التّفسير الكاشف - ج ٥

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٥

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٣٤

اللغة :

المراد بالأحزاب طوائف أهل الكتاب. ومن بينهم أي ان الاختلاف لم يخرج عنهم كما تقول اختلفوا فيما بينهم. والويل الخزي والهوان. ويوم الحسرة يوم القيامة.

الإعراب :

أسمع بهم وأبصر اللفظ لفظ الأمر ، والمعنى الخبر مع التعجب ، والباء زائدة ، والضمير في محل رفع فاعلا لأسمع ، ومثله أحسن بزيد أي حسن زيد ، أو ما أحسنه. وإذ قضي (إذ) بدل من يوم الحسرة.

المعنى :

(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) : هذه الآية عطف على قول عيسى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) الخ) يأمرهم فيها أن يعبدوا إلها واحدا ، ولا يشركوا به شيئا ، وان دين التوحيد هو الطريق القويم من سلكه نجا ، ومن ضل عنه هوى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) وهم قوم عيسى ، قالت طائفة منهم : ان عيسى هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء ، وقالت ثانية : هو ابن الله ، وقالت ثالثة : هو عبد الله .. كان هذا الخلاف فيما مضى ، أما اليوم فهم متفقون على ربوبية عيسى.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ). والمراد بالذين كفروا هنا الطائفة الأولى القائلة : ان المسيح هو الله ، والثانية القائلة : هو ابن الله ، وهذه الآية تعبير ثان عن قوله تعالى : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ـ ٢٧ ص. (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) حبن يرى الكافرون العذاب يوم القيامة يقولون : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا ـ الحق ـ فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) ـ ١٢ السجدة ، وكانوا من قبل إذا دعوا إلى الحق يقولون : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) ـ ٥ فصلت (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ

١٨١

مُبِينٍ) المراد باليوم هنا يوم القيامة ، وبالضلال العذاب ، حيث لا طريق في ذاك اليوم لا إلى الهداية ، ولا إلى الضلالة ، بل حساب وجزاء ، ولا شيء سواهما.

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). الخطاب في أنذرهم للنبي (ص) ، ويوم الحسرة هو يوم القيامة ، وسمي بذلك لأن النفس المجرمة تقول غدا : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) ـ ٥٦ الزمر ، وقضي الأمر آنذاك حيث لا اقالة ولا رجعة ، وهم في غفلة الآن حيث يمكنهم أن يرجعوا عن كفرهم وضلالهم ، ويطلبوا من الله العفو والصفح ، ولكنهم لم يفعلوا ، واستمروا في طغيانهم يعمهون ، وقوله تعالى : (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) معناه انهم لا يصدقون قولنا : انهم سيبعثون ، بل يلوون رؤوسهم ، وهم يسخرون.

(إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ). الأرض ومن عليها لله ، ولا أحد يملك معه شيئا ، والإنسان فيها عابر غير مقيم ، وكل ما في يده عارية مسؤول عنها ومحاسب عليها .. وبالاختصار ان هذه الآية ترادف كلمة انّا لله وانا اليه راجعون. والقصد منها تخويف العصاة وزجرهم من جهة ، والتخفيف من حزن النبي (ص) وألمه لإعراض الكافرين عن دعوته من جهة ثانية.

ابراهيم الآية ٤١ ـ ٥٠ :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ

١٨٢

إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))

اللغة :

الصدّيق مبالغة في الصدق والإخلاص. والصراط السوي الطريق القويم. ومليا دهرا طويلا. وحفيا كثير الحفاوة والاعتناء. وشقيا خائبا في مسعاه.

الاعراب :

إذ قال (إذ) ظرف متعلق بصديق. أبت أصلها أبي فحذفت ياء المتكلم وعوّض عنها بالتاء المكسورة ولا يقال ذلك إلا في النداء ، فلا يجوز قال ابتي ، وقالت امتي ـ كما في مجمع البيان ـ وشيئا مفعول مطلق. وراغب مبتدأ وأنت فاعل ساد مسد الخبر مثل أقائم زيد. ومليا ظرف منصوب باهجرني والمصدر من ان لا أكون فاعل عسى ، وهي هنا تامة. وكلا مفعول مقدم لجعلنا.

١٨٣

المعنى :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا). المراد بالكتاب هنا القرآن ، والصدق من أكمل الصفات وأفضلها ، والذي نفهمه من وصف ابراهيم بالنبوة بعد وصفه بالصدق انه صادق بطبعه وفطرته وان لم يكن نبيا.

عند تفسير الآية ٧٤ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢١٢ ذكرنا اختلاف العلماء في المراد من أبي ابراهيم المذكور في القرآن : هل هو الأب الحقيقي ، أو الأب المجازي أي أخو الأب ، وقلنا : انه لا جدوى من هذا النزاع ، وان على المسلم أن يؤمن بنبوة ابراهيم (ع) ، أما الاعتقاد بإسلام أبيه فليس من الدين في شيء ، وبخاصة ان ظاهر القرآن يدل على كفره.

ومهما يكن فإن ابراهيم دعا أباه الحقيقي أو المجازي الى الإسلام ، وقال له فيما قال : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً). كان أبوه يعبد الأصنام ، فاحتج عليه بمنطق العقل والفطرة .. أحجار صماء ، لا تنفع ولا تضر تعبدها وتسجد لها؟ فأين عقلك وفهمك؟.

(يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا). كل الناس الذين يرفضون عبادة الأصنام هم أعلم وأعقل ممن يعبدها ، فكيف الأنبياء الذين يتلقون العلم من الله؟. وإذا كان الجهل ببعض الأمور عذرا يتذرع به الجاهل فإن الأصنام هي نفسها لا تدع لمن يعبدها عذرا ولا عاذرا.

(يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا). المراد بعبادة الشيطان طاعته لأن من أطاع شيئا فقد عبده ، وعلى هذا فكل من عصى الله في شيء فقد عبد الشيطان (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) أي مواليا ، ويجوز أن يكون «وليا» على ظاهره ، ويكون المعنى ان الشيطان هو الموالي لعبدة الأصنام من باب المبالغة ، تماما كما تقول : الناس يتعوذون من الشيطان ، والشيطان يتعوذ من فلان ، وعلى كل تقدير فإن القصد التخويف والتحذير من طاعة الشيطان ومتابعته.

(قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا). في ذات يوم من أيام دراستنا في النجف كنّا نتحلق نحن التلاميذ حول الأستاذ ،

١٨٤

وهو يشرح ويوضح مسألة هامة من مسائل أصول الفقه ، وبعد أن أيقن واطمأن الى تفهم الجميع ختم الدروس .. ولكن سرعان ما فوجئ باعتراض من أحد التلاميذ ، وكان اعتراضه بعيدا كل البعد عن موضوع الدرس .. فأعرض عنه الأستاذ ، ونظر الى سائر التلاميذ وقال : كان فيما مضى تلميذ يدرس الصوم وأحكامه ، واستمر في دراسته أكثر من شهر ، وبعد الانتهاء من دراسته ظن الأستاذ ان تلميذه قد أحاط علما بالصوم من كل جهاته ، ولكن التلميذ قال للأستاذ : انك تكلمت وأطلت الشرح عن الصوم ، ولكن لم نفهم هل الصوم في الليل أو في النهار؟.

وهذا بالذات ما حصل لإبراهيم مع أبيه .. فبعد أن أورد له الأدلة بأساليب شتى ، واستعطفه بقوله : يا أبت أربع مرات أجابه بقوله : أراغب أنت عن آلهتي؟ وهل أنت عازم حقا على أن لا تعبدها معي؟ فإن كنت على هذا العزم فما لك عندي إلا القتل أو الرجم ، أو تغيب عن عيني ، وتهرب بنفسك.

(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا). أي ان الله عوّده على أن يستجيب له. تقدم نظيره في الآية ١١٤ من سورة التوبة ج ٤ ص ١١٠ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا). بغض ابراهيم قومه وأهله في الله ، وهجرهم لله ، فأبدله سبحانه خيرا منهم ، حيث وهبه اسحق ، ومن بعده يعقوب بن اسحق ، وشرفهما بالنبوة. وهذا هو المراد بقوله تعالى : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا). وما ترك أحد شيئا من أمور دنياه لاستصلاح دينه إلا عوضه الله خيرا منه.

(وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) لم يذكر سبحانه نوع الموهوب ، لأن كلمة رحمتنا تومئ اليه ، وكفى بمرضاة الله هبة ونعمة (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا). المراد بلسان الصدق ما يردده الناس جيلا بعد جيل من حسن الثناء على ابراهيم واسحق وإسماعيل ويعقوب.

وترتكز هذه الآيات على ان من أخلص الله استخلصه الله ، وكان معه أينما كان تماما كما فعل بإبراهيم (ع).

١٨٥

موسى واسماعيل وادريس الآة ٥١ ـ ٥٨ :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨))

اللغة :

الطور جبل بين مصر ومدين. ونجيا مناجيا. واجتبينا اصطفينا.

الإعراب :

نجيا حال من ضمير قربناه. وهرون بدل من «أخاه» ونبيا حال من هرون. وعند ربه متعلق «بمرضيا». ومكانا ظرف منصوب برفعناه. وسجدا وبكيا حال أي ساجدين باكين.

المعنى :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا). المراد بالكتاب

١٨٦

القرآن ، ومخلصا بفتح اللام معناه ان الله قد أخلصه من كل ما يشين ، واصطفاه لنفسه ، ومعناه بكسر اللام ان اقوال موسى وأفعاله كلها خالصة لوجه الله ، ومعنى الرسول والنبي واحد ، والاختلاف انما هو بالنظر والاعتبار ، فمن حيث انه يحمل رسالة الله يقال له رسول ، ومن حيث انه ينبئ بها الذين أرسل اليهم يقال نبي ، وقيل : ان الرسول يتلقى الوحي ويبلغ ، والنبي يتلقى ولا يبلغ. ولا جدوى من هذا البحث.

(وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا). الطور هو الجبل الذي كلم الله موسى عليه ، والمراد بالأيمن يمين موسى لأن الجبل لا يمين له ولا شمال ، والمراد بقربناه نجيا قرب المكانة لا قرب المكان ، والمعنى ان الله شرف موسى بالنبوة والرسالة ، وكلمه بلا واسطة رسول ، بل كان الكلام يأتيه من جهة يمينه ، كما تقول : سمعت صوتا من خلفي أو يميني (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا). يشير سبحانه بهذا الى قضية سابقة ، وهي ان الله سبحانه حين أمر موسى بالذهاب الى فرعون قال له موسى فيما قال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) ـ ٣٠ طه فاستجاب له المولى و (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى).

الوفاء :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) المعنى واضح لا يحتاج الى تفسير ، ومن المفيد أن نتكلم عن الوفاء لمناسبة قوله تعالى : كان صادق الوعد.

لقد أثنى سبحانه على إسماعيل بأنه إذا وعد بشيء أنجز وعده ، وذكر المفسرون ان إسماعيل وعد صاحبا له أن ينتظره في مكان ، فتأخر الرجل ، وانتظر إسماعيل ثلاثة أيام أو أكثر .. وسواء أصحت هذه الرواية ، أم لم تصح فإنها ترمز الى ان على الإنسان أن يبذل غاية ما يستطيع للوفاء بوعده ، وان من يتهرب من الوفاء فلا ينبغي أن يؤتمن على شيء ، بل لنا ان نصفه بالكذب والغدر ، حتى ولو

١٨٧

كان في الوفاء خسارة مادية ، لأن الخسران في الدين أعظم ، فقد جاءت الرواية ان الوفاء بالعهد من علامات أهل الدين ، وان الدين المعاملة ، وقد اشتهر ان من لا وفاء له لا دين له .. وقرأت كلمة في الوفاء اقتتطف منها ما يلي :

«ان من يحمل الظروف تبعة الخلف بالوعد فإنما يحاول أن يهرب من اتهام نفسه ، فيتهم الظروف .. والوفاء كلمة جميلة الوقع في الاذن ، وجميلة الوقع في الحياة ، وأعني بالوفاء ، الوفاء للأهل والأصدقاء ، والعمل والمبدأ والوطن ، وأخيرا للانسانية جمعاء .. والوفاء يجعلك تحب الحياة ، والغدر يجعلك تكره الحياة ومعنى الوفاء للأهل والأصدقاء ان تعمل من أجلهم دون مقابل ، والوفاء للوطن حيث يحتاج الى التضحية والفداء».

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا). أثنى عليه سبحانه بالصدق والنبوة. (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا). المراد بالمكان هنا المكانة والمنزلة. وقيل : إنّ الله رفعه إلى السماء الرابعة ، وقال آخرون : بل السادسة رجما بالغيب. وفي التفاسير أيضا ان إدريس هو جد لأبي نوح ، وانه أول من خاط الثياب ، وخط بالقلم ، ونظر في النجوم ، وتعلم الحساب .. ولا ندري من أين استقى المفسرون هذه المعلومات .. وللأديب الشهير توفيق الحكيم المصري مسرحية ، أسماها إزيس ، وقال : ان إزيس هذه هي زوجة أوزريس الذي نكل به الملك طيفون .. ويقال : ان اوزريس هذا هو إدريس الذي أشار اليه القرآن. وكل هذه الأقوال حدس وخيال.

(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا). قال الرازي والطبرسي : المراد بالنبيين من ذرية آدم إدريس لأنه أسبق الجميع ، وأقرب إلى آدم من نوح ، والمراد بذرية من حمل مع نوح ابراهيم لأنه من ولد سام ، والمراد بذرية ابراهيم اسحق وإسماعيل ويعقوب ، وإسرائيل هو يعقوب ، ومن ذريته موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى من جهة الأم ، وكل هؤلاء وغيرهم ممن هداهم الله واصطفاهم للنبوة يتضرعون لله

١٨٨

خاشعين خوفا من غضبه وعذابه ، مع انهم يخلصون لله وبأمره يعملون. فبالأولى أن يستشعر الخوف منه تعالى ويتوب اليه من تجرأ على معصيته.

فخلف من بعدهم خلف الآة ٥٩ ـ ٦٥ :

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥))

اللغة :

الخلف بفتح اللام النسل الصالح ، وبسكونها النسل الطالح ، وهو المراد هنا وقد يستعمل كل منهما في معنى الآخر. والغي الخسران ، ويستعمل في الضلال. والعدن الاقامة. ومأتيا آتيا ، اسم فاعل بصيغة اسم المفعول. واللغو فضول الكلام. والسمي الشبيه والمثيل.

١٨٩

الإعراب :

إلا من تاب استثناء متصل من ضمير يلقون. وشيئا مفعول مطلق. وجنات عدن بدل من الجنة في قوله : يدخلون الجنة. وبالغيب متعلق بمحذوف حالا من جنات عدن أي كائنة بالغيب. وضمير انه يعود الى الله. وسلاما مستثنى منقطع أي ولكن يسمعون سلاما. ورب السموات والأرض بدل من ربك ، ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف أي هو رب السموات.

المعنى :

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ). بعد ان ذكر سبحانه الأنبياء الاطهار أشار الى خلفهم الأشرار ، ووصفهم بأنهم تركوا عبادة الرحمن ، واتبعوا الشيطان ، ويتلخص المعنى بهذه الكلمة : نعم السلف ، وبئس الخلف. (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) شرا وعذابا جزاء على معصيتهم وتمردهم (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً). وأحسن تفسير لهذه الآية قول الرسول الأعظم (ص) : التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأنعام الآية ٥٤ ج ٣ ص ١٩٧.

(جَنَّاتِ عَدْنٍ) قائمة دائمة ، لا ينقطع نعيمها ، ولا يظعن مقيمها (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ). المراد بعباده هنا المؤمنون المخلصون ، وبالغيب أي انهم آمنوا بالجنة وعملوا لها ، وهم غائبون عنها ، وهي غائبة عنهم ، وقد مدح الله المؤمنين بالغيب في العديد من آياته (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا). ضمير انه يعود الى الله ، والمعنى ان الله لا يخلف الميعاد.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا). في الحياة الدنيا لغو وكذب ومهاترات ، أما في الجنة فقول كريم ، ورزق مقيم. والبكرة والعشي كناية عن الدوام ، إذ لا صباح ولا مساء في الجنة (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا). وكلمة نورث تشعر بأن الجنة ملك المتقين ، قال تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ١١ المؤمنون.

١٩٠

(وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ). في تفسير الطبري والطبرسي ان رسول الله (ص) استبطأ نزول الوحي عليه ، ولما جاءه جبريل قال له : ما منعك ان تزورنا أكثر مما تزورنا؟. فنزلت هذه الآية. وظاهرها يتفق مع مضمون الرواية المذكورة بخاصة قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) والمعنى ان الأمر في نزول الوحي لله وحده فهو المالك لكل شيء ، والمحيط علما بكل شيء في أي زمان أو مكان كان ويكون .. وقوله : ما بين أيدينا اشارة الى ما يأتي ، وما خلفنا اشارة الى ما مضى ، وما بين ذلك اشارة الى الحاضر.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ومن كان ربا للكون يستحيل في حقه النسيان (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ). هذا أمر من الله تعالى لنبيه الكريم ان يمضي في مهمة التبليغ لأنها من أعظم العبادات والطاعات ، وان يصبر على ما يلاقيه من الأذى في سبيل ذلك (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا). فالله سبحانه ليس كمثله شيء في جميع صفات الجلال والكمال ، ومن كان كذلك وجبت عبادته وطاعته.

لسوف اخرج حياً الآية ٦٦ ـ ٧٢ :

(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢))

١٩١

اللغة :

يذكر أي يتذكر. وجثيا جمع جاث ، وهو البارك على ركبتيه. والشيعة الجماعة المتعاونون على أمر واحد. والعتي والعتو بمعنى واحد ، وهو التكبر والتمرد. والصلي مصدر صلى النار.

الإعراب :

إذا متعلقة بمحذوف أي أأبعث إذا مت. وحيا حال. والشياطين مفعول معه لنحشرنهم. وجثيا حال. وأيهم اسم موصول مبني على الضم ، ومحله النصب بننزعن ، وأشد خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير الذي هو أشد. والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول. وعتيا تمييز ، ومثله صليا. وان منكم إلا واردها (ان) نافية ، وواردها خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر لمبتدأ محذوف أي ما أحد منكم إلا هو واردها. وجثيا حال. وكان على ربك اسم كان محذوف أي كان الورود.

المعنى :

(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) يتلخص المعنى بأنه لا شيء لدى منكر البعث يتذرع به إلا التعجب والاستبعاد : كيف تعود الحياة الى الإنسان بعد ان تفارقه؟. والجواب يعيدها ثانية من جاء بها أولا (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً). وتكرر ذلك في العديد من الآيات. انظر ج ١ ص ٧٧ و ٢ ص ٣٩٦ وج ٤ ص ٣٧٨ وما بعدها.

(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ). ضمير الغائب في لنحشرنهم يعود إلى منكري البعث ، والمراد بالحشر إخراجهم من قبورهم أذلاء خاسئين مع الذين أضلوهم عن الحق (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا). بعد أن يخرجوا من قبورهم

١٩٢

على أسوأ حال تقعدهم الملائكة على الركب حول جهنم لينظروا اليها ، فيزدادوا حسرات وأنّات.

(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا). وبعد ان يتحلقوا حول جهنم جاثين على الركب ، وهم فرق وطوائف يأخذ الله أولا من كل فرقة الرؤساء والقادة العتاة ، ويلقي بهم في جهنم ، ثم الأعتى فالأعتى ، ويوضع كل واحد في المكان اللائق به من عذاب الحريق (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا). ان الله سبحانه يعلم السيئات التي يجترحها الإنسان في سره وعلنه ، ويجازيه بما يستحق ، فصاحب الكبيرة له العذاب الأكبر ، ثم الأدنى فالأدنى : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ـ ٤٩ الكهف.

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا). المراد بالورود هنا الرؤية والمشاهدة لأن المؤمنين عن النار مبعدون ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) ـ ١٠١ الأنبياء». ولأن عذاب المطيع يتنافى مع عدل الله وفضله. ومعنى الآية ما من أحد إلا ويرى النار عيانا يوم القيامة صالحا كان أم طالحا ، فالطالح يراها ويدخلها جاثيا على ركبتيه ، والصالح يراها ويتجاوزها حامدا شاكرا نعمة النجاة والخلاص من كلبها ولجبها : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) ـ ١٨٥ آل عمران.

ابي الفريقين خيرالآية ٧٣ ـ ٧٦ :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ

١٩٣

مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦))

اللغة :

الندي المجلس. والقرن أهل كل عصر. والأثاث أدوات البيت. والرئي المنظر والهيئة. والمد الامهال. والجند الأنصار. والمرد المرجع والعاقبة.

الإعراب :

مقاما ونديا تمييز. وكم في محل نصب بأهلكنا والمميز محذوف أي كم قرنا أهلكنا. وأثاثا تمييز. إما العذاب واما الساعة بدل من (ما) في قوله تعالى : رأوا ما يوعدون. ومن هو شر (من) اسم موصول مفعول لسيعلمون ، وهو مبتدأ وشر خبر ، والجملة صلة الموصول. ومكانا وجندا وثوابا ومردا تمييز.

المعنى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا). ضمير عليهم يعود إلى مشركي قريش ، وآيات الله البينات دلائله الواضحة ، والفريقان هما المؤمنون والمشركون ، والمعنى ان النبي والصحابة يحتجون على المشركين بمنطق العقل والفطرة ، والمشركون يجابهون هذا المنطق بمنطق المعدة وفلسفتها ويقولون : نحن أطيب وأوسع عيشا وافرة مسكنا ، وأحسن أثاثا.

فلسفة المعدة :

كان ابيقور من فلاسفة اليونان المعاصرين لتلامذة أرسطو ، وله مذهب انفرد

١٩٤

به عمن عاصره وتقدم عليه ، ويتلخص بأن اللذة هي الخير الأسمى ، والألم هو الشر الأقصى ، وان الفضيلة تستمد قيمتها من اللذات المعنوية كالصداقة وحياة الهدوء والراحة ، ومن اللذات الحسية كالطعام والشراب .. وفي ضوء هذه الفلسفة قال : على الإنسان أن لا يندفع وراء أهوائه ورغباته من أجل لذة قصيرة الأمد يعقبها ألم طويل الأمد .. وبكلمة ان الخير كل الخير عند ابيقور يقوم في اللذة الدنيوية ـ هو لا يؤمن بالبعث ـ سواء أتمثلت اللذة في المعدة ، أو في غيرها ، وإذا اقترنت اللذة بالألم فالعبرة بالأكثر ، فما كان أكثر لذة فهو خير ، وما كان أكثر ألما فهو شر.

وهناك فلسفة قديمة تتفق مع ابيقور في ان كل الخير في اللذة الدنيوية ، ولكنها تختلف معه في التحديد ، فهو يقول : ان الخير في اللذة المعنوية والحسية معا ، وهي تقول : ان الخير في لذة المعدة ، وما اليها من المظاهر الحسية .. ومن أهل هذه الفلسفة فرعون ومشركو قريش .. فقد أنكر فرعون نبوة موسى (ع) ، وبرر إنكاره بقوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) ـ ٥٣ الزخرف. وقال أيضا : أنا ربكم الأعلى .. ولما ذا؟ فأجاب : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)؟

وأنكرت قريش نبوة محمد (ص) ، واحتجت بقولها : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) ـ ١٢ هود. وكما قال فرعون : أليس لي ملك مصر؟ وقالت قريش : نحن أكثر مالا ، وأعز نفرا .. ولا تختص فلسفة المعدة هذه بفرعون ومشركي قريش ، ولا بالمترفين وأهل الثراء فكل من احترم شخصا وقدره لماله فهو من الذين آمنوا بفلسفة المعدة وحشوها ، ودانوا بأن الخير كل الخير فيها وفي امتلائها. ولقد قرأت فيما قرأت كلمة لعميل مأجور قال فيها : ان الذين يلومون الولايات المتحدة على قواعدها الحربية ، وعلى ضربها قوى التحرر في كل مكان ، وعلى سلبها مقدرات الشعوب المستضعفة ، ان هؤلاء اللائمين ينسون أو يتناسون ان الولايات المتحدة أقوى علما ، وأكثر مالا من كل الشعوب ، ومن كان الأعلى علما ومالا يجب ان يطغى ويستبد .. وكنت أحسب ان فلسفة المعدة قد ولت

١٩٥

مع عصر الظلمات حتى قرأت كلمة هذا الدخيل فأدركت ان لهذه الفلسفة جذورا عميقة في نفوس الأدعياء والعملاء.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً). تقدم نظيره في الآية ٦ من سورة الانعام ج ٣ ص ١٦٢ (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً). أمر الله نبيه الكريم ان يقول للذين يرون الخير في حشو المعدة : ان هذا الذي تفتخرون به من السعة في العيش هو ابتلاء يمتحن الله به عباده ، ويمهلهم أمدا غير قصير ، فان شكروا أنعم الله عليهم بالثواب وحسن المآب ، وان ازدادوا كفرا وطغيانا سلط عليهم من يسومهم سوء العذاب في الحياة الدنيا ، أو يعذبهم الله العذاب الأكبر في اليوم الآخر .. وعندها يعلمون أي الفريقين أسوأ حالا : المؤمنين الفقراء ، أو الكافرين الأغنياء؟ ولو ان إنسانا ملك كل ما طلعت عليه الشمس لم يكن هذا الملك شيئا مذكورا بالقياس إلى أدنى عذاب من حريق جهنم .. قال علي أمير المؤمنين (ع) : «ما خير بخير بعده النار ، وما شر بشر بعده الجنة ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية».

(وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً). وذلك بأن يعرفهم بحقيقة أنفسهم ، وبمواقع الخطأ والصواب .. وهذه هي الهداية والنعمة الكبرى (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا). والمرد هو المرجع والعاقبة ، والباقيات الصالحات العلم والعمل النافع ، وهما خير من المال والجاه لأنهما دائما باقيان لا ينقطع نفعهما وثوابهما ، أما الجاه والمال فإلى هلاك وزوال.

أفرأيت الذي كفربآاتنا الآة ٧٧ ـ ٨٧ :

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ

١٩٦

الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))

اللغة :

سنكتب ما يقول أي ان أقواله محفوظة عليه. ونمد له من العذاب نزيده منه. والمراد بنرثه نسلبه ، وما يقول اشارة إلى المال والولد المذكورين في قول الكافر : (لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً). والمراد بالضد الأعداء. وتؤزهم تزعجهم. والوفد جمع وافد ، وهو القادم. وورد أي يردون جهنم كما ترد الدواب الماء.

الإعراب :

أطّلع أصلها أاطلع همزة الاستفهام الانكاري ، وهمزة الوصل ، فحذفت إحداهما تخفيفا. وقال ابن هشام في كتاب المغني : «كلا عند سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر ، ولا معنى لها عندهم إلا ذلك». وفردا حال. ونعد مضارع ومفعوله محذوف أي نعد أعمالهم. ولا يملكون الضمير يعود إلى المجرمين. إلا من اتخذ استثناء منقطع أي لكن من اتخذ.

١٩٧

المعنى :

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً). جاء في كتب الأحاديث والتفاسير ان العاص بن وائل والد عمرو بن العاص لما سمع بذكر البعث قال مستهزئا : لأوتين في الآخرة مالا وولدا .. ولفظ الآية ظاهر في ان زنديقا قال هذا ، أما ذكر الأسماء وتعيين الأشخاص فما هو من طريقة القرآن ، ومثل هذه الآية قول صاحب الجنة : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) ـ ٣٦ الكهف وقد رد سبحانه هذا الزعم بقوله :

(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) من أين جاءه هذا العلم؟ هل عنده مفاتيح الغيب ، أم أخذ ميثاقا من الله بذلك؟ (كلا) لا هذا ولا ذاك .. انه كافر فاجر (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا). لقد حفظنا عليه أقواله ، وسنزيده من أجلها عذابا على عذاب جزاء كفره وافترائه.

(وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً) وأيضا سنسلبه ما لديه من مال وولد ، وذلك بموته وإهلاكه ، ونبعثه يوم القيامة وحيدا فريدا تماما كما خلقناه أول مرة (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا) لأن من اعتز بغير الله ألبسه ثوب الذل (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا). ضمير يكفرون ويكونون يعود الى المعبودين ، وضمير عليهم الى العابدين ، وأوضح تفسير لهذه الآية ما جاء في نهج البلاغة : «عن قليل يتبرأ التابع من المتبوع ، والقائد من المقود ، فيتزايلون بالبغضاء ، ويتلاعنون عند اللقاء». وقال تعالى : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) ـ ٦٣ القصص. بل كانوا يعبدون أهواءهم وأغراضهم.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا). أي تزعجهم وتهيجهم وتدفع بهم الى المعاصي ، والمعنى ان الله سبحانه يخلي بينهم وبين الشياطين الذين يوسوسون لهم ويغرونهم بالمعاصي ، ولا يتدخل بإرادته التكوينية لردع الشياطين عنهم ، وانما يبين لهم طريق الخير والشر ، ويمنحهم القدرة التامة على الفعل والترك ، وينهاهم عن هذا ، ويأمرهم بذاك ، ويترك لهم الخيار فيما يفعلون ويتركون .. ولو سلبهم الارادة لكانوا والجماد سواء.

١٩٨

(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا). لا تعجل يا محمد باهلاك الكافرين فإنه آت لا محالة ، ولكن الله يؤخرهم الى أجل مسمى ليحصي عليهم أعمالهم ثم يجازيهم عليها بما يستحقون .. فإنه لا خير في طول الحياة إلا لمن آمن وعمل صالحا ، اما من كفر واجترح السيئات فحياته وبال عليه : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ١٧٨ آل عمران.

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً). وكلمة الوفد تشعر بالتشريف والتكريم ، والمعنى ان اهل الله وطاعته يفدون عليه غدا معززين مكرمين (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) .. للمؤمنين الكرامة بالوفادة ، وللمجرمين الهوان بالسوق ، تماما كما تساق البهائم الى ورود الماء يساق المجرمون الى ورود جهنم ، وبئس الورد المورود (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً). كل من وفي بعهد الله ولم يخنه في كبيرة ولا صغيرة فقد أعطاه الله عهدا بالفوز والنجاة ، وبالشفاعة لمن هو أهل لها : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) ـ ٤٠ البقرة.

قالوا اتخذ الرحمن ولداً الآة ٨٨ ـ ٩٨ :

(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ

١٩٩

وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))

اللغة :

الراد المنكر. وتتفطر تنشق. وتخر تسقط. واللّد جمع ألد ، وهو الشديد في خصومته. والركز الصوت الخفي.

الإعراب :

المصدر من دعوا مفعول من أجله أي نخر لدعوتهم. والمصدر من أن يتخذ فاعل ينبغي. وان نافية وكل مبتدأ وآتي خبر أي ما منهم أحد إلا آتي. وعبدا حال أي مملوكا. وفردا حال. وكم مفعول أهلكنا والمميز محذوف أي كم قرنا أهلكنا. ومن زائدة اعرابا ، وأحد مفعول تحس.

المعنى :

(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً). لقد هدد الله سبحانه الذين جعلوا له بنين وبناتا. وتوعدهم في الكثير من آياته ، منها الآية ١١٦ من سورة البقرة ج ١ ص ١٨٦ والآية ٤٨ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٤٤ والآية ١٧١ من سورة النساء أيضا ج ٢ ص ٤٩٩ والآية ١٠١ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٣٧. ثم ذكر سبحانه قولهم هنا بهذا الأسلوب الرهيب .. وهو ان دل على شيء فإنما يدل على ان الإنسان يجرأ على ما لا يجرأ عليه كائن في الأرض ولا في السماء .. فلقد تجرأ على خالقه ، وهو يعيش في كنفه ، ونسب اليه ما تنشق السماء ، وتخسف الأرض ، وتسقط الجبال لمجرد سماعه.

٢٠٠