مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٨
لَهْفِيْ عَلَى ذلِكَ المَقْتُوْلِ يَوْمَ قَضَى |
|
بَيْنَ العِدَاةِ بِلَا جُرْمٍ وَلَا سَبَبِ |
هٰذاَ بِأَمْرٍ مِنَ الطَّاغُوْتِ يَحْبِسُهُ |
|
وَذَاكَ يَشْتِمُهُ ظُلْماً بِلَا أَدَبِ |
وَذَاكَ يَجْذِبُهُ قَهْراً بِلَحْيَتِهِ |
|
وَذَاكَ يَسْحَبُهُ جَهْراً عَلَى التُّرُبِ |
وَذَاكَ مِنْ حِقْدِهِ أَخْزَاهُ خَالِقُنَا |
|
يُوْجِيْ ظُلُوْعَ تَقِيٍّ طَاهِرٍ أَرِبِ |
وَجِسْمُهُ بَعْدَ حُسْنِ اللَّحْفِ يَلْحَفُهُ |
|
قَتَامُ ضَرْبٍ مِنَ الْأَحَجَارِ وَالخَشَبِ |
وَالرَّأْسُ مُنْكَشِفٌ قَدْ شُجَّ مَفْرَقُهُ |
|
وَشَيْبُهُ قَدْ عَلَاهُ عَثْيَرُ الكُثُبِ |
وَالدَّمُ يَجْرِيْ عَلَى وَجْهٍ بِهِ أَثَرٌ |
|
مِنَ السُّجُوْدِ كَجَرْيِ الغَيْثِ في الهُضُبِ |
وَطَاَلَما فِيْ ظَلَامِ اللَّيْلِ عَفَّرَهُ |
|
حَالَ السُّجُوْدِ لِرَبِّ الخَلْقِ فِيْ التُّرُبِ |
للهِ شَيْخٌ عَزِيْزٌ فِيْ عَشِيْرَتِهِ |
|
يُسَاقُ فِيْ سُوْقِهِمْ بِالذُّلِّ وَالنَّكَبِ |
فَيا شَهِيْداً قَضَى فِيْ اللهِ مُحْتَسِباً |
|
وَفِيْ الجِنَانِ حَبَاهُ عَالِيَ الرُّتَبِ |
وَيَا هِلالاً أَحَالَ الخَسْفُ مَطْلَعَهُ |
|
فَغَابَ فِيْ جَدَثٍ عَنَّا وَلَمْ يَأُبِ |
وَكَهْفَ عِزٍّ لِأيْتَامٍ تَطُوْفُ بِهِ |
|
رَمَاهُ صَرْفُ القَضَا بِالهَدْمِ وَالعَطَبِ |
وَيَا أَنِيْساً أَتَانَا ثُمَّ أَوْحَشَنَا |
|
وَبَحْرَ عِلْمٍ وَجُوْدٍ غَابَ فِيْ التُّرُبِ |
تَنْعَاكَ كُتْبُكَ ، وَالمِحْرَابُ يَنْدِبُ إذْ |
|
فِيْهِ تَقُوْمُ تُنَاجِيْ اللهَ فِيْ رَهَبِ |
يَا قَلْبُ فَٱحْزَنْ عَلَى ذَاكَ الفَقِيْدِ وَيَا |
|
عَيْنَيَّ جُوْدَا بِدَمْعٍ هَامِلٍ سَكِبِ |
هذا ، وقد خلّف المترجَم ثلاثة أولاد هم : حسين ومحمد وأحمد ، ومنهم ذرّيّته ، ومن أحفاده المعاصرين الْأَديب الحاجّ محمد بن حسين الرمضان بن محمد ابن حسين ابن المترجَم له ، وأخوه الْأَديب البحّاثة الحاجّ جواد بن حسين الرمضان ، وكلاهما من رجال الْأَحساء البارزين .
* * *
علمه وفضله :
كان قدّس سرّه علّامة فاضلاً جليل القدر ، له بين أقرانه المقام الشامخ والمكانة السامية ، وعرف عنه شدّة تورّعه وتقواه وكثرة عبادته وتهجّده لله تعالى ، وقد مرّ في القصيدة السابقة ما يشير إلى بعض صفاته ومزاياه .
وقال في شأنه أيضاً صاحب «أنوار البدرين» : «ومن أُدبائها وعلمائها [الْأَحساء] ابنه ـ أي ابن الشيخ محمد الرمضان المتقدّم ذكره في الكتاب ـ الشيخ علي من العلماء العاملين والعبّاد المعروفين ، وله يد قويّة في الشعر ، قُتل شهيداً في الْأَحساء في ملك الوهّابية ظلماً وعدواناً ، كما قتلت ساداته خير الخلق فضلاً وشأناً» (٥) .
وقال في «شهداء الفضيلة» : «العالم البارع الشيخ علي بن الشيخ عبد الله (٦) ابن رمضان الْأَحسائي ، أحد الْأَعلام المبرّزين في العلم ، ضمَّ إلى علمه الجمّ ورعه الموصوف ، وله من الْأَدب العربي قسطه الْأَوفى ، وفي صياغة الشعر له يد قويّة ، قُتل شهيداً في (أحساء) على ملك الوهّابية ظلماً» (٧) .
أمّا أُستاذه السيد حسين بن السيد عيسى بن السيد هاشم البحراني ـ صاحب كتاب «البرهان» ـ فقد قال شأنه هذه الْأَبيات :
أَسْنَى سَلَامٍ وَثَنَاءٍ وَدُعَا |
|
مِنْ مُخْلِصٍ مَا وُدُّهُ بِمُدَّعَىٰ |
لِمَنْ عَلَا وَجَلَّ قَدْراً وَسَما |
|
وَدَاسَ بِالكَعْبِ عَلَى هَامِ السَّما |
وَمَنْ لَهُ أَبْدَىٰ النُّهَى وِفَاقَا |
|
حَتّى سَما بَنِيْ النُّهىٰ وَفَاقَا |
وَرَقً لُطْفاً وَصَفَا وَرَاقَا |
|
حَتَّى غَدَا يُطَرِّزُ الْأَوْرَاقا |
__________________
(٥) أنوار البدرين : ٤١٦ ـ ٤١٧ .
(٦) الصحيح أن اسمه : علي بن محمد بن عبد الله . . . وهذا واضح وثابت عند أحفاده ومثبت في مؤلّفات المترجم الخطّية .
(٧) شهداء الفضيلة : ٣٦١ .
ذُوْ أَدَبٍ أَصْبَحَ كُلُّ ذِيْ أَدَبْ |
|
لِنَحْوِهِ يَقْصُدُ مِنْ كُلِّ حَدَبْ |
مُفْحِمُ كُلِّ نَاظِمٍ وَنَاثِرِ |
|
فِيْ وَصْفِ مَا حَوَاهُ مِنْ مَآثِرِ |
أعني عَلِيّاً ذَا العُلَا والسُّؤْدَدِ |
|
نَجْلَ سَمِيِّ المُصْطَفَىٰ مُحَمَّدِ (٨) |
من آثاره :
قال حفيده الْأَديب محمد حسين الرمضان ـ في كتابه الخطّي «التعريف بآل رمضان» ـ : «له عدّة مؤلفات» لكن لم نطّلع ـ مع الْأَسف ـ على شيء من مؤلّفاته ، ولم يبق منها سوى كتابين هما :
١ ـ ديوان شعر ، كبير في مجلّدين ، فُقد منه المجلّد الْأَول ، والمجلّد الثاني يضمّ نحو ألفي بيت .
٢ ـ الكشكول ، في مجلّدين أيضاً .
وكلاهما موجودان عند أحفاد المترجم في الْأَحساء .
شعره :
له شعر كثير في شأن أهل البيت عليهم السلام ومدحهم ورثائهم ، وكان يعدّ في عصره من الشعراء والْأُدباء البارزين ، ويضمّ ما بقي من ديوانه نحو ألفي بيت فيه الغزل والفكاهة والمديح والرثاء ومواضيع أُخرى ، وهذه نماذج من شعره :
قال ـ قدّس سرّه ـ في رثاء سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام :
طَلَعَ المَشِيْبُ عَلَيْكَ بِالإِنْذَارِ |
|
وَأَرَاكَ مُنْصَرِفاً عَنِ التِّذْكَارِ |
جَذْلَانَ بِالعصْيَانِ مَسْرُوْراً بِهِ |
|
مُتَهَاوِناً أَبَداً بِسُخْطِ البَارِيْ |
حَتَّى كَأنَّ الشَّيْبَ جَاءَ مُبَشِّراً |
|
لَكَ بِالخُلُوْدِ فَأَنْتَ فِيْ ٱسْتِبْشَارِ |
يَا رَاكِضاً رَكْضَ الجَوَادِ بِلَهْوِهِ |
|
مُتَحَمِّلاً بِالذَّنْبِ وَالإِصْرَارِ |
__________________
(٨) ديوان المترجَم المخطوط .
حَتَّى مَ أَنْتَ بِبَحْرِ غَيِّكَ رَاكِسٌ |
|
أَأَمِنْتَ وَيْحَكَ سَطْوَةَ ٱلجَبَّارِ ؟ ! |
مَهْلاً أَلَمْ تَعْلَمْ بِأنَّكَ مَيِّتٌ |
|
وَمُخَلَّدٌ فِيْ جَنَّةٍ أَوْ نَارِ ؟ ! |
أتَغُرُّكَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ خَبَرْتَهَا |
|
عِلْماً بِمَا فِيْها مِنَ الْأَكْدارِ ؟ ! |
دارٌ حَوَتْ كُلَّ المَصائِبِ وَالبَلَا |
|
وَالشَّرِّ والآفَاتِ وَالْأَخْطَارِ |
اللهُ ما فَعَلَتْ وَهَلْ تَدْرِيْ بِما |
|
فَعلَتْ بِعِتْرَةِ أحْمَدَ المُخْتَارِ |
سَلَبَتْهُمُ مِيْرَاثَهُمْ وَنُفُوْسَهُمْ |
|
ظُلْماً بِأَيْدِيْ مَعْشَرٍ فُجَّارِ |
وأَجَلُّ كُلِّ مُصِيْبَةٍ نَزَلَتْ بِهِمْ |
|
رُزْءُ الحُسَيْنِ وَرَهْطِهِ الْأَبْرَارِ |
تِلْكَ الرَّزِيَّةُ مَا لَهَا مِنْ مُشْبِهٍ |
|
عُمْرَ الزَّمَانِ وَمُدَّةَ الْأَعْصَارِ |
تَاللهِ لَا أَنْسَاهُ يَقْدِمُ فِتْيَةً |
|
كَالْأُسْدِ يَقْدِمُهَا الهزَبْرُ الضَّارِيْ |
حَتَّى أَتَى أَرْضَ الطُّفُوْفِ فَلَمْ يَسِرْ |
|
عَنْهَا لِمَحْتُوْمٍ مِنَ الْأَقْدَارِ |
فَعَدَتْ عَلَيْهِ مِنَ العِرَاقِ عِصَابَةٌ |
|
مِنْ كُلِّ رِجْسِ فَاجِرٍ غَدَّارِ |
مَنَعُوْا عَلَيْهِ الماءَ حَتّى كَضَّهُ |
|
وَقَبِيْلَهُ حَرُّ الْأَوَامِ الْوَارِيْ |
فَأَجَابَهُمْ وَهْوَ ٱبْنُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ |
|
(المَوْتُ أَوْلىٰ مِنْ رُكُوْبِ الْعَارِ) |
تَأْبَىٰ رُكُوْبَ الذُّلِّ مِنَّا أَنْفُسٌ |
|
طَهُرَتْ وَنِلْناها مِنَ الْأَطْهارِ |
إلى أن يقول :
وَبَقِيْ ٱبْنُ خَيْرِ المُرْسَلِيْنَ مُجاهِداً |
|
فَرْداً بِذَاكَ الْعَسْكَرِ الجَرَّارِ |
وَيَقُوْلُ لِلْأُخْتِ الحَزِيْنَةِ زَيْنَبٍ |
|
وَدُمُوْعُهُ كَالْوَابِلِ المِدْرَارِ |
أُوْصِيْكِ بِالْأَيْتامِ لُمِّيْ شَعْثَهُمْ |
|
وَتَلَطَّفِيْ لِكِبارِهِمْ وَصِغَارِ |
وَإذَا رَأَيْتِيْ جُثَّتِيْ فَوْقَ الثَّرَى |
|
تَذْرِي عَلَيْها لِلرِّياحِ ذَوَارِيْ |
فَتَجَلَّدِيْ لَا تُشْمِتِيْ أَعْدَاءَنَا |
|
وَتَمَسَّكِيْ بِسَكِيْنَةٍ وَوَقَارِ |
وَثَنَىٰ الْعِنَانَ إلى الطُّغَاةِ تَرَاهُ في |
|
لَيْلِ الْوَغَىٰ كَالْكَوْكَبِ السَّيَّارِ |
وَيَكِرُّ فِيْهِمْ تَارَةً فَتَراهُمُ |
|
قِطَعاً بِحَدِّ الصَّارِمِ الْبَتَّارِ |
أبْدَى لَهُمْ وَهْوَ ٱبْنُ حَيْدَرَ فِيْ الْوَغَى |
|
حَمَلَاتِ وَالِدِهِ الْفَتَى الْكَرَّارِ |
حَتَّى إذَا أرْوَى الصَّوَارِمَ وَالْقَنا |
|
مِنْهُمْ وَألْحَقَهُمْ بَدَارِ بَوَارِ |
وَافَاهُ سَهْمٌ خَرَّ مِنْهُ عَلَى الثَّرىٰ |
|
كَسُجُوْدِهِ للهِ فِيْ الْأَسْحَارِ |
ثم يقول :
وَدَعَتْهُ زَيْنَبُ وَهْيَ تَنْدِبُهُ : ألَا |
|
يَا بَدْرَ دَيْجُوْرِيْ وَشَمْسَ نَهارِيْ |
يَا ظَامِياً وَرَدَ الحُتُوْفَ وَلَمْ يَذُقْ |
|
بَرْدَ الشَّرابِ سِوَى النَّجِيْعِ الْجارِيْ |
يا مَيِّتاً ما نَالَ مِنْ غُسْلٍ وَلَا |
|
كَفَنٍ لِيَسْتُرَ جِسْمَهُ وَيُوَارِيْ |
يَا خَيْرَ ضَيْفٍ نَازِلاً فِيْ قَفْرَةٍ |
|
غَيْرُ الأسِنَّةِ مَا لَهُ مِنْ قَارِيْ |
أَأُخَيَّ مَنْ ذَا بَعْدَ فَقْدِكَ يُرْتَجَىٰ |
|
لِلنَّائِباتِ وَبَحْرِهَا الْمَوَّارِ |
أَأُخَيَّ مَنْ ذَا بَعْدَ فَقْدِكَ يُرْتَجَىٰ |
|
لِلصَّوْمِ وَالصَّلَواتِ والْأَذْكَارِ |
أَأُخَيَّ مَنْ ذَا بَعْدَ فَقْدِكَ يُرْتَجَىٰ |
|
لِقِرَاءِ ضَيْفٍ أَوْ حِمَايَةِ جَارِ |
ثُمَّ ٱنْثَنَتْ تَدْعُوْ الرَّسُوْلَ مُحَمَّداً |
|
تَنْعَىٰ لَهُ السِّبْطَ الْقَتِيْلَ الْعَارِيْ |
وَتَقُوْلُ يَا جَدَّاهُ هَذاَ السِّبْطُ قَدْ |
|
قَتَلُوْهُ عُطْشَاناً غَرِيْبَ دِيَارِ |
هٰذَا حَبِيْبُكَ بِالطُّفُوْفِ مُجَدَّلٌ |
|
تَجْرِيْ عَلَيْهِ الخَيْلُ جَرْيَ مَغَارِ |
هٰذِيْ نِسَاؤكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ فِيْ |
|
كُرَبِ الخُطُوْبِ شَوَاخِصَ الْأَبْصَارِ |
وفي آخرها يقول :
يا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ إنّيْ لَكُمْ |
|
عَبْدٌ وَما فيْ ذاكَ مِنْ إنْكَارِ |
مِنِّي لَكُمْ مَحْضُ المَوَدَّةِ وَالْوِلَا |
|
وَالنُّصْحِ فِيْ الإِعْلانِ وَالإِسْرَارِ |
إذْ حُبُّكُمْ فِيْ الذِّكْرِ مَفْرُوْضٌ وَفِيْ |
|
مَا جَاءَ مِنْ مُتَوَاتِرِ الْأَخْبَارِ |
وَلَكُمْ بِيَوْمِ البَعْثِ مِنْ رَبِّ المَلَا |
|
أَمْرُ الشَّفَاعَةِ فِيْ ذَوِيْ الْأَوْزَارِ |
فَلِيَ ٱشْفَعُوْا وَلِوَالِدَيَّ وَأُسْرَتِيْ |
|
وَالسَّامِعِيْنَ مصَابَكُمْ وَالْقَارِيْ |
وَإلَيْكُمُ الْجانِيْ (عَلِيٌّ) زَفَّهَا |
|
عَذْرَاءَ قَدْ خُلِقَتْ مِنَ الْأَفْكَارِ |
أَلْبَسْتُهاَ ـ وَبِكُمْ تَعَالَىٰ قَدْرُها ـ |
|
مِنْ ذِكْرِكُمْ حُلَلْاً مِنَ الْأَنْوَارِ |
فُتَقَبَّلُوْهَا جَاعِلِيْنَ صَدَاقَهَا |
|
أَنْ تُسْكِنُوْنِيْ مِنْكُمُ بِجِوَارِ |
وَعَلَيْكُمُ صَلَّىٰ المُهَيْمِنُ مَا ٱبْتَغىٰ |
|
لَكُمُ بِسَيْلِ المُكْرَماتِ مُجَارِيْ |
وله أيضاً مادحاً أهل البيت عليهم السلام :
مَا لِيْ أَرَاكَ بِسَكْرةِ الْإِغْماءِ |
|
أَذَكَرْتَ جِيْرَاناً لَدَىٰ (الْأَحْسَاءِ) |
ما شَامَ طَرْفُكَ بارِقاً مِنْ نَحْوِهِمْ |
|
إلّا ٱنْثَنَىٰ كَعَوَارِضِ الْأَنْوَاءِ (٩) |
لَوْلَا نُواحُكَ ما ٱهْتَدىٰ لَكَ مُدْرِكٌ |
|
كَلّا وَلَمْ تُحْسَبْ مِنَ الْأَحْيَاءِ |
لَمْ تَتْرُكِ الْأَشْوَاقُ مِنْكَ لِعِلَّةٍ |
|
مَأْوَىً تَحُلُّ بِهِ وَلَا لِشِفَاءِ |
يا عاذِلِيْ أَتَعبْتَ نَفْسَكَ ناصِحاً |
|
لِمُتَيَّمٍ لَمْ يُصْغِ لِلنُّصَحَاءِ |
مَا لِيْ وَلِلْعُذَّالِ لَا سُقْياً لَهُمْ |
|
أنا قَدْ رَضِيْتُ بِعَبْرَتِيْ وَبِدَائِيْ |
أَسْتَوْدِعُ الرَّحْمٰنَ بِـ (الهُفُّوْفِ) مِنْ |
|
(هَجَرٍ) أُهَيْلَ مَوَدَّةٍ وَوَفَاءِ |
قَوْمٌ هَجَرْتُ لَهُمْ وِسَادِيْ وَالْكَرَىٰ |
|
وَوَصَلْتُ فِيْهِمْ لَوْعَتِيْ وَبُكَائِيْ |
يا جِيْرَةَ (الْأَحْسَاءِ) هَلْ مِنْ زَوْرَةٍ |
|
أَحْيا بِهَا يا جِيْرَةَ (الْأَحْسَاءِ) |
ياَ جِيْرَةَ (الْأَحْسَاءِ) هَلْ مِنْ زَوْرَةٍ |
|
تَمْحُوْ ظَلَامَ الْبَيْنِ بِالْأَضْوَاءِ |
أَنا فِيْكُمُ صاَدِيْ الحَشَاشَةِ فٱسْمَحُوْا |
|
لِيْ مِنْ وِصَالِكُمُ بِعَذْبِ المَاءِ |
أَنْتُمْ مُنايَ مِنَ الزَّمانِ وَبُعْدُكُمْ |
|
كَدَرِيْ وَقُرْبُكُمُ الشَّهِيْ صَفَائِيْ |
لَا شَيْءَ أَحْلَیٰ فِيْ فَمِيْ مِنْ ذِكْرِكُمْ |
|
إلّا مَدِيْحُ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ |
__________________
(٩) شام : أي نظر ، والعوارض : جمع عارض وهو السحاب ، والْأَنواء : المطر .
أَهلُ الجَلالِ أُوْلُوْ الْكَمالِ وَخِيْرَةُ الْـ |
|
ـمُتَعَالِ مِنْ أَرضٍ لَهُ وَسَمَاءِ |
آلُ النَّبِيِّ الطُّهْرِ زِيْنَةِ يَثْرِبٍ |
|
وَجَمالِ مَنْ قَدْ حَلَّ بِالْبَطْحَاءِ |
غَوْثُ الْأَنَامِ وَغَيْثُهُمْ وَعِمادُهُمْ |
|
وَمَلاذُهُمْ فِيْ شِدَّةٍ وَرَخَاءِ |
نَزَلَ الْكِتَابُ بِدُوْرِهِمْ فِيْ فَضْلِهِمْ |
|
وَالْأَنْبِيَاءُ حَكَتْهُ فِيْ الْأَنْبَاءِ |
خُزَّانُ عِلْمِ اللهِ مَوْضِعُ سِرِّهِ |
|
أُمَناؤهُ فِيْ الجَهْرِ وَالإِخْفَاءِ |
آتَاهُمُ فِيْ الْعِلْمِ مَا قَدْ كَانَ أَوْ |
|
هُوَ كَائِنٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ |
سَلْ عَنْ مَناقِبِهِمْ عَدُوَّهُمُ تَجِدْ |
|
ماَ تَبْتَغِيْ مِنْها لَدَىٰ الْأَعْداءِ |
وَٱسْمَعْ مِنَ الصَّلَوَاتِ مَا يُتْلَىٰ بِها |
|
مِنْ فَضْلِهِمْ وَٱسمَعْ مِنَ الخُطَباءِ |
أَبْدَاهُمُ الرَّحْمٰنُ نُوْرَ هِدَايَةٍ |
|
إذْ جَاشَ لَيْلُ الْكُفْرِ بِالظَّلْماءِ |
وَقَضَى مَحَبَّتَهُمْ وَطَاعَتَهُمْ عَلَىٰ |
|
الثَّقَلَيْنِ مِنْ دَانِيْ المَحَلِّ وَنائِيْ |
لَا تُقْبَلُ الحَسَنَاتُ مِنْ عَمَلِ ٱمْرِئٍ |
|
مَا لَمْ يَجِئ لَهُمُ بِمَحْضِ وِلَاءِ |
نَطَقَ الكِتَابُ وَسُنَّةُ الهَادِيْ بِهِ |
|
وَبَدَا لَدَى الجُهَّالِ وَالْعُلَمَاءِ |
يَا لَيْتَ شِعْرِيْ كَيْفَ يَقْدِرُ قَدْرَهُمْ |
|
قَوْلِي وَلَوْ بَالَغْتُ فِيْ الإِطْرَاءِ |
مَاذَا أقُوْلُ وَماَ عَسَى أَنا بَالِغٌ |
|
مِنْ وَصْفِهِمْ فِيْ مِدْحَتِيْ وَثَنَائِيْ |
تِلْكَ المَناَقِبُ مَا لَهاَ عَدٌّ وَلَوْ |
|
كَانَتْ مِدَاداً لُجَّةُ الدَّأْمَاءِ (١٠) |
يَا سَادَتِيْ يَا آلَ طٰهٰ أنْتُمُ |
|
أَمَلِيْ وَذُخْرِيْ فِيْ غَدٍ وَرَجَائِيْ |
أعْدَدْتُ حُبَّكُمُ لِنَيْلِ سَعَادَتِيْ |
|
فِيْ النَّشْأَتَيْنِ مَعاً وَمَحْوِ شَقَائِيْ |
فَتَشَفَّعُوْا فِيْ عَبْدِ عَبْدِكُمُ وَفِيْ |
|
آبائِهِ طُرَّاً مَعَ الْأَبْنَاءِ |
وَعَلَيْكُم صَلَّىٰ وَسَلَّمَ خَالِقٌ |
|
أَنْتُمْ لَدَيْهِ أَكْرَمُ الشُّفَعَاءِ |
__________________
(١٠) الدَّأْماء : هو البحر .
وله أيضاً في مدح الإِمام عليّ عليه السلام :
تَفَرَّقَتْ فِيْ الْأَنبِيَاءِ الْبَرَرَهْ |
|
فَضَائِلٌ تَجَمَّعَتْ فِيْ حَيْدَرَهْ |
وَمُحْكَمُ الذِّكْرِ بِهٰذَا شَاهِدٌ |
|
يَنْقُلُهُ والسُّنَّةُ المُطَهَّرَهُ |
قَدِ ٱسْتَوىٰ الوَلِيُّ وَالعَدُوُّ فِيْ |
|
أَوْصَافِهِ فَجَلَّ مَوْلىً صَوَّرَهُ |
أُنْظُرْ إلىٰ الدِّيْنِ تَجِدْ لِوَاءَهُ |
|
هُوَ الَّذِيْ مِنْ طَيِّهِ قَدْ نَشَرَهُ |
وَٱنْظُرْ إلىٰ الْكُفْرِ تَجِدْ عَمُوْدَهُ |
|
هُوْ الَّذِيْ بِذِيْ الْفِقَارِ بَتَرَهُ |
سَلْ عَنْهُ عَمْرَاً مَنْ بَرَىٰ وَرِيْدَهُ |
|
وَمَرْحَباً مَنْ بِالتُّرَابِ عَفَّرَهُ |
وَٱسْتَخْبِرِ الجَيْشَ غَداةَ خَيْبَرٍ |
|
مَنِ الَّذِيْ إلىٰ الْيَهُوْدِ عَبَّرَهُ |
هُوَ المُرادُ بِالرِّضَا مِنْ رَبِّهِ |
|
مِنْ دُوْنِ مَنْ بايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَهْ (١١) |
شَاهِدُهُ ثَباتُهُ وَفَرُّهُمْ |
|
يَوْمَ حُنَيْنٍ وَالمَنايا مُحْضَرَهْ |
وَشَاهِدٌ آخَرُ فَتْحُ خَيْبَرٍ |
|
فَهْوَ لَهُ فَضِيْلَةٌ مُنْحَصِرَهْ |
أَثابَهُ اللهُ بِهِ لِصِدْقِهِ |
|
وَالصِّدْقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثَمَرَهْ |
وَكَمْ لَهُ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ |
|
فِيْ الدِّيْنِ أَضْحَتْ فِيْ المَلَا مُنْتَشِرَهْ |
لا يَسْتَطِيْعُ حَصْرَهَا الخَلْقُ وَلَوْ |
|
أَفْنَىٰ بِصِدْقِ الجِدِّ كُلٌّ عُمُرَهُ |
وَقَدْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُظْهِرَهُ |
|
فَهَلْ يُطِيْقُ أَحَدٌ أَنْ يَسْتُرَهْ ؟ ! |
فَٱسْتَمْسِكَنْ بِحَيْدَرٍ فَإنَّهُ |
|
لَلْعُرْوَةُ الْوُثْقَىٰ وَمَوْلَىٰ الْبَرَرَهْ |
وَٱبْشِرْ بِجَامٍ مُتْرَعٍ تُرْوَىٰ بِهِ (١٢) |
|
مِنْ كَفِّهِ إذَا وَرَدْتَ كَوْثَرَهْ |
تَبّاً لِقَوْمٍ صَيَّرُوْهُ تَارَةً |
|
فِيْ سِتَّةٍ وَتَارَةً فِيْ عَشَرَهْ |
مَا قَدَرُوْا الرَّحْمٰنَ حَقَّ قَدْرِهِ |
|
إذْ وَازَنُوْا حُجَّتَهُ بِالْفَجَرَهْ |
__________________
(١١) أراد بذلك قوله تعالى : (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الفتح : ١٨ .
(١٢) جام : الكأس ، ومُتْرَع : أي مُمْتَلئ .
يَا غِيْرَةَ الرَّحْمٰنِ هَلْ لِحَيْدَرٍ |
|
مِنْ مُشْبِهٍ لِمُنْصِفٍ قَدْ أَبْصَرَهُ |
كَلّا ولٰكِنْ كَانَ ذَا مِنْ عُصْبَةٍ |
|
قَدْ عَمِيَتْ عَنْ رُشْدِهَا فَلَمْ تَرَهْ |
هَلْ أَحْدَثَ الْوَصِيُّ مِنْ ذَنْبٍ سِوَىٰ |
|
أنْ قَدْ أَطَاعَ اللهَ فِيْ مَا أَمَرَهْ |
سَتَعْلَمُوْنَ فِيْ غَدٍ إذَا رَأىٰ |
|
الإِنْسَانُ مَا قَدَّمَهُ وَأَخَّرَهْ |
وله مخمِّساً والْأَصل لغيره :
بَنِيْ المُخْتَارِ فَضْلُكُمُ جَلِيْلُ |
|
وَفِيْ تَفْصِيْلِهِ ضَاقَ السَّبِيْلُ |
وَلٰكِنِّيْ بِمُجْمَلِهِ أقوْلُ |
|
إلَيْكُمْ كُلُّ مَكْرُمَةٍ تَؤولُ |
إذَا مَا قِيْلَ جَدُّكُمُ الرَّسُولُ
لَكُمْ فِيْ مَغْنَمِ المَجْدِ الصَّفَايَا |
|
وَفَصْلُ الحُكْمِ فِيْ كُلِّ الْقَضَايَا |
وَأَصْلُكُمُ زَكَا بَيْنَ الْبَرايَا |
|
أَبُوْكُمْ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا |
وَأُمُّكُمُ المُطَهَّرَةُ البَتُولُ
وله أيضاً مشطِّراً البيتين المذكورين :
(إلَيْكُمْ كُلُّ مَكْرُمَةٍ تَؤولُ) |
|
فَهَلْ عَنْكُمْ لِذِيْ عَقْلٍ عُدُوْلُ |
تَهِيْمُ بِكُمْ ذَوُوْ الْأَلْبابِ وُدِّاً |
|
(إذَا ما قِيْلَ جَدُّكُمُ الرَّسُوْلُ) |
(أَبُوْكُمْ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ المَطَايا) |
|
وَذٰلِكَ مَفْخَرٌ لَكُمُ جَلِيْلُ |
وَأَيُّ فَضِيْلَةٍ لَمْ تُحْرِزُوْهَا |
|
(وَأُمُّكُمُ المُطَهَّرَةُ البَتُولُ) |
وله هذه القصيدة الرائعة في الغزل :
هَوَايَ رِضَاكُمْ إنْ تَفَرَّقَتِ الْأَهوا |
|
وَدَائِيْ جِفَاكُمْ إنْ تَنَوَّعَتِ الْأَدْوَا |
وَوَصْلُكُمُ يَا سَادَتِي إنْ عَطَفْتُمُ |
|
عَلَىٰ الْوَالِهِ العَانِي هُوَ الغَايَةُ القُصْوىٰ |
تَحَكَّمَ فِيْ قَلْبِيْ كَمَا شَاءَ حُبُّكُمْ |
|
فَحَمَّلَنِيْ مَا لَا أُطِيْقُ وَلا أَقْوَىٰ |
وَعِنْدِيْ شُهُوْدٌ مِنْ سُهَادِيْ وَمَدْمَعِيْ |
|
وَسُقْمِي وَأَشْجَانِيْ عَلَى هٰذِهِ الدَّعْوَىٰ |
وَفِيْ الحَيِّ ظَبْيٌ لَا تَزَالُ لِحاظُهُ |
|
تَشُنُّ عَلَى عُشَّاقِهِ غَارَةً شَعْوَا |
لَهُ مِنْ دُمُوْعِي مَوْرِدٌ غَيْرُ نَاضِبٍ |
|
وَمِنْ رَبْعِ قَلبِيْ مَا حَيِيْتُ لَهُ مَأْوَىٰ |
يَقُوْلُوْنَ بَدْرُ التَّمِّ كُفْوُ جَمالِهِ |
|
وَهَيْهَاتَ لَيْسَ البَدْرُ يَوْماً لَهُ كُفْوَا |
زَهىٰ فِيْ مُحَيّاهُ مِنَ الحُسْنِ رَوْضَةٌ |
|
عَلَيْهَا جُفُوْنِيْ تَسْكِبُ الغَيْثَ كَالْأَنْوَا |
عَرَتْهُ مِنْ الخَمْرِ الشَّبَابِيْ نَشْوَةٌ |
|
فَرَاحَ مَدَى الْأَيّامِ لَا يَعْرِفُ الصَّحْوَا |
يَحُزُّ بِقَلْبِيْ وَهْوَ يَلْعَبُ لَاهِياً |
|
أَلا بِأَبِيْ مَنْ صَاحَبَ اللِّعْبَ وَاللَّهْوَا |
فَلَوْ نَظَرَتْ عَيْنَاكَ حَالِيْ وَحَالَهُ |
|
لَشَاهَدْتَ نَاراً عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوىٰ |
شَكَوْتُ لَهُ وَهْوَ القَضِيْبُ صَبَابَةً |
|
فَمَا مَالَ لِيْ عَطْفاً وَلَا رَقَّ لِلشَّكْوىٰ |
فَيَا مُتْلِفِيْ رِفْقاً بِحالِ مُتَيَّمٍ |
|
يَذُوْبُ بِأَدْنَىٰ مَا تَحَمَّلَهُ رَضْوَىٰ |
كَسَرْتَ فُؤادِيْ وَهْوَ مَاضٍ بِحُبِّهِ |
|
فَدَيْتُكَ لِمْ لَا فِيْ الهَوَى تُحْسِنُ النَّحْوَا |
وَأَفْتَيْتَ يا قَاضِيْ الغَرَامِ بِقَتْلِ مَنْ |
|
تَمَلَّكْتَهُ رِقّاً وَقَدْ جُرْتَ فِيْ الفَتْوَىٰ |
وله أيضاً متغزّلاً :
تَحَمَّلْتُ الهَوَى وَبِهِ فَسَادِيْ |
|
وَأَهْمَلْتُ الحِجَى وَبِهِ رَشَادِيْ |
وَقَادَنِيَ الغَرَامُ إليْهِ حَتَّى |
|
أَتَيْتُ بِكَفِّه سَهْلَ القِيَادِ |
وَأَهْوَنُ مَا أُلاقِيْ مِنْهُ دَاءٌ |
|
تَصَدَّعُ مِنْهُ أَكْبَادُ الصِّلادِ |
وَبِـ (الْأَحْسَاءِ) وَهْيَ مُنَايَ قَوْمٌ |
|
بِعَادُهُمْ نَفَى عَنِّيْ رُقَادِيْ |
لَهُمْ جِفْنِيْ القَرِيْحُ يَفِيْضُ رَيّاً |
|
بِفَيْضِ دُمُوْعِهِ وَالقَلْبُ صَادِيْ |
هِيامِيْ فِيْهُمُ شُغْلِيْ وَدَأْبِيْ |
|
وَوَجْدِيْ مِنْهُمُ شُرْبِيْ وَزَادِيْ |
أُحِبُّ لِأجْلِهِمْ خَفَقانَ قَلْبِيْ |
|
وَأَهْوَى فِيْ مَحَبَّتِهِمْ سُهَادِيْ |
وَهُمْ حُصْنِيْ المَنِيْعُ وَهُمْ سِنَادِيْ |
|
وَهُمْ رُكْنِيْ الوَثِيْقُ وَهُمْ عِمادِيْ |
سَقَى (الْأَحْسَاءَ) باَرِيْها بِغَيْثٍ |
|
يَمُدُّ الخَصْبَ مِنْ صَوْبِ العِهادِ |
فَلِلْأَحْسَاءِ مَا دَامَتْ وِدَادِيْ |
|
وَفِيْ أَرْجَاءِ سَاحَتِها مُرَادِيْ |
وَبِـ (الهُفُّوْفِ) مِنْ (هَجَرٍ) غَزَالٌ |
|
يَصِيْدُ بِطَرْفِهِ طَيْرَ الفُؤادِ |
تَجُوْرُ لِحَاظُهُ أَبَداً وَتَسْطُوْ |
|
عَلَى قَلْبِيْ بِأَسْيَافٍ حِدَادِ |
عَلِقْتُ بِهِ وَتَيَّمَنِيْ هِلَالٌ |
|
مَحَاسِنُهُ البَدِيْعَةُ فِيْ ٱزْدِيادِ |
يُضِيْءُ الصُّبْحُ مِنْهُ تَحْتَ لَيْلٍ |
|
بَهِيْمٍ مِنْ ذَوَائِبِهِ الجِعَادِ |
أُغَازِلُ مِنْهُ فِيْ الخَلَوَاتِ طِفْلاً |
|
يَقُوْدُ إلى الهَوَى قَلبَ الجَمادِ |
إذَا أَبْدَى تَبَسُّمَهُ بَرِيْقاً |
|
أَهَلَّتْ مُقْلَتِيْ غَيْثَ الفُؤَادِ |
وَأَرْشِفُ مِنْ مَباسِمِهِ رِضاباً |
|
هُوَ الخَمْرُ المُعَتَّقُ فِيْ ٱعْتِقَادِيْ |
زَمانُ أَقُوْلُ لِلْأَيَّامِ كُوْنِيْ |
|
كَما أَهْوَى فَتُذْعِنُ بِٱنْقِيَادِ |
عَلَيْهِ مِنَ المَلَا وَقَعَ ٱخْتِيارِيْ |
|
وَمَا أَخْطَا وَلَا كَذَبَ ٱنْتِقَادِيْ |
لِأجْلِ القُرْبِ مِنْهُ فَدَتْهُ نَفْسِيْ |
|
تَخَيَّرْتُ التَّبَاعُدَ عَنْ بِلَادِيْ |
وَذُقْتُ مِنَ الشَّدَائِدِ كُلَّ طَعْمٍ |
|
وَجُبْتُ مِنَ الفَدَافِدِ كُلَّ وَادِيْ |
وَعُمْتُ مِنْ السُّرَىٰ وَاللَّيْلُ دَاجٍ |
|
بِسُفْنِ العِيْسِ فِيْ لُجَجِ السَّوَادِ |
يَبِيْتُ عَلَى حَدَائِجِهَا فِرَاشِيْ |
|
وَيُصْبِحُ فَوْقَ أَرْجُلِهَا مِهادِيْ |
إلى أَنْ أَبْلَتِ الْأَسْفَارُ جِسْمِيْ |
|
وَأَخْفَانِيْ النُّحُوْلُ عَنِ العِبَادِ |
وَصُرْتُ كَأَنَّنِيْ سِرٌّ خَفِيٌّ |
|
بِأَفْئِدَةِ الرَّوَابِيْ وَالوِهَادِ |
فَيَا وَيْحَ المُتَيَّمِ كَمْ يُلَاقِيْ |
|
لِمَنْ يَهْوَى مِنَ النِّوَبِ الشِّدَادِ |
فَساعِدْ يَا إلٰهِيْ كُلَّ صَبٍّ |
|
فَإنَّكَ ذُوْ المَكَارِمِ وَالْأَيادِيْ |
* * *
وله أيضاً مخمّساً :
هَوَى قَلبِيْ الحِسَانَ وَما سَلَاهَا |
|
وَكَابَدَ لِلشَّدَائِدِ ما قَلَاهَا |
وَفَيْتُ لَها وَمَحْصُوْليْ جَفَاهَا |
|
وَغَانِيَةٌ عَذُوْلِيْ فِيْ هَوَاهَا |
عَدِيْمُ حِجَىً بَعِيْدٌ عَنْ صَوابِهْ
تَبَدَّتْ فِيْ التَّعَطُّفِ وَالتَّثَنِّيْ |
|
تُرِيْنِيْ لَمْحَةً وَتَصُدُّ عَنِّيْ |
وَحِيْنَ رَأَيْتُها بِالقُرْبِ مِنّيْ |
|
كَشَفْتُ نِقَابَها وَأَرَدْتُ أَنِّيْ |
أُقَبِّلُها فَقالَتْ : (لا مَنا بِهْ) (١٣)
وله أيضاً هذه الْأَبيات ، وقد التزم جَعْلَ مقلوب آخر كلمة من كلّ بيت أوّل كلمة للبيت اللاحق :
حَجَرٌ فِيْ فَمِ مَنْ لَامَ عَلَيْ |
|
حُبَّ ظَبْيٍ فِيْهِ لَهْوٌ وَمَرَحْ |
حُرِمَ السُّلوَانُ وَالصَّبْرُ ٱمْرِؤٌ |
|
لِبُدُوْرِ التَّمِّ وَالحُسْنِ لَمَحْ |
حَمَلَ الحُبَّ أَدِيْبٌ فَٱغْتَدَى |
|
فِيْ نَظَامِ الشِّعْرِ يُبْدِيْ ما مَلَحْ |
حَلُمَ الصَّبُّ عَلَى عُذَّالِهِ |
|
فَٱغْتَدَى أَثْقَلَ شَيْءٍ قَدْ رَجَحْ |
وله أيضاً :
أَفْدِيْ بِنَفْسِيْ وَمَا أَحْوِيْهِ غَانِيَةً |
|
مَالَتْ لِوِدِّيْ وَسِنِّيْ فِيْ الثَّمانِيْنِ |
مَا صَدَّهَا عَنْ وِصَالِيْ شَيْبُ نَاصِيَتِيْ |
|
وَلَمْ تَقُلْ إنْ أَرَدْتُ الوَصْلَ (مَانِيْنِيْ) (١٤) |
__________________
(١٣) لَا مَنَابِهْ : كلمة محلّية تقولها الفتاة في الْأَحساء للِتَّمَنُّع والتَّدَلُّل ، والمعنى : لا ما أنا بِراضية ، وكلمة (راضية) محذوفة للاختصار .
(١٤) مَانِيْنى : كلمة تمنّع ودلال تقولها الفتاة الْأَحسائيّة .
وقال أيضاً :
بِسَهْمِ لِحَاظِهِ عَمْداً رَمَانِيْ |
|
غَزَالٌ فِيْهِ جُمِّعَتِ الْأَمَانِيْ |
فَدَيْتُ بِمُهْجَتِيْ ظَبْياً إذَا ما |
|
أَرَدْتُ الوَصْلَ مِنْهُ قَالَ (مَانِيْ) (١٥) |
وله أيضاً في الحماسة مخمّساً ، والْأَصل ينسب لْأَحد أبناء الْأَئمّة عليهم السلام :
سَمَا فِيْ المَعَالِيْ كَهْلُنَا وَوَلِيْدُنا |
|
وَسُدْنَا فَأَهْلُ الْأَرْضِ طُرّاً عَبِيْدُنا |
وَلَمّا حَوَى دُرَّ المفاخِرِ جِيْدُنا |
|
غَنِيْنَا بِنا عَنْ كُلِّ مَنْ لَا يُرِيْدُنَا |
وَإنْ كَثُرَتْ أَوْصافُهُ وَنُعُوتُهُ
مَلَكْنَا نَوَاصِيْ المَجْدِ وَالفَضْلِ وَالعُلَا |
|
وَفُقْنَا بَنِيْ الدُّنْيَا أَخِيْراً وَأَوَّلَا |
أَلا إنَّ مَنْ وَالىٰ فَمِنَّا لَهُ الولَا |
|
وَمَنْ صَدَّ عَنَّا حَسْبُهُ الصَّدُّ وَالقَلَا |
وَمَنْ فاتَنا يَكْفِيهِ أَنّا نَفُوتُهُ
وله مشطّراً البيتين المذكورين :
(غَنِيْنَا بِنَا عَنْ كُلِّ مَنْ لَا يُرِيْدُنَا) |
|
وَإنْ سَارَ مَا بَيْنَ البَرِيَّةِ صِيْتُهُ |
عَلَوْنَا فَلَمْ نَحْفَلْ بِمَنْ شَطَّ وِدَّنَا |
|
(وَلَوْ كَثُرَتْ أَوْصَافُهُ وَنُعُوْتُهُ) |
(ومَنْ صَدَّ عَنّا حَسْبُهُ الصَّدُّ وَالقَلَا) |
|
يَسُوْمَانِهِ فِيْ الدَّهْرِ خَسْفاً يُمِيْتُهُ |
وَمَنْ جَاءَنَا بِالوُدِّ فَازَ بِوُدِّنَا |
|
(وَمَنْ فَاتَنا يَكْفِيْهِ أَنّا نَفُوْتُهُ) |
__________________
(١٥) مَانِيْ : بمعنى (مَانِيْنِيْ) وهي تقال على لسان نساء البحرين والجنوب العراقي .
المصادر :
١ ـ أنوار البدرين ، للشيخ علي البلادي البحراني .
٢ ـ شهداء الفضيلة ، للشيخ عبد الحسين الْأَميني .
٣ ـ ديوان الشيخ علي الشهيد الرمضان ، مخطوط .
٤ ـ التعريف بآل رمضان ، لمحمد حسين الرمضان ، مخطوط .
٥ ـ أعلام هجر ، لهاشم الشخص ، القسم المخطوط .
٦ ـ معجم شعراء الحسين ، للشيخ جعفر الهلالي ، مخطوط .
* * *
مُجدِّد والمذهب وسِماتهم البارزة |
|
بمناسبة مرور قرن على وفاة مجدّد القرن الرابع عشر الهجري
السيّد محمد رضا الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ تكريم العظماء الّذين صنعوا تاريخ الأُمّة هو من الواجبات الثقافية الهامّة ، حيث تترتّب عليه أُمور حيّويّة مثل : استلهام العزم والقوّة ، ورسم الخطط الصالحة للنجاح في الحياة ، وللدلالة على إمكانية التغلّب على المشاكل والعراقيل ، وتجاوز العقبات التي تعترض طريق التقدّم الحضاريّ ، والتزوّد من سيرة الماضين «أَمَلاً» بازدهار المستقبل .
وقد تميّز بين عُظماء تاريخنا المجيد ، أُولئك الّذين تكلّلت شاراتهم بوسام «التجديد» في رأس كلّ من القرون الخمسة عشر التي عاشتها الأُمّة الإِسلاميّة .
ومهما كان لخبر التجديد في الحديث الشريف ، من بحُوث وشؤون ، فإنّ الحقيقة الملموسة هي أنّ كلّ قرن قد تميّزت بداياتُه بتلألؤ نجمٍ لامعٍ من نجوم الأُمّة ، واهتزاز عَلَمٍ رفيع من أعلامها ، وبروز شخصية نابغة بين شخصيّاتها .
فقد
شهدت نهايةُ القرن الأول ، وبدايةُ القرن الثاني طلوعَ شمس العلم والمعرفة في المديْنة ، فتجدّدت حياة الدين والأُمّة على يد الإِمام أبي جعفر محمّد
بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، الباقر عليه السلام ، حيث رفع راية العلم ونشرها
خفّاقة على ربوع العالم الإِسلاميّ ، من خلال مدرسته التي أقامها في عاصمة الإِسلام وقطب رحاه «مدينة الرسول» فبقر العلم ، حتّى سُمّيَ باقر العلوم ، وشَقَّ عُباب المعارف الزخّارة ، وأروى الأُمّة من معين علومه ، بعد جفاف وقنوط طال أكثر من ستّين عاماً ، حيث عمدت أيدي العُصبة الأُمويّة ، وشراذمة الجاهليّة ، إلىٰ إبادة كلّ معالم الحضارة الإِسلامية من علم وأدب ورجال ونضال .
فأقام الإِمام الباقر عليه السلام الصرح العلميّ لمدرسة تربّت فيها أجيال من العلماء ، وازدهرت على يد ولده الإِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، ومن أوضح معالمها أربعة آلاف عالم وداعية للإِسلام ، وأربعمائة «أصل» من مصادر الشريعة الإِسلامية .
وعلى رأس القرن الثالث (سنة ٢٠٠) :
طلعَ نجمُ الإِمام الرضا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، فكان الحجّةَ القائمةَ في العالم الإِسلاميّ ، حيث ملأته سناءاً ونوراً ، وأعادت للإِسلام قوّته وصلابته ، بعد أن كادت الفلسفاتُ التي استوردها الخلفاء العبّاسيّون ، تهدّد قواعد الدين في نفوس الأُمّة ، وتنخر أُسسه التي ضعفت وضاعت بين ظلم الحكّام ولهوهم وزهوهم ، وبين الانحراف الذي عمّ البلاد والعباد ، حيثُ يكونون على دين ملوكهم .
فكان الإِمام الرضا عليه السلام ـ بحضوره ومواقفه الخالدة ـ مُنْجِداً للحقّ معيداً له إلى نصابه .
وعند ما كادت الحياةُ المترَفَةُ العبّاسيّةُ تقضي على ما لهذا الدين من بهاء وجلال وهيبة في النفوس ، وتُشكِّك الناسَ في كثير من الواقعيّات ! ؟ كان الإِمام وسيرته المعتمدة على الزهد والتقى يُعيد إلى المسلمين الثقة بحقيقة الإِسلام ، ويجسّد لهم كلّ تلك الواقعيّات .
وبعد
أن توغّلت محاولات الجُمود السلفيّ ، والخُمود الظاهريّ ، وراحتْ تستولي
على معالم الفكر وتُخْمد إشعاع العلم والاجتهاد ، فكانت محاولاتُ الإِمام الرضا عليه السلام فتحاً لآفاق التطلّع العلميّ لدى العلماء ، وكسراً لسدّ شبهات أُولئك البُلهاء ، فلذلك كان ظهور الإِمام عليه السلام تجديداً عينيّاً لهذا الدين .
وفي مطلع القرن الرابع :
حيث أُلجئتْ الإِمامةُ إلى الاستتار وراء حجب الغَيْبة ، كان وجود الشيخ أبي جعفر ، محمّد بن يعقوب ، الكلينيّ الرازيّ ، مجدِّداً للدين ، حيث عَمَدَ إلى تحديد النصوص الدالّة على أُصول المذهب وفروعه ، فجمعها في كتابه العظيم «الكافي» فحفَظَ به التراث الإِماميّ بأكمل شكل ، في أخطر أدواره ، عندما تعرّض لأعقد مشاكله صعوبةً ، وأضنك مراحله فَتْرةً وزماناً .
ودخل القرن الخامس :
وقد بدأت الحملات الطائفيّة على المذهب الإِمامي وسعى الحكّام المغرضون للاستفادة من الخلافات المثارة ، في صالح كراسيهم المهزوزة .
فكان لمواقف شيخ الطائفة وعماد الملّة ، وزعيم الأُمّة ، المعلّم العظيم ، الشيخ المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، ابن المعلِّم العكبريّ ، البغداديّ ، أثرُها الخالد في تثبيت القواعد الرصينة ، لأُصول المذهب القويمة ، وتحصينها ضدّ تلك الحملات الطائشة ، وإبراز أدلّتها وحُججها ، وتزييف دعاوى المعارضين ، بشكل كانَ له على كلّ الأُمّة مِنّة ، واستحقّ اسم التجديد بجدارة .
وأشرف القرنُ السادس على الأُمّة :
وقد اشتدّت الحملاتُ الطائفيةُ الطائشةُ ، بكلّ ضراوة ، وٱسْتُهْدِفَت الشيعة في الشرق والغرب ، وتمكّنت من القضاء على معالم أثرية لهذه الطائفة ، فحُرّقت مكتبات ، وهُدّمت مدارس وقُتل أعدادٌ من المسلمين المنتمين إلى هذا المذهب .
فكانت الزعامة الدينية مُتمَحْوِرةً على ابن شيخ الطائفة ، وهو الفقيه المحدّث الشيخ ، الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسيّ ، أبو عليّ ، الملقّب بـ «المفيد الثاني» .
فحمل الأمانة بصدقٍ وجدّ ، فحافظ على الثقافة العلميّة من أن تتعرّض لها الحملات ، وخرّج من مدرسته العشرات من التلامذة ، الّذين كانوا سَنداً للطائفة في حضارتها الثقافيّة ، وأساساً تبْني عليها مستقبلها المجيد .
وجاء القرنُ السابع :
والمأساة الطائفيّة قد فشلتْ في إدخال اليأس في قلوب الأُمّة ، فعادت الأُمّة تستجمع قواها ، وتستعيد حيويّتها ، فكانت الجهودُ تبذل من أجل إحياء المذهب في مدرسة الحلّة على يد أعلام من علمائها ومنهم آل طاوس ، وآل المحقّق ، وآل المطهّر ، ومدرسة الريّ على يد أعلام من علمائها ومنهم آل بابويه ، وقد تسنّم الفقيهُ سديد الدين محمود الحمّصي الرازي القمّة في زعامة الطائفة في بداية هذا القرن .
واستهل القرن الثامن :
وقد نبغ العلّامةُ على الإِطلاق ، الذي طَبَّقَ صيتُه الآفاق ، وتزعّمَ الحركةَ التجديديّة لمعالم الدين في العقيدة والشريعة ، فأحيىٰ المدارسَ وجدّد المعاهدَ ، ودعم المذهبَ ، بإبراز معالمه حتى انتشر واشتهر ، واقتنع مَنْ عرفه بأحقّيته ، وصحّته ، ودخل قلوب كثير من الملوك والأُمراء والوجهاء ؛ حتى عمّ .
وأهمّ إنجاز لهذا المجدّد العظيم أنّه اخترق عائلة المغول الّذين داهموا البلاد الإِسلاميّة ، فأسلم حاكمهم على يد العلّامة الحلّي ، وبذلك أخفقت نوايا الغزاة وانصهروا في بوتقة القوّة الإِسلامية .
وفي مطلع القرن التاسع :
توحّدت
القيادة للشيخ الأجلّ ، الفقيه الأعظم الشيخ شرف الدين
أبي عبد الله ، المقداد بن عبد الله ، السيّوريّ الحلّي الأسديّ ، فأرسىٰ قواعد المذهب في الأُصول والفروع على شواطیء الأمان .
ومع حلول القرن العاشر :
كانت الزعامة منقادة للمجدّد العظيم ، الشيخ عليّ بن عبد العالي الكركي العاملي ، فحمل مشعل المذهب ببطولة نادرة ، وحقّق العلوم بجدارة فائقة ، وروّج للحقّ ، وبسط نفوذه حتى دُعي «بالمحقّق الثاني» و «مروِّج المذهب» .
وعندما كان القرن الحادي عشر :
كان في مقدّمة العلماء الشيخ البهائيّ ، بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد ، العامليّ الحارثيّ ، رافعاً لأعلامه ومُحْيياً لعلومه وناصراً للحقّ .
وبدأ القرن الثاني عشر :
فكان العلّامة المجلسيّ ، المولى ، الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقی الأصفهانيّ شيخ الإِسلام ، المجدّد لعلومه ، والمضيء الدرب لروّاده في العقيدة والشريعة ، ولقد كان إنجازه العظيم بتأليف الحديث الشريف في موسوعة «بحار الأنوار» إنجازاً تراثيّاً ضخماً ، حفظت به الأحاديث من الضياع ، والكتب من التلف .
ومع ظهور القرن الثالث عشر :
وقد
كان قد مضى على الانقسام الداخلي بين الطائفة ، بظهور النزعة الأخبارية المتطرِّفة ، أكثر من قرن ونصف ، بزغ نجم فقيه أهل البيت ، ومحقِّق أُصول
المذهب ، ومحيي معالم الحقّ ، الإِمام المجدّد المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل ،
الوحيد البهبهانيّ ، بعد أن كادت تعْصف بمعالم الحركة الفكرية ، المحاولات التي تدعو إلى الظواهرية ، والرافضة للجهود العقلية ، ممّا أشرف بالفكر الشيعيّ على التردّي في
هاوية
الجمود والتخلّف ، والتأخّر ، فكان لهذا الإِمام الوحيد اليد البيضاء في تدارك الأمر ، ودحر الأخبارية ، بتزييف دعاواهم ، والردّ على شبهاتهم ، ففتح للفقه آفاقه الواسعة ، وعبّد له مشارعه الغنيّة بمعين الاجتهاد المستمدّة من أُصول أهل البيت وفقههم .
ولم يحلّ القرنُ الرابع عشر :
إلّا وعلى رأس الطائفة نجم من آل الرسول ، يحمل لواء المذهب بيد منيعة ، وهمّة قعساء ، وإرادة صلبة ، وتدبير حازم ، فمنع حماها من السقوط في مخالب الهيمنة الصليبيّة الكافرة متمثلة في الاستعمار الانكليزيّ ، في بدايات عصر تغلغله في البلاد الإِسلامية ، ألا وهو السيّد الميرزا محمد حسن المجدّد الشيرازيّ قدّس الله سرّه .
وعلى مشارف القرن الخامس عشر ـ هذا الذي نعيش عقده الثانی ـ :
طلع نجم آل محمّد ، الفقيه العارف ، الحكيم العامل ، الإِمام الخميني ، ليبثّ الروح إلى الْأُمّة الإِسلاميّة ، لتستعيد كرامتها المهدورة تحت ضغوط الاستعمار المعاصر ، وليُحْيي في نفوس المسلمين الشعور بالعزّة التي كتبها الله لهم ، على رغم استيلاء الكفر العالميّ بِخَيْلِه ورَجْلِه ، على كافّة الشؤون والمرافق الحيويّة ، ويسجّل انتصار العقيدة والإِيمان على جحافل المكر والسلطة والقوّة ، تحقيقاً لوعد الله بالنصر للمؤمنين ، وتمهيداً لسلطان المهديّ من آل محمّد ، الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعد أن مُلِئَت ظلماً وجوراً .
فهؤلاء الّذين حملوا أوسمة التجديد ، بما تمتّعوا به من المزايا التي أهّلتهم لذلك ، ونلخّصُ أهمّ المزايا فيما يأتي :
١ ـ المرجعيّة :
فإنّ
الذين استحقّوا هذا الوسام ، إنّما كانوا من المجتهدين ، وقد أقرّت الطائفة لهم بالتفوّق الفقهيّ ، معتمدين نفس الأساليب والمناهج والمصادر التي تداولها
الأصحاب ، فانقادتْ لأقوالهم بالقبول والتقليد .
٢ ـ النهوض في مدافعه المخالفين :
ولكلّ واحد من المجدّدين ، دورٌ عظيمٌ في إحياء الإِسلام والدفاع عنه ، في مواجهة أَيّ خطر يهدّد كيانه ، إنْ بالحرب والجهاد ، أو بالصلح والعلم ، والسعي في نشر الفكر الإِسلاميّ وبثّه وإظهار حقّانيّته وعظمته ، وإزاحة سحب الضوضاء ، وظلمات الجور عن حقائقه القيّمة سَعياً في تعميق الالتزام به عند المسلمين ، ومحاولة لهداية مَنْ لا ينتمي إليه .
٣ ـ الشجاعة والتضحية :
والمميّز الهام في حياة المجدّدين هو اتّخاذهم المواقف الجريئة عند تعرّض المذهب لهجمات عدائيّة من دون التوقّف أو التلكّؤ في سبيل تحقيق الأهداف ، واقتحام الأهوال الجسام ، وتحمّل المصاعب في سبيل إعلاء كلمة الله ، ورفع رايته خفّاقة .
٤ ـ الأخلاق الإِسلاميّة العالية :
ويتمتّع المعروفون بالتجديد بالأخلاقيّة المثاليّة المتفرّدة ، بحيث يمثّل الواحد منهم القيادة الإِسلامية الحقّة ، بكلّ مواصفاتها ، وخصائصها ، فتكون أخلاقهم تجسيداً للخُلُق العظيم الذي رسمه الله صفة للنبي الأكرم صلّی الله عليه وآله وسلّم .
٥ ـ الموسوعية :
ويشترك هؤلاء المجدِّدون ، في أنّهم كانوا على سعة من العلم بالمعارف الإِسلامية والإِلهيّة ، باعتبارهم الأعلام الّذين يُشار إليهم بالبنان ، وتتوجّه إليهم النفوسُ والأعينُ ، وذلك ليفوا بحاجات الْأُمّة ، وتدارك طلباتها ورغباتها بيُسْرٍ وصدقٍ .