الملهوف على قتلى الطّفوف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الملهوف على قتلى الطّفوف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتجلي لعباده من أفق الألباب ، المجلي عن مراده بمنطق (١) السنة والكتاب ، الذي نزه أولياءه عن دار الغرور ، وسما بهم إلى أنوار السرور.

ولم يفعل ذلك محاباةً (٢) لهم على الخلائق ، ولا إلجاءً لهم (٣) إلى جميل الطرائق (٤).

بل عرف منهم قبولاً للألطاف ، واستحقاقاً لمحاسن الأوصاف ، فلم يرض لهم التعلق بحبال الإهمال ، بل وفقهم للتخلق بكمال الأعمال.

حتى عزفت (٥) نفوسهم عمن سواه ، وعرفت أرواحهم شرف رضاه ، فصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظله ، وعطفوا آمالهم نحو كرمه وفضله.

فترى لديهم فرحة المصدق بدار بقائه ، وتنظر عليهم مسحة المشفق من أخطار لقائه.

__________________

(١) ر : بنطق.

(٢) ع : بهم محاباةً.

والمحاباة : العطاء بلا من ولاجزاء.

(٣) ر : ولا إلجاءهم.

(٤) ر : الطريق.

(٥) ع : فرغت.

وعزفت بمعنى : سلت.

٨١

ولا تزال أشواقهم متضاعفة إلى ما قرب من مراده ، وأريحيتهم (٦) مترادفه نحو إصداره وإيراده ، وأسماعهم مصغية إلى استماع (٧) أسراره ، وقلوبهم مستبشرة بحلاوة تذكاره.

فحياهم منه بقدر ذلك التصديق ، وحباهم من لدنه حباء البر الشفيق.

فما أصغر عندهم كل ما شغل عن جلاله ، وما أتركهم لكل ما باعد من وصاله ، حتى أنهم ليتمتعون بأنس ذلك الكرم والكمال ، ويكسوهم أبداً حلل المهابة والجلال.

فإذا عرفوا أن حياتهم مانعة عن (٨) متابعة مرامه ، وبقاءهم حائل بينهم وبين إكرامه ، خلعوا أثواب البقاء ، وقرعوا أبواب اللقاء ، وتلذذوا في طلب ذلك النجاح ، ببذل النفوس والأرواح ، وعرضوها لخطر السيوف والرماح.

وإلى ذلك التشريف الموصوف سمت نفوس أهل الطفوف ، حتى تنافسوا في التقدم إلى الحتوف ، وأصبحوا (٩) نهب الرماح والسيوف.

فما أحقهم بوصف السيد المرتضى علم الهدى (١٠) رضوان الله عليه ، وقد مدح

__________________

(٦) ر : وأريحتهم.

والأريحي : الواسع الخلق النشيط إلى المعروف ، وهو أيضاً : السخي الذي يرتاح للندى ، وراح لذلك الأمر رواحاً وأريحية ورياحةً : أشرق له وفرح به وأخذته له خفة وأريحية ، لسان العرب ٥ / ٣٥٩ روح.

(٧) ر : اسماع.

(٨) ر : من.

(٩) ع : وأضحوا.

(١٠) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه‌السلام ، نقيب الطالبيين ، وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر ، مولده ووفاته ببغداد ، روى عن جماعة كالشيخ

٨٢

من أشرنا إليه فقال :

لهم جسوم (١١) على الرمضاء مهملة

وأنفس في جوار الله يقريها

كأن قاصدها بالضر نافعها

وأن (١٢) قاتلها بالسيف محييها

ولولا امتثال أمر السنة والكتاب ، في لبس شعار الجزع والمصاب ، لأجل ما طمس من أعلام الهداية ، وأسس من أركان الغواية (١٣) ، وتأسفاً على ما فاتنا من تلك السعادة ، وتلهفاً على أمثال تلك الشهادة ، وإلا كنا قد لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرة والبشرى.

وحيث أن في الجزع رضىً لسلطان المعاد ، وغرضاً لأبرار العباد ، فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع ، وآنسنا بإرسال الدموع ، وقلنا للعيون : جودي بتواتر البكاء ، وللقلوب : جدي جد ثواكل النساء.

فإن ودائع الرسول الرؤوف أضيعت (١٤) يوم الطفوف ، ورسوم وصيته بحرمه وأبنائه طمست بأيدي أمته وأعدائه.

فيالله من تلك الفوادح المقرحة للقلوب ، والجوائح المصرحة (١٥) بالكروب ،

__________________

المفيد والحسين بن علي بن بابويه ، وروى عنه جماعة كسلًار وأبي الصلاح الحلبي والخطيب البغدادي والقاضي ابن قدامة ، له عدة كتب ، منها : الشافي في الإمامة ، توفي سنة ٤٣٣ هـ وقيل : ٤٣٦ هـ.

رياض العلماء ٤ / ١٤ ، وفيات الأعيان ٣ / ٣١٣ ، الكنى والألقاب ٢ / ٤٣٩ ، ميزان الإعتدال ٢ / ٢٢٣ ، لسان الميزان ٤ / ٢٢٣ ، جمهرة الأنساب : ٥٦ ، الأعلام ٤ / ٢٧٨.

(١١) ع : نفوس ، بدلاً من : لهم جسوم.

(١٢) ر : أو أن.

(١٣) ر : الغراية.

(١٤) ع : أبيحت.

(١٥) ع : والجرائح المصرخة.

٨٣

والمصائب المصغرة كل بلوى ، والنوائب المفرقة شمل التقوى ، والسهام التي أراقت دم الرسالة ، والأيدي التي ساقت سبي الجلالة ، والرزية التي نكست رؤوس الأبدال ، والبلية التي سلبت نفوس خير الآل ، والشماتة التي ركست (١٦) أسود الرجال (١٧) ، والفجيعة (١٨) التي بلغ رزؤها إلى جبرائيل ، والفظيعة التي عظمت على الرب الجليل.

وكيف لا يكون كذلك وقد أصبح لحم رسول الله مجرداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف الضلال ، ووجوه بناته مبذولة لعين السائق والشامت ، ومسلبهن بمنظر من الناطق والصامت ، وتلك الأبدان المعظمة عارية من الثياب ، والأجساد المكرمة جاثية على التراب؟!!

مصائب بددت شمل النبي ففي

قلب الهدى أسهم يطفن (١٩) بالتلف

وناعيات إذا ما مل ذو وله

سرت عليه بنار الزن والأسف

فياليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها : ما بين مسلوب ، وجريح ، ومسحوب ، وذبيح ، وبنات النبوة : مشققات الجيوب ، ومفجوعات بفقد المحبوب ، وناشرات للشعور ، وبارزات من الخدور ، ولاطمات للخدود ، وعادمات للجدود ، ومبديات للنياحة والعويل ، وفاقدات للمحامي والكفيل.

فيا أهل البصائر من الأنام ، ويا ذوي النواظر والأفهام ، حدثوا نفوسكم

__________________

والجوائح جمع جائحة ، وهي : الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال ، وتستعمل مجازاً لكل شدة.

(١٦) الركس : قلب الشيء ورده مقلوباً.

(١٧) من قوله : والشماتة ، إلى هنا ، لم يرد في ر.

(١٨) ر : والنجيعة.

(١٩) ر : ينطق.

٨٤

بمصائب هاتيك العترة ، ونوحوا بالله لتلك الوحدة والكثرة ، وساعدوهم بموالاة الوجد والعبرة ، وتأسفوا على فوات تلك النصرة.

فإن نفوس أولئك الأقوام ودائع سلطان الأنام ، وثمرة فؤاد الرسول ، وقرة عين الزهراء البتول ، ومن كان يرشف بفمه الشريف ثناياهم ، ويفضل على أمته أمهم وأباهم.

إن كنت في شك فسل عن حالهم

سنن الرسول ومحكم التنزيل

فهناك أعدل شاهدٍ لذوي الحجى

وبيان فضلهم على التفصيل (٢٠)

ووصيةٌ سبقت لأحمد فيهم

جاءت إليه على يدي جبريل

وكيف طابت النفوس (٢١) مع تداني الأزمان بمقابلة إحسان جدهم (٢٢) بالكفران ، وتكدير عيشه بتعذيب ثمرة فؤاده ، وتصغير قدره بإراقة دماء أولاده؟!

وأين موضع القبول لوصاياه بعترته وآله؟ وما الجواب عند لقائه وسؤاله؟ وقد هدم القوم ما بناه! ونادى الاسلام واكرباه!

فيالله من قلبٍ لا يتصدع لتذكار تلك الأمور! ويا عجباه من غفلة أهل الدهور! وما عذر أهل الاسلام والإيمان في إضاعة أقسام الاحزان!

ألم يعلموا أن محمدأً موتورٌ وجيع؟ وحبيبه مقهورٌ صريعٌ؟ والملائكة يعزونه على جليل مصابه؟ والأنبياء يشاركونه في أحزانه وأوصابه؟

فيا أهل الوفاء لخاتم الأنبياء ، علام لا تواسونه في البكاء؟!

__________________

(٢٠) ع : الفصيل.

(٢١) ع : فكيف طابت للنفوس.

(٢٢) ع : مقابلة احسان أبيهم.

٨٥

بالله عليك أيها المحب لولد الزهراء ، نح معها على المنبوذين بالعراء ، وجد ويحك بالدموع السجام ، وابك على ملوك الاسلام ، لعلك تحوز ثواب المواسي لهم في المصاب ، وتفوز بالسعادة يوم الحساب.

فقد روي عن مولانا الباقر عليه‌السلامأنه قال : « كان زين العابدين عليه‌السلام يقول : أيما مؤمن ذرفت (٢٣) عيناه لقتل الحسين عليه‌السلامحتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً (٢٤) ، وأيما مؤمن ذرفت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدقٍ ، وأيما مؤمن مسه أذىً فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه من سخط النار يوم القيامة ».

وروى عن مولانا الصادق عليه‌السلامأنه قال : « من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذبابة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ».

وروي أيضاً عن آل الرسول عليهم‌السلام أنهم قالوا : « من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة (٢٥) ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة (٢٦) ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة ».

قال علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسيني ـ جامع هذا الكتاب ـ : إن من أجل البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب (٢٧) أنني (٢٨) لما

____________

(٢٣) أي : صبت دمعاً وسالت.

(٢٤) جمع حقب بضمتين أي : زماناً كثيراً ، أحقاباً لا انقطاع لها ، كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر.

(٢٥) ع : فينا مائة ضمنا له على الله الجنة ، والمثبت من ر. ب.

(٢٦) قوله : ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، لم يرد في ع. ر ، وأثبتناه من ب.

(٢٧) ر : الباب.

(٢٨) ر : أني.

٨٦

جمعت كتاب : مصباح الزائر وجناح المسافر (٢٩) ، ورأيته قد احتوى على أقطار محاسن الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات ، فحامله مستغنٍ عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف ، أو حمل مزارٍ كبير أو لطيفٍ.

أحببت أيضاً أن يكون حامله مستغنياً عن نقل مقتلٍ في زيارة عاشوراء إلى مشهد (٣٠) الحسين صلوات الله عليه.

فوضعت هذا الكتاب ليضم إليه ، وقد جمعت ها هنا ما يصلح لضيق وقت الزوار ، وعدلت عن الإطناب والإكثار ، وفيه غنية لفتح أبواب الأشجان ، وبغية لنجح أرباب الإيمان ، فإننا (٣١) وضعنا في أجساد معناه روح ما يليق بمعناه.

وقد ترجمته بكتاب : الملهوف على قتلى الطفوف (٣٢) ، ووضعته على ثلاثة مسالك ، مستعيناً بالرؤوف المالك (٣٣).

__________________

(٢٩) هو أول تصانيفه ، في عشرين فصلاً ، أوله في مقدمات السفر وآدابه ، والأخير في زيارة أولاد الأئمة والمؤمنين ، ونسخه شائعة.

(٣٠) ر : زيارة مشهد.

(٣١) ر : فإنا.

(٣٢) ع : اللهوف على قتلى الطفوف.

(٣٣) قوله : مستعيناً بالرؤوف المالك ، لم يرد في ر.

٨٧

٨٨

المسلك الأول

فى الأمور المتقدمة على القتال (١)

__________________

(١) ر : المسلك الأول على سبيل الإجمال في الأمور المتقدمة على القتال.

٨٩
٩٠

كان مولد الحسين عليه‌السلام لخمس ليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.

وقيل : اليوم (٢) الثالث منه.

وقيل : في أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.

وروي غير ذلك.

قالت (٣) أم الفضل (٤) زوجة العباس (٥) رضوان الله عنهما : رأيت في منامي

____________

(٢) ر : يوم.

(٣) جاء في نسخة ع :

ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنون النبي صلى الله عليه وآله بولادته ، وجاءت به فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فسر به وسماه حسيناً.

قال ابن عباس في الطبقات : أنبأنا عبدالله بن بكر بن حبيب السهمي ، قال : أنبأنا حاتم بن صنعة ، قالت ...

(٤) لبابة بنت الحارث الهلالية ، الشهيرة بأم الفضل ، زوجة العباس بن عبد المطلب ، ولدت من العباس سبعة ، أسلمت بمكة بعد إسلام خديجة ، وكان رسول الله ( ص ) يزورها ويقيل في بيتها ، توفيت نحو سنة ٣٠ هـ.

الإصابة ترجمة رقم ٩٤٢ و ١٤٤٨ ، ذيل المذيل : ٨٤ ، الجمع بين رجال الصحيحين : ٦١٢ ، الأعلام ٥ / ٢٣٩.

(٥) العباس عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، كان محسناً لقومه سديد الرأي ، كانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه ، عمي في آخر عمره ، توفي بالمدينة سنة ٣٢ هـ.

صفة الصفوة ١ / ٢٠٣ ، المحبر : ٦٣ ، ذيل المذيل : ١٠ ، الأعلام ٣ / ٢٦٢.

٩١

قبل مولده كأن قطعةً من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قطعت فوضعت (٦) في حجري ، فعبرت (٧) ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال « خيراً رأيت (٨) ، إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاماً فأدفعه إليك لترضعيه ».

قالت : فجرى الأمر على ذلك.

فجئت به يوماً ، فوضعته في حجره ، فبال (٩) ، فقطرت من بوله قطرةٌ على ثوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقرصته ، فبكى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١٠) : « مهلاً يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني ».

قالت : فتركته في حجره ، وقمت لآتيه بماء ، فجئت ، فوجدته صلوات الله عليه وآله يبكي.

فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله؟

فقال : « إن جبرئيل عليه‌السلامأتاني ، فأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة (١١) ».

قال رواة الحديث : فلما أتت على الحسين عليه‌السلام من مولده سنة كاملة ، هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر ملكاً : أحدهم على صورة الأسد ، والثاني على صورة الثور ، والثالث على صورة التنين (١٢) ، والرابع على صورة ولد آدم ،

____________

(٦) لفظ : فوضعت ، لم يرد في ر.

(٧) ع : ففسرت.

(٨) ع : يا أم الفضل رأيت خيراً.

(٩) ع : فجئت به يوماً إليه فوضعته في حجره فبينما هو يقبله فبال.

(١٠) ع : كالمغضب.

(١١) قوله : لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، لم يرد في ر.

(١٢) التنين : ضربٌ من الحيات من أعظمها.

٩٢

والثمانية الباقون على صور شتى ، محمرة وجوههم باكية عيونهم (١٣) ، قد نشروا أجنحتهم ، وهم يقولون : يا محمد سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل.

ولم يبق في السموات ملك (١٤) إلا ونزل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلٌ يقرؤه السلام ، ويعزيه في الحسين عليه‌السلام ، ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه ».

قال : فلما أتى على الحسين عليه‌السلامسنتان من مولده خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفرٍ له (١٥) ، فوقف في بعض الطريق ، فاسترجع ودمعت عيناه.

فسئل عن ذلك ، فقال : « هذا جبرئيل يخبرني عن أرضٍ بشط الفرات يقال لها كربلاء (١٦) ، يقتل بها ولدي الحسين بن فاطمة ».

فقيل له : من يقتله يا رسول الله؟

فقال : « رجل اسمه يزيد ، وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه ».

ثم رجع من سفره ذلك مغموماً ، فصعد المنبر فخطب (١٧) ووعظ ، والحسن والحسين عليهما‌السلام بين يديه.

فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن واليسرى على رأس

__________________

(١٣) باكية عيونهم ، لم يرد في ر.

(١٤) ع : ملك مقرب.

(١٥) له ، لم يرد في ر.

(١٦) كربلاء بالمد : الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام ، في طرف البرية عند الكوفة.

روي : أنه عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم ، وتصدق بها عليهم ، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام.

معجم البلدان ٤ / ٢٤٩ ، مجمع البحرين ٥ / ٦٤١ ـ ٦٤٢.

(١٧) فخطب ، لم يرد في ر.

٩٣

الحسين ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم إن محمداً عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي (١٨) ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل عليه‌السلامأن ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك (١٩) في قاتله وخاذله ».

قال : فضج الناس في المسجد بالبكاء والنحيب (٢٠).

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتبكون ولا تنصرونه ».

ثم رجع صلوات الله عليه وهو متغير اللون محمر الوجه ، فخطب خطبةً أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، قال :

« أيها الناس إني قد خلفت فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي وأرومتي (٢١) ومزاج مائي وثمرتي ، وأنهما لن (٢٢) يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وأني أنتظرهما ، وأني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم (٢٣) المودة في القربى ، وفانظروا ألا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم وقتلتموهم.

ألا وإنه سترد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة :

راية (٢٤) سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة ، فتقف علي ، فأقول : من أنتم؟

__________________

(١٨) الأرومة : الأصل.

(١٩) ر : اللهم لا تبارك.

(٢٠) والنحيب ، لم يرد في ر.

(٢١) ر : وعترتي وأرومتي.

(٢٢) ع : وثمرة فؤادي ومهجتي لن.

(٢٣) ع : إلا ما أمرني ربي أمرني ربي أن اسألكم.

(٢٤) ع : الأولى.

٩٤

فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب.

فأقول لهم (٢٥) : أنا أحمد نبي العرب والعجم.

فيقولون : نحن من أمتك يا أحمد.

فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي؟

فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن جديد الأرض (٢٦).

فأولي وجهي عنهم ، فيصدرون ظماءً عطاشاَ مسودة وجوههم.

ثم ترد علي رايةٌ أخرى أشد سواداً من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر : كتاب ربي (٢٧) ، وعترتي؟

فيقولون : أما الأكبر فخالفنا ، وأما الأصغر فخذلناهم ومزقناهم كل ممزق.

فأقول : إليكم عني ، فيصدرون ظماءً عطاشاً مسودة وجوههم.

ثم ترد علي راية أخرى تلمع نوراً (٢٨) ، فأقول لهم : من أنتم؟

فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنصرناهم في كل ما نصرنا منه أنفسنا ، وقاتلنا معهم من ناواهم.

فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة

__________________

(٢٥) لهم ، لم يرد في ر.

(٢٦) ع : عن آخرهم عن جديد الأرض.

(٢٧) ر : كتاب الله.

(٢٨) ع : تلمع وجوههم نوراً.

٩٥

خالدين فيها أبد الآبدين » (٢٩).

قال : وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه‌السلام ، ويستعظمونه ويرتقبون قدومه.

فلما توفي معاوية بن أبي سفيان (٣٠) ـ وذلك في رجب سنة (٣١) ستين من الهجرة ـ كتب يزيد بن معاوية (٣٢) إلى الوليد بن عتبة (٣٣) وكان أميراً بالمدينة

____________

(٢٩) من قوله : مستبشرين ، إلى هنا لم يرد في ر.

(٣٠) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، مؤسس الدولة الأموية في الشام ، ولد بمكة وأسلم يوم فتحها ، ولي قيادة جيش تحت إمرة أخيه في خلافة أبي بكر ، وصار والياً على الأردن في خلافة عمر ، ثم ولاه دمشق ، وجاء عثمان فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له ، وبعد قتل عثمان وولاية علي عليه‌السلام وجه له لفوره بعزله ن وعلم معاوية قبل وصول البريد ، فنادى بثأر عثمان واتهم علياً بدمه ونشبت الحروب الطاحنة واستعمل معاوية الخديعة والمكر ، مات معاوية في دمشق سنة ٦٠ هـ ، وعهد بالخلافة إلى ابنه يزيد.

تاريخ ابن الأثير ٤ / ٢ ، تاريخ الطبري ٦ / ١٨٠ ، البدء والتاريخ ٦ / ٥ ، الأعلام ٧ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.

(٣١) ر : من سنة.

(٣٢) يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان الأموي ، ثاني ملوك الدولة الأموية في الشام ، ولد بالماطرون ونشأ في دمشق وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٠ هـ ، ولم يبايعه جماعة وعلى رأسهم الحسين عليه‌السلام لفسقه وفجوره ولهوه ولعبه ، خلع أهل المدينة طاعته سنة ٦٣ هـ ، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام وأن يبايع أهلها على أنهم عبيد ليزيد ، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة ، وقتل فيها كثيراً من الصحابة والتابعين ، مات يزيد سنة ٦٤ هـ.

تاريخ الطبري حوادث سنة ٦٤ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٠ ، تاريخ ابن الأثير ٤ / ٤٩ ، جمهرة الأنساب : ١٠٣ ، الأعلام ٨ / ١٨٩.

(٣٣) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ابن حرب الأموي ، أمير من رجالات بني أمية ، ولي المدينة سنة ٥٧ هـ أيام معاوية ، ومات معاوية فكتب إليه يزيد أن يأخذ له البيعة ، عزله يزيد سنة ٦٠ هـ واستقدمه إليه ، فكان من رجال مشورته بدمشق ، ثم أعاده سنة ٦١ هـ وثورة عبدالله بن الزبير في

٩٦

يأمره (٣٤) بأخذ البيعة له على أهلها (٣٥) وخاصةً على الحسين بن علي عليهما‌السلام (٣٦) ، ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.

فأحضر الوليد مروان بن الحكم (٣٧) واستشاره في أمر الحسين عليه‌السلام.

فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك لضربت (٣٨) عنقه.

فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.

ثم بعث إلى الحسين عليه‌السلام ، فجاءه في ثلاثين رجلاً من أهل بيته ومواليه ، فنعى الوليد إليه معاوية ، وعرض عليه البيعة ليزيد.

فقال : « أيها الأمير ، إن البيعة لا تكون سراً ، ولكن إذا دعوت الناس

____________

إبانها بمكة ، وظل في المدينة إلى أن توفي بالطاعون سنة ٦٤ هـ ، حج بالناس سنة ٦٢ هـ.

مرآة الجنان ١ / ١٤٠ ، نسب قريش : ١٣٣ و ٤٣٣ ، الأعلام ٨ / ١٢١.

(٣٤) ع : أمير المدينة يأمره ، ب : كتب يزيد إلى الوليد يأمره.

والمدينة : مدينة رسول الله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد ، وللمدينة اسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة.

معجم البلدان ٥ / ٨٢.

(٣٥) ع : على أهلها عامة ، ولفظ عامة لم يرد في ر. ب.

(٣٦) ع. ب : عن الحسين عليه‌السلام.

(٣٧) ابن الحكم ، لم يرد في ع. ب.

ومروان هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف ، أبو عبد الملك ، خليفة أموي ، أول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص ، إليه ينسب بنو مروان ، ودولتهم المروانية ، ولد بمكة ونشأ بالطائف وسكن المدينة ، جعله عثمان من خاصته واتخذه كاتباً له ، وبعد قتل عثمان خرج مروان مع عائشة إلى البصرة ، وشهد صفين مع معاوية ، ولي المدينة سنة في ولاية معاوية ، أخرجه منها عبدالله بن الزبير فسكن الشام ومات سنة ٦٥ بالطاعون ، وقيل : قتلته زوجته أم خالد.

أسد الغابة ٤ / ٣٤٨ ، تاريخ ابن الأثير ٤ / ٧٤ ، تاريخ الطبري ٧ / ٣٤ ، الأعلام ٧ / ٢٠٧.

(٣٨) ب : ضربت.

٩٧

غداً فادعنا معهم ».

فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، ومتى لم يبايع فاضرب عنقه.

فغضب الحسين عليه‌السلامثم قال : « ويلي عليك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (٣٩) ».

ثم أقبل على الوليد فقال : « أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله (٤٠) ، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر (٤١) قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة (٤٢) ، ومثلي لا يبايع مثله (٤٣) ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ».

ثم خرج عليه‌السلام ، فقال مروان للوليد : عصيتني.

فقال : ويحك يا مروان ، إنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها لي وأنني قتلت حسيناً ، والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ، لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ أليمً.

قال : وأصبح الحسين عليه‌السلام ، فخرج (٤٤) من منزله يستمع الأخبار ، فلقاه مروان ، فقال : يا أبا عبدالله ، إني لك ناصحٌ فأطعني ترشد.

____________

(٣٩) ب : وأثمت.

(٤٠) ر : وبنا فتح الله وبنا يختم.

(٤١) ر : خمر.

(٤٢) قوله : ليس له هذه المنزلة ، لم يرد في ع. ب.

(٤٣) ع : بمثله ، ر : لمثله ، والمثبت من ب.

(٤٤) ب : فلما أصبح الحسين عليه‌السلامخرج.

٩٨

فقال الحسين عليه‌السلام : « وما ذاك ، قل حتى أسمع ».

فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين ، فإنه خيرٌ لك في دينك ودنياك.

فقال الحسين عليه‌السلام : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ».

وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان (٤٥) وهو غضبان (٤٦).

__________________

(٤٥) مروان ، لم يرد في ر.

(٤٦) جاء بعد هذا الموضع في نسخة ع كلام طويل لم يرد في نسخة ر. ب ، ويمكن أن يكون من حاشية المؤلف على الكتاب ، وعلى أي حال فنحن ننقل الكلام بنصه كما في نسخه ع :

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب : والذي تحققناه أن الحسين عليه السلام كان عالماً بما انتهت حاله إليه ، وكان تكليفه ما اعتمد عليه.

أخبرني جماعة ـ وقد ذكرت أسماءهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى ـ بإسنادهم إلى أبي جعفر محمد بن بابوية القمي فيما ذكر في أماليه ، باسناده إلى المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام :

أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً على الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه بكى ، فقال : ما يبكيك؟ قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال الحسن عليه السلام : إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، يزدلف إليك ثلاثون الف رجلٍ يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله ، وينتحلون الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها يحل الله ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دماً ورماداً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش والحيتان في البحار.

وحدثني جماعة منهم من اشرت إليه ، بإسنادهم إلى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب ، بإسناده إلى جده محمد ابن عمر قال : سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل قال :

٩٩

.........................

__________________

لمّا امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خالياً ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدثني أخوك أبو محمد الحسن ، عن أبيه عليهم السلام ، ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول؟ فقلت : حوشيت يابن رسول الله ، فقال : سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك؟ فقلت : نعم ، فلولا ناولت وبايعت.

فقال : حدثني أبي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن أنك علمت مالم أعلمه ، وإنه لا أعطي الدنية من نفسي أبداً ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية مالقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحدٌ آذاها في ذريتها.

أقول أنا : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة ، أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خيرٌ لكم عند بارئكم ).

ولعله يعتقد أن معنى قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.

ولقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية ما يليق بالعقل :

فروى عن أسلم قال : عزونا نهاوند ـ وقال غيرها ـ واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منهما ولا أعرض ، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم ، فحمل رجلٌ منا على العدو ، فقال الناس : لا إله إلا الله ألقى نفسه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب الأنصاري : إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة ، وليس كذلك ، إنما نزلت هذه الآية فينا ، لأنا كنا قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله إنكالٌ لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله لإصلاح أموالنا : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ، معناه : إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيدكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم ، وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة ، وتحريضٌ لنا على الغزو ، وما أنزلت هذه الآية في رجلٍ حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة.

أقول : وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب ، وسيأتي ما يكشف عن هذه الأسباب.

قال رواة حديث الحسين عليه السلام مع الوليد بن عتبة ومروان : ...

١٠٠