الملهوف على قتلى الطّفوف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الملهوف على قتلى الطّفوف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

قال : وخرج وهب بن حباب الكلبي (٦٧) ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه زوجته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا أماه ، أرضيت أم لا؟

فقالت : لا ، ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه‌السلام.

وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك.

فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة.

فرجع ، ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً ، فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل ليردها إلى النساء ، فأخذت بثوبه ، وقالت : لن أعود دون أن أموت معك.

فقال الحسين عليه‌السلام : « جزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، ارجعي إلى النساء يرحمك الله » ، فانصرفت إليهن.

ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه.

ثم خرج مسلم بن عوسجة ، فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر.

فقال له الحسين عليه‌السلام : « رحمك الله يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلاً ».

ودنا منه حبيب ، فقال : عز والله علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة.

____________

(٦٧) ع : جناح.

في ضياء العينين : ٢٥ : وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي ، امه قمرى ، وذكر الكثير من أخباره في واقعة الطف ، أخذها من كتاب الملهوف وغيره من كتب المقاتل.

١٦١

فقال له بصوت ضعيف (٦٨) : بشرك الله بخيرٍ.

ثم قال له حبيب : لولا أنني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك.

فقال له مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار بيده إلى الحسين عليه‌السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت.

فقال له حبيب : لأنعمنك عيناً.

ثم مات رضوان الله عليه.

فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري (٦٩) ، فاستأذن الحسين عليه‌السلام ، فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه‌السلامسهمٌ إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين عليه‌السلامسوء ، حتى أثخن بالجراح.

فالتفت إلى الحسين عليه‌السلام وقال : يابن رسول الله أوفيت؟

قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عني السلام وأعلمه أني في الأثر ».

____________

(٦٨) ع : فقال له مسلم قولاً ضعيفاً.

(٦٩) ر. ع : عمرو بن قرطة ، والمثبت من ب.

وهو عمرو بن قرظة الأنصاري ، ذكر في أكثر الموارد ، وفي الزيارة : عمر بن كعب الأنصاري ، وفي نسختها الأخرى : عمران ، أرسله الحسين مفاوضاً إلى عمر بن سعد.

تاريخ الطبري ٥ / ٤١٣ ، المناقب ٤ / ١٠٥ ، البحار ٤٥ / ٧١ و ٢٢ ، مقتل الحسين ٢ / ٢٢ ، أنصار الحسين : ١٠٤ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٣.

١٦٢

فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (٧٠).

ثم برز جون مولى أبي ذر (٧١) ، وكان عبداً أسوداً.

فقال له الحسين عليه‌السلام : « أنت في إذنٍ مني ، فإنما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا (٧٢) ».

فقال : يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة (٧٣) ، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. ثم قاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه.

قال الراوي (٧٤) : ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي (٧٥) ، فقال للحسين :

____________

(٧٠) في نسخة ب جاء بعد قوله رضوان الله عليه :

وفي المناقب كان يقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أن سوف أحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري

دون حسين مهجتي وداري

(٧١) ب : ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري.

وجون من الموالي ، أسود اللون ، شيخ كبير السن ، هو ابن حوي ، وذكر في بعض المصادر اسمه : جوين أبي مالك.

تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٢ ، رجال الشيخ : ٧٢ ، المناقب ٤ / ١٠٣ ، المقتل ١ / ٢٣٧ و ٢ / ١٩ ، تاريخ الطبري ٥ / ٤٢٠ ، البحار ٤٥ / ٨٢ ، أنصار الحسين : ٧٢.

(٧٢) ر : بطريقتنا.

(٧٣) ر : الجنة.

(٧٤) الراوي ، لم يرد في ر.

(٧٥) ر : عمر بن خالد الصيداوي.

وعمرو بن خالد الصيداوي من صيدا ، ذكر في أكثر المصادر ، وفي الرجبية ، عمرو بن خلف ،

١٦٣

يا أبا عبدالله ، جعلت فداك قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيداً فريداً بين أهلك قتيلاً.

فقال له الحسين عليه‌السلام : « تقدم فإنا لا حقون بك عن ساعة ».

فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

قال الراوي (٧٦) : وجاء حنظلة بن سعد الشبامي (٧٧) ، فوقف بين يدي الحسين عليه‌السلام يقيه السهام والسيوف والرماح بوجهه ونحره.

وأخذ ينادي : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد ، ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد ، يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، يا

____________

ويحتمل أنه تصحيف خالد ، وبنو الصيدا بطن من أسد من العدنانية ، وذهب بعض العلماء إلى اتحاده مع عمرو بن خالد الأزدي ، ذاهباً إلى أن الأزدي مصحف عن الأسدي ، والمرجح التعدد ، وإن كان احتمال الإتحاد وارداً.

تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٥ ، تاريخ الطبري ٥ / ٤٤٦ ، المقتل ٢ / ٢٤ ، البحار ٤٥ / ٧٢ و ٢٣ ، أنصار الحسين : ١٠٢.

(٧٦) الراوي ، لم يرد في ر. ب.

(٧٧) كذا في ب. وفي ر : حنظلة بن سعد الثامي. وفي ع : حنظلة بن أسعد الشامي.

والشبامي : شبام بطن من همدان من القحطانية ، كوفي ، ذكر في أكثر المصادر مع اختلاف في ضبط اسمه ، واحتمل بعض العلماء اتحاده مع حنظلة بن أسعد الشبامي ، واستدل بأن ابن شهر آشوب لم يذكر حنظلة المتفق عليه وهو الشبامي ، والمرجح أن سعداً غيرحنظلة ، لأن غير ابن شهر آشوب ذكر سعداً وأنه تميمي من عرب الشمال ، وحنظلة وأنه شبامي من عرب الجنوب. واحتمل آخر اتحاده مع حنظلة ابن عمر الشيباني ، وهذا الاحتمال بعيد أيضاً.

رجال الشيخ : ٧٣ ، المقتل ٢ / ٢٤ ، تاريخ الطبري ٥ / ٤٤٣ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٦ ، قاموس الرجال ٤ / ٣١٨ ، معجم رجال الحديث ٦ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، انصار الحسين : ٨٦ و٨٩ ـ ٩٠ و ١١٦ ـ ١١٧.

١٦٤

قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى.

ثم التفت إلى الحسين عليه‌السلام وقال : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بأصحابنا؟

فقال له : « بل (٧٨) رح إلى ما هو خيرٌ لك من الدنيا وما فيها وإلى ملكٍ لا يبلى ».

فتقدم ، فقاتل قتال الأبطال ، وصبر على احتمال الأهوال ، حتى قتل ، رضوان الله عليه.

قال : وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه‌السلامزهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ، ثم صلى بهم صلاة الخوف.

فوصل إلى الحسين عليه‌السلامسهمٌ ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ، ووقف يقيه بنفسه ما زال ، ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهمأً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

قال الراوي (٧٩) : وتقدم سويد بن عمر بن أبي المطاع (٨٠) ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتى

____________

(٧٨) ع : ونلحق بإخواننا بلى.

(٧٩) الراوي ، لم يرد في ر.

(٨٠) هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي ، ذكر في عدة مصادر ، كان شريفاً كثير الصلاة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا مع الحسين وقتل بعد مقتل الحسين عليه‌السلام ، فكان آخر قتيل ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، والخثعمي : خثعم بن أنمار بن أراش ، من القحطانية.

رجال الشيخ : ٧٤ ، المناقب ٤ / ١٠٢ وفيه : عمرو بن أبي المطاع الجعفي ، البحار ٤٥ / ٢٤ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٤ وفيه : سويد بن عمرو بن المطاع ، أنصار الحسين : ٩١ ـ ٩٢.

١٦٥

سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، ولم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج من خفه سكيناً ، وجعل يقاتلهم بها حتى قتل ، رضوان الله عليه.

قال : وجعل أصحاب الحسين عليه‌السلام يقاتلون (٨١) بين يديه ، وكانوا كما قيل :

قومٌ إذ نودوا لدفع ملمة

والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا

يتهافتون على ذهاب الأنفس

فلما لم يبق معه إلا أهل بيته ، خرج علي بن الحسين عليه‌السلام ـ وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ـ فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له.

ثم نظر إليه نظرة آيسٍ منه ، وأرخى عليه‌السلام عينيه وبكى.

ثم قال : « اللهم اشهد ، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه ».

فصاح وقال : « يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي (٨٢) ».

فتقدم عليه‌السلامنحو القوم ، فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً.

ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبه ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل؟

فبكى الحسين عليه‌السلام وقال : « واغوثاه يا بني ، من أين آتي بالماء قاتل قليلاً ، فما أسرع ما تلقى جدك محمداً عليه‌السلام ، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظلمأ بعدها (٨٣) ».

____________

(٨١) ع : يسارعون إلى القتل.

(٨٢) من قوله : وكنا إذا اشتقنا ... إلى هنا ، لم يرد في ر ، وورد في ع.

(٨٣) ع : بعدها أبداً.

١٦٦

فرجع عليه‌السلامإلى موقف النزال ، وقاتل أعظم القتال ، فرماه منقذ بن مرة العبدي (٨٤) بسهمٍ فصرعه ، فنادى : يا أبتاه عليك مني (٨٥) السلام ، هذا جدي يقرؤك السلام ويقول لك : عجل القدوم علينا ، ثم شهق شهقة فمات.

فجاء الحسين عليه‌السلام(٨٦) حتى وقف عليه ، ووضع خده على خده (٨٧) وقال : « قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على الدنيا بعدك العفاء ».

قال الراوي (٨٨) : وخرجت زينب ابنت علي تنادي : يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فأكبت عليه.

فجاء الحسين عليه‌السلام فأخذها وردها إلى النساء.

ثم جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل ، حتى قتل القوم منهم جماعة ، فصاح الحسين عليه‌السلام في تلك الحال : صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي صبراً ، فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

قال الراوي (٨٩) : وخرج غلام (٩٠) كأن وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل ،

____________

(٨٤) كذا في النسخ ، ولكن في تاريخ الطبري ٦ / ٦٢٥ والكامل ٤ / ٣٠ والأخبار الطوال : ٢٥٤ ومقاتل الطالبيين : ٨٤ ورد اسمه هكذا : مره بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي.

لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

(٨٥) مني ، لم يرد في ر.

(٨٦) الحسين ، لم يرد في ر.

(٨٧) ووضع خده على خده ، لم يرد في ر.

(٨٨) الراوي ، لم يرد في ر.

(٨٩) الراوي ، لم يرد في ر.

(٩٠) هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أخو أبي بكر بن الحسن لأبيه وأمه المقتول قبله.

مقاتل الطالبيين : ٥٠.

١٦٧

فضربه ابن فضيل الأزدي (٩١) على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عماه.

فجلى الحسين عليه‌السلام كما يجلي الصقر ، وشد شدة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتقاها بساعده فأطنها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، فحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك.

قال : وانجلت الغبرة ، فرأيت الحسين عليه‌السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجله ، والحسين عليه اللسلام يقول : « بعداً لقومٍ قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك (٩٢) ».

ثم قال : « عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوته ، هذا يوم والله (٩٣) كثر واتره وقل ناصره ».

ثم حمل الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

قال : ولما رأى الحسين عليه‌السلام مصارع فتيانه وأحبته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى : « هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟ هل من موحدٍ يخاف الله فينا؟ هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معينٍ يرجو ما عند الله في إعانتنا؟ ».

فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب : « ناوليني ولدي الصغير (٩٤) حتى أودعه » ، فأخذه وأومأ إليه ليقبله ، فرماه

____________

(٩١) في مقاتل الطالبيين : ٨٨ ذكر اسمه : عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.

(٩٢) ع : جدك وأبوك.

(٩٣) ر : فلا ينفعك صوت والله.

(٩٤) هو عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس ،

١٦٨

حرملة بن الكاهل (٩٥) بسهم ، فوقع في نحره فذبحه ، فقال لزينب : « خذيه ».

ثم تلقى الدم بكفيه حتى امتلأتا ، ورمى بالدم نحو السماء وقال : « هون علي ما نزل بي ، إنه بعين الله ».

قال الباقر عليه‌السلام : « فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض ».

وروي من طرق أخرى ، وهي أقرب إلى العقل ، لأن الحال ما كان وقت توديع للصبي ، لاشتغالهم بالحرب والقتل ، وإنما زينب أخته عليها‌السلام أخرجت الصبي وقالت : يا أخي ، هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء ، فاطلب له شربة ماء.

فأخذه على يده وقال : « يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي ، وقد بقي هذا الطفل يتلظى عطشاً ، فاسقوه شربةً من الماء ».

فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه.

فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره (٩٦).

__________________

وفي اسم قاتله اختلاف ، فقيل : حرملة ، وقيل عقبة بن بشر.

مقاتل الطالبيين : ٨٩ ـ ٩٠.

(٩٥) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

ولما قبض على حرملة ورآه المختار ، بكى المختار وقال : يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته ، يا عدو الله ، أما علمت أنه ولد النبي ، فأمر به فجعلوه مرمى ، فرمي بالنشاب حتى مات.

وقيل : إنه لما نظر المختار إلى حرملة قال : الحمد الله الذي مكنني منك يا عدو الله ، ثم أحضر الجزار فقال له : اقطع يديه ورجليه ، فقطعها ، ثم قال : علي بالنار ، فاحضرت بين يديه ، فأخذ قضيباً من حديد وجعله في النار حتى احمر ثم ابيضٌ ، فوضعه على رقبته ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته.

حكاية المختار : ٥٥ و ٥٩.

(٩٦) من قوله : وروي من طرق أخرى ... إلى هنا ، لم يرد في ع.

١٦٩

قال الراوي (٩٧) : واشتد العطش بالحسين عليه‌السلام ، فركب المسناة يريد الفرات ، والعباس أخوه بين يديه ، فاعترضتهما خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه‌السلام بسهمٍ فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع صلوات الله عليه السهم وبسط يده تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم (٩٨) ، ثم رمى به وقال : « اللهم إني أشكوه إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ».

ثم اقتطعوا العباس عنه ، وأحاطوا به من كل جانب ومكان ، حتى قتلوه قدس الله روحه (٩٩) ، فبكى الحسين عليه‌السلام بكاءً شديداً. وفي ذلك يقول الشاعر :

أحق الناس أن يبكى عليه

فتىً أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده علي

أبو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

وجادله على عطش بماء

قال الراوي (١٠٠) : ثم أن الحسين عليه‌السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كل من برز اليه ، حتى قتل مقتلة عظيمة ، وهو في ذلك يقول :

« القتل أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار »

قال بعض الرواة : والله ما رأيت مكثوراً (١٠١) قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه (١٠٢) أربط جأشاً منه ، وإن الرجال كانت لتشد عليه فيشد عليها

____________

(٩٧) الراوي ، لم يرد في ر.

(٩٨) ر : راحته دماً.

(٩٩) جاء بعد قوله قدس الله روحه في نسخة ب : وكان المتولي لقتله زيدبن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي.

(١٠٠) الراوي ، لم يرد في ر.

(١٠١) ر : مكسورا.

(١٠٢) ب : وصحبه.

١٧٠

بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكملوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه (١٠٣) وهو يقول : « لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ».

قال الراوي (١٠٤) : ولم يزل عليه‌السلام يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله.

فصاح بهم : « ويحكم (١٠٥) يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه (١٠٦) وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون ».

قال : فناداه (١٠٧) شمر : ما تقول يابن فاطمة؟

قال : « أقول : أنا الذي أقتاتلكم (١٠٨) وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا أعتاتكم وجهالكم وطغاتكم (١٠٩) من التعرض لحرمي ما دمت حياً ».

فقال شمر : لك ذلك يا بن فاطمة.

وقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو مع ذلك (١١٠)

____________

(١٠٣) ر : معسكره.

(١٠٤) الراوي ، لم يرد في ر.

(١٠٥) ر. ع : فصاح عليه‌السلام ويلكم.

(١٠٦) هذه ، لم يرد في ب.

(١٠٧) ب : إذ كنتم أعراباً فناداه.

(١٠٨) كذا في ب. وفي ر : قال إني أقاتلكم.

(١٠٩) وجهالكم وطغاتكم ، لم يرد في ب.

(١١٠) ب : فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفؤ كريم ، قال فقصده القول وهو في ذلك.

١٧١

يطلب شربة من ماء (١١١) فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة.

فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر ، فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه ، فقال عليه‌السلام : « بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم إنك (١١٢) تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي (١١٣) غيره ».

ثم أخذ السهم ، فأخرجه من وراء ظهره (١١٤) ، فانبعث الدم كأنه ميزاب ، فضعف عن القتال (١١٥) ووقف ، فكلما (١١٦) أتاه رجل انصرف عنه ، كراهية أن يلقى الله بدمه.

حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر (١١٧) لعنه الله ، فشتم الحسين وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه وامتلأ البرنس دماً.

قال الراوي (١١٨) : فاستدعى الحسين عليه‌السلام بخرقة ، فشد بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم عليها.

__________________

(١١١) ب : فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم ، حتى أحلوه عنه.

(١١٢) ع : الهي أنت.

(١١٣) ر : نبيك.

(١١٤) ظهره ، ولم يرد في ر.

(١١٥) عن القتال ، لم يرد في ر.

(١١٦) ر : وكلما.

(١١٧) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

(١١٨) الراوي ، لم يرد في ر.

١٧٢

فلبثوا هنيئة ، ثم عادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج عبد الله بن الحسن بن علي (١١٩) ـ وهوغلام لم يراهق ـ من عند النساء ، فشهد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه‌السلام ، فلحقته زينب ابنت علي لتحبسه (١٢٠) ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال : والله (١٢١) لا أفارق عمي.

فأهوى بحر بن كعب (١٢٢) ـ وقيل : حرملة بن الكاهل ـ إلى الحسين بالسيف.

فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة أتتقل عمي.

فضربه بالسيف ، فاتقاها الغلام بيده ، فاطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلقة.

فنادى الغلام : يا عماه (١٢٣).

فأخذه الحسين عليه‌السلام فضمه إليه وقال : « يا بن أخي ، إصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين ».

قال : فرمه حرملة بن الكاهل لاعنه الله بسهم ، فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه‌السلام.

ثم أن شمربن ذي الجوشن لعنه الله حمل على فسطاط الحسين عليه‌السلام فطعنه

____________

(١١٩) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ، وقيل : أمه أم ولد ، وقيل : الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة.

تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٠ ، مقاتل الطالبيين : ٨٩ ، رجال الشيخ : ٧٦ ، أنصار الحسين : ١٣٢.

(١٢٠) ب : فقال الحسين عليه‌السلام : احبسيه يا أختي.

(١٢١) ب. ع : لا والله.

(١٢٢) ب : أبجر بن كعب.

لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

ويأتي أنه أخذ سراويل الإمام الحسين عليه السلام.

(١٢٣) ب. ع : يا أماه.

١٧٣

بالرمح ، ثم قال : علي بالنار أحرقه على من فيه.

فقال له الحسين عليه‌السلام : « يابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي ، أحرقك الله بالنار ».

وجاء شبث فوبخه ، فاستحى وانصرف.

قال الراوي (١٢٤) : وقال الحسين عليه‌السلام : « إيتوني بثوب (١٢٥) لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي ، لئلا أجرد منه ».

فأتي بتبان ، فقال : « لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ».

فأخذ ثوبا خلقاً ، فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه عليه‌السلام.

ثم استدعى عليه‌السلام بسراويل من حبرة ، ففرزها ولبسها ، وإنما فرزها لئلا يسلبها ، فلما قتل سلبها بحر بن كعب لعنه الله وترك الحسين عليه‌السلام مجرداً (١٢٦) ، فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان (١٢٧) في الصيف كأنهما عودان يابسان وتترطبان في الشتاء فتنضحان قيحاً ودماً ، إلى أن أهلكه الله تعالى.

قال : ولما أثخن الحسين عليه‌السلام بالجراح ، وبقي (١٢٨) كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المزني (١٢٩) لعنه الله على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه (١٣٠).

____________

(١٢٤) الراوي ، من.

(١٢٥) ب : ابعثوا إلي ثوباً. ع : ابغوا لي ثوباً.

(١٢٦) ب : سلبها أبجر بن كعب وتركه مجرداً.

(١٢٧) ر : يدا بحر تيبسان. ب : يد أبجر بعد ذلك ييبسان.

(١٢٨) ر : فبقى.

(١٢٩) في مستدركات علم الرجال ٤ / ٢٤٨ : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون.

(١٣٠) ع : ... على خده الأيمن وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ثم قام صلوات الله عليه.

١٧٤

قال الراوي (١٣١) : وخرجت زينب من باب االفسطاط (١٣٢) وهي تنادي : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء انطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل.

قال : وصاح شمر باصحابه : ما تنتظرون بالرجل.

قال : فحملوا عليه من كل جانب.

فضربه زرعة بن شريك (١٣٣) لعنه الله على كتفه اليسرى ، فضرب الحسين عليه‌السلامزرعة فصرعه.

وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه‌السلام بها على وجهه (١٣٤) ، وكان قد أعيى ، فجعل عليه‌السلام ينوء ويكبو.

فطعنه سنان بن أنس النخعي (١٣٥) لعنه الله في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني (١٣٦) صدره.

ثم رماه سنان أيضاً بسهم ، فوقع السهم في نحره ، فسقط عليه‌السلام ، وجلس قاعداً ،

__________________

(١٣١) الراوي ، من ع.

(١٣٢) ب : من الفسطاط.

(١٣٣) بن شريك ، لم يرد في ر.

في مستدركات علم الرجال ٣ / ٤٢٦ : زرعة بن شريك التميمي ، لم يذكروه ، وهو ملعون خبيث.

(١٣٤) ب. ع : لوجهه.

(١٣٥) في مستدركات علم الرجال ٤ / ١٦١ : سنان بن أنس ، قاتل مولانا الحسين صلوات الله عليه ، قيل : قتله ابن زياد حين قال : قتلت خير الناس أماً وأباً ، والمشهور أنه قتله المختار.

وفي كتاب حكاية المختار : ٤٥ أن ابراهيم قال لسنان عندما قبض عليه : يا ويلك أصدقني ما فعلت يوم الطف؟ قال : ما فعلت شيئاً غير أني أخذت تكة الحسين من سرواله!!! فبكى إبراهيم عند ذلك ، فجعل يشرح لحم أفخاذه ويشويها علىنصف نضاجها ويطعمه إياه ، وكلما امتنع من الأكل ينخزه بالخنجر ، فلما أشرف على الموت ذبحه وأحرق جثته.

(١٣٦) ر : نواني ، والمثبت من ب. ع.

١٧٥

فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعاً (١٣٧) ، وكلما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : « هكذا ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً على حقي ».

فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : إنزل ويحك إلى الحسين فأرحه.

فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي (١٣٨) ليحتز رأسه ، فأرعد.

فنزل إليه سنان بن أنس النخعي لعنه الله فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأحتز (١٣٩) رأسك وأعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أباً وأماً!!! ثم احتز رأسه الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله (١٤٠).

وفي ذلك يقول الشاعر :

فأي رزية عدلت حسيناً

غداة تبيره كفا سنان

وروي : أن سناناً هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ، ثم قطع يديه ورجليه ، وأغلى (١٤١) له قدراً فيها زيت ، ورماه فيها وهو يضطرب.

وروى أبوطاهر محمد بن الحسين البرسي في كتابه معالم الدين (١٤٢) ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « لما كان من أمر الحسين ما كان ، ضجت الملائكة وقالوا : يا ربنا (١٤٣) هذا الحسين صفيك وابن صفيك وابن بنت نبيك.

____________

(١٣٧) جميعاً ، لم يرد في ر.

(١٣٨) في مستدركات علم الرجال ٣ / ٣٤٤ : خولي بن يزيد الأصبحي ، من قتلة أبي عبد الله عليه‌السلام ، قتله المختار.

(١٣٩) ب. ع : لا جتز.

(١٤٠) ب : رأسه المقدس المعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكرم.

(١٤١) ر : وغلا.

(١٤٢) قال الشيخ الطهراني في الذريعة ٢١ / ١٩٨ : معالم الدين ، للشيخ المتقدم أبي طاهر محمد بن الحسن القرسي ( البرسي ) ، يروي عنه السيد في اللهوف ... ويروي عنه في الإقبال ...

(١٤٣) ع : ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت يا رب.

١٧٦

قال : فأقام الله ظل القائم عليه‌السلام وقال : بهذا أنتقم لهذا ».

قال الراوي : وارتفعت (١٤٤) في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثم انجلت عنهم.

وروى هلال بن نافع قال : إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا شمر قد قتل الحسين عليه‌السلام.

قال : فخرجت بين الصفين ، فوقفت عليه ، فإنه ليوجد بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله.

فاستسقى في تلك الحال ماءً ، فسمعت رجلاً يقول له : والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها!!!

فقال له الحسين عليه‌السلام : « لا ، بل (١٤٥) أرد على جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ».

قال : فغضبوا بأجمعهم ، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً ، فاحتزوا رأسه وإنه ليكلمهم ، فعجبت من قلة رحمتهم وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً.

قال : ثم أقبلوا على سلب الحسين عليه‌السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوبة

____________

(١٤٤) ب : فلما قتل صلوات الله عليه ، وأرتفت.

ولفظ : الراوي ، لم يرد في ر. ب.

(١٤٥) ع : فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : يا ويلك أنا لا أرد الحامية ولا أشرب من حميمها بل.

١٧٧

الحضرمي (١٤٦) لعنه الله ، فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره.

وروي : أنه وجد في قميصه عليه‌السلام ماءة وبضع عشرة ما بين رمية وضربه وطعنه.

قال الصادق عليه‌السلام : « وجد بالحسين عليه‌السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ».

وأخذ سراويله بحر بن كعب التيمي لعنه الله ، وروي : أنه صار زمناً مقعداً من رجليه.

وأخذ عمامته اخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي (١٤٧) لعنه الله ، وقيل : جابر ابن يزيد الأودي (١٤٨) لعنه الله ، فاعتم بها فصار معتوهاً.

وأخذ نعليه الأسود بن خالد (١٤٩).

وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي (١٥٠) لعنه الله ، فقطع إصبعه عليه‌السلام مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك.

وأخذ قطيفة له عليه‌السلام كانت من خز قيس بن الأشعث (١٥١) لعنه الله.

__________________

(١٤٦) ع : حوية.

ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا بخيولهم ظهر الحسين عليه السلام ، وهو ابن زنا.

(١٤٧) وفي بعض النسخ : اخنس بن مرتد.

ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم ، حتى رضوا ظهره وصدره ، وهو من أولاد الزنا.

(١٤٨) في مستدركات علم الرجال ٢ / ١٠٥ : جابر بن يزيد الأودي ، لم يذكروه ، وهو مذموم ملعون ...

(١٤٩) ذكر في ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : ١٨٧ باسم الأسود بن خالد الأودي.

وهو خبيث ملعون.

(١٥٠) ر : نجدل.

في مستدركات علم الرجال ٢ / ٥ : بجدل بن سليم الكلبي ، خبيث ملعون ، قتله المختار.

(١٥١) في ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : ١٨٧ : وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس

١٧٨

أخذ درعه البتراء عمر بن سعد لعنه الله ، فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة (١٥٢) قاتله.

وأخذ سيفه جميع بن الخلق الاودي (١٥٣) ، وقيل : رجل من بني تميم يقال له الأسود بن حنظلة (١٥٤) لعنه الله.

وفي رواية ابن سعد (١٥٥) أنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي (١٥٦) ، وزاد محمد بن زكريا (١٥٧) : أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل (١٥٨).

وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار : فإن ذلك كان مذخوراً ومصونا مع

__________________

الكندي ، فكان يقال له : قيس قطيفة.

لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

(١٥٢) لم يذكروه.

(١٥٣) ب : الأزدي.

وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : ١٨٧ : وأخذ سيفاً آخر جميع بن الخلق الأودي.

لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

(١٥٤) لم يذكروه وهو خبيث ملعون.

(١٥٥) ر : ابن سعيد. ع : ابن أبي سعد. والمثبت من ب ، وهو الصحيح ، لأن المراد به محمد بن سعد بن منيع البصري ، المتوفى سنة ٢٣٠ هـ ، صاحب كتاب الطبقات الكبرى الذي طبع ناقصاً ، ومن أماكن نقصه ترجمة الإمام الحسين ، وطبعت ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات في مجلة تراثنا العدد ١٠ بتحقيق العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي.

وما نقله هنا عن ابن سعد تجده في تراثنا ١٠ / ١٨٧.

(١٥٦) ر : القلاقس. ب : القلافس. والمثبت من ع ، وترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : ١٨٧.

(١٥٧) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي ، كان وجهاً من وجوه أصحابنا بالبصرة ، توفي سنة ٢٩٨ هـ ، له كتاب مقتل الحسين عليه‌السلام.

رجال النجاشي : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، الفهرست للنديم : ١٢١ ، تنقيح المقال ٣ / ١١٧.

(١٥٨) لم أهتد إلى من ذكر بنت حبيب بن بديل ، وحبيب بن بديل هو من رواة حديث الولاية.

راجع : الغدير ١ / ٢٥ ، أسد الغابة ١ / ٤٤١.

١٧٩

أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة ، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه.

قال الراوي (١٥٩) : وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه‌السلام.

فقال لها رجل : يا أمة الله إن سيدك قتل.

قالت الجارية : فاسرعت الى سيداتي وأنا اصيح ، فقمن في وجهي وصحن.

قال : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول ، حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها ، وخرج بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة (١٦٠) والأحباء.

فروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بني بكر (١٦١) بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه‌السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله؟!! لا حكم إلا لله ، يالثارات رسول الله ، فأخذها زوجها فردها إلى رحله.

قال الراوي : ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة.

وقلن : بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين ، فلما نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن.

قال : فوالله لا أنسى زينب ابنت علي وهي تندب الحسين عليه‌السلام وتنادي بصوت

____________

(١٥٩) الراوي ، من ع.

(١٦٠) ر : الأكماة.

(١٦١) ب : من بكر.

١٨٠