التّفسير الكاشف - ج ٥

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٥

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٤

لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))

اللغة :

الهون الرفق واللين. والإسراف مجاوزة الحد. والتقتير التضييق. والقوام وسط بينهما. ومتابا مرجعا حسنا. وقرة العين كناية عن السرور لأن العين تستقر عنده. والغرفة كناية عن الدرجة الرفيعة. ولزاما لازما.

الإعراب :

عباد الرحمن مبتدأ ، والذين يمشون خبر. وهونا حال من واو يمشون. وسلاما نصب على المصدر. وسجدا وقياما حال. ومستقر ومقاما تمييز. وكان بين ذلك أي وكان الإنفاق. ويضاعف بالجزم بدلا من يلق. ومهانا حال. وكذلك كراما وصما وعميانا. ودعاؤكم مبتدأ محذوف الخبر أي لو لا دعاؤكم موجود.

المعنى :

بعد أن ذكر سبحانه صفات الكافرين ، وتوعدهم عليها ذكر ـ على عادته ـ صفات المؤمنين وما أعده لهم عليها من الأجر والثواب ، وهذه هي صفاتهم : ١ ـ (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً). قال الإمام جعفر الصادق في تفسير ذلك : «هو الرجل يمشي على سجيته التي جبل عليها ، لا يتكلف ولا يتصنع». أجل ، على سجيته يمشي من غير تصنع .. ومنفردا ، لا حواشي وأتباع من خلفه ، ولا خدم وحشم من أمامه يركبون الخيول أو الدراجات النارية

٤٨١

تزعج الناس بأصواتها إعلانا عن مقدمه ليفسحوا له ويصفقوا إجلالا وتعظيما.

٢ ـ (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً). المراد بخطاب الجاهلين سفاهة السفهاء ، كهزئهم أو شتمهم أو جدالهم بالهوى والغرض .. وسلاما كناية عن تجاهلهم والإعراض عنهم استخفافا بشأنهم ، وترفعا عما لا يليق بالرجل الكريم ، والمعنى ان المؤمن إذا سمع كلمة السوء تجاهلها حتى كأنه لم يسمعها أو كأن المقصود بها غيره ، وهذا هو الهجر الجميل المراد بقوله تعالى : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) ـ ١٠ المزمل. وليس من شك ان الإعراض عن السفيه انما يحسن حيث لا قوة تردعه وإلا وجب تأديبه ، ولا بد من تقييد الآية بذلك.

٣ ـ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً). يبيتون أي يدركهم الليل. والمؤمنون ينصرفون في ظلمة الليل الى الله وعبادته ، لأنها أبعد عن الرياء ، ولا يقضون الليالي في المقاهي والملاهي ، وتبذير الأموال ، وتدبير المؤامرات ضد المؤمنين والمخلصين ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ـ ١٩ الذاريات.

٤ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) لازما لا مفر منه ، ودائما لا تحوّل عنه (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً). آمنوا بالجنة والنار ايمانهم بما شاهدوا وعاينوا ، فخافوا من هذه ، وطمعوا في تلك ، قال الإمام علي (ع) في وصفهم : فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون.

٥ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) لا افراط ولا تفريط ، لا تقتير ولا تبذير ، بل وسط واعتدال ، وهذا هو نهج الإسلام الاعتدال في كل شيء ، لا إلحاد ولا تعدد آلهة ، ولا دكتاتورية ولا فوضى ، ولا إلغاء ملكية ولا ملكية طاغية. انظر تفسير الآية ٢٩ من سورة الإسراء ، فقرة «الإسلام ونظرية الأخلاق».

٦ ـ (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ومن عمل رياء أو أطاع مخلوقا

٤٨٢

في معصية الخالق فهو كمن دعا مع الله إلها آخر. (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ). والنفس التي تقتل بالحق والعدل هي التي قتلت نفسا بغير الحق ، أو زنت عن إحصان ، أو ارتدت عن دين الحق ، أو سعت في الأرض فسادا والتفصيل في كتب الفقه. (وَلا يَزْنُونَ) لأن الزنا من أكبر الكبائر ، ولذا ساوى الله سبحانه بينه وبين الشرك بالله ، وقتل النفس ، وجعل حكم الثلاثة القتل بالشروط التي ذكرها الفقهاء (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً). ذلك اشارة الى الشرك والقتل والزنا ، والاثام العقوبة (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً). وأي عذاب وهوان أشد من عذاب جهنم؟ فكيف إذا كان مضاعفا مع الخلود الى ما لا نهاية.

(إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). من تاب عن الذنب كمن لا ذنب له ، وفوق ذلك يثيبه الله على التوبة ، ويعطيه من الحسنات ما يعادل سيئات ذنوبه ، بحيث تمحو حسنات التوبة سيئات الذنوب : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ـ ١١٦ هود ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) فإن السيئة بما هي لا تستحيل إلى حسنة ، ولا الحسنة بما هي تستحيل الى سيئة (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) بعد ان بين سبحانه في الآية السابقة انه يثيب التائب ثواب المحسنين أثنى عليه في هذه الآية بأنه قد رجع الى خالقه رجوعا حسنا ، وتدارك ما كان منه.

٧ ـ (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً). المراد بالشهادة هنا الحضور مثلها في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ـ ١٨٤ البقرة. والمراد بالزور الباطل ، وباللغو كل ما لا خير فيه ، والمعنى ان المؤمنين لا يحضرون مجالس الباطل ، ولا يعينون أحدا عليه ، وبالأولى أن لا يفعلوه ، ولا يشتركوا في كلام لا خير فيه ، وإذا مروا به كرّموا أسماعهم عنه ، كما نزهوا ألسنتهم عن التفوه به ، تماما كالنحلة تسرع إذا مرت بالجيف والروائح الكريهة.

٨ ـ (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً). الشاعر

٤٨٣

يصغي الى الشعر ، ويتذوقه ، ويقبل عليه بكله .. وهكذا كل صاحب مهنة إذا حدثته بمهنته واختصاصه ، فإنه يقبل عليك بقلبه وسمعه وبصره .. وإذا حدثت إنسانا بما هو بعيد عنه ، ولا يمت الى مهنته بصلة تحول عنك وعن حديثك ، وان كان هدى ونورا .. وبهذا يتبين لك السر في اقبال المؤمن على القرآن ، وادبار الكافر عنه ، يقبل المؤمن على كتاب الله لأنه يؤمن به ، ويدرك معناه ومرماه ، ويجد فيه نفسه وعقيدته وصالح أعماله ، وما أعده الله له من الأجر والثواب ، ويدبر الكافر عن كتاب الله لأنه يجحده ، ويجهل أهدافه وأسراره ، ولا يجد فيه إلا الذم والتنديد به وبعقيدته وصفاته ، والا التهديد على كفره وفساده.

٩ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً). يتمنى الشقي الفاجر أن يقتدي به الناس لا اقتناعا منه بأنه على هدى من ربه .. كلا ، بل لتخف عنه المذمة والملامة ، ويبرر خطيئته بكثرة المخطئين ، ولذا لا يحب ان يكون أولاده وزوجته على شاكلته ، تماما كما لا يحب المريض أن يصاب أهله بدائه .. أما البر التقي فهو على يقين من دينه وبصيرة من أمره ، ولذا يتمنى من أعماق قلبه مبدأ وعقيدة أن يسير جميع الناس على نهجه ، وان يكون أولاده على شاكلته يفرح بدينهم وسلوكهم ، ويتضاعف بهم عدد المتقين والمطيعين .. فالمخلصون يسألون خالقهم أن يجعلهم قدوة لمن رغب في تقوى الله لا ليبرروا أعمالهم عند الناس ، ولا طلبا للجاه في الدنيا وقبض الأموال باسم حقوق الله ، بل رغبة في عظيم المنزلة عند الله وحده.

(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً). بعد أن بيّن سبحانه أوصاف المتقين ذكر ان جزاءهم عنده الخلود في الهناء والنعيم ، والأمن والأمان مع التوقير والاحترام .. وخص الصبر بالذكر للاشارة الى ان كل محق لا بد أن يلاقي الأذى والعناء من المبطلين ، وان ثواب الله لا يظفر به إلا من صمد وصبر واستمر على مبدئه وعقيدته مهما كان الثمن ويكون.

(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً). المراد بالدعاء هنا ان الله سبحانه دعا المشركين بلسان نبيه الى الايمان والطاعة ، والدليل

٤٨٤

على ان هذا هو المراد بالدعاء قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) فهو مثل : (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ). والمعنى لستم عند الله أيها المشركون بشيء يستحق العناية والذكر لو لا شيء واحد ، وهو دعوتكم الى الايمان والطاعة كي تلزمكم الحجة عند الحساب والجزاء إذا لم تسمعوا وتطيعوا ، وقد أعرضتم عن الدعوة وكذبتم الداعي ، فحقت عليكم كلمة العذاب ، وأصبح عقابكم لازما ، لا مفر منه.

٤٨٥

سورة الشّعراء

قال الطبرسي : هي مكية إلا قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الى آخر السورة فانه نزل بالمدينة. وآياتها ٢٢٧.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لعلك باجع نفسك الآية ١ ـ ٩ :

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩))

اللغة :

الباخع المهلك ، وبخع نفسه أهلكها. والاعناق الرقاب ، وتطلق على الجماعات. والزوج الصنف.

٤٨٦

الإعراب :

تلك مبتدأ وآيات الكتاب خبر. ولعل تتضمن هنا معنى الإشفاق. ونفسك مفعول به لباخع. والمصدر من الا يكونوا مفعول من أجله. وظل للنهار ، تقول : ظل أي أقام نهارا ، وبات لليل تقول : بات أي أقام ليلا ، وهما من أخوات كان يرفعان الاسم وينصبان الخبر ، وأعناقهم اسم ظلت وخاضعين خبر ، وأصل الكلام فظلوا لها خاضعين ، ثم حذفت واو الجماعة وأقيمت الأعناق مقامها لأنها موضع الخضوع ، وتركت كلمة خاضعين على أصلها. ومن ذكر (من) زائدة إعرابا وذكر فاعل يأتيهم ، وكم مفعول أنبتنا.

المعنى :

(طسم). تقدم الكلام عن مثله في أول سورة البقرة (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ). تلك اشارة الى آيات هذه السورة ، والكتاب القرآن ، والمبين يبين الحق ويظهره (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). الخطاب من الله لمحمد (ص) يعاتبه فيه على شدة حزنه وأسفه لاعراض قومه عن الهدى والحق. وتقدم مثله في الآية ٣٥ من سورة الانعام ج ٣ ص ١٨٣ والآية ٦ من سورة الكهف.

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ). يقول سبحانه لنبيه الكريم : هوّن عليك ، لو أردنا أن يؤمنوا قسرا وجبرا لأنزلنا عذابا من السماء يرونه عيانا ، وقلنا لهم : اختاروا ، اما الهلاك ، واما الايمان .. وليس من شك انهم يستسلمون أذلاء خاضعين .. ولكن هل يعد هذا ايمانا يستحقون عليه الثواب؟ كلا ، ان الايمان الحق ما كان بالارادة والاختيار ، لا بالإكراه والإجبار ، ولذا أقدرناهم على فعل الشر والخير ، وأمرناهم بهذا ، ونهيناهم عن ذاك ، وتركنا لهم أن يختاروا ليستحقوا الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية.

وتسأل : لقد فعل سبحانه ذلك ببني إسرائيل في عهد موسى (ع) بدليل قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما

٤٨٧

آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) ـ ١٧١ الأعراف. فكيف أثبته هناك ، ونفاه هنا؟.

الجواب : ان القرآن الكريم يدل بصراحة ووضوح على ان الله سبحانه عامل اليهود معاملة لا تشبه شيئا مما عامل به سائر العباد ، لأن لهم في نظر القرآن طبيعة شاذة لا يقاس عليها .. وقد تكلمنا عن ذلك مفصلا في ج ١ ص ١٢٢ بعنوان «لا قياس على اليهود.

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). أقدرنا المشركين وأرشدناهم بلسانك يا محمد الى ما فيه خيرهم وصلاحهم ، فأعرضوا وسخروا .. فدعهم وشأنهم ، فإنهم ملاقون ما وعدناهم من العذاب لا محالة. وتقدم مثله في الآية ٦٧ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٠٥.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ). كفر من كفر بالله ، وهو يرى الدلائل والبينات على وجوده وعظمته ، ومن هذه الدلائل إخراج النبات أصنافا وألوانا من الأرض الميتة. أنظر تفسير الآية ٩٩ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٣٤ والآية ٣ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٥. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). وبعزته يقهر الطغاة ، وبرحمته يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقاب حتى يأتيهم من عنده البشير النذير ، ويدع لهم الفرصة للتدبر والتوبة. قال الإمام علي (ع) : لا يشغله غضب عن رحمة ، ولا تلهيه رحمة عن عقاب.

موسى الآية ١٠ ـ ٢٢ :

(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)

٤٨٨

قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))

الإعراب :

إذ في محل نصب بفعل محذوف أي اذكر. وان ائت (ان) مفسرة بمعنى أي. وقوم فرعون بدل من القوم الظالمين. ويضيق صدري عطف على أخاف ، ومثله لا ينطلق. وأفرد الرسول مع انهما اثنان لأن المرسل واحد ، والرسالة واحدة ، والمرسل اليه واحد ، بالاضافة الى ان موسى هو الأصل. ان أرسل (ان) بمعنى أي مفسرة لمضمون الرسالة المفهومة من كلمة الرسول. واذن حرف جواب وجزاء معا ، ولكن المراد بها هنا الجواب فقط أي نعم فعلتها. والمصدر من ان عبدت في محل رفع بدلا من نعمة.

المعنى :

هذه الآيات الى الآية ٦٨ هي في قصة موسى (ع) التي تقدمت مرات ، وعند تفسير الآية ٩ من سورة طه ذكرنا السبب الموجب لتكرارها (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ). تقدم في الآية ٢٤ من سورة طه. (أَلا يَتَّقُونَ). هذه جملة مستأنفة ، ومعناها لقد آن الأوان ان يخاف فرعون

٤٨٩

وقومه عاقبة البغي والطغيان (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ). وفي الآية ٤٥ من سورة طه : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) أي يعجل علينا بالعقوبة قبل أن نبلغه الرسالة (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ). أمر الله سبحانه موسى أن يحمل رسالته الى فرعون .. وهذا تكليف شاق وعسير لطغيان فرعون وقوة سلطانه من جهة ، ولأن الرسالة بذاتها حمل ثقيل من جهة ، قال تعالى يخاطب نبيه الكريم محمدا (ص) : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ـ ٥ المزمل. وموسى سريع الغضب للحق ، وفي لسانه عقدة تمنعه من الانطلاق في الكلام ، فخاف ان يقصّر في أداء الرسالة الكبرى والقيام بواجبها .. ولا أحد كالأنبياء يخاف من التقصير في حق الله ، وبالخصوص أولي العزم ، وهذا من العصمة ، ومن ثمّ طلب موسى من الله ان يرسل جبريل الى أخيه هرون ليكون عونا له على هذه المهمة.

(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ). يشير بهذا الى ما حدث له من قتل الفرعوني حين استغاثه العبري كما في الآية ١٥ من سورة القصص : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) .. خاف موسى ان هو حمل رسالة الله الى فرعون أن يقتلوه قبل أن يبلغ الرسالة ويفوت الغرض منها ، أما إذا كان معه أخوه هرون ، وحدث ذلك فيقوم مقامه في التبليغ.

(قالَ ـ الله ـ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ). خاف موسى من ضيق الصدر ، وحبس اللسان ، والقتل ، فأمنه الله وقال له : لن يكون شيء من ذلك لأني أنا الناصر لكما والمعين. وتقدم مثله في الآية ٤٦ و ٤٧ من سورة طه.

(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ). انطلق موسى وهرون الى فرعون ، ودخلا عليه ، وهما يلبسان مدارع الصوف ، وبيديهما العصي ، ودعواه الى الله ، وشرطا له بقاء ملكه ودوام عزه ان أسلم وأطاع .. وسخر فرعون من هذين اللذين يشترطان له دوام العز وبقاء الملك ، ولا جاه لهما ولا مال .. ولكنه تمالك ، ولم يأمر بقتلهما خشية أن يقال :

٤٩٠

لمّا عجز عن مقارعة الحجة بالحجة لجأ الى السيف .. ولكن بأية حجة يتذرع فرعون؟ وبأي منطق يجادل ويناقش؟ .. لا شيء سوى أن يلف ويدور ، وان يذكّر موسى بالماضي والإنعام عليه .. ألم نحضنك رضيعا ، ونربك غلاما ، وأقمت في بيتنا أعواما ، ثم قتلت منا رجلا ، وهربت خائفا تترقب؟ أهكذا تجحد نعمتنا ، وتكفر باحساننا؟ وفوق ذلك تدعي انك رسول الله إلينا؟ وكيف تجمع بين ماضيك ، وهو فقر وتشريد ، وبين ادعائك الرسالة من عند الله؟ أتريدنا أن نسمع لك ونطيع ، ونحن سادتك وأولياء نعمتك؟. ثم التفت فرعون الى جلسائه وقال : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) .. ان في الذهب وحده يكمن السر كل السر في منطق الطغاة .. فلا نبوة ولا سيادة ولا فضل إلا للذهب وبالذهب.

وأجاب موسى (ع) عن قتل الفرعوني (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي من الجاهلين بأن وكزتي تؤدي الى القتل .. اني قصدت بها الردع والتأديب فأخطأت القصد ، فأي ذنب لي في ذلك؟ وبالمناسبة فإن العمد ركن أساسي من أركان الجناية عند أهل التشريع (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ). ما فررت من وجه العدالة ، بل فررت من الظلم والخوف ان تعاملوني معاملة المجرم القاتل المتعمد .. وكان قد قال قائل لموسى : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) ـ ٢٠ القصص.

(فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ). ذكره فرعون بالفقر والتشريد فقال له موسى : ان الكرامة لا تقاس بالمال والسلطان ، وإنما هي بيد الله يهبها من يشاء من عباده ، وقد وهب لي العلم بدينه وشريعته ، وبأوجه الخير والصواب ، وكرمني بالرسالة اليك وإلى قومك.

وقال موسى ردا على قول فرعون : ألم نربك فينا وليدا ، قال يرد عليه : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ). أتمن علي يا فرعون بتربيتك لي ، وتتجاهل ان السبب هو طغيانك وعدوانك ، وانك ذبحت أبناء قومي ، واستعبدت نساءهم ، ولما خافت عليّ أمي من جورك قذفتني في البحر .. وكان الذي كان من حياتي في بيت غريب بعيدا عن حنان الأم ، وعطف الأب؟ ..

٤٩١

أهذا هو فضلك عليّ؟ ما كان أغناك عن الحالين؟ فألقم فرعون حجرا ، وراح يلتمس لأباطيله ما تقرأه فيما يلي :

قال فرعون وما رب العالمين الآية ٢٣ ـ ٣٧ :

(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧))

حوار بين موسى وفرعون :

ـ (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) .. زعمت يا موسى انك رسول رب العالمين. ألا تبين لنا ما جنس هذا الرب؟ وما هي حقيقته؟

٤٩٢

ـ (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ). قال موسى : ان الله لا يعرف إلا بأوصافه وآثاره ، ومنها خلق هذا الكون العجيب في ترتيبه ونظامه .. فتفكروا وتدبروا ان كان لكم عقول تدرك ان هذا النظام لا يكون إلا بقدرة عليم حكيم.

ـ (قالَ ـ فرعون ـ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ). اسمعوا وتعجبوا .. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.

ـ (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ). قال موسى مصرا ومؤكدا : ان الله هو خالق الكون ، وخالقكم ، وخالق آبائكم ، وخالق فرعون هذا الذي ترببون وتعبدون.

ـ (قالَ ـ فرعون ـ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) .. موسى مجنون في منطق فرعون .. ولما ذا؟ لأنه يقول : فرعون مربوب وليس برب ، ومخلوق لا خالق .. وعلى هذا المنطق الفرعوني كل من ادعى شيئا ليس فيه ، فمن يدعي العلم وهو جاهل ، أو الإخلاص وهو خائن ، أو الصدق وهو كاذب فإنه على ملة فرعون وسنته .. ولو وجد هذا الدعي من يصدقه لقال : أنا ربكم الأعلى .. ما علمت لكم من إله غيري تماما كما قال فرعون.

(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). أصر موسى على موقفه وان الله هو خالق كل شيء ، وأشار الى شروق الشمس وغروبها ، حيث لا يجرأ فرعون أن يقول : انه يأتي بها من المشرق ، ويرسلها الى المغرب .. ولذا بهت حين سمع هذه المقالة من موسى ، تماما كما بهت نمرود من قبله حين تحداه ابراهيم الخليل (ع) بقوله : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ـ ٢٥٨ البقرة.

ولما أفرغ فرعون ما في كنانته اضطربت نفسه ، وأخذ يهدد ويتوعد (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) .. السجن والتنكيل والتعذيب هو السلاح الوحيد لكل طاغ وباغ منذ القديم ضد الحق والعدل والحرية .. ولكن جهاد المحقين الأحرار وصمودهم يجعل سلاح الطغاة يرتد الى نحورهم وصدورهم ،

٤٩٣

تماما كما ارتد سلاح فرعون الى نحره وصدره ، وقديما قيل : من سل سيف البغي قتل به ، قال تعالى : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) ـ ٤٠ العنكبوت.

(قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). لم يخش موسى من تهديد فرعون ، وقال له في ثقة واطمئنان : أتجعلني من المسجونين ، حتى ولو كنت محقا بالدليل الذي يزيل الشك عنك وعن غيرك؟. وبماذا يجيب فرعون عن هذا الاحراج؟ هل يقول له : نعم أسجنك وان كنت محقا .. كيف وهذا اعتراف صريح بأن موسى رسول رب العالمين ، وان فرعون مفتر بدعواه الربوبية ، ولذا اضطر مرغما أن يقول لموسى : (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ). هذه الآية وما بعدها الى قوله تعالى : (سَحَّارٍ عَلِيمٍ) تبلغ ست آيات ، وبها ينتهي المقطع الذي نحن بصدده ، وقد ذكرت هذه الآيات الست في سورة الاعراف من الآية ١٠٧ حتى الآية ١١٢ ج ٣ ص ٣٧٥ ، وهي واحدة هنا وهناك في ترتيبها ونصها الحرفي إلا في شيئين : الأول قال هنا «سحار». وقال في الاعراف «ساحر». والمعنى واحد في حقيقته ولا فرق إلا في المبالغة.

الثاني جاء في الآية ١٠٩ من سورة الاعراف (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وجاء هنا في الآية ٣٤ من سورة الشعراء (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) والفرق كبير بين المعنيين ـ كما يبدو ـ لأن آية الاعراف نسبت هذا القول الى جماعة فرعون ، لا إلى فرعون ، وآية الشعراء نسبته الى فرعون بالذات ، لا الى جماعته ، فما هو وجه الجمع؟.

وما وجدت أية إشارة الى ذلك فيما لدي من التفاسير والمصادر ، ولا أدري ما هو السبب .. وأيا كان فالذي أراه في الجواب ان فرعون هو الذي ابتدأ وقال لجماعته : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ). ثم أخذ جماعته يتداولون قوله هذا فيما بينهم ،

٤٩٤

ويقول بعضهم لبعض : حقا ان موسى لساحر عليم .. كما هو شأن المرءوسين في تقليدهم لرؤسائهم بكل شيء ، وعنايتهم بأقوالهم وحفظها والاستشهاد بها .. وعليه فلا تنافر بين الآيتين .. قال فرعون ذلك لجماعته ، وجماعته أيضا قالوه تقليدا له.

جاء السحرة الآة ٣٨ ـ ٥١ :

(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١))

٤٩٥

اللغة :

تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ان تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، والعكس بالعكس. ولا ضير : لا ضرر.

الإعراب :

أن هنا (ان) مصدرية ، والمصدر المنسبك مجرور باللام المحذوفة ، والمعنى نطمع في غفران ربنا لكوننا أول من آمن بالله في هذا المشهد الحافل.

المعنى :

(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) هو يوم العيد كما في الآية ٥٩ من سورة طه: (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى). (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) لتشهدوا هذه المباراة؟ والجماهير لا يحتاجون الى من يحثهم على حضور هذا المشهد وأمثاله ، فإنهم يتلهفون عليه ، وينساقون اليه بفطرتهم .. وهذا ما يريده موسى ويتمناه ليحق الحق ، ويبطل الباطل بمرأى من الناس (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ). والذين قالوا هذا للناس هم فرعون وملأه ، وظاهر قولهم هذا يومئ الى أنهم على شك من دين السحرة ، وانهم يبحثون عن الحق ليتبعوه ، ولكن هذا غير مراد لأنهم والسحرة على دين واحد ، والمعنى المقصود لعلنا نبقى ثابتين على ديننا ، ولا نتبع دين موسى.

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ). هذه الآية وما بعدها الى آخر آيات هذه المقطع قد ذكرت في سورة الاعراف من الآية ١١٣ حتى نهاية الآية ١٢٦ ج ٣ ص ٣٧٧. ولا فرق هنا وهناك إلا في بعض التعابير ، مثل قوله تعالى في سورة الاعراف : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً). وقوله هنا في سورة الشعراء : (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً).

٤٩٦

اغراق فرعون وقومه الآة ٥٢ ـ ٦٨ :

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨))

اللغة :

سرى سار ليلا. والشرذمة الطائفة القليلة من الناس ، وفي البحر المحيط شرذمة كل شيء بقيته الخسيسة. وغائظون جمع غائظ ، وهو الغاضب ، وفي بعض كتب اللغة لا يقال : أغاظه واغتاظ فلان من كذا. وحاذرون جمع حاذر ، وهو المحترز المتيقظ ، وقال الطبرسي : الحاذر فاعل الحذر ، والحذر المطبوع على الحذر. ومشرقين داخلين في وقت شروق الشمس. وتراءى الجمعان تقابلا ورأى كل منهما صاحبه. والفرق بكسر الفاء الجزء. والطود الجبل. وأزلفنا قربنا.

٤٩٧

الإعراب :

حاذرون صفة لجميع. ومشرقين حال من واو اتبعوهم. وكلا حرف ردع وزجر.

المعنى :

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ). أمر الله موسى أن يخرج ليلا هو وبنو إسرائيل من أرض مصر ، وأخبره ان فرعون وجنوده لاحقون بهم لارجاعهم (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ). لما علم فرعون بخروج موسى وقومه جمع لهم ليرغمهم على الرجوع الى سلطانه ، وينكل بهم ما شاء له التنكيل وقال : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ). من هو موسى وقوم موسى؟ انهم ليسوا بشيء بالنسبة إلينا ، وقد حاولوا إزعاجنا والتمرد على أمرنا .. ولكن نحن لهم بالمرصاد ، وسيذوقون وبال أمرهم .. ولكن فوق تدبير فرعون لله تدبير .. حشد فرعون جيوشه لموسى ، فكان مصيره ومصيرهم الى الإغراق والإهلاك .. قال الإمام علي (ع) : تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير.

(فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ). خرج فرعون وجنوده لينتقموا من موسى ومن معه ، فانتقم الله منهم ، وأخرجهم مما كانوا يملكون وبه يتنعمون .. قصور عالية ، وأنهار جارية ، وقطوف دانية ، وكنوز مخبأة ، ونواد ، وجنينات ، ومسابح ومتنزّهات ، كل هذه وما اليها تركوها الى غير رجعة (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ). قال الطبري والطبرسي : ان الله سبحانه أورث بني إسرائيل ديار فرعون وقومه. وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ، وهذا المعنى هو الظاهر لأن آية أورثناها جاءت بعد آية أخرجناهم. وقال آخرون : ان الله أورث بني إسرائيل مثل ما كان لفرعون وقومه لأن الاسرائيليين لم يعودوا الى مصر بعد أن خرجوا منها.

٤٩٨

ومهما يكن فان محل الشاهد في الآية ان الله لا يدع الظالمين وظلمهم ، وانه ينتقم منهم على أيدي المخلصين أو بأي سبب من الأسباب ولو بعد حين ، وهذا ما نعتقده ونؤمن به ، أما تحقيق المسائل التاريخية ، وغيرها فندعه لأهل الاختصاص إلا إذا كنا على يقين منه.

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) خرج فرعون بخيله ورجله في طلب موسى وأصحابه ، فأدركوهم حين شروق الشمس (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) جمع موسى وجمع فرعون رأى كل منهما الآخر (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) قالوا فزعا وهلعا : لحق بنا العدو ، ولا طاقة لنا به (قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ). قال موسى لقومه : لا تخافوا من فرعون وقوته ، ان الله أقوى وأعظم ، وهو معي وسترون .. وما أتم كلامه حتى أمره الله أن يضرب البحر بعصاه ، ولما ضربه انشق اثني عشر طريقا على عدد الأسباط الاسرائيليين ، وارتفع الماء بين طريق وطريق كالجبل العظيم ، وتجاوز موسى وقومه البحر الى الشاطئ الثاني. وتقدم مثله في الآية ٧٧ من سورة طه.

(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ). أزلفنا أدنينا ، وثم بفتح الثاء أي هناك ، والمراد بالآخرين جمع فرعون ، والمعنى ان الله سبحانه بعد ان جاوز ببني إسرائيل البحر الى الضفة الثانية ، وأصبحوا بمنجاة وصل جمع فرعون ، وشاهدوا المعجزة الكبرى في وقوف مياه البحر كالجبال ومسالكه الممهدة ، ففرح فرعون وقال لجمعه : انظروا كيف استجاب البحر لرغبتي ، وفتح لي الطريق الى الخارجين على ارادتي ، ثم اقتحموا تلك المسالك ، وساروا في أمان واطمئنان .. وما ان توسطوا البحر حتى انطبق عليهم أجمعين ، ولم ينج واحد منهم بعد ان حذروا كثيرا وأمهلوا طويلا ، ولكن لجوا في طغيانهم يعمهون.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) معجزة خارقة ، وعبرة وعظة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). ضمير أكثرهم يعود الى بني إسرائيل الذين أنجاهم الله من فرعون ، لا الى المغرقين كما قال جماعة من المفسرين أخذا بظاهر السياق.

٤٩٩

والدليل على ان المراد بنو إسرائيل ، لا المغرقون ان أتباع فرعون كلهم كافرون دون استثناء ، وبالخصوص من كان معه ، وان بني إسرائيل لما أنجاهم الله من فرعون وتجاوز بهم البحر وأهلك عدوهم قالوا لموسى : نريد صنما نعبده من دون الله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) ـ ١٣٨ الاعراف. وعليه يكون معنى الآية ان الاسرائيليين شاهدوا انفلاق البحر وغيره من المعجزات ، ومع ذلك أصر أكثرهم على الكفر والتمرد.

ابراهيم الآة ٦٩ ـ ٨٩ :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي

٥٠٠