تراثنا ـ العدد [ 29 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٢

وقال الدولابي في الضعفاء : سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذاب ، كان يحدث عن مالك بمسائل بن وهب.

وقال العقيلي في الضعفاء : ثنا أسامة الزفاف بصري ، سمعت يحيى بن معين يقول : ابن أبي أويس لا يسوى فلسين.

وقال الدارقطني : لا أختاره في الصحيح.

وقال ابن حزم في (المحلى) : قال أبو الفتح الأزدي : حدثني سيف بن محمد : أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث.

قال سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم.

* وفي سند روايته عن أبي هريرة : (صالح بن موسى الطلحي الكوفي) وهذه كلمات أئمتهم فيه نوردها نقلا عن ابن حجر العسقلاني كذلك (٢٢) : قال ابن معين : ليس بشئ.

وقال أيضا : صالح وإسحاق ابنا موسى : ليسا بشئ ، ولا يكتب حديثهما.

وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين : ليس بثقة.

وقال الجوزجاني : ضعيف الحديث على حسنه.

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث جدا ، كثير المناكير عن الثقات قلت : يكتب حديثه؟ قال : ليس يعجبني حديثه.

وقال البخاري : منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح.

وقال النسائي : لا يكتب حديثه ، ضعيف.

وقال في موضع آخر : متروك الحديث.

وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ، وهو عندي ممن لا

__________________

(٢٢) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٥٤.

١٨١

يتعمد الكذب ، وليس يشبه عليه ويخطئ ، وأكثر ما يرويه عن جده من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد.

وقال الترمذي : تكلم فيه بعض أهل العلم.

وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عنه وقال : ما أدري. كأنه لم يرضه.

وقال العقيلي : لا يتابع على شئ من حديثه.

وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنها معمولة أو مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به.

وقال أبو نعيم : متروك ، يروي المناكير).

سند الخبر في سنن البيهقي :

وأما سند الخبر في سنن البيهقي ، فقد رواه بإسناده عن ابن عباس وأبي هريرة. أما الأول فمشتمل على (ابن أبي أويس) وأما الثاني فمشتمل على (صالح بن موسى الطلحي) وقد عرفتهما.

وعلى الجملة ، فقد تقدم الكلام على السندين في رواية الحاكم.

سند الخبر في التمهيد :

وأما الخبر في (التمهيد) لابن عبد البر ، ففي سنده غير واحد من المجروحين ، ولكن يكفي النظر في ترجمة (كثير بن عبد الله) ـ الذي وصل ابن عبد البر الخبر من حديثه ـ كما ذكر ابن حجر العسقلاني (٢٣) : قال أبو طالب عن أحمد : منكر الحديث ، ليس بشئ.

وقال عبد الله بن أحمد : ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في المسند ولم يحدثنا عنه.

__________________

(٢٣) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٧٧.

١٨٢

وقال أبو خثيمة : قال لي أحمد : لا تحدث عنه شيئا.

وقال الدوري عن ابن معين : لجده صحبة ، وهو ضعيف الحديث.

وقال مرة : ليس بشئ.

وكذا قال الدارمي عنه.

وقال الآجري : سئل أبو داود عنه فقال : أحد الكذابين.

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقال : واهي الحديث.

وقال أبو حاتم : ليس بالمتين.

وقال النسائي في موضع آخر : ليس بثقة.

وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه.

وقال أبو نعيم : ضعفه علي بن المدني.

وقال ابن سعد : كان قليل الحديث ، يستضعف.

وقال ابن حجر : ضعفه الساجي.

وقال ابن عبد البر : ضعيف ، بل ذكر أنه مجمع على ضعفه.

فهذه كلمات في جرح الرجل.

* بل يكفي منها قول بن عبد البر : مجمع على ضعفه.

* مضافا إلى أنه يرويه عن أبيه عن جده ، وقد قال ابن حبان : روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية إلا على جهة التعجب.

وقال ابن السكن : يروي عن أبيه عن جده أحاديث فيها نظر.

وقال الحاكم : حدث عن أبيه عن جده نسخة فيها مناكير.

سند الخبر في الإلماع :

وأما سند الخبر في (الإلماع) ففيه غير واحد من الضعفاء والمجروحين فإن (شعيب بن إبراهيم) رواية كتب (سيف بن عمر) جرحه ابن عدي وقال

١٨٣

ليس بالمعروف (٢٤). و (أبان بن إسحاق الأسدي) قال الأزدي : (متروك الحديث) (٢٥) و (الصباح بن محمد الأحمسي) لم يرو عنه إلا الترمذي ، فقد روى عنه مرة عن ابن مسعود حديثا واستغربه. وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات ، وقال العقيلي : حديثه وهم ، ويرفع الموقوف (٢٦).

لكن يكفي وجود (سيف بن عمر) في إسناده ، فإنه ـ كما ذكر ابن حجر العسقلاني (٢٧) ـ : وقال ابن معين : ضعيف الحديث.

وقال أبو حاتم : متروك الحديث.

وقال أبو داود : ليس بشئ.

وقال النسائي : ضعيف.

وقال الدارقطني : ضعيف.

وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة ، وعامتها منكرة لم يتابع عليها.

وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات.

قال : وقالوا : إنه كان يضع الحديث.

وقال ابن حجر : بقية كلام ابن حبان : اتهم بالزندقة.

وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك.

وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.

سند الخبر في الجامع الصغير :

وأما الخبر في (الجامع الصغير) فهو عن المستدرك للحاكم ، وقد تكلمنا

__________________

(٢٤) لسان الميزان ٣ / ١٤٥.

(٢٥) تهذيب التهذيب ١ / ٨١.

(٢٦) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٥٨.

(٢٧) تهذيب التهذيب ٤ / ٢٥٩.

١٨٤

عليه بالتفصيل فلا نعيد.

سند الخبر في كنز العمال :

وأما المتقي الهندي فأورده عن الحاكم وأبي بكر الشافعي عن أبي هريرة.

وقد عرفت حال الحديث عن أبي هريرة.

وكذا أورده عن الحاكم عن ابن عباس.

وقد عرفت حاله.

وأورده عن البيهقي عن ابن عباس.

وقد عرفت حاله.

وأورده عن الإبانة عن أبي هريرة.

وقد نقل هو عن صاحب الإبانة التصريح بأنه غريب جدا ، على أنه عن أبي هريرة.

* * *

١٨٥

(٣)

تأملات في لفظ الخبر ومدلوله

قد عرفت أن الخبر بلفظ (الثقلين) وما شابهه لا أصل له ، إذ لا أثر للوصية بالكتاب والسنة بلفظ (الثقلين) ونحوه ، لا في الصحاح ولا في المسانيد ، وأن الأخبار الواردة في بعض الكتب ـ وعمدتها (الموطأ) و (المستدرك) ـ لا أساس لها من الصحة ... لا سيما ما جاء ـ في شاذ منها ـ من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك في خطبته في حجة الوداع.

وأغلب الظن أن الغرض من وضع هذا الخبر بهذه الألفاظ هو المقابلة والمعارضة به لحديث الثقلين المتفق عليه بين المسلمين ، المقطوع بصدوره عن رسول رب العالمين ، الذي قاله في غير ما موقف ومن أشهرها حجة الوداع في خطبته المعروفة ، حيث أوصى بالكتاب والعترة ، وأمر باتباعهما ، وحذر من مخالفتهما ، وأكد على أن الأمة سوف لن تضل ما دامت متمسكة بهما ، وأنهما لن يتفرقا حتر يردا عليه الحوض.

هذا الحديث الذي من رواته : مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ، والحاكم ، والطبري ، والطبراني ... ومئات من الأئمة والحفاظ في القرون المختلفة ، يروونه عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بطرق كثيرة أفرد بعض كبار العلماء كتابا جمع طرقه.

هذا الحديث الذي يدل بوضوح على وجوب اتباع الأمة أئمة العترة من أهل البيت عليهم‌السلام في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية.

ولثبوت هذا الحديث سندا ووضوح دلالته على إمامة أهل البيت نجد

١٨٦

بعض المتعصبين يحاولون عبثا الخدشة في سنده أو دلالته ، أو تحريف لفظه ومتنه ، ومنهم من التجأ إلى وضع خبر الوصية بالكتاب والسنة بعنوان (الثقلين) زعما منه بأنه سيعارض حديث الثقلين المقطوع الصدور ... وقد بينا ـ والحمد لله ـ أن الخبر موضوع مصنوع.

وعلى فرض أن يكون للخبر أصل ... فإنه ليس هناك أي منافاة بين الوصية بالكتاب والسنة ، والوصية بالكتاب والعترة ... إذ لا خلاف بين المسلمين في وجوب الالتزام والعمل بالكتاب والسنة النبوية الشريفة ... غير أن حديث (الكتاب والعترة) مفاده وجوب أخذ السنة من العترة النبوية لا من غيرهم ، وهذا هو الذي فهمه علماء الحديث وشراحه ، ومن هنا نرى المتقي الهندي ـ مثلا ـ يورد كلا الحديثين تحت عنوان الباب الثاني : في الاعتصام بالكتاب والسنة ، كما لا يخفى من راجعه.

هذا موجز الكلام على هذا الخبر ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

* * *

١٨٧

من التراث الأدبي المنسي في الأحساء (١٣) :

الشيخ حسين الدندن

حدود ١٢٨٦ ـ ١٣٦٢ ه

السيد هاشم محمد الشخص

هو الشيخ حسين بن محمد بن عثمان الدندن الأحسائي المبرزي ، عالم جليل وأديب شاعر.

أسرته :

آل الدندن أسرة علمية معروفة في مدينة (المبرز) بالأحساء ، ويمتد تاريخها العلمي ما قبل نحو ثلاثة قرون من الزمن ، وأقدم ما عرفناه منهم : الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد الدندن ، أحد أساتذة الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي ، وقد ذكرته في الجزء الأول من (أعلام هجر) ، ومنهم اليوم العلامة الجليل الشيخ جواد بن الشيخ علي بن علي الدندن ـ المولود حدود ١٣٦٩ ه ـ أحد أساتذة (الكفاية) والسطح العالي في الحوزة العلمية في الأحساء.

مولده ونشأته :

لود في مدينة (المبرز) بالأحساء حدود سنة ١٢٨٦ ه ، وبها نشأ وترعرع.

١٨٨

دراسته :

درس أولا في الأحساء بعض المقدمات ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته ، وحضر هناك جملة من الدروس لدى عدد من الأعلام ، وبعد مدة لم تسمح له ظروفه بالاستمرار في النجف ، فاضطر للعودة إلى بلاده قبل حصوله على كامل بغيته ، وفي الأحساء عاد يواصل دراسته لدى أعلامها آنذاك ، وكان ملازما للإمام المقدس السيد ناصر الأحسائي ومستفيدا منه أيام تواجده في البلاد ، بعد عودة السيد ناصر الأخيرة للأحساء بداية عام ١٣٥٨ ه كان المترجم له من المقربين لديه والمستفيضين من علومه ومكارمه حتى وفاة السيد ناصر في ٣ شوال ١٣٥٨ ه.

وفاته :

توفي ـ قدس‌سره ـ في مدينة المبرز بالأحساء سنة ١٣٦٢ ه ، ودفن فيها.

علمه وفضله :

كان من أهل العلم والفضل البارزين ، وقضى ردحا من الزمن إماما لمحلة (العيوني) في وطنه المبرز وزعيما مرشدا لهم حتى وفاته ، وأصبح في الأواخر ذا جاه ومقام معروفا بفضله وأدبه وجلالة قدره.

شعره :

له شعر كثير في المناسبات ومواضيع متعددة ، لكنه لم يجمع ولم يحتفظ به ، ولم أعثر من شعره إلا على قصائد معدودات وجدتها في الأحساء عند ذويه قبل نحو ١٤ عاما.

١٨٩

وهذه نماذج من شعره :

قال ـ قدس‌سره ـ في رثاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

عج بالغري معزيا من

فيه بمصابه ببناته وبنيه

قل يا علي المرتضى عز العزا

عد المصاب عليك لا نحصيه

في من نقول لك العزا ولمن له

نرثي وأعيننا دما نبكيه

إن المصائب جمة لم نستطع

إحصاءها فاسمع لما نوحيه

أنت الخبير بما جرى لكننا

جئنا ضريحك مدمعا نسقيه

لمصيبة يدمي الصخور وقوعها

هل كيف قلب الدين لا يدميه

يوم تجمعت الطغاة لقتل من

بقتاله طاغوتها ترضيه

ماذا جنى يا ويلهم هلا دروا

أن النبي بكاؤه يؤذيه

فأتى إلى وادي الطفوف بفتية

ترد الردى بنفوسها تفديه

مضرية غلب نماها هاشم

كبني أبيه وعمه وأخيه

وتنادبت للذب عنه عصبة

لبت نفوسهم ندا داعيه

من كل أشوس يرتوي فيض الدما

وشبا الحسام من الطلا يرويه (١)

حتى قضوا عطشا بماضية الضبا

أرواهم من نحرهم هاميه

فدعاهم يا أسد غابات الوغى

لمن اللوى من بعدكم أعطيه

وغدا وحيدا لم يجد من ناصر

غير السنان وصارم يحميه

فردا يجاهد عن شريعة جده

بالمشرفية في رضا باريه

فأرى خيول الشرك صولة حيدر

في همة ، فرد العدى يثنيه

في حده مكتوبة آجالهم

ويد القضا ما شاءه تجريه

__________________

(١) شبا الحسام : أي حد السيف ، والطلا : العنق.

١٩٠

صبغ البطاح من الدما حتى إذا

شاء القضا سهم الردى يرميه

فهوى بسهم في الفؤاد مثلث

فوق الثرى شلت يدا راميه

عجبا لمن صرف القضا بيمينه

كيف القضا في سهمه يرديه؟!

أفديه من ثاو ثلاثا بالعرا

يكسوه من ذاري الثرى سافيه

من حوله الخفرات تندب لوعة

ثكلى يجاوب نعيها ناعيه

واها لها لما بدت من خدرها

مذعورة منها الشجى تخفيه

ولزينب الكبرى المصيبة إذ أتت

نحو الحسين ودمعا تذريه

أهوت على الجسد الغسيل بدمه

تحنو عليه ووجهها تدميه

نادته يا كهفا نلوذ بظله

فلك الشجا يا كهفنا نبديه

هجمت خيول الظالمين فأحرقوا

صيواننا وتناهبوا ما فيه

أشقيق روحي هل تعي لمكلم

والرأس منك على القنا عاليه؟!

يا مهجتي هل أستطيع تصبرا

وأرى لجسمك خيلهم تاطيه (٢)؟!

هذي المحامل والنياق أتوا بها

كي يحملونا ، من بنا توصيه؟!

أنروح للأعداء ليس لنا حمى

غير العليل وما به يكفينا؟!

وله أيضا هذه الأبيات يرثي فيها شابا من أحبته أسمه (سعيد) ، ثم يعرج على مصيبة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام :

لضمائري سهم المنون أصابا

أعظم بخطب صابني أوصابا (٣)

جاء الكتاب ظننت فيه مسرة

فأساء لكن أعذر الكتابا

__________________

(٢) تاطيه : بمعنى تطأه ، وفيه تسامح.

(٣) أوصاب : جمع وصب ، بمعنى تحول الجسم ، أو الألم الدائم ، أو التعب.

١٩١

صبرا بني الزهراء إن فقيدكم

ورع تقي قد حوى الآدابا

يهنيه نال بها السعادة ميتة

ورثت من الأجداد ثم الآبا

إلى أن يقول :

إني لعام مات فيه (سعيدهم)

أرخت (يا سعيد ببدر غابا)

١٣٥٧ ه

ومنها في رثاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

أفدي لمن فوق السنان كريمه

يتلو مواعظ حكمة وكتابا

يعشي بأبصار الخلائق نوره

ولشيبه كانت دماه خضابا

والجسم ملقى بالعرى ولستره

نسجت سوافي الذاريات ثيابا

ويلذن ربات الحجال بجنبه

قد جردوها الحلي والجلبابا

واحر قلبي للحرائر عندما

هجم الطغاة وأحرقوا الأطنابا

ينسي الثواكل ثكلهن نوائحا

مذ أركبوها للسرى أقتابا (٤)

فسرت حليفات الشجى ولقوتها

كن المدامع مطعما وشرابا

تخفي البكا لكن نيران الأسى

تبدي على صفحاتها التسكابا

وقفت بباب الرجس وهي ببابها

تقف الملائك تلثم الأعتابا

أبدى الشماتة مذ عليه أدخلوا

زين العباد وزينبا وربابا

واها لزينب واليتامى حولها

في القيد تبكي الأهل والأحبابا

__________________

(٤) أقتاب : جمع قتب ، وهو الرحل.

١٩٢

وله أيضا في مدح أستاذه العلامة السيد ناصر الأحسائي ، قالها فيه حينما أصيب بوعكة صحية :

أيزور أعيننا لذيذ كراها

لقلوبنا تبا فما أقساها

حتى نرى الشموس منيرة

يعلو ضياء النيرين ضياها

إنا بمن من عزيز قادر

نرجو الشفا ولنا يديم بقاها

ذات لذات المصطفى ووصيه

تنمى ومن أنواره منشاها

إن أشبهت للمرتضى بصفاته

لا ضير فيه فذاك كان أباها

ذات تجلت للأنام بهيكل

كحلت بها عين العمى فجلاها

من جد في طلب المعالي وارتقى

حتى شريعة جده أحياها

الناصر الدين الحنيف مشيد

للملة الغرا علا مبناها

لرقيه أعلى المراتب في العلا

تاقت نقيبته التي زكاها

فلذا انطوت فيها العلوم بأسرها

طي السجل (وخاب من دساها)

ساد الأنام ولم يسده سيد

والعالمون فإنه مولاها

كانت عيالا وهو والدها الذي

كان الحمي بفضله رباها

حتى ارتقت أوج المعالي ذاتهم

أنى فلولا ذاته لولاها

شمخت على السبع الشداد برفعة

ذات له جل الذي سواها

كم واصف رام الثناء بوصفه

في شأنها لما يصب معناها

فالشمس كم أعشي بها من أعين

وبها استبان الضوء من ظلماها

عين الحياة لشارب من مائها

فاز الذي هو مرتو من ماها

يا ابن الهداة المهتدين هداتنا

خذها إليك خريدة قلناها

ليست بأهل الانتساب لقدركم

لكنها في قدر من أهداها

١٩٣

مملوك فضلكم العميم على الورى

فعسى دعاك يعم من أنشأها

ثم الصلاة على النبي وآله

فوزا ينال الأجر من صلاها

* * *

وله أيضا هذه القصيدة في رثاء أستاذه المذكور ، المتوفى سنة ١٣٥٨ هجرية :

خط العلي لذي المعالي مضجعا

فيه دفنا الدين والدنيا معا

لم لا تفيض من الجوى أرواحنا

إذ لا يفيد بأن تفيض الأدمعا

الله أكبر يا لها من نكبة

هدت لأركان الهدى فتضعضعا

يوم به حكم القضاء على الورى

عنها نظام وجودها أن يرفعا

يا نازحا عن مربع الأحباب هل

أبقيت للراقي دوينك مربعا

أنزحت عن دار الغرور تجافيا

أم عالم النور أتخذت الموضعا؟

عن عالم السفلي جزت ترفعا

لله قدرك ما أجل وأرفعا

إلى أن يقول :

أتبيت في خلد الجنان منعما

وأبيت في نار الشجون ملفعا (٥)

وبسندس خضر تظل مقمصا

وأظل من حزن عليك مدرعا

تهنى بك الحور الحسان وأهتني

بتتابع الزفرات دهري أجمعا

غض مصابك في الزمان علي إذ

في كل أسبوع يمر (الأربعا) (٦)

__________________

(٥) يقال : لفعته النار ، أي شملته من جميع نواحيه وأصابه لهيبها.

(٦) يشير بذلك إلى يوم الأربعاء اليوم الذي توفي فيه السيد ناصر المرثي بهذه القصيدة.

١٩٤

من ذا لتدوين العلوم أطامع

فيها عقيب صعودها أن ترجعا

غاضت بحار العلم بعد ممدها

فاليوم في تحصيله لن يطمعا

أمؤملين الجود من إفضاله

قد خابت الآمال من غير النعي (٧)

يأسا بني الآمال ما من مفضل

بعد الأكف المطعمات الجوعا

يا ظلة الساري بحندس (٨) ظلمة

من مرشد لسبيله كي يرجعا

ناشدتك الله المهيمن هل ترى

يا ظلة السارين بعدك مرجعا

يا حافرا لضريحه في الأرض قف

أفلم تجد في وسط قلبي موضعا

عزوا إمام العصر في من كان

عنه نائبا ولسره مستودعا

كل اللسان عن الرثا لعزائه

لكن علمت لكل ساع ما سعى

ولك البقايا حجة الإسلام (٩)

ما كنا إلى أحد سواك لنرجعا

يا واحد العصر المنير ظلامها

ضاق الخناق بنا وكنت المفزعا

فعليه ثم عليك مني تحية

فعساكما لي في اللقا أن تشفعا

وعلى النبي وآله الأطهار قد

صليت ما فجر أضاء وشعشعا

* * *

__________________

(٧) النعي : أراد به النعي ، وهو مصدر من نعى ، وفيه تصرف وتسامح كما لا يخفى.

(٨) الحندس : الليل الشديد الظلمة.

(٩) الخطاب هنا لابن عم السيد ناصر الأحسائي ، العلامة الحجة السيد حسين بن السيد محمد العلي الأحسائي ، المتوفى سنة ١٣٦٩ ه.

١٩٥
١٩٦

من ذخائر الترّاث

١٩٧
١٩٨

١٩٩
٢٠٠