مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٨
تراثنا |
|
|
العدد الثالث [ ٢٨ ] |
السنة السابعة |
|
الفهرس
õ كلمة العدد :
õ الفاجعة العظمى .
.......................................................................... هيئة التحرير ٧
õ من الأحاديث الموضوعة (٨) :
õ الأحاديث الواردة في الخلفاء على ترتيب الخلافة .
...................................................... السيّد عليّ الحسينيّ الميلانيّ ١٥
õ النحو لغةً وﭐصطلاحاً .
...................................................... السيّد عليّ حسن مطر ٥٧
õ من التراث الأدبي المنسي في الأحساء (١٢) :
õ الشيخ عليّ الرمضان .
....................................................... السيّد هاشم محمّد الشَخْص ٧٣
ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠ |
|
|
رجب ـ شعبان ـ رمضان |
١٤١٢ هـ |
õ مجدِّدو المذهب وسماتهم البارزة .
........................................................ السيّد محمّد رضا الحسينيّ ٩٥
õ الإِمامة : تعريف بمصادر الإِمامة في التراث الشيعي (١١) .
............................................................... عبد الجبّار الرفاعي ١٠٧
õ من ذخائر التراث :
õ تخميس لاميّة العجم ـ للشيخ الحرّ العاملي .
............................................................ تحقيق : أسعد الطيّب ١٦٣
õ أسماء السور القرآنيّة ـ للشيخ الكفعمي .
............................................... إعداد : السيّد محمّد رضا الحائري ١٩٣
õ من أنباء التراث .
.......................................................................... التحرير ٢٣٥
õ صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة « ديوان الحرّ العاملي » المستلّ منه « تخميس لاميّة العجم » المنشور في هذا العدد ، ص ١٦٣ ـ ١٩٢ . |
كلمة العدد :تأبينٌ بمناسبة رحيل سماحة المرجع الدينيّ الأعلىٰ زعيم الحوزة العلميّة الإِمام الفقيد السَّيِّد ابُو القٰاسِم المُوسَويّ الخُوئيّ قدّس الله سرّه الشريف (õ) |
الفاجعةُ العُظمىٰ !
القِمم الشمّاء التي يُطمح إليها ـ في الحضارات البشريّة ـ معدودة ومحدودة ، وهي صعبة المنال ، وعلى مدى العصور والأيام .
والّذين يَبْلُغون تلك القممَ ، ويُحقّقون طموحاتهم ، ويتجاوزون كلّ العقبات ، هم الأقلّ في مجموع مَنْ يهوىٰ ذلك ، ويطمع في الارتقاء ، أو يُحاول ، فتعوقه الهمّةُ أو تطويه الأعاصير ، قبل أن ينال شأواً ، أو يرتفع في سماء !!
والمرجعيّةُ العُلْيا ، في قاموس تاريخنا ـ نحن الشيعة الإِمامية ـ من المناصب الدينيّة المقدّسة التي تتطلّب فيمن يرقىٰ إليها نبوغاً وقابليّاتٍ ، وبحاجةٍ إلى التفرّد في التقوىٰ والإِخلاص والورع ، والتقدّم في العرفان والسلوك ، بما يختصّ به المراجع الّذين نالوا هذه المرتبة السامية .
وهذا المقام المقدّس كذلك يتطلّب رعايةً أبويّة يُضفيها المرجع على الطائفة
__________________
(õ) نظراً لتأخّر صدور هذا العدد عن موعده المقرَّر ، وصادف ذلك وفاة الإِمام الخوئي قدَّس سرُّه الشريف ، فقد تمَّ إدراج هذا التأبين فيه هنا ، فعذراً للقرّاء الكرام .
بكلّ قطّاعاتها ومرافقها وشؤونها .
كما يقتضي بطولة وصموداً في تحمّل مسؤوليّات الفترة والعصر ، بما في ذلك مشاكله ومآسيه ، فيقدّم لها الحلول المناسبة ، ويُرسي سفينة الطائفة إلى ساحل الأمان .
وتأريخ المرجعيّة يمتدّ منذ زمان حضور الأئمّة عليهم السلام ، متمثّلاً في وكلائهم الخاصّين ، وبعد غَيْبة الإِمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف متمثّلاً في وكلائه ونوّابه العامّين ، وهم القائمون على أُمور الطائفة وشؤونها العلميّة ، من فقهيّة وعقيديّة ، ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية ، بما في ذلك رعاية المؤسّسات الخيريّة والمبرّات ، ودعم الأعمال والحركات الإِصلاحيّة ، وإنجاد الْأُمّة في ضروراتها الطارئة .
وأهمّ ما تقوم به المرجعيّة هو دعم النشاط الديني بتربية الكوادر وتوجيهها وتنظيم بعثاتها ودعمها ، وإسناد مشاريعها ، كلّ ذلك إقامةً لشعائر الدين الحنيف وإرساءاً لقواعده القويمة .
وقد كان المراجع العظام ـ على طول خطّ تاريخ المرجعيّة ـ الملاجئ الآمنة للْأُمّة في مواجهة الحملات الشرسة من قبل أعداء العقيدة والإِيمان ، وأعداء الشعوب والأوطان ، إنْ بشكلها الطائفيّ والقبليّ القديم ، أو بشكلها الاستعماريّ الحديث .
فهم حماة الشريعة والملّة ، ورعاة الْأُمّة ، في أحوال السلم بعلومهم وأقلامهم ، وفي أحوال الحرب والجهاد بأسلحة القوّة والإِعداد ، وهم السدود المنيعة ضدّ تسرّب سموم الشبهات ، وحملات الغواة ، بفتاواهم الرشيدة ، وآرائهم الحميدة ، وخطواتهم السديدة ، وجهادهم المرير ، وجُهدهم الشاقّ العسير .
والإِمام الخوئيّ ، الذي افتقدناه ، هو واحد من أعمدة
المرجعية العليا في التاريخ المعاصر ، والذي ازدانت به بلياقة فائقة ، حيث تسنّمها وهو في أعلى
مستويات الأهليّة لها من حيث العلم والورع والصمود ، فأخذ بزمامها في أحلك فترات التاريخ تأزُّماً وحرجاً واضطراباً .
ففي مجال العلم :
فمنذ أن التحق بالحوزة العلمية وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، في ١٣٣٠ هـ ، لم يزل يُرقِلُ في مدارج الدراسات الدينية ، حتى بلغ رتبة التدريس في عصر أساتذته ، فعقد حَوْزة درسه في الدراسات العُليا بعد وفاة أُستاذه الأخير ، الشيخ النائينيّ سنة ١٣٥٥ هـ ، وظلّ يمارس الاشتغال بِدَأَب ، ومن دون انقطاع ، حتى آخر أيّام حياته في ١٤١٣ هـ ، فقاد الحركة العلميّة في النجف الأشرف أكثر من نصف قرن ! وتولّى زعامة الحوزة المقدّسة بلا منازع ، بحيث أصبح درسه محوراً لسائر دروس الحوزة ، تدور حوله شروعاً وختماً ، على طول الفترة التي تزعّم فيها .
وقد امتاز درسه بما استقطب أكبر عدد من طلّاب الدراسات العُليا ، الوافدين إلى النجف الأشرف ، لاستكمال معارف الفقه وأُصوله ، وبلوغ درجة الاجتهاد في تلك الجامعة الدينية .
ومن تلك الميّزات :
١ ـ الإِحاطة التامّة بالمطالب المطروحة على طاولة البحث ، مع استيفاء النظر في مبانيها ونقدها على اختلاف المناهج القديمة والحديثة .
٢ ـ ما تمتّع به بيان السيّد من الوفاء والوضوح والسهولة :
فكان يعمد إلى تبسيط أعقد المطالب العلميّة ، بأوضح عبارة ، بحيث يستفيد منه المبتدئون بلا مشقّة ، كما ينتفع منه المتقدِّمون بلا ملل ، ومن دون أن يقصر من محتوى البحوث من حيث الدقّة والعمق والشمول ، في كلا مجالي النقد والعرض .
٣ ـ الجدّيّة في مواصلة الدرس والتحقيق :
وامتاز السيّد رحمه الله بالتزامه بتقليل العطل الدراسية مهما أمكن ، وعدم موافقته على تعطيل الدراسات لأُمور غير ضروريّة أو مُلجئةٍ كالسفر والمرض ، مع ما كان يكلّفه التحضير للدرس من وقتٍ وجهدٍ ، خاصّة في الربع الأخير من أعوام مرجعيّته الواسعة الأرجاء ، والظروف الاجتماعية التي ابتُليت الطائفةُ بها ، فقد كان يحضّر لدرس الفقه ـ يوميّاً ـ أكثر من ثمان ساعات متواصلة ؛ حتى أنّ ما كان عليه من كِبَرِ السنّ وأعراض الشيخوخة ، وكثرة المراجعات والاستفتاءات الفقهية ، وحتى بعض الأمراض ، ما كانت لتعوقه عن المطالعة والبحث والتنقيب في المصادر ، والمواظبة على قراءة الكتب التي كان يتابع مطالعتها .
٤ ـ تواضعه البليغ للطلّاب :
وتميّزت أخلاقية السيّد رحمه الله بالتواضع لطلّاب العلم ، وبالأخصّ لمن يتوسّم فيهم الجدّيّة ، والمتميّزين ، فكان يرعاهم بحسن الاستماع ، وهدوء الجواب ، والتكرار والتوضيح بعبارات مختلفة حتى يقتنع السائل ، وكثيراً ما كان يعدّل نظريّاته وآراءه على أثر ما يتوصّل إليه الطالب ، فالحقّ والصواب هو المنشود .
هذه الميّزات ، وغيرها ، هي التي أغنت الحوزة العلميّة النجفيّة بدروس السيّد الْأُستاذ وحلقة درسه التي تعدّ من أكبر الحلقات وأعمقها .
وأثْرَت المجتمع العلمي بثلّة من الّذين ارتووا من نمير علوم الدين من هذا البحر الخضمّ ، والحبر الأعظم ، وفيهم من يتسنّم ـ اليوم ـ منابر الدراسات العليا في الحوزات العلمية ، ومن هو مرشّح للمرجعيّة العليا ، والقيام بمهامّ السيّد الفقيد ، من التدريس والإِفتاء في الحوزة النجفيّة .
كما
أنّ جهوده العلميّة طوال هذه الفترة ، أنتجت العشرات من المؤلّفات والمصنّفات الفقهية والْأُصولية ، سواء تلك التي خلّدها السيّد رحمه الله بقلمه
الشريف في الفقه والْأُصول والتفسير والرجال والعقائد ، ممّا سوف يخلد ذكره بها ، أو تلك التي كُتبتْ كمذكّرات وتقريرات لدروسه القيّمة (١) .
ومن أهمّ إنجازاته العلميّة : تركيزه على اعتماد النصوص بعد المعالجات الرجالية لرواة أسانيدها ، هذا الذي أدّى إلى إحياء « علم رجال الحديث » مرّة أُخرى في مجال الدراسات العُليا ، بعد أن طغت عليها المزاولات الْأُصولية والعقلية ، واعتماد الشهرة ، وعدم الاهتمام البليغ بتنقيح الأسانيد .
فكان اعتماد السيّد رحمه الله على منهجه الرجاليّ سبباً للاهتمام الأكبر بهذا العلم ، وقد أحياه عملياً بتأليف كتابه الخالد « معجم رجال الحديث » آخر موسوعة قيّمة في هذا العلم ، الذي يعدّ من أعظم فروع المعارف الإِسلامية غنىً وأثراً في تحديد المصادر الموثوقة للمعرفة الإِسلامية بكلّ فروعها .
وكان من مجموع نشاطاته الواسعة ، الطويلة : أن فتح السيّد رحمه الله لآرائه العلمية ، ومبانيه الرصينة ، مجالاً في « الدراسات الإِسلامية » وفرضها على كافّة الأصعدة ، فلا تخلو واحدة منها من عرض نظريّاته ، في الفقه ، والْأُصول ، والرجال ، بل تعتبر نظريّاته أحدث ما توصّلت إليه المعرفة الإِسلامية ، ومناهجها الدراسيّة ، في حلقات الحوزة العلمية المقدّسة ، في النجف الأشرف ، وفي سائر البلاد .
وأمّا في الورع والتقى والزهد والعبادة :
فقد كان يُضرب به المثل ، ويعدّ من المتألّقين في الدرجات العليا في الورع والزهد ، والإِخلاص والعبادة ، والذكر والتلاوة كان حافظاً للقرآن الكريم على ظهر خاطره ، يتلوه حضراً وسفراً ، كلّ هذا مع ما كان يتمتّع به من طيب
__________________
(١) لقد عدّد السيّد رحمه الله هذه المؤلّفات في كتابه « معجم رجال الحديث » عند كتابته لترجمة ذاتيّة لنفسه ، فراجع ج ٢٢ ص ٢٥ من الطبعة الْأُولى .
المجلس ، ولطافة الحديث ، وحلاوة النكتة ، وما كان يُبديه للآخرين من العطف والرأفة والملاطفة والمؤانسة .
ومن خصوصيّاته : حرصه الشديد على المحافظة على الحقوق الشرعيّة ، والمحاسبة الصارمة على مصارفها ، والتدقيق في حساباتها ، ورفض التهاون في أمرها ، وعدم الموافقة على ما يحتمل التفريط في شيء منها ، مهما قلّ أو صغر ، وممّن كان من صديق أو قريب !
ومن نوادر أخلاقه : أنّه رضوان الله عليه كان يكرّر كلمة « لا أدري » إذا سُئل عمّا لم يستحضر كلّ جوانبه وشؤونه ، وإن كان عارفاً بأكثر ما يرتبط به ، ويقول : ما دمتُ لا أعرف الموضوع من كلّ جهة ، فأنا « لا أدري » وما أرى نفسي أهلاً للحديث عنه !
ومن أمثلة خلقه الكريم : أنّه كان صبوراً على المكاره ـ وخاصّة ما كان يصدر من مُناوئيه من الأذى ـ في سبيل الله ، ولم يعهد أنّه قابل المفترين عليه بكلمة تسوؤهم ، أو تخدش في مواقعهم الاجتماعية ، ويراعي في ذلك حفظ المصلحة العامّة ، متحمّلاً على مضض الدعايات المغرضة ، وملجئاً جزاءها إلى « يوم يُوعدون » .
هذا ، مع ما كان عليه من موقع اجتماعيّ يمكِّنه من الدفاع عن نفسه ، وزعزعة ما يستند إليه أُولئك من عرش وفرش ونقش .
وقد كان صلباً في مواقفه ، عندما يتحقّق من أمرٍ ، لا يتهاون في الإِقدام عليه ، ولا يهاب أحداً في إبداء رأيه الذي توصّل إليه من خلال الأدلّة المعتمدة ، سواء في المجالات العلمية ، أو الحياة العملية ، ولا يستوحش من رأيٍ أو فتوىً أوصلته إليه أدلّته ، مهما كان مخالفاً للمشهور .
وقد كان هو أول من أعلن عن كفر الشاه المقبور في ( تصريحاته الخطيرة ) التي أعلنها في بداية حركة الشعب الإيرانيّ المسلم ضدّ نظام الملكيّة البائد .
وهو منفرد ـ بين المراجع المعاصرين ـ بالقول بوجوب الجهاد الابتدائي إذا توفّرت عناصر القوّة والإِعداد للمسلمين .
وهو ينكر وقوع النسخ في آيات القرآن عدا آية النجوىٰ .
وبطولاته في مواجهة المعتدين على كرامة العتبات المقدّسة :
من الأجانب الْأُوربيّين والأمريكيّين ، وأذنابهم الحكّام الغاصبين ، تعدّ من أبرز أوجه عظمته وصلابته ، فقد هبَّ للدفاع عن كرامة الإِسلام والمسلمين ، والمحافظة على قدسيّة العتبات المقدّسة ، والحوزة العلمية ، وإن كان على حساب شخصه وعلى حساب كرامته ومكانته الاجتماعية ، وما عاناه في هذه السبيل من مضض ، حتى قضى نحبه مليئاً قلبه بالآلام ، ومثقلاً بالمصائب العظام .
ومن أغرب ما سُمع منه في المحنة التي مرّت به في آخر سنيّ عمره الشريف ، وصيّته للمبتدئين بالدراسة الدينية في الحوزة بمواصلة الجدّ والسعي إلى نيل الاجتهاد في علوم الشريعة ، معلناً أنّ هذا هو الواجب الأساسي لطلّاب العلم .
أوصى بذلك بعض الطلبة ممّن عاشوا مع السيّد قدّس الله سرّه الشريف أيّام الأزمة التي حلّت به .
وهذه الوصيّة تدلّ على أنّ السيّد ـ رغم المصائب التي ينهار عندها الكثيرون ـ كان قويّ التصميم على المضيّ قدماً في سبيل بثّ روح القوّة والأمل في النفوس متجاوزاً كلّ العراقيل والمشاكل ، وبفرض علمه الواسع وتبحّره ، وطول التجربة التي عاشها ، كان يركِّز على أهمّ الجوانب التي تحفظ كيان الإِسلام وهي مصدر كرامة الْأُمّة وسعادتها وهو الأمر الذي يجدّ الأعداء في الانقضاض عليه ، وتبديد آثاره : وهو الاجتهاد في علوم الشريعة .
ولقد
استهدفتْ هذا العَلمَ الشامخَ سهامُ الحقد الطائفي ، حتى عرّضوه في أواخر أيّام حياته لأنواع الظلم والاضطهاد ، فقضى نحبه ، وانتقل إلى الرفيق
الأعلى في ٨ صفر ١٤١٣ هـ .
ولاحقه الحقد الطائفيّ بعد الموت ، وطال العدوان جسده الشريف ، حيث مُنع من كلّ أشكال التكريم والتشييع ، بل دُفِنَ سرّاً في مَثواه الأخير .
ونحنُ إذ نُؤَبِّنُ هذا الطود العظيم ، نودّعه نائحين :
سيّدنا ، فلئن فقدناك ونحن معتزّون بك فقيهاً جامعاً ، وأباً رحيماً ، ومفزعاً ومرجعاً ، فإنّ التاريخ قد خلَّد اسمك وسجَّل جهودك وجهادك ، بأحرف من نور ، لا ينمحي مدىٰ الدهر ، ولا ينطفئ رغم التعتيم والظلام .
وأمّا ظالموك فالتاريخ لهم بالمرصاد ، مهما طالت بهم الْأَيّام ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) .
ونسأل الله أن يحمد عناءك ، ويرفع في الدرجات العُلا مقامك ، وجزاك عنّا خير الجزاء ، وأحسن لنا فيك العزاء ، إنّه ذو الجلال والإِكرام .
إنّا لله وإنّا إليه راجعون . . .
هيئة التحرير
من الأحاديث الموضوعة (٨) |
|
الأحاديث الواردة في الخلفاء على ترتيب الخلافة |
|
السيّد عليّ الحسيني الميلاني |
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .
وبعد :
فقد ذكرت في بعض بحوثي بعد حديثٍ : إنّ كلّ حديث جاء في مناقب الخلفاء ، وذُكِرَت فيه أساميهم على الترتيب فهو حديث موضوع بلا ريب . . .
فطلب منّي بعض القرّاء الأفاضل إثبات ذلك عن طريق التحقيق في أسانيد عدّةٍ من الأحاديث ـ من هذا القبيل ـ الخرّجة في الصحاح والكتب المعتبرة . . . فكانت هذه الرسالة . . .
ثمّ
ظهر لي أنّ الحكم بالوضع لا يختصّ بأخبار أبواب المناقب ، بل أكاد أقطع بأنّ كلّ حديثٍ كان كذلك في مطلق الأبواب فهو موضوع ، حتى التي جاء فيها عن رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم أنّه يقول : جئت أنا وأبو بكر
وعمر وعثمان . . . خرجت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان . . . أين أبو بكر وعمر وعثمان . . .
وقد يكون فيها ذكر « عليّ » بعدهم وقد لا يكون ، ولربّما جاء اسمه مقدّماً على « عثمان » لكنّهما متى ذُكرا فهما مؤخَّران عن أبي بكر وعمر . . . !
ومن الطريف أنّي وجدت حديثاً قد وضع فيه الكذّابون هذا المعنى عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام ، ليكون إقراراً منه بذلك ، فلا يبقى لأحدٍ اعتراض عليه . . . !! :
أخرج البخاري ، قال : حدّثني الوليد بن صالح ، حدّثنا عيسى بن يونس ، حدّثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكّي ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس . . . » .
وأخرج مسلم ، قال : « حدّثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وأبو الربيع العتكي وأبو كريب محمد بن العلاء ـ واللفظ لأبي كريب ـ قال أبو الربيع : حدّثنا ، وقال الآخران : أخبرنا ابن المبارك ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سمعت ابن عبّاس يقول :
وُضع عمر بن الخطّاب على سريره ، فتكنّفه الناس يدعون ويثنون ويصلّون عليه قبل أن يُرفع ـ وأنا فيهم ـ قال : فلم يرعني إلّا برجلٍ قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفتُّ إليه فإذا هو عليّ ، فترحّم على عمر وقال : ما خلّفتَ أحداً أحبّ إليَّ أنْ ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إنْ كنتُ لأظنّ أنْ يجعلك الله مع صاحبَيْك ، وذاك أنّي كنت أُكثّر أسمع رسول الله صلّی الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول : جئت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، فإنْ كنتُ لأرجو ـ أو لأظنّ ـ أن يجعلك الله معهما » (١) .
وكذا أخرجه غيرهما ، كابن ماجة . . . فرواه بإسناده عن عمر بن سعيد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس . . .
لكنه حديث موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام . . . لأنّ مداره على
__________________
(١) صحيح البخاري ٥ / ٦٩ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٢ .
« ابن أبي مليكة » هذا الرجل الذي يعدّ من كبار النواصب المبغضين له ولأهل البيت عليهم السلام ، حتى كان قاضي عبد الله بن الزبير ومؤذّنه . . . (٢) .
واللهَ أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يوفّقنا لتحقيق الحقّ واتّباعه ، إنّه هو البرّ الرحيم .
õ õ õ
__________________
(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٦٨ .
الحديث الأوّل
أخرج البخاري ، قال :
« حدّثنا محمد بن مسكين أبو الحسن ، حدّثنا يحيى بن حسّان ، حدّثنا سليمان ، عن شريك بن أبي نمر ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : أخبرني أبو موسى الأشعري : أنّه توضّأ في بيته ثم خرج ، فقلت : لألزمنَّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، ولأكوننَّ معه يومي هذا . قال : فجاء المسجد فسأل عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقالوا : خرج ووجّه هٰهنا ، فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس ، فجلست عند الباب ـ وبابها من جريد ـ حتى قضى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حاجته فتوضّأ ، فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريسٍ ، وتوسّط قفّها وكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر ، فسلّمت عليه ثم انصرفت ، فجلست عند الباب فقلت : لأكوننَّ بوّاب رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم اليوم .
فجاء أبو بكر فدفع الباب . فقلت : من هذا ؟!
فقال : أبو بكر .
فقلت : على رسلك . ثم ذهبت فقلت : يا رسول الله ! هذا أبو بكر يستأذن .
فقال : إئذن له وبشّره بالجنّة .
فأقبلت حتى قلت لأبي بكر : أُدخل ، ورسول الله يبشّرك بالجنّة .
فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم معه في القفّ ، ودلّى رجليه في البئر كما صنع النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وكشف عن ساقيه .
ثم
رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني . فقلت : إنْ يرد الله
بفلانٍ خيراً ـ يريد أخاه ـ يأت به ، فإذا إنسان يحرّك الباب .
فقلت : من هذا ؟!
فقال : عمر بن الخطّاب .
فقلت : على رسلك ، ثم جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فسلّمت عليه ، فقلت : هذا عمر بن الخطّاب يستأذن .
فقال : إئذن له وبشّره بالجنّة .
فجئت فقلت له : أُدخل ، وبشّرك رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بالجنّة .
فدخل فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في القفّ عن يساره ، ودلّى رجليه في البئر .
ثم رجعت فجلست فقلت : إنْ يرد الله بفلانٍ خيراً يأت به . فجاء إنسان يحرّك الباب .
فقلت : من هذا ؟!
فقال : عثمان بن عفّان .
فقلت : على رسلك . فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فأخبرته .
فقال : إئذن له وبشّره بالجنّة على بلوىً تصيبه .
فجئته فقلت له : أُدخل ، وبشّرك رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بالجنّة على بلوىً تصيبك .
فدخل فوجد القفّ قد ملئ ، فجلس وجاهه من الشقّ الآخر .
قال شريك : قال سعيد بن المسيّب : فأوّلتُها قبورهم » (٣) .
وأخرجه مسلم بالإِسناد واللفظ . . . (٤) .
__________________
(٣) صحيح البخاري ٥ / ٦٨ .
(٤) صحيح مسلم ٧ / ١١٨ .
وقال البخاري : « حدّثنا يوسف بن موسى ، حدّثنا أبو أُسامة ، قال : حدّثني عثمان بن غياث ، حدّثنا أبو عثمان النهدي ، عن أبي موسى . . . » (٥) .
وقال مسلم : « حدّثنا محمد بن المثنّى العنزي ، حدّثنا ابن أبي عديّ ، عن عثمان بن غياث ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى الأشعري . . . » (٦) .
وأخرجه غيرهما كذلك . . .
أقول :
ترجمة شريك بن أبي نمر :
ففي السند الأول : شريك بن أبي نمر :
قال ابن معين : ليس بالقويّ .
وقال النسائي : ليس بالقويّ .
وقال ابن عديّ : إذا روى عنه ثقة فإنّه ثقة .
وكان يحيى بن سعيد لا يحدّث عنه .
وقال الساجي : كان يرى القدر .
ووهّاه ابن حزم لأجل حديثه في الإِسراء .
وذكر الذهبي الحديث فقال : هذا من غرائب الصحيح (٧) .
ترجمة عثمان بن غياث :
وفي السند الثاني : عثمان بن غياث :
قال الدوري عن ابن معين : كان يحيى بن سعيد يضعّف حديثه في التفسير .
__________________
(٥) صحيح البخاري ٥ / ٧٤ .
(٦) صحيح مسلم ٧ / ١١٧ .
(٧) ميزان الاعتدال ٢ / ٢٦٩ ، تهذيب التهذيب ٤ / ٢٩٦ .