القدسي : خلقت الجنة لمن أطاعني ولو كان عبدا حبشيا ، والنار لمن عصاني ولو كان سيدا قرشيا.

(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ما انقاد أحد لأهوائه وشهواته إلا ونسي الله والحساب ، وكفر بالحق والضمير .. وغدا تقول ملائكة العذاب لهذا المجرم : سكرت بحلاوة الدنيا فذق الآن مرارة الآخرة. وتقدم مثله في الآية ٥١ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٣٦ والآية ٦٧ من سورة التوبة ج ٤ ص ٦٧.

أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا الأة ١٥ ـ ٢٢ :

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ

١٨١

كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢))

اللغة :

تتجافى تبتعد من الجفاء. والمضاجع جمع مضجع وهو فراش النوم. والمأوى ما تأوي اليه. والمراد بالنزل هنا العطاء. والمراد بالعذاب الأدنى عذاب الدنيا ، وبالعذاب الأكبر عذاب الآخرة.

الإعراب :

سجّدا حال من فاعل خرّوا. وخوفا وطمعا وجزاء مفعول من أجله. أفمن (من) مبتدأ وكمن خبر. ولا يستوون الجملة مستأنفة. ونزلا حال أو مفعول مطلق.

المعنى :

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ). المراد بالمؤمنين هنا الذين يعرفون الحق ، ويعملون به ، ويضحون من أجله ،

١٨٢

ويعبدون الله في ليلهم ونهارهم ثقة به وإخلاصا له وحده لا شريك له ، أما التسبيح والركوع والسجود بدافع الكسب والتجارة بالدين فهو نفاق لا عبادة ، وزندقة لا ايمان (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي ان المؤمنين يرحبون بالحق ، ويتخلون من أجله عن مصالحهم الشخصية لأنه هو دينهم ومصلحتهم. ويجب أن يسجد لله من قرأ هذه الآية أو استمع اليها ، وقيل : من سمعها أيضا من غير قصد.

(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً). المضاجع كناية عن النوم. وإذا عطفنا هذه الآية على قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) ـ ٣٧ النور وجمعنا الآيتين في كلام واحد يكون المعنى ان المؤمنين لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا نوم عن عبادة الله التي تعكس خوفهم من عذابه ، وطمعهم بثوابه. وهذه العبادة هي التي عناها الله بقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وفي الحديث : «ان قيام العبد قربة إلى الله ، ومنهاة عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد». أما صلاة التجار المراءين ، فإنها تأمر بالفحشاء والمنكر لأن السيئة تقود إلى مثلها ، وكذلك الحسنة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) عبدوا الله بالقلوب والأجسام والأموال.

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). المراد بالنفس أية نفس كانت وتكون في الأرض أو في السماء ، والمعنى لا أحد يعلم حقيقة ما أعد الله للمؤمنين العاملين من الأجر والثواب الذي يغتبطون به ويفرحون. وفي الحديث الصحيح : «يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتكم عليه ، اقرأوا ان شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين».

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ). جاء في كثير من التفاسير ، منها جامع البيان للطبري ، والبحر المحيط للأندلسي ، وروح البيان لحقي : ان هذه الآية نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، ونختار النص الذي جاء في تفسير الطبري : «كان بين الوليد وبين علي كلام ، فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ منك سنانا ، وأرد منك لكتيبة. فقال علي : اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله فيهما (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً

١٨٣

لا يَسْتَوُونَ) .. لا والله ، ما استووا في الدنيا ، ولا عند الموت ، ولا في الآخرة».

(أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). هذا بيان للفرق بين المؤمنين الأتقياء والمجرمين الأشقياء ، وانه تماما كالفرق بين الطيب والخبيث ، والخير والشر ، والجنة التي أعدها الله للمتقين ، والنار التي أعدها للمجرمين (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) للمؤمنين جنات النعيم ، وللفاسقين نار الجحيم ، وتقدم مثله في الآية ٢٢ من سورة الحج ج ٥ ص ٣٢٠.

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). المراد بالعذاب الأدنى عذاب الدنيا كالقحط والوباء وما اليهما ، ينذر الله به وبالحجج البالغة الغافلين والمتشاغلين بالباطل عن الحق ليتعظوا ويرتدعوا ، وإلا أخذهم بالعذاب الأكبر : (جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) ـ ٦٨ التوبة. وتجدر الاشارة إلى ان القادة والولاة هم المصدر الأول للفساد والشقاء ، وفي بعض الروايات : إذا كذب الولاة حبس المطر ، وإذا جار السلطان هانت الدولة.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ). من رأى العظة ولم يتعظ فهو أعظم جرما من كل مجرم ، وقد وعظهم الله سبحانه بلسان أنبيائه ، ثم بالبأساء والضراء ، فقست قلوبهم وتمادوا في الظلم والفساد ، فانتقم الله منهم ، والله عزيز ذو انتقام.

فلا تكن في مرية من لقائه الأة ٢٣ ـ ٣٠ :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما

١٨٤

كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))

اللغة :

الأرض الجرز هي اليابسة التي لا نبات فيها من العطش. ويوم الفتح هو يوم الفصل والحكم بالحق ، والمراد به يوم القيامة ، قال تعالى : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ) ـ ٢٦ سبأ أي يحكم بيننا بالحق.

الإعراب :

فاعل يهد محذوف أي أو لم يهد الله لهم. ومحل كم النصب بأهلكنا. والزرع مصدر والمراد به اسم المفعول أي مزروع.

المعنى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ). قال كثير من المفسرين : ان الهاء في لقائه يعود إلى موسى ، وان محمدا

١٨٥

يلتقي به في السماء ليلة المعراج .. والصواب ان الهاء تعود إلى القرآن وان النبي يتلقاه من الله لا من سواه ، قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) ـ ٦ النمل. وفي كتب اللغة : تلقى الشيء بمعنى لقيه ، واستقبله ، وعليه يكون معنى الآية لقد أنزلنا اليك القرآن يا محمد كما أنزلنا التوراة على موسى ، ولا ينبغي الشك في ذلك منك ولا من غيرك. أما نهي النبي عن الشك فقد تكلمنا عنه مرارا. انظر ج ٢ ص ٧٥.

(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ). المراد بالأئمة هنا أنبياء بني إسرائيل كموسى وعيسى الذي ينتهي نسب أمه الى داود .. وكل نبي اسرائيلي كان يلاقي من قومه ألوانا من الأذى والعناء ، بل قتل الاسرائيليون العديد من أنبيائهم : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ـ ٦١ البقرة. ومع هذا صبروا واستمروا في تأدية رسالتهم ، فاصبر أنت يا محمد على أذى قومك ، واستمر في دعوتك (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). تقدم في الآية ١١٣ من سورة البقرة والآية ٩٣ من سورة يونس والآية ١٢٤ من سورة النحل.

(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ). تقدم مثله في الآية ١٢٨ من سورة طه ج ٥ ص ٢٥٣ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ ـ اليابسة ـ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) كيف أحيا الله الأرض بعد موتها ، وأنبت فيها من كل زوج بهيج يأكل منه الناس والانعام؟ كذلك يحيي الله الموتى بعد أن تصبح ترابا وعظاما .. وتقدم هذا المعنى في العديد من الآيات. انظر تفسير الآية ٥ من سورة الحج ج ٥ ص ٣١١.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). هذا مثل : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٣٨ الأنبياء لأن المراد بالفتح هنا اليوم الذي يحكم فيه بالحق ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وعاندوا الحق في الحياة الدنيا (ايمانهم) في الآخرة حين يرون العذاب لأن هذا فرار من حريق الجحيم ، وليس إيمانا من القلب وإيقانا من العقل (وَلا هُمْ

١٨٦

يُنْظَرُونَ) لا يمهلهم الله يوم القيامة لأنه أمهلهم في الدنيا طويلا فلم يبادروا الى التوبة ويغتنموا الفرصة قبل فواتها (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ). انهم يتربصون بك يا محمد ريب المنون .. فدعهم وشأنهم ، واصبر قليلا لترى حكم الله فيك وفيهم .. انه ناصرك ومخزيهم : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ـ ٣٣ التوبة.

١٨٧

سورة الأحزاب

مدنية وآياتها ٧٣.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أيها النبي اتق الله الأة ١ ـ ٣ :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣))

المعنى :

أمر سبحانه في هذه الآيات نبيه الكريم ، أمره بالتقوى والتوكل عليه والعمل بما أوحاه اليه ، ونهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين .. وتساءل المفسرون : ان النبي معصوم ، فما هو المبرر لأمره بالطاعة ، ونهيه عن المعصية؟

وأجاب بعضهم بأن هذا تأكيد لما عليه النبي (ص) من الطاعة والانقياد. وقال آخر : ان أبا سفيان طلب من رسول الله (ص) أن يكف عن سب الأصنام التي تعبدها قريش ، وكان مع أبي سفيان جماعة من الكافرين والمنافقين ، فنزل قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) وقلنا نحن فيما تقدم : ان للأعلى أن يأمر بالطاعة ، وينهى عن المعصية من هو دونه حتى ولو كان معصوما ؛ والآن نعطف على قولنا هذا ما يلي :

١٨٨

لا شيء أثقل على من لا يخشى الله من كلمة : «اتق الله» ولا عدو له أعدى وألد من قائلها .. نقل عن عبد الملك بن مروان انه حين تولى الملك قال في خطبة العرش : «من قال لي بعد اليوم : اتق الله ضربت عنقه». أما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فهي عنده كلمة الحب والإشفاق ، ويتمنى لو سمعها في كل حين ، حتى ولو كان معصوما من الخطايا والذنوب ، بل ان حبه لها ولسماعها من عصمته وعظمته .. ان العظيم يتهم نفسه بالتقصير مهما اجتهد .. اذن ، لا داعي للتأويل والتخريج .. هذا الى ان في أمر سيد الكونين بالتقوى حكمة بالغة ودرسا عظيما لأصحاب الجاه والسلطان ، وانهم مهما بلغوا من السمو والرفعة فليسوا فوق أن يؤمروا بالعدل والتقوى ، وفي نهج البلاغة : من استثقل الحق أن يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل.

ما جعل الله لرجل من قلبين الأة ٤ ـ ٥:

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥))

اللغة :

يقال : ظاهر من امرأته وتظاهر منها إذا قال لها : أنت عليّ كظهر أمي

١٨٩

ويأتي التفصيل في سورة المجادلة. وادعياء جمع دعيّ وهو الذي يتبناه الإنسان. والمراد بالسبيل هنا طريق الحق. واقسط أعدل.

الإعراب :

اللائي صفة لأزواجكم ، وهي جمع التي. ذلكم أي دعاءكم. وما تعمدت عطف على فيما أخطأتم أي ولكن فيما تعمدت.

قلب واحد وايمان واحد :

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ). والمرأة أيضا مثل الرجل ، وخص سبحانه الرجل بالذكر لأنه أمر نبيه الكريم بتقوى الله ، فناسب ان يعقب بعد هذا الأمر بأن الرجل لا يملك قلبين يتقي الله بأحدهما ، والناس بالآخر ، والغرض من ذلك أن يبين سبحانه ان الإنسان لا يستطيع أن يؤمن في وقت واحد بشيئين متناقضين ، فيؤمن ـ مثلا ـ بدين يحرم الظلم والعدوان كالاسلام والمسيحية ، وفي نفس الوقت يستحل الظلم والعدوان إلا إذا كان له قلبان ووجهان ولسانان كأبناء الولايات المتحدة الأمريكية التي ينص قانونها الجديد على أن للأمريكي من رعاياها أن يتجنس بالجنسية الاسرائيلية ، ويقاتل العرب باسم إسرائيل ، وهو يحتفظ بجنسيته الأمريكية .. اللهم الا ان تكون إسرائيل قاعدة استعمارية عدوانية للولايات المتحدة ، وان الجنسية الاسرائيلية اسم بلا مسمى حتى الجنسية التي يحملها الحاكمون في إسرائيل ، لأنهم مجندون كمرتزقة لحماية الاستعمار والاحتكار. قال رجل للإمام علي (ع) : اني أحبك وأحب معاوية. فقال له الإمام : أنت أعور ، فإما أن تعمى ، وإما أن تشفى من العور.

وتسأل : ما رأيك فيمن يقول : أنا من الوجهة الدينية ألتزم بعقيدة الإسلام أو المسيحية ، ومن الوجهة السياسية ألتزم بسياسة الكتلة الشرقية أو الغربية ، فهل يمكن الجمع بين هذين الالتزامين؟

الجواب : ان أي انسان يؤمن بالحق عن صدق واخلاص يجوز له بل يجب

١٩٠

عليه أن يؤيد كل من يقف موقفا يناصر فيه الحق والعدالة ، سواء أكان شرقيا أم غربيا ، ولا يجوز له بحال أن يؤيد أحدا ـ كائنا من كان ـ تأييدا مطلقا ومن غير قيد حتى ولو كان مبطلا ، لأن الجمع بين الايمان بالحق وتأييد الباطل وأهله جمع بين المتناقضين ، وهو محال بطبعه ، وعليه فلا يمكن الجمع بين الالتزام بعقيدة الإسلام وبين الالتزام بأية سياسة أو أي مبدأ التزاما مطلقا وعلى كل حال.

هذا فيما يعود إلى الإسلام ، أما فيما يعود إلى العقيدة المسيحية فندع الكلام للقساوسة الأحرار الذين عبروا عن غضبهم لرفض البابا الاجتماع بهم واجتماعه في الوقت نفسه برواد الفضاء الأمريكيين ، فقد قالوا في احتجاجهم : ان اجتماع البابا بهؤلاء الرواد هو دليل واضح على الصلة الوثيقة الموجودة بين الكنيسة كمؤسسة دينية ، وبين السلطة السياسية والاقتصادية التي تقوم بعمليات الاضطهاد والظلم ضد الأغلبية من البشر ، وهي الصلة التي أعلن هؤلاء القساوسة انهم يكافحون من أجل القضاء عليها» (١).

(وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ). كان الرجل في الجاهلية يطلّق امرأته بقوله : أنت عليّ كظهر أمي. فنهى الإسلام عن ذلك لأن الزوجة لا تصير أما بهذا القول ، وأوجب الكفارة على قائله إذا توافرت الشروط التي يأتي بيانها في سورة المجادلة.

(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ). كان الرجل في الجاهلية يتبنى المولود من غيره ، ويلحقه بنسبه ، ويجري عليه أحكام الابن الحقيقي في كل شيء ، وكان الناس يدعون هذا المولود باسم الذي تبناه دون اسم أبيه ، فحرم الله التبني بهذه الآية (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) والقول لا يغير الواقع (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ). والقول الحق والسبيل القويم ان المتبنى لا يصير ابنا بالتبني ، ولا الزوجة أما بالمظاهرة (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الذين ولدوهم لا للذين تبنوهم (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ). ضمير «هو» يعود الى المصدر المتصيد من أدعوهم أي دعاؤكم إياهم لآبائهم أعدل عند الله.

(فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ). يطلق المولى على المنعم

__________________

(١). جريدة «الجمهورية» المصرية تاريخ ١٧ ـ ١٠ ـ ١٩٦٩.

١٩١

والمنعم عليه ، وعلى القريب نسبا أو مودة ، والمعنى ان جهلتم أبا المتبنى فقولوا : هذا أخي في الدين أو مولاي إشارة الى المودة ، أو مولى فلان ان كان رقا وأعتقه. وقال المفسرون وأهل السير : ان زيد بن حارثة سبي صغيرا ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد ، ولما تزوجها رسول الله (ص) وهبته له ، وبعد نزول الوحي على النبي (ص) دعاه إلى الإسلام فأسلم ، وآخى بينه وبين عمه حمزة بن عبد المطلب. وجاء حارثة أبو زيد الى رسول الله (ص) وقال له : إما ان تبيع ابني زيدا ، واما ان تعتقه ، فأعتقه الرسول ، وقال له : اذهب حيث شئت ، فأبى أن يفارق رسول الله ، وكان الناس يدعونه ابن محمد (ص) إلى أن نزل القرآن بإبطال التبني.

(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). من دعا إنسانا إلى غير أبيه ، وهو يرى انه أبوه فلا بأس عليه ، وإنما الإثم على من علم وتعمد. قال رسول الله (ص) : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا عليه» شريطة أن لا يقع ذلك عن تقصير وإهمال.

النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الأة ٦ ـ ٨ :

(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦) وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨))

١٩٢

الإعراب :

أمهاتهم على حذف مضاف ، أي مثل أمهاتهم. وأولو الأرحام مبتدأ وبعضهم مبتدأ ثان وأولى خبره والجملة خبر المبتدأ الأول. والمصدر من أن تفعلوا مبتدأ وخبره محذوف والجملة في محل نصب على الاستثناء المنقطع ، والتقدير ولكن فعلكم الى أوليائكم معروفا جائز.

هل النبي حاكم بأمره؟

(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ). للولاية معان تختلف باختلاف من تنسب اليه ، فولاية الله سبحانه معناها السلطة والقوة التي لا تغلب ، ومعنى ولاية النبي الطاعة من غير اعتراض ، وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).

وتسأل : أليس معنى هذا ان النبي حاكم بأمره ، ولا حرية معه لفرد أو جماعة؟ وكيف تجمع بين هذا وبين مبدأ الحرية التي هي حق طبيعي لكل انسان؟

الجواب : نجمع بينهما كما نجمع بين حرية الإنسان وطاعته لله .. ان النبي لسان الله وبيانه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ـ ٤ النجم. وصحّ الحديث عن رسول الله (ص) : «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». فالتبعية والطاعة لما جاء به من عند الله لا من عند نفسه .. هذا إلى أن الحر هو الذي يلتزم الطريق القويم ، ويعمل بالحق ويتحمل مسؤوليته بإرادته ، ويدافع عنه حسب طاقته ، أما من يندفع وراء الرغبات غير مكترث بحسيب ورقيب فهو عبد الأهواء والشهوات. قال فيلسوف شهير : «الحرية ليست فضيلة داخلية تسمح بأن نفصل أنفسنا عن المواقف الملحة ، وانما هي القدرة على بناء مستقبل أفضل».

(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ). ان لأزواج النبي (ص) من الاحترام وحرمة الزواج بهن من بعده تماما ما للأمهات ، وما عدا ذلك فهن والأجنبيات سواء (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ). تقدم في

١٩٣

الآية ٧٥ من سورة الأنفال ج ٣ ص ٥١٦ (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً). المراد بالمعروف هنا الوصية ، وبالأولياء الأصدقاء والمعتقون والأقارب غير الوارثين. والمعنى ان الميراث هو لأقرب الناس إلى الميت ، أما الوصية فهي للموصى له قريبا كان أم بعيدا (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) أي ان هذا الحكم ثابت عند الله ومن عصاه فهو من الهالكين.

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ). الخطاب في «منك» لمحمد (ص) ، والمراد بالميثاق تبليغ رسالة الله على أكملها ، والصبر على ما يصيبهم في سبيلها .. وخص سبحانه بالذكر نوحا وابراهيم وموسى وعيسى ومحمدا بعد أن ذكر النبيين على وجه العموم ، ذكرهم بالخصوص لأنهم أفضل الأنبياء ، وقدم محمدا لأنه أفضل الخمسة ، وفي الآية ٣٥ من سورة الأحقاف اشارة الى انهم من اولي العزم ، وسبب هذه التسمية كما في بعض الروايات ان كل نبي بعد نوح كان تابعا لشريعته ، ثم نسخت شريعة نوح بشريعة ابراهيم ، ونسخت هذه بشريعة موسى ، وشريعته بشريعة عيسى ، ثم نسختها شريعة محمد (ص) التي لا تنسخ الى يوم القيامة حيث لا نبي بعده.

(وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً). هذا الميثاق هو الأول بالذات ، وأعاده سبحانه ليصفه بالمتانة والقوة ، وقد وصف الميثاق بالغليظ في مواضع ثلاثة من كتابه العزيز : الأول ميثاق الزواج : (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ـ ٢١ النساء. الثاني الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ـ ١٥٤ النساء. الثالث الميثاق الذي أخذه على النبيين. وقد ذهل الشيخ محمود شلتوت عن ذلك حيث قال : «ان وصف الميثاق بالغليظ لم يرد في موضع من مواضعه ـ أي مواضع القرآن ـ إلا في عقد الزواج». والعصمة لله.

(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ). أرسل سبحانه الأنبياء وأخذ عليهم ميثاق التبليغ كي يسأل الصادقين : ما ذا أرادوا بالصدق؟ هل أرادوا به وجه الله ، أو ليقول الناس : انهم صادقون وما إلى ذلك من الأغراض الشخصية؟ قال الإمام جعفر الصادق (ع) : «إذا سأل الله الإنسان عن صدقه على أي وجه قاله ، فيجازى بحسبه ، فكيف حال الكاذب؟». (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً).

١٩٤

لما ذكر سبحانه الرسل قال : من كفر به فله عذاب أليم ، وبالمقابل من آمن وعمل صالحا فله جنات النعيم.

الأحزاب الأة ٩ ـ ١٥ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥))

اللغة :

زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كناية عن شدة الخوف. وابتلي المؤمنون اختبروا وامتحنوا. وزلزلوا اضطربوا من الفزع. والمراد بالذين في قلوبهم مرض

١٩٥

ضعفاء العقل والايمان الذين ينعقون مع كل ناعق. ويثرب من أسماء المدينة المنورة ومن أسمائها أيضا طيبة. وبيوتنا عورة أي منكشفة للعدو والسارق.

الإعراب :

قال أبو البقاء : كتبت الظنونا بالألف في المصاحف لتناسب الآيات ، ومثله الرسولا والسبيلا. وهنالك للبعيد ، وهنا للقريب ، وهناك للمتوسط. ويثرب لا تنصرف للعلمية ووزن الفعل. ويسيرا صفة لظرف زمان محذوف أي الا زمنا يسيرا. ولا يولون جواب عاهدوا لأنه بمعنى أقسموا.

ملخص قصة الأحزاب :

هذه الآيات وما بعدها إلى الآية ٢٧ نزلت في غزوة الأحزاب ، وتسمى أيضا وقعة الخندق ، وخلاصتها ان نفرا من زعماء اليهود استحثوا قريشا وغيرها من قبائل العرب على حرب رسول الله (ص) ، ورصدوا لذلك كثيرا من المال ، واستطاعوا أن يحزبوا الأحزاب ، ويؤلفوا جيشا ضخما لا عهد للجزيرة العربية بمثله من قبل ، وزحف الجيش الهائل على المدينة بقيادة أبي سفيان.

ولما علم الرسول الأعظم (ص) بقصدهم أمر بحفر الخندق بإشارة من سلمان الفارسي ، وعمل الرسول فيه بيده ، وعمل معه المسلمون المخلصون ، وكان سلمان يلهبهم حماسا بحديثه عما أعد الله للعاملين والمجاهدين ، ولكن المنافقين كانوا يثبطون عزم رسول الله ويتسللون بغير علمه.

وانتهى حفر الخندق على أية حال ، وأقبلت الأحزاب بألوفها المؤلفة ، ولما رآهم المسلمون سيطر الخوف على كثير منهم ، واشتد عليهم البلاء ، وأخذوا يظنون بالله الظنون ، وزاد من فزعهم وهلعهم ان بني قريظة ، وهم قبيلة من اليهود ، كانوا يساكنون رسول الله (ص) بالمدينة ، وكان بينه وبينهم عهد وميثاق أن لا يعينوا عليه عدوا ، وظلوا قائمين على العهد حتى جاء جيش الأحزاب ، فنقضوا العهد وأعلنوا الحرب في أصعب الظروف وأشقها على المسلمين .. وهذا

١٩٦

هو شأن اليهود في كل زمان ومكان ، يتذللون كالكلاب حينما لا تساعدهم الفرصة؟؟؟

على البغي والعدوان ، فإذا سنحت عقروا وغدروا .. وبعث الرسول (ص) سعد ابن معاذ وجماعة من الصحابة إلى بني قريظة في محاولة لبقائهم على العهد ، فأصروا على الغدر ، فوقع المسلمون في حصار شديد يحيط بهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم.

وفي فقه السيرة للشيخ الغزالي : «أقبل عمرو بن ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب حتى رأوا مكانا ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمته ، وأحس المسلمون بالخطر الداهم ، فأسرع فرسانهم يسدّون الثغر يقودهم علي بن أبي طالب ، وقال علي لعمرو بن ود ، وهو فارس شجاع معلم : يا عمرو انك عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه. قال : أجل. قال له علي : أدعوك إلى الله ، إلى الإسلام. قال عمرو : لا حاجة لي بذلك. قال علي : أدعوك إلى النزال. فأجابه عمرو : ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك ـ استصغارا لشأنه ـ فقال له علي : لكني والله أحب أن أقتلك .. فحمي عمرو واقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتنازلا وتجالدا ، فقتله علي ، وخرجت خيل المشركين من الخندق منهزمة حتى اقتحمته هاربة».

ولما شعر جيش الأحزاب انه لا سبيل إلى اقتحام الخندق أخذوا يصوبون سهامهم على المسلمين ، فأصاب سهم منها أكحل سعد بن معاذ وجرحه جرحا بليغا ، فأمر النبي (ص) ان يحمل إلى امرأة بالمدينة تدعى رفيدة كانت تداوي جرحى المسلمين لوجه الله. فقال سعد ، وقد رأى جرحه المميت : اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا ، فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسول الله وكذبوه وأخرجوه ، وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من قريظة. وقد استجاب الله دعاءه ، حيث حكّمه في بني قريظة ، فعاقب رجالهم بالقتل ، ونساءهم بالسبي. ويأتي التفصيل عند تفسير الآية ٢٦ : (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً).

ودام الحصار بضعا وعشرين ليلة ليس فيها إلا الترامي بالنبل والحجارة. وفجأة

١٩٧

هبت ريح عاتية دكت معسكر الأحزاب ، واقتلعت خيامهم ، وأفسدت كل شيء ، فانسحبوا مخذولين بقيادة أبي سفيان ، وأيّد الله نبيه بنصره ، وهتف يقول : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده.

واتفق الرواة على أن هذه الغزوة كانت في السنة الخامسة من الهجرة ، واختلفوا في تعيين الشهر ، فمن قائل : انه ذو القعدة ، وقائل : انه شوال. هذا مجمل غزوة الأحزاب ، والتفصيل فيما يلي من شرح الآيات :

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً). اذكروا أيها المؤمنون الذين كنتم مع رسول الله (ص) في غزوة الخندق تحيط بكم الأعداء من كل جانب ، اذكروا ذلك واشكروا إنعام الله عليكم بالخلاص والنصر حيث أرسل على أعدائكم ريحا عاتية (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) قال المفسرون : انها الملائكة. ويجوز أن تكون كناية عما ألقاه سبحانه في قلوب الأحزاب من الخوف والهلع.

وفي البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي : كان جيش الأحزاب يتألف من خمسة عشر ألفا ، والمسلمون ثلاثة آلاف ، واتفق أهل التفاسير والسير ان صخرة ظهرت في بطن الخندق ، فكسرت حديدهم وشقّت عليهم ، فأخذ رسول الله (ص) المعول من سلمان ، وضرب به الصخرة ضربة صدعها ، ولمعت من تحت المعول برقة ، ثم ضربها ثانية ، فلمعت برقة أخرى ، وثالثة فلمعت ثالثة. فقال رسول الله (ص) : رأيت في البرقة الأولى مدائن كسرى ، وفي الثانية قصور قيصر ، وفي الثالثة قصور صنعاء ، وأخبرني جبريل ان أمتي ظاهرة عليها جميعا فأبشروا. وتحقق كل ما قاله سيد الكونين (ص).

(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). المراد ان جيش الأحزاب حاصر عسكر المسلمين ولم يدع له منفذا ، وقال جماعة من أهل التفسير : جاءت غطفان

١٩٨

وبنو قريظة وبنو النضير من اليهود من قبل المشرق ، وجاءت قريش وبنو كنانة وأهل تهامة من قبل المغرب (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ). هذا كناية عن شدة الخوف والفزع (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا). ظن بعض من آمن ان الله لن ينصر دينه ونبيه ، وقال بعض المنافقين : وعدنا محمد بكنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه ان يذهب الى حاجته .. وليس من شك انه لا عذر أبدا للمنافق ، أما من آمن ثم تساءل بحرقة وقال : لما ذا لم يخسف الله الأرض بالظالمين ، أو ينزل عليهم صاعقة من السماء ، أما هذا فلا نستبعد انه معذور عند الله ما دام مؤمنا به في قرارة نفسه.

(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً). لا تظهر كوامن النفس على حقيقتها إلا عند الشدائد والامتحان بالمخاوف والمكاره .. وكانت وقعة الخندق امتحانا قاسيا للمؤمن والمنافق على السواء حيث ظهر كل على حقيقته (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) وهم الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الايمان (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم أصحاب الايمان الضعيف الذين صدّقوا المنافقين من غير روية. قال هؤلاء وأولئك : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً). هم لا يؤمنون بالله ولا برسوله لأن المؤمن لا ينطق بمثل هذا الكفر ، وانما قالوا هذا ليشككوا البسطاء وضعاف العقول.

(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا). حين باشر النبي والصحابة بحفر الخندق قال جماعة من المنافقين : وما جدوى الخندق؟ انه لا يغني عن الحرب شيئا ، قالوا هذا قبل أن تأتي الأحزاب ، ولما جاءت قالوا للمقاتلين : لا طاقة لكم بهذا الجيش الجرار ، ولا نجاة منه إلا بالفرار والاستسلام .. تذكرت وأنا أفسر هذه الآية عملاء الصهيونية والاستعمار الذين ينشرون في هذه الأيام الهلع والفزع من قوة إسرائيل ، تذكرتهم حيث علمت ان لهم أشباها ونظائر في الزمان القديم ، وان للحرب النفسية جذورا عميقة في التاريخ ، وما هي من بدع الصهيونية والاستعمار ، بل شيء بال وعتيق لا ينخدع به إلا ساذج العقل وقاصر النظر.

(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ). كان بعض المنافقين

١٩٩

يخلقون المعاذير للتهرب من عسكر رسول الله (ص) ، ويقولون له : ان بيوتنا منكشفة للصوص ، فأذن لنا بحمايتها ، فأكذبهم الله وكشف عن نفاقهم بقوله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) من الجهاد ونصرة الحق.

(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً). ضمير عليهم يعود إلى المنافقين ، وإلى أصحاب الايمان المستودع الذي لا قرار له ، وضمير أقطارها إلى المدينة ، والمراد بالفتنة هنا الارتداد عن الدين. والمعنى لو دخلت جيوش الشرك المدينة وأحاطت بها من كل جانب ، وقال المشركون للمنافقين ولمرضى القلوب : ارتدوا عن الإسلام وأعلنوا الشرك لاستجابوا على الفور من غير تردد ، أو ترددوا قليلا ، ثم استسلموا للقوة .. وبالبداهة ان المؤمن الحق لا يرتد عن عقيدته ، بل يقتل عليها ، وهو يعلم ان السعيد من سلم له دينه مهما كانت النتائج ، كما هو شأن شهداء العقيدة الذين لا يبالون بسيف الجلاد.

(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ). تذرعوا بالأكاذيب للفرار من عسكر رسول الله (ص) بعد أن أعطوه العهود والمواثيق على أن يثبتوا في الجهاد بين يديه حتى الموت. وفي تفسير الطبري : «ان بني حارثة وبني سلمة همّوا بالفشل يوم أحد ، ثم عاهدوا الله على أن لا يعودوا لمثلها أبدا ، فذكّرهم الله الآن بهذا العهد الذي أعطوه من أنفسهم». أنظر تفسير قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) ـ ١٢٢ آل عمران ج ٢ ص ١٤٩ (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) يوم القيامة عن الوفاء به : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ـ ١٠ الفتح.

لن ينفعكم الفرار الأة ١٦ ـ ٢٠ :

(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا

٢٠٠