التّفسير الكاشف - ج ٥

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٥

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٤

منه (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) لا نشتبه بشيء ولا يفوتنا شيء مهما بلغ العدد ، قال الملّا صدرا في كتاب الأسفار : «في قدرة الله ان يكشف للخلائق جميع أعمالهم ، وميزان حسناتهم وسيئاتهم وثوابها وعقابها في لحظة واحدة ، وهو أسرع الحاسبين». ولو تنبه لهذه الآية من يحاول تطبيق القرآن على العلم الحديث لقال : ان المصدر الأول لفكرة العقل الالكتروني هو القرآن .. انظر القرآن والعلم الحديث في أول سورة البقرة.

وتكلم صاحب الاسفار عن معنى الميزان يوم القيامة وأطال الكلام ، وبالنظر الى مكانة المؤلف في فلسفة العقيدة وغيرها نقتطف من عباراته ما يلي مع ضرب من التصرف في التعبير بقصد الإيضاح :

«ان ميزان الآخرة هو ما يعرف به صحة العلم والايمان بالله وصفاته وأفعاله ، وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر ، وهذا الميزان هو القرآن الذي أنزله المعلم الأول ، وهو الله على المعلم الثالث وهو الرسول (ص) بواسطة المعلم الثاني وهو جبريل ، فبأحكام القرآن يقاس علم الإنسان وعقله وجميع أقواله وأفعاله ، وتعرف حسناته من سيئاته ، فإن كان الرجحان للحسنات فصاحبها من أهل السعادة ، وان كان للسيئات فصاحبها من أهل الشقاوة ، ومع تساوي الحسنات والسيئات فصاحبهما موقوف حتى يحكم الله فيه بالعذاب أو العفو ، ولكن جانب الرحمة أرجح لأن الله عفوّ رحيم. ثم قال صاحب الاسفار ـ في مكان آخر ـ لكل شيء ميزان الا قول : لا إله إلا الله لأن كلمة التوحيد لا يقابلها إلا الشرك ، وليس للشرك ميزان ـ وقال في مقام ثالث ـ ان القرآن بمنزلة مائدة فيها أنواع الأطعمة من لباب الأغذية الى التبن والقشور ، فاللباب هي الحكمة والبراهين ، وتختص بأولي الألباب والبصائر ، أما التبن والقشور فللعوام الذين هم كالأنعام ، كما قال تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).

وقد يظن للوهلة الأولى ان التعبير بالتبن والقشور جرأة على كتاب الله وقداسته. ولكن صاحب الاسفار فوق الظنون والشبهات ، ومن تأمل كلامه يعلم ان مراده بالتبن والقشور هم أهل التبن والقشور كالظاهرية الذين يقفون عند الظاهر ، ولا ينظرون الى أبعد من أنوفهم بدليل ما قاله في فصل تحقيق قول النبي (ص) : ان

٢٨١

للقرآن ظهرا وبطنا ، فقد شرح هذا الحديث بكلام طويل ، جاء فيه : «ان للقرآن درجات ومنازل كالإنسان الذي منه قشري ولبّي ، والإنسان القشري كالظاهرية الذين لا يدركون إلا القشور ، أما روح القرآن وسره فلا يدركه إلا أهل العقول والبصائر». فالتقسيم ـ اذن ـ لفهم الناس للقرآن ، لا للقرآن نفسه.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ). المراد بالفرقان هنا التوراة كما أنزلها الله على موسى ، وكل كتاب سماوي هو فرقان لأنه يفرق بين الهدى والضلال ، وهو ضياء يبدد ظلام الجهل والكفر ، وهو ذكر لمن طلب التقوى لأنه يذكر بالله ويبين حلاله وحرامه (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ). هذا تحديد للمتقين بأنهم الذين يخافون الله في السر والغيب عن أعين الناس كما يخافونه في العلانية لأنهم يؤمنون بيوم القيامة والحساب والجزاء ، ويخافون منه ، ويعملون له.

(وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ). هذا اشارة الى القرآن ، وهو ذكر لمن يتذكر ، وعظة لمن يتعظ ، وخير وبركة على من ائتمر بأمره ، وانتهى بنهيه (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) وقد وضحت محجته ، وقامت دلائله؟.

ابراهيم الآية ٥١ ـ ٦٠ :

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ

٢٨٢

لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠)

اللغة :

رشده هدايته. والتماثيل الأصنام على صورة الآدميين وغيرهم. وعكف عليه واظب عليه ولزمه. وفطرهن أوجدهن. لأكيدن أي لأدبرن لهن تدبيرا يسؤوكم. وجذاذا قطعا.

الإعراب :

التماثيل عطف بيان او بدل من هذه ، والتي بدل من التماثيل. والذي فطرهن بدل من رب السموات. ومدبرين حال مؤكدة. وكبيرا مستثنى متصل. وله خبر مقدم وابراهيم مبتدأ مؤخر.

المعنى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ). اختلف المفسرون في المراد بالرشد ، قيل : انه الاهتداء الى صالح الدين والدنيا ، وقيل : انه النبوة. وهذا هو الأرجح بدليل قوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ) لأن معناه من قبل الأنبياء الذين جاءوا بعد ابراهيم (ع) كموسى وعيسى ومحمد (ص) وبدليل قوله : (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) فانه بمعنى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ـ ١٢٤ الأنعام. ان النبوة منحة من الله يختص بها من هو أهل لها ، ولا تكون بالكسب كالايمان والتقوى ، ولذا يقال : كن مؤمنا. كن تقيا. ولا يقال : كن نبيا.

٢٨٣

(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ). هذا سؤال موجه بطبعه الى كل مسؤول عن أعماله وتصرفاته : كيف تقدسون وتعبدون ما لا يضر ولا ينفع ، وأنتم من ذوي العقول والإدراك؟ (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ). هذا المنطق يلجأ اليه كل من يعجز عن الحجة والدليل ، تقول له : لم فعلت هذا؟ فيقول : فعله فلان. ولا جواب له إلا ما قاله ابراهيم لقومه : (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). فالضلال لا يستحيل الى هدى إذا كثر به العاملون.

(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ). استبعدوا أن يكون ابراهيم جادا في قوله ، لأن آباءهم منزهون عن الخطأ والضلال لا لشيء إلا لأنهم آباؤهم .. ولا يختص هذا المنطق بقوم ابراهيم ، ولا بغيرهم من المشركين ؛ فكل من قلد غيره تقليدا أعمى فهو وعبدة الأصنام سواء (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ). ما أنا بهازل ولا شاك كيف؟ وهل في الله شك وهزل؟ وهو خالق السموات والأرض (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أشهد بأن الله هو المكوّن والمصوّر ، وأنا على يقين من شهادتي هذه ، ولي عليها الأدلة القاطعة ، والحجج الدامغة.

(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) لأفعلن بها في الخفاء ما يسوؤكم ، بحيث لا تشعرون إلا وهي مهشمة محطمة ، وتجدر الاشارة الى أن الأصنام لا تكاد لأنها لا تشعر ، وانما الذين يكادون هم عبدة الأصنام ، وعليه تكون نسبة الكيد الى الأصنام مجازية لا حقيقية لأنها اتخذت وسيلة للكيد بعبدتها.

(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ). كسر ابراهيم الأصنام وجعلها قطعا متلاشية ، وترك أكبرها ليسأله عبدتها : لما ذا لم يدافع عن الآلهة الصغار ، وهو القوي العزيز؟ والقصد واضح ، وهو ان يعتبر المشركون بأن هذه الأصنام إذا لم تدفع عن نفسها فهي أعجز من ان تدفع السوء عن غيرها.

(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ). كان الأجدر بهم ـ لو يشعرون ـ ان يسألوا : ما ذا فعلت آلهتهم بالذي حطمها؟ ولكن هذا هو منطق أهل الجهل والتقليد (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ). اشارة الى قول ابراهيم (ع) :

٢٨٤

(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) أو قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ). بعد ان كتبت تفسير الآية ٦٤ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢١٤ قرأت في الصحف ان الحفريات اكتشفت (اور) مدينة ابراهيم الخليل الأولى ، وقد تبين منها ان قومه كانوا يعبدون ثلاثة كواكب : أصغر وأوسط وأكبر .. وعلى هذا يكون الترتيب الذي جاء في القرآن على لسان ابراهيم هو الترتيب المنطقي الذي يطابق الحياة في ذلك العصر .. وهكذا يقدم العلم في كل يوم دليلا ماديا على صدق محمد (ص) في كل ما جاء به.

قالوا فأتوا به الآية ٦١ ـ ٧٠ :

(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠))

٢٨٥

اللغة :

على أعين الناس أي يراه الناس بأعينهم. والنكس جعل أسفل الشيء أعلاه ، والمراد به هنا الرجوع الى المكابرة.

الإعراب :

على أعين الناس متعلق بمحذوف حالا من ضمير به أي مرئيا على أعين الناس. وكبيرهم فاعل وهذا بدل منه. وما هؤلاء (ما) نافية وهؤلاء مبتدأ وجملة ينطقون خبر والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب بعلمت ، وهي معلقة عن العمل لمكان النفي ، لأنه يعلق عن العمل كالاستفهام. وأف اسم فعل ومعناه التضجر واللام في لكم لبيان من كان التضجر من أجله ، وقيل معنى أف لكم قبحا لكم.

المعنى :

(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ). أرادوا ان يستجوبوه ويحاكموه علنا ، ويشهد عليه من يشهد ، ثم يرى الناس ما يحل به من العقوبة (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ). أتوا به واستجوبوه : هل أنت الذي اعتدى على أربابنا؟ (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ). هذا القول من القضايا الفرضية أي ان كانوا من ذوي الاحساس فقد فعله كبيرهم ، مثل ان كان لله ولد فأنا أول العابدين ، ومهما يكن فإن القصد هو إلزامهم الحجة ، وان هذه الأصنام لو كانت آلهة لأدركت وتكلمت ، وحطمت من أراد بها سوءا.

(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) بعد أن سمعوا مقالة ابراهيم (ع) تساءلوا : كيف نعبد أحجارا ونرجو خيرها ونخاف شرها ، وهي لا تملك القدرة على دفع الضر والسوء عن نفسها (فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) تساءلوا ثم انتهوا الى الاعتراف بأنهم في جهل وضلال .. ولكن سرعان ما عادوا الى حالهم السابقة (ثُمَّ نُكِسُوا

٢٨٦

عَلى رُؤُسِهِمْ) : أعوذ بالله من النكسات والنكبات .. والنكسة هي الوقوف على الرأس ، وجعل أسفل الشيء أعلاه ، وأعلاه أسفله ، هي أن تبدد ما تملك من قدرة ليتحكم بك كل لئيم ، هي أن تعطي سلاحك لعدوك كي يقتلك ، أو تعطيه الحجة عليك من فعلك أو قولك ، تماما كما فعل قوم ابراهيم حين قالوا له : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ). وإذا كانوا لا ينطقون فكيف تعبدونهم؟ قال الطبري : نكس الشيء صيّر أعلاه أسفله ، ونكس الحجة ان يحتج الإنسان بما هو حجة لخصمه على المحتج ، كما فعل قوم ابراهيم.

(قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ). أنتم تعلمون ان هذه الأصنام لا تدرك ولا تنطق ، ولا تضر ولا تنفع ، فكيف تعبدونها (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟ وما ذا تصنع مع قوم يصرون على الضلال ، وهم يعلمون انه ضلال؟ لا شيء إلا أن تقول لهم : قبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال. و (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ). انصروا الآلهة .. أما الآلهة فهي عاجزة عن الانتصار لنفسها .. ومع ذلك هي آلهة .. «عنزة ولو طارت» .. هذا هو النكس والوقوف على الرأس.

(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ). قالوا وقال الله ، ولا راد لقوله :

وتسأل : ان النار محرقة بطبيعتها ، فكيف صارت بردا؟

الجواب : ان المؤثر الأول في كل وجود هو الله جلت عظمته ، فالفيض كله من عنده ، واليه تنتهي جميع الوسائط ، علة كانت أو شرطا أو أي شيء ، فالاحراق من النار ، والنار من الوقود ، والوقود من الطبيعة ، وهي من كلمته تعالى ، فهو الذي خلق النار التي تؤثر الإحراق شريطة أن لا يقول لها : كوني بردا ، فإذا قال لها ذلك كانت كما قال ، وبتعبير آخر ان بردها وحرها يتبع ارادة من خلقها وأوجدها (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ). أوقدوا النار ليحرقوا بها ابراهيم ، فكانت من معجزاته الكبرى والأدلة القاطعة على صدقه ونبوته : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ـ ٥٤ آل عمران.

وفي بعض التفاسير القديمة ان النمروذ لما رأى ان النار لا تؤثر في ابراهيم أمر

٢٨٧

بمصادرة أمواله ونفيه من البلاد ، فقال له ابراهيم : إذا أخذتم أموالي فردوا عليّ ما ذهب من عمري في بلادكم ، ثم تحاكما الى قاضي النمروذ ، فقضى على ابراهيم بمصادرة أمواله ، وعلى النمروذ أن يرد عليه عمر ابراهيم ، فاستسلم النمروذ وترك لإبراهيم أمواله.

وما نقلنا هذه الحكاية ايمانا منا بصدقها ، بل لأنها ترمز الى أن لكل انسان الحق فيما أفنى فيه عمره ، وأذهب فيه دهره على شريطة أن يكون من الحلال الطيب.

ونجيناه ولوطا الآية ٧١ ـ ٧٧ :

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧))

اللغة :

نافلة عطية. والمراد بالخبائث هنا اللواط. والكرب الغم.

٢٨٨

الإعراب :

نافلة حال من يعقوب أو مفعول مطلق لوهبنا لأن النافلة معناها الهبة. وكلا مفعول أول لجعلنا. وأقام أصلها اقامة. ولوطا مفعول لفعل محذوف أي آتينا لوطا آتيناه. وفاسقين صفة لقوم سوء. ونوحا معطوف على لوط.

المعنى :

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ). ضمير نجيناه لإبراهيم (ع) ، ولوط ابن أخيه ، وفي التفاسير ان ابراهيم فارق قومه الى أرض الشام ، ومنها فلسطين ، ومهما يكن فان القصد هو تشبيه محمد (ص) مع قومه بأبيه ابراهيم مع قومه ، كل من القومين عبدوا الأصنام ، ورفضوا دعوة نبيهم ، وحاولوا قتله ، وكل من النبيين أنجاه الله ، ومهد له سبيل الهجرة ، وأنعم عليه في هجرته.

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً). اسحق ولد ابراهيم للصلب ، ويعقوب ولد الولد ، وهو منحة من الله وتفضل (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) ابراهيم واسحق ويعقوب كلهم صلحاء أتقياء (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ). الأئمة هم قادة الدين الذين اختارهم الله لهداية العباد ، وأبرز صفاتهم انهم يهدون الناس كما أمر الله لا كما تأمر نساؤهم وأولادهم وأصهارهم ، ويحثون على فعل الخيرات ، لا على الحزازات والنعرات الطائفية ، وعلى الإخلاص لله وحده ، لا على الإخلاص لهم وحدهم من دون الله.

(وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). أنظر تفسير الآية ٨٠ وما بعدها من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٥٣ والآية ٧٧ وما بعدها من سورة هود ج ٤ ص ٢٥٣.

(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْناهُ

٢٨٩

مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ). تقدمت قصة نوح في سورة هود من الآية ٢٥ الى الآية ٤٩ ج ٤ من ص ٢٢٢ الى ٢٣٧.

وداود وسليمان الآية ٧٨ ـ ٨٢ :

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢))

اللغة :

الحرث الزرع. والنفش رعي الماشية في الليل بلا راع. واللبوس الدرع. والعاصفة الشديدة. والغوص النزول الى قاع البحر.

الإعراب :

وكلا مفعول أول لآتينا وحكما مفعول ثان. ومع منصوبة بيسبحن. والطير عطف على الجبال. ولسليمان متعلق بفعل محذوف أي وسخرنا لسليمان. وعاصفة

٢٩٠

حال من الريح. ومن الشياطين متعلق بفعل محذوف. ومن يغوصون (من) مفعول لفعل محذوف أي وسخرنا من الشياطين ، ويجوز أن تكون (من) مبتدأ ومن الشيطان خبر والجملة مستأنفة. ودون ذلك متعلق بمحذوف صفة لعمل.

المعنى :

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ). اشتهر على ألسن الرواة ان رجلين تخاصما الى داود ، أحدهما صاحب زرع ، والثاني صاحب غنم ، قال صاحب الزرع : ان غنم هذا رعت زرعي في الليل ، وبعد ان ثبت ذلك عند داود قضى بالغنم لصاحب الزرع ، ولما علم سليمان قال لأبيه : الأرفق بالرجلين ان يأخذ صاحب الأرض الغنم لينتفع بها ، لا على سبيل الملك ، وان يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها حتى يعود الزرع كما كان ، وعندها يترادان ، فيأخذ هذا غنمه ، وذاك زرعه. فاستحسن داود حكم ولده ، ورجع اليه. وظاهر الآية يتفق مع هذه الرواية ، وقد ثبت عن الرسول الأعظم (ص) انه قال : ما وافق القرآن فخذوه ، وما خالفه فدعوه.

وتسأل : ان كلا من داود وسليمان نبي ، والنبي معصوم عن الخطأ بخاصة في الأحكام الشرعية ، وحكم الواقعة الواحدة واحد ، فما هو الوجه للاختلاف في الحكم بين داود وولده سليمان؟.

وأجاب البعض بأن قول داود كان صلحا بين الطرفين ، لا حكما .. ويلاحظ بأن الصلح يكون على بعض الشيء المتنازع ، وليس على جميعه ، والمفروض ان داود لم يبق لصاحب الغنم غنمة واحدة .. وقال آخرون : كل من داود وسليمان حكم باجتهاده. ويبتني هذا القول على ان النبي يجتهد كغيره من العلماء إذا أعوزته النصوص ، ولا يلتفت الى هذا الرأي لأن الاجتهاد انما يكون مع عدم النص ، وقول النبي نص يدل على الحق ، ولأن الاجتهاد يحتمل فيه الخطأ ومخالفة الواقع ، وهذا لا يصح بحق المعصوم.

وقال جماعة : ان الحكم كان على ما قال داود ، ثم نسخ بما قال سليمان ..

٢٩١

وهذا أرجح الأقوال بدلالة قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) حيث شهد الله لكل منهما بأنه عالم بالحكم ، وعلى هذا يكون قوله : فهمناها سليمان انه أوحى اليه بنسخ الحكومة دون أبيه.

واختلف الفقهاء هل يضمن صاحب الماشية جنايتها؟ قال مالك والشافعي : يضمن ما أفسدته ليلا لا نهارا. وقال أبو حنيفة : لا يضمن إطلاقا لا ليلا ولا نهارا. وقال جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية بمقالة مالك والشافعي ، أما المحققون منهم فذهبوا الى ان المعول على التفريط وعدمه ، ولا أثر لليل والنهار ، فان فرط صاحب الماشية وأهمل رعايتها كما يقتضي ضمن ، وان احترس ولم يهمل فلا شيء عليه.

(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ). اشتهر عن داود انه كان ذا صوت رقيق حنون ، وأثبتت التجارب ان كثيرا من الحيوانات والطيور تطرب لنوع من الغناء والموسيقى ، وقرأت في الصحف ان أفعى خرجت من جحرها لتستمع الى ام كلثوم في احدى حفلاتها الغنائية ، ولما انتهى الغناء عادت الى مكمنها ، أما تسبيح الجبال فهو مجاز ومبالغة كما تقول : لقد أضحك أو أبكى الصخر الأصم ، أو انه حقيقة لأن الذي جعل النار بردا وسلاما على ابراهيم هو الذي جعل الجبال تسبح مع داود. أنظر ما قلناه عند تفسير الآية ٦٩ من هذه السورة.

(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ). المراد بصنعة اللبوس الدروع ، وتومئ الآية الى ان أول من اخترعها داود ، وروي في سبب ذلك ان داود كان ملكا على بني إسرائيل ، وكان من عادته أن يطوف متنكرا يتعرف أحوال الناس ، وفي ذات يوم التقى برجل فسأله عن سيرة داود؟ فقال للملك : نعمت السيرة لو لا انه يأكل من بيت المال. فأقسم داود أن لا يأكل بعد يومه إلا من كدّ يمينه وعرق جبينه ، ولما علم الله منه الإخلاص وصدق النية ألان له الحديد وعلمه صنعة الدروع.

وسواء أصحت الرواية أم لم تصحّ فإنها ترمز الى وجوب الحرص والمحافظة على مصالح الناس وأموالهم ، وتواتر ان محمدا (ص) قبض ودرعه مرهونة في أصوع

٢٩٢

من شعير ، وكانت أموال الجزيرة العربية في قبضته وطوع أوامره.

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ). هذه الآية ظاهرة الدلالة على أن الريح كانت تحمل سليمان بأمر الله ، ولا داعي للتأويل ما دام العقل لا يأبى هذا الظاهر ، وأوضح من هذه الآية قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) ـ ١٢ سبأ فهي تقطع بالغداة مسيرة شهر على الجمال ، وبالعشي كذلك ، والمراد بالأرض المباركة نفس الأرض التي جاء ذكرها في الآية ٧١ من هذه السورة.

وتسأل : قال سبحانه هنا : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً). مع انه قال في الآية ٣٦ من ص : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً). والعاصفة هي الشديدة ، والرخاء هو اللين ، فما هو وجه الجمع؟.

الجواب : انها تجري تارة شديدة ، وأخرى لينة حسبما يأمرها تماما كسائق السيارة والطائرة.

(وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) في البحار ، فيستخرجون منها اللؤلؤ والمرجان ، والمراد بالشياطين هنا الجن (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) كبناء المحاريب والتماثيل ، قال تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ـ ١٣ سبأ. (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) من التمرد والخروج عن طاعة سليمان .. وليس لنا ما نقوله إلا ان الوحي أثبت وجود الجن ، وانهم عملوا في خدمة سليمان ، وان العقل لا يأبي ذلك ، وعليه فلا موجب للتأويل وصرف الكلام عن ظاهره. وقال الإمام علي (ع) : ولو ان أحدا يجد الى البقاء سلما ، أو الى الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود الذي سخر له ملك الجن والانس مع النبوة وعظيم الزلفة.

وايوب اذ نادى ربه الآة ٨٣ ـ ٩١ :

(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا

٢٩٣

لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١))

اللغة :

الضر بالضم الضرر في النفس كالمرض ونحوه ، وبالفتح الضرر من كل شيء. والكفل الحظ. والنون الحوت. ولن نقدر عليه لن نضيق عليه.

الإعراب :

المصدر من أنى مسني مجرور بباء محذوفة. ورحمة وذكرى مفعول من أجله لآتيناه. وإسماعيل ومن بعده عطف على أيوب. وكل مبتدأ ومن الصالحين خبر.

٢٩٤

ومغاضبا حال من الضمير في ذهب. وان لا إله إلا أنت (ان) بمعنى أي مفسرة لنوع النداء. وفردا حال. ورغبا ورهبا مفعول من أجله ليدعوننا.

المعنى :

(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ). قال المفسرون والرواة الكثير عن أيوب ، وتفننوا بالقول .. والذي دلت عليه الآيات تصريحا وتلويحا هنا وفي سورة ص ان أيوب كان في عافية وهناء ، ثم تراكم عليه البلاء ، وأحاط به من كل جانب ، حتى صار مضرب الأمثال ، فأصيب بنفسه وأهله ، فصبر صبر الأحرار ، وبقي على ثقته ويقينه بالله لا يشغله عن طاعته حزن ولا ألم ، ولما طال عليه الأمد ، واشتدت وطأة الآلام ، ولم يجد منها مخرجا شكا أمره الى الله بكلمتين : مسني البلاء ، وأنت رحيم وكريم .. قال : مسني ، ولم يقل : تفاقم وتراكم كيلا تشعر شكواه بالضجر وعدم الصبر ، فاستجاب سبحانه الى شكواه ، وكشف بلواه ، وأعاده إلى أحسن مما كان.

(وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ). رزقه الله من الأولاد والأحفاد ضعف من فقده منهم رحمة به وجزاء على صبره ، وتذكيرا بأن من صبر كما صبر أيوب تكون عاقبته تماما كعاقبته ، وخص سبحانه العابدين بالذكر للاشارة الى ان الله مع الصابر المحتسب المخلص له في أقواله وأفعاله.

هذا مجمل ما دلت عليه الآيات المتعلقة بأيوب ، ولم تتعرض للتفاصيل التي ذكرها الرواة والقصاصون لأنها لا تتصل بالعقيدة ولا بالحياة من قريب أو بعيد ، ومن طريقة القرآن أن يذكر من القصة ما فيه عبرة نافعة ، وعظة رادعة.

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ). صبر إسماعيل على الانقياد للذبح ، وصبر في بلد لا زرع فيه ولا ضرع ، وذكرنا إدريس عند تفسير الآية ٥٦ من سورة مريم ، أما ذو الكفل فقال الأكثرون : انه نبي ، وقال جماعة : انه عبد صالح وليس بنبي ، ونحن نؤمن بأنه من الصابرين الصالحين تبعا لنص القرآن ، ولسنا بمسؤولين عن غير ذلك.

٢٩٥

(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). النون الحوت ، وذا النون يونس ، قال تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) ـ ٤٨ القلم. ومغاضبا أي لقومه. ولن نقدر عليه لن نضيّق عليه كما في الآية ٧ من سورة الطلاق : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ). والمراد بالظلمات هنا بطن الحوت ، ومجمل المعنى اذكر يا محمد خبر يونس حين دعا قومه الى الايمان بالله ، فلم يستجيبوا لدعوته ، فضجر منهم وخرج عنهم مغاضبا لهم ، فظن ان لن نضيق عليه بالحبس وغيره ، فلما التقمه الحوت استغاث بنا (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ). المراد بالغم هنا بطن الحوت ، وبالنجاة إخراجه من بطن الحوت الى البر ، وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٩٨ من سورة يونس ج ٤ ص ١٩٣.

(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ). تقدم نظيره في الآية ٣٨ وما بعدها من سورة آل عمران ج ٢ ص ٥٣ والآية ٧ وما بعدها من سورة مريم (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). ضمير انهم لزكريا وزوجه ويحيى ، أو لمن تقدم ذكره من الأنبياء ، وكلهم فعلوا الخيرات رغبة في ثواب الله ، ورهبة من عقابه ، وكلهم كانوا منقادين له في كل شيء.

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ). تقدم في الآية ٤٥ وما بعدها من سورة آل عمران ج ٢ ص ٦٣ والآية ١٦ وما بعدها من سورة مريم.

أمة واحدة الآية ٩٢ ـ ١٠٠ :

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا

٢٩٦

كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))

اللغة :

الأمة القوم الذين تجمعهم لغة واحدة وتاريخ واحد ، ثم كثر استعمالها في الدين والملة ، وهذا المعنى هو المراد هنا. وتقطعوا فرقوا دينهم وصاروا شيعا. والكفران جحود الإحسان أي ضد الشكر. والحدب المرتفع من الأرض. وينسلون يسرعون. والمراد بالحصب هنا الوقود ، وبالزفير شدة تنفسهم في النار.

الإعراب :

هذه اسم ان ، وأمتكم خبر ، وأمة حال ، وواحدة صفة لأمة. وحرام مبتدأ ، والمصدر من أنهم لا يرجعون خبر. والحق صفة للوعد. فإذا للمفاجأة ، و «هي» ضمير القصة مبتدأ ، وابصار الذين كفروا مبتدأ ثان ، وشاخصة خبر المبتدأ الثاني ، والجملة خبر المبتدأ الأول. وما تعبدون معطوف على اسم ان.

٢٩٧

المعنى :

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). هذه اشارة الى عقيدة الأنبياء ، وهي التوحيد مع الانقياد اليه تعالى قولا وعملا ، والخطاب في أمتكم لجميع الناس بلا استثناء ، والمعنى عليكم أيها الناس أن تدينوا جميعا بدين التوحيد الذي كان عليه الأنبياء ، وأن تعبدوا الواحد الأحد ، وتخلصوا له في الأقوال والأفعال (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أمرهم سبحانه أن يكونوا جميعا على عقيدة التوحيد ، فتفرقوا شيعا وطوائف ، منهم الجاحدون ، ومنهم المشركون ، حتى أتباع الأنبياء يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض ، بل وأتباع النبي الواحد كذلك (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ). هذا تهديد ووعيد على تفرقهم وشتاتهم وانحرافهم عن الحق.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ). الايمان مع العمل الصالح طريق الى الجنة ، والايمان بلا عمل لا يجدي شيئا لقوله تعالى : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ـ ١٥٨ الانعام. أما العمل بلا ايمان فينفع صاحبه في الدنيا بنحو من الانحاء ، وقد ينفعه في الآخرة بتخفيف العذاب. وتكلمنا عن ذلك مفصلا بعنوان الكافر وعمل الخير عند تفسير الآية ١٧٨ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٢٢١ ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة النحل الآية ٩٧ ج ٤ ص ٥٥٠.

(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ). هذه الآية سؤال عن جواب مقدر ، وهو : هل المشركون من أهل القرى الذين أهلكهم الله بكفرهم يحييهم الله ثانية بعد الموت ، ويعذبهم في الآخرة كما عذبهم في الدنيا؟.

فأجابه سبحانه بأن كل الناس يرجعون غدا الى الله من غير استثناء حتى الذين أهلكهم في الدنيا بذنوبهم ، وحرام عليهم عدم الرجوع الى الله بعد الموت ، بل لا بد من نشرهم وحشرهم لا محالة.

سؤال ثان : هل يعاقبهم الله في الآخرة على كفرهم بعد ان عاقبهم عليه في الدنيا؟ وهل يجوز الجمع بين عقوبتين على جريمة واحدة؟

٢٩٨

الجواب : كان إهلاكهم في الدنيا عقابا على تكذيبهم الرسل الذين جاءوهم بالمعجزات كما دل قوله تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) ـ ٣٧ الفرقان. وقوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ـ ١٤ ق وغير ذلك من الآيات ، أما عذاب الآخرة فهو على الكفر من حيث هو ، وعلى سائر الذنوب كالكذب والظلم ونحوه ، فالعقاب متعدد ولكن بتعدد الذنوب ، لا على ذنب واحد.

(حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ). عند تفسير الآية ٩٤ من سورة الكهف نقلنا عن بعض المفسرين أن يأجوج هم التتر ، ومأجوج هم المغول ، وأيضا قلنا عند تفسير الآية ٩٨ من السورة المذكورة : إن سد يأجوج ومأجوج قد ذهب مع الأيام لأنه لو كان اليوم لبان ، وعلى هذا يكون المراد بفتحت يأجوج ومأجوج انتشارهم في القارات .. ومهما يكن فإنّا لم نقرأ عن يأجوج ومأجوج ما تركن اليه النفس لا في التفاسير ولا في غيرها ، ولا مجال للفكر في مثل هذه الموضوعات ، لذلك نقف عند ظاهر النص القرآني ، ونترك التفاصيل لغيرنا.

(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا). المراد بالوعد الحق قيام الساعة ، وعندها تذهل عقول الكفرة الطغاة ، وتجحظ منهم الأعين ، وترتفع الجفون من شدة الهول .. وتقدم مثله في الآية ٤٢ من سورة ابراهيم ج ٤ ص ٤٥٥ (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ). الجملة مفعول لقول محذوف أي يقولون : يا ويلنا الخ. وتقدم نظيره في الآية ١٤ و ٤٦ من هذه السورة ، والآية ٥ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٠٢.

(إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ). الخطاب لمشركي مكة ، والمراد بما يعبدون أصنامهم ، وحصب جهنم وقودها ، مأخوذ من الرمي بالحصباء حيث يرمى بالمجرم في نار جهنم ، والمعنى انكم أيها المشركون أنتم وأصنامكم مقرونان غدا في جهنم .. وفي الحديث المرء مع من أحب.

وتسأل : وأية جدوى من إدخال الأصنام الى النار ، وهي أحجار ، لا ادراك فيها ولا شعور؟

٢٩٩

وأجاب المفسرون بأن الغرض من ذلك أن يزداد عبدتها حسرة وغما كلما رأوها الى جانبهم. وهذا مجرد حدس واستحسان ، والأولى أن ندع الجواب للآية ٢٤ من سورة البقرة : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).

وفي بعض الروايات : «ان ابن الزبعري ـ وهو أحد مشركي قريش وشعرائهم ـ اعترض على هذه الآية بأن اليهود يعبدون عزيرا ، والنصارى يعبدون المسيح ، وهما من أهل الجنة باعتراف محمد ، فكيف يقول كل معبود حصب جهنم؟ فقال له رسول الله (ص) : ما أجهلك بلغة قومك! أليست (ما) لما لا يعقل؟». هذا ، الى ان الخطاب لمشركي قريش بالخصوص ، كما قلنا ، وهم يعبدون الأصنام.

(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ). هؤلاء اشارة الى الأصنام ، وضمير وردوها يعود الى النار ، ومعنى الآية واضح ، وهو لو كانت الأصنام آلهة ما دخلت النار ، ومثل هذا النقض ان تقول : لو كنت أمينا لما خنت ، ولكنك قد خنت ، فما أنت بأمين .. وفي المنطق يسمى هذا النوع من الاستدلال بالقياس الاستثنائي (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ). ضمير لهم يعود الى كل مجرم مسلما كان أم كافرا ، وضمير فيها الى جهنم ، والمعنى لكل مجرم في جهنم أنين وعنين ، ولا يسمع من أحد كلمة عطف وحنان ، بل من يراه يوبخه ويعنفه : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ـ ٢٤ الزمر.

الأرض يرثها عبادي الصالحون الآة ١٠١ ـ ١٠٧ :

(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا

٣٠٠