التّفسير الكاشف - ج ٥

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٥

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٤

الإعراب :

قليلا ما تشكرون (قليلا) صفة لمفعول مطلق محذوف أي شكرا قليلا ، وما زائدة اعرابا.

المعنى :

(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ). بعد أن بيّن سبحانه ضلال المشركين ، وانه لا عذر لهم في تكذيب محمد (ص) ، بعد هذا خاطب جل وعز نبيه الكريم بأنه يملك الحجج الكافية الوافية على انه محق في دعوته ، وان المشركين الذين كفروا به وباليوم الآخر قد زاغوا عن الحق ، وضلوا طريق الخير والهداية ، وانهم ما يضرون بذلك إلا أنفسهم ، أما أنت يا محمد فما يضرونك من شيء.

(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ). بعد أن هاجر رسول الله (ص) من مكة الى المدينة ضيّق على قريش ، فبعث السرايا تقطع عليهم الطريق ، وكان يقود بعضها بنفسه ، وأمر بمقاطعتهم كل من آمن به ، فوقعوا في شدة وحرج ، ولكنهم ظلوا على بغيهم وكفرهم ، ولو ان الله سبحانه كشف عنهم ما هم فيه لما اعتبروا وما رجعوا عن ضلالهم (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ). ان حذرهم وأنذرهم يعرضون ، وان أخذهم بالعذاب لا يعتبرون ، وان كشفه عنهم يتمردون .. وهكذا الى يوم يبعثون حيث ينكشف الغطاء لهم ويشاهدون جزاء غفلتهم وتمردهم ، وعند ذلك ينقطع منهم الأمل في النجاة ، وييأسون من كل خير ، ويندمون على ما فات «ولات ساعة مندم».

(حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أي آيسون ، وقد حذرهم سبحانه من هذا العذاب الشديد ، وتقدم اليهم بالوعيد ، ولكن هانت عليهم أنفسهم فأوردوها مورد الهلكة والهوان (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) لتنتفعوا بما تسمعون وتبصرون وتدركون من خير وصلاح .. ان نعم

٣٨١

الله تعالى على الإنسان لا يبلغها الإحصاء ، وأعظمها العقل ، وبعده السمع والبصر ، وانما قدم السمع في الذكر لأن المولود يسمع منذ ولادته ، ولا يبصر إلا في اليوم الرابع ـ هكذا يقال ـ أما تأخر العقل فواضح. (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي تطيعون (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) خلقنا في هذه الأرض ثم يحشرنا اليه بعد الموت (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ان هذا صنع القدير العليم. أنظر المجلد الأول ص ٧٦ والثاني ص ٣٧.

قالوا مثل ما قال الأولون الآة ٨١ ـ ٩٠ :

(بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠))

اللغة :

أساطير أكاذيب. وملكوت مبالغة في ملك الله وسلطانه. وتسحرون تخدعون عن الحق.

٣٨٢

الإعراب :

مثل صفة لمفعول مطلق محذوف أي قولا مثل ما قالوا. وان هذا (ان) نافية. ولله في جميع الآيات متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف يقدر بما دل عليه السياق أي الأرض ومن فيها لله ، والسموات والعرش لله ، وملكوت كل شيء لله. فانّى تسحرون (انّى) بمعنى كيف في موضع نصب على انها حال ، وقيل : بمعنى أين أي من أين تسحرون.

المعنى :

(بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ). ضمير قالوا يعود الى المشركين الذين كانوا في عهد رسول الله (ص) ، فقد أنكروا البعث ، وتذرعوا بأمرين : الأول الاستبعاد الذي عبروا عنه بقولهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ). الأمر الثاني : انهم ما رأوا أحدا مات ، ثم عاد ثانية الى الحياة ، وهذا المعنى هو المراد من قولهم : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). لقد سمعنا هذا من قبلك يا محمد ، وأيضا سمع به آباؤنا ، ولكن لم يظهر له أثر ، فمن الذي مات ، ثم ظهر وأخبر؟ .. ولو تأملوا النشأة الأولى لما أنكروا النشأة الآخرة. وتقدم مثله في الآية ٥ من سورة الرعد و ٤٩ من سورة الاسراء.

وقد جادل سبحانه منكري البعث بالحسنى ، وكشف لهم عن أخطائهم بأسلوب علمي حكيم في ثلاث آيات :

١ ـ (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). أمر نبيه أن يوجه اليهم هذا السؤال لأنهم يقرون ويعترفون بأن الله هو خالق الكون بدليل قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) أي ان الأرض بما فيها ملك له ، ولا معنى لملكيته إلا الخلق والإنشاء ، وإذا كان سبحانه قادرا على خلق الأرض فهو أيضا قادر على أن يحيي الموتى (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتفهمون وتتدبرون هذه الحقيقة ، وهي : ان من

٣٨٣

يقدر على النشأة الأولى يقدر على الثانية .. وكل قادر غير الله يقدر على شيء ، ويعجز عن أشياء ، ويعلم قليلا ، ويجهل كثيرا ، أما هو فانه على كل شيء قدير ، وبه عليم.

٢ ـ (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ). ولا فرق بين أن يقولوا : الله رب السموات ، وبين أن يقولوا : السموات ملك لله لأن اللام هنا للملك ، ورب الشيء مالكه وصاحبه ، والعرش كناية عن سلطانه تعالى وسيطرته .. ومن كانت السموات طوع أوامره يهون عليه اعادة من مات (قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) غضب الله وعذابه. وتكلمنا عن السموات السبع عند تفسير الآية ١٧ من هذه السورة.

٣ ـ (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ). المراد بملكوت كل شيء ان كل شيء خاضع له تعالى ، ومفتقر اليه ، وانه غني عن كل شيء (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) هو رحمة لمن استرحمه ، وغوث لمن استغاث به ، ولا راحم ومغيث لمن حقت عليه كلمة غضبه وعذابه (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ملك الكون بأرضه وسمائه (قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) أي ما دمتم تعترفون بذلك فكيف أنكرتم البعث ، وخدعتم عن الحق؟. (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ) كلا لم يخدعوا عن الحق ، ولم يلتبس عليهم بالباطل بعد أن قامت عليه الدلائل الجلية الواضحة (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). انهم لم يخدعوا عن الحق ، ولكنهم تخادعوا عنه ، وأظهروا كذبا وزورا انهم لم يقتنعوا بالبعث ، محتجين ان دليله خفي عليهم.

وتسأل : من أين جاء العلم بأنهم أنكروا البعث ، وقلوبهم مطمئنة بالايمان ، بل ان كثيرا من الآيات قد دلت بصراحة على انهم أنكروا البعث لمجرد الاستبعاد غفلة عن النشأة الأولى ، وجهلا بقياس الاعادة على الابتداء؟

الجواب : أجل ، ولكن من أنكر ما قامت عليه الحجج القاطعة الساطعة بحيث لا يكون له أي مبرر في الجحود والإنكار إطلاقا فهو تماما كمن أنكر الشيء ، وهو به مؤمن.

٣٨٤

عالم الغيب والشهادة الآية ٩١ ـ ١٠٠ :

(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠))

اللغة :

همزات الشيطان وساوسه التي تدفع بالإنسان الى معصية الله. والبرزخ الحاجز بين الشيئين.

الإعراب :

إذا زائدة اعرابا. ولذهب اللام وقعت في جواب لو المحذوفة أي لو كان معه إله لذهب الخ. وعالم الغيب بالجر صفة لله. وإما تريني (إما) كلمتان (ان) الشرطية ، وما الزائدة وهي التي سوغت دخول نون التوكيد على تريني. فلا

٣٨٥

تجعلني جواب ان الشرطية. والمصدر من ان نريك مجرور بعلى ، ومتعلق «بقادرون». وبالتي على حذف مضاف أي بالطريقة التي. وأصل يحضرون يحضرونني فحذفت احدى النونين مع الياء تخفيفا ، وواو الجماعة للشياطين. وأصل ارجعون ارجعوني ، وواو الجماعة يعود اليه تعالى تعظيما. وكلا حرف ردع وزجر. ومن ورائهم متعلق بمحذوف خبرا مقدما ، وبرزخ مبتدأ مؤخر ، والى يوم متعلق بالخبر المحذوف ، وجملة يبعثون مجرورة باضافة يوم.

المعنى :

(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ). ليس لله شريك ولا ولد .. ولو كان له ولد لكان شبيها به ، والله سبحانه ليس كمثله شيء (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ). لو كان للكون خالقان لاختص كل واحد بجزء من الكون ، له حدوده ونظامه وخصائصه المتميزة عن الجزء الآخر ، مع ان نظام الكون واحد ، وخصائصه واحدة ، فخالقه ـ اذن ـ واحد.

(وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ). وأيضا لو تعدد الخالق لاستدعى ذلك أن يكون كل واحد غالبا ومغلوبا ، وقاهرا ومقهورا في آن واحد ، إذ المفروض انه إله ، ومن صفات الإله أن يكون هو الأعلى على كل شيء ، وإلا لم يكن إلها .. بالاضافة الى التنافس والتناحر بين الآلهة على السيطرة والسلطان ، كما يحدث بين الحكام ، وهذا هو الفساد بعينه (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) من ان له ولدا أو شريكا. وتقدم الكلام مفصلا عن ذلك عند تفسير الآية ٥٠ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٤٤.

(عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ). المراد بعالم الغيب ما غاب علمه عن الخلق ، وعالم الشهادة ما أمكنهم العلم به ، وتجدر الاشارة الى ان هذا التقسيم يصح بالنسبة الى الخلق دون الخالق لأن جميع الأشياء لديه سواء ، علما وقدرة (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) مما لا علم له به ، وإذا لم يعلم الخالق بوجود شيء فمعناه ان هذا الشيء غير موجود (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ

٣٨٦

الظَّالِمِينَ) أمر الله نبيه الكريم أن يدعوه ويسأله السلامة والنجاة من سخطه وعذابه الذي يحل بالمجرمين والظالمين مع العلم بأنه (ص) في أمن وأمان .. ولكن الغرض من هذا الدعاء هو تهديد أهل الشرك والبغي ، وكثيرا ما يستعمل المرشدون هذا الأسلوب تعريضا بمن غضب الله عليه ، وأعد له عذابا مهينا.

(وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ). أنذر النبي (ص) قريشا بالعذاب على تكذيبه وانكار نبوته ، فضحكوا وسخروا ، فقال سبحانه لنبيه : لا تحزن ، نحن قادرون على أن نريك إهلاكهم واستئصالهم ، ولكن نؤخر ذلك لحكمة ومصلحة لك وللإسلام .. وقد تكون هذه الحكمة ان الله يعلم بأن بعضهم أو بعض أبنائهم سيؤمنون بالله ورسوله ، ويكونون قوه ودعامة للإسلام والمسلمين ، كما حدث ذلك بالفعل.

الدفاع بالأحسن :

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ). ما هو الدفاع بالأحسن؟

هل هو الصبر على الأذى والسكوت عن المؤذي كما قال كثير من المفسرين؟.

ان الدفاع يختلف باختلاف الموارد ، فقد يكون استعمال القوة والعنف لردع المعتدي دفاعا بالأحسن وذلك إذا كان المعتدى عليه يملك القوة الرادعة ، وكان السكوت عن المسيء يغريه بالاساءة والعدوان ، قال الإمام علي (ع) : الوفاء لأهل الغدر غدر ، والغدر بأهل الغدر وفاء .. وقد يكون السكوت عن المعتدي والصبر على أذاه دفعا بالأحسن إذا أدى الاغضاء عنه الى ندمه وتوبته من إساءته ، أو كان المعتدى عليه عاجزا عن الردع .. فإن المقاومة ـ وهذه هي الحال ـ تحدث ما لا تحمد عقباه من تمادي المعتدي في غيه وغير ذلك من ردود الفعل.

ومن أجل هذا صبر رسول الله (ص) على الأذى ، وهو في مكة لعجزه عن الردع ، وأدب المعتدين بعد هجرته الى المدينة لأنه كان يملك القوة الرادعة.

(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ). همزات الشياطين وساوسهم. وان يحضرون أي ان يقربوا مني .. وبداهة انه لا سلطان

٣٨٧

للشياطين على الأنبياء لقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) ـ ٤٢ الحجر.

وتسأل : إذا لم يكن للشياطين على الأنبياء سلطان فلما ذا أمر الله نبيه ان يتعوذ منهم؟

الجواب : ان الاستعاذة من الشيء لا تستدعي إمكان وقوعه ، فان المعصومين يتعوذون بالله من غضبه وعذابه أكثر من غيرهم مع انهم في أمن وأمان .. وبكلام آخر ان الالتجاء الى الله دعاء ، والدعاء يجوز لدفع السوء والبلاء مع العلم بعدم وقوعه .. وأشرنا فيما تقدم الى ان الأتقياء كثيرا ما يعرضون بالأشقياء في أدعيتهم.

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ). حين أمكنته الفرصة من العمل الصالح ضيعها وأهملها ، وبعد ان حضره الموت وعاينه طلب الرجعة الى الحياة ليعمل .. وهكذا كل مقصر يضيع الفرصة حين يتمكن منها ، فإذا فاتته تلهف عليها ، ومات آسفا (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها). كلا حرف ردع وزجر ، والمراد بالكلمة قوله : (ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) والمعنى لا رجوع أبدا .. حتى لو استجاب الله لطلب هذا المقصر وأرجعه ثانية الى الحياة لعاد الى طغيانه وعصيانه ، أما قوله : لعلي أعمل صالحا فهو مجرد كلام بلا معنى ولا وفاء ، وقد أوضح سبحانه ذلك في الآية ٢٨ من سورة الأنعام : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). انظر ج ٣ ص ١٧٩.

(وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). من ورائهم كناية عن جميع الجهات. والبرزخ الحائل ، والمعنى انهم طلبوا الرجعة الى الحياة الدنيا ، وبينهم وبينها حائل يبقى الى يوم القيامة ، وحينذاك ينتهي البرزخ ويرتفع الحائل ، ولكن لتذهب الخلائق الى ربها وتقف بين يديه للحساب والجزاء.

فلا انساب بينهم يومئذ الآة ١٠١ ـ ١١١ :

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ

٣٨٨

ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١))

اللغة :

تلفح تحرق. كالحون مكشرون في عبوس. اخسئوا كلمة تستعمل في زجر الكلاب.

الإعراب :

فأولئك مبتدأ ، والذين عطف بيان وخالدون خبر أولئك ، وفي النار متعلق ب «خالدون» ويجوز أن يكون الذين خبر أولئك وخالدون خبر بعد خبر. وسخريا مفعول ثان لاتخذتموهم. والمصدر من انهم هم الفائزون مفعول ثان لجزيتهم ، قال تعالى : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا.

٣٨٩

المعنى :

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ). النفخ في الصور كناية عن بعث من في القبور ، ولا أنساب بينهم أي لا تعاطف ولا تراحم بين الأرحام والأقارب (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ). وبالأولى عن غيره .. أبدا لا شيء في ذلك اليوم الا الايمان والعمل الصالح : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) ـ ٩٧ مريم. وفي الحديث : ان الله يقول يوم القيامة : اليوم أضع نسبكم ، وأرفع نسبي ، أين المتقون؟ والنسب مأخوذ من المناسبة ، والقرابة مأخوذة من القرب. ولا قرب من الله إلا بالتقوى. أنظر المجلد الثاني ص ١٣٧ فقرة «التقوى» والرابع ص ١٣٦ فقرة «أين المتقون»؟.

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) تقدم في الآية ٨ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٠٣ فقرة «ميزان الأعمال» ، وأيضا تكلمنا ثانية عن هذا الميزان عند تفسير الآية ٤٧ من سورة الأنبياء فقرة «الميزان يوم القيامة وصاحب الاسفار». (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ). كلحت الوجوه كشرت في عبوس ، وعبّر سبحانه هنا بالوجه عن جميع البدن لأنه أشرف ما فيه ، وعن رسول الله (ص) انه قال : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) لفحة تسيل لحومهم على أعقابهم (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ). هذا توبيخ وتقريع لأنهم كذبوا بحجج الله وبيناته (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ). اعترفوا بذنوبهم بعد أن انقطع التكليف ، وانسد باب التوبة. وتقدم مثله في الآية ٤ من سورة الأعراف و ١٤ من سورة الأنبياء (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ). قالوا هذا بعد أن برزوا لفصل القضاء ، وبعد أن حقت عليهم الحقائق ، وقد كانوا من قبل في طغيانهم يعمهون ، ومن أجل هذا (قالَ ـ الله لهم ـ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وهي كلمة يزجر بها الكلاب ، وقد تجلى فيها غضب الله وجبروته.

(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ

٣٩٠

الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ). بعد ان وبخ سبحانه المجرمين ، وزجرهم عن الكلام بيّن لهم انهم كانوا يسخرون ويضحكون من عباد الله الصالحين الذين طلبوا من الله الرحمة والغفران ، حتى شغلهم الهزء والضحك عن ذكر الله تعالى ، وهذا هو المعنى المقصود من قوله تعالى : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) أي نسيتموني لأنكم كنتم في شغل شاغل بالسخرية من المتقين (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ). صبر المؤمنون الصالحون على أذى المجرمين ، فأنعم الله على أولئك ، وانتقم من هؤلاء : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) ـ ٣٤ المطففين.

كم لبثتم في الأرض الآة ١١٢ ـ ١١٨ :

(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))

اللغة :

العادّين جمع عاد : وهو من يحصي العدد (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً). حسابه محاكمته أو جزاؤه.

٣٩١

الإعراب :

كم خبرية تتضمن معنى ظرف الزمان ، ومحلها النصب بلبثتم. وعدد منصوب على التمييز ، وجاز نصب مميز (كم) هنا لوجود الفاصل بينها وبينه ، ولولاه لوجب الجر ، لأن مميز الخبرية واجب الخفض إلا إذا فصل بينهما فاصل. وسنين مجرورة بالإضافة ، وقرئ عددا سنين وعليه تكون سنين بدلا من عدد. وقليلا صفة لمفعول محذوف أي زمنا أو لبثا قليلا. والمصدر من انكم تعلمون فاعل لفعل محذوف أي لو ثبت علمكم. وعبثا مصدر في موضع الحال من خلقناكم أي عابثين. وأنما خلقناكم (أنما) كلمتان أنّ المشددة وما الكافة عن العمل. وانكم عطف على أنما خلقناكم. وهو بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف أي لا إله موجود إلا هو ، ورب العرش خبر بعد خبر. ومن يدع (من) شرطية. وجملة لا برهان له صفة «إلها». فإنما حسابه جواب الشرط.

المعنى :

(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ). ضمير قال يعود الى الله عز وجل ، أو الى الملك المأمور غدا بالسؤال. والخطاب لمنكري البعث ، والمسئول عنه المدة التي قضوها في الكفر والفساد ، وهم في الحياة الدنيا ، والغرض من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ على جحودهم هذا اليوم وسخريتهم ممن كان يحذرهم من هو له وعذابه (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أين نحن من هذا السؤال؟. كفانا ما نحن فيه .. وان كان لا بد من الجواب فقد مكثنا ساعات .. ومن أراد معرفة ذلك فليسأل من كان يحصي علينا أعمارنا وأعمالنا ، ولا يدع منها صغيرة ولا كبيرة ، أما نحن ففي ذهول عن كل شيء. تقدم نظيره في الآية ١٠٣ من سورة طه.

(قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قال لهم سبحانه : مكثتم سنوات لا يوما واحدا أو بعض يوم كما قلتم .. ولكن هذه السنوات قليل لأنها الى زوال ، وكل زائل قليل ، وان طال به الزمن ، ولو عرفتم هذه الحقيقة

٣٩٢

وأنتم في دار الدنيا ، وآمنتم بهذا اليوم ، وتزودتم له لكنتم الآن في أمن وأمان ، ولكن كفرتم به فحقت عليكم كلمة العذاب (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ). الخطاب موجه بظاهره لمن أنكر البعث ، والمراد منه في الواقع كل من عصى الله وأفسد في الأرض ، سواء أجحد البعث من الأساس ، أم آمن به ولم يعمل له. والعبث ما لا فائدة فيه ، ولا حكمة من وجوده ، والله سبحانه منزه عن العبث ، ولو لم يبعث الإنسان بعد الموت ، ويميز الخبيث من الطيب ، ويجز كلا بما يستحق لكان خلق الإنسان عبثا لا جدوى منه (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) الملك أي القادر القاهر ، والحق يزهق العبث والباطل ، وإذا كان الحق بالذات هو الذي خلق الإنسان وأوجده فكيف يكون خلقه سدى؟ وكيف يتركه عبثا دون تكليف وحساب ، ودون سؤال وجواب ، أساء أو أحسن؟

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) هو الواحد في ملك الكون يدبره ويصرفه بلا شريك في خلقه وتدبيره ، وفي علمه وحكمته ـ اذن ـ فمن اين يأتي العبث والفساد في خلق الإنسان وغير الإنسان؟ (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ). ومن أين يأتي بالبرهان على الشرك ، وكل شيء يدل على انه واحد؟ وكفى دليلا على الوحدانية نظام هذا الكون الذي لا خلل فيه ولا فساد (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) .. وما أنكر هذه الحقيقة إلا من كفر بالبديهيات وجحد جميع الدلائل والبينات ، ومثله يهمل ولا يجادل (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) وهو موفيه ما يستحق (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) لأنهم عن الصراط ناكبون.

وكما افتتح سبحانه هذه السورة ب (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فقد ختمها بهذا الأمر :

(وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). وهو وحده المسئول ان يسعنا برحمته ومغفرته ، ولا يقطع رجاءنا من منّه وكرمه بالنبي وآله صلوات الله عليه وعلى كل من استنّ بسنته.

٣٩٣

سورة النّور

قال الرازي : مدنية كلها ، وقال الطبرسي : بلا خلاف ، وآياتها ٦٤.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حكم الزنا والقذف الآية ١ ـ ٥ :

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))

اللغة :

سورة من سور البناء ومنعته وارتفاعه. وفرضناها أوجبنا العمل بها. ويرمون المحصنات أي يقذفون العفيفات بالزنا.

٣٩٤

الإعراب :

سورة خبر لمبتدأ محذوف أي هذه سورة. وتذكرون أي تتذكرون. والزانية والزاني مبتدأ والخبر فاجلدوا ، ودخلت عليه الفاء لأن الألف واللام في الزانية بمعنى التي ، وفي الزاني بمعنى الذي. ومائة مفعول مطلق أو قائمة مقامه لأنها مضافة الى الجلد ، وكذلك ثمانين فان المميز الجلد أيضا.

المعنى :

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ). أنزل سبحانه هذه السورة على نبيه الكريم ، وفيها تعاليم إلهية أوجب العمل بها على كل مكلف لأنها تهدف الى بناء المجتمع الانساني بكامله على أساس مصلحته ونموه ، وهذه التعاليم بينة واضحة لا تقبل النقاش والجدال في كل ما تهدف اليه من صيانة الانسانية من الفساد والضلال ، ومن أجل هذا أو غيره سميت بسورة النور وكل القرآن هدى ونور (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أنزل سبحانه هذه السورة بينة واضحة لتعلموا وتعملوا.

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ). الخطاب في اجلدوا لمن يقيم الحدود ، وهو الإمام أو نائبه العالم العادل ، وظاهر الآية يدل على ان من زنى يجلد ، محصنا كان أو غير محصن ، لأن أل الجنسية إذا دخلت على المفرد أفادت الاستغراق ، وشملت جميع الأفراد ، ونعني بالمحصن البالغ العاقل المتزوج المتمكن من وطء زوجته متى شاء ، فلو وطأ ، وهو صغير أو مجنون أو كان عزبا أو متزوجا ، ولكن غابت عنه زوجته أو كان بها مرض يمنع من الوطء فهو في حكم غير المحصن .. وكذلك المرأة ، وسئل الإمام أبو جعفر الصادق (ع) عن معنى المحصن؟ فقال : من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن.

هذا ما دل عليه ظاهر الآية ، وهو ان الجلد للزاني المحصن وغير المحصن ، ولكن قد ثبت بالسنة المتواترة واجماع المذاهب الاسلامية ان حكم المحصن والمحصنة الرجم بالحجارة حتى الموت ، وعليه يكون الجلد لغير المحصن والمحصنة ، ولهما

٣٩٥

الرجم لأنهما قد خرجا عن عموم الآية بالسنة القطعية وقيام الإجماع ، بل جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم ان عمر بن الخطاب قال : «ان الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها وو عيناها». (البخاري ج ٨ ص ٢٠٩ طبعة سنة ١٣٧٧ ه‍ ومسلم ص ١٠٧ القسم الأول من الجزء الثاني طبعة سنة ١٣٤٨ ه‍). وفي رواية ثانية للبخاري ج ٩ ص ٨٦ ان عمر بن الخطاب قال : لو لا ان يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي.

وتسأل : قال تعالى في الآية ١٥ من سورة النساء : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) فقد أوجب سبحانه في هذه الآية ان تحبس الزانية في البيت ولا تخرج منه إلا ميتة أو يجعل الله لها سبيلا آخر ، ثم أوجب عليها الجلد في الآية التي نفسرها ، فما هو وجه الجمع بين الآيتين؟.

الجواب : قلنا عند تفسير آية النساء في ج ٢ ص ٢٧١ : ان المراد بقوله تعالى : (يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) انه جل وعز لم يجعل عقوبة الحبس في البيت حكما دائما ، بل لفترة محدودة ، ثم يحدث التشريع النهائي ، وهكذا كان ، حيث نسخت عقوبة الحبس في البيت وحلت محلها عقوبة الرجم للمحصنة ، والجلد لغيرها .. وقال بعض العلماء : لا نلجأ الى النسخ إلا بورود النص ، أو إذا تعذر الجمع بين الحكمين ، والمفروض ان الشارع لم ينص على نسخ عقوبة الحبس ، وان الجمع بينها وبين عقوبة الجلد ممكن ، وعليه يكون مفاد الآيتين ان الزانية غير المحصنة يجب ان تجلد مائة ، وان تحبس في البيت أيضا.

ونحن مع هذا القائل إذا أقنعنا بأن المراد بالسبيل في قوله تعالى : (يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) ، المراد به شيء غير تشريع الحكم النهائي الذي يتبادر الى الأذهان ، أما تفسير السبيل بالزواج كما ذهب اليه هذا العالم فبعيد عن الافهام.

(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) لا تعطلوا الحد عن الزاني والزانية ، بل أقيموه واشتدوا عليهما ، وأوجعوهما ضربا ورجما ، ولا تمنعكم من ذلك شفقة ولا رحمة فإنه لا هوادة في دين الله .. ان غضب الايمان لا يطفئه شيء إلا رضى

٣٩٦

الرحمن ، قال الرسول الأعظم (ص) : «لو سرقت فاطمة لقطعت يدها». وفي نهج البلاغة : فرض الله القصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم .. (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). هذا تأكيد وتحريض على اقامة الحدود وان التهاون بها استخفاف بالدين (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). والغرض من ذلك ان يشيع حديث العقوبة بين الناس فيتعظوا ويزدجروا .. وقيل : أقل ما تصدق عليه كلمة الطائفة ثلاثة أفراد ، وقيل : بل يكفي الواحد بدليل قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) ـ ٩ الحجرات. وتكلمنا مفصلا في الجزء السادس من فقه الإمام جعفر الصادق (ع) عن تعريف الزنا وشروطه وأقسامه وطرق إثباته وحدّه وكيفية إقامته وعن توبة الزاني وغيرها مما تعرض له الفقهاء.

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ). قيل : هذه الآية من مشكلات القرآن ومتشابهاته لأن ظاهرها الإخبار بأن الزاني لا ينكح إلا زانية مثله أو مشركة ، وان الزانية لا ينكحها إلا زان مثلها أو مشرك ، مع ان الزاني قد يتزوج عفيفة شريفة ، والزانية قد تتزوج عفيفا شريفا ، فكيف جاء ظاهر الآية على خلاف الواقع؟.

وفي رأينا ان الآية من المحكمات الواضحات ، فليست هي إخبارا عن الواقع كي يقال: انها تنافره وتناقضه ، ولا حكما شرعيا يحرّم على الزاني ان يتزوج مسلمة عفيفة ، وعلى الزانية ان تتزوج مسلما عفيفا ، بل عليهما إذا أرادا الزواج أن يتزوج هو بزانية مثله أو مشركة ، وان تتزوج هي بزان مثلها أو مشرك ، كما زعم كثير من المفسرين .. كلا ، ليس هذا هو المراد ، لأن المسلم تحرم عليه المشركة ، وان ثبت عليه الزنا من قبل ، وكذا المسلمة فإنها تحرم على المشرك حتى ولو ثبت عليها الزنا من قبل .. كلا ، ليست الآية إخبارا عما هو كائن ، ولا حكما شرعيا ، بل معناها الظاهر ـ بصرف النظر عما قيل في سبب نزولها ـ ان الزنا من أفحش القبائح وأشنعها ، ولا يفعله إلا عاهر فاجر ، فإذا رغب فيه راغب فلا يجد أحدا يستجيب لرغبته إلا من هو مثله في الفسق والفجور رجلا كان أو امرأة ، وبكلمة أخصر ان معنى الآية أشبه بقولك للمجرم : لا يقرك

٣٩٧

على جريمتك إلا مجرم مثلك لا دين له ولا ضمير. واين هذا من الإخبار عما وقع أو من تشريع الأحكام؟

وقوله تعالى : (أَوْ مُشْرِكَةً .. أَوْ مُشْرِكٌ) يومئ إلى أن الزنا بمنزلة الشرك بالله .. وقد ساوى سبحانه في الحكم بين الشرك وقتل النفس المحترمة والزنا حيث قال : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ـ ٦٨ الفرقان ، وسئل النبي (ص) عن أعظم الذنوب فذكر هذه الثلاثة (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وأيضا على المؤمنات ، وانما اكنفى بذكر المؤمنين تغليبا .. وذلك إشارة الى الزنا بدليل ظاهر السياق.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً). المراد بالرمي القذف بالزنا ، وقوله : الذين يرمون ظاهر بخصوص الرجال ، ولكن النساء مثل الرجال في هذا الحكم ، والمراد بالمحصنات العفيفات ، سواء أكنّ متزوجات أم غير متزوجات ، وقد ألحق العلماء بهن في الحكم الرجل المحصن ، تماما كما ألحقوا النساء بالرجال في الرمي ، وبكلمة ان حكم الجلد يشمل الرجل والمرأة ، سواء أقذفها هو بالزنا ، أم هي التي قذفته به .. ويجلد القاذف أو القاذفة إذا لم يأت أحدهما بأربعة شهود ، يشهد كل واحد منهم انه رأى الميل في المكحلة يدخل ويخرج .. والغرض من كثرة الشهود والتشدد في شهادتهم ان لا يشهد أحد بالزنا حرصا على الستر وحماية الأسرة من الشتات والضياع.

(وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الضمير في لهم يعود الى من رمى المحصنين أو المحصنات دون أن يأتي بأربعة شهود ، والمعنى ان من قذف محصنا أو محصنة ولم يثبت ذلك بأربعة شهود فهو فاسق لا تقبل له شهادة في أي شيء على الإطلاق إلا بعد أن يتوب ويعمل صالحا ، وبعد التوبة وحسن السيرة تقبل شهادته ، سواء أتاب قبل الحد أم بعده. وقال أبو حنيفة : لا تقبل شهادته وان تاب لأن ردها من جملة الحد والتأديب .. وهذا اشتباه لأن قوله تعالى بلا فاصل : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يومئ الى قبول شهادته مطلقا ، حتى ولو تاب بعد الحد ، وأصرح

٣٩٨

من الآية في الدلالة قول الرسول الأعظم (ص) : التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

اللعان بن الزوجن الآة ٦ ـ ١٠ :

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠))

اللغة :

يدرأ يدفع. والمراد بالعذاب هنا الحد.

الإعراب :

أنفسهم بدل من شهداء. فشهادة أحدهم أربع .. قرئ بنصب أربع ورفعها ، وعلى النصب تكون شهادة أحدهم خبرا لمبتدأ محذوف وأربع قائم مقام المفعول المطلق لشهادة ، والتقدير فالحكم ان يشهد أحدهم أربع شهادات ، وعلى الرفع تكون شهادة مبتدأ ثانيا وأربع خبره ، والجملة خبر المبتدأ المحذوف ، والمبتدأ المحذوف

٣٩٩

وخبره خبر الذين يرمون. وبالله متعلق بشهادات. والخامسة الأولى مبتدأ وما بعدها خبر. والمصدر من أن تشهد فاعل يدرأ. والخامسة الثانية بالنصب معطوفة على أربع شهادات الثانية وبالرفع مبتدأ وما بعدها خبر. ولو لا فضل الله جواب لو لا محذوف أي لهلكتم.

المعنى :

في كتب الفقه باب يسمى باب اللعان ، ومصدره هذه الآيات ، وهو أشبه بالمباهلة بين زوج يقذف زوجته بالزنا ولا شهود لديه على دعواه ، وبين الزوجة التي تنفي تهمة الزنا عن نفسها ، والغاية من هذا اللعان سقوط الحد عن الزوج بسبب القذف ، أو نفي الولد عنه ، ولا يشرع اللعان إلا في موردين :

الأول : ان يقذف الزوج بالزنا زوجته الشرعية التي عقد عليها بالعقد الدائم ، وأن تكون الزوجة سالمة من الصمم والخرس ، وان يدعي الزوج المشاهدة ، وان لا تكون له بينة شرعية على الزنا ، فإذا انتفى واحد من هذه الشروط فلا يجوز اللعان.

الثاني : ان ينكر الزوج من ولدته على فراشه ، ويمكن أن يلحق به ، وذلك بأن تضعه لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء ، ولم يتجاوز أقصى مدة الحمل ، والا انتفى عنه الولد من غير لعان.

ومتى توافرت كل هذه الشروط ، ورمى الزوج زوجته بالزنا أو نفى الولد عنه ، فعليه حد القذف إلا ان يقيم البينة أو يلاعن ، وصورة الملاعنة ان يقول عند الحاكم الشرعي : اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة ، يقول ذلك أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة بعد ان يعظه الحاكم : وعليه لعنة الله ان كان من الكاذبين.

ثم تشهد الزوجة بالله اربع مرات انه لمن الكاذبين فيما رماها به ، ثم تقول في الخامسة : ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين. ويجب ان يكونا قائمين عند الملاعنة ، ومتى تمت الملاعنة بشروطها المتقدمة لحقتها الأحكام التالية :

٤٠٠