التّفسير الكاشف - ج ٥

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٥

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٤

حيث قال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ).

عرض ، جلت عظمته ، في هذه الآية النشأة الأولى للإنسان ، وكيف انتقل به سبحانه من طور الى طور ، والهدف الأول من ذلك أن ندرك الدلائل على وجود الخالق وعظمته ، أن نفكر وننظر الى هذا المخلوق العجيب في صورته وهيئته ، وفي عقله وإدراكه ، هذا الإنسان صاحب التاريخ والحضارات ، هذا الكائن الذي يملك من القوى والطاقات ما لا يملكه مخلوق ، والذي خاطبه العارفون بهذا التعظيم : «وفيك انطوى العالم الأكبر» هذا العجيب من أين أتى؟ ومن أي شيء خلق؟ وتجيبنا الآية بأنه خلق من طين ، من تراب وماء ، من الأصل الذي خلقت منه الحشرات والنباتات .. وهنا يكمن الدليل والبرهان ، فان الشيء الواحد لا ينشئ شيئين متناقضين : الإدراك واللاإدراك ، والعمى والبصر .. اذن هناك سر ، ولا تفسير لهذا السر الا بقوة قادرة عالمة وراء هذا الشيء الواحد ، وهذه القوة هي التي فرّقت وميّزت بين الشيئين المتناقضين اللذين خلقا من أصل واحد (١) ، وبعد هذه الاشارة الى الهدف من الآيات الواردة في خلق الإنسان نبين المعنى المراد من الآيات التي نحن بصددها.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ). المراد بالإنسان هنا ابن آدم ، لا آدم بالذات لأن سياق الكلام ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) يحتم ذلك .. وآدم وأبناؤه كلهم من طين ، من تراب وماء ، والفرق ان آدم خلق منهما مباشرة ، وأبناؤه بواسطة الأغذية التي تتوالد من الأرض والماء.

(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) في أصلاب الآباء ، ومنها الى أرحام الأمهات (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) تقدم في الآية ٥ من سورة الحج. (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً). قسّم المضغة الى عظام وعروق ولحم ، ثم خلق من المجموع أعضاء عديدة ومتنوعة ، والتفصيل في علم التشريح (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) إنسانا سويا مباينا في شكله وحقيقته لخلقه الأول (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). ولا شيء أدل على هذه الحقيقة من خلق الكون بنظامه الثابت ، ومن

__________________

(١). انظر ما قلناه بعنوان «الإنسان بذاته برهان» في ج ١ ص ٧٤.

٣٦١

خلق الإنسان ببيانه وقلبه وعقله .. ونكرر ما قلناه مرارا : انه قد جرت عادة القرآن الكريم أن يسند التغييرات الكونية الى الله لأنه ، جلت عظمته ، السبب لخلق الكون (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) ومن مات فمرجعه الى خالقه (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) وتسألون عما كنتم تعملون.

معنى السموات السبع :

(وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ). المراد بالطرائق السموات لأن بعضها فوق بعض .. عند تفسير الآية ٢٩ من سورة البقرة قلت : ان ذكر السبع لا يدل على حصر السموات بها ، وان السبب لذكرها بالخصوص قد يكون لخصائص فيها .. اكتفيت بهذا القول آنذاك لأني لا أعلم أكثر منه ، فما انا من أهل الاختصاص بعلم الفلك ، ولما وصلت الى تفسير هذه الآية قرأت مقالا علميا في جريدة الأخبار المصرية تاريخ ١٧ تموز سنة ١٩٦٩ بعنوان : «الله والإنسان والقمر جاء فيه ما يلي :

«ثبت علميا ان في الفضاء أكوانا غير الكون الذي نعيش فيه ـ أي المجموعة التي نراها من الكواكب بالعين المجردة أو بواسطة المكبّر ـ وان في كل كون من تلك الأكوان الأخرى شمسا أقوى من الشمس التي تشرق كل يوم لتضيء هذه الكرة الأرضية ، ويدور حول تلك الشمس عدد من النجوم في جاذبيتها .. ولا يمكن الوصول الى كوكب من كواكب تلك الأكوان الأخرى على الإطلاق مع العلم بأننا استطعنا بالأجهزة العلمية ان نثبت وجودها ، والسر في عجزنا هذا ان شمس تلك الأكوان ونجومها تبعد عنا ملايين السنين الضوئية .. فلو افترضنا ان الإنسان يمكن أن يسافر بسرعة الضوء فإنه يحتاج الى ملايين السنين ليستطيع الوصول الى أقرب كوكب من كواكب تلك الأكوان .. هذه حقيقة أثبتها العلم ، وأجمع عليها العلماء المتخصصون حديثا».

وعلى هذا يكون المراد بالسماوات السبع الأكوان الفضائية العلوية السبعة ، وليس الكواكب السبعة ، وان لكل كون فضائي علوي مجموعة من الكواكب التي لا يحصى عددها ، وان الإنسان لا يستطيع الوصول اليها لأنه لا يعيش ملايين السنين.

٣٦٢

أما الأرضون السبع التي اشارت اليها الآية ١٢ من سورة الطلاق فهي في الأكوان السبعة أي في كل مجموعة من الكواكب لكل كون كوكب أرضي.

وأنزلنا من السماء ماء الآة ١٨ ـ ٢٢ :

(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢))

اللغة :

بقدر أي بمقدار معلوم. والمراد بالشجرة هنا شجرة الزيتون. وطور سيناء الجبل الذي ناجى فيه موسى ربه ، وعبّر سبحانه عنه في الآية ٢ من سورة التين بطور سينين. والصبغ الغمس ، والمراد به هنا الزيت يغمس فيه الخبز.

الإعراب :

شجرة عطف على جنات أي وأنشأنا شجرة. وسيناء ممنوعة من الصرف للعلمية. والتأنيث. وقيل : بالدهن متعلق بمحذوف حالا أي وفيها الدهن ، مثل ركب الأمير بجنده أي ومعه جنده ، والأولى أن تكون «تنبت» متضمنة معنى تخرج لأنها تعدت الى الدهن بالباء ، وعليه يكون بالدهن متعلقا بتنبت.

٣٦٣

المعنى :

(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ). بعد أن قال سبحانه : وما كنا عن الخلق غافلين ضرب لذلك مثلا بانزال الماء بمقدار ما ينتفع به الناس ، لا هو بالكثير فيفسد ، ولا بالقليل فيتضرر الزرع والضرع (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) في العيون والآبار والجداول والأنهار لتنتفعوا به في غير فصل الشتاء (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ). ان الذي أنزله عليكم قادر على أن يمنعه عنكم ، أو يجعله غورا فلا يجديكم نفعا ، ولكنه لم يفعل رحمة بكم.

(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) رطبا وتمرا من النخيل ، وعنبا وزبيبا من الأعناب ، وخص النخيل والأعناب بالذكر لأن العرب كانوا يعجبون بهما ولا يكادون يعرفون غيرهما (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ). المراد بالشجرة هنا شجرة الزيتون ، وطور سيناء الجبل الذي ناجى فيه موسى ربه ، والمراد به البقعة التي هو فيها .. وفي الزيتون فوائد ، منها انه طعام بذاته ، وأيضا يستخرج منه الزيت إداما ، وقال كثير من المفسرين : ان الله سبحانه خص هذه الأنواع الثلاثة بالذكر لأنها أكرم الأشجار وأكثرها نفعا ، والصحيح ما أشرنا اليه من انها كانت أكثر انتشارا من غيرها عند العرب. وتقدم نظير هذه الآيات أكثر من مرة. أنظر الآية ١٠ وما بعدها من سورة النحل ج ٤ ص ٥٠١.

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم والمعز (لَعِبْرَةً) آية تعتبرون بها (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) ألبانا (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) من ذلك أصوافها وأشعارها وأوبارها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي من لحمها (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) من مكان الى مكان. تقدم في عديد من الآيات. أنظر تفسير الآية ٥ وما بعدها من سورة النحل ج ٤ ص ٤٩٨.

نوح الآة ٢٣ ـ ٣٠ :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ

٣٦٤

إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠))

اللغة :

الملأ رؤوس القوم. أن يتفضل أن يكون له الفضل. جنة جنون. فتربصوا فانتظروا. بأعيننا برعايتنا. والمراد بالتنور هنا وجه الأرض. والاستواء الاستقرار. واسلك ادخل. ومبتلين مختبرين.

الإعراب :

ما لكم من إله (من) زائدة اعرابا وإله مبتدأ. والمصدر من أن يتفضل مفعول يريد أي يريد الفضل. ان هو (ان) نافية وهو مبتدأ وخبره رجل ،

٣٦٥

وبه جنة مبتدأ وخبر والجملة صفة لرجل. وربّ أصلها يا ربي. وان أصنع (ان) مفسرة لأوحينا. وبأعيننا متعلق بمحذوف حالا من الفلك أي محفوظة بأعيننا. وكلّ بالتنوين أي من كل نوع. وزوجين مفعول اسلك. واثنين توكيد لزوجين. ومنزلا مفعول فيه لأنه اسم مكان ، وإذا كان بمعنى انزال فهو مفعول مطلق. وان كنا (ان) مخففة وأصلها إنّا واسمها (نا) وجملة كنا خبر.

المعنى :

كل ما جاء في هذه الآيات قد سبق ذكره في سورة هود من الآية ٢٥ الى ٤٩ ج ٤ ، وقد استغرق تفسيرها من صفحة ٢٢٢ الى ٢٣٧. ولذا نمر مرا سريعا بها.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ). دعاهم الى عبادة الله وحده ، وحذرهم من الشرك ، فخاف المترفون على مناصبهم ومكاسبهم من دعوته ، فأطلقوا الاشاعات الكاذبة ، وأثاروا حوله الشبهات الباطلة .. وقد ذكر سبحانه منها ثلاثا :

١ ـ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ). قالوا : كيف يكون نوح نبيا وهو بشر مثلكم؟ انه لا يهدف من دعواه النبوة إلا ان يكون رئيسا عليكم وتكونوا مرؤوسين له .. هذه هي لغة التجار يفسرون كل شيء بالربح.

٢ ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ). ما سمعوا ان الله أرسل بشرا رسولا .. وأيضا ما سمعوا ان إله الكون واحد .. اذن ، فنوح ليس برسول ، والآلهة كثيرة ، ومنها أصنامهم .. ولا فرق بين هذا المنطق ، ومنطق من يقول : أنا لا أعترف بوجود المريخ لأني لم أصعد اليه.

٣ ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ). أطلقوا هذه الاكذوبة ، وهم على يقين منها ، تماما كما كانت قريش على يقين من افترائها حين قالت عن رسول الله (ص) : ساحر ومجنون. (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ). انتظروا بنوح حتى يموت أو يرجع عن دعوته.

٣٦٦

(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) التجأ اليه تعالى وطلب منه النصر عليهم بعد يأسه من هدايتهم (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) كناية عن حفظه تعالى للسفينة ورعايته لها (وَوَحْيِنا) أي أمرنا (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) أي نبع الماء من الأرض (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) أي إلا امرأة نوح وابنه منها ، وقيل : اسمه كنعان (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) لا تسألني نجاة أحد من الكفرة الفجرة لأن كلمة العذاب حقت عليهم جميعا حتى امرأتك وولدك.

(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) استقر بكم الحال ، وأنتم في السفينة (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). في هذه الآية درس هام ، وهو ان الله سبحانه إذا أهلك الطاغية فلا ينبغي ان يشمت المظلوم بهلاك ظالمه ، بل يحمد الله سبحانه على خلاص الناس من بغيه وطغيانه ، وان ينظر الى هلاكه على انه وسيلة لا غاية (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ). انزلني من السفينة وعند خروجي منها منزلا تحفظني فيه من كل سوء أنا وأهلي ومن آمن بك ، وأنت خير من أنزل عباده بأحسن المنازل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ). ذلك اشارة الى إهلاك قوم نوح ، ونجاته مع من آمن به ، والمراد بالآيات هنا العبر والعظات لمشركي قريش وغيرهم (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) أي انّا قد اختبرنا العباد بإرسال الرسل وانزال الكتب ليتميز الخبيث من الطيب ، وتتجلى للعيان نوايا وأفعال كل منهما ، فيثاب أو يعاقب باستحقاق.

هود الأية ٣١ ـ ٤١ :

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا

٣٦٧

إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١))

اللغة :

القرن أهل العصر الواحد ، والمراد بهم عاد قوم هود. وأترفناهم نعمناهم من الترف وهي النعمة. هيهات بعد. يصبحن يصرن. والصيحة العذاب. والغثاء ما يحمله السيل مما يمر به من الأشياء الحقيرة البالية. وبعدا هلاكا.

الإعراب :

ان اعبدوا (ان) مفسرة لأن الإرسال يتضمن معنى القول. ومخرجون خبر انكم إذا متم ، وانكم الثانية تأكيد لأنكم الأولى ، وتكررت للفاصل الطويل ، والمصدر من انكم الاولى واسمها وخبرها مفعول ثان ليعدكم أي يعدكم الإخراج. وهيهات اسم فعل بمعنى بعد ، ويحتاج الى فاعل ، وفاعله ضمير مستتر يعود الى الإخراج أي بعد إخراجكم. وعما قليل (ما) زائدة اعرابا وقليل مجرور بعن ، والمجرور متعلق بيصبحن واللام لا تمنع من ذلك لأنها لمجرد التأكيد كما قال أبو البقاء في كتاب الاملاء. وبعدا مصدر في موضع الفعل أي بعدوا بعدا.

٣٦٨

المعنى :

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ). ضمير بعدهم يعود الى قوم نوح ، والمراد بالقرن هنا الجماعة ، ولم يصرح سبحانه باسمهم ، وقال المفسرون : المراد بهم عاد قوم هود ، وهذا هو الحق بدليل ما ورد في سورة الاعراف : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ـ الى قوله ـ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) ـ ٦٩». وتقدم الكلام عن هود وقومه في سورة هود من الآية ٥٠ الى ٦٥ ج ٤ ص ٢٣٩ ـ ٢٤١. ولذا نمر بالآيات التي نحن بصددها مرورا خاطفا كما مررنا بالآيات السابقة التي تحدثت عن نوح وقومه.

(فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ). أرسل الله هودا الى عاد ، وهو منهم وفيهم (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ). دعا قومه الى التوحيد ، وترك الشرك مبشرا بمرضاة الله وثوابه ، ومنذرا بغضبه وعذابه (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) وما دام كذلك فلا ميزة له ولا فضل ، فكيف تطيعونه؟ (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) هم الخاسرون ظاهرا وواقعا بمعصيتهم نبي الله ، ولكنهم عكسوا الآية ، وشوهوا الحقيقة ، وهذا هو دأب المترفين الطغاة في كل زمان ومكان.

(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من قبوركم أحياء تماما كما أنتم الآن .. ان هذا لشيء عجاب .. (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) من الإحياء بعد الفناء (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) لأن من مات فات ، وهذا بيان وتأكيد لما قبله من استبعادهم البعث بعد الموت ذاهلين ان الذي أنشأهم أول مرة هو الذي يعيدهم ، وان ذلك أهون عليه من الإنشاء ان صح التعبير (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ). لا يؤمنون لهود لأنه بزعمهم لا يتورع عن الكذب على الله ، أما عبادتهم الأصنام فهي عين الإخلاص لله ، والحرص على طاعته وتقوه!!وأخيب الناس سعيا من أساء ، وهو يحسب انه قد أحسن الصنع.

(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) قال هذا بعد اليأس من هدايتهم (قالَ

٣٦٩

ـ الله ـ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) على شركهم وتمردهم حيث يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ) المراد بالصيحة العذاب ، وقوله بالحق اشارة الى انهم استحقوا العذاب بما كسبت أيديهم (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) تماما كالأشياء الحقيرة البالية التي يحملها السيل (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). بعدوا عن الله وطاعته ، فأبعدهم عن فضله ورحمته.

كلما جاء امة رسولها كذبوه الآية ٤٢ ـ ٥٠ :

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠))

اللغة :

تترى من الوتر وهو الواحد أي واحدا بعد واحد. أحاديث جمع أحدوثة أي يتحدث الناس بما جرى عليهم. السلطان الحجة. وعالين متكبرين. والربوة

٣٧٠

المرتفع من الأرض. وذات قرار أي مستوية يستقر الناس عليها. والمعين الماء الجاري.

الإعراب :

تترى مصدر وضع موضع الحال من الرسل أي متواترين متتابعين ، والفعل تواتروا. وبعضهم مفعول أول وبعضا مفعول ثان ، وتعدت تبع الى مفعولين بواسطة همزة التعدية. وبعدا مصدر في موضع الفعل. وهرون بدل من «أخاه». ومثلنا صفة لبشرين ولم يثن مثل لأن المراد به جنسنا.

المعنى :

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ). ضمير بعدهم يعود الى عاد ، وقرون أي جماعات ، وأول هذه الجماعات التي جاءت بعد عاد هي ثمود بدليل ما جاء في سورة الاعراف : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ـ الى قوله ـ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ) ـ ٧٤» (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ). كل شيء ، ما عدا الله سبحانه ، له أمد وأجل ، لا يتقدم عليه ، ولا يتأخر عنه ، ومنه إهلاك الأمم التي كذبت رسلها ، وقد كان العذاب يأتيها بغتة دون تنبيه واشعار (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا). كانت الأمم تأتي متتابعة الواحدة تلو الأخرى ، وكذلك الرسل كان الواحد منهم يأتي تلو الآخر ، لأن الله سبحانه جعل لكل أمة رسولا.

(كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) أو قتلوه لا لشيء إلا لأنه جاءهم بما لا تهوى أنفسهم ، كما نصت الآية ٨٧ من سورة البقرة : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) .. (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ). ضمير بعضهم وجعلناهم يعود الى الأمم التي كذبت رسلها ، والمعنى ان الله أهلك الأمم التي كذبت رسلها الواحدة تلو الأخرى ، وجعلها عبرة

٣٧١

لمن اعتبر ، وخبرا يتناقله الناس جيلا بعد جيل (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) بالحق ولا يعملون به.

(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) ومنها انقلاب العصا ثعبانا ، ولمعان اليد (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) الحجج الدامغة (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ). وأي علو واستكبار أعظم من قول فرعون : أنا ربكم الأعلى .. ما علمت لكم من إله غيري .. وأكثر الناس أو الكثير منهم يحملون هذه الروح الفرعونية ، ويدعون الربوبية لو تهيأ لهم ما تهيأ لفرعون ، ووجدوا من يستجيب لهم كما وجد (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ). ادعى فرعون الربوبية وسام الاسرائيليين سوء العذاب .. يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، وموسى وهرون من بني إسرائيل ، فكيف يكون تبعا لهما؟.

(فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ). وكل امرئ يجهل قدره ويتجاوز حده فمصيره إلى الهلاك لا محالة (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ). المراد بالكتاب التوراة ، وضمير لعلهم لبني إسرائيل .. ولكنهم لم يهتدوا ولن يهتدوا بعد ان حرفوا التوراة واتبعوا الشهوات ، وملأوا الدنيا فسادا وضلالا .. وقد تكررت قصة موسى وفرعون في كتاب الله مرات ومرات ، وبيّنا السبب الموجب لذلك عند تفسير الآية ٩ من سورة طه ، فقرة : «تكرار قصة موسى» (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) عيسى معجزة لأنه خلق من غير أب ، وأمه معجزة لأنها حملت من غير ذكر. انظر ج ٢ ص ٦١ وما بعدها (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) المراد بها فلسطين لأن السيد المسيح (ع) ولد فيها ، وهي (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) والقرار المكان الذي يستقر فيه الإنسان ويطمئن ، والمعين الماء الجاري.

رب واحد ودين واحد الآية ٥١ ـ ٥٥ :

(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا

٣٧٢

أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))

اللغة :

المراد بالأمة هنا الملة. وتقطعوا تفرقوا. وزبرا جمع زبور وهو الكتاب أي افترقوا في اتباع الكتب والمراد بالغمرة هنا الجهل والضلال ، وأصلها من غمرة الماء.

الإعراب :

هذه اسم ان ، وأمتكم خبرها ، وأمة حال ، وواحدة صفة لأمة. وزبرا حال من أمرهم. وانما كلمتان أنّ وما بمعنى الذي وما اسم أنّ ، وجملة نسارع خبر ، والمصدر من أنّ واسمها وخبرها مفعول يحسبون.

المعنى :

في الآية ١٧٢ من سورة البقرة قال سبحانه للمؤمنين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). وفي هذه الآية قال للرسل : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). والغرض ان يبين سبحانه ان الدين الحق هو التقوى والعمل الصالح ، لا التقشف والامتناع عن الملذات والطيبات .. وكل ما تستلذه وتميل اليه نفسك فهو طيب وطاهر عند الله إذا لم ينه عنه ، تماما كما هو طيب عندك .. وفي الحديث : ان الله جميل يحب الجمال ، وان رسول الله (ص) كان يلبس ما تيسر من الصوف والقطن والبرود اليمانية .. ولم يكن يرد طيبا ولا يتكلفه ، وقد أكل

٣٧٣

الحلوى والعسل ، وكان يحبهما ، وأكل لحم الجزور والضان والدجاج ، وأكل القثاء والبطيخ بالرطب ، والتمر بالزبد وكان يحبه ، وأكل الخبز باللحم والكبد المشوية ، والثريد بالسمن .. وعلى الإجمال كان هديه (ص) أكل ما تيسر ، ولبس ما تيسر ، فان أعوزه صبر .. وأطيب الأشياء على الإطلاق هو الأكل من كد اليمين وعرق الجبين ، قال الرسول الأعظم : من أطيب ما أكل الرجل من كسبه.

(وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). لكلمة الأمة معان ، منها الجماعة كقوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) ـ ٣٨ الأعراف ، ومنها الحين كقوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) ـ ٤٥ يوسف أي بعد حين ، ومنها الملة كما في الآية التي نحن بصددها. وهذه في الآية اشارة الى ملة الأنبياء أجمعين ، والخطاب في أمتكم لكل الناس بدليل قوله تعالى بلا فاصل : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) الخ ، والمعنى لما ذا يتباغض الناس ويتفرقون شيعا ، فطائفة تنتسب الى موسى ، وثانية الى عيسى ، وثالثة الى محمد مع ان ربهم واحد ، ودينهم واحد ، والهدف منه واحد؟ وفي الحديث : الأنبياء اخوة من علات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد.

وتسأل : ان شرائع الأنبياء متعددة ومتفاوتة ، فكيف يكون دينهم واحدا؟. الجواب : ان الاختلاف في الشريعة لا يستدعي الاختلاف في الدين ، ما دامت الأصول واحدة ـ مثلا ـ قوانين الدول المسيحية كثيرة ومتفاوتة ، ومع هذا تجمعهم عقيدة دينية واحدة.

(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). ضمير تقطعوا وما بعده يعود الى أتباع الأنبياء ، والمراد بالزبر الكتب ، والمعنى ان الأنبياء على دين واحد ، ولكن أتباعهم على أديان شتى ، فقد اتبع كل فريق كتابا يؤمن به ويكفر بسواه ، فاليهود آمنوا بالتوراة بعد أن حرفوها ، وكفروا بالإنجيل والقرآن ، والنصارى حرفوا الإنجيل وآمنوا به وبالتوراة المحرّفة ، وكفروا بالقرآن. أنظر ما كتبناه بعنوان «كل يعزز دينه» ج ١ ص ١٨١.

(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ). بعد ان بلغهم النبي (ص) رسالات ربه ، وألقى اليهم المعذرة بما حذر وأنذره أمره الله سبحانه ان يعرض عنهم ، ويدعهم بما هم فيه من الغفلة والضلال .. وهذا تهديد ووعيد بدليل قوله تعالى بلا فاصل

٣٧٤

(أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ). لقد اغتروا بالأولاد والأموال ، وظنوا انها تدوم لهم ، وما دروا ان الله يمتحنهم بها ، وانها الى أجل معدود ، ثم يأخذهم أخذة العزيز المقتدر.

أيضا صفات المؤمنين ٥٧ ـ ٦٢ :

(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢))

اللغة :

الوسع القدرة والطاقة. والمراد بالكتاب هنا صحائف الأعمال.

الإعراب :

وقلوبهم وجلة مبتدأ وخبر ، والجملة حال من واو يؤتون. والمصدر من انهم الى ربهم مجرور بمن محذوفة أي من رجوعهم الى ربهم. وأولئك يسارعون خبر ان الذين. ووسعها مفعول ثان لنكلف.

٣٧٥

المعنى :

بعد ان ذكر سبحانه الذين يعيشون في غمرة ، ويحسبون ان الله يسارع لهم في الخيرات ـ ذكر المؤمنين وانهم يتصفون بالخصال التالية :

١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ). وتسأل : ان الخشية هي الخوف ، والإشفاق يتضمن معنى الخوف ، أو هو أقصى حدوده ودرجاته كما قيل ، وعليه يكون المعنى انهم خائفون من الخوف ، وهو غير مستقيم؟ الجواب : المراد بالاشفاق هنا الحرص على طاعة الله ، وتقدير الكلام هكذا : هم يحرصون على طاعته تعالى خوفا من عذابه.

٢ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ). المراد بالآيات هنا الدلائل على وجود الله وعظمته ، ونبوة أنبيائه ، وصدق كتبه.

٣ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ).

وتسأل : ان الذين يؤمنون بآيات الله هم الذين لا يشركون ، فما وجه العطف والتعدد؟.

وأجاب الرازي بأن المراد بالشرك هنا الشرك الخفي كالرياء وعدم الإخلاص في العمل ، والمراد بالايمان في الآية السابقة مجرد التصديق.

٤ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ). ينفقون مما أعطاهم الله ، ويؤدون حقوقه وحقوق الناس كاملة ، ومع هذا يخافون الله ان لا يتقبل منهم.

(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ). اللام في لها للتعليل ، والهاء تعود الى الخيرات ، وسابقون أي الى الجنة ، والمعنى ان هؤلاء الذين توافرت فيهم هذه الخلال يسرعون الى طاعة الله ، ولا يتوانون ، وهم من أجل ذلك يسبقون الناس غدا الى الجنة (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) لأن تكليف ما لا يطاق ظلم ، والله الذي نهى عن الظلم لا يفعله (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ) سجل لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها ، ويجزي الله عليها ، ان خيرا فخير وان شرا فشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). بنقص ثواب من أحسن ، ولا بزيادة عذاب من أساء.

٣٧٦

بل قلوبهم في غمرة الآية ٦٣ ـ ٧٢ :

(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢))

اللغة :

الغمرة الجهل والضلال. وجأر صاح. ونكص أدبر. وسامرا أي تسمرون وقد استعمل هنا لفظ الفرد في الجمع. وتهجرون من الهجر في الكلام ، وهو الهذيان أو الفحش في المنطق. والجنة الجنون. والمراد بالخرج هنا الجعل والعطاء.

الإعراب :

ولهم أعمال مبتدأ وخبر ، ومثله هم لها عاملون ، والجملة صفة لأعمال. حتى إذا (حتى) للابتداء وإذا شرطية. وإذا هم (إذا) هذه للمفاجأة وقعت في جواب

٣٧٧

إذا الشرطية. ومستكبرين حال من واو تنكصون. وبه الضمير للقرآن. وسامرا حال أي سامرين.

المعنى :

(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ). ضمير قلوبهم للمشركين ، وهذا اشارة الى ما ذكره سبحانه في الآيات السابقة من صفات المؤمنين ، وهي الايمان بآيات الله ، والخوف منه ، والمسارعة الى الخيرات ، والمعنى ان المشركين في غفلة عن هذه الصفات .. وأيضا لهم سيئات غير الشرك والغفلة ، فإنهم يسخرون من القرآن ، ويفترون على رسول الله ، ويقولون : ساحر مجنون (هُمْ لَها عامِلُونَ). وتسأل : ان ضمير لها يعود الى الأعمال ، وعليه يكون المعنى هم عاملون للأعمال؟ الجواب : المراد بالأعمال هنا السيئات : فكأنه قال ، عظمت كلمته : هم يعملون السيئات.

(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ). هذا هو دأب المترفين ، يتمادون في الغي والضلال (انظر تفسير الآية ١٦ من سورة الإسراء) ولا يحسبون للمفاجاة والمخبآت ، ولا يعتبرون بالسابقين من أمثالهم ، حتى إذا وقعت الواقعة ، وآن أوان الحساب والجزاء رفعوا أصواتهم بالبكاء والعويل خاضعين متضرعين حيث لا ناصر ولا معين ، ولا كلمة تواسي أو تتوجع إلا قول العزيز القهار : (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ). لا تستغيثوا ولا تتضرعوا فهذا يوم حساب وجزاء ، لا يجدي فيه تضرع واستغاثة ، ولا ينجو من عذابه إلا من عمل له.

(قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ). حذرهم سبحانه بلسان رسله من هذا اليوم مرات وبشتى الأساليب ، فأبوا إلا التكذيب والعناد ، فجزاهم بما أسلفوا ، ولا يظلم ربك أحدا (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ).

ضمير به للقرآن ، ومستكبرين أي مكذبين ، لأن الاستعلاء يتضمن معنى التكذيب ولذا تعدى بالباء ، والمعنى انهم كذبوا بالقرآن ، واتخذوا منه وممن نزل عليه موضوعا للسمر والهذيان (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) وهو القرآن وما فيه من الدلائل على التوحيد وصدق محمد (ص). (أَمْ جاءَهُمْ ـ محمد ـ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ

٣٧٨

الْأَوَّلِينَ) كيف وفي القرآن تصديق من سبق من الأنبياء ، وخبر ما حدث لهم مع أقوامهم .. هذا ، الى ان مشركي العرب يعرفون ابراهيم وهودا وصالحا وشعيبا ، وهؤلاء الأنبياء الثلاثة من العرب ، اذن ، فأي بدع في نبوة محمد؟.

(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ). أم يعتذر مشركو قريش بأنهم لا يعرفون محمدا ، وهو منهم وفيهم ، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) وهم يعلمون انه أعقل الناس وأكملهم ، ومن هنا وصفوه بالصدق والأمانة .. اذن ، هناك سر ، يتلخص بما يلي :

نور الشمس وأهواء المترفين :

(بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ). جاء محمد (ص) بالحق ، وكفى به ذنبا عند المبطلين .. وما هو هذا الحق الذي جاء به محمد؟ هل هو النطق بالشهادتين وكفى ، ولو كان هذا هو هدفه الأول والأخير لهان على من حاربه وقاومه من الرؤساء والمترفين أن يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله .. ولكن محمدا (ص) لم يكتف بهذا وحده ، بل أراد أيضا أن يقيم الحياة الاجتماعية على أساس العدل والمساواة ، لا ظالم فيها ولا مظلوم ، وان يعيش كل انسان كجزء من كل ، وفرد من جماعة ، له ما لها وعليه ما عليها ، لا يخشى أحدا إلا الله وحده ، ولا فضل لمخلوق عليه إلا بالتقوى والعمل الصالح .. ومن هنا ظهرت شراسة الطغاة وضراوتهم ضد رسول العدل والرحمة ، وحاربوه بكل سلاح ، ولكن النبي (ص) كان على يقين من أمره وان العاقبة لمبدئه ورسالته ، ومن أجل هذا كان ينظر الى خصومه كما ينظر الى غمامة صيف أو ظل زائل.

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ). المراد بالحق هنا الله ، وأهواؤهم الباطل والضلال والفوضى والفساد .. ونظام الكون بأرضه وسمائه يقوم على الحق والعدل ، اذن ، فساد الكون لا مفر منه لو اتبع الحق أهواءهم .. وما من شك لو ان الله سبحانه يستجيب الى ما يبتغون ويهوون لمنعوا الشمس عن المستضعفين ، واحتكروا الكون بما فيه لأنفسهم وأولادهم وأصهارهم.

٣٧٩

(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ). أتى محمد (ص) العرب بعامة ، وبالخصوص قريشا ، أتاهم بذكرهم أي بسلطانهم ومجدهم وتاريخهم ، فأنكروه ، بل قاوموه وحاربوه ، ولولاه لم يكونوا شيئا مذكورا ، قال تعالى : (وَإِنَّهُ ـ أي القرآن ـ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) ـ ٤٤ الزخرف. (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). أتاهم الرسول بعز الدنيا والآخرة فأعرضوا عنه مع العلم بأنه ما ابتغى منهم جزاء ولا شكورا ، لأن الله قد كفاه أمر آخرته ودنياه.

تدعوهم الى صراط مستقيم الآية ٧٣ ـ ٨٠ :

(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠))

اللغة :

ناكبون زائغون. ولجّوا تمادوا. ويعمهون يتحيرون. واستكانوا خضعوا وتواضعوا. ومبلسون آيسون. وأنشأ وذرأ بمعنى خلق. والمراد بالأفئدة هنا العقول.

٣٨٠