التّفسير الكاشف - ج ٤

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٤

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٥

السفينة إذا جرت وانشق الماء يمينا وشمالا. والرواسي الجبال. ان تميد بكم أي تميل وتضطرب. والسبل الطرق. والعلامات المعالم التي يستدل بها على الطريق.

الإعراب :

منه شراب مبتدأ وخبر ومن للتبعيض. ومنه شجر من هنا للسببية. والنجوم مسخرات مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة. وبأمره متعلق بمحذوف حالا من الجميع أي من الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم. وما ذرأ (ما) اسم موصول في محل نصب بفعل محذوف أي وسخر الذي ذرأ لكم. ومختلفا حال من (ما) وألوانه فاعل لمختلف. ومواخر حال من الفلك لأن ترى هنا بصرية لا قلبية. والمصدر من ان تميد مفعول من أجله لألقى. وأنهارا مفعول لفعل محذوف أي وأجرى أنهارا ، وسبلا أيضا مفعول لفعل محذوف أي وشق سبلا وأقام علامات ، فيقدر لكل منصوب فعل يناسبه. مثل «علفتها تبنا وماء باردا» أي وسقيتها ماء باردا. أفمن يخلق مبتدأ وكمن لا يخلق خبر.

المعنى :

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ). كل ما قام على ساق من نبات الأرض فهو شجر ، وتسيمون ترعون فيه مواشيكم ، والمعنى ان الله أنعم على عباده بالماء فجعله شرابا لهم ، وأنبت منه الشجر الذي ترعاه المواشي.

(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وأيضا أنبت الله سبحانه بالماء هذه الأشياء لمصالحنا ومنافعنا ، ولنتفكر ونتدبر قدرة الله وعظمته ونشكر آلاءه بطاعته والعمل بمرضاته ، وأشرنا فيما سبق ان الماء يتولد من أسبابه الطبيعية التي أوجدها الله في هذا الكون ، وإنما أسنده اليه تعالى من باب اسناد الشيء لفاعله الأول. وتقدم نظير هذه الآية في سورة ابراهيم الآية ٣٢ وفي سورة الحجر الآية ٢٢.

٥٠١

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). تقدم نظيره في سورة الرعد الآية ٢ وفي سورة ابراهيم الآية ٣٣ ، وقوله بأمره يشير الى الرد على الماديين الذين يرجعون جميع الحوادث الكونية الى الطبيعة نفسها.

وتسأل : ألا يغني ذكر الليل عن ذكر القمر ، وذكر النهار عن ذكر الشمس؟.

الجواب : كلا ، لأن الليل قد يوجد من غير القمر ، أما النهار فهو بعض فوائد الشمس وآثارها ، وليس كلها.

(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ). المراد بذرأ خلق وأوجد ، وألوانه أصنافه ، والمعنى ان الله سبحانه سخر لنا ما أودعه في الأرض من معادن جامدة ومائعة ، ونبات وغير ذلك ، ليتذكر متذكر ويشكر شاكر.

(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ذكر سبحانه من فوائد البحر ثلاثة أشياء :

الأول : الأسماك.

الثاني : الحلية كاللؤلؤ والمرجان ، قال تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) ـ ٢٢ الرحمن». قال المراغي عند تفسير هذه الآية : «توجد حقول من المرجان في البحر الأبيض المتوسط أمام تونس والجزائر ، وتحصد هذه الحقول الدولة الفرنسية وتبيعها على أصحابها أنفسهم ، وكأنهم لم يقرءوا القرآن .. وكأنهم لم يخلقوا في هذه الأرض .. وكأنهم لم يؤمروا بالعمل والاستخراج».

الثالث : السفر بالبحر للتجارة وغيرها.

(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أقام الجبال في الأرض لتثبت ولا تضطرب ، ومر نظيره في الآية ١٩ من سورة الحجر (وَأَنْهاراً) أجرى أنهارا (وَسُبُلاً) جعل طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) بتلك الطرق الى ما تريدون (وَعَلاماتٍ) والمراد بها الدلائل التي تهدي المسافر الى الطريق مثل الجبال والوديان ونحوها

٥٠٢

(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) إذا سافروا في الليل برا وبحرا ، مر نظيره في الآية ٩٧ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٣٣.

(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) بعد أن ذكر سبحانه انه هو الذي خلق السموات والأرض والإنسان والأنعام والحيوانات والماء والأشجار والشمس والقمر الخ. بعد هذا قال : هل الله الذي خلق هذه الأشياء يكون هو والأحجار والأصنام شركاء وسواء بسواء؟!. وهذا السؤال يحمل جوابه معه. (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) تقدمت هذه الآية بحروفها في سورة ابراهيم الآية ٣٤ (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لمن قصر في أداء شكره وحقه تعالى ، ولا يسلبه النعمة رحمة به (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ). وإذا كان عالما بما نسر ونعلن فيجب أن نطيعه خوفا من غضبه وعذابه.

الذين يدعون من دون الله الآية ٢٠ ـ ٢٣ :

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣))

الإعراب :

وهم يخلقون مبتدأ وخبر ، وأموات خبر ثان ، وغير أحياء صفة مؤكدة لأموات. وأيان استفهام عن الزمان بمعنى متى ومحلها النصب بيبعثون. إلهكم مبتدأ أول وإله مبتدأ ثان وواحد خبر الثاني ، والجملة خبر الأول. وقيل : ان لا جرم

٥٠٣

كلمة واحدة بمعنى حقا. وقيل : كلمتان مثل لا شك ، وتقدم الكلام عنها عند تفسير الآية ٢٢ من سورة هود.

المعنى :

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ). سبق الحديث عن الشرك والجدال مع المشركين في العديد من الآيات .. والآن وبعد ما ان عدّد سبحانه أنواعا من النعم على عباده أشار بهذه الآيات والتي بعدها الى الكافرين بالله وآلائه ، والجاعلين له شركاء في خلقه ، وقال لهم بكل بساطة ، وبأبلغ حجة : ان الإله المعبود يجب أن يكون خالقا غير مخلوق ، وأنتم أيها المشركون تعبدون مخلوقا غير خالق (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) وأيضا من شروط المعبود أن يكون حيا لا جمادا ، ومعبودكم جماد لا حياة فيه.

(وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). وهذه الجملة يتضح معناها من السؤالين التاليين وجوابيهما :

السؤال الأول : ان واو يشعرون ويبعثون تستعمل في العاقل ، والمشركون يعبدون الأصنام ، فكيف أطلق ضمير العاقل على غير العاقل ، ومثله ضمير (هم) في الآية السابقة؟.

الجواب : ان هذا الاستعمال جاء على وفق عقيدة المشركين الذين يعتقدون بأن الأصنام تعقل وتشعر .. وأي ضير في هذا الاستعمال وأمثاله ما دامت المسألة مسألة ألفاظ وعبارات.

السؤال الثاني : ان الأصنام لا تبعث ، فكيف قال سبحانه : وما يشعرون أيان يبعثون؟.

وأجاب بعض المفسرين بأن ضمير يشعرون يعود الى الأصنام ، وضمير يبعثون الى المشركين ، وعليه يكون المعنى ان الأصنام لا تعلم متى يبعث المشركون من قبورهم ، وإذا لم تعلم الأصنام ذلك ، فكيف تكون أهلا للعبادة؟.

(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ).

٥٠٤

ذكر سبحانه في هذه الآية وصفين لمنكري الآخرة : الأول ان قلوبهم قد أنكرت وجحدت اليوم الآخر ، وهم من أجل ذلك لا يعملون أي شيء طمعا في ثواب الله ، أو خوفا من عقابه .. وانما يعملون على أساس الربح والمنفعة في هذه الحياة الدنيا. الوصف الثاني الذي وصفهم الله به في هذه الآية انهم ينفرون من الحق ولا ينقادون له علوا واستكبارا.

(لا جَرَمَ) ليس من شك (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ). انه تعالى يعلم ان انكارهم كان علوا واستكبارا ، وهو يكره الذين يستنكفون عن الخضوع للحق ، ويعاقبهم بما يستحقون.

قالوا اساطير الأولين الآية ٢٤ ـ ٢٩ :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩))

٥٠٥

اللغة :

أساطير جمع أسطورة واسطارة ، وهي الشيء المسطور في الكتب من غير دليل على صحته. والأوزار الآثام. والقواعد جمع قاعدة والمراد بها هنا الدعامة. والسّلم الاستسلام. والمثوى مكان الثواء والاقامة.

الإعراب :

ما ذا يجوز أن تكون كلمتين ما للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء وذا خبر بمعنى الذي ، ويجوز أن تكون كلمة واحدة بمعنى أي شيء ومحلها النصب بأنزل. وأساطير خبر لمبتدأ محذوف أي هذه أساطير والذي أنزله أساطير. وليحملوا مضارع منصوب بأن مضمرة والمصدر المنسبك مجرور باللام متعلقا بقالوا ، واللام هنا معناها العاقبة مثل لدوا للموت وابنوا للخراب. أي كان عاقبة قولهم حمل الأوزار. وساء ما يزرون أعربها النحاة والمفسرون كما أعربوا بئس ونعم وما بعدهما ، وذكرنا ذلك في ج ٣ ص ١٨٨. والذي نراه ان ما مصدرية والمصدر المنسبك منها ومن يزرون فاعل ساء أي ساء وزرهم. والذين تتوفاهم نعت للكافرين. وظالمي أنفسهم حال من ضمير تتوفاهم. وخالدين حال من واو ادخلوا. وفلبئس اللام للتأكيد ، وبئس فعل ذم ، وفاعلها مستتر أي بئس المثوى ، ومثوى المتكبرين تمييز ، والمخصوص بالذم محذوف أي جهنم وهي مبتدأ وجملة بئس وفاعلها خبر.

المعنى :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). في الآية السابقة ذكر سبحانه ان الذين أنكروا الآخرة إنما أنكروها علوا واستكبارا عن الخضوع للحق ، وفي هذه الآية حكى عنهم انهم ينعتون القرآن بالخرافات والأساطير .. وفي آيات أخرى حكى انهم ينعتون محمدا تارة بأنه مجنون ، وتارة بأنه شاعر أو كاهن ،

٥٠٦

وثالثة بأنه ساحر ، وغرضهم الأول تضليل الناس عن الحق الذي يكشف عن عيوبهم ، ويظهرهم على حقيقتهم .. وقد ذكر الله سبحانه هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله في العديد من آياته ، ووصفهم تارة بأنهم يبغونها عوجا ، وأخرى بأنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم. وهددهم سبحانه في الآية ١٣ من سورة العنكبوت بقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) وفي معنى هذه الآية الآية التالية :

(لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ). لقد ضلوا وأضلوا ، وبضلالهم يحملون ذنوبهم كاملة أي لا يغفر الله منها شيئا ، وباضلالهم يحملون الكثير من ذنوب الذين أضلوهم وأفسدوهم. وفي الحديث : «أيما داع دعا الى الهدى فاتبع ـ أي تبعه الناس على ضلاله ـ كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص من آثامهم شيء». فيزاد في عذاب التابعين.

(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أتى الله على حذف مضاف أي أتى أمر الله بنيانهم ، وهو الهلاك ، والمراد بالبنيان والقواعد والسقف تشبيه أعمالهم بذلك ، والمعنى ان المشركين الأول دبروا المكائد والحيل ضد أنبياء الله ورسله ، فأبطلها الله جميعا ، بل كانت السبب في هلاكهم ودمارهم ، تماما كالذي بنى بيتا وأحكم بنيانه وقواعده ، حتى إذا سكنه واطمأن فيه انهار عليه من الأساس ، وأصبح أعلاه في أسفله. وهذه هي بالذات نهاية كل من عاند الحق ، وبث ضده الافتراءات والدعايات الكاذبة ، سواء أجاء الحق على لسان محمد (ص) أو لسان غيره.

(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ). المراد بالخزي هنا عذاب النار : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) ـ ١٩٢ آل عمران» (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِم). القائل هو الله ، والمقول لهم المشركون ، وتشاقون فيهم معناه تخاصمون في شأن الأصنام ، لأن المشركين كانوا يعبدونها ويدافعون عنها ، ويخاصمون من يشتمها أو يذكرها بسوء ، ويقولون : انها تشفع لنا ، وتقربنا من الله زلفى ..

٥٠٧

فإذا وقفوا غدا بين الله يسألهم عنها ، ويقول موبخا ومهددا : أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟. وإذا لم يكن شيء من العذاب الا هذا السؤال من العزيز الجبار لكفى.

(قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالحق وعملوا به : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ). والمراد بالكافرين هنا كل من عاند الحق واستنكف عن الخضوع له ملحدا كان أو غير ملحد ، لأن الاثنين الى جهنم وساءت مصيرا.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) ظلموا أنفسهم لأنهم ماتوا على الكفر والضلال (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) استسلموا وانقادوا حيث لا ينفعهم الاستسلام والانقياد. وكذبوا بقولهم : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ). ولذا رد سبحانه عليهم بقوله : (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من المظالم والمآثم ، واليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تفترون.

(فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ). وكل من رفض العمل بالحق فهو عند الله من المتكبرين ، سواء انتمى الى الإسلام أم إلى أي دين من الأديان ، ونهايته الخلود في جهنم ، أما أبوابها فقد سبق الكلام عنها عند تفسير الآية ٤٤ من سورة الحجر.

قالوا خيراً الآية ٣٠ ـ ٣٤ :

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ

٥٠٨

كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤))

اللغة :

ينظرون ينتظرون. وحاق بهم أحاط بهم.

الإعراب :

ما ذا بمعنى أي شيء ، ومحلها النصب بأنزل. وخيرا مفعول لفعل محذوف أي أنزل ربنا خيرا. للذين أحسنوا خبر مقدم ، وحسنة مبتدأ مؤخر ، والجملة مستأنفة ، ويجوز أن تكون بدلا من خير. وجنات عدن مخصوصة بالمدح بنعم. وجملة يدخلونها حال ، ويجوز أن تكون جنات عدن مبتدأ ويدخلونها خبرا ، والجملة مستأنفة ، والمخصوص بالمدح محذوف. وطيبين حال من ضمير تتوفاهم. وجملة يقولون حال من الملائكة.

المعنى :

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً). بعد أن ذكر سبحانه المشركين الذين وصفوا القرآن بالخرافات وأساطير الأولين ذكر في هذه الآية المؤمنين ، وانهم إذا سئلوا عن القرآن ذكروه بالتقديس والتعظيم ، ونعتوه بما نعته الإمام علي في نهج البلاغة : «ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات الا به».

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ). هذه الجملة مستأنفة لا صلة لها بما قبلها ، وقيل : بل هي من كلام المتقين ، وانها بدل من خير. والمعنى واحد

٥٠٩

على التقديرين ، وهو ان الله سبحانه يجزي المحسنين خيرا في الدنيا ، ولو بالذكر الجميل (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من نعيم الدنيا المشوب بالهمّ والكدر ، والمحدود كما وكيفا (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) لأنها دار الهناء الدائم الذي لا تشوبه شائبة من همّ وعناء.

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ). لا يدخل هذه الجنة العظمى الا المتقون ، وهم الذين جاهدوا لنصرة الحق ، وصبروا لتحمّل الأذى من أجله ، وقد نص القرآن بوضوح على هذا التحديد للمتقين في الآية ١٤٢ من سورة آل عمران : «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين». أنظر ج ٢ ص ١٦٥ ، وج ١ ص ٢٤٢ فقرة «ثمن الجنة».

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) في مقاصدهم ، وطيبين في أفعالهم وأقوالهم ، وبالخاتمة يقاس الإنسان ، والسعيد من فارق هذه الحياة والله راض عنه ، ويشهد له بأنه من الطيبين الأخيار (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ضمير يقولون للملائكة ، وخطاب عليكم للمؤمنين المتقين .. تسلم ملائكة الرحمة على الطيبين عند الموت ، وتبشرهم بالجنة ، ليطمئنوا ويستبشروا بما أعد الله لهم من الكرامة وعظيم المنزلة.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ). مر نظيره في الآية ١٥٨ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٨٩ (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). هذا تذكير وتحذير للذين كذبوا محمدا (ص) أن يصيبهم ما أصاب الأمم الخالية الذين كذبوا رسلهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) .. حاشا .. كيف؟ .. وقد نهى عن الظلم ، ونعت الظالمين بالضلال في الآية ١١ من سورة لقمان «بل الظالمون في ضلال مبين». ولعنهم في الآية ٤٤ من سورة الأعراف : (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).

(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) تكرر هذا المعنى في العديد من الآيات ، وأوضحها جميعا الآية ٤٤ من سورة يونس : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). كرر سبحانه لفظ الناس دفعا لكل شبهة ، ولولا قول الأشاعرة ـ أي السنة ـ : ان الإنسان مسيّر ، لا مخيّر لكنا في غنى عن هذا التطويل أو التأكيد الذي هو أشبه بتوضيح الواضحات.

٥١٠

(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). أنكر المشركون رسالة محمد (ص) وسخروا منه ومنها ، وصدوا الناس عنها. وسيلاقون ثمرة أعمالهم بالقسط ، وهم لا يظلمون ، بل ان الكثير منهم لاقى جزاء عمله في الدنيا قبل الآخرة.

وقال الذين أشركو الآية ٣٥ ـ ٣٧ :

(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧))

الإعراب :

ان اعبدوا (ان) مفسرة بمعنى أي. فمنهم خبر مقدم ومن هدى مبتدأ مؤخر ، ومثله ومنهم من حقت. وكيف خبر مقدم لكان ، وعاقبة اسمها.

المعنى :

(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا

٥١١

وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ). سبق نظيره مع التفسير في الآية ١٤٨ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٧٧.

(كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). هذا هو مبدأ الطغاة في كل زمان ومكان ينكرون الحق ويحاربون المحقين ، ثم يحيلون ذلك الى مشيئة الله (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) هذه هي مهمة الرسل تبليغ الأوامر والنواهي عن الله تعالى ، أما العمل بها فليس من وظيفتهم في كثير أو قليل. وسبق هذا المعنى في كثير من الآيات.

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). تدل هذه الآية على ان الله سبحانه قد أرسل لكل أمة في كل قرن وقطر رسولا يأمرها بعبادة الله وحده ، وينهاها عن عبادة غيره صنما كان أو كوكبا أو إنسانا ، أو أي شيء ، وليس من الضروري ان يكون هذا الرسول بشرا ، فان العقل رسول من الداخل ، كما ان النبي رسول من الخارج. انظر «الله والفطرة» ج ٣ ص ١٨٨.

(فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ). المراد بالضلالة هنا كلمة العذاب ، مثلها في قوله تعالى : (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ـ ٢٩ الأعراف» .. أرسل الله سبحانه رسلا مبشرين ومنذرين ، فآمن قوم وكانوا من المهتدين المقربين عند الله ، وكفر آخرون وكانوا من المبعدين المعذبين (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). الخطاب موجه الى مشركي قريش الذين كذبوا محمدا (ص) ، وقد أمرهم الله بأن ينظروا آثار غضبه وعذابه فيمن كذبوا رسلهم من الأمم الماضية ليعتبروا ويتعظوا ، وتكرر هذا المعنى في الكثير من الآيات ، منها الآية ١٣٧ من آل عمران ج ٢ ص ١٥٩.

(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ). ليس من شك ان رسول الله (ص) يحرص على هداية كل الناس بخاصة قومه قريشا ، ولكن مجرد حرص النبي ليس سببا لوجود الهداية ، وانما السبب هو رغبة الإنسان في الهدى وقدرته عليه ، كما ان السبب لوجود الضلال رغبته فيه وقدرته عليه ، وأقر الله سبحانه وتعالى كلا من هذين السببين بمعنى انه جلت

٥١٢

حكمته قد جعل رغبة الإنسان في الهدى وقدرته عليه نتيجة طبيعية لهدايته ، وأيضا جعل رغبته في الضلال وقدرته عليه نتيجة طبيعية لضلاله ، تماما كشرب السم المؤدي الى التهلكة ، وتجنب المخاطر المؤدي الى النجاة ، وهذا المعنى هو المراد من نسبة الهدى والضلال اليه تعالى في هذه الآية ، وأمثالها .. ومن قال : ان الله يخلق الهدى والضلال في الإنسان خلقا فهو بحكم المشركين الذين حكى الله قولهم في الآية السابقة : «لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا». تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

وأقسموا بالله الآية ٣٨ ـ ٤٢ :

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢))

اللغة :

الجهد بفتح الجيم التعب ، يقال : جهد في الأمر أي اجتهد فيه وتعب ، وأقسموا جهد ايمانهم أي بالغوا في اليمين واجتهدوا ، والجهد بضم الجيم الاستطاعة يقال : بذل جهده وجهوده أي استطاعته ، وكل ما يطيق. وبوّأ المكان حل فيه ، وبوأه وبوأ له المكان هيأه له وأنزله فيه.

٥١٣

الإعراب :

جهد ايمانهم مفعول مطلق لأقسموا لأن جهد الايمان أغلظها ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال أي جاهدين في ايمانهم. وبلى حرف جواب ، وتختص بالنفي أو ما في حكمه كالاستفهام ، وتفيد إبطال النفي واثبات المنفي. وعدا منصوب على المصدرية ، ومثله حقا أي وعد وعدا ، وحق حقا. ليبين منصوب بأن مضمرة ، والمصدر مجرور باللام ومتعلق بفعل محذوف أي يبعثهم من أجل البيان والافهام ، ومثله ليعلم. وانما قولنا (انما) مركبة من كلمتين انّ وما الكافة عن العمل ، وقولنا مبتدأ ، ولشيء متعلق بقولنا ، وإذا ظرف زمان أي وقت ارادتنا ، وهو متعلق بقولنا. والمصدر من أن نقول له كن خبر المبتدأ ، وكن هنا تامة ، ومثلها فيكون ، وجملة فيكون خبر لمبتدأ محذوف أي فهو يكون.

المعنى :

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ). في الآية ٢٠ من هذه السورة قال تعالى للمشركين : انكم تعبدون مخلوقا غير خالق ، وفي الآية ٢٤ حكى عنهم القول : انهم يصفون القرآن بأساطير الأولين ، وفي الآية ٣٥ ذكر سبحانه انهم أسندوا شركهم وشرك آبائهم الى الله ، وقال تعالى في الآية التي نفسرها : ان المشركين ينكرون البعث ، ويقسمون الايمان المغلظة ، ويجتهدون فيها انه من مات فات لأن الشيء متى تفرقت أجزاؤه فلن يعود ثانية كما كان .. وتكلمنا عن ذلك فيما سبق مرات. أنظر : طرق متنوعة لاثبات المعاد ج ٢ ص ٣٩٦. والماديون والحياة بعد الموت عند تفسير الآية ٥ من سورة الرعد.

(بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). كان المشركون يؤمنون بوجود الله ووجود الشركاء له ، وينكرون البعث ، ولأنهم يؤمنون بوجود الله جاء الرد عليهم بأن البعث واقع لا محالة ، لأن الله الذي يؤمنون به هو الذي وعد بالبعث ووعده الحق وقوله الصدق .. أما جمع الأجزاء بعد تفرقها فأهون عليه من خلقها وإيجادها ، لأن من أوجد شيئا من لا شيء فبالأولى أن يوجده من أجزاء متفرقة.

٥١٤

(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ). ان في البعث حكما عديدة : منها تمييز الخبيث من الطيب ، والمحسن من المسيء ، وجزاء كل بما يستحق ، ومنها ان الله سبحانه يبين للخلائق الحق الذي اختلفوا فيه كالتوحيد والنبوة والحلال والحرام (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) ومنها أيضا أن يعلم الذين أقسموا ان الله لا يبعث أحدا ، ان يعلموا ويتأكدوا انهم كانوا كاذبين في ايمانهم.

(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). بدأ الله الخلق بكلمة كن ، ويعيده أيضا بهذه الكلمة : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٢٧ الروم».

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً). هذه الآية تنطبق تماما على المهاجرين من صحابة رسول الله (ص) الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرته ، وفارقوا الدنيا والأهل والمال فرارا بدينهم ، واتباعا لنبيهم ابتغاء مرضاة الله ورسوله ، أما الحسنة التي منحهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة فهي ديارهم وأملاكهم الجديدة بالمدينة فإنها خير وأفضل من ديارهم بمكة (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) من الدنيا وما فيها (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). ضمير كانوا ويعلمون يعودان الى المشركين الذين أنكروا البعث ، أما المؤمنون وبخاصة صحابة الرسول (ص) فإنهم يعلمون علم اليقين ان ثواب الآخرة أكبر وأعظم. وتكلمنا عن الهجرة والمهاجرين في ج ٢ ص ٤١٩ وما بعدها ، وعن المهاجرين والأنصار في ج ٣ ص ٥١٠ وما بعدها.

(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). ان للمؤمن الحق صفات وعلامات ، وأهمها انكار الذات ، والتضحية في سبيل الله ، والصبر على تحمّل الأذى والمشاق من أجل احقاق الحق ، وإبطال الباطل ، والتوكل على الله وحده ، لا على المال والجاه والأنساب تماما كما كان صحابة الرسول الأعظم (ص).

فأسألوا أهل الذكر الأية ٤٣ ـ ٥٠ :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ

٥١٥

كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠))

اللغة :

الزبر بضم الزاء الكتب ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) ـ ١٩٦ الشعراء». والواحد زبور ، ويقال زبرت الكتاب أي كتبته ، والزبور بفتح الزاء الزجر. وفي تقلبهم أي في تصرفاتهم وذهابهم وإيابهم. ومن معاني التخوف التنقص أي جعل الشيء ناقصا ، وفي مجمع البيان : «قال أكثر المفسرين : معنى على تخوّف على تنقص اما بقتلهم واما بموتهم». ويتفيأ من الفيء ، يقال : فاء الظل إذا رجع وعاد. وداخرون صاغرون. ومن فوقهم كناية عن قدرة الله وعظمته تماما كقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) ـ ١٨ الأنعام».

الإعراب :

بالبينات متعلق بنوحي اليهم ، وقيل بفعل محذوف أي أرسلنا الرسل بالبينات

٥١٦

والزبر. والمصدر من أن يخسف مفعول أمن. وما خلق الله (ما) اسم موصول. ومن شيء يتفيأ ظلاله بيان لما خلق الله أي ان المراد من (ما) كل ما له ظل. وسجدا حال من الظلال.

المعنى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ). أنكر المشركون نبوة محمد ، وقالوا : ما بعث الله بشرا رسولا .. فأبطل الله زعمهم بأن جميع الأنبياء والرسل السابقين كانوا رجالا يوحى اليهم ، كنوح وابراهيم وإسماعيل وموسى وغيرهم ، لأن الغرض من إرسال الرسل لا يتحقق الا إذا كان الرسول من جنس المرسل اليهم : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) ـ ٤ ابراهيم» : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) ـ ٩٥ الاسراء» .. (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) المراد بأهل الذكر أهل العلم المنصفون ، سواء أكانوا من أهل الكتاب أم غيرهم ، والمعنى ان كنتم أيها المشركون في ريب من قولنا فاسألوا العارفين يخبروكم ان جميع الأنبياء بشر.

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) أي أرسل الله الرسل الى الناس بالبينات ، وهي الدلائل والبراهين ، وبالزبر ، وهي الكتب التي فيها بيان الدين عقيدة وشريعة (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). الخطاب لمحمد (ص) ، والمراد بالذكر هنا القرآن ، ومن الواضح ان الغاية من إرسال الرسل ، وانزال الكتب هداية الناس الى الحق والعدل ، والى حياة الأمن والرخاء ، وقوله : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) معناه لعلهم يتدبرون القرآن ويدركون أسراره وأهدافه ، ويعلمون انه أنزل لخيرهم ومصلحتهم.

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ). قال المفسرون : المراد بالذين مكروا هنا مشركو قريش لأنهم هم الذين أساءوا إلى النبي (ص) ، ودبروا ضده الحيل والمؤامرات. وقد خوفهم سبحانه بأربعة أنواع من العذاب :

١ ـ (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ). كما فعل بقارون : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ

٥١٧

الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) ـ ٨١ القصص».

٢ ـ (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ). فيهلكهم الله بغتة كما فعل بقوم لوط.

٣ ـ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ). يهلكهم في حال اشتغالهم وكدهم في الأرض للرزق.

٤ ـ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ). قال أكثر المفسرين ـ والعهدة على الطبرسي ـ : ان المراد بالتخوف هنا التنقص ، وعليه يكون المعنى ان الله سبحانه لا يهلكهم دفعة واحدة ، بل يبتليهم بنقص من الأنفس والأموال شيئا فشيئا ، حتى يأتي على آخرهم. (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). ومن رأفته ورحمته أن لا يعجل للعصاة ما يستحقونه من العقوبة أملا بتوبتهم وهدايتهم.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) ضمير يروا يعود إلى الذين مكروا السيئات المذكورين في الآية السابقة ، ويجوز أن يعود الى كل معاند ، لأن الله سبحانه يقول موبخا : ألم ينظر الجاحدون المعاندون الى ما خلق الله؟. والمراد بقوله : (ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) كل شيء له ظل وخيال كالجبال والأشجار والحيوان والعمار ونحو ذلك ، أما قوله عن اليمين والشمائل فإنه يشير الى جانبي الشيء الذي له ظل ، لأن ظل الشيء يكون الى جهة من شروق الشمس إلى زوالها أي الظهر ، ثم يتحول الظل إلى جهة ثانية من الظهر الى الليل ، فعبّر سبحانه باليمين عن الجهة الأولى ، وبالشمائل عن الجهة الثانية ، ومثله قوله تعالى : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ـ ١٥ الرعد». أما قوله : سجدا لله فهو كناية عن الخضوع والانقياد.

وداخرون أي صاغرون.

وتسأل : لما ذا قال تعالى : اليمين والشمائل ، فأفرد اليمين وجمع الشمائل ، ولم يساو بينهما جمعا أو إفرادا؟.

وأجاب المفسرون عن ذلك بأجوبة أقربها ان من أساليب البلاغة عند العرب إذا ذكروا معنيين للجمع ان يعبروا عن أحد المعنيين بلفظ الواحد ، وعن المعنى الآخر بلفظ الجمع ، كقوله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) وقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ).

٥١٨

والخلاصة ان الله سبحانه بعد أن هدد وتوعد المشركين والمعاندين قال في هذه الآية : ان كل ما في الكون ـ غير المشركين والمعاندين ـ هو خاضع ومنقاد لأمره.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ). كل المخلوقات والكائنات العلوية والسفلية تدل دلالة واضحة على وجود صانعها وباريها ، وعلى قدرته وعلمه وحكمته ، وهذه الدلالة هي بطبعها تسبيح وتمجيد وسجود وركوع للبارئ المصور ، وهذا هو معنى سجود الكائنات ـ غير العاقلة ـ وهو أيضا المراد من قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ـ ٤٤ الاسراء». والغرض من ذكر الدابة والملائكة بعد ذكر ما في السموات وما في الأرض هو بيان الشمول لجميع المخلوقات بشتى أنواعها. وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ١٣ و ١٥ من سورة الرعد.

(يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). تدل هذه الآية صراحة على ان من آمن بالله خافه وأطاع أمره ونهيه ، وتدل ضمنا وتلويحا على ان من يعصي الله ، ثم يدعي الايمان به ، والخوف منه فهو كاذب في دعواه.

انما هو إله واحد الآية ٥١ ـ ٥٥ :

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥))

٥١٩

اللغة :

الواصب الدائم ، يقال : واصب على الشيء وواظب عليه إذا داوم ، وقيل : معنى الواصب هنا الواجب. والجؤار الاستغاثة برفع الصوت ، وتجأرون ترفعون أصواتكم مستغيثين.

الإعراب :

اثنين تأكيد لإلهين. واياي مفعول مقدم لارهبون. وله خبر مقدم والدين مبتدأ مؤخر ، وواصبا حال من الدين والعامل بالحال خبر المبتدأ المحذوف. وما بكم (ما) اسم موصول مبتدأ ، وبكم صلة ، ومن نعمة حال من ضمير بكم ، فمن الله خبر لمبتدأ محذوف أي فهو من الله ، والجملة خبر (ما) الموصولة. وإذا فريق (فريق) فاعل لفعل محذوف أي فإذا يشرك فريق منكم.

المعنى :

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). من القواعد المعروفة عند الفقهاء : ان الضرورة تقدّر بقدرها ، وان ما زاد عن الحاجة والضرورة فهو لغو .. وهذه القاعدة يمكن تطبيقها على شريك الباري ، وذلك بأن فرض وجود مدبر حكيم أمر محتوم لا مفر منه في نظر العقل ، حيث لا يمكن تفسير الكون ، وتعليل ما فيه من نظام وانسجام إلا بوجود مدبر حكيم ، ومع هذا الفرض لا يبقى أي داع لفرض إله آخر في نظر العقل ، بل العقل يرفضه ويأباه. انظر دليل التوحيد والأقانيم الثلاثة في ج ٢ ص ٣٤٤ .. ثم ان لوحدانية الله آثارا ولوازم أشار سبحانه الى بعضها بقوله :

١ ـ (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) دون معارض ومنازع لأنه هو خالق السموات والأرض وما فيهما.

٢ ـ (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً). المراد بالدين هنا الانقياد والطاعة ، ومعنى

٥٢٠