الملهوف على قتلى الطّفوف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الملهوف على قتلى الطّفوف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

فجلست زينب ابنت عي متنكرة ، فسأل عنها ، فقيل : هذه زينب ابنت علي.

فأقبل عليها وقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم!!!

فقالت : إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا.

فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟

فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، هبلتك (٦٧) أمك يابن مراجانة.

قال الراوي (٦٨) : فغضب وكأنه (٦٩) هم بها.

فقال له عمرو بن حريث (٧٠) : أيها الأمير إنها إمرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

فقال لها ابن زياد : لقد شف الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك!!!

فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان كان هذا شفاؤك (٧١) فقد اشتفيت.

____________

(٦٧) ب : ثكلتك.

(٦٨) الراوي ، من ع.

(٦٩) ر : فكأنه.

(٧٠) ر : عمر بن حريث.

وهو : عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله المخزومي ، روى عن أبي بكر وابن مسعود ، وروى عنه ابنه جعفر والحسن العرني والمغيرة بن سبيع وغيرهم ، كانت داره مأوى لأعداء أهل البيت ولي الكوفة لزياد بن أبيه ولأبنه عبيد الله ، مات سنة ٨٥ هـ.

سير اعلام النبلاء ٣ / ٤١٧ ـ ٤١٩ ، الأعلام ٥ / ٧٦

(٧١) ب. ع : شفاك. ر : فإن كان هذا شفاؤك فقد أشفيت.

٢٠١

فقال ابن زياد لعنه الله : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً (٧٢).

فقالت : يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة (٧٣).

ثم التفت ابن زياد لعنه الله إلى علي بن الحسين فقال : من هذا؟

فقيل : علي بن الحسين.

فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟!

فقال له علي : « قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس ».

فقال : بل الله قتله.

فقال له علي : « الله يتوفى الأنفس حين موتها (٧٤) ».

فقال ابن زياد : وبك جرأة على جوابي ، إذهبوا به فاضربوا عنقه.

فسمعت به عمته زينب ، فقالت : يا بن زياد ، إنك لم تبق منا أحداً ، فان كنت عزمت على قتله فاقتلني معه.

فقال علي لعمته : « اسكتي يا عمة حتى أكلمه ».

ثم أقبل إليه فقال : « أبالقتل تهددني يا بن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ».

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين عليهما‌السلام وأهل بيته فحملوا إلى بيت في جنب (٧٥) المسجد الأعظم.

فقالت زينب ابنت علي : لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة ، فإنهن سبين كما سبينا.

____________

(٧٢) ر : ... هذه شجاعة ولعمري لقد كان أبوك شجاعاً. ع : ... لقد كان أبوك شاعراً سجاعاً.

(٧٣) ر : والشجاعة.

(٧٤) الزمر ٣٩ : ٤٢.

(٧٥) ب : ... وأهله فحملوا إلى دار إلى جنب.

٢٠٢

ثم أمر ابن زياد برأس الحسين عليه‌السلام ، فطيف به في سكك الكوفة.

ويحق لي أن أتمثل هنا أبياتاً (٧٦) لبعض ذوي العقول ، يرثي بها قتيلاً من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا متفجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

واصم رزؤك كل أذن تسمع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنتم عيناً لم تكن بك تهجع

ما روضة إلا تمنت أنها

لك حفرة ولخط قبرك مضجع(٧٧)

قال الراوي (٧٨) : ثم أن ابن زياد لعنه الله صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في بعض كلامه : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب!!!.

فما زاد على هذا الكلام شيئاً ، حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي (٧٩) ـ وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل والأخرى يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل ـ فقال : يا بن مرجانة ، إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ، ومن استعملك وأبوه ، يا عدو الله ، أتقتلون أولاد (٨٠) النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين (٨١).

____________

(٧٦) ب : ههنا بأبيات.

(٧٧) هذا البيت في ب مقدم على البيت الذي قبله.

(٧٨) الراوي ، من ع.

(٧٩) في أنساب الأشراف صفحة ٢١٠ : عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ، كان شيعياً ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل واليمنى يوم صفين ، وكان لا يفارق المسجد الأعظم.

(٨٠) ب. ع : أبناء.

(٨١) ب. ع : المؤمنين.

٢٠٣

قال الراوي (٨٢) : فغضب ابن زياد وقال : من هذا المتكلم؟

فقال : أنا المتكلم يا عدو الله ، أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس (٨٣) ، وتزعم أنك على دين الإسلام.

وا غوثاه ، أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون (٨٤) منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين؟

قال الراوي (٨٥) : فازاداد غضب ابن زياد لعنه الله ، حتى انتفخت اوداجه وقال : علي به ، فتبادرت الجلاوزة (٨٦) من كل ناحية ليأخذوه ، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه ، فخلصوه من أيدي الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به إلى منزله.

فقال ابن زياد : اذهبوا إلى هذا الأعمى ـ أعمى الأزد ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينه ـ فأتوني به.

قال : فانطلقوا إليه ، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم.

قال : وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم.

قال الراوي (٨٧) : فاقتتلوا قتالاً شديداً ، حتى قتل بينهم جماعة من العرب.

__________________

(٨٢) الراوي ، من ع.

(٨٣) ر : ... ذرية الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. والمثبت من ب. ع.

(٨٤) ع : لينتقمون.

(٨٥) الراوي ، من ع.

(٨٦) ب : فبادر إليه الجلاوزة.

(٨٧) الراوي ، من ع.

٢٠٤

قال : وصل أصحاب ابن زياد لعنه الله إلى دار (٨٨) عبد الله بن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه.

فصاحت ابنته : أتاك القوم من حيث تحذر.

فقال : لا عليك ناوليني سيفي ، فناولته إياه ، فجعل يذب عن نفسه ويقول :

أنا أبن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أم عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدلته مغاور (٨٩)

قال : وجعلت ابنته تقول : يا ابت ليتني كنت رجلاً أخاصم بين يديك هؤلاء القوم الفجرة (٩٠) ، قاتلي العترة البررة.

قال : وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة ، وهو يذب عن نفسه وليس (٩١) يقدر عليه أحد ، وكلما جاؤوه من جهة قالت : يا أبت جاؤوك من جهة كذا ، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به.

فقالت ابنته : وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به.

فجعل يدير سيفه ويقول :

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

قال الراوي (٩٢) : فما زالوا به حتى أخذوه ، ثم حمل فأدخل على ابن زياد.

فلما رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك.

__________________

(٨٨) دار ، لم يرد في ر.

(٨٩) ر : جندلته مغاور. ب : جدلته مغادر.

(٩٠) ب : أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة.

(٩١) ب. ع : فلم.

(٩٢) الراوي ، من ع.

٢٠٥

فقال له عبد الله بن عفيف : يا عدو الله ، بماذا أخزاني الله (٩٣).

والله لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري (٩٤)

فقال له ابن زياد : ماذا تقول يا عبد الله في أميرالمؤمنين عثمان بن عفان (٩٥)؟

فقال : يا عبد بني علاج ، يا بن مرجانة ـ وشتمه (٩٦) ـ ما أنت وعثمان بن عفان أساء أم أحسن (٩٧) ، وأصلح أم أفسد ، والله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل (٩٨) والحق ، ولكن سلني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه.

فقال ابن زياد : والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة.

فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله رب العالمين ، أما أني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك أمك ، وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي العن خلقه وأبغضهم إليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة ، والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة بمنه (٩٩) في قديم دعائي.

__________________

(٩٣) جاء بعد هذا في نسخة ر كلمة شعر.

(٩٤) ب. ع :

والله لو فرج لي عن بصري

ضاق عليك موردي ومصدري

(٩٥) ب. ع : فقال ابن زياد : يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان.

وعثمان هو : ابن عفان بن أبي العاص بن أمية ، أسلم بعد البعثة ، صارت إليه الخلافة بعد موت عمر سنة ٢٣ هـ ، نقم عليه الناس اختصاصه أقاربه من بني أمية بالولايات والأعمال وتقسيم الأموال الكثيرة بينهم ، فحصروه في داره وقتلوه سنة ٣٥ هـ.

ابن الأثير حوادث سنة ٣٥ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٦١ ، البدء والتاريخ ٥ / ٧٩ ، الأعلام ٤ / ٢١٠.

(٩٦) لفظة : وشتمه ، لم ترد في ر.

(٩٧) ب : ما أنت وعثمان إن أساء أم أحسن.

(٩٨) ر : والله علي ولي خلقه يقضي بينهم بالعدل.

(٩٩) ب. ع : منه.

٢٠٦

فقال ابن زياد : اضربوا عنقه ، فضربت عنقه وصلب في السبخة (١٠٠).

قال الراوي (١٠١) : وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين وخبر أهل بيته ، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص (١٠٢) أمير المدينة بمثل ذلك.

فأما عمرو ، فحين وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك ، فعظمت واعية بني هاشم ، وأقاموا سنن المصائب والمآتم ، وكانت زينب بنت عقيل بن أبي طالب (١٠٣) تندب (١٠٤) الحسين عليه‌السلام وتقول :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتمو أنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ماكان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

____________

(١٠٠) في معجم البلدان ٣ / ٣٠ : السبخة بالتحريك واحدة السباخ : الأرض الملح النازة ، موضع بالبصرة ... والسبخة من قرى البحرين.

أقول : لم أجد في كتب البلدان واللغة من ذكر أن السبخة موضع بالكوفة ، ولكن يوجد موضع بين مسجد السهلة ومسجد الكوفة كان يعرف بين الناس بالسبخة ، وقيل : المراد بالسبخة هنا : الكناسة.

(١٠١) الراوي ، من ع.

(١٠٢) عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي ، كان والي مكة والمدينة لمعاوية وابنه يزيد ، وقدم الشام ، فلما طلب مروان بن الحكم الخلافة عاضده عمرو ، فجعل له ولاية العهد بعد ابنه عبد الملك ، ولما ولي عبد الملك أراد خلعه من ولاية العهد ، فنفر عمرو ، ولم يزل عبد الملك يتربص به حتى تمكن منه فقتله سنة ٧٠ هـ.

الإصابة ترجمة رقم ٦٨٥٠ ، فوات الوفيات ٢ / ١١٨ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٧ ، الأعلام ٤ / ٧٨.

(١٠٣) في أنساب الأشراف صفحة ٢٢١ : كانت زينب هذه عند علي بن يزيد بن ركانة من بني المطلب بن عبد مناف ، فولدت له ولداً ، منهم عبدة ولدت وهب بن وهب أبا البختري القاضي.

(١٠٤) ر : تندب على.

٢٠٧

قال : فلما جاء الليل سمع أهل المدينة هاتفاً ينادي ويقول :

أيها القاتلون ظلماً حسيناً

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كل من في السماء يبكي عليه

من نبي وشاهد ورسول (١٠٥)

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

وأما يزيد بن معاوية ، فإنه لما وصل إليه كتاب ابن زياد ووقف عليه ، أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين عليه‌السلام ورؤوس من قتل معه ، وبحمل أثقاله ونسائه وعياله.

فاستدعى ابن زياد بمحفر بن ثعلبة العائذي (١٠٦) ، فسلم إليه الرؤوس والأسارى والنساء ، فسار بهم محفر إلى الشام كما يسار بسبايا الكفار ، يتصفح وجوههن أهل الأقطار.

روى ابن لهيعة (١٠٧) وغيره حديثنا أخذنا منه موضع الحاجة ، قال : كنت أطوف بالبيت ، فإذا أنا برجل يقول : اللهم اغفر لي وما أراك فاعلاً.

____________

(١٠٥) ع :

أيها القاتلون جهلا ًحسيناً

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومالك وقبيل

(١٠٦) اختلفت النسخ والمصادر في ضبطه اسمه ، فالمثبت من ع. وفي ر : مجفر ، وفي ب : مخفر.

وهو محفر بن ثعلب بن مرة بن خالد ، من بني عائذة ، من خزيمة بن لؤي ، من رجال بني أمية في صدر دولتهم.

نسب قريش : ٤٤١ وفيه : مخفر ، جمهرة الانساب : ١٦٥ ، الأعلام ٥ / ٢٩١.

(١٠٧) ر. ع : فروى ابن لهيعة ، والمثبت من ب.

وابن لهيعة : عبد الله بن لهيعة بن فرعان الحضرمي المصري ، ابوعبد الرحمن ، محدث مصر وقاضيها ، ومن كتاب للحديث والجماعين للعلم والراحلين فيه ، توفي بالقاهرة سنة ١٧٤ هـ.

الولاة والقضاة ٣٦٨ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٧٧ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٦٤ ، الأعلام ٤ : ١١٥.

٢٠٨

فقلت له : يا عبد الله اتق الله ولا تقل مثل هذا ، فان ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمصار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك ، إنه غفور رحيم.

قال : فقال لي : أدن مني حتى أخبرك بقصتي ، فأتيته ، فقال : إعلم أننا كنا خمسين نفراً ممن سار مع رأس الحسين إلى الشام ، فكنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت وشربنا الخمر حول التابوت ، فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا ، ولم أشرب معهم. فلما جن الليل سمعت رعداً ورأيت برقاً ، فإذا أبواب السماء قد فتحت ، ونزل آدم ونوح وابراهيم وإسحاق وإسماعيل ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين ، ومعهم جبرئيل وخلق من الملائكة.

فدنا جبرئيل من التابوت ، فأخرج الرأس وضمه إلى نفسه وقبله ، ثم كذلك فعل الأنبياء كلهم ، وبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على رأس الحسين وعزاه الأنبياء.

وقال له جبرئيل : يا محمد ، إن الله تعالى أمرني أن أطيعك في أمتك ، فان أمرتني زلزلت الأرض بهم ، وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يا جبرئيل ، فإن لهم معي موقفاً بين يدي الله يوم القيامة.

ثم جاء الملائكة نحونا ليقتلونا.

فقلت : الأمان يا رسول الله.

فقال : اذهب ، فلا غفر الله لك (١٠٨) (١٠٩).

__________________

(١٠٨) ب : فان لهم معي موقفاً بين يدي الله يوم القيامة ، قال : ثم صلوا عليه ، ثم أتى قوم من الملائكة وقالوا : إن الله تبارك وتعالى أمرنا بقتل الخمسين ، فقال لهم النبي : شأنكم بهم ، فجعلوا يضربون بالحربات ، ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني ، فقلت : الأمان الأمان يا رسول الله ، فقال : اذهب لا غفر الله لك ، فلما اصبحت رأيت أصحابي كلهم جاثمين رماداً.

(١٠٩) جاء بعد هذا في نسخة ع :

٢٠٩

قال الراوي (١١٠) : وسار القوم برأس الحسين عليه‌السلام ونسائه والأسرى (١١١) من رجاله ، فلما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من الشمر ـ وكان من جملتهم (١١٢) ـ فقالت : لي إليك حاجة.

فقال : وما حاجتك؟

قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل الناظرة ، وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنا ، فقد خزينا من كثرة النظر (١١٣) إلينا ونحن في هذه الحال.

فأمر في جواب سؤالها : أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل ـ بغياً منه وكفراً ـ وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم إلى باب دمشق ، فوقفوا على درج (١١٤) باب المسجد الجامع حيث يقام السبي.

وروي (١١٥) أن بعض التابعين لما شاهد رأس الحسين عليه‌السلام بالشام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك ، فقال :

____________

ورأيت في تذييل محمد بن النجار شيخ المحدثين ببغداد ، في ترجمة علي بن نصر الشبوكي ، باسناده زيادة في هذا الحديث ما هذا لفظه : قال : لما قتل الحسين بن علي وحملوا برأسه جلسوا يشربون ويجيء بعضهم بعضاً برأس ، فخرجت يد وكتبت بقلم الحديد على الحائط :

أترجو أمة قتلت حسيناً

شفاعة جده يوم الحساب

قال : فلما سمعوا بذلك تركوا الرأس وهزموا.

(١١٠) الراوي ، من ع.

(١١١) ر : والأسارى. والمثبت من ب.ع.

(١١٢) ر : وكانت في جملتهم ، والمثبت من ب. ع.

(١١٣) ر : الناظر.

(١١٤) درج ، لم يرد في ر.

(١١٥) ب. ع : فروي.

٢١٠

ألا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول :

جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد

متزملاً بدمائه تزميلا (١١٦)

وكأنما بك يا بن بنت محمد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبرون بأن قتلت وإنما

قتلو بك التكبير والتهليلا (١١٧)

قال الراوي (١١٨) : جاء شيخ ، فدنا من نساء الحسين عليه‌السلام وعياله ـ وهم في ذلك الموضع ـ وقال (١١٩) : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم!!!

فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : « يا شيخ ، هل قرأت القرآن؟ ».

قال نعم.

قال : « فهل عرفت هذه الآية : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلى المودة في القربى ) (١٢٠)؟ »

قال الشيخ : قد قرأت ذلك.

فقال له علي عليه‌السلام : « نحن (١٢١) القربى يا شيخ ، فهل قرأت في بني إسرائيل :

____________

(١١٦) ع : مترملاً بدمائه ترميلاً.

(١١٧) ب :

جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا

في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبرون بان قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

(١١٨) الراوي ، من ع.

(١١٩) ب : وعياله أقيموا على درج باب المسجد ، فقال ...

(١٢٠) الشورى ٤٢ / ٢٣.

(١٢١) ب. ع : فنحن.

٢١١

( وآت ذا القربى حقه )؟ (١٢٢) ».

فقال الشيخ : قد قرأت ذلك.

فقال : « فنحن القربى يا شيخ ، فهل قرأت هذه الآية : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى )؟ (١٢٣) ».

قال : نعم.

فقال عليه‌السلام : « فنحن القربى (١٢٤) يا شيخ ، وهل (١٢٥) قرأت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهرك تطهيرا )؟ (١٢٦) ».

قال الشيخ : قد قرأت ذلك.

فقال عليه‌السلام : « نحن أهل البيت الذين خصنا الله بآية الطهارة يا شيخ ».

قال الراوي (١٢٧) : بقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلم به ، وقال تالله (١٢٨) إنكم هم؟!

فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : « تالله (١٢٩) إنا لنحن هم من غير شك ، وحق جدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنا لنحن هم ».

قال : فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني

__________________

(١٢٢) الأسراء ١٧ / ٢٦.

(١٢٣) الأنفال ٨ / ٤١.

(١٢٤) ر : نحن أهل القربى.

(١٢٥) ر : ولكن هل. والمثبت من ب.

(١٢٦) الأحزاب ٣٣ / ٣٣.

(١٢٧) الراوي ، من ع.

(١٢٨) ب. ع : بالله.

(١٢٩) ر : وبالله.

٢١٢

أبرء إليك من عدو آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجن والإنس.

ثم قال : هل لي من توبة؟

فقال له : « نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا ».

فقال : أنا تائب.

فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ ، فأمر به فقتل.

قال الراوي (١٣٠) : ثم أدخل ثقل الحسين عليه‌السلام ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد ، وهم مقرنون (١٣١) في الحبال.

فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : « أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا على هذه الصفة (١٣٢) » ، فأمر يزيد بالحبال فقطعت.

ثم وضع رأس الحسين عليه‌السلام بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ، فرآه علي بن الحسين عليه‌السلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبداً.

وأما زينب ، فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن بنت المصطفى.

قال الراوي (١٣٣) : فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ، ويزيد ساكت.

ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه‌السلام وتنادي :

____________

(١٣٠) قال الراوي ، لم يرد في ر.

(١٣١) ر : مقرنين ، بدلاً من : وهم مقرنون.

(١٣٢) ب : الحالة.

(١٣٣) الراوي ، من ع.

٢١٣

يا حسيناه ، يا حبيباه ، يا سيداه ، يا سيد أهل بيتاه ، يا بن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء.

قال الراوي (١٣٤) : فأبكت كل من سمعها.

قال : ثم دعا يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكث به ثنايا الحسين عليه‌السلام.

فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي (١٣٥) وقال : ويحك يا يزيد ، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين عليه‌السلام ابن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، قتل الله قاتليكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً.

قال الراوي (١٣٦) : فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فأخرج سحباً.

قال : وجعل يزيد لعنه الله ليتمثل بأبيات ابن الزبعري (١٣٧) ويقول :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع (١٣٨) الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا (١٣٩) واستهلوا فرحاً

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

__________________

(١٣٤) الراوي ، من ع.

(١٣٥) فضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي ، غلبت عليه كنيته ، اختلف في اسمه ، صحابي ، من سكان المدينة ثم البصرة ، شهد مع علي عليه‌السلام النهروان ، مات بخراسان سنة ٦٥ هـ.

تهذيب التهذيب : ١٠ / ٤٤٦ ، الإصابة ترجمة رقم ٨٧١٨ ، الأعلام ٨ / ٣٣.

(١٣٦) الراوي ، من ع.

(١٣٧) عبد الله بن الزبعري بن قيس السهمي القرشي ، أبوسعد ، شاعر قريش في الجاهلية ، كان شديداً على المسلمين ، إلى أن فتحت مكة فهرب إلى نجران ، مات سنة ١٥ هـ.

الأعلام ٤ / ٨٧ ، وراجع من ذكره من مصادر ترجمته.

(١٣٨) ر : وقعة. والمثبت من ع.

(١٣٩) ع : لأهلوا.

٢١٤

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل (١٤٠)

قال الراوي (١٤١) : فقامت زينب ابنت علي عليه‌السلام وقالت (١٤٢) :

الحمد لله رب العاليمن ، وصلى الله على محمد (١٤٣) وآله أجمعين ، صدق الله كذلك يقول : ( ثم كان عاقبة الذين أساؤا السؤى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ) (١٤٤) ، أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء (١٤٥) ـ أن بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة!! وأن ذلك لعظيم خطرك عنده!! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك (١٤٦) ، جذلاً (١٤٧) مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً ، أنسيت قول الله عزوجل : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ) (١٤٨).

أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك إماءك ونساءك وسوقك (١٤٩) بنات رسول

____________

(١٤٠) البيتين الأخيرين لم يردا في ر ، ووردا في ع.

(١٤١) الراوي ، من ع.

(١٤٢) ب. ع : بنت علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فقالت.

(١٤٣) ب. ع : رسوله.

(١٤٤) الروم ٣٠ / ١٠.

(١٤٥) ب : الأسارى. ع : الأسراء. والمثبت من ر.

(١٤٦) ر : ونظرت إلى فيء عطفك.

(١٤٧) ب. ع : جذلان.

(١٤٨) آل عمران ٣ / ١٧٨.

(١٤٩) ب. ع : تحديرك حرائرك وإماءك وسوقك.

٢١٥

الله سبايا؟‍‍‍‍‍‍‍‍! ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن (١٥٠) أهل المنازل والمناهل (١٥١) ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي.

وكيف ترتجى مراقبة من (١٥٢) لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه بدماء الشهداء؟!

وكيف يستظل في ظلمنا (١٥٣) أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟!

ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

فأهلوا (١٥٤) واستهلوا فرحاً

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

منتحياً (١٥٥) على ثنايا أبي عبد الله عليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك.

وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب؟! وتهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم!

فلتردن وشيكاً موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت

__________________

(١٥٠) ر : ويتشرفهن.

(١٥١) ب. ر : المناهل والمناقل.

(١٥٢) ر : وكيف ترجو مراقبة ابن من.

(١٥٣) ب : وكيف يستبطأ في بغضنا. ع : وكيف ويستبطأ في بغضاء.

(١٥٤) ب : وأهلوا.ع : لا هلوا.

(١٥٥) ر : متخنيا.

٢١٦

وفعلت ما فعلت.

اللهم خذ بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن (١٥٦) سفك دماءنا وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولاحززت (١٥٧) إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقهم ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ).

وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، أني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى.

ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباءبحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنضح (١٥٨) من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تتناهبها (١٥٩) العواسل وتعفوها أمهات الفراعل ، ولئن أتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ،* وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى ، وعليه المعول.

__________________

(١٥٦) ر : واحلل غضبنا على من.

(١٥٧) ب : ولا جززت.

(١٥٨) ب. ع : تنطف.

(١٥٩) ب. ع : تنتابها.

٢١٧

فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب (١٦٠) جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها.

وهل رأيك إلا فندا ، وأيامك إلا عددا ، وجمعك إلا بددا ، يوم ينادي المناد : ألا لعنة الله على الظالمين.

فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة.

ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فقال يزيد لعنه الله :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

قال الراوي : ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم.

فقالوا : لا تتخذ من كلب سوء جروا.

فقال له النعمان بن بشير : أنظر ما كان الرسول يصنع بهم فاصنعه بهم.

ونظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة ابنت الحسين عليه‌السلام ، فقال : يا أميرالمؤمنين هب لي هذه الجارية.

فقالت فاطمة لعمتها : يا عمتاه أيتمت وأستخدم؟ (١٦١)

فقالت زينب : لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق.

فقال الشامي : من هذه الجارية؟

فقال له يزيد لعنه الله : هذه فاطمة ابنت الحسين ، وتلك عمتها زينب ابنت علي.

فقال الشامي : الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب!!

____________

(١٦٠) ر : واجهد.

(١٦١) ر : واستخدمت. والمثبت من ع.

٢١٨

قال : نعم.

فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته ، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم (١٦٢).

فقال يزيد : والله لألحقنك بهم ، ثم أمر به فضرب عنقه.

قال الراوي (١٦٣) : ودعا يزيد لعنه الله بالخاطب ، وأمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد ، وبالغ في ذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين الشهيد ، والمدح لمعاوية ويزيد.

فصاح به علي بن الحسين عليه‌السلام : « ويلك أيها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوأ مقعدك من النار ».

ولقد أحسن ابن سنان الخفاجي (١٦٤) في وصف أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وأولاده ، حيث يقول :

أعلى المنابر تعلنون بسبه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها

قال الراوي (١٦٥) : ووعد يزيد لعنه الله علي بن الحسين عليهما‌السلام في ذلك اليوم أنه يقضي له ثلاث حاجات.

ثم أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من حر ولا بردٍ ، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة مقامهم في البلد المشار اليه ينحون على الحسين عليه‌السلام.

____________

(١٦٢) ر : سبي ترك الروم.

(١٦٣) الراوي ، من ع.

(١٦٤) عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان ، أبو محمد الخفاجي الحلبي ، شاعر ، أخذ الأدب عن أبي العلاء وغيره ، مات بالسم سنة ٤٦٦ هـ.

الأعلام ٤ / ١٢٢ ، وذكر من مصادر ترجمته : فوات الوفيات ١ / ٢٣٣ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٩٦.

(١٦٥) الراوي ، من ع.

٢١٩

قالت سكينة : فلما كان في اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام ، وذكرت مناماً طويلاً تقول في آخره : ورأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها ، فقيل لي : فاطمة ابنت محمد أم أبيك.

فقلت : والله لأنطلقن إليها ولأخبرنها ما صنع بنا ، فسعيت مبادرة نحوها ، حتى لحقت بها ووقفت بين يديها أبكي وأقول :

يا أمتاه جحدوا والله حقنا ، يا أمتاه بددوا والله شملنا ، يا أمتاه استباحوا والله حريمنا ، يا أمتاه قتلوا والله الحسين أبانا.

فقالت لي : كفي صوتك يا سكينة ، فقد قطعت نياط قلبي ، وأقرحت كبدي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به.

وروى ابن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن (١٦٦) قال : لقيني رأس الجالوت (١٦٧) فقال : والله ، إن بيني وبين داود عليه‌السلام سبعين (١٦٨) أباً ، وإن اليهود تلقاني فتعظمني ، وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ولده (١٦٩).

وروي عن زين العابدين عليه‌السلام أنه قال : « لما أتوا برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد لعنه الله ، كان يتخذ مجالس الشرب ، ويأتي برأس الحسين عليه‌السلام ويضعه بين يديه

____________

(١٦٦) أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل القرشي الأسدي ، نزل مصر وحدث بها كتاب المغازي لعروة بن الزبير ، روى عن علي بن الحسين والنعمان بن أبي عياش وطائفة ، وروى عنه حبوة بن شريح ومالك بن أنس وآخرون ، مات سنة بضع وثلاثين ومائة.

سيرة أعلام النبلاء ٦ / ١٥٠ ترجمة رقم ٦٢.

(١٦٧) لم يذكروه.

(١٦٨) ب. ع : السبعين.

(١٦٩) ب : وأنتم ليس بينكم وبين ابن نبيكم إلا أب واحد قتلتموه. ع : وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده.

٢٢٠