الملهوف على قتلى الطّفوف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الملهوف على قتلى الطّفوف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

واحسيناه واضيعتاه بعدك يا أبا عبدالله.

قال : فعزاها الحسين عليه‌السلام وقال لها : « يا أختاه تعزي بعزاء الله ، فإن سكان السموات يموتون ، وأهل الأرض لا يبقون ، وجميع البرية يهلكون ».

ثم قال : « يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية (٢٢٢) ، وأنت يا فاطمة (٢٢٣) ، وأنت يا رباب (٢٢٤) ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن علي هجراً ».

وروي من طريق آخر : أن زينب لما سمعت الأبيات ـ وكانت في موضع منفرد عنه مع النساء والبنات ـ خرجت حاسرة تجر ثوبها ، حتى وقفت عليه وقالت :

__________________

عند المؤرخين بينهما وبين أختها زينب الكبرى ، لاتحادهما في الكنية.

راجع من مصادر ترجمتها : أجوبة المسائل السروية : ٢٢٦ ، الاستغاثة : ٩٠ ، الاستيعاب ٤ / ٤٩٠ ، أسد الغابة ٥ / ٦١٤ ، أعلام النساء المؤمنات : ١٨١ ـ ٢٢٠ ، وذكر فيه الكثير من مصادر ترجمتها.

(٢٢٢) لم يذكرها المؤرخون ، وذكرها السيد الأمين في الأعيان ٧ / ٣٤ قائلا : ينسب لها قبر ومشهد مزور بمحلة العمارة من دمشق ، الله أعلم بصحته ، جدده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في ايران عام ١٣٢٣هـ ...

(٢٢٣) فاطمة بنت الإمام الحسين عليه‌السلام ، تابعية من روايات الحديث ، روت عن جدتها فاطمة مرسلاً وعن أبيها ، حملت إلى الشام مع أختها سكينة وعمتها زينب وأم كلثوم ، قيل : عادت إلى المدينة فتزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي ، ومات عنها فتزوجها عبدالله بن عمرو بن عثمان ، ومات فأبت الزواج إلى أن توفيت سنة ١١٠ هـ.

الطبقات ٨ / ٣٤٧ ، مقاتل الطالبيين : ١١٩ و ١٢٠ و ٢٠٢ و ٢٣٧ ، الأعلام ٥ / ١٣٠.

(٢٢٤) الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، زوجة الحسين السبط الشهيد ، كانت معه في وقعة كربلاء ، وبعد استشهاده جيء بها مع السبايا إلى الشام ، ثم عادت إلى المدينة ، فخطبها الأشراف ، فأبت ، وبقيت بعد الحسين سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وكانت شاعرة لها رثاء في الحسين عليه‌السلام.

المحبر ٣ / ١٣ ، أعلام النساء ١ / ٣٧٨ ، الأعلام النساء ١ / ٣٧٨ ، الأعلام ١ / ٣٧٨.

١٤١

واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء ، وأبي علي المرتضى ، وأخي الحسن الزكي ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.

فنظر الحسين عليه‌السلامإليها وقال : « يا أختاه لا يذهبن حلمك ».

فقال : بأبي أنت وأمي أستقتل؟! نفسي لك الفداء.

فرد غصته وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : « هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلاً لنام ».

فقالت : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها.

فقام عليه‌السلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ، ثم عزاها عليه‌السلام بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين.

ومما يمكن أن يكون سبباً لحمل الحسين عليه‌السلام لحرمه معه ولعياله : أنه لو تركهن بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية لعنه الله أرسل من أخذهن إليه ، وصنع بهن من الإستيصال وسوء الأعمال ما يمنع الحسين عليه‌السلام من الجهاد والشهادة ، ويمتنع عليه‌السلام ـ بأخذ يزيد بن معاوية لهن ـ عن مقام السعادة.

١٤٢

المسلك الثاني

في وصف حال (١) القتال

وما يقرب من تلك الحال

__________________

(١) حال ، لم يرد في ر.

١٤٣

١٤٤

قال الراوي (٢) : وندب عبيدالله بن زياد أصحابه إلى قتال الحسين عليه‌السلام ، فاتبعوه ، واستخف قومه فأطاعوه ، واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه إلى ولاية الحرب فلباه ، وخرج لقتال الحسين عليه‌السلام في أربعة (٣) آلاف فارس ، وأتبعه ابن زياد بالعساكر ، حتى تكاملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم عشرون ألفاً ، فضيق على الحسين عليه‌السلامحتى نال منه (٤) العطش ومن أصحابه.

فقام عليه‌السلام واتكى على قائم (٥) سيفه ونادى بأعلى صوته ، فقال : « أنشدكم الله هل تعرفونني؟ »

قالوا : اللهم نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة ابنت محمد؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب؟ »

__________________

(٢) الراوي ، لم يرد في ر.

(٣) أربعة ، لم يرد في ر.

(٤) ر : من.

(٥) قائم ، لم يرد في ر.

١٤٥

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد (٦) أول نساء هذه الأمة إسلاماً؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة (٧) سيد الشهداء عم أبي؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار (٨) في الجنة عمي؟ »

__________________

(٦) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى ، من قريش زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأولى ، وكانت أسن منه ، بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوة ، دعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاسلام ، فكانت أول نساء هذه الأمة إسلاماً ، وكانت تصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سراً ، توفيت خديجة بمكة لثلاث سنين قبل الهجرة.

الطبقات الكبرى ٨ / ٧ ـ ١١ ، الإصابة قسم النساء ، صفة الصفة ٢ / ٢ ، تاريخ الخميس ١ / ٣٠١ ، الأعلام ٢ / ٣٠٢.

(٧) حمزة ، لم يرد في ر.

وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو عمارة ، سيد الشهداء ، استشهد سنة ٣ هـ ، عم النبي صلى الله عليه وآله ، أحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والاسلام ، هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، حضر وقعة بدر وغيرها ، قتل يوم أحد ودفن في المدينة.

تاريخ الاسلام ١ / ٩٩ ، صفة الصفوة ١ / ١٤٤ ، الأعلام ٢ / ٢٧٨.

(٨) جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، يكنى أبا عبدالله ، صحابي هاشمي من شجعانهم ، أول قتيل من الطالبيين في الإسلام ، ويكنى أبا المساكين أيضاً ، وجعفر هو الثالث من ولد أبيه بعد طالب وعقيل ، وبعد جعفر علي عليه‌السلام ، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، استشهد سنة ٨ هـ ، حضر وقعة مؤتة ، فنزل عن فرسه وقاتل ، ثم حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية باليسرى ، فقطعت أيضاً ، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيداً وفي جسمه نحو تسعين

١٤٦

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا متقلده؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا لا بسها؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً عليه‌السلام كان أول الناس إسلاماً وأجزلهم (٩) علماً وأعظمهم حلماً وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « فبم تستحلون دمي وأبي صلوات الله عليه الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر على الماء ، والواء الحمد بيد أبي يوم القيامة؟!! »

قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً!!!

فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن (١٠) وارتفعت أصواتهن.

__________________

طعنة ورمية.

مقاتل الطالبيين ٦ / ١٨ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٥٥ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٩٨ ، أسد الغابة ١ / ٢٨٦ ، الإصابة ١ / ٢٣٧ ، الطبقات الكبرى ٤ / ٢٢ ، حلية الأولياء ١ / ١١٤ ، صفوة الصفوة ١ / ٢٠٥ ، الأعلام ٢ / ١٢٥.

(٩) ع : كان أول القوم إسلاماً وأعلمهم.

(١٠) وندبن ولطمن ، لم يرد في ر.

١٤٧

فوجه إليهن أخاه العباس (١١) وعلياً (١٢) ابنه وقال لهما : « سكتاهن فلعمري ليكثرون بكاؤهن ».

قال الراوي (١٣) : وورد كتاب عبيدالله على عمر بن سعد يحثه على القتال وتعجيل النزال ، ويحذره من التأخير والإمهال ، فركبوا نحو الحسين عليه‌السلام.

وأقبل شمر بن ذي الجوشن (١٤) لعنه الله فنادى : أين بنو أختي

____________

(١١) العباس بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد العامري ، وهو أكبر ولدها ، ويكنى أبا الفضل ، كان وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض ، يقال له قمر بني هاشم وهو السقاء ، كان لواء الحسين عليه‌السلام معه يوم قتل ، هو آخر من قتل من اخوته لأمه وأبيه ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل الطائي النبسي ، وكلاهما ابتلي في بدنه.

مقاتل الطالبيين : ٨٤ ـ ٨٥ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٤٩ ، رجال الشيخ : ٧٦ ، أنصار الحسين : ١٣١ وقال : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي.

(١٢) علي بن الحسين الأكبر ، يكنى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، أمه ليلى بنت أبي مرة ( قرة ) بن عروة ( عمرو ) بن مسعود بن مغيث ( معبد ) الثقفي ، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنه كان متزوجاً من أم ولد ، هو أول من قتل من بني هاشم ، طعنه مرة بن منقذ بن النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرة فقطعوه بأسيافهم ، قيل : مولده في خلافة عثمان ، وسماه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر.

مقاتل الطالبيين : ٨ ـ ٨١ ، الطبقات ٥ / ١٥٦ ن تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٠ ، رجال الشيخ : ٧٦ وفيه : علي بن الحسين الأصغر ، نسب قريش : ٥٧ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨٥ ، الأعلام ٤ / ٢٧٧ ، أنصار الحسين : ١٢٩ وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والخوارزمي والمسعودي.

(١٣) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.

(١٤) شمر بن ذي الجوشن ـ واسمه شرحبيل ـ بن قرط الضبابي الكلابي ، ابو السابغة ، من كبار قتلة

١٤٨

عبدالله (١٥) وجعفر (١٦) والعباس وعثمام؟ (١٧).

__________________

ومبغضي الحسين الشهيد عليه‌السلام ، كان في أول أمره من ذوي الرئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة ، وشهد يوم صفين مع علي عليه‌السلام ، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة : اللهم إنك تعلم أني شريف فاغفرلي!!! فقال له : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله؟! فقال : ويحك كيف نصنع ، إن امراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم! ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر؟! ثم أنه لما قام المختار طلب الشمر ، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففجأه جمع من رجال المختار ، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكن منه أبو عمرة فقتله وألقيت جثته للكلاب.

الكامل في التاريخ ٤ / ٩٢ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٤٩ ، لسان الميزان ٣ / ١٥٢ ، جمهرة الأنساب : ٧٢ ، سفينة البحار ١ / ٧١٤ ، الأعلام ٣ / ١٥٧ ـ ١٧٦.

(١٥) عبدالله بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل خمساً وعشرين سنة ، قال له أخوه العباس : تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك ... ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، وقيل : رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم وأجهز عليه رجل من بني تميم.

مقاتل الطالبيين : ٨٢ ، تاريخ الطبري ٦ / ٨٩ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٤٩ ، رجال الشيخ : ٧٦ ، أنصار الحسين : ١٢٩ ـ ١٣٠ وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي.

(١٦) جعفر بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل تسع عشر سنة ، قتله خولي بن يزيد الأصبحي ، وقيل : هاني بن ثبيت الحضرمي.

مقاتل الطالبيين : ٨٣ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٤٩ ، رجال الشيخ : ٧٢ ، أنصار الحسين : ١٣٠ وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي.

(١٧) عثمان بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل إحدى وعشرين سنة ، رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه ، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه ، وعثمان هذا هو الذي روي عن علي عليه‌السلامأنه قال : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ، وفي رواية أخرى عن هبيرة بن مريم قال : كنا جلوساً عند علي عليه‌السلام ، فدعا ابنه عثمان ، فقال له : يا عثمان ، ثم قال : إني لم اسمه باسم عثمان الشيخ الكافر ، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

مقاتل الطالبيين : ٨٤ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٠ ، تقريب المعارف : مخطوط ، أنصار الحسين : ١٣٠ وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والمسعودي والخوارزمي.

١٤٩

فقال الحسين عليه‌السلام : « أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم ».

فقالوا له : ما شأنك؟

فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فناداه العباس بن علي : تبت يداك ولعن ماجئت به من أمانك يا عدو الله ، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء أولاد اللعناء.

فرجع الشمر إلى عسكره مغضباً.

قال الراوي (١٨) : ولما رأى الحسين عليه‌السلامحرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بالوعظ (١٩) والمقال قال لأخيه العباس : « إن استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة ، فانه يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه ».

قال الرواي (٢٠) : فسألهم العباس ذلك ، فتوقف عمر بن سعد ، فقال له عمر (٢١) بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألوا ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد ، فأجابوهم إلى ذلك.

قال الراوي (٢٢) : وجلس الحسين عليه‌السلام فرقد ، ثم استيقظ وقال (٢٣) : « يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي علياً وأمي فاطمة وأخي الحسن

____________

(١٨) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.

(١٩) ع : بمواعظ الفعال.

(٢٠) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.

(٢١) ع : عمرو.

(٢٢) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.

(٢٣) ب : قال ، ع : فقال.

١٥٠

وهم يقولون : يا حسين إنك رائحٌ (٢٤) إلينا عن قريب ».

وفي بعض الروايات : « غداً ».

قال الراوي (٢٥) : فطمت زينب وجهها وصاحت.

فقال لها الحسين عليه‌السلام : « مهلاً ، لا تشمتي (٢٦) القوم بنا ».

ثم جاء الليل ، فجمع الحسين عليه‌السلامأصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أقبل عليهم وقال : « أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ».

فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر (٢٧) : ولم نفعل ذلك ، لنبقي بعدك! لا أرنا الله ذلك أبداً ، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، ثم تابعوه.

قال الراوي (٢٨) : ثم نظر إلى بني عقيل (٢٩) وقال : « حسبكم من القتل

____________

(٢٤) ر : راحلٌ.

(٢٥) قال الراوي : لم يرد في ر. الراوي ، لم يرد في ب.

(٢٦) ر : لا يشمت.

(٢٧) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، صحابي ، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها ، وهو أول من ولد بها من المسلمين ، كان كريماً يسمى بحر الجود ، وللشعراء فيه مدائح ، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين ، توفي بالمدينة سنة ٨٠ هـ ، وقيل : غير ذلك.

الإصابة ترجمة رقم ٤٥٨٢ ، فوات الوفيات ١ / ٢٠٩ ، تهذيب ابن عساكر ٧ / ٣٢٥ ، الأعلام ٤ / ٧٦ ، زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي.

(٢٨) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.

(٢٩) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو يزيد ، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها ، صحابي فصيح اللسان شديد الجواب ، وهو أخو علي وجعفر لأبيها ، وكان أسن

١٥١

بصاحبكم مسلم ، إذهبوا فقد أذنت لكم ».

وروي من طريق آخر قال : فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا (٣٠) وماذا نقول لهم ، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا ، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك.

ثم قام مسلم بن عوسجة (٣١) وقال : نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو ، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك أو أموت دونك.

____________

منهما ، هاجر إلى المدينة سنة ٨ هـ ، عمي في أواخر أيامه ، توفي أول أيام يزيد ، وقيل : في خلافة معاوية.

الإصابة ترجمة رقم ٥٦٣٠ ، البيان والتبيين ١ / ١٧٤ ، الطبقات ٤ / ٢٨ ، التاج ٨ / ٣٠ ، الأعلام ٤ / ٢٤٢.

(٣٠) لنا ، لم يرد في ر.

(٣١) مسلم بن عوسجة الأسدي ، من أبطال العرب في صدر الإسلام ، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى ، كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه‌السلام في الكوفة ، عقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين تحركه القصير الأجل ، كان عند حضوره وقعة كربلاء شيخاً كبير السن ، وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة ، أبدى شبث بن ربعي أسفه لقتله.

رجال الشيخ : ٨٠ ، تاريخ الطبري ٥ / ٤٣٥ و ٣٦٩ ، البحار ٤٥ / ٦٩ ، الأخبار الطوال : ٢٤٩ و ٢٥٠ و ٢٥٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٢٨ ، الأعلام ٧ / ٢٢٢ ، أنصار الحسين : ١٠٨ ، تسمية من قتل مع الحسين : ٥٢ وفيه : مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة قتله مسلم بن عبدالله وعبيدالله بن أبي خشكاره.

١٥٢

قال : وقام سعيد (٣٢) بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك ، فكيف (٣٣) وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!

ثم قام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك.

قال : وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.

وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي (٣٤) في تلك الحال : قد أسر إبنك بثغر الري (٣٥).

____________

(٣٢) ر : سعد.

(٣٣) ع : وكيف لا أفعل.

(٣٤) ب : محمد بن بشير الحضرمي.

وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات ١٨٠ ذكر نص هذا الخبر وذكر اسمه كما هنا ، لكن في تاريخ الطبري ٥ / ٤٤٤ وأنساب الأشراف : ١٩٦ ذكر اسمه بشير بن عمرو ، فلاحظ.

(٣٥) ر : بشعر الروم ، والمثبت من : ب. ع.

والثغر بالفتح ثم السكون : وراء كل موضع قريب من أرض العدو ، كأنه مأخوذ من الثغرة التي هي في الحائط.

والري : مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن ، كثيرة الفواكه والخيرات ، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً.

معجم البلدان ٢ / ٧٩ و ٣ / ١١٦.

١٥٣

فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده.

فسمع الحسين عليه‌السلام قوله فقال : « رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ».

فقال : أكلتني السباع حياً إن فارقتك.

قال : فأعط إبنك هذه البرود (٣٦) يستعين بها في فكاك أخيه.

فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال الراوي (٣٧) : وبات الحسين عليه‌السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (٣٨).

قال (٣٩) : فلما كان الغداة أمر الحسين عليه‌السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة (٤٠) ، ثم دخل ليطلي.

فروي : أن برير بن حصين (٤١) الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربه

____________

(٣٦) البرد بالضم فالسكون : ثوب مخطط ، وقد يقال لغير المخطط أيضاً ، وجمعه برود وأبرد ، ومنه الحديث : الكفن يكون برداً ...

مجمع البحرين ٣ / ١٣.

(٣٧) الراوي ، لم يرد في ر.

(٣٨) في نسخة ع جاء بعد قوله اثنان وثلاثون رجلاً :

وكذا كانت سجية الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته ، وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال : قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام : ما أقل ولد أبيك؟ فقال : العجب كيف ولدت له ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء.

(٣٩) قال ، لم يرد في ر.

(٤٠) ر : وأمر بحفية فيها مسك كبير وجعل عندها نورة. والمثبت من ب. ع.

(٤١) ب. ع. خضير ، وفي حاشية ر : حضير خ ل.

١٥٤

الأنصاري (٤٢) وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن.

فقال له عبدالرحمن : يا برير أتضحك! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل.

فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثم نعانق الحور العين.

قال الراوي (٤٣) : وركب أصحاب عمر بن سعد ، فبعث الحسين عليه‌السلام برير بن حصين (٤٤) فوعظهم فلم يسمعوا وذكرهم (٤٥) فلم ينتفعوا.

فركب الحسين عليه‌السلامناقته ـ وقيل : فرسه ـ فاستنصتهم فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :

« تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً (٤٦) حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علنا سيفاً لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتد حناها

____________

(٤٢) ر : عبد الرحمن عبد ربه. والمثبت من ب. ع.

وهو عبدالرحمن بن عبد ربه ـ رب ـ الأنصاري من بني سالم بن الخزرج ، كان أمير المؤمنين عليه السلام رباه وعلم القرآن ، أحد الذين كانوا يأخذون البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة ، ويبدو أنه كان من إحدى الشخصيات البارزة.

تاريخ الطبري ٥ / ٤٢٣ ، رجال الشيخ : ٧٦ ـ ٧٧ ، تسمية من قتل مع الحسين : ١٥٣ ، البحار ٤٥ / ١ ، أنصار الحسين : ٩٧.

(٤٣) الراوي ، لم يرد في ر.

(٤٤) ع : خضير. حاشية ر : حضير.

(٤٥) ب : ومذكرهم.

(٤٦) ر : وبرحاً.

١٥٥

على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم أولياء (٤٧) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه (٤٨) فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم.

فهلا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ والجأش ضامرٌ والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطير الدبا ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.

فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشرار (٤٩) الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ، ونفثة (٥٠) الشيطان ، ومطفئ السنن.

أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون؟!

أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشحت عليه (٥١) أصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث شجاً (٥٢) للناظر وأكلة للغاصب.

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة ، والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية : من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ».

__________________

(٤٧) ع : ألباً.

(٤٨) ر : أفشوا.

(٤٩) ع : وشذاذ.

(٥٠) في حاشية ر : وفئة خ.

(٥١) ع : وشجت إليه.

(٥٢) ع : ثمر شجاً.

١٥٦

ثم أوصل (٥٣) كلامه عليه‌السلام بأبيات فروة بن مسيك المرادي (٥٤) :

« فإن نهزم فهزامن قدما

وإن نغلب فغير مغلبينا

وما أن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

إذا ما الموت رفع عن أناس

كلاكله أناخ بآخرينا

فأفنى ذلك سروات قومي

كما أفنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك إذاً خلدنا

ولو بقي الكرام إذاً بقينا

فقل للشامتين بنا : أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا »

ثم قال : « أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى يدور بكم دور الرحى ويقلق بكم قلق المحور عهدٌ عهده إلي أبي عن جدي ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ، ثم اقضو إلي ولا تنظرون.

إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم.

اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسومهم كأساً (٥٥) مصبرةٌ ، فإنهم كذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير ».

__________________

(٥٣) ر : وصل.

(٥٤) فروة بن مسيك أو مسيكة بن الحارث بن سلمة الغطيفي المرادي ، أبو عمرو ، صحابي ، من الولاة ، له شعر ، وهو من اليمن ، كان موالياً لملوك كندة في الجاهلية ، رحل إلى مكة سنة تسع أو عشر وأسلم ، سكن الكوفة في أواخر أعوامه ، مات سنة ٣٠ هـ.

الطبقات ١ / ٦٣ ، الإصابة ترجمة رقم ٦٩٨٣ ، رغبة الآمل ٤ / ١٠ ، الأعلام ٥ / ١٤٣.

(٥٥) ر : كأس.

١٥٧

ثم نزل عليه‌السلام ودعا بفرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المرتجز ، فركبه وعبى أصحابه للقتال.

فروي عن الباقر عليه‌السلام : « أنهم كانوا خمسة وأربعين فارساً وماءة راجل ».

وروي غير ذلك.

قال الراوي (٥٦) : فتقدم عمر بن سعد ورمى نحو عسكر الحسين عليه‌السلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير : أني أول من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر.

فقال عليه‌السلام لأصحابه : « قوموا رحمكم الله إلى الموت ، إلى الموت الذي لابد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم (٥٧) ».

فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةَ ، حتى قتل من أصحاب الحسين عليه‌السلامجماعة.

قال (٥٨) : فعندها ضرب الحسين عليه‌السلام يده (٥٩) على لحيته وجعل يقول : « اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم.

أما والله لا اجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي ».

وروي عن مولانا الصادق عليه‌السلامأنه قال : « سمعت أبي يقول : لما التقى

____________

(٥٦) قال الراوي ، لم يرد في ر.

(٥٧) إليكم ، لم يرد في ر. وفي حاشية رجاء لفظ : المةت خ ، بدلاً من لفظ القوم.

(٥٨) قال ، لم يرد في ر.

(٥٩) ر : بيده.

١٥٨

الحسين عليه‌السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب على ساق ، أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه‌السلامثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء ربه (٦٠) ، فاختار لقاء ربه (٦١) ».

قال الراوي : ثم صاح الحسين عليه‌السلام : « أما من مغيثٍ يغيثنا لوجه الله ، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ».

قال : فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل على عمر بن سعد ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل؟

فقال : إي والله قتالاً أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال : فمضى (٦٢) الحر ووقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الإفكل.

فقال له المهاجر بن أوس (٦٣) : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك؟

فقال : إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وأحرقت.

____________

(٦٠) ب : الله تعالى.

(٦١) ب : الله تعالى.

وجاء بعد هذا في ع : رواها أبو طاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب معالم الدين. ولم ترد هذه العبارة في ر. ب.

(٦٢) ر : فمر.

(٦٣) لم يذكروه.

وفي كتاب تسمية من قتل مع الامام الحسين : ١٥٥ ، ذكر من جملة شهداء الاصحاب المهاجر ابن أوس من بجيلة.

ولا أعلم هل المهاجر بن اوس اثنان؟ أم واحد كان في عسكر ابن سعد ثم التحق بمعسكر الامام الحسين واستشهد معه؟

١٥٩

ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه‌السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهم إني تبت إليك فتب علي ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك.

وقال للحسين : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، والله ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله ، فهل ترى لي من توبة؟

فقال الحسين عليه‌السلام : « نعم يتوب الله عليك فانزل ».

فقال : أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً ، وإلى النزول يؤول آخر أمري.

ثم قال : فإذا كنت أول من خرج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك ، لعلي أكون ممن يصافح جدك محمداً غداً في القيامة.

قال جامع الكتاب : إنما أراد أول قتيل من الآن ، لأن جماعة قتلوا قبله كما ورد.

فأذن له ، فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثم استشهد ، فحمل إلى الحسين عليه‌السلام ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : « أنت الحر كما سمتك أمك ، حر في الدنيا وحر الآخرة ».

قال الراوي (٦٤) : وخرج برير بن خضير (٦٥) ، وكان زاهداً عابداً ، فخرج إليه يزيد بن معقل (٦٦) واتفقا على المباهلة إلى الله : في أن يقتل المحق منهما المبطل ، فتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

____________

(٦٤) الراوي ، لم يرد في ر.

(٦٥) ر : حضير.

(٦٦) ع : يزيد بن المغفل.

لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.

١٦٠